بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الخامس: اثر القرآن فی المؤمنین، دعوة القرآن الی سبل السلام، البر بالوالدین

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

حرکة المؤمنین بتلاوة القرآن مع النبيّ في العروج المتعالی للأسماء الإلهیّة

 لقد كان‌ النبي‌ّ الاكرم‌ يحلّق‌ في‌ الفضاء الاقدس‌ ، تعرج‌ به‌ آيات‌ القرآن‌ إلی‌ عالم‌ الاسماء والصفات‌ الإلهيّة‌ اللامتناهي‌ ، وتحلّق‌ به‌ همّته‌ المتعإلیة‌ بعيداً في‌ أعلی‌ أجواء المعرفة‌ والصفاء والنور ؛ فكيف‌ سيمكن‌ لهذا المسكين‌ الحبيس‌ في‌ بئر الهوي‌ والهوس‌ ، المتخبّط‌ في‌ شراك‌ الاباطيل‌ والشيطنة‌ ، أو لتلك‌ الذبابة‌ قصيرة‌ النظر ، قصيرة‌ الطيران‌ ، سريعة‌ الاذي‌ والتعب‌ ، أن‌ تحلّق‌ إلی‌ ذلك‌ المكان‌ الفسيح‌ أو ترقي‌ لتلك‌ الذروة‌ المنيعة‌ ، أو تنال‌ تلك‌ القمّة‌ الرفيعة‌  ؟!

 وهذا هو الحجاب‌ الصلد ، والسدّ الحديدي‌ّ بين‌ العامل‌ بالقرآن‌ وتاركه‌ ، الذي‌ سيوجد فيحجب‌ شاء المرء أم‌ أبي‌ .

 فالمؤمن‌ دوماً في‌ عروج‌  ارتقاء ، ومَن‌ لا يؤمن‌ بالآخرة‌ ، ممّن‌ لا يتجاوز ظاهر الحياة‌ الدنيا ، ويفهم‌ العيش‌ واللذة‌ في‌ الإطار الضيّق‌ لاسوار الهوي‌ والمادّة‌ وسراديبها المظلمة‌ ، فهو في‌ حال‌ سقوط‌ وتنزّل‌ أبدي‌ّ :

 يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِنَ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ . [56]

 الرجوع الي الفهرس

 الطواغیت یریدون قرآناً وفق هوی أنفسهم

إنّ هؤلإ يخسرون‌ دوماً صفاتهم‌ الإيجابيّة‌ ، ويغيّرون‌ الثروات‌ والنعم‌ الإلهيّة‌ من‌ العمر والحياة‌ والعقل‌ والقدرة‌ ، ويستبدلونها بلذّات‌ متغيّرة‌ فانية‌ ، فهم‌ في‌ حال‌ هبوط‌ دائميّ في‌ درك‌ النفس‌ ونار جهنّم‌ وعذاب‌ الجحيم‌ .

 فأيّ حجابٍ أشدّ من‌ هذا  ؟  وأيّ سدّ وحاجزٍ أقوي‌ وأكثر إحكاماً  ؟

 إنّهم‌ يخافون‌ كلمة‌  اللهُ أَكْبَرُ  وعبارة‌  لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ  فيهربون‌ منها ، لا   نّهم‌ يكرهون‌ أن‌ يصف‌ النبي‌ّ ربّه‌ بالوحدانيّة‌ ، وكلّما ورد في‌ القرآن‌ التوحيد فوصف‌ الخالق‌ به‌ ، وبالتفرّد في‌ الذات‌ والصفة‌ والفعل‌ ، وقيل‌ إنّ الامر والنهي‌ ، والحكم‌ والطاعة‌ كلّها للّه‌ ، ولّوا علی‌ أدبارهم‌ نفوراً من‌ كلمات‌ الحقّ الصادعة‌ هذه‌ . وذلك‌ لا   نّهم‌ اتّخذوا أرباباً من‌ دون‌ الله‌ من‌ أب‌ وأُمّ وشريك‌ ورفيق‌ ، وزوجة‌ وابن‌ ، وحاكم‌ ومحكوم‌ ، وراعٍ ورعيّة‌ ، وثروة‌ وتجارة‌ وزراعة‌ ، وحرفة‌ وصنعة‌ ، و ... كلّ هذه‌ آلهتهم‌ وأربابهم‌ ، فكيف‌ سيتأتّي‌ لهم‌ أن‌ يعرضوا صفحاً عن‌ آلهتهم‌ هؤلاء ، وأن‌ يسدلوا علیهم‌ ستار النسيان‌ ، ليؤمنوا بكلّ وجودهم‌ بالله‌ الواحد القهّار  ؟!

