بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الثالث: بعض الاوامر الاخلاقیة، شفاعة القرآن

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

خطب الزهراء و زینب فی المدینة و الکوفة و الشام دفاع عن حق المسلمین

 وبغضّ النظر عن‌ كلّ هذا فإنّ مخاصمة‌ واحتجاج‌ وخطبة‌ سيّدة‌ نساء العالمين‌ وابنتها زينب‌ الكبري‌ عليهما صلوات‌ الله‌ في‌ مسجد النبي‌ّ وفي‌ الكوفة‌ والشام‌ لم‌تكن‌ بسبب‌ تضييع‌ وإهدار حقّهما الشخصي‌ّ كي‌ يغضضن‌ عنه‌ طرفاً ويعفونَ تقديماً لسجايا الاخلاق‌ ومحاسن‌ الصفات‌ الاءنسانيّة‌.

 كانت‌ تلكم‌ الخطب‌ علي‌ أساس‌ المصلحة‌ العامّة‌ وإيقاظ‌ أذهان‌ المجتمع‌ وأفكاره‌ في‌ ذلك‌ الجيل‌ وفي‌ الاجيال‌ التي‌ تليه‌ أنّ خيانةً قد ارتكبت‌ في‌ حقّ نظام‌ الاءسلام‌ بعد رحيل‌ رسول‌ الله‌ ، في‌ المدينة‌ وفي‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ محلّ انتخاب‌ الخليفة‌ ، وعارضت‌ بشكل‌ صريح‌ القرآن‌ وسُنّة‌ رسول‌الله‌ ونهجه‌، وحاربت‌ كلّ جهود ومساعي‌ النبي‌ّ في‌ حياته‌.

 أمّا في‌ كربلا فإنّ نظام‌ بني‌ أُميّة‌ العدوانيّ الظالم‌ قد مرّر شفرة‌ سيفه‌ علي‌ إمام‌ الزمان‌ وأولاده‌ وأرحامه‌ وأصحابه‌ بجرم‌ المناداة‌ بالحقّ، ثمّ ساق‌ أهله‌ سبايا في‌ الصحاري‌، وفوق‌ ذلك‌ فقد دعوا سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ بالخارجي‌ّ المتمرّد المتطاول‌ علي‌ أوامر الحكومة‌ المركزيّة‌، وباهوا وتفاخروا بإغارتهم‌ عليه‌ وعلي‌ عياله‌.

 لقد افتقد العفو هنا معناه‌ ، بل‌ كان‌ للسكوت‌ حكم‌ الاءقرار والاءمضاء والرضي‌ بتلك‌ الجرائم‌، فالسكوت‌ مقابل‌ الظلم‌ والتجاوزات‌ بمثابة‌ الحكم‌ بصحّتها وإعطاء الصورة‌ الحسنة‌ لعملهم‌ القبيح‌.

 كان‌ الواجب‌ هنا هو الصراخ‌ والاعتراض‌ وتعداد الجنايات‌، ولقد تحرّكت‌ العقيلة‌، ليس‌ فقط‌ في‌ الشوارع‌ والازقّة‌ ، وإنّما من‌ كربلاء إلي‌ الكوفة‌، ومن‌ الكوفة‌ إلي‌ الشام‌ ، ومن‌ الشام‌ إلي‌ المدينة‌، ثمّ لم‌تهدأ في‌ المدينة‌ ولم‌يقرّ لها قرار ، فقد كانت‌ تجمع‌ النساء حولها كلّ يوم‌ وتعدّد الوقائع‌ والاخبار واحدة‌ واحدة‌ بأدقّ تفاصيلها إلي‌ الحدّ الذي‌ لم‌يكد يمرّ علي‌ واقعة‌ كربلاء زمن‌ طويل‌ حتّي‌ أرسل‌ حاكم‌ المدينة‌ أن‌: يجب‌ أن‌ ترحل‌ زينب‌ عن‌ المدينة‌ وإلاّ هدمنا سقوف‌ بيوت‌ ولد علي‌ّ وعياله‌ علي‌ رؤوسهم‌.[1]

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌ ، فقد كان‌ هذا أُنموذجاً للعمل‌ بالقرآن‌ ووسيلةً لبيان‌ أصالة‌ وخلود تعاليمه‌ ، فحين‌ تقتضي‌ الاُمور عدم‌العفو والمسامحة‌ ويتوجّب‌ علي‌ الاءنسان‌ التصدّي‌ للمعتدي‌ بكلّ ما أُوتي‌ من‌ قوّة‌، بقبضته‌ بأسنانه‌ وأظفاره‌، وبالصراخ‌ والضجّة‌ والغوغاء ، فعليه‌ أن‌ يفعل‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

فی مفهوم آیة : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ

 أمّا حين‌ يكون‌ الضرر والخسارة‌ شخصيّاً لايتعلّق‌ بمصلحة‌ أو مفسدة‌ عامّة‌ فإنّ السكوت‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ لن‌ يؤثّر في‌ إقرار الظلم‌ والظالم‌، بل‌ إنّ الجهر بالجناية‌ لن‌يكون‌ له‌ تأثير إلاّ الحطّ من‌ سمعة‌ الاءنسان‌ وكرامته‌ والتسبيب‌ لنشوب‌ الخلافات‌ والنزاعات‌ الشخصيّة‌ والعائليّة‌، في‌ هذه‌ الاُمور وأمثالها يعدّ العفو أولي‌ من‌ جهر الاءنسان‌ بالسوء من‌ القول‌، عصمةً للسانه‌ من‌ التلوّث‌ بالسوء، وحفظاً لنفسه‌ الشريفة‌ من‌ الاضطراب‌ والجدال‌ والنزاع‌ بلاطائل‌، وحينذاك‌ ستستقرّ حلاوة‌ العفو والمسامحة‌ في‌ أعماق‌ نفسه‌، يجد ينعها وحلاوتها وطراوتها كما لو كانت‌ تلك‌ الطراوة‌ والحلاوة‌ معه‌ يتلذّذ بها علي‌ الدوام‌.

 وقد واجه‌ هذا الحقير موارد كثيرة‌ كانت‌ مصداقاً لهذه‌ الا´ية‌ المباركة‌، كنتُ في‌ بعضها بصدد الدفاع‌ والجهر بالقول‌ ، وقدّمتُ في‌ البعض‌ الا´خر العفوَ بتوفيق‌ الله‌ ومنّه‌ ، وأعرض‌ لاءخواني‌ الاعزّاء في‌ ختام‌ هذا البحث‌ موردينِ من‌ الموارد التي‌ آثرتُ فيها العفو وتذوّقت‌ ثمرته‌.

 لقد كان‌ لوالدي‌ بي‌ علاقة‌ حميمة‌ ، وكان‌ يمتدحني‌ أمام‌ الجميع‌، ثمّ جعلني‌ وصيّه‌ ووهبني‌ كذلك‌ مكتبته‌ أيّام‌ حياته‌ ، وكنتُ آنذاك‌ في‌ الخامسة‌ والعشرين‌ من‌ العمر، حيث‌ أنهيت‌ دراستي‌ وإقامتي‌ في‌ الحوزة‌ العلميّة‌ في‌ قم‌ وعزمتُ علي‌ التشرّف‌ بالذهاب‌ للنجف‌ الاشرف‌ لمواصلة‌ الدرس‌ والتحصيل‌ حين‌ التحق‌ والدي‌ برحمة‌ الحقّ الابديّة‌، فأُجبر هذا الحقير للّبث‌ في‌ طهران‌ مؤقّتاً لتصفية‌ الاُمور وتنفيذ الوصيّة‌ بنيّة‌ السفر بعد إتمام‌ ذلك‌.

 ولقد تدخّل‌ الشيطان‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ وشتّت‌ الاُمور المتّسقة‌ وأهدر مساعي‌ّ لتنفيذ الوصيّة‌، وأوجد ثغرات‌ يصعب‌ سدّها وعراقيل‌ يصعب‌ اجتيازها، وكان‌ السبّاق‌ عند كلّ خطوة‌ تُخطي‌ للاءصلاح‌ والتوفيق‌، يسدّ الطريق‌ ويُحبط‌ الجهود ويجعل‌ حركاتي‌ وسكناتي‌ ونواياي‌ في‌ معرض‌ الاتّهام‌ وسوء الظنّ، إلي‌ الحدّ الذي‌ عجزتُ بعد إقامة‌ سنة‌ في‌ طهران‌ عن‌ تنظيم‌ الاُمور، واضطررتُ من‌ ثَمَّ لغضّ النظر عن‌ سهم‌ الاءرث‌ وشددتُ الرحال‌ مع‌ الوالدة‌ المكرّمة‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف‌.

 ولقد كانت‌ المعارضة‌ والمواجهة‌ مع‌ هذا الحقير شديدة‌ عنيفة‌ إلي‌ الحدّ الذي‌ جعل‌ مسألة‌ توديعي‌ للمعارضين‌ عند عزمي‌ علي‌ السفر أمراً لم‌أستطع‌ تقبّله‌ وتحمّله‌.

