بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الحادی عشر: ارتباط الربوبیة و العبودیة، الجمع بین الروایات التنزیه الخالص و روا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 اشعار ابن الفارض فی الصحو بعد المحو ، ای الاحاطة  الکلیة بجمیع العوالم

حتّي‌ يصل‌ إلی‌ شمول‌ العلم‌ والقدرة‌ والحياة‌ إلی‌ ما سواه‌ فيقول‌:

فَأَتْلُو عُلُومَ العَالَمِينَ بِلَفْظَةٍ                      وَأَجْلُو علی العَالَمِينَ بِلَحْظَةٍ

وَأَسْمَعُ أَصْواتَ الدُّعَاةِ وَسَا                     ئِرَ اللُّغَاتِ بِوَقْتٍ دُونَ مِقْدَارِ لَمْحَةِ

وَأُحْضِرُ مَا قَدْ عَزَّ لِلْعَبْدِ حَمْلُهُ                   وَلَمْ يَرْتَدِدْ طَرْفِي‌ إلَی بِغَمْضَةِ

وَأنْشَقُ أَرْواحَ الجِنَانِ وَعَرْفَ مَا                يُصَافِحُ أَذْيَالَ الرِّيَاحِ بِنَسْمَةِ

وَأَسْتَعْرِضُ الا´فَاقَ نَحْوِي‌ بَخَطْرَةٍ                        وَأَحْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقِ بِخُطْوَةِ

وَأَشْبَاحُ مَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ                 لِجَمْعِيَ كَالاْرْوَاحِ حَفَّتْ فَخَفَّتِ[268]

 1 ـ فأنا إذ ذاك‌ أتلو علوم‌ علماء العالم‌ بلفظٍ واحد، واستعرض‌ جميع‌ العوالم‌ بلمحةٍ واحدة‌.

 2 ـ وأسمع‌ أصوات‌ الداعين‌ وجيمع‌ اللغات‌ في‌ أدني‌ من‌ طرفة‌ العين‌.

 3 ـ وأُخضر ما تعذّر حمله‌ من‌ المسافات‌ البعيدة‌ قبل‌ أن‌ يردتدّ إلی طرفي‌.

 4 ـ وأشمّ رائحة‌ الجنان‌ وعبير الرياض‌ التي‌ تصافحها أذيال‌ الريال‌ بنسمةٍ واحدة‌.

 5 ـ واستعرض‌ الا´فاق‌ نحوي‌ بمقدار ما يخطر ببال‌، وأخرق‌ حجب‌ السماوات‌ السبع‌ الطباق‌ بخطوةٍ واحدة‌.

 6 ـ وأشباح‌ وأجسام‌ من‌ لم‌ تبق‌ فيهم‌ من‌ هوي‌ النفس‌ الامّارة‌ بقيّة‌ وأثر، تصير كأرواحهم‌ بعد التزكية‌ خفيفة‌ لكونها محفوفة‌ بمقام‌ الجمع.[269]

 ثمّ يذكر لإثبات‌ هذا المطلب‌ معجزاتٍ من‌ أنبياءٍ عظام‌ رشحت‌ من‌ نفوسهم‌ إثر تزكيتها وطهارتها بإذن‌ الله‌ تعإلی‌ فيقول‌:

هِي‌ النَّفْسُ إنْ أَلْقَتْ هَوَاهَا تَضَاعَفَتْ                               قُوَاهَا، وَأَعْطَتْ فِعْلَهَا كُلَّ ذَرَّةِ

وَنَاهَيْكَ جَمْعَاً، لاَ بِفَرْقِ مِسَاحَتَي‌                                    مَكَانٍ مَقِيسٍ أَوْ زَمَانٍ مُوَقَّتِ

بِذَاكَ عَلاَ الطُّوفَانَ نُوحٌ وَقَد نَجَا                              بِهِ مَنْ نَجَا مِنْ قَوْمِهِ فِي‌ السَّفِينَةِ

وَغَاضَ لَهُ مَا فَاضَ عَنْهُ اسْتِجَادَةً                         وَجَدَّ إلَی‌ الجُودِي[270]‌ بِهَا وَاسْتَقَرَّتِ

وَسَارَ وَمَتْنُ الرِّيحِ تَحْتَ بِسَاطِهِ                سُلَيْمَانُ بِالْجَيْشيْنِ فَوْقَ البَسِيطَةِ

وَقَبْلَ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ أُحْضِرَ مِن‌سَبَا                                    لَهُ عَرْشُ بِلْقِيسٍ بِغَيْرِ مَشَقَّةِ

وَأَخْمَدَ إبْرِاهِيمُ نَارَ عَدُوِّهِ              وَعَنْ نُورِهِ عَادَتْ لَهُ رُوضُ جَنَّةِ[271]

وَلَمَّا دَعَا الاَطْيَارَ مِنْ كُلِّ شَاهِقٍ               وَقَدْ ذُبِحَتْ، جَاءَتْهُ غَيْرُ عَصِيَّةِ

وَمِنْ يَدِهِ مُوسَي‌ عَصَاهُ تَلَقَّفَتْ                مِنَالسِّحْرِ أَهْوَالاً علی‌النَّفْسِ شُقَّتِ

وَمِنْ حَجَرٍ أَجْرَي‌ عُيُونَاً بِضَرْبَةٍ                  بِهَا دِيَمَاً سَقَّتْ وَلِلْبَحْرِ شَقَّتِ

وَيُوسُفُ إذْ أَلْقَي‌ البَشِيرُ قَمِيصَهُ              علی‌ وَجْهِ يَعْقُوبٍ علیهِ بَأوْبَةِ

رَأهُ بِعَيْنٍ، قَبْلَ مَقْدَمِهِ بَكَي                     ‌ علیهِ بِهَا شَوْقَاً إلَیهِ، فَكُفَّتِ

وَفِي‌ آلِ إسْرَائِيلَ مَائِدَةٌ مِنَ ال                سَّمَاءِ لِعِيسَي‌ أُنْزِلَتْ مُدَّتِ

وَمِنْ أَكْمَهٍ أَبْرَا، وَمِنْ وَضَحٍ عَدَا                 شَفَي‌، وَأعَادَ الطِّينَ طَيْرَاً بَنَفْخَةِ[272]

 1 ـ وخرق‌ العادات‌ هذا كلّه‌ الحاصل‌ بجمع‌ نفس‌ الإنسان‌ يحدث‌ فقط‌ حين‌ تلقي‌ النفس‌ هواها فتتضاعف‌ قواها، فتمنح‌ فعلها لكلّ ذرّة‌ من‌ ذرّاتها.

 2 ـ وحسبك‌ لعظمة‌ وجلالة‌ هذا الجمع‌ الذي‌ لا يفرّق‌ بين‌ مكان‌ معيّن‌ وغيره‌، ولا بين‌ زمان‌ معيّن‌ ومقدّر وغيره‌. ( بل‌ الامكنة‌ كلّها والازمنة‌ كلّها عنده‌ سواء، لذا فإنّ خرق‌ العادات‌ الناشي‌ من‌ هذا الجمع‌ لا يحصل‌ إلاّ لمن‌ تخلّص‌ من‌ محنة‌ تفرقة‌ الزمان‌ والمكان‌ موصلاً نفسه‌ إلی‌ فضاء الجمع‌ الواسع‌، ولهذا فإنّ جميع‌ معجزات‌ الانبياء وكرامات‌ الاولياء تستند علی‌ هذا الجمع‌ كما سيعدّدها بنفس‌ هذا الاُسلوب‌ واحداً واحداً في‌ أبياته‌ اللاحقة‌ ).

 3 ـ فبذاك‌ الجمع‌ علا نوح‌ فوق‌ الطوفان‌ وسلّطه‌ علی‌ قومه‌، وبذاك‌ الجمع‌ نجا الناجون‌ من‌ قومه‌ في‌ السفنية‌.

 4 ـ وبذاك‌ الجمع‌ غاض‌ ذلك‌ الماء الكثير الطافح‌ الذي‌ تدفّق‌ بطلبه‌ أمطاراً منهمرةً مستمرّةً، وأسرع‌ نوح‌ بسفنيته‌ إلی‌ جبل‌ الجودي‌ فرست‌ عنده‌.

 5 ـ وبالجمع‌ سار سليمان‌ بجيوشه‌ من‌ الجنّ والإنس‌ فوق‌ الارض‌، جالساً علی‌ بساطه‌ وفراشه‌ علی‌ متن‌ الريح‌.

 6 ـ وبالجمع‌ أُحضر لسليمان‌ عرش‌ بلقيس‌ من‌ مدينة‌ سبأ بلا مشقّة‌ وتعب‌ قبل‌ أن‌ يرتدّ نور عينه‌ إلیها. [273]

 7 ـ وبه‌ أخمد أبراهيم‌ النار التي‌ أجّجها عدوّه‌، وبذلك‌ الجمع‌ أو من‌ نور إبراهي‌ استحالت‌ تلك‌ النار له‌ روضةً من‌ رياض‌ الجنّة‌.

 8 ـ وبالجمع‌ دعا إبراهيم‌ الاطيار التي‌ ذبّحها وفرّقها عي‌ قمم‌ الجبال‌، فجاءت‌ جميعاً تلبّي‌ دعوته‌ بلا امتناع‌ وإباء.

 9 ـ وبه‌ ألقي‌ موسي‌ عصاه‌ من‌ يده‌ فالتفقت‌ سحر السحرة‌ المدهش‌ الموحش‌ الذي‌ شقّ تحمله‌ علی‌ النفس‌.

 10 ـ وبذاك‌ الجمع‌ ضرب‌ موسي‌ الحجر فانفجرت‌ منه‌ عيون‌ سقت‌ الماء كغيثٍ منهمرٍ مستمر، وبالجمع‌ شقّ البحر ( فعبر وقومه‌ من‌ الاسباط‌ وغرق‌ فرعون‌ وجنده‌ الاقباط‌ جميعاً ).

 11 ـ وبالجمع‌ ذاك‌ جاء البشير إلی‌ يعقوب‌ بيشارة‌ إياب‌ يوسف‌، وألقي‌ قميص‌ يوسف‌ علی‌ وجه‌ أبيه‌.

 12 ـ فارتدّ بصيراً، ونظرَ يوسفَ بعينٍ بكي‌ علیه‌ بها اشتياقاً قبل‌ مقدم‌ البشير حتّي‌ ابيضّت‌ وعميت‌.

 13 ـ وبالجمع‌ ذاك‌ نزلت‌ في‌ بني‌ إسرائيل‌ ( من‌ ولد يعقوب‌ ) مائدة‌ من‌ السماء لعيسي‌ ابن‌ مريم‌ ثمّ مدّت‌ وبُسطت‌.

 14 ـ وبذاك‌ الجمع‌ أبرأ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ الاكمه‌ والابرص‌، وبنفخة‌ واحدة‌ منه‌ في‌ الطين‌ صيّره‌ طيراً حيّاً يطير.