 كيف‌ يمكنهم‌ تجاهل‌ نوازعهم‌ النفسيّة‌ ، وطموحاتهم‌ اللا   مشروعة‌ ، وآمالهم‌ المتعارضة‌ مع‌ الإنسانيّة‌ ، الهادمة‌ صرحها والمستأصلة‌ جذورها ، لكي‌ يصبحوا تابعين‌ طيّعين‌ يعملون‌ طبقاً لتعإلیم‌ القرآن‌ الكريم‌ بالعدل‌ والقسط‌ في‌ المجالات‌ الفرديّة‌ والاجتماعيّة‌  ؟

 لكلّ هذا ، لم‌ يكن‌ هؤلاء ليقبلوا تعإلیم‌ الإسلام‌ القائمة‌ علی‌ أساس‌ الوحدة‌ التي‌ لا تتساوق‌ مع‌ الحياة‌ الشيطانيّة‌ ، ولا تنسجم‌ والقصور القائمة‌ في‌ دنيا الخيال‌ والوهم‌ وعشق‌ المجاز .

 فالقرآن‌ كتاب‌ حقّ ، يدعوهم‌ إلی‌ الحقّ ، وهم‌ يصرّون‌ علی‌ الباطل‌ ، بل‌ يقولون‌ جهاراً : بدّل‌ قرآنك‌ هذا ، أيّها النبي‌ّ ، أوِ ائتنا بغيره‌ ينسجم‌ وهوي‌ أنفسنا ، ويقرّنا علی‌ تجاوزاتنا ، ويتركنا أحراراً مطلقي‌ العنان‌ في‌ تحقيق‌ رغباتنا .

 ائتِ بقرآنٍ يقيم‌ وزناً لوجهائنا وكبرائنا ويميّزهم‌ ، ولا يجعل‌ الغنيّ والفقير في‌ المعاملة‌ علی‌ حدٍّ سواء .

 ائت‌ بقرآن‌ يجعل‌ الناس‌ يهوون‌ سجّداً علی‌ أعتاب‌ قصورنا ، يديم‌ هيمنتنا وتسلّطنا علی‌ رقاب‌ الضعفاء .

 ائت‌ بقرآن‌ لا يدعونا إلی‌ الصلاة‌ والتضرّع‌ ، ولا يأمرنا بالصوم‌ والحجّ والجهاد ، ولا يسألنا الإنفاق‌ والإيثار وبذل‌ الاموال‌ ، بل‌ يرخي‌ لنا العنان‌ في‌ ركوب‌ الشهوات‌ ، والاعتداء علی‌ أعراض‌ الناس‌ ونواميسهم‌ ، واغتصاب‌ حقّ ذوي‌ الحقوق‌ ، وسلب‌ أتعاب‌ الضعفاء والمساكين‌ ، وفي‌ معاقرة‌ الخمرة‌ والكذب‌ والقمار والرشوة‌ .

 وباختصار ، فإنّنا نريد أن‌ تأتينا بقرآن‌ يكفل‌ رغباتنا النفسيّة‌ ، ويُشبع‌ نوازعنا في‌ الإسراف‌ والتبذير ، لا أن‌ يحدّ ويقيّد تبعيّتنا لاهوائنا النفسيّة‌ ، أو يضع‌ الحواجز الرادعة‌ أمام‌ ما ينتابنا من‌ نوازع‌ وهواجس‌ .