 ولقد مرّت‌ سنتان‌ أو ثلاث‌ علي‌ هذا الامر ، ثمّ سمعتُ عند موسم‌ الحجّ أنّ أحد هؤلاء المعارضين‌، وكان‌ رجلاً مسنّاً يعدّ من‌ جهة‌ العمر بمثابة‌ أبي‌، قد جاء إلي‌ النجف‌ الاشرف‌ بنيّة‌ السفر بعد ذلك‌ إلي‌ بيت‌الله‌ الحرام‌. ولم‌يُطق‌ وجداني‌ أن‌ أمتنع‌ من‌ رؤية‌ هذا الرجل‌ المحترم‌ المسافر إلي‌ الله‌، مع‌ أنّ لقاءه‌ ورؤيته‌ كانا بالنسبة‌ لي‌ يبعثان‌ علي‌ الالم‌ والاذي‌. لكنّي‌ ذهبتُ مع‌ ذلك‌ لرؤيته‌ ورفقائه‌، وكانوا قد حلّوا في‌ فندق‌ عند دورة‌ الصحن‌ المطهّر قرب‌ مدرسة‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ البروجردي‌ّ، وسلّمتُ عليه‌ وعانقته‌ ورحّبتُ به‌ فقال‌ إنّهم‌ جاءوا لعدّة‌ أيّام‌ لزيارة‌ العتبات‌ المقدّسة‌ علي‌ أن‌ يسافروا بعدها جوّاً من‌ بغداد إلي‌ جدّة‌ ، فأظهرتُ السرور وهنّأتُه‌، ثمّ ودّعته‌ بعد حوالي‌ نصف‌ الساعة‌ وعدتُ إلي‌ المنزل‌.

 وفي‌ الساعة‌ الثالثة‌ بعد الظهر من‌ اليوم‌ التالي‌، حيث‌ تصل‌ حرارة‌ أجواء النجف‌ إلي‌ أوجها، طُرق‌ باب‌ المنزل‌ !  وفتحتها، فكان‌ الطارق‌ هو هذا الرجل‌ المسنّ المحترم‌ المعارض‌ قد جاء بمفرده‌ ليردّ زيارتي‌ له‌ بالامس‌، فسلّمتُ عليه‌ ورحّبتُ به‌ وأدخلته‌ المنزل‌، فقال‌ إنّه‌ يريد أن‌ يودّع‌ والدتي‌ أيضاً، فأخبرته‌ أن‌ لا مانع‌ من‌ ذلك‌  ( كانت‌ الوالدة‌ في‌ هذا النزاع‌ بسبب‌ قربها وعلاقتها بالحقير مورداً للاتّهام‌ وسوء الظنّ ) .

 جاء ووقف‌ مقابل‌ الوالدة‌ وسلّم‌ وقال‌ : عزمتُ علي‌ الذهاب‌ إلي‌ بيت‌ الله‌، فسامحيني‌.

 ردّت‌ الوالدة‌ : لن‌ أعفو عنك‌ أبداً .

 قال‌ : يجب‌ أن‌ تسامحيني‌ .

 فردّت‌ : هذا مُحال‌ .

 فقال‌ : أُقسم‌ بالله‌ لئن‌ لم‌ ترضِ عني‌ فسأعود إلي‌ طهران‌  أترك‌ الحجّ.

 فتدخّلتُ قائلاً : أيّها السيّد !  لقد سامحتك‌ والدتي‌ وستسامحك‌، فاطمئن‌ فسأرُضيها عنك‌، وستوفّق‌ إن‌ شاء الله‌ في‌ سفرك‌ وتعود مقضي‌ّ المرام‌. فودّعنا وخرج‌.

 ثمّ ذهبتُ صباح‌ اليوم‌ التالي‌ لرؤيته‌ في‌ الفندق‌، حيث‌ كان‌ من‌ المقرّر أن‌ يسافر مع‌ رفقائه‌ ذلك‌ الصباح‌ بالسيّارة‌ إلي‌ مدينة‌ الكاظميّة‌، وكان‌ الجوّ حارّاً، وكان‌ جالساً مع‌ رفقائه‌ في‌ باحة‌ الفندق‌ علي‌ أرائك‌ صُفّت‌ بمحاذاة‌ الجدار وقد حزموا حقائبهم‌.

 قالوا : سنسافر بعد نصف‌ ساعة‌ . وجعلنا نتجاذب‌ أطراف‌ الحديث‌ كأ  نّنا لم‌يسبق‌ أن‌ تنازعنا وترافعنا !  وحين‌ أكمل‌ رفقاؤه‌ في‌ السفر وضع‌ أمتعتهم‌ في‌ السيّارة‌ وتحرّكوا لاخذ أمكنتهم‌ التفتَ هذا السيّد من‌ علي‌ الاريكة‌ إلَي‌َّ قائلاً:

ایها  السيّد محمّد الحسين‌ ، سُئل‌ المعصوم‌ عن‌ تفسير هذه‌ الا´ية‌  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ ، [2] 

 الرجوع الي الفهرس

َ معنی : صِلْ مَن‌ قَطَعَكَ! وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ! وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَك

فقال المعصوم ‌: ثلاثة‌ أشياء:  صِلْ مَن‌ قَطَعَكَ! وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ! وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ. [3]

ایها  السيّد محمّد الحسين‌  !  انتظر منك‌ أن‌ تعاملني‌ طبقاً لتفسير هذه‌ الاية‌.

 انقلب‌ حالي‌ ، ولم‌ أستطع‌ مغالبة‌ دموعي‌ فانهمرت‌، وقلتُ: لم‌يكن‌ ما حصل‌ بالمهمّ، فكن‌ مطمئنّاً أن‌ لا شي‌ء بيننا يحتاج‌ لمثل‌ هذا الاعتذار، فأنا ابنك‌ وخادمك‌.

 ثمّ تعانقنا هناك‌ ، وركبوا سيّارتهم‌ ورحلوا. ذهبتُ علي‌ الفور للتشرّف‌ بالحرم‌ المطهّر، وأدّيت‌ مراسم‌ الزيارة‌ نيابةً عنه‌ وصليّتُ ركعتَي‌ الزيارة‌، ثمّ دعوتُ: أيّها الاءله‌ الرحيم‌ الذي‌ يؤلّف‌ بين‌ القلوب‌، عبدُك‌ هذا لايجد في‌ قلبه‌ ضغناً علي‌ هذا الرجل‌ ، ولقد عفوتُ عن‌ كلّ ما مضي‌، ولقد أتاك‌ قاصداً إليك‌ وزائراً حرمك‌ ، فاعفُ عنه‌ واقرن‌ سفره‌ بالخير والرحمة‌.

 ولقد   كانت‌   حلاوة‌   تلك‌   الصلاة‌   والدعاء   والعفو   عند   حرم‌   أمير  المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ذكري‌ لاتُنسي‌.

 الرجوع الي الفهرس

مواجهة مع بعض المتطاولین الذین یعبر عنهم القرآن بالملا

 أمّا المورد الثاني‌ :  فقد كان‌ الحقير بعد العودة‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌ وعملاً بالتكليف‌ الاءلهي‌ّ يقيم‌ صلاة‌ الجماعة‌ مع‌ بيان‌ الاحكام‌ والمعارف‌ الاءلهيّة‌ وتفسير القرآن‌ الكريم‌ والموعظة‌ والدروس‌ العلميّة‌ في‌ أحد مساجد طهران‌، وقد سعيت‌ ما أمكنني‌ لتربية‌ الناس‌ بشكل‌ قويم‌ لاأمت‌ فيه‌ ولاعوج‌ ولاتزوير، بلاتفكير في‌ مصلحة‌ أو مراعاة‌ لاحد، ونفذّت‌ في‌ الواقع‌ ما كان‌ يظهر ويتناهي‌ إليه‌ الفكر من‌ متن‌ الدين‌ في‌ دائرتي‌ المحدودة‌، واعتبرتُ التعامل‌ مع‌ الناس‌ له‌ حكم‌ السفارة‌ الاءلهيّة‌ أو كالنبوّة‌ في‌ نطاق‌ حدودي‌، إذ ينبغي‌ أن‌ تُلتزم‌ بدقّة‌ حدود الشرع‌ والدين‌ والحقّ والحقيقة‌ والواقعيّة‌ ولاتُتخطّي‌ قيد شعرة‌.