 وبعد سطور ثلاثة‌ في‌ بيان‌ سرّ انفعالات‌ الظواهر في‌ الباطن‌، وبيان‌ علّة‌ نبوّة‌ النبيّ الاكرم‌ وفضيلته‌ وكرامته‌ يقول‌ ابن‌ الفارض‌:

فَعَالِمُنَا مِنْهُمْ نَبِيّ، وَمَنْ دَعَا                   إلَی‌ الحَقِّ مِنَّا قَامَ بِالرُّسُلِيَّةِ

وَعَارِفُنَا فِي‌ وَقْتِنَا، الاْحْمَدِيُّ مِنْ              أُولي‌ العَزْمِ مِنْهُمْ، آخِذٌ بِالعَزِيمَةِ

وَمَا كانَ مِنْهُمْ مُعْجَزَاً صَارَ بَعْدَهُ                كَرَامَةَ صِدِّيقٍ لَهُ أَوْ خَلِيفَةِ

بِعِتْرَتِهِ اسْتَغْنَتْ عَنِ الرُّسُلِ الوَرَي‌                       وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ الاْئِمَّةِ

كَرَامَاتُهُمْ مِنْ بَعْضِ مَا خَصَّهُمْ بِهِ             بِمَا حَصَّهُمْ مِنْ إرْثِ كُلِّ فَضِيلَةِ [274]

 1 ـ ولهذا فإنّ عالِمنا ( أي‌ العالِم‌ بالله‌، والعالم‌ بمبدعاته‌ وكائناته‌ وأوامره‌ ونواهيه‌، والعالم‌ بأحوال‌ يوم‌ القيامة‌ ) بمثابة‌ نبيٍّ من‌ السابقين‌ كان‌ ينبي‌ الناس‌ بهذه‌ الاُمور، والداعي‌ منّا إلی‌ الحقّ ( الذي‌ يدعو الناس‌ إلی‌ الله‌ ويدرجهم‌ في‌ مدارج‌ التزكية‌ والتصفية‌ والتحلية‌ والتخلية‌ ) هو القائم‌ بدور رُسل‌ الله‌، وعلاوةً علی‌ الإنباء والإخبار فقد تعهّد بواجب‌ التبليغ‌ وأداء رسالة‌ تربية‌ الناس‌ وتعلیمهم‌.

 2 ـ وعارفنا الاحمديّ في‌ وقتنا ( أو عارفنا في‌ زمان‌ أحمدنا ) بمنزلة‌ ومثابة‌ الانبياء أولي‌ العزم‌: أخذٌ بالعزيمة‌، لايتبع‌ غير العزائم‌ ولا يبحث‌ عن‌ الرخص‌، وهو ذلك‌ العارف‌ بالله‌ المطلّع‌ علی‌ أسرار ملائكته‌ وخزائنه‌ ودفائنه‌، والمأذون‌ بالتصّرف‌ فيها.

 3 ـ فما تحقّق‌ من‌ الخوارق‌ قبل‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بعنوان‌ معجزات‌ من‌ أُولئك‌ الانبياء، فقد صار بعد النبيّ الاكرم‌ بعنوان‌ كرامة‌ تصدر من‌ صدّيقي‌ الاُمّة‌ أوخلفائها الحقيقيتين‌.

 4 ـ ( ولانّ عترة‌ رسول‌ الله‌ هم‌ بمثابة‌ رُسل‌ تابعين‌ له‌ )، فإنّ جميع‌ الناس‌ قد استغنوا بعترته‌ الائمّة‌ عن‌ مجي‌ء الانبياء بعد رسول‌ الله‌ الخاتم‌ للنبوّة‌، وكذلك‌ بأصحابه‌ وأتباعه‌. [275]

 5 ـ وما يصدر من‌ عترة‌ رسول‌ الله‌ من‌ كرامات‌ فإنّ بعضها ممّا خصّهم‌ به‌ رسول‌ الله‌ بعنوان‌ حصّتهم‌ وسهمهم‌ من‌ ميراث‌ الفضائل‌.

 ثمّ يذكر ابن‌ الفارض‌ أبياتاً ثلاثة‌ تمثّل‌ في‌ ظاهرها مناقب‌ للخلفاء الثلاثة‌، لكنّها تستبطن‌ في‌ الحقيقة‌ عين‌ الذمّ والانتفاص‌، ومن‌ الواضح‌ أنـّه‌ أوردها تقيّةً مُجبراً.

 ثمّ يقول‌ بشأن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

وَأَوْضَحَ بِالتَّأوِيلِ مَا كَانَ مُشْكِلاً                 علی بِعِلْمٍ نَالَهُ بِالوَصِيَّةِ [276]

 أي‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ قد أوضح‌ بالعلم‌ الذي‌ ناله‌ بوصيّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ له‌ غوامض‌ معاني‌ القرآن‌ وأعادها إلی‌ معانيها الحقيقيّة‌، أي‌ أنـّه‌ أوضح‌ تأويلها وبيّنه‌ للاُمّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

وقوع امور عجیبة من نفوس اولیاء الله باذن الله

 ثمّ يبحث‌ ابن‌ الفارض‌ من‌ الا´ن‌ فصاعداً بشكلٍ مفصّل‌ في‌ التوحيد الحقيقيّ للذات‌، وفي‌ كيفيّة‌ نزول‌ التوحيد من‌ قلب‌ العارف‌ بالله‌ في‌ عالم‌ الإمكان‌، وفي‌ شبكات‌ التركيب‌، وبيان‌ بطلان‌ التناسخ‌ والمسخ‌ والفسخ‌ والرسخ‌، [277] وذلك‌ لرفع‌ العجب‌ في‌ ظهور هذه‌ الغرائب‌ والعجائب‌ من‌ نفس‌ العارف‌ بالله‌، وظهورها من‌ النفوس‌ الشريفة‌ للانبيائ والائمّة‌ والاولياء، فيبيّن‌ الحقيقة‌ في‌ إيضاحه‌ للمطلب‌ بهذه‌ الابيات‌:

فَكُنْ فَطِنَاً، وَانْظُرْ بِحِسِّكَ مُنْصِفَاً              لِنَفْسِكَ فِي‌أَفْعَالِكَ الاَثَرِيَّةِ

وَشَاهِدْ إذَا اسْتَجْلَيْتَ نَفْسَكَ مَاتَرَي‌                     بِغَيْرِ مِرَاءٍ، فِي‌ المَرَائِي‌ الصَّقِيلَةِ

أَغَيْرُكَ فِيهَا لاَحَ ؟ أَمْ أَنْتَ نَاظِرٌ                  إلَیكَ بِهَا، عِنْدَ انْعِكَاسِ الاْشِقَّةِ

وَاصْغِ لِرَجْع الصَّوْتِ، عِنْدَ انْقِطَاعِهِ                        إلَیكَ بِأكْنَافقِ القُصُورِ المَشِيدَةِ

أَهلَ كَانَ مَنْ نَاجَاكَ، ثَمَّ سِوَاكَ أَمْ                         سَمِعْتَ خِطَابَاً عَنْ صَدَاكَ المُصَوِّتِ

وَقُلْ لِي‌َ: مَنْ أَلْقَي‌ إلَیكَ عُلُومَهُ               وَقَدْ رَكَدَتْ مِنْكَ الحَوَاسُ بِغَفْوزةِ

وَمَا كُنْتَ تَدْرِي‌ قَبْلَ نُوْمِكَ مَا جَرَي‌                        بِأَمْسِكَ، أَوْ مَا سَوْفَ يَجْرِي‌ بِغُدْوَةِ

فَأَصْبَحْتَ ذَا عِلْمٍ بِأخْبَارِ مَنْ مَضَي‌                        وَأسْرَارِ مَنْ يَأْتِي‌، مُدِلاًّ بِخُبْرَةِ

أَتَحْسَبُ مَنْ جَارَاكَ فِي‌ سِنَةِ الكَرَي‌                     سِوَاكَ، بِأَنْوَاعِ العُلُومِ الجَلِيلَةِ

وَمَا هِي‌َ إلاَّ النَّفْسُ، عِنْدَ اشْتَغَالِهَا                        بِعَالَمِها، عَنْ مَظْهَرِ البَشَرِيَّةِ [278]

 1 ـ فانظر إذن‌ بحواسّك‌ الظاهريّة‌؛ بدراية‌ وفطنة‌ وإنصاف‌؛ في‌ أفعالك‌ ذات‌ الاثر الصادرة‌ منك‌ المتحقّقة‌ في‌ الخارج‌.

 2 ـ وشاهد أنّك‌ حين‌ تحاول‌ النظر إلی‌ نفسك‌ في‌ مرائي‌ صقيلة‌، وقل‌ بلا مراءٍ وجدال‌:

 3 ـ أشخصٌ غيرك‌ يتجلّي‌ فيها ! أم‌ أنّك‌ كنتَ الناظر إلی‌ نفسك‌ عند انعكاس‌ الاشقة‌ من‌ العين‌ وإلیها ؟

 4 ـ وأصغِ سمعك‌ لرجعل‌ صوتك‌ الخارج‌ منك‌ والعائد إلیك‌ بعد ارتطامه‌ بأكناف‌ القصور المشيدة‌.

 5 ـ أكان‌ مَن‌ ناجاك‌ غيرك‌ ؟ أم‌ أنّك‌ سمعت‌ صدي‌ صوتك‌ راجعاً يخاطبك‌ ؟

 6 ـ وقل‌ لي‌ إنّك‌ إذا غفوت‌ فسكنت‌ حواسّك‌، من‌ الذي‌ ألقي‌ إلیك‌ علومه‌ ؟ ( فلم‌ يكن‌ غيرك‌ من‌ أحد !)

 7 ـ وما كنت‌ تعلم‌ قبل‌ إغفائك‌ ما كان‌ في‌ أمسك‌، وما سيصير في‌ غدك‌.

 8 ـ ( فاطّلعت‌ علی‌ هذا كلّه‌ في‌ إغفائك‌ )، فصرت‌ عند استيقاظك‌ عالماً بأخبار الماضين‌ وأسرار الا´تين‌، مدّلاًّ مُباهياً بخبرتك‌ التي‌ حصلت‌ علیها.

 9 ـ أفتحسب‌ أنّ من‌ خاطبك‌ في‌ إغفائك‌ وتحدّث‌ معك‌ خطوة‌ بعد خطوة‌ في‌ تفضيل‌ أنواع‌ العلوم‌ الجليلة‌ العإلیة‌ محاوراً شخصاً غيرك‌ ؟

 10 ـ نعم‌، لم‌ يكن‌ غيرك‌ شخص‌ آخر لينسلخ‌ ويتجرّد من‌ مظاهر البشريّة‌ ( أي‌ عالم‌ المادّة‌ والبدن‌ ) ويشتغل‌ بعالمه‌ ( أي‌ عالم‌ الملكوت‌ والتجرّد ) فيُعطيك‌ من‌ أخبار الغيب‌ هذه‌.

 ثمّ يأتي‌ ابن‌ الفارض‌ هنا بخمسة‌ أبيات‌ أُخري‌ لبيان‌ وشرح‌ المطلب‌ نفسه‌، ثمّ يقول‌ لرفع‌ استبعاد تصديق‌ هذه‌ المطالب‌ العإلیة‌ والنفائس‌ العرفانيّة‌ والمشاهدات‌ الملكوتيّة‌، ولئلاّ ترهق‌ الإنسان‌ المعقولات‌ الخطابيّة‌ والشعريّة‌ والمنقولات‌ الواهية‌ التي‌ لاتستند إلی‌ القياس‌ والبرهان‌، ولئلاّ يظنّ هذه‌ الحقائق‌ عبثاً ومطالب‌ شعريّة‌ ووهميّة‌ ليس‌ إلاّ:

وَلاَ تَكُ مِمَّنْ طَيَّشَتْهُ [279] دُرُوسُهُ              بِحَيْثُ استْتَقَلَّتْ عَقْلَهُ وَاسْتَفَزَّتِ!