 وَإِذَا تُتْلَي‌' عَلَیْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـ'تٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآئَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَـ'ذَآ أَوْ بَدِّلْهُ [57]  قُلْ مَا يَكُونُ لِي‌´ أَنْ أُبَدِّلَهُ و  مِن‌ تِلْقَآي‌ءِ نَفْسِي‌´ إِن‌ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَي‌'´ إلَی إِنِّي‌´ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي‌ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَّوْ شَآءَ اللَهُ مَا تَلَوْتُهُ و  عَلَیْكُمْ وَلاَ´ أَدْرَب'كُمْ بِهِ   فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن‌ قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . [58]

 قُل‌ لهم‌ أيّها النبي‌ّ : إن‌ القرآن‌ كتاب‌ التوحيد الذي‌ جاء ليجتاز بكم‌ مرحلة‌ البهيميّة‌ إلی‌ أُفق‌ الإنسانيّة‌ المشرق‌ الوضّاء ، وهو كتابٌ أرسله‌ الله‌ ، لم‌ يكن‌ من‌ صنع‌ يدي‌ أو من‌ بنات‌ أفكاري‌ ، لم‌ أئت‌ به‌ من‌ عند نفسي‌ أو أنشأه‌ وفق‌ رغبتي‌ كي‌ أُغيّر فيه‌ برأيي‌ وذوقي‌ ، بل‌ إنّ قلبي‌ كالمرآة‌ مقابل‌ أنوار الحقّ تعإلی‌ ، يوحي‌ إلیه‌ ما يشاء ، ولو عنّ لي‌ مخالفة‌ ، مهما صغرت‌ ، لمسّني‌ في‌ ذلك‌ العذاب‌ الإلیم‌ . ودليلي‌ الواضح‌ علی‌ صدق‌ دعواي‌ هذه‌ عيشي‌ فيكم‌ أربعين‌ سنة‌ أُعاشركم‌ وتعاشرونني‌ ، لم‌ تعهدوا عنّي‌ طيلتها جملةً من‌ كلامٍ كهذا . فاعلموا ، إذَن‌ ، أنّ القرآن‌ ليس‌ من‌ كلامي‌ ، بل‌ هو وحي‌ الله‌ الذي‌ نزل‌ وأُمرت‌ بتلاوته‌ علیكم‌ وتبليغه‌ لكم‌ .

 فَلاَ´ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ و  لَقُوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن‌ رَّبِّ الْعَـ'لَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِإلیمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـ'جِزِينَ * وَإِنَّهُ و لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ . [59]

 والخلاصة‌ فقد ظلّ عدّة‌ لا يُقلعون‌ عن‌ متابعة‌ هوي‌ النفس‌ الامّارة‌ ، ولا ينقادون‌ للآيات‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌ ،   لتسلّط‌ الغرائز الشيطانيّة‌ والملكات‌ ، الموروث‌ منها والمكتسب‌ بالتربية‌ ، وهولاء وأمثالهم‌ لا يزيدهم‌ عرض‌ القرآن‌ علیهم‌ إلاّ إصراراً علی‌ الجحود والإنكار ممّايتمّ الحجّة‌ علیهم‌ ويعقبهم‌ شقاءً وخسراناً ، وهو معني‌ زيادة‌ الخسران‌  وَلاَ يَزِيدُ الظَّـ'لِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا.

 بَيدَ أنّ عدّة‌ أُخري‌ امتلكت‌ الروح‌ الطاهرة‌ النزيهة‌ ، والغرائز الرحمانيّة‌ ، والملكات‌ الحسنة‌ الموروثة‌ ، والتربية‌ الصالحة‌ ، فسمت‌ فوق‌ كلّ إنّيّاتها وشخصيّاتها ففدتها في‌ طريق‌ الحقّ ، مسلمة‌ منقادة‌ لاوامر الله‌ في‌ قرآنه‌ الكريم‌ ، أُولئك‌ الذين‌ تترك‌ الآيات‌ الإلهيّة‌ في‌ أنفسهم‌ وأرواحهم‌ دوماً بصماتها الإيجابيّة‌ ، فيقوي‌ بها الإيمان‌ وتسعد بها الارواح‌ ؛ وهذا هو معني‌ الشفاء والرحمة‌ الخاصّة‌ بالمعتقدين‌ بالقرآن‌ :

 الرجوع الي الفهرس

کان نزول آیات القرآن للمؤمنین بهجة وسروراً

 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَیْهِمْ ءَايَـ'تُهُ و  زَادَتْهُمْ إِيَمَـ'نًا وَعَلَی‌' رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . [60]

 ولهذا فقد كان‌ المؤمنون‌ يتساءلون‌ بينهم‌ في‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ حين‌ تنزل‌ علیهم‌ آية‌ : ما مدي‌ تأثيرها علیكم‌  ؟  وكم‌ زادت‌ من‌ إيمانكم‌  ؟

 وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـ'ذِهِ   إِيمَـ'نًا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَـ'نًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَی‌' رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَـ'فِرُونَ . [61]

 إنّ مثل‌ القرآن‌ كالشمس‌ الساطعة‌ المتألّقة‌ ، تشرق‌ فتملا الفضاء نوراً وحرارة‌ ، ويصل‌ نورها وحرارتها الارض‌ فيغترف‌ منهما كلّ موجود ما يقوّي‌ به‌ ذاته‌ وطينته‌ .