 وكنتُ أتدخّل‌ في‌ جميع‌ أُمور المسجد بشكل‌ مباشر وأستشير المصلّين‌ وأهل‌ المحلّة‌ في‌ مسألة‌ إدارة‌ أُمور المسجد وأستأنس‌ بوجهات‌ نظرهم‌، لكنّ التصميم‌ والقرار النهائي‌ّ كان‌ لي‌ ، إذ مع‌ التبصّر والتفقّه‌ بأمر الدين‌ والتخصّص‌ في‌ هذا الفنّ ، فلم‌ أكن‌ لاقدرَ أن‌ أُبعد عن‌ نظري‌ المستقلّ مسألة‌ زمام‌ أمر المسجد في‌ مسألة‌ دعوة‌ الوعّاظ‌ والمدّاحين‌ الذين‌ كان‌ ينبغي‌ أن‌ يكونوا معروفين‌ عندي‌ وأن‌ تتمّ دعوتهم‌ بعد موافقتي‌، وكذا مسألة‌ نصب‌ مكبّرات‌ الصوت‌ بأصواتها المرتفعة‌ في‌ الشوارع‌ وتسبيب‌ الاذي‌ للناس‌، وإذاعة‌ صوت‌ الاذان‌ من‌ جهاز التسجيل‌ أو من‌ المذياع‌، وتشكيل‌ المجالس‌ المتعدّدة‌ لقراءة‌ الفاتحة‌ وأخذ وجوه‌ المال‌ من‌ الناس‌ عن‌ هذا الطريق‌، وكذا فسح‌ المجال‌ واسعاً لمن‌ يستخدم‌ العمامة‌ للاستجداء وإهدار الكرامة‌ والسمعة‌، ومسألة‌ الفوضي‌ في‌ المسجد وتحويله‌ إلي‌ مركز للتجمّع‌ أو محلّ لتردّد الناس‌ اللاّ أُباليّين‌، ثمّ إقامة‌ مجالس‌ العزاء المتعلّقة‌ برجال‌ المملكة‌ والبلاط‌، وأخيراً عشرات‌ ، بل‌ مئات‌ من‌ أمثال‌ هذه‌ المسائل‌ التي‌ كنّا نواجهها كلّ يوم‌.

 ولم‌ أكن‌ لاُوافق‌ علي‌ أن‌ أترك‌ هذه‌ المسائل‌ بأيدي‌ أفراد وسعوا ويسعون‌ باعتبارهم‌ أقوياء المحلّة‌ ووجهاؤها الاثرياء المتنفّذين‌ إلي‌ تسيير أُمور المسجد وتوجيهها حسب‌ وجهة‌ نظرهم‌، وأن‌ يحوّلوا إمام‌ الجماعة‌ مع‌ امتلاكه‌ المقام‌ العلميّ إلي‌ تابعٍ ومُطيع‌ لهم‌ ، ويسعون‌ بالسلام‌ والصلوات‌ واحتلال‌ واجهة‌ المجالس‌ ، وبالدعوة‌ إلي‌ حفلات‌ الضيافة‌، وقراءة‌ خطب‌ العقد في‌ حفلات‌ الزواج‌ والتردّد علي‌ مجالس‌ الفاتحة‌، وتشييع‌ واتّباع‌ الجنائز بما لايُرضي‌ الله‌، بهذا وغيره‌ يسعون‌ إلي‌ جعل‌ إمام‌ الجماعة‌ مورد هزئهم‌ وسخريتهم‌ وإلي‌ إصابته‌ بمرض‌ تقليد العوامّ والاءنسياق‌ وراءهم‌.

 ولقد نُقل‌ عن‌ أحد أئمّة‌ الجماعة‌ في‌ محلّتنا قوله‌ إنّ أصحاب‌ السوق‌ يريدون‌ أن‌ يمسكوا بشعيرات‌ لحية‌ إمام‌ جماعتهم‌ ، كلٌّ يمسك‌ بشعرةٍمنها ويجرّ باتّجاه‌ غايته‌ وهدفه‌.

 ولقد سعي‌ هذا الحقير خلال‌ مدّة‌ طويلة‌ دامت‌ أربعاً وعشرين‌ سنة‌ بعد عودتي‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌ إلي‌ زمان‌ الهجرة‌ لارض‌ القدس‌ الرضوي‌ّ عليه‌ السلام‌، سعيت‌ ما أمكنني‌ لجعل‌ هذا المسجد بوضعٍ يُرضي‌ الله‌ سبحانه‌ هادئاً بعيداً عن‌ الرياء ، وإلي‌ تحويله‌ إلي‌ محلّ للتفسير والموعظة‌ والاخلاق‌ والمعارف‌ الاءلهيّة‌.

 وللّه‌ الحمد فقد تحقّق‌ ما كنت‌ أتطلّع‌ إليه‌، فقد طُبّقت‌ تعاليم‌ الدين‌ وبرامجه‌ في‌ هذا المسجد أفضل‌ بكثير من‌ مساجد أُخري‌ يُشار إليها بالبَنان‌.

 ولم‌يكن‌ مستبعداً أنّ سلوكاً ومنهجاً كهذا سيكون‌ له‌ مخالفون‌ يسعون‌ إلي‌ المعاكسة‌ ، وبالطبع‌ فإنّ نظام‌ الحكم‌ الجائر لم‌يكن‌ ليسيغ‌ هذا النهج‌، بل‌ كان‌ العكس‌ هو المتوقّع‌ منه‌ . ولم‌يكن‌ بالسهل‌ لهم‌ أن‌ يتدخّلوا بصورة‌ مباشرة‌ في‌ أُمور المسجد ، فسعوا إلي‌ تحقيق‌ أهدافهم‌ عن‌ طريق‌ هؤلاء المعارضين‌ الموجودين‌ في‌ هيئة‌ إدارة‌ المسجد باعتبارهم‌ من‌ أهل‌ المحلّة‌، لذا فقد كنّا دوماً في‌ محنة‌ ونزاع‌ معهم‌، محنة‌ وصراع‌ ساحق‌ ومُرهق‌، يُنهك‌ ويُتعب‌ ويهدّ، وكان‌ أمامي‌ في‌ تلك‌ المرحلة‌ ثلاثة‌ خيارات‌:

 الاوّل‌ : ترك‌ الحقّ والصدق‌ ومسايرة‌ الوضع‌ ومماشاة‌ رغبات‌ أُولئك‌ المعارضين‌ ممّا يستلزم‌ بيع‌ الدين‌ بالدنيا واستبدال‌ الواقعيّة‌ بالاُمور الاعتباريّة‌ الموهومة‌.

 الثاني‌ : ترك‌ العمل‌ والتنحّي‌ جانباً ، وهذا يستتبع‌ إيداع‌ المسجد بِيَدِ أفراد يريدون‌ إدارة‌ أُمور الدين‌ طبق‌ رضا الشيطان‌ وهواه‌.

 الثالث‌ : العضّ علي‌ الكبد والصبر علي‌ المشكلات‌ وتحمّل‌ المشاقّ، بل‌ ما لايُطاق‌.

 ولقد اختار الله‌ لنا الامر الثالث‌ ، وللّه‌ الحمد وله‌ الشكر فما خسرنا كان‌ من‌ دنيانا، حيث‌ ضاعت‌ سلامة‌ المزاج‌ ، وسُلِبَ الهدوء وراحة‌ البال‌، لكنّ القلب‌ كان‌ عامراً بالاءيمان‌ والقناعة‌ بصواب‌ طريق‌ الثبات‌ وعدم‌ الاستسلام‌ لرغبات‌ أُولئك‌، وكان‌ الباري‌ هو المُعين‌ ، وهو المرشد والدليل‌، وهو واهب‌ القوّة‌ ومانح‌ الشجاعة‌ والجرأة‌.

 وحصل‌ في‌ أحد مراحل‌ المنازعات‌ والمناوشات‌ النفسيّة‌ بين‌ هذا الحقير وأحد أهل‌ المحلّة‌ أن‌ حدثت‌ مواجهة‌ بيننا في‌ أمرٍ كان‌ لايُرضي‌ الله‌ عزّ وجلّ، ولم‌تكن‌ مواجهة‌ علنيّة‌ ونزاعاً ظاهراً، بل‌ بقيت‌ في‌ إطار المواجهة‌ الباطنيّة‌ والنفسيّة‌.

 وقد عمد هذا الشخص‌ إلي‌ طباعة‌ صفحة‌ كبيرة‌ يخاطب‌ فيها هذا الحقير بجملات‌ يكرّر فيها حضرة‌ آية‌ الله‌ ، حضرة‌ آية‌ الله‌، ويعدّد سيّئاتي‌ حسب‌ نظره‌، ويذكرني‌ وأبي‌ بالسوء ، ولم‌ يتورّع‌ عن‌ نسبة‌ كلّ قبيح‌ وسيّي‌ء إلَي‌َّ، وخلاصة‌ الامر أنّ رسالته‌ قد حوت‌ ـعدا شتم‌ الاُمّ والاُخت‌ـ كلّ ما يمكن‌ تصوّره‌، حتّي‌ أ  نّه‌ كتب‌ يقول‌:

 إنّكم‌ تريدون‌ بهذه‌ الاعمال‌ منعي‌ من‌ التدخّل‌ في‌ أُمور المسجد وهذا محال‌، وسأبقي‌ لاحملك‌ شأن‌ أبيك‌ إلي‌ مقرّك‌ الاخير ذاك‌ وأدفنك‌ فيه‌، ثمّ أعود لاقف‌ مكاني‌ وأستمرّ في‌ أعمالي‌ ، ثمّ وقّع‌ بيده‌ أسفل‌ الرسالة‌ ووضعها في‌ مظروف‌ وأرسلها إلَي‌َّ.