فَثَمَّ وَرَاءَ النَّقْلِ عِلْمٌ يَدِقُّ عَنْ                   مَدَارِكِ غَايَاتِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ [280]

و تَلَقَّيْتُهُ مِنِّي‌، وَعَنِّي‌ أَخَذْتُهُ                    وَنَفْسِي‌َ كَانَتْ مِنْ عَطَائِي‌ مُمِدَّتِي[281]

 الرجوع الي الفهرس

انطواء الربوبیة المطلقة فی العبودیة المطلقة

 كانت‌ هذه‌ المطالب‌ كلّها في‌ عالم‌ التوحيد ومقام‌ الفناء في‌ الله‌، نقلناها عن‌ ابن‌ الفارض‌ لإلقاء ضوء علی‌ الموضوع‌، كي‌ لايُنكر أحد مراتب‌ معجزات‌ الانبياء وكرامات‌ الائمّة‌ وأولياء الله‌، ويعلموا أنـّها جميعاً مستمدّة‌ من‌ مقام‌ التوحيد.

 وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ الله‌ هو الفاعل‌ لما يشاء والحاكم‌ لما يريد، ولم‌ يكن‌ هنا من‌ بينونة‌ وافتراق‌، فلم‌ يكن‌ العارف‌ بالله‌ قد اتّخذ موضعاً مقابل‌ الله‌ تعإلی‌، ولم‌ يدّعِ الربوبيّة‌ والاُلوهيّة‌، بل‌ صار فانياً فيه‌، وهو مقام‌ العبوديّة‌، وهذا المقام‌ يحصل‌ نتيجة‌ إطاعة‌ الله‌ تعإلی‌ كما ورد في‌ الحديث‌ القدسيّ: عَبْدِي‌ أَطِعْنِي‌ حَتَّي‌ أَجْعَلَكَ مِثْلي‌ (أوْ مَثَلِي‌ خ‌ ل‌) أَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ ! فَيَكُونُ. تَقُولُ لِلشَّي‌ءِ: كُنْ فَيَكُونُ ! [282]

 ولهذا فإنّ العُبُودِيَّةُ جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرُّبُوبِيَّةُ سيتّضح‌ معناها ويظهر، لانّ النفس‌ الإنسانيّة‌ ستُصقل‌ بالعبوديّة‌ فيصبح‌ لها قابليّة‌ عكس‌ الاشقة‌ النوريّة‌ للعام‌ العلويّ، وكلّما زاد صفلها وزاد من‌ تمثيلها ومرآتيّتها، زاد تجلّي‌ الذات‌ الاحديّة‌ فيها، إلی‌ الحدّ الذي‌ تصل‌ فيها الخلافة‌ بالقوّة‌ والاستعداد إلی‌ مقام‌ الفعلیة‌ المطلقة‌، فتصبح‌ خليفة‌ الله‌ الفعلیة‌ في‌ جميع‌ عالم‌ الوجود وشؤون‌ الحياة‌ ومظاهرها.

 ويجب‌ العلم‌ أنّ هذه‌ ليست‌ أُلوهيّة‌، بل‌ خلافة‌ وتمثيل‌ تظهر فيها عين‌ آثار الاُلوهيّة‌، فخليفة‌ الله‌ لا يفعل‌ فعل‌ الله‌، بل‌ إنّ الله‌ يُجري‌ فعله‌ علی‌ يده‌، ويتجلّي‌ من‌ نافذة‌ نفسه‌، ويُظهر أسماءه‌ وصفاته‌، فالعارف‌ بالله‌ مرآة‌ تامّة‌ الإظهار لجمال‌ وجلال‌ الله‌ الازليّ الابديّ.

 فيتّضح‌ إذن‌ قولهم‌ إذا قالوا: في‌ مقام‌ الوحي‌ الإلهيّ إنّ الحقّ تعإلی‌ قد تجلّي‌ بنفسه‌ لنبيّه‌ محمّد بن‌ عبدالله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، وإنّ رسول‌ الله‌ يأخذ عن‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ أحياناً بلا واسطة‌؛ فلا عجب‌ في‌ ذلك‌، ولاجل‌ ذلك‌ كان‌ الصبر علی‌ تحمّل‌ هذه‌ الجلوة‌ الذاتيّة‌ الاحديّة‌ علی‌ رسول‌ الله‌ بالشكل‌ الذي‌ كان‌ يدهش‌ فيه‌ ويحار.

 الرجوع الي الفهرس

 تمثل جبرائیل امین الوحی الالهی بصورة دحیة الکلبی

ولنعلم‌ أنّ جبرائيل‌ الامين‌ كان‌ يظهر أحياناً لرسول‌ الله‌ أيّام‌ بنوّته‌ بصورة‌ دحية‌ الكلبيّ، فكان‌ الناس‌ يظنّونه‌ دحية‌ وقد تشرّف‌ بحضوره‌ عند الرسول‌، والحال‌ أنـّه‌ لم‌ يكن‌ دحية‌ بل‌ رسول‌ الحقّ تعإلی‌ جبرائيل‌ متمثّلاً بصورته‌ وهيئته‌.

 وقد كان‌ دحية‌ الكلبيّ رجلاً مسلماً صادقاً وسيماً حسن‌ الهيئة‌، يُحسن‌ الخطّ والكتابة‌، وكان‌ رسول‌ الله‌ يأمره‌ بكتابه‌ بعض‌ رسائله‌، ولم‌ يكن‌ الناس‌ عند تمثّل‌ جبرائيل‌ حال‌ الوحي‌ علی‌ صورته‌ ليفهمون‌ أنـّه‌ جبرائيل‌، بل‌ كانوا يقولون‌ إنّه‌ دحية‌ وقد تشرّف‌ بالحضور عند الرسول‌ الاكرم‌ لتنفيذ ما يؤمر به‌.

 ويجب‌ العلم‌ أنّ ظهوراً بهذه‌ الكيفيّة‌ تمثّل‌ وتشبّه‌ ليس‌ إلاّ، أي‌ أنّ جبرائيل‌ قد ظهر في‌ هذا العالم‌ علی‌ صورد دحية‌ وهيئته‌، لا أن‌ يكون‌ قد حلّ في‌ بدن‌ دحية‌، أو اكتسب‌ ماهيّة‌ إنسانيّة‌ كدحية‌ وصار عند نزوله‌ بشراً، فماهيّة‌ الملائكة‌ العلويّين‌ غير ماهيّة‌ الإنسان‌، وتغيّر الماهيّات‌ وتبدّلها محال‌؛ لا البشر يمكنه‌ أن‌ يصير مَلَكاً، ولا المَلَك‌ أن‌ يستحيل‌ إنساناً، أو ان‌ يصبح‌ له‌ هيئة‌ الإنسان‌ وصورته‌.

 نعم‌، هناك‌ إمكان‌ لظهور البشر وتمثّله‌ بشكل‌ الملك‌، ولظهور المَلَك‌ بشكل‌ إنسان‌، فمعني‌ التمثّل‌ وحقيقته‌ هو الظهور بصورة‌ وشكل‌ يماثله‌ بدون‌ امتلاك‌ أيٍّ من‌ آثار ذلك‌ في‌ نفسه‌.

 وقد أشار ابن‌ الفارض‌ في‌ نَظْم‌ السلوك‌ لهذا الكيفيّة‌ من‌ التمثّل‌، فيقول‌: إنّني‌ لا أدّعي‌ في‌ التوحيد الذي‌ وصلته‌، وظهور الحقّ المتعال‌ في‌َّ الحلولَ، فالحلولُ كفرٌ وزندقة‌ وإلحاد، ولستُ كذلك‌ أدّعي‌ الاتّحاد فأقول‌ إنّني‌ اتّحدت‌ مع‌ الله‌، لانّ الاتّحاد يستلزم‌ الثنائيّة‌ والانفصال‌ بين‌ الشيئين‌ المتّحدين‌، وهو كفر أيضاً، بل‌ إنّ دعواي‌ فقط‌ تجلّي‌ وظهور الحضرة‌ الاحديّة‌، فليس‌ لي‌ في‌ مقام‌ الفناء المطلق‌ وجود ليحلّ الله‌ فيه‌ أو يتّحد معه‌، بل‌ إنّي‌ فنيتُ فيه‌ فظهر في‌َّ، وطلعت‌ وظهرتْ صفاته‌ وأسماؤه‌ في‌ وجودي‌. وظهور وتجلّي‌ الحقّ هذا علی‌ صورةٍ إنسانيّة‌ في‌ تمام‌ الصدق‌ والإمكان‌ والواقعيّة‌.

 ثمّ يُشير ابن‌ الفارض‌ لإثبات‌ مدّعاه‌ لقضيّة‌ دحية‌ الكلبيّ، ويشبّه‌ تمثّل‌ وتجلّي‌ الحقّ تعإلی‌ في‌ وجوده‌ كتمثّل‌ وظهور جبرائيل‌ بصورة‌ دحية‌:

وَهَا دِحْيَةٌ [283] وَافَي‌ الاَمِينَ نَبِيَّنَا                           بِصُورَتِهِ، فِي‌ بَدْءِ وَحْي‌ِ النُّبُوَّةِ !

أَجِبْرِئيلُ قُلْ لِي‌: كَانَ دِحْيَةُ إذْ                             بَدَا لِمَهْدِي‌ الهُدَي‌، فِي‌ هَيْئَةٍ بَشَرِيَّةِ؟

وَفِي‌ عِلْمِهِ عَنْ حَاضِريهِ مَزِيَّة                 ٌ بِمَاهِيَّةِ المَرْئِيِّ مِنْ غَيْرِ مِرْيَةِ

يِرَي‌ مَلَكَاً يُوحِي‌ إلَیهِ وَغَيْرُهُ                                يَرَي‌ رَجُلاً يُدْعَي‌ لَدَيْهِ بِصُحْبَةِ

وَلِي‌ مِنْ أَتَمِّ الرُّؤيَتَيْنِ إشَارَةٌ                    تُنَزِّهُ عَنْ رَأْيِ الحُلُولِ عَقِيدَتِي

وَفِي‌ الذِّكْرِ ذِكْرُ اللَّبْسِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ                                   وَلَمْ أَعْدُ عَنْ حُكْمِي‌ كَتَابٍ وَسُنَّةِ [284]

1 ـ التفتْ: كيف‌ كان‌ جبرائيل‌ الامين‌ في‌ بدء أمر النبوّة‌ يوافي‌ النبيّ علی‌ صورة‌ دحية‌ الكلبيّ.

 2 ـ ثمّ قُل‌ لي‌: أكان‌ جبرائيل‌ حينذاك‌ إذ يظهر للنبيّ الهادي‌ لصراط‌ الهداية‌ علی‌ هيئةٍ بشريّة‌ هو دحية‌ حقّاً ؟ ( أو أنـّه‌ لم‌ يكن‌ دحية‌، بل‌ جبرائيل‌ علی‌ صورة‌ دحية‌، متمثّلاً بشكله‌ وشمائله‌، ولربّما لم‌ يكن‌ دحية‌ آنذاك‌ موجوداً في‌ المدينة‌ ).

 3 ـ ولقد كان‌ لعلم‌ رسول‌ الله‌ بحقيقة‌ ذلك‌ المُشاهد ( جبرائيل‌ علی‌ صورة‌ دحية‌ ) الفضل‌ والشرف‌ علی‌ علم‌ الا´خرين‌ الظانّين‌ أنـّه‌ ليس‌ إلاّ دحية‌.

 4 ـ فقد كان‌ النبيّ يري‌ مَلَكاً يوحي‌ إلیه‌، وغيره‌ يري‌ رجلاً دعاه‌ النبيّ إلیه‌ ليُجالسه‌.

 5 ـ وعندي‌ قد كان‌ نمط‌ الرؤية‌ الاتمّ والاكمل‌ والاقرب‌ إلی‌ الواقع‌، أي‌ رؤية‌ النبيّ الاكرم‌، إشارة‌ لي‌ في‌ باب‌ توحيد الذات‌ وتجلّيّ الحضرة‌ الاحديّة‌ علی‌ صورة‌ أحدٍ من‌ أفراد البشر تنزّه‌ عقيدتي‌ عن‌ مذهب‌ الحلو.