 وحين‌ تحزم‌ الشمس‌ أمتعتها وترحل‌ عن‌ نصف‌ الكرة‌ الارضيّة‌ ، مختفيةً وراء الاُفق‌ ، فلن‌ يتضوّع‌ عندئذٍ عبير الازهار ، كما لن‌ تفوح‌ الروائح‌ الكريهة‌ الخبيثة‌ للنجاسات‌ والاقذار المتعفّنة‌ . أمّا حين‌ تعود الشمس‌ فتطلع‌ ، وتلامس‌ بنورها ودفئها الزهور الغافية‌ ، فستتفتّح‌ البراعم‌ في‌ حدائق‌ الورد وتعطّر الهواء بعبقها ، وسيمرّ النسيم‌ اللطيف‌ لحدائق‌ الورد تلك‌ علی‌ مشام‌ الارواح‌ فيمنحها حياةً جديدة‌ .

 وستصل‌ أشعة‌ الشمس‌ ـ من‌ جانب‌ آخر  إلی‌ المزبلة‌ فتفوح‌ النجاسات‌ بروائحها هي‌ الاُخري‌ ، وتملا فضاء المزابل‌ ومستنقعات‌ المياه‌ القذرة‌ بالرائحة‌ الحادّة‌ العفنة‌ .

 إذَن‌ ، لم‌ يكن‌ الذنب‌ ذنب‌ الشمس‌ ، إذ الإشعاع‌ والتوهّج‌ من‌ لوازمها ، والإشراق‌ ومنح‌ الدف‌ء والحرارة‌ من‌ آثارها وصفاتها ، بل‌ إنّ الذنب‌ يكمن‌ في‌ الذات‌ الخبيثة‌ لهذه‌ الموجودات‌ التي‌ انطوت‌ علی‌ الموادّ المتعفّنة‌ .

 فلو لم‌ تشرق‌ الشمس‌ ، ولم‌ تصل‌ الحرارة‌ والدف‌ء ، لما كان‌ هناك‌ أثر لايّ موجود ، وسيكون‌ الكلّ عندئذٍ بمنزلةٍ سواء ، فلا امتيار للورد علی‌ الاقذار ، ولا اختلاف‌ بين‌ روضة‌ الازهار وأتُّون‌ الحمّام‌ .

 إنّ المطر الربيعيّ الملي‌ء بالخصب‌ والبركة‌ ينهمر من‌ السماء فتخضرّ له‌ كلّ البذور في‌ الارض‌ ، بذور الثمار الحلوة‌ اللذيذة‌ وبذور الحنظل‌ المرّ ؛ وليس‌ في‌ طبع‌ المطر انتخاب‌ القبح‌ والرداءة‌ ، والمرارة‌ والرائحة‌ السيّئة‌ للنباتات‌ والاوراد والثمار والبذور ، فهو يصبّ رحمته‌ سواءً دفعة‌ واحدة‌ علی‌ أرض‌ الله‌ الواسعة‌ ، فتنمو هنا وردة‌ ويطلع‌ هناك‌ علف‌ وحشائش‌ ، وتكبر في‌ جهةٍ شجرة‌ خضراء يانعة‌ وتشتدّ في‌ أُخري‌ أشواك‌ المغيلان‌ المؤذية‌ ؛ وتستفيد من‌ لطافته‌ البلابل‌ وطيور الكناري‌ في‌ ناحية‌ ، وتستفيد منه‌ الافاعي‌ والعقارب‌ والزنابير اللاسعة‌ في‌ ناحية‌ أُخري‌ .