 كانت‌ ليلةً شتائيّة‌ ، وكنتُ في‌ غرفة‌ الاستقبال‌ وقد اتّخذت‌ كرسيّاً، [4] ففتحتُ الرسالة‌ وقرأتها فلم‌ أصدّق‌ عيني‌ لاوّل‌ وهلة‌، فما الذي‌ تعنيه‌ هذه‌ الكلمات‌ ؟!  هذا الرجل‌ الذي‌ كان‌ ينحني‌ دوماً ليقبّل‌ يدي‌. ولم‌أكن‌ بالطبع‌ لادعه‌ ولاغيره‌ ليفعل‌ ذلك‌، لماذا إذَن‌ أصبح‌ هكذا ؟  أكان‌ هذا نفاقاً ؟ أَوَهل‌ يمكن‌ للنفاق‌ أن‌ يصل‌ بحيث‌ يعدّدوا محاسن‌ ومحامد كذائيّة‌ كاذبة‌ للشخص‌ في‌ الظاهر، ثمّ يكشفون‌ في‌ الباطن‌ عن‌ السيّئات‌ والسرائر هكذا ؟

 لقد قرأتُ الرسالة‌ علي‌ كلّ حال‌ مرّات‌ ومرّات‌ ورأيتُ في‌ طيّاتها أَحْقَادَاً بَدْرِيَّةً وخَيْبَرِيَّةً ، ثمّ عزمتُ أن‌ أُصوّر منها نسخاً فأُرسل‌ بعضها للاصدقاء من‌ أهل‌ المحلّة‌ والمعارف‌ الذين‌ كانوا يصرّون‌ علي‌ ذهابي‌ للمسجد، وأن‌ أضع‌ الرسالة‌ نفسها جنب‌ الباب‌ الداخلي‌ّ للمسجد عند باحته‌، ثمّ أعمد يوم‌ الجمعة‌ لذلك‌ الاُسبوع‌ حيث‌ تقام‌ مجالس‌ الموعظة‌ قبل‌ الظهر في‌ المسجد وتنتهي‌ عند صلاة‌ الظهر، إلي‌ إلقاء خطبة‌ في‌ الجمع‌ الحاضر، أذكر فيها شيئاً من‌ الاتعاب‌ والمعاناة‌ التي‌ تحمّلتها خلال‌ هذه‌ الفترة‌ الطويلة‌ لاءعمار المسجد معنويّاً ، والتي‌ يعلم‌ بها الجميع‌، ثمّ أشرح‌ مفاد الرسالة‌ وليحصل‌ ما حصل‌ ، سواءً أجبره‌ عملي‌ علي‌ التنحّي‌ أم‌ علي‌ الخروج‌ من‌ طهران‌ أم‌ أي‌ّ احتمالٍ آخر ، إذ إنّ الشبّان‌ الغياري‌ والذين‌ تربّوا بالتربية‌ الاءسلاميّة‌ وجميع‌ المحبّين‌ لن‌ يتحمّلوا مثل‌ هذه‌ الاعمال‌.

 لقد كان‌ هؤلاء البسطاء المساكين‌ حسني‌ الطويّة‌ إلي‌ درجة‌ خُيِّلَ إليهم‌ معها أنّ هذه‌ الاحترامات‌ والتجليلات‌ والتكريمات‌ والاستفسارات‌ والوقوف‌ علي‌ أُهبة‌ الاستعداد، وإبداء الموافقات‌ كانت‌ تنبع‌ من‌ الصدق‌ والصفاء، غافلين‌ عن‌ أ  نّها كانت‌ دكّاناً للارتزاق‌ مقابل‌ الدكاكين‌ الاُخري‌، وفخّاً لصيد الدين‌ والعقل‌ ومكارم‌ الاخلاق‌ وشرف‌ الاءنسانيّة‌.

 وبقيتُ تلك‌ الليلة‌ في‌ السُّهاد ، لم‌ تذق‌ عيني‌ّ من‌ النوم‌ إلاّ قليلاً، وفتحت‌ القرآن‌ مرّة‌ أو مرّتين‌ فكانت‌ آيات‌ تتحدّث‌ عن‌ موسي‌ عليه‌ السلام‌ وأذي‌ فرعون‌ وأتباعه‌، والدعوة‌ للصبر والاستقامة‌ والثبات‌.

 كان‌ أوّل‌ بزوغ‌ الشمس‌ وانتشار الضياء ، وكنتُ عازماً علي‌ أخذ الرسالة‌ والخروج‌ من‌ البيت‌ لتنفيذ ما عقدت‌ عليه‌ العزم‌ حين‌ برق‌ خاطرٌ في‌ القلب‌، وسألتُ نفسي‌:

 أنّ ما سأنفّذه‌ سيحطّم‌ الطرف‌ الا´خر ويستأصله‌ بلاشكّ، ولكن‌ ألِلّهِ فيه‌ رضا ؟  وهل‌ سيعقب‌ كمالي‌ المعنوي‌ّ أم‌ أنّ عاقبته‌ السقوط‌ والانحطاط‌ ؟

 استخرت‌ الله‌ وفتحت‌ القرآن‌ ، وإذا بي‌ أمام‌ آية‌؛ ويا لها من‌ آية‌ ! حيث‌ كانت‌:

 الرجوع الي الفهرس

القرآن یتکشف فی آیة : وَلاَ تَسْتَوِي‌ الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ

 وَلاَ تَسْتَوِي‌ الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي‌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ و  عَدَ ' وَةٌ كَأَ  نَّهُ و  وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّـ'هَآ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّـ'هَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَـ'نِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَهِ إِنَّهُ و هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [5]

 قلت‌ :  سُبحان‌ الله‌، هذا هو إعجاز القرآن‌ ، وهذا هو القرآن‌ الخالد والاقوم‌، إنّ الله‌ سبحانه‌ يقول‌ : لا تفكّر بالانتقام‌ ، لا تجزي‌ السيّئة‌ بالسيّئة‌، فإنّ طريق‌ تعليم‌ النفوس‌ وتربيتها هو الصبر والتحمّل‌ أمام‌ الصعاب‌ والمشاقّ واستماع‌ الكلام‌ الفارغ‌ وغير المستساغ‌ . إنّ واجبك‌ ليس‌الانتقام‌ بل‌ الصّبر، ثمّ المقابلة‌ بحسن‌ الخلق‌ ، وغلبة‌ الطرف‌ الا´خر وقهره‌ بالاخلاق‌ وبتناسي‌ قبائحه‌ والاءغضاء عن‌ إساءاته‌ ، وكأنّ هذه‌ الا´ية‌ العجيبة‌ كانت‌ توحي‌ معنيً جديداً وتستبطن‌ مفهوماً بديعاً بكراً ، وكأ  نّني‌ لم‌ أقرأ هذه‌ الا´ية‌ قبل‌ اليوم‌ ولم‌استوعب‌ معناها.

 هذا من‌ جهة‌ ، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فقد كنت‌ أنظر إلي‌ الناس‌ جميعاً علي‌ حدٍّ سواء بعين‌ التربية‌ والهداية‌ ، وأعتبر واجبي‌ تكليفاً إلهيّاً وفرعاً شبيهاً بالنبوّة‌ في‌ مجالي‌ المحدود ومحلّ دائرة‌ إرشادي‌ وتبليغي‌، وكنتُ أعتبر نفسي‌ لحدّ الا´ن‌ مسؤولاً ملتزماً لامر الله‌ بأنّ الجميع‌ يجب‌ أن‌ يُربّوا ويُنذروا، وأن‌ يعتبر الجميع‌ كلماتي‌ ونصائحي‌ ومواعظي‌ نابعة‌ من‌ قول‌ الله‌، عليهم‌ أن‌ يعملوا لتطبيقها. فما الذي‌ حدث‌ كي‌ يخرج‌ هذا الرجل‌ الا´ن‌ ويتخلّي‌ عن‌ تلك‌ المسؤوليّة‌ والالتزام‌ ؟

 ألم‌ يكن‌ من‌ الافضل‌ أن‌ يبقي‌ هذا الرجل‌ منضوياً في‌ هذا الصفّ وأن‌ يبقي‌ الجميع‌ ـحسنهم‌ وسيّئهم‌ـ يؤدّون‌ أعمالهم‌ ووظائفهم‌، عسي‌ أن‌ تشملنا رحمة‌ الله‌ جميعاً ؟

 عجباً  !  فهذا هو الاُسلوب‌ الافضل‌ والطريقة‌ المثلي‌ والقانون‌ الاعلي‌ والحكم‌ الاءنساني‌ّ الارفع‌ والاسمي‌.

 كانت‌ هذه‌ الا´ية‌ كالماء اللذيذ القراح‌ قد انهمر ، فأخمد النار الملتهبة‌ في‌ الاعماق‌، وبدّد مشاعر الحقد والطمع‌ والعُجب‌ واستحسان‌ الرأي‌ الشخصي‌ّ وطلب‌ الجاه‌ والمقام‌ التي‌ تتجلّي‌ بغطاء مزيّف‌ من‌ أحاسيس‌ حبّ الاستقلال‌ وعزّة‌ النفس‌. وكانت‌ هذه‌ الا´ية‌ أشبه‌ بمشرط‌ جرّاحٍ حاذق‌ يضعه‌ فوق‌ الدمل‌ فيخرج‌ القيح‌ والاقذار ويستأصلها.