 6 ـ ولا إنكار في‌ بيان‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ لتجلّي‌ الحقّ بصورةٍ أو تجلّي‌ مَلَك‌ بصورة‌ بشريّة‌، فلم‌ أتخطّ في‌ إراءة‌ هذا الرأي‌ حكم‌ القرآن‌ والسنّة‌.

 وابن‌ الفارض‌ يدّعي‌ هنا أنّ نظريّة‌ قابليّة‌ تمثّل‌ وتصور الحقّ تعإلی‌ بصورةٍ بشريّة‌ قد وردت‌ في‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 أمّا في‌ كتاب‌ الله‌ مثل‌ آية‌: وَلَو جَعَلْنَـ'هُ مَلَكًاً لَجَعَلْنَـ'هُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا علیهِمْ مَّا يَلْبِسُونَ. [285]

 وهذه‌ الا´ية‌ وردت‌ عقب‌ آية‌ نقلت‌ تساؤل‌ المشركين‌: لماذا لا ينزل‌ بالوحي‌ مَلَكٌ علی‌ محمّد ؟:

 وَقَالُوا لَوْ لاَ´ أُنزِلَ علیهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَي‌ الاْمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ.[286]

 وأمّا في‌ السنّة‌ فقد ورد عن‌ طريق‌ العامّة‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: رأيتُ ربّي‌ في‌ صورةِ كذا. [287]

 الرجوع الي الفهرس

روایة ابن قولویه فی ان الله قد ترائی لنبیه فی احسن صورة

 وأمّا عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ فقد ذكر شيخ‌ الفقهاء الاقدمين‌ وأُسوة‌ المحدّثين‌ الموثقين‌ الشيخ‌ الاكبر الاعظم‌ أبوالقاسم‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ قولويه‌ المتوفّي‌ سنة‌ 367 هجريّة‌، في‌ كتابه‌ « كامل‌ الزيارات‌ » المعدود من‌ أجلّ كتب‌ الشيعة‌ وأوثقها، روايةً جليلة‌ معتبرة‌ أوردها لاهمّيّتها في‌ موضعين‌ من‌ الكتاب‌، [288] نذكرها مع‌ متن‌ سندها وعين‌ عبارتها، ثمّ نشرع‌ في‌ بيانها وشرحها:

 يروي‌ ابن‌ قولويه‌: جعفر بن‌ محمّد، عن‌ أبيه‌ رحمه‌ الله‌: محمّد بن‌ جعفر بن‌ موسي‌ بن‌ مسرور، عن‌ سعد بن‌ عبدالله‌، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ محمّد بن‌ سنان‌، عن‌ أبي‌ سعيد القَمَّاط‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ يَعْفُور، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ صادق‌ آل‌ محمّد علیه‌ السلام‌، أنـّه‌ قال‌:

 بَيْنَمَا رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ فِي‌ مَنْزِلِ فَاطِمَةَ، وَالْحُسَيْنُ فِي‌ حِجْرِهِ، إذْ بَكَي‌ وَخَرَّ سَاجِدَاً، ثُمَّ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ ! يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ ! إنَّ العلی الاْعلی‌ تَرَائَي‌ لِي‌ فِي‌ بَيْتِكَ هَذَا فِي‌ سَاعَتِي‌ هَذِهِ، فِي‌ أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَهْيَأ هَيْئَةٍ، فَقَالَ لِي‌: يَا مُحَمَّدُ ! أَتُحِبُّ الحُسَيْنَ ؟!

 قُلْتُ: يَا رَبِّ ! قُرَّةُ عَيْنِي‌، وَرَيْحَانَتِي‌، وَثَمَرَةُ فُؤَادِي‌، وَجِلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنِي‌ !

 فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ! وَوَضَعَ يَدَهَ علی‌ رَأسِ الحُسَيْنِ علیهِ السَّلاَمُ: بُورِكَ مِنْ موْلُودٍ ! علیهِ بَرَكَاتِي‌، وَصَلَوَاتِي‌، وَرَحْمَتِي‌، وَرِضْوَانِي‌ ! وَنِقْمَتِي‌، وَلَعْنَتِي‌، وَسَخَطِي‌، وَعَذَابِي‌، وَخِزْيِي‌، وَنَكَإلی‌ علی‌ مَنْ قَتَلَهُ وَنَاصَبَهُ وَنَاوَاهُ وَنَازَعَهُ !

 أَمَا إنَّهُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِنْ الاْوَّلِينَ وَالا´خِرِينَ فِي‌ الدُّنْيَا وَالا´خِرَةِ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَأَبُوهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَخَيْرٌ. فَاقْرَأَهُ السَّلاَمَ وَبَشِّرْهُ بِأَنـَّهُ رَايَةُ الهُدَي‌، وَمَنَارُ أَوْلِيائِي‌، وَحَفِيظِي‌، وَشَهِيدِي‌ علی‌ خَلْقِي‌، وَخَازِنُ عِلْمِي‌، وَحُجَّتِي‌ علی‌ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الاْرْضِينَ وَالثَّقَلَيْنِ: الجِنَّ وَالإنْسِ ! [289]

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ أنّ كلمة‌ ترائي‌ لي‌ قد استعملت‌ فيها، والترائي‌ بمعني‌ الإراءة‌ ووضع‌ النفس‌ في‌ معرض‌ الرؤية‌ والمشاهدة‌، بالنحو الذي‌ يترقّب‌ المترائي‌ ويترصّد أن‌ يراه‌ أحد؛ أي‌ أنّ العلی الاعلی‌، الخالق‌ العظيم‌ الاعظم‌، قد أراني‌ نفسه‌ حتّي‌ رأيته‌؛ أو قال‌ لي‌ كذا وكذا.

 ونلحظ‌ ثانياً في‌ هذه‌ الرواية‌ عبارة‌ يا ربّ التي‌ قالها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بعد رؤيته‌ ربّه‌ وسؤال‌ الخالق‌ إيّاه‌ عن‌ حبّه‌ للحسين‌.

 ونلحظ‌ ثالثاً أنّ الله‌ قد وضع‌ يده‌ علی‌ رأس‌ الحسين‌ ودعا له‌؛ وهذه‌ كلّها دلائل‌ وشواهد بيّنة‌ لاحتمال‌ تجلّي‌ الله‌ تعإلی‌ بأحسن‌ صورة‌ وأهيأ هيئة‌، ولان‌ يراه‌ رسوله‌ في‌ هذا الظهور والتجلّي‌، ولا إشكال‌ في‌ هذا أيضاً.

 وقد نقل‌ المجلسيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ « بحار الانوار » هذه‌ الرواية‌ بنفس‌ هذا السند وعين‌ عبارة‌ المتن‌ نقلاً عن‌ «كامل‌ الزيارات‌» باختلاف‌ أنّ كلمة‌ يا ربّ قد سقطت‌ من‌ نسخته‌، ثمّ يقول‌ في‌ ذيل‌ الرواية‌ في‌ بيان‌ الحديث‌: أمّا أن‌ يكون‌ المراد من‌ العلی الاعلی‌ هو رسول‌ الله‌ جبرائيل‌، أو أن‌ يكون‌ لفظ‌ ترائي‌ كناية‌ عن‌ الظهور العلميّ، و حسن‌ الصورة‌ كناية‌ عن‌ ظهور صفاته‌ الكمإلیة‌، و وضع‌ إلید كناية‌ عن‌ إفاضة‌ الرحمة‌. [290]

 ويفتقد تأويل‌ المجلسيّ في‌ بيان‌ معني‌ هذه‌ الرواية‌ ومفهومها الوجاهة‌:

 فأوّلاً: إنّ لفظ‌ العلی الاعلی‌ له‌ ظهورٌ، بل‌ نصُّ في‌ الباري‌ تعإلی‌ لا سواه‌، واستعماله‌ في‌ جبرائيل‌ غير معهود في‌ الاخبار والروايات‌.

 وثانياً: جاءت‌ في‌ الرواية‌ عبارة‌ يا ربّ، ومع‌ وجودها يصبح‌ حمل‌ لفظ‌ العلی الاعلی‌ علی‌ غير الله‌ عزّ وجلّ غير معقول‌، إلاّ أن‌ نقول‌ إنّ هذا اللفظ‌ لم‌ يكن‌ موجوداً أصلاً في‌ النسخ‌ التي‌ وصلت‌ بِيَدِ المجلسيّ.

 وثالثاً: فإنّ حمل‌ كلمة‌ ترائي‌ علی‌ الظهور العلميّ لا العينيّ؛ وحسن‌ الصورة‌ علی‌ ظهور الصفات‌ الكمإلیة‌؛ ووضع‌ إلید علی‌ إفاضة‌ الرحمة‌ هو خلاف‌ الظاهر، فلا يمكن‌ صرف‌ لفظ‌ عن‌ معناه‌ الحقيقيّ بدون‌ نصب‌ قرينة‌ قطعيّة‌ أو مقإلیة‌ أو مقاميّة‌.

 وأمثال‌ هذه‌ التأويلات‌ والحمل‌ علی‌ المعاني‌ غير الظاهريّة‌ كثير في‌ بيانات‌ « بحار الانوار » كما في‌ آيات‌ لقاء الله‌، والنظر للّه‌، ورؤيته‌ ومشاهدته‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، وكذا في‌ تعبيرات‌ الانبياء والائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ التي‌ يدلّ ظاهرها علی‌ اللقاء الحقيقيّ والنظر والرؤية‌ الحقيقيّة‌، التي‌ كانت‌ تُحمل‌ علی‌ لقاء آيات‌ الجمال‌ والجلال‌، ولقاء الموت‌، وملاقاة‌ الثواب‌ والاجر الإلهيّ في‌ يوم‌ الجزاء.

 وعموماً فما كان‌ يرد من‌ كلام‌ أينما اتّفق‌، وفي‌ أي‌ رواية‌ أو آية‌ كان‌، حول‌ لقاء الله‌ ومشاهدته‌ فإنّها كانت‌ تحمل‌ بلا تردّد علی‌ خلاف‌ الظاهر، وتُعزي‌ إلی‌ لقاء بعض‌ مظاهر الله‌، كلقاء الحور العين‌، ورؤية‌ القصور، وسماع‌ النغمات‌، وتناول‌ الاغذية‌ والاطعمة‌ اللذيذة‌، وجنّاتٍ تجري‌ من‌ تحتها الانهار.

 الرجوع الي الفهرس

الجمع بین روایات التنزیه الخالص و روایات لقاء الله

 ونحن‌ مجبرون‌ ـ لإثبات‌ بطلان‌ مثل‌ هذه‌ التأويلات‌ ـ علی‌ ذكر مقدّمة‌ مختصرة‌، وهي‌ أنـّنا تمتلك‌ نوعين‌ من‌ الاخبار والروايات‌ في‌ هذا المقام‌:

 المجموعة‌ الاُولي‌: الروايات‌ التي‌ لها دلالة‌ التنزيه‌ المطلق‌ الخالص‌ للباري‌ تعإلی‌ عن‌ جميع‌ مراتب‌ الإدراك‌ والمعرفة‌، وأنّ أعلی‌ مراتب‌ المعرفة‌ ودرجاتها هو العجز عن‌ الإدراك‌، والاعتراف‌ والإقرار بالعجز عن‌ نيل‌ ذلك‌ المقام‌ الرفيع‌.

 والمجموعة‌ الثانية‌: هي‌ الروايات‌ التي‌ لها دلالة‌ علی‌ إمكان‌ لقاءه‌ ومعرفته‌، والنظر إلی‌ صفاته‌ وأسمائه‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، ورؤية‌ نور الاحديّة‌ القاهر وأمثال‌ ذلك‌.