 باران‌ كه‌ در لطافت‌ طبعش‌ خلاف‌ نيست‌                   در باغ‌ لاله‌ رويد و در شوره‌زار خس‌ [62]

 إنّ الاوراد العطرة‌ والثمار الحلوة‌ تتبدّل‌ في‌ فم‌ النحلة‌ إلی‌ العسل‌ ، في‌ حين‌ تتحوّل‌ في‌ فم‌ الافعي‌ إلی‌ سمّ زعاف‌ قاتل‌ ؛ والغذاء الصحيح‌ يُهضم‌ في‌ معدة‌ إنسانٍ معافي‌ فيصير سكّراً في‌ الدم‌ يمثّل‌ مادّة‌ حيويّة‌ ، لكنّه‌ يستحيل‌ نفسه‌ في‌ بدن‌ مريض‌ بالحصبة‌ إلی‌ مادّة‌ سامّة‌ قاتلة‌ .

 وعلی‌ هذا القياس‌ فإنّ ما يصل‌ من‌ القرآن‌ هو محض‌ الرحمة‌ ؛ فتتبدّل‌ بركته‌ وعافيته‌ ونور هدايته‌ في‌ نفس‌ المؤمن‌ إلی‌ انشراح‌ وسعة‌ وتجرّد ونور ، وتستحيل‌ في‌ نفس‌ الكافر المعاند إلی‌ أهواء ضالّة‌ وأفهام‌ وآراء زائغة‌ .

 لقد قسّم‌ القرآن‌ حين‌ نزوله‌ البشر إلی‌ صنفين‌ : أصحاب‌ إلیمين‌ ( السعداء )، وأصحاب‌ الشمال‌  ( الاشقياء التعساء )، مؤمن‌ وكافر ، من‌ أصحاب‌ الجنّة‌ ومن‌ أتباع‌ الجحيم‌ ، موحّد ومشرك‌ ، عادل‌ وفاسق‌ ، مُتّقٍ ومنحرف‌ ؛ تشخّص‌ هؤلاء وتميّزوا علی‌ إثر إبلاغ‌ القرآن‌ ، وهذا هو معني‌ فصل‌ القرآن‌ وفرقانه‌ الذي‌ لا يبقي‌ مجالاً لاحد ليدّعي‌ ادّعاءً فارغاً ، أو أن‌ يضع‌ المنحرفون‌ والمتجاسرون‌ أنفسهم‌ في‌ مصاف‌ أولياء الله‌ ويعتبرون‌ أنفسهم‌ علی‌ أ   نّهم‌ النخبة‌ والصفوة‌ في‌ العالم‌ .

 الرجوع الي الفهرس

القرآن لهدایة وإرشاد من یخشی الله

 نقرأ في‌ مطلع‌ سورة‌ البقرة‌ :

 ال´م‌´ * ذَ   لِكَ الْكِتَـ'بُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًي‌ لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إلَیكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن‌ قَبْلِكَ وَبِالاْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَـ'´نءِكَ عَلَی‌' هُدًي‌ مِن‌ رَّبِّهِمْ وَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .[63]

 ونلاحظ‌ أ   نّه‌ دعي‌ القرآن‌ بكتاب‌ هداية‌ المتقين‌ ودلالتهم‌ إلی‌ الغاية‌ :

 طَه‌ * مَآ أَنزَلْنَا عَلَیْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَي‌'´ * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن‌ يَخْشَي‌' . [64]

 فَذَكِّرْإِنَّمَآ أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ . [65]

 وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَي‌' تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ . [66]

 فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن‌ يَخَافُ وَعِيدِ . [67]

 فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ .[68]

 كان‌ هذا بحثاً عن‌ تفسير عبارة‌  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ   نَهُ، وقد أصبح‌ واضحاً أنّ الهداية‌ القرآنيّة‌ تختصّ بأصحاب‌ هذا المعني‌ ، أي‌ أُولئك‌ الذين‌ هم‌ في‌ صدد كسب‌ رضا الخالق‌ الحقّ جلّ وعزّ .

 الرجوع الي الفهرس

معنی السلام و تفسیر آیة : يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ   نُهُ و  سُبُلَ السَّلَـ'مِ

 واعلم‌  !  أنّ هداية‌ القرآن‌ لهذه‌ المجموعة‌ إنّما هي‌ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ والنجاة‌ :  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ   نَهُ و  سُبُلَ السَّلَـ'مِ .