 أمسكتُ بالهاتف‌ في‌ تلك‌ اللحظة‌ واتّصلت‌ به‌ ، وسلّمتُ عليه‌ وسألتهُ إن‌ كان‌ باقياً في‌ المنزل‌ فأنا راغب‌ أن‌ أذهب‌ إليه‌ وأكون‌ في‌ خدمته‌.

 قال‌ : كلاّ كلاّ أيّها السيّد  !  سأحضر في‌ خدمتك‌ علي‌ الفور.

 فقلتُ : سآتي‌ أنا ، فأنا جاهز للخروج‌ .

 فأجاب‌ : وأنا الا´خر جاهز بملابس‌ الخروج‌ قرب‌ الباب‌، فقد أردتُ المجي‌ء لاكون‌ في‌ خدمتكم‌.

 وخلاصة‌ الامر ، فلم‌ تمرّ سوي‌ دقائق‌ معدودة‌ حتّي‌ جاء، ففتحتُ الباب‌ وتعانقنا وبكينا ، ثمّ دخلنا الغرفة‌ فجلس‌ تحت‌ الكرسي‌ّ ولم‌نتحدّث‌ بشأن‌ ما كان‌ بيننا ولو جملة‌ واحدة‌ ، كلّ ما حصل‌ أ  نّني‌ ناولتُه‌ رسالته‌ وقلت‌: خُذ هذه‌، فكأ  نّك‌ لم‌تكتب‌ وكأ  نّي‌ لم‌ أقرأ ، فأخذ الرسالة‌ ووضعها بجانبه‌ وذرف‌ الدموع‌ لبعض‌ الوقت‌، ثمّ ودّعني‌ وذهب‌.

 لقد أردتُ من‌ ذكر هذه‌ القضيّة‌ والتي‌ سبقها الاستشهاد بأنّ تعاليم‌ القرآن‌ خالدة‌ أبديّة‌ ، لها حكم‌ الدواء الذي‌ يشفي‌ فوراً ويُنجي‌ المريض‌ من‌ عناء الالم‌ والوجع‌، لا يرتوي‌ الاءنسان‌ من‌ شرابه‌ الشافي‌ مهما عبّ منه‌، بل‌ يزداد إليه‌ لهفة‌ ورغبة‌ ، وسـتحصل‌ نفسـه‌ علي‌ سـكينتها وتجد روحه‌ حلاوتها، ولانّ هاتين‌ القضيّتين‌ قد وقعتا فعلاً لهذا الحقير، وتذوّقتُ حلاوتها وتحسَّستُ شفاءها العاجل‌ ، فقد أحببت‌ ذكرها للقرّاء المحترمين‌ ليروا كيف‌ أنّ هذه‌ التعليمات‌ والقوانين‌ تمثّل‌ الاُسلوب‌ الامثل‌ والنهج‌ الافضل‌:

 الاوّل‌ :  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ.

 الثاني‌ :  لاَ تَسْتَوِي‌ الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي‌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ و  عَدَ ' وَةٌ كَأَ  نَّهُ و  وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

 كما أنّ جميع‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ علي‌ هذا النحو ، فلاانحصار لهذه‌ الصفة‌ والمزيّة‌ في‌ آية‌ أو آيتينِ ، فإذا ما طبّقنا القرآن‌ ونَهِجْنا نهجه‌ في‌ ممارساتنا اليوميّة‌ وفي‌ برنامجنا العملي‌ّ فسنري‌ ـكما شاهدنا في‌ النهج‌ الذي‌ ذكرناه‌ـ كيف‌ أنّ كلّ آيةٍ منه‌ دواءٌ لعلّة‌ ومسكّن‌ لالمٍ ومحنة‌، ومهدّأ لاضطراب‌ قلب‌، تسكن‌ القلوب‌ وتشفي‌ الارواح‌ والنفوس‌ في‌ ضوء تعاليمها وشعاع‌ هَدْيها.

 وعرفنا هنا معني‌ شفاعة‌ القرآن‌ حين‌ يُقال‌ للقرآن‌ شافع‌ وشفيع‌،

 الرجوع الي الفهرس

معنی شفاعة القرآن فی الدنیا ، و ظهورها فی الآخرة

فالشفع‌ بمعني‌ الزوج‌ مقابل‌ الوتر بمعني‌ الواحد والفرد، فحين‌ يعجز المرء عن‌ أداء عملٍ ما بمفرده‌ فإنّه‌ يلجأ عادةً لطلب‌ مساعدٍ ومُعين‌، ويدعي‌ هذا المعين‌ والمساعد بالشافع‌ والشفيع‌ ، أي‌ أ  نّه‌ عند اقترانه‌ بذلك‌ الامر فإنّ الاءنسان‌ يأخذ منه‌ القوّة‌ ويمكّنه‌ بفضل‌ معونته‌ وانضمامه‌ أن‌ يُنجز ذلك‌ العمل‌.

 إنّ الاءنسان‌ بعقله‌ وطبيعته‌ وإرادته‌ وحسّه‌ واختياره‌ قاصر بمفرده‌ عن‌ طي‌ّ طريقه‌ إلي‌ الله‌ ، وسيَضِلُّ ويتيه‌ فلا يهتدي‌ ، وسيُنهكه‌ التعب‌ والنصب‌، وستذلّه‌ وتقهره‌ المشاكل‌ المادّيّة‌ والمعنويّة‌. القرآن‌ هو الذي‌ يأتي‌ فيضاعف‌ قدرة‌ الاءنسان‌ وقوّته‌ ، ويمدّه‌ بالعون‌ في‌ سيره‌ ليطوي‌ طريقه‌؛ تماماً كما تعجز القاطرة‌ عن‌ سحب‌ القطار فيُستعان‌ بقاطرة‌ أُخري‌ تُقرن‌ بها، فهذه‌ القاطرة‌ الثانية‌ تُدعي‌ شفيعاً ، أي‌ أ  نّها القرين‌ والمساعد في‌ سحب‌ القطار، وكالعجلة‌ التي‌ يعجز الفَرَس‌ عن‌ سحبها فيُقرن‌ به‌ آخر يُشفع‌ به‌ فيسحبانها سويّاً، وكالعامل‌ الذي‌ ينوء بحمل‌ عمود حديدي‌ّ ثقيل‌ فيستعين‌ بشفيع‌ وشافع‌ يُعينه‌ علي‌ حمله‌.

 إنّ آيات‌ القرآن‌ التي‌ تمتلك‌ جميعاً خاصيّة‌ الدلالة‌ والهداية‌ والدواء والنور والشفاء والغذاء المعنوي‌ّ ، تدخل‌ في‌ كلّ مرحلة‌ من‌ مراحل‌ الحياة‌ فتأخذ بِيَدِ الاءنسان‌ العاجز المتهالك‌ وتُعينه‌ علي‌ إنجاز عمله‌ والوصول‌ به‌ إلي‌ مقصده‌ وغايته‌، وهذه‌ الشفاعة‌ في‌ الدنيا تظهر نفسها في‌ اليوم‌ الا´خر، وفي‌ ذلك‌ الموقف‌ فإنّ القرآن‌ يشفع‌ بعنوان‌ الشفيع‌ ويُعين‌ هناك‌ مَن‌ اعتاد الاستعانة‌ به‌ في‌ الدنيا فيعبر به‌ مراحل‌ الظلمات‌ وجهنّم‌.

 روي‌ الكلينيّ في‌  « الكافي‌ »  ؛ ومحمّد بن‌ مسعود العيّاشيّ في‌ تفسيره‌، كلاّ بسنده‌ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أبيه‌ عن‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌ قال‌:

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّكُمْ فِي‌ دَارِ هُدْنَةٍ؛ [6]  وَأَنْتُم‌ عَلَي‌ ظَهْرِ سَفَرٍ ؛ وَالسَّيْرُ بِكُمْ سَرِيعٌ ، وَقَدْ رَأيْتُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُبْلِيانِ كُلَّ جَدِيدٍ وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ وَيَأْتِيانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ، فَأَعِدُّوا الجِهازَ لِبُعْدِ المَجَازِ!

 قَالَ : فَقَامَ المِقْدَادُ بْنُ الاَسْوَدِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا دَارُ الهُدْنَةِ؟ فَقَالَ : دَارُ بَلاَغٍ وَانْقِطَاعٍ . فَإذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ فَإنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ. وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إلَي‌ الجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إلَي‌ النَّارِ. وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَي‌ خَيْرِ سَبِيلٍ، وَهُوَ كِتَابٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ وَتَحْصِيلٌ ، وَهُوَ الفَصْلُ وَلَيْسَبِالهَزْلِ. لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ. فَظَاهِرُهُ حُكْمٌ وَبَاطِنُهُ عِلْمٌ. ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ. لَهُ تَخُومٌ وَعَلَي‌ تَخُومِهِ تُخُومٌ. لاَ تُحْصَي‌ عَجَائِبُهُ وَلاَتُبْلَي‌ غَرَائِبُهُ. فِيهِ مَصَابِيحُ الهُدَي‌ وَمَنَارُ الحِكْمَةِ وَدَلِيلٌ عَلَي‌ المَعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الصِّفَةَ.