 وهذه‌ المجموعة‌ مكوّنة‌ من‌ رواياتٍ جمّة‌ لاتعدّ ولاتُحصي‌، خاصّة‌ في‌ باب‌ الادعية‌ والزيارات‌ والروايات‌ الواردة‌ في‌ باب‌ التوحيد والعرفان‌. ولعلماء الشيعة‌ رضوان‌ الله‌ علیهم‌ في‌ هذا الباب‌ أذواق‌ ومشارب‌ مختلفة‌، فبعضهم‌ يقول‌ بالتنزيه‌ الصرف‌ المحض‌ واستحالة‌ معرفة‌ الحقّ تعإلی‌ بأيّ وجه‌ متصوّر، حتّي‌ أنـّهم‌ صرّحوا بأنّ غاية‌ معرفة‌ الإنسان‌ أن‌ يعرف‌ ـ أي‌ الإنسان‌ ـ بوجوب‌ تنزيه‌ الخالق‌ تنزيهاً خالصاً، وأن‌ لا سبيل‌ هناك‌، ذهناً، وعقلاً، وفكراً، ورؤيةً، وشهوداً، وقلباً ووجداناً لمعرفة‌ الله‌ تعإلی‌، فمنتهي‌ وغاية‌ مقام‌ العبد الإقرار بالعجز. والبعض‌ الا´خر يفضّل‌ الجمع‌ بين‌ أخبار التنزيه‌ وأخبار التشبيه‌ والاخبار التي‌ لها ظهور في‌ إمكان‌ الوصول‌ والمعرفة‌ بهذا النهج‌:

 حمل‌ روايات‌ التنزيه‌ علی‌ تنزيهه‌ سبحانه‌ عن‌ الرؤية‌ بالعين‌ الظاهرة‌، وعن‌ المعرفة‌ والإحاطة‌ بذاته‌ المقدّسة‌ الإلهيّة‌، وحمل‌ أخبار إمكان‌ المعرفة‌ والوصول‌ واللقاء علی‌ الرؤية‌ بعين‌ الباطن‌، والمشاهدة‌ القلبيّة‌ والوجدانيّة‌، والمعرفة‌ الإجمإلیة‌، ومعرفة‌ الاسماء والصفات‌ وتجلّي‌ مراتب‌ ذات‌ الحقّ تعإلی‌ ( لا كنه‌ ذاته‌ ) بالمقدار الميسور لممكن‌ الوجود، وهو أمر صحيح‌ وممكن‌ تماماً، ولا يخلو فقط‌ من‌ الإشكالات‌ العقليّة‌ والشرعيّة‌، بل‌ إنّ العقل‌ والشرع‌ يتّفقان‌ بشأنه‌، لانـّه‌ هو المقصود من‌ خلق‌ العالم‌ وإرسال‌ الرسل‌ وإنزال‌ الكتب‌: أي‌ أن‌ يعرف‌ البشر ربّه‌ ويصل‌ إلیه‌ ويشاهده‌ ويراه‌.

 وقد عبّروا عن‌ هذا المقام‌ بكشف‌ الحُجب‌ الظلمانيّة‌ والنورانيّة‌، أي‌ أنّ نور جمال‌ وجلال‌ الحقّ حين‌ يتجلّي‌ لعقل‌ وسرّ ووجدان‌ أولياء الله‌ فإنّه‌ يفنيهم‌ عن‌ أنفسهم‌ ويبقيهم‌ في‌ الله‌ بالدرجة‌ التي‌ صاروا محواً في‌ جماله‌، فيدبّر الله‌ أُموره‌ عبده‌ بدل‌ عبده‌، ويتصرّف‌ في‌ أُموره‌، ويوصله‌ في‌ النهاية‌ إلی‌ مقام‌ الفناء المطلق‌، ثمّ إلی‌ البقاء المطلق‌.

 مقام‌ الفناء هو العجز التامّ الكامل‌، والحدّ الاكمل‌ من‌ إدراك‌ الذات‌ والوصول‌ إلی‌ تلك‌ الذورة‌، بحيث‌ يفني‌ في‌ العجز وعدم‌ إمكان‌ الورود ليس‌ فقط‌ أفكار العبد وآراؤه‌، بل‌ وجوده‌ أيضاً، فيحترق‌ كالفراشة‌ في‌ لهب‌ الشخصة‌، ويفني‌ ويمحّي‌، فلا يبقي‌ له‌ أثر وباقية‌.

 هذه‌ هي‌ غاية‌ معرفة‌ أنّ العُبُودِيَّةُ جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرُّبُوبِيَّةُ، [291] لا أن‌ يحل‌ ذلك‌ بمجرّد القول‌ والتلفظّ أن‌: يا إلهي‌ نحن‌ عاجزون‌ عن‌ معرفتك‌ ! ثمّ ينتهي‌ الامر إلی‌ هذا الحدّ، فشتّان‌ بين‌ هذا وذاك‌ ! كان‌ ذاك‌ مقام‌ فناء العجز؛ والعجز الذي‌ يجريه‌ الناس‌ علی‌ ألسنتهم‌ عجزٌ أيضاً، وعجز الجدار هو الا´خر عجز، وعجز رسول‌ الله‌ الذي‌ قال‌: ما عرفناك‌ حقّ معرفتك‌ عجزٌ، وعجز الجالس‌ في‌ مكتبته‌ يُطالع‌ ويخطّ عجزه‌ علی‌ ورق‌ أو في‌ كتاب‌ هو عجزٌ أيضاً.

 إنّ التنزيه‌ الصرف‌ للّه‌ عن‌ عالم‌ الوجود هو فصله‌ وعزله‌، وهو عين‌ التقييد الذي‌ يستلزم‌ التعطيل‌؛ والتشبيه‌ هو الا´خر مرجعه‌ إلی‌ تحديده‌ وتقييده‌ في‌ تلك‌ الموارد التي‌ شُبّه‌ بها؛ والله‌ سبحانه‌ أعلی‌ من‌ كلّ هذا وأجلّ، مع‌ أنـّه‌ مع‌ كلّ موجود، وله‌ معيّة‌ ذاتيّة‌، لا ترقي‌ الافكار المتسامية‌ والافهام‌ المتعإلیة‌ بقدر ذرّةٍ إلی‌ ذروة‌ ذاته‌ الاحديّة‌، لكنّ مقام‌ أحديّته‌ ظاهر في‌ نفس‌ الوقت‌ في‌ أسمائه‌ وصفاته‌، مع‌ كلّ بعوضة‌، ومع‌ كلّ نملة‌، ومع‌ كلّ ذرّة‌، فهذه‌ هي‌ حقيقة‌ التوحيد.

 وكم‌ كان‌ رائعاً وبليغاً تعبير الحكيم‌ المتألّه‌ الحاجّ المولي‌ هادي‌ السبزواريّ تغمّده‌ الله‌ برضوانه‌ حين‌ قال‌:

 موسي‌نيست‌ كه‌ دعوي‌ أنا الحق‌ شنود                               ورنه‌ اين‌ زمزمه‌ أندر شجري‌ نيست‌ كه‌نيست‌ [292]

 ولانّ التنزيه‌ الصرف‌ شركٌ وتعطيل‌، والتشبيه‌ شرك‌ وتحديد، فكفي‌ بالتوحيد حقّاً: اللَهُ لاَ´ إلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي‌. [293]

 فإذا ما قلنا إنّ الله‌ تعإلی‌ ليس‌ جسماً، وليس‌ بمرئيّ، لا محلّ معيّن‌ له‌ ولا تركيب‌، ولا احتياج‌ له‌ ولا فقر ولا إمكان‌؛ فما المانع‌ أنّ إلهاً كهذا يتجلّي‌ في‌ مظاهر وجود تعيّن‌ أسمائه‌ وصفاته‌ ؟

 فرسول‌ الله‌ نفسه‌ هو تجلٍّ له‌، بل‌ هو تجلّيه‌ الاعظم‌، كما ورد في‌ الدعاء: اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ بِالتَّجَلِّي‌ الاَعْظَمِ. [294]

 ظهور الخالق‌ العلی الاعلی‌ بأحسن‌ صورة‌ وأهيأ هيأة‌ هو تجلٍّ تمثّليّ، ولم‌ يكن‌ تجلّياً في‌ صورة‌ واحدة‌ فقط‌، بل‌ إنّ جميع‌ الموجودات‌ العينيّة‌ لعالم‌ الإكان‌ هي‌ ظهوراته‌ وتجلّياته‌ في‌ صور عديدة‌ تضيق‌ علیالحصر والعدّ.

زهررنگي‌كه‌ خواهي‌ جامه‌مي‌پوش‌                           كه‌ من‌ آن‌ قَدِّ رعنا مي‌شناسم[295]

لَقَدْ ظَهَرْتَ فَلاَ تَخْفَي‌ علی‌ أَحَدٍ                إلاَّ علی‌ أَكْمَهٍ لاَ يَعْرِفُ القَمَرَا [296]

فَإنْ قُلْتَ بِالتَّنْزِيهِ كُنْتَ مُقَيِّدَاً                    وَإنْ قُلْتَ بِالتَّشْبِيهِ كُنْ مُحَدِّدَا

وَإنْ قُلْتَ بِالاْمْرِينِ كُنْتَ مُسَدِّدَا                وَكُنْتَ إمَامَاً فِي‌ المَعَارِفِ سَيِّدَا

فَمَنْ قَالَ بِالإشْغَاعِ كَانَ مُشرِكَاً                وَمَنْ قَالَ بِالإفْرَادِ كَانَ مُوَحِّدَا

فَإيَّاكَ وَالتَّشْبِيهِ إنْ كُنْتَ ثَانِياً                    وَإيَّاكَ وَالتَّنْزِيهِ إنْ كُنْتَ مُفْرِدَا

فَمَا أَنْتَ هُوَ ! بَلْ أَنْتَ هُو وَتَرَاهُ                 فِي‌ عَيْنِ الاُمُورِ مُسَرِّحَاً وَمُقَيِّدَا [297]

جاء في‌ رسالة‌ آية‌ الله‌ بحر العلوم‌ أنـّه‌: [298]

 إن‌ لم‌ نستطع‌ بسبب‌ قصورنا، « الوصول‌ ومشاهدة‌ الله‌ سبحانه‌ تعإلی‌ » إذاً علی‌ أساس‌ الحديث‌ رأيت‌ ربّي‌ نورانيّاً... بصفة‌ النور اللامتناهي‌ المساوي‌ للبصيرة‌ « الرؤية‌ بعين‌ الباطن‌ والمشاهدة‌ القلبيّة‌ لتجلّياته‌ ».

 وروي‌ في‌ رسالة‌ « جامع‌ الاسرار » عن‌ رسول‌ الله‌ قوله‌: رَأَيْتُ رَبِّي‌ بِعَيْنِ رَبِّي‌.[299]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[268] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 101 و 102، الابيات‌ 589 إلي‌ 594.