 وعلینا أن‌ نعرف‌ ما معني‌ السلام‌  ؟  وسبل‌ السلام‌  ؟  وكيف‌ يهدينا القرآن‌ لتلك‌ السبل‌  ؟

 من‌ الواضح‌ أنّ السبل‌ التي‌ تربط‌ أفراد البشر بالله‌ تعإلی‌ ليست‌ من‌ جنس‌ الطرق‌ والسبل‌ الطبعيّة‌ والطبيعيّة‌ الموجودة‌ في‌ الخارج‌ ، بل‌ هي‌ سُبل‌ نفسيّة‌ وروحيّة‌ ؛ فكلّ شخص‌ له‌ في‌ أعماقه‌ ونفسه‌ سبيل‌ إلی‌ الله‌ ، وهذه‌ السبل‌ كثيرة‌ تتعيّن‌ وتتشخّص‌ تبعاً لفطرة‌ الإنسان‌ وجبلّته‌ وخلقه‌ وإرادته‌ واختياره‌ التي‌ يمارس‌ بها أعماله‌ ، فكما تختلف‌ الابدان‌ والاجسام‌ الطبيعيّة‌ للناس‌ بعضها عن‌ البعض‌ الآخر ، فإنّ نفوسهم‌ هي‌ الاُخري‌ مختلفة‌ متباينة‌ ، وكما نعجز أن‌ نجد في‌ العالم‌ كلّه‌ من‌ عصر آدم‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌ فردينِ متماثلين‌ متطابقينِ في‌ البناء الجسميّ ، من‌ شكلٍ وشمائل‌ ووجه‌ ووزن‌ ومقاييس‌ وسائر الجهات‌ الطبيعيّة‌ ، فسنعجز أيضاً أن‌ نجد فردينِ يتماثلان‌ ويتطابقان‌ في‌ جوانب‌ الاخلاق‌ والصفات‌ والغرائز والملكات‌ من‌ جميع‌ جوانبها .

 لذا فإنّ النفوس‌ تختلف‌ ـ بشكل‌ حتميّ ـ بعضها عن‌ البعض‌ الآخر ، لانّ اختلاف‌ الاخلاق‌ والصفات‌ ، بل‌ وتباين‌ الاجساد والابدان‌ ، إنّما ينشأ من‌ اختلاف‌ النفوس‌ ، وبعبارةٍ أُخري‌ فإنّ لكلّ شخصٍ شاكلةً وخصوصيّات‌ صِيغت‌ تبعاً لها نفسُه‌ ومثاله‌ وذهنه‌ وبدنه‌ ، وأوجب‌ هذا الامر ـ من‌ ثمّ اختلاف‌ النفوس‌ فيما بينها .

 وقد علمنا أنّ السبيل‌ إلی‌ الله‌ ينبغي‌ طيّه‌ من‌ قبل‌ النفس‌ ، فتوجّب‌ أن‌ تكون‌ الطرق‌ والسبل‌ إلی‌ الله‌ بعدد نفوس‌ الخلائق‌ أي‌ أنّ كلّ فرد من‌ أفراد البشريّة‌  مِنْ آدَم‌ إلی‌ الخاتم‌ ، من‌ الخاتم‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌  له‌ إلی‌ الله‌ سبيل‌ يختصّ به‌ ، لا يشركه‌ فيه‌ غيره‌ .

 وإلی‌ هذا أشارت‌ الرواية‌ التي‌ وردت‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ :  الطُّرُقُ إلَی‌ اللَهِ بِعَدَدِ أَنْفَاسِ الخَلاَئِقِ . [69]

 لكنّ هذه‌ الطرق‌ تكوينيّة‌ ، أي‌ أنّها طرق‌ وضعت‌ وأقرّت‌ علی‌ أساس‌ الفطرة‌ والخلقة‌ ؛ ولانّ النفوس‌ كانت‌ في‌ حالة‌ من‌ الإبهام‌ والبساطة‌ ، وعلیها أن‌ تطوي‌ طريق‌ الله‌ بالتربية‌ والتزكية‌ ، أي‌ أنّ علیها من‌ الناحية‌ التشريعيّة‌ أن‌ تهذّب‌ هذه‌ الطرق‌ النفسيّة‌ وتصقلها بالمجاهدة‌ والرياضة