 إلي‌ هنا نهاية‌ رواية‌ العيّاشي‌ّ في‌ تفسيره‌، وأضاف‌ لها في‌  « الكافي‌ » هذه‌ التتمّة‌:

 فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ ، وَلْيُبْلِغِ الصِّفَةَ نَظَرَهُ ، يَنْجُ مِنْ عَطَبٍ، وَيَخْلُصُ مِنْ نَشَبٍ، فَإنَّ الفِكْرَ حَيَاةُ قَلْبِ البَصِيرِ كَمَا يَمْشِي‌ المُسْتَنِيرُ فِي‌ الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ. فَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ. [7]

 الرجوع الي الفهرس

مقام الامام و الولایة هما تحقق الوجود الخارجیّ للقرآن

 إنّ الاءمام‌ ذا مقام‌ الولاية‌ الرفيع‌ هو الذي‌ عُجِنَ القرآن‌ وامتزج‌ بتمامه‌ مع‌ نفسه‌ الشريفة‌، وانطبقت‌ عليه‌ كلّ الا´يات‌ بتمام‌ معانيها ومفاهيمها ولَمَسها ومَسَّها من‌  باء بِسْم‌ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ  إلي‌  سين‌ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ ، الاءمام‌ في‌ حقيقةِ وجوده‌ هو القرآن‌ الخارجي‌ّ، وواقعيّته‌ تكبيرٌ وتسبيح‌ وتحميد وتهليل‌ وتمجيد للحقّ تعالي‌.

 يقول‌ أبو الفداء ابن‌ كثير الدمشقي‌ّ في‌ تأريخه‌ : وممّا قرأه‌  الحاكم‌ أبو عبدالله‌ النيسابوري‌ّ  عن‌ مقتل‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ بعض‌ المتقدّمين‌ هذه‌ الابيات‌:

 جَاؤُوا بِرَأسِكَ يَا بْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ                       مُتَزَمِّلاً بِدِمَائِهِ تَزْمِيلاَ

 وَكَأَ نَّمَا بِكَ يَا بْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ                قَتَلُوا جِهَارَاً عَامِدِينَ رَسُولاَ

 قَتَلُوكَ عَطْشَانَاً وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا                فِي‌ قَتْلِكَ القُرْآنَ وَالتَّنْزِيلاَ

 وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإنَّمَا                    قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلاَ [8]

 فقتلُ الاءمام‌ يُمثّل‌ قتلاً لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وقتلاً للقرآن‌، إذ إنّ الاءمام‌ هو القرآن‌ الحي‌ّ الناطق‌.

 لقد كان‌ الاءمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ تجسيماً وتمثيلاً حيّاً للقرآن‌، لكنّهم‌ أسروه‌ وجلسوا يتلون‌ أمامه‌ القرآن‌ !

 يقول‌ السيّد بن‌ طاووس‌ : وسار القوم‌ برأس‌ الحسين‌ ونسائه‌ والاسري‌ من‌ رجاله‌، فلمّا قربوا من‌ دمشق‌ دنت‌ أُمّ كلثوم‌ من‌ شمر ـوكان‌ من‌ جملتهم‌ـ فقالت‌ له‌: لي‌ إليك‌ حاجة‌. فقال‌: ما حاجتك‌ ؟

 قالت‌ : إذا دخلتَ بنا البلد فاحملنا في‌ درب‌ قليل‌ النظارة‌ وتقدّم‌ إليهم‌ أن‌ يُخرجوا هذه‌ الرؤوس‌ من‌ بين‌ المحامل‌ وينحّونا عنها فقد خزينا من‌ كثرة‌ النظر إلينا. فأمر في‌ جواب‌ سؤالها أن‌ يجعل‌ الرؤوس‌ علي‌ الرماح‌ في‌ أوساط‌ المحامل‌ بغياً منه‌ وكفراً ، وسَلَكَ بهم‌ بين‌ النظارة‌ علي‌ تلك‌ الصفة‌ حتّي‌ أتي‌ بهم‌ باب‌ دمشق‌ فوقفوا علي‌ درج‌ باب‌ المسجد الجامع‌ حيث‌ يُقام‌ السبي‌. [9]

 الرجوع الي الفهرس

 عفو السجّاد عن السیخ الشامیّ الذی شتم أسری آل محمد

ويروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌  « الامالي‌ »  عن‌ حاجب‌ ابن‌ زياد في‌ حديث‌ مفصّل‌ إلي‌ أن‌ يقول‌ : فأقيموا  ( الاسري‌ )  علي‌ درج‌ المسجد حيث‌ يُقام‌ السبايا وفيهم‌  علي‌ّبن‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌  وهو يومئذٍ فتيً شابٌّ، فأتاهم‌ شيخٌ من‌ أشياخ‌ الشام‌ فقال‌ لهم‌ :  الحمد للّه‌ الذي‌ قتلكم‌ وأهلككم‌ وقطع‌ قرون‌ الفتنة‌! فلم‌يألوا عن‌ شتمهم‌.

 فلمّا انقضي‌ كلامه‌ قال‌ له‌  علي‌ّ بن‌ الحسين‌  عليه‌ السلام‌:  أما قرأتَ كتابَ الله‌ عزّ وجلّ؟

 قال‌ : نعم‌ .

 قال‌ : أما قرأتَ هذه‌ الا´ية‌ :  قُل‌ لاَّ´ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي‌ الْقُرْبَي‌'؟[10]

 قال‌ : بلي‌ .

 قال‌ :  فنحن‌ أُولئك‌، ثمّ قال‌ : أما قرأتَ :  وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَي‌' حَقَّهُ؟ [11]

 قال‌ : بلي‌ .

 قال‌ :  فنحن‌ هم‌، قال‌ : فهل‌ قرأت‌ هذه‌ الا´ية‌ :  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. [12]

 قال‌ : بلي‌ .

 قال‌ :  فنحن‌ هم‌  ؛ فرفع‌ الشامي‌ّ يده‌ إلي‌ السماء ثمّ قال‌ : اللهمّ إنّي‌ أتوب‌ إليك‌ـ ثلاث‌ مرّات‌،  اللهُمّ إنِّي‌ أَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ عَدُوِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ قَتَلَةِ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، لَقَدْ قَرَأْتُ القُرْآنَ فَمَا شَعَرْتُ بِهَذَا قَبْلَ اليَوْمِ. [13]

 قال‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ : ثمّ وضع‌  ( يزيد )  رأسَ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ بين‌ يديه‌ وأجلس‌ النساء خلفه‌ لئلاّ ينظرن‌ إليه‌ ، فرآه‌ علي‌ّبن‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ فلم‌يأكل‌ بعد ذلك‌ أبداً من‌ رأس‌ غنم‌ أو غير ذلك‌، وأمّا زينب‌ فإنّها لمّا رأته‌ أهوت‌ إلي‌ جيبها فشقّته‌ ، ثمّ نادت‌ بصوتٍ حزين‌ يفزع‌ القلوب‌: يَاحُسَيْنَاه‌! يَاحَبيبَ رَسُولِ اللَهِ ! يَا بْنَ مَكَّةَ وَمِنَي‌! يَابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ! يَابنَ بِنْتِ المُصْطَفَي‌!

 قـال‌ الراوي‌ : فأبكت‌ والله‌ كلّ من‌ كـان‌ في‌ المجلـس‌ ويزيد عليه‌ لعائن‌الله‌ ساكت‌. ثمّ جعلت‌ امرأة‌ من‌ بني‌ هاشم‌ كانت‌ في‌ دار يزيد لعنه‌الله‌ تندب‌ علي‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وتنادي‌:

 يَا حُسَيْنَاهُ ! يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتَاهُ ! يَا بْنَ مُحَمَّدَاه‌ ! يَارَبِيعَ الاَرَامِلِ وَاليَتَامَي‌! يَا قَتِيلَ أَوْلاَدِ الاَدْعِيَاءِ!

 قال‌ الراوي‌ : فأبكت‌ كلَّ مَن‌ سمعها .