[269] ـ يقول‌ المولي‌ عبدالرزّاق‌ في‌ شرح‌ ذلك‌: إنّ كلّ من‌ يطوي‌ له‌ المكان‌ والزمان‌ حتّي‌ يحضر حيث‌ يشاء ويأتي‌ بما يشاء في‌ اقصر زمان‌، ويدخل‌ في‌ أي‌ مكان‌ كان‌ عبداً خفّ جسمه‌ ولطف‌، لكونه‌ محفوظاً بالجمع‌، كالروح‌ بعد كمال‌ التزكية‌، فالذي‌ تزكّت‌ روحه‌ بحيث‌ لم‌ يبق‌ فيها من‌ الهوي‌ بقيّة‌ خفّ شبحه‌ بنور الجمع‌ كالروح‌ فصار خفيفاً واندرجت‌ ظلمته‌ وكثافته‌ في‌ نور الروح‌ ولطافته‌ اندراج‌ الزجاجة‌ في‌ لون‌ الخمر كما قيل‌:

رَقّ الزجاجُ ورقّت‌ الخمرُ                         وتَشابها فتشاكل‌ الامرُ

فكأنـّما خمرٌ ولا قَدَحٌ                               وكَأنـّما قَدَحٌ ولا خمرُ

 وقيل‌ أيضاً في‌ هذا الشأن‌:

ثقلت‌ زُجاجات‌ أتتنا فُرّغاً                         حتّي‌ إذا مُلئت‌ بصِرف‌ الرَّاحِ

خفّت‌ فكادت‌ تستطير بما حوتْ                              وكذا الجسوم‌ تخفّ بالارواح‌

( « شرح التائیه » ص 425 و 426)

[270] الجودی اسم جبل بالموصل رست علیه سفینه نوح علیه السلام.

[271] الآیه 260، من السوره 2: بقره: فخذ أربعه من الطیر فصرهن الیک ثم اجعل علی کل جبل منهن جزءا ثم ادعهن یأتینک سعیا و اعلم أن الله عزیز حکیم.

[272] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 102 و 103، الابيات‌ 600 إلي‌ 613.

[273] ـ كانت‌ عبارة‌ الشعر «وقبل‌ ارتداد الطرف‌ أحضر من‌ سبأ»، وقد استخدمنا في‌ شرحها لفظ‌ «قبل‌ ارتداد نور عينه‌ إليها» خلافاً لما يشيع‌ علي‌ الالسن‌ خطأ من‌ أنّ ارتداد الطرف‌ غمضها، وذلك‌ لانّ الارتداد بمعني‌ الرجوع‌:

 ارتدَّ يرتدُّ ارتداداً بمعني‌ رجع‌ وعاد، وعليه‌ فيكون‌ معني‌ «قبل‌ ارتداد الطرف‌» هو قبل‌ عودة‌ نور العين‌ إليها بعد خروجه‌ منها.

 وذلك‌ لانّ الإنسان‌ يري‌ الاشياء بواسطة‌ موج‌ يسقط‌ من‌ العين‌ علي‌ ذلك‌ الشي‌ء، فيعود إلي‌ العين‌ مصوّراً فيها صورة‌ ذلك‌ الشي‌ء وشكله‌. وزمان‌ عودة‌ النور هذا قيصر لدرجة‌ تفوق‌ التصوّر، لانّ سرعة‌ حركة‌ الامواج‌ الضوئيّة‌ ثلاثمائة‌ ألف‌ كيلومتر في‌ الثانية‌، لذا فإن‌ نظرنا إلي‌ شي‌ء يبعد عنّا مائة‌ وخمسين‌ ألف‌ كيلومتراً فإنّتا سنراه‌ بعد ثانية‌، واحدة‌.

 فلاحظوا أنّ الاشياء التي‌ تبعد عنّا كيلومتراً واحداً أو أقلّ ستُري‌ خلال‌ 1150000 ثانية‌ أو أقلّ من‌ ذلك‌، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ فإنّ معني‌ (قبل‌ ارتداد الطرف‌»: قبل‌ عودة‌ نور العين‌ إليها) أنـّهم‌ أحضروا لسليمان‌ عليه‌ السلام‌ عرش‌ بلقيس‌ من‌ مدينة‌ سبأ في‌ مدّة‌ قصيرة‌ تقرب‌ من‌ الصفر الحقيقي‌، وهو زمن‌ أقلّ بآلاف‌ المرّات‌ من‌ فترة‌ غَمض‌ العين‌ التي‌ قد تزيد علي‌ ثانية‌ واحدة‌. وهناك‌ مصطلح‌ آخر لإغماض‌ من‌ العين‌ في‌ اللغة‌ العربيّة‌ كغمض‌ العين‌ ونحوه‌. وأمّا طرفةُ العين‌ بدون‌ اضافة‌ الارتداد فهي‌ كلمحة‌ العين‌ بمعني‌ الرؤية‌ والإبصار بدون‌ لحاظ‌ معني‌ رجوع‌ نور العين‌. وعليه‌ فإنّ معني‌ ارتداد طرف‌ العين‌ يختلف‌ عن‌ معني‌ طرفة‌ العين‌ أو لمح‌ العين‌.

[274] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 104، الابيات‌ 617 إلي‌ 621

[275] ـ تبعاً للحديث‌ المتواتر، بل‌ الفائق‌ حدّ التواتر، الذي‌ نقله‌ الفريقان‌ من‌ الشيعة‌ والعامّة‌، والذي‌ لاشكّ وتردّد عن‌ أحد في‌ صدوره‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، فإنّ رسول‌ الله‌ في‌ حديث‌ الثقلين‌ جعل‌ عترته‌ فقط‌ عديلاً لكتاب‌ الله‌ ولم‌ يقرنهم‌ بأصحابه‌ وأتباعه‌: إنّي‌ تاركٌ فيكم‌ الثَّقَلَينِ: كتاب‌ الله‌ وعِترتي‌، وإنّهما لن‌ يفترقا حتّي‌ يَرِدا علي‌ الحوض‌ !.

 وعلي‌ هذا، فإنّ هذا البيت‌ الذي‌ عطف‌ فيه‌ ابن‌ الفارض‌ الاصحاب‌ والتابعين‌ علي‌ العترة‌ بلا دليل‌ يضمّ إشكالاً بيّناً وواضحاً.

[276] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 105، البيت‌ 625.

[277] ـ يعتقد جماعة‌ أنّ روح‌ الإنسان‌ لايمكن‌ أن‌ تقوم‌ به‌ لوحده‌، بل‌ يتوجّب‌ أن‌ يكون‌ لها مظهر جسميّ، فإذا تلاشي‌ ذلك‌ المظهر الجسميّ في‌ أيّ وقت‌ فلابدّ من‌ إعداد مظهر جسميّ آخر له‌، كالكتابة‌ التي‌ تُستنسخ‌ من‌ صحيفة‌ أُخري‌. وهذه‌ الجماعة‌ لم‌ تنشقّ من‌ رياض‌ القدس‌ وعبق‌ الروح‌ المنعش‌، لانـّهم‌ ينسبون‌ إلي‌ روح‌ الإنسان‌ ونفسه‌ الناطقة‌ الاحتياج‌ إلي‌ الجسم‌ والمادّة‌ وينفون‌ عنها الاستقلال‌ في‌ الوجود. وهذه‌ الجماعة‌ تنقسم‌ إلي‌ أربع‌ مجاميع‌:

 1 ـ مذهب‌ القائلين‌ بأنّ الروح‌ بعد موت‌ البدن‌ يمكنها فقط‌ أن‌ ترد في‌ مظهر إنسانيّ، ويسمّونه‌ التناسخ‌.

 2 ـ مذهب‌ القائلين‌ إنّ الروح‌ يمكنها بعد فقدان‌ البدن‌ أن‌ ترد في‌ مظهر حيوانيّ، ويسمّون‌ هذا التماسخ‌.

 3 ـ مذهب‌ القائلين‌ إنّها يمكن‌ أن‌ ترد في‌ مظهر نباتيّ، ويدعون‌ هذا بالتفاسخ‌.

 4 ـ مذهب‌ القائلين‌ بأنـّها يمكن‌ أن‌ تظهر في‌ مظاهر الجمادات‌ كالمعدنيّات‌، ويدعون‌ هذا بالتراسخ‌. وجميع‌ هذه‌ الاقسام‌ باطلة‌.

 قال‌ المرحوم‌ السبزواريّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ بيان‌ هذه‌ الاقسام‌:

نَسْخٌ وَم‌ َسْخٌ رسخ‌ فسخٌ قَسّما                                إنساً وحيواناً جماداً ونما

 نشر علي‌ ترتيب‌ اللّف‌؛ وفي‌ إبطال‌ التناسخ‌ قال‌:

لزوم‌ اجتماع‌ نفسيْنِ علي                                          ‌ صيْصيةٍ تناسخاً قد أبْطَلا

 وكان‌ الدليل‌ الرئيس‌ والبرهان‌ القاطع‌ علي‌ إبطال‌ التناسخ‌ وإخوته‌ هو برهان‌ صدر المتألّهين‌، وهو: أنّ النفس‌ باعتبار تعلّقها بالبدن‌، ولانّ التركيب‌ بين‌ هذين‌ الاثنين‌ طبيعيّ واتّحاديّ وموجود في‌ كلّ حركة‌ جوهريّة‌، فهي‌ علي‌ أثر تعلّقها بالبدن‌ قد طوت‌ مراحل‌ من‌ الاستعداد ووصلت‌ إلي‌ الفعليّة‌. فإن‌ أرادت‌ الحلول‌ في‌ قالب‌ جسميّ آخر توجّب‌ عليها إعادة‌ طيّ تلك‌ المراحل‌ من‌ الاستعداد إلي‌ الفعليّة‌، وعودة‌ شي‌ء من‌ الفعليّة‌ إلي‌ مرحلة‌ القوّة‌ والاستعداد محال‌. («المنظومة‌» ص‌ 311 و 312، غُرر في‌ أقسام‌ التناسخ‌، وغُرر في‌ إبطال‌ التناسخ‌).

[278] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 108، الابيات‌ 659 إلي‌ 668.

[279] ـ قال‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: طاشَ الرجلُ يطيشُ طيشاً: نزقَ وخَفَّ، وطاشَ فلانٌ: ذهب‌ عقله‌.

 ـ ولا تكُ من‌ أُولئك‌ الذين‌ اغترّوا بعلومهم‌ ودروسهم‌ خطاشوا وهبطتْ إدراكاتُهم‌ وانحدرتْ قوي‌ تعقّلهم‌. فهناک فی عالم الغیب، وراء هذه الدروس و المنقولات علم یدق عن غایه إدراک العقول المنزهه عن الهوی ( فضلا عن العقول السقیمه، و الأحلام الشموبه بالآراء الفاسده و الأهواء الکاسده).

[280] ـ یقول الشارع الفارسی:

جهان‌ متّفق‌ بر الهيّتش‌                               فرومانده‌ در كُنه‌ ماهيّتش‌

نه‌ إدراك‌ در كنه‌ ذاتش‌ رسد                         نه‌ فكرت‌ به‌ غور صفاتش‌ رسد

نه‌ بر أوج‌ ذاتش‌ پَرد مرغ‌ وهم‌                      نه‌ در ذيل‌ وصفش‌ رسد دست‌ فهم‌

كه‌ خاصان‌ در اين‌ ره‌ فرس‌ رانده‌اند                               بلا أُحصي‌ از تك‌ فرومانده‌اند

 الترجمة‌: «اجتمع‌ العالم‌ علي‌ إلوهيّته‌، وغرقوا في‌ كُنه‌ ماهيّته‌.

 فلا نال‌ الإدراك‌ كنه‌ ذاته‌، ولا توصّل‌ فكرك‌ إلي‌ غور صفاته‌.

 ولا حلّق‌ طائر الوهم‌ علي‌ أوج‌ ذاته‌، ولا أدرك‌ الفهم‌ أذيال‌ وصفه‌.

 لقد جال‌ الخواص‌ من‌ الفرسان‌ في‌ هذا المضمار، لكنّهم‌ تخلّفوا عاجزين‌ عن‌ العدّ والإحصاء».

* * *

مطلق‌ كه‌ بود زهر صفت‌ باك‌                       هرگز نتوان‌ نمود إدراك‌

زانرو كه‌ به‌ عقل‌ چون‌ در آيد                        البتّه‌ به‌ صورتي‌ بر آيد

پس‌ هر چه‌ تو ميكني‌ خيالش‌                     باشد زمظاهر جمالش‌

 الترجمة‌: «إنّ المطلق‌ المنزّه‌ عن‌ كلّ صفة‌ لايمكن‌ إدراكه‌ أبداً.