 وَمِمَّا يُزِيلُ القَلْبَ عَنْ مُسْتَقَرِّهَا                      وَيَتْرُكُ زَنْدَ الغَيْظِ فِي‌ الصَّدْرِ وَارِيَا

 وُقُوفُ بَنَاتِ الوَحْي‌ِ عِنْدَ طَلِيقِهَا                      بِحَالٍ بِهَا يُشْجِينَ حَتَّي‌ الاَعَادِيَا

 ثمّ دعا يزيد عليه‌ اللعنة‌ بقضيب‌ خيزران‌ فجعل‌ ينكت‌ به‌ ثنايا الحسين‌ عليه‌ السلام‌ ، وكان‌ عنده‌ أبو برزة‌ الاسلمي‌ّ فقال‌ له‌:

 يا يزيد  !  ارفع‌ قضيبك‌ فو  الله‌ لطال‌ ما رأيتُ رسول‌الله‌ يقبّل‌ ثناياه‌. [14]

 وقال‌ ابن‌ الجوزي‌ّ في‌ كتابه‌  «الردّ علي‌ المتعصّب‌ العنيد»:

 ليس‌ العجب‌ من‌ فعل‌ عمر بن‌ سعد وعبيد الله‌ بن‌ زياد، وإنّما العجب‌ من‌ خذلان‌ يزيد وضربه‌ بالقضيب‌ علي‌ ثنية‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وإغارته‌ علي‌ المدينة‌، أفيجوز أن‌ يفعل‌ هذا بالخوارج‌ ؟  أوَ ليس‌ في‌ الشرع‌ أ  نّهم‌ يُدفنون‌ ؟  أمّا قوله‌ أن‌ أسبيهم‌ فأمرٌ لايقنع‌ لفاعله‌ ومعتقده‌ باللعنة‌، ولو أ  نّه‌ احترم‌ الرأس‌ حين‌ وصوله‌ وصلّي‌ عليه‌ ولم‌ يتركه‌ في‌ الطست‌ ولم‌يضربه‌ بقضيب‌ ما الذي‌ كان‌ يضرّه‌ وقد حصل‌ مقصوده‌ من‌ القتل‌ ؟  ولكن‌ أحقاد جاهليّة‌، ودليلها ما تقدّم‌ مِن‌ إنشاده‌:

 لَيْثَ أشْيَاخِي‌ بِبَدْرٍ شَهِدُوا                 جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الاَسَل‌[15]

 قال‌ سبط‌ ابن‌ الجوزيّ : قال‌ جدّي‌ : ليس‌ العجب‌ من‌ قتال‌ ابن‌زياد الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وتسليطه‌ عمر بن‌ سعد علي‌ قتله‌ والشمر، وحمل‌ الرؤوس‌ إليه‌، وإنّما العجب‌ من‌ خذلان‌ يزيد وضربه‌ بالقضيب‌ ثناياه‌، وحمل‌ آل‌ رسول‌الله‌ سبايا علي‌ أقتاب‌ الجمال‌، وعزمه‌ علي‌ أن‌ يدفع‌ فاطمة‌ بنت‌ الحسين‌ إلي‌ الرجل‌ الذي‌ طلبها كأَمَةٍ، وإنشاده‌ أبيات‌ ابن‌ الزبعري‌: *ليث‌ أشياخي‌ ببدرٍ شهِدوا*.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ ذكرت‌ الدكتورة‌ عائشة‌ (بنت‌ الشاطي‌) في‌ كتاب‌ «السيّدة‌ زينب‌ بطلة‌ كربلاء» ص‌ 753  إلي‌ 756  من‌ مجموعة‌ موسوعة‌ آل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ، أ  نّه‌: أرادت‌ السيّدة‌ زينب‌ أن‌ تقضي‌ ما أبقت‌ لها الايّام‌ من‌ عمر في‌ جوار جدّها الرسول‌، لكنّ بني‌ أُميّة‌ كرهوا ذلك‌ المقام‌. وكانت‌ تقصّ علي‌ نساء المدينة‌ واقعة‌ كربلاء وتصف‌ مجزرة‌ الطفّ الفظيعة‌، وكان‌ بيانها مؤثّراً للحدّ الذي‌ كان‌ يُلهب‌ الحزن‌ علي‌ الشهداء ويؤلّب‌ الناس‌ علي‌ الطغاة‌ حتّي‌ كاد الامر يفسد علي‌ بني‌ أُميّة‌ ، فكتب‌ واليهم‌ بالمدينة‌ عمرو بن‌ سعيد الاشدق‌ إلي‌ يزيد أنّ وجودها بين‌ أهل‌ المدينة‌ مهيّج‌ للخواطر وأ  نّها فصيحة‌ عاقلة‌ لبيبة‌ ، وقد عزمت‌ هي‌ ومن‌ معها علي‌ القيام‌ للاخذ بثأر الحسين‌ ، فأمره‌ يزيد أن‌ يفرّق‌ البقيّة‌ الباقية‌ من‌ آل‌ البيت‌ في‌ الاقطار والامصار، وطلب‌ الوالي‌ إلي‌ السيّدة‌ زينب‌ أن‌ تخرج‌ من‌ المدينة‌ فتقيم‌ حيث‌ تشاء، قالت‌ غاضبة‌ مُستثارة‌: قد علم‌ الله‌ ما صار إلينا... فو  الله‌ لن‌نخرج‌ وإن‌ أُريقت‌ دماؤنا، لكنّ نساء بني‌ هاشم‌ خشين‌ عليها من‌ غضب‌ الطاغي‌ يزيد وسطوته‌ فالتففنَ حولها يُرغّبنها بلطيف‌ القول‌ وإظهار المواساة‌ بالخروج‌.

 فعزمت‌ علي‌ الرحيل‌ إلي‌ مصر ، ووردت‌ أرض‌ النيل‌ عند طلوع‌ هلال‌ شهر شعبان‌ لسنة‌ 61  حتّي‌ نزلت‌ عند قرية‌ قرب‌ بلبيس‌ فاستقبلها هناك‌ مسلمة‌ بن‌ مخلد الانصاري‌ّ أمير مصر مع‌ جماعة‌ من‌ أعيان‌ مصر وعلمائها ، ومضي‌ بها مسلمة‌ إلي‌ داره‌ فأقامت‌ بها قرابة‌ عام‌ لم‌تُرَ خلالها إلاّ عابدة‌ مُتبتّلة‌ حتّي‌ رحلت‌ عن‌ الدنيا ليلة‌ الخامـس‌ عشـر من‌ شـهر رجب‌ عام‌ 62 ه علي‌ أرجح‌ الاقوال‌، ودُفنت‌ في‌ دار مسلمة‌ ، وبقي‌ قبرها مزاراً مباركاً يفد إليه‌ المسلمون‌ من‌ كلّ فجٍّ عميق‌.

 [2]  ـ الا´ية‌  199، من‌ السورة‌  7: الاعراف‌ .

 [3]   ـ أصل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «الامالي‌» للشيخ‌ الطوسي‌ّ ، ج‌  2، ص‌  258، طبعة‌ النجف‌، حيث‌ روي‌ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أحمد بن‌ عيسي‌ العلوي‌ّ قال‌ : قال‌ لي‌ جعفربن‌ محمّد عليهما السلام‌: إنّه‌ ليعرض‌ لي‌ صاحب‌ الحاجة‌ فأُبادر إلي‌ قضائها مخافة‌ أن‌ يستغني‌ عنها صاحبها، ألا وإنّ مكارم‌ الدنيا والا´خرة‌ في‌ ثلاثة‌ أحرف‌ من‌ كتاب‌ الله‌ عزّ وجلّ:  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ.  وتفسيره‌ : أن‌ تصل‌ مَن‌ قطعك‌ ؛ وتعفو عمّن‌ ظلمك‌؛ وتُعطي‌ مَن‌ حرمك‌.

 وقد جاء في‌ «مكارم‌ الاخلاق‌» للشيخ‌ الطبرسي‌ّ ، ص‌  241، الطبعة‌ الحجريّة‌، ضمن‌ وصايا الرسول‌ الاكرم‌ لامير المؤمنين‌ عليهما الصلاة‌ والسلام‌:

 يَا عَلِي‌ُّ ! ثَلاَثَةٌ مِنْ مَكَارِمِ الاَخْلاَقِ فِي‌ الدُّنْيَا وَالا´خِرَةِ: أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتَحْلُمَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْكَ.

 وروي‌ الكليني‌ّ في‌ «أُصول‌ الكافي‌ّ» ج‌  2، ص‌  214، بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ الدِّلْهَاثِ مولي‌ الاءمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ ، قال‌ : سمعت‌ الرضا عليه‌ السلام‌ يقول‌ :  لاَ يَكُونَ المُؤْمِنُ مُؤْمِنَاً حَتَّي‌ يَكُونَ فِيهِ ثَلاَثُ خِصَالٍ: سُنَّةٌ مِنْ رَبِّهِ وَسُنَّةٌ مِنْ نَبِيِّهِ وَسُنَّةٌ مِنْ وَلِيِّهِ. فَأَمَّا السُنَّةُ مِنْ رَبِّهِ فَكِتْمَانْ سِرِّهِ؛ قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: «عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ. وَأَمَّا السُنَّةُ مِنْ نَبِيِّهِ فَمُدَارَاةُ النَّاسِ ، فَإنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ فَقَالَ: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعْرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ. وَأَمَّا السُنَّةُ مِنْ وَلِيِّهِ فَالصَّبْرُ فِي‌ البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ.