 لكنه‌ حين‌ يأتي‌ في‌ العقل‌ والتصوّر فإنّه‌ يأتي‌ في‌ صورةٍ معيّنة‌.

 فما خطر في‌ خيالك‌ إذن‌ ليس‌ إلاّ من‌ مظاهر جماله‌».

 * * *

تجلّي‌ حُسن‌ معشوقٍ لاحبابٍ وعشّاق‌                 بتنزيهٍ وتشبيهٍ وتقييدٍ وإطلاق‌

تبدّي‌ وجهُه‌ حُسناً تجلّي‌ حسنُه‌ وجهاً                    بأسماءٍ وأوصافٍ وأحكامٍ وأخلاق‌

 فلا تلتفت‌ إلي‌ من‌ يزعم‌ أنـّه‌ قد وصل‌ إلي‌ كُنه‌ الحقيقة‌ المقدّسة‌، بل‌ أحثُ التراب‌ في‌ فيه‌، فقد ضلّ وغوي‌، وكذب‌ وافتري‌؛ فإنّ الامر أرفع‌ وأظهر من‌ أن‌ يتلّوث‌ بخاطر البشر، وكلّما يصوّره‌ العالم‌ الراسخ‌، فهو عن‌ حرم‌ الكبرياء بفراسخ‌، وأقصي‌ ما وصل‌ إليه‌ الفكر الدقيق‌، فهو غاية‌ مبلغه‌ من‌ التدقيق‌.

آنچه‌ پيش‌ تو غير از آن‌ ره‌ نيست‌                 غايت‌ فهم‌ تست‌ الله‌ نيست‌

 الترجمة‌: «ليس‌ أمامك‌ إلاّ ذلك‌ السبيل‌، وكلّ ما بلغه‌ قصاري‌ فهمك‌ فهو غير الله‌».

گفتم‌ همه‌ ملك‌ حسن‌، سرماية‌ تست‌                        خورشيد فَلَك‌ چو ذرّه‌ در ساية‌ تست‌

گفتا غلطي‌، زما نشان‌ نتوان‌ يافت‌                               از ما تو هر آنچه‌ ديده‌اي‌ پايه‌ تست‌

 الترجمة‌: «قلتُ: ملكتَ جميع‌ ثروة‌ الحسن‌، وكانت‌ شمس‌ الافلاك‌ كذرّة‌ في‌ ظلّك‌.

 قال‌: أخطأتَ، فلا يمكن‌ اكتشاف‌ دلالتنا، وكلّ ما رأيتَه‌ منا هو منك‌ وفي‌ مقامك‌.

 فسُبحان‌ من‌ حارت‌ لطائف‌ الاوهام‌ في‌ بيداء كبريائه‌ وعظمته‌ ! وسبحان‌ من‌ لم‌ يجعل‌ للخلق‌ سبيلاً إلي‌ معرفته‌ إلاّ بالعجز عن‌ معرفته‌».

كسي‌ ندانسته‌ كه‌ منزلگه‌ معشوق‌ كجاست‌                               اينقدر هست‌ كه‌ بانگ‌ جرسي‌ مي‌آيد

 الترجمة‌: «لا أحد يعلم‌ أين‌ منزل‌ الحبيب‌، كلّ ما هنالك‌ صوت‌ جرسٍ يأتي‌!»

 «كلمات‌ مكنونة‌» للمولي‌ محسن‌ الفيض‌ الكاشانيّ أعلي‌ الله‌ درجته‌، ص‌ 21 و 22، الطبعة‌ الحجريّة‌، «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 109، الابيات‌ 674 إلي‌ 676.

[281] «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 109، الابيات‌ 674 إلي‌ 676. ـ تلقيّتُ ذلك‌ العلم‌ من‌ نفسي‌، وأخذتُته‌ عنها، ونفسي‌ كانت‌ معينيّ وممّدي‌ في‌ هذا العطاء الذي‌ منحته‌ لها.

[282] ـ جاء في‌ كتاب‌ «كلمة‌ الله‌» للسيّد حسن‌ الشيرازيّ، ص‌ 140 برقم‌ 154، عن‌ كتاب‌ «عدة‌ الداعي‌» لاحمد بن‌ فهد الحليّ، عن‌ كعب‌ الاخبار، وعن‌ كتاب‌ «مشارق‌ أنوار اليقين‌» للحافظ‌ العليّ أنـّه‌ يقول‌: عبدي‌ ! أطعني‌ أجعلك‌ مِثْلي‌؛ أنا حَيٌّ لا أموت‌، أجعلك‌ حيّاً لاتموت‌؛ أنا غنيٌّ لا أفتقر، أجعلك‌ غنيّاً لا تفتقر. أنا مهما أشاء يكون‌، أجعلك‌ مهما تشاء يكون‌. وورود هذا الحديث‌ عن‌ كعب‌ الاحبار أيضاً بهذه‌ العبارة‌: يابن‌ آدم‌ ! أنا غنيٌّ لا أفتقر؛ أطعني‌ فيما أمرتك‌، أجعلك‌ غنيّاً لا تفتقر ! يابن‌ آدم‌ ! أناحيٌّ لا أموت‌؛ أطعني‌ فيما أمرتك‌ أجعلك‌ حيّا لا يموت‌ ! أنا أقول‌ للشي‌ء: كُن‌ فيكون‌، أطعني‌ فيما أمرتك‌، تقول‌ للشي‌ء: كُنْ فيكونُ.

 وفي‌ «تاريخ‌ اليعقوبيّ» ج‌ 2، ص‌ 95 ضمن‌ بيان‌ مواعظ‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، قال‌: ومن‌ جملة‌ كلامه‌ أنّ الله‌ عزّ وجلّ يقول‌: ابن‌ آدم‌ ! أنا الحيّ لا أموت‌؛ فأطعني‌ أجعلك‌ حيّاً لا تموت‌ ! وأنا علي‌ كلّ شي‌ءٍ قدير.

 ابن‌ آدم‌ ! صِلْ رحمك‌ أفْكُ عنك‌ عُسْرَك‌؛ وأُيَسِّرُك‌ ليُسْرِكَ !

 وأورد الشيخ‌ العارف‌ الكبير محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ في‌ الباب‌ ثلاثمائة‌ وواحد وستّين‌ من‌ كتابه‌ «الفتوحات‌ المكّيّة‌» أنـّه‌ ورد في‌الخبر في‌ أهل‌ الجنة‌ أن‌ الملك‌ يأتي‌ إليهم‌ فيقول‌ لهم‌ بعد أن‌ يستأذن‌ عليهم‌ في‌ الدخول‌، فإذا دخل‌ ناولهم‌ كتاباً من‌ عند الله‌ بعد أن‌ يسلّم‌ عليهم‌ من‌ الله‌؛ وإذا في‌ الكتاب‌ لكلّ إنسان‌ يُخاطَب‌ به‌: من‌ الحيّ القيوم‌ الذي‌ لا يموت‌، إلي‌ الحيّ القيّوم‌ الذي‌ لا يموت‌؛ أمّا بعد فإنّي‌ أقول‌ للشي‌ء: كن‌ فيكون‌؛ وقد جعلتك‌ اليوم‌ تقول‌ للشي‌ء: كُن‌ فيكون‌.

[283] ـ أورد ابن‌ حجر العسقلانيّ في‌ كتاب‌ «الإصابة‌» أنّ دحية‌ بن‌ خليفة‌ بن‌ فروة‌ بن‌ فضالة‌ بن‌ زيد بن‌ امري‌ القيس‌ بن‌ الخزرج‌ صحابيّ مشهور، أوّل‌ مشاهده‌ الخندق‌، وقيل‌ أُحد، لم‌ يشهد بدراً، وكان‌ يُضرب‌ به‌ المثل‌ في‌ حسن‌ صورته‌، وفي‌ حديث‌ أُمّ سلمة‌ وعائشة‌ وعبدالله‌ بن‌ عمر وأنس‌ بن‌ مالك‌ أنّ جبرائيل‌ كان‌ ينزل‌ علي‌ صورته‌.

 وكان‌ دحية‌ رجلاً وسيماً قال‌ العجليّ في‌ تاريخه‌: كان‌ أحسن‌ الناس‌ صورةً مَن‌ كان‌ جبرائيل‌ ينزل‌ علي‌ النبيّ علي‌ صورته‌. ويقول‌ ابن‌ قتيبة‌:

 كان‌ دحية‌ إذا قدم‌ المدينة‌ لم‌ تبق‌ معصراً إلاّ خرجت‌ تنظر إليه‌. وهو رسول‌ النبيّ إلي‌ قيصر الروم‌ فالتقاه‌ في‌ أوائل‌ السنة‌ السابعة‌ أو أواخر السنة‌ السادسة‌ في‌ حِمص‌. وأرسله‌ رسول‌ الله‌ بسريّة‌. وحضر غزوة‌ اليرموك‌ مع‌ رسول‌ الله‌. وكان‌ في‌ كردوس‌. وجاء دمشق‌ فسكن‌ في‌ المزة‌ وبقي‌ حيّاً إلي‌ خلافة‌ معاوية‌. (ج‌ 1، ص‌ 463 و 464، رقم‌ 2390 ). وأورد ابن‌ عبدالبرّ في‌ «الاستيعاب‌» ج‌ 2، ص‌ 461 في‌الترجمة‌ رقم‌ 701؛ وابن‌ الاثير الجزريّ مما ذكر في‌ «الإصابة‌» وأضافا: أنّ قيصر الروم‌ قد آمن‌ برسول‌ الله‌ عند لقائه‌ دحية‌، لكنّ بطارقته‌ النصاري‌ امتنعوا عليه‌، فأخبر دحية‌ رسول‌ الله‌ بذلك‌ فقال‌: اللهمّ ثبّت‌ ملكه‌.

 وأورد آية‌ الله‌ المامقانيّ في‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 417 ترجمة‌ أحواله‌ بنحو مختصر، وقال‌: ورد في‌ أخبار الفريقين‌ أن‌ جبرائيل‌ كان‌ يأتي‌ أحياناً عند رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ علي‌ صورة‌ دحية‌، وهذا دليل‌ علي‌ وثاقته‌. وقد أرسله‌ رسول‌ الله‌ زمن‌ الهدنة‌ سنة‌ ستّ إلي‌ قيصر فآمن‌ قيصر برسول‌ الله‌.

 [284] دیوان ابن فارض ص 73، التائیه الکبری، الأبیات 280 إلی 285.

[285] ـ الا´ية‌ 9، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[286] ـ الا´ية‌ 8، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[287] ـ «شرح‌ تائيّة‌ المولي‌ عبدالرزّاق‌» ص‌ 298، الطعبة‌ الحجريّة‌.

[288] ـ الاوّل‌ في‌! ص‌ 66 و 67، الباب‌ الحادي‌ عشر: لعنة‌ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ ولعنة‌ الانبياء علي‌ قاتل‌ الحسين‌ بن‌ عليّ عليهما السلام‌؛ والثاني‌ في‌ ص‌ 70 و 71، الباب‌ الثاني‌ عشر: قول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ إنّ أُمّته‌ تقتل‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ بعده‌. وسبب‌ تعدّد ذكر هذه‌ الرواية‌ تعدّد الابواب‌، لا تعدّد نفس‌ الرواية‌، لانـّها جاءت‌ متماثلةً متناً وسنداً في‌ الموضعين‌.

[289] ـ «كامل‌ الزيارة‌» الطبعة‌ الحجريّة‌ سنة‌ 1356 هجرية‌ قمرية‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ مع‌ تصيحيح‌ وتعليق‌ العلاّمة‌ الشيخ‌ عبدالحسين‌ الامينيّ صاحب‌ كتاب‌ «الغدير»، وتعليق‌ آية‌ الله‌ المحقّق‌ الشيخ‌ محمّد علي‌ الاردوباديّ.

[290] ـ «بحار الانوار» ج‌ 10، ص‌ 154 و 155 طبعة‌ الكمبانيّ، وفي‌ الطبعة‌ الحديثة‌ ‌ ج‌ 44، ص‌ 238، الرواية‌ 29، باب‌.اخبار الله تعالی انبیاء و نبینا صلی الله علیه و آله بشهادته .

[291] ـ في‌ «مصباح‌ الشريعة‌» باب‌ 100، في‌ حقيقة‌ العبودية‌، قال‌: قال‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: العبوديّة‌ جوهرة‌ كنهها الربوبيّة‌، فما فقد من‌ العبوديّة‌ وجد في‌ الربوبيّة‌، وما خفي‌ عن‌ الربوبيّة‌ أُصيب‌ في‌ العبوديّة‌.

 قال‌ الله‌ تعالي‌: سُنُرِيهِمْ ءَايَـ'تِنَا فِي‌ الاْفَاقِ وَفِي‌´ أَنفُسِهِمْ حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنـَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنـَّهُ و عَلَي‌' كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. أي‌ موجود في‌ غيبتك‌ وفي‌ حضرتك‌.

[292] ـ من‌ بين‌ أبيات‌ غزل‌ خمسة‌ ذكرها العلاّمة‌ دهخدا في‌ معجمه‌ اللغويّ «لغت‌ نامه‌» (=معجم‌ دهخدا) مجلّد حرف‌ السين‌ ص‌ 237 ضمن‌ ترجمة‌ أحوال‌ الحكيم‌ السبزواريّ نقلاً عنه‌، وترجمة‌ الشعر:

 «لم‌ يكن‌ هناك‌ موسي‌ ليسمع‌ نداء: أنا الحقّ، وإلاّ فلا توجد شجرة‌ إلاّ وهي‌ مترنّمة‌ بهذه‌ النغمة‌».

 ـ من‌ بين‌ أبيات‌ غزل‌ خمسة‌ ذكرها العلاّمة‌ دهخدا في‌ معجمه‌ اللغويّ «لغت‌ نامه‌» (=معجم‌ دهخدا) مجلّد حرف‌ السين‌ ص‌ 237 ضمن‌ ترجمة‌ أحوال‌ الحكيم‌ السبزواريّ نقلاً عنه‌، وترجمة‌ الشعر:

 «لم‌ يكن‌ هناك‌ موسي‌ ليسمع‌ نداء: أنا الحقّ، وإلاّ فلا توجد شجرة‌ إلاّ وهي‌ مترنّمة‌ بهذه‌ النغمة‌».

[293] ـ الا´ية‌ 2، من‌ السورة‌ 20: طه‌

[294] ـ من‌ دعاء رواه‌ الكفعميّ في‌ مصباحه‌، في‌ أعمال‌ ليلة‌ مبعث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌.

[295] ـ يقول‌: «مهما كان‌ لون‌ الرداء الذي‌ ترتدي‌، فأنا أعرف‌ تلك‌ القامة‌ الرشيدة‌».

[296] أورد هذا البيت‌ وبيتاً آخر السيّد حيد الا´مليّ في‌ موضعين‌ من‌ «جامع‌ الاسرار»، الاوّل‌ في‌ ص‌ 165 يقول‌ فيه‌: وقولهم‌:

ظهرتَ فلا تخفي‌ علي‌ أحدٍ                     إلاّ علي‌ أكمهٍ لا يعرف‌ القمرا

لكنْ بَطَنْتَ بما أظهرتَ مُحتجباً                                فكيف‌ يُعرف‌ مَنْ بالعُرف‌ مستترا

 أورد بعده‌ هذه‌ الابيات‌؛ وقولهم‌:

والخلق‌ كلّهم‌ أستار طلعتها                    والامر أجمعهم‌ كانوا لها نقبا

ما في‌ الستتّر في‌ الاكوان‌ من‌ عجبٍ                    بل‌ كونها عينها فيما تري‌ عجبا

 وكقولهم‌:

سُبحان‌ من‌ أظهر ناسوته‌                       سرَّ سنا لاهوته‌ الثَّاقبِ

ثمّ بدا في‌ خَلقه‌ ظاهراً                                          في‌ صورة‌ الا´كل‌ والشاربِ

 وكقولهم‌:

توهمّتُ قِدْماً أنّ ليلي‌ بترقعتْ                               وإنّ لثاماً دونها يمنعُ اللَّثما

فلاحتْ فلا والله‌ ! ما كان‌ حَجْبُها                              سِوي‌ أنّ طرفي‌ كان‌ عن‌ حُسْنهاأعمي‌

 والثاني‌ في‌ ص‌ 666، يقول‌ بعد أن‌ جاء بالبيت‌ الا´خر: وكذلك‌ في‌ قولهم‌:

مظاهر الحقّ لا تُعدُّ                                والحقّ فينا لا تحدّوا

إن‌ أبطنَ العبدَ كان‌ ربُّ                            أو أظهر الربَّ كان‌ عبدُ

[297] - هذه‌ الابيات‌ لشيخ‌ العرفاء محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ في‌ «فصوص‌ الحكم‌» الفصّ الثالث‌، و هو الفصّ النوحيّ؛ و لانـّنا أوردناها من‌ «شرح‌ الفصوص‌ القيصريّة‌» الطعبة‌ الحجريّة‌ الخالية‌ من‌ ترقيم‌ الصفحات‌ فنكتفي‌ في‌ الإشارة‌ إليها بهذا القدر. و أورد هذه‌ الاشعار السيّد حيد الا´مليّ أيضاً كشاهد في‌ «جامع‌ الاسرار» ص‌ 662 إلي‌ 664.

 و نقل‌ البيتين‌ الاوّلين‌ الحكيم‌ السبزواريّ في‌ التعليقة‌ علي‌ شرح‌ منظومته‌ ص‌ 229، طبعة‌ ناصري‌، عن‌ عارف‌.

 و شرح‌ الابيات‌ باختصار هو:

 1 ـ فإن‌ كنتَ قائلاً بالتنزيه‌، أي‌ أنـّك‌ تعتبر الله‌ بمعزل‌ عن‌ عالم‌ الوجود، فإنّك‌ تكون‌ قد قيّدته‌ بموجود خارج‌ الموجودات‌، و هو خطأ؛ و إن‌ قلتَ بالتشبيه‌، أي‌ اعتبرتَ الله‌ محدوداً بعالم‌ الموجودات‌، فقد حدّدت‌ ذاته‌ بحدود هذا الوجود، و هو خطأ أيضاً.

 2 ـ أمّا إذا قلتَ بالامرين‌ معاً: التنزيه‌ و التشبيه‌، أي‌ أن‌ اعتبرت‌ الله‌ بلحاظ‌ الذات‌ بسيطاً و منزّهاً عن‌ جميع‌ الاسماء و الصفات‌ و الموجودات‌ و التعيّنات‌، و بلحاظ‌ الظهور و الواحديّة‌ فهو في‌ جميع‌ الموجودات‌، فقد رأيتَ صواباً و صرت‌ في‌ المعارف‌ الإلهيّة‌ إماماً و سيّداً.

 3 ـ و لهذا فإن‌ قال‌ قائل‌ إنّ الله‌ له‌ قابليّة‌ الافتراق‌ عن‌ الموجودات‌، و نزع‌ إلي‌ التنزيه‌ الخالص‌؛ أو إذا نظر إليه‌ في‌ الموجودات‌ فقط‌ و صرف‌ نظره‌ عن‌ مقام‌ أحديّة‌ الذات‌ و التزم‌ بالتشبيه‌ المحض‌، فقد أشرك‌ بالله‌ و جعل‌ غيره‌ (أي‌ الموجودات‌) شريكاً له‌.

 4 ـ فاحذر إذَن‌ من‌ تشبيه‌ الله‌ بشي‌ء إن‌ كنتَ قائلاً بالاثنينيّة‌ لئلاّ تشبّه‌ به‌ غيره‌ من‌ الاشياء الحادثة‌ و الفائضة‌ من‌ ناحيته‌، و تجعلها شبيهةً له‌ في‌ الصفات‌ التي‌ تلزم‌ الوجود، و تعتبر الظلال‌ المستعارة‌ كالسراب‌ وجوداً حقيقيّاً. واحذر إن‌ كنتَ قائلاً بوحدانيّته‌ من‌ التنزيه‌ الخالص‌ و التفريق‌ بينه‌ و بين‌ عالم‌ الا´ثار و التعيّنات‌، لانّ توحيده‌ يغاير افتراق‌ حقيقته‌ و ذاته‌ عن‌ عالم‌ الا´ثار و التعيّنات‌ الخارجيّة‌ و من‌ عالم‌ أسمائه‌ و صفاته‌.

 5 ـ و لهذا فإنّك‌ لستَ تلك‌ الذات‌ المتعالية‌، لانـّك‌ محتاج‌ و ممكن‌ الوجود، و ذو تقيّد و تعيّن‌، و من‌ جهة‌ أُخري‌ فأنت‌ هو تلك‌ الذات‌، لانـّك‌ في‌ الحقيقة‌ عينها و هويّتها الظاهرة‌ في‌ صفاتها، و في‌ مرتبةٍ من‌ مراتب‌ وجودها، و ذاتك‌ و صفاتك‌ تعود إليها.

 و في‌ هذه‌ الحالة‌ فإنّك‌ تجد الحقّ في‌ عين‌ الاشياء حين‌ تضع‌ وجوده‌ في‌ عين‌ التعيّنات‌ المطلقة‌ و لا تقيّده‌ في‌ مراتب‌ الظهورات‌. انتهي‌ إيضاح‌ أشعار الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌. و قد أورد المرحوم‌ المحقّق‌ الفيض‌ القاساني‌ في‌ شأن‌ البيت‌ الاخير (فما أنت‌ هو، بل‌ أنت‌ هو) في‌ كلماته‌ المكنونة‌ الطبعة‌ الحجريّة‌ ص‌ 101، ضمن‌ الكلمة‌ 51 أنـّه‌: روي‌ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌: لنا حالاتٌ مع‌ الله‌، هو فيها نحن‌، و نحن‌ فيها هو؛ و مع‌ ذلك‌ هو هو، و نحن‌ نحن‌.

مائيم‌ كز خدا چو خدائي‌ جدانيئم‌                                 از وي‌ جدا نيئم‌ وليكن‌ خدا نيئم‌

در بحر عشق‌ كشتي‌ فاني‌ ما شكست‌                      تا او شديم‌ اوست‌، كه‌ مائيم‌ و ما نيئم‌

 و إلي‌ الامرينِ ثمّ إلي‌ الفناء ثمّ إلي‌ التوحيد الصرف‌ أشرتُ فيما أشرتُ

با من‌ بودي‌، منت‌ نمي‌دانستم‌                   يا من‌ بودي‌، منت‌ نمي‌دانستم‌

رفتم‌ چو از من‌ ميان‌، ترا دانستم‌                                 تا من‌ بودي‌، منت‌ نمي‌دانستم‌

[298] ـ «شرح‌ الرسالة‌ المنسوبة‌ إلي‌ بحرالعلوم‌» مع‌ تعليق‌ وشرح‌ المؤلّف‌ الحقير، ص‌ 181.

[299] ـ «جامع‌ الاسرار» ص‌ 299 و 300. ـ

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com