 وأورد الصدوق‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «عيون‌ أخبار الرضا» ص‌  167، الطبعة‌ الحجريّة‌، وفي‌ ذيلها:  فَإنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : «وَالصَّـ'بِرِينَ فِي‌ الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ».

 وجاء في‌ «مجمع‌ البحرين‌» في‌ مادّة‌  كَرَمَ : ومكارم‌ الاخلاق‌ التي‌ خُصَّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ بها عشرة‌: اليقين‌ والقناعة‌ والصبر والشكر والحلم‌ وحسن‌ الخلق‌ والسخاء والغيرة‌ والشجاعة‌ والمروّة‌.

 وفي‌ الحديث‌ :  امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ بِمَكَارِمِ الاَخْلاَقِ ، فَإنْ كَانَتْ فِيْكُمْ فَاحْمِدُوا اللَهَ تَعَالَي‌؛ وَإلاَّ تَكُنْ فِيْكُمْ فَاسْأَلُوا اللَهَ وَارْغَبُوا إلَيْهِ فِيهَا،  ثمّ إنّه‌ عليه‌ السلام‌ ذكر العشرة‌ السالفة‌.

 وفيه‌ ـوقد سئل‌ عن‌ مكارم‌ الاخلاق‌ـ فقال‌ :  العَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَصِلَةُ مَنْ قَطَعَكَ، وَإعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ ، وَقَوْلُ الحَقِّ وَلَوْ عَلَي‌ نَفْسِكَـ انتهي‌.

 ويقول‌ الزمخشري‌ّ في‌ «الكشّاف‌» ج‌  1، ص‌  364، في‌ تفسير آية‌ «خذ العفو»:

 «العفو» ضدّ الجهد ؛ أي‌ خُذ ما عفا لك‌ من‌ أفعال‌ الناس‌ وأخلاقهم‌ وما أتي‌ منهم‌، وتسهّل‌ من‌ غير كلفة‌، ولا تداقّهم‌ ولا تطلب‌ منهم‌ الجهد وما يشقّ عليهم‌ حتّي‌ لاينفروا؛ كقوله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ :  يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا.  قال‌:

 خُذِي‌ العَفْوَ مِنِّي‌ تَسْتَدِيمِي‌ مَوَدَّتِي‌ وَلاَ تَنْطِقِي‌ فِي‌ سَوْرَتِي‌ حِينَ أَغْضَبُ

 وقيل‌ : خُذ الفضل‌ وما تسهل‌ من‌ صدقاتهم‌ . وذلك‌ قبل‌ نزول‌ آية‌ الزكاة‌، فلمّا نزلت‌ أمر أن‌ يأخذهم‌ بها طوعاً أو كرهاً.

 و العرف‌: المعروف‌ والجميل‌ من‌ الافعال‌ .

 «وأعرض‌ عن‌ الجـ'هلين‌»: ولا تكافي‌ السفهاء بمثل‌ سفههم‌، ولاتمارهم‌، واحلم‌ عنهم‌، وأغضِ علي‌ ما يسوؤك‌ منهم‌.

 وقيل‌ : لمّا نزلت‌ الا´ية‌ سأل‌ جبرئيل‌ فقال‌ : لا أدري‌ حتّي‌ أسأل‌، ثمّ رجع‌ فقال‌: يَامُحَمَّدُ! إنَّ رَبَّكَ أَمَرَكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي‌ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ.

 وعن‌ جعفر الصادق‌ : أمر الله‌ نبيّه‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ بمكارم‌ الاخلاق‌، وليس‌ في‌ القرآن‌ آية‌ أجمع‌ لمكارم‌ الاخلاق‌ منها.

 وقد نقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ آخر «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ألف‌ كلمة‌ من‌ المواعظ‌ والحكم‌ من‌ كلمات‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ القصار ؛ وجاء في‌ الكلمة‌ 122 :

 إنَّ اللَهَ سُبْحَانَهُ أَدَّبَ نَبِيَّهُ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِقَوْلِهِ: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ»  (الا´ية‌  199، من‌ السورة‌  7: الاعراف‌)  فَلَمَّا عَلِمَ أَ  نَّهُ قَدْ تَأَدَّبَ، قَالَ: «وَاِنَّكَ لَعَلَي‌' خُلُقٍ عَظِيمٍ»  (الا´ية‌  4، من‌ السورة‌  68: القلم‌)  فَلَمَّا اسْتَحْكَمَ لَهُ مِنْ رَسُولِهِ مَا أَحَبَّ، قَالَ: «وَمَآ ءاتَب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَب'كُمْ عَنْهُ فَانتَهُو»  (مقطع‌ من‌ الا´ية‌ 7 ، من‌ السورة‌  59 : الحشر)

[4]  ـ تُطلق‌ هذه‌ التسـمية‌ علي‌ تخت‌ أو مقعد يُتّخذ في‌ الشـتاء فيوضع‌ أسـفله‌ موقد للفحم‌ أو وسـيلة‌ تدفئة‌ أُخري‌ ، ثمّ يُلقي‌ فوقه‌ لحاف‌ أو غطاء سـميك‌ و يُجلـس‌ إلي‌ جانبه‌ للتدفئة‌.(م‌)

 [5]  ـ الا´يات‌  34  إلي‌  36، من‌ السورة‌  41: فصّلت‌ .

[6]  ـ الهدنة‌ المصالحة‌ والمعاهدة‌ علي‌ ترك‌ القتال‌ بين‌ المسلمين‌ والكفّار أو بين‌ جيشين‌ متحاربين‌.

 [7]  ـ مقدّمة‌ «تفسير الصافي‌» ص‌  4، المقدّمة‌ الاُولي‌ ، الطبعة‌ القديمة‌ (الرحلي‌ّ)، وص‌ 9  من‌ طبعة‌ الاُوفسيت‌ الحديثة‌ (الوزيري‌ّ) ؛ وكذا في‌ «الكافي‌» ج‌  2، ص‌  598  و 599 ؛ وكذا في‌ كتاب‌ الروضة‌ من‌ «بحار الانوار» عن‌ «نوادر الراوندي‌» عن‌ الاءمام‌ موسي‌بن‌ جعفر عليه‌ السلام‌، راجع‌ «البحار» ج‌  17، ص‌  40  الطبعة‌ القديمة‌ (الكمباني‌ّ) ، وج‌ 77 ، ص‌ 134 و 135  من‌ الطبعة‌ الحديثة‌؛ وفي‌ «نوادر الراوندي‌ّ» ص‌ 21  و 22 .

 وأورد في‌ نسخة‌ الراوندي‌ّ و «بحار الانوار» الذي‌ نقل‌ عنه‌ : ويأتيان‌ بكلّ وعدٍ ووعيد؛ وكذلك‌ أورد: فقام‌ المقداد بن‌ الاسود فقال‌ : يا رسول‌ الله‌ ! فما تأمرنا بالعمل‌؟ فقال‌: إنّها دار بلاء وابتلاء وانقطاع‌ وفناء . وأورد أيضاً : له‌ نجومٌ وعلي‌ نجومه‌ نجوم‌ ، وأورد أيضاً: لمن‌ عرف‌ النَّصِفَة‌ فليرع‌ رجل‌ بصره‌ ، وليبلغ‌ النَّصفة‌ نظره‌ . وأورد كذلك‌: والنور يُحسن‌ التخلّص‌ ويقلّ التربّص‌.

 [8]  ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  8، ص‌  198. وقال‌ المرحوم‌ المحدّث‌ القمّي‌ّ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 271 : روي‌ أنّ بعض‌ فضلاء التابعين‌ لمّا شاهد رأس‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ بالشام‌ أخفي‌ نفسه‌ شهراً من‌ جميع‌ أصحابه‌ ، فلمّا وجدوه‌ بعد إذ فقدوه‌ سألوه‌ عن‌ سبب‌ ذلك‌ فقال‌: ألا ترون‌ ما نزل‌ بنا؟ وأنشأ يقول‌ هذه‌ الابيات‌.

 [9]  ـ «نفس‌ المهموم‌» ص‌  271.

 [10]  ـ الا´ية‌  23، من‌ السورة‌  42: الشوري‌ .

 [11]  ـ الا´ية‌  26، من‌ السورة‌  17: الاءسراء .

 [12]  ـ الا´ية‌  33، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌ .

[13]  ـ روي‌ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌  273  و  274، وفي‌ «منتهي‌ الا´مال‌» ج‌ 1 ، ص‌ 307 و 308  هذه‌ القصّة‌ عن‌ القطب‌ الراوندي‌ّ عن‌ المنهال‌ بن‌ عمرو ؛ وفي‌ نهايتها أنّ الرجل‌ الشامي‌ّ قال‌ للسجّاد عليه‌ السلام‌: هل‌ لي‌ توبة‌ ؟ فقال‌ له‌ : نعم‌...؛ فقال‌: أنا تائب‌. فبلغ‌ يزيدبن‌ معاوية‌ حديث‌ الشيخ‌ فأمر به‌ فَقُتِلَ.

 [14]  ـ «نفس‌ المهموم‌» ص‌  280.

 [15]  ـ «نفس‌ المهموم‌» ، ص‌  275.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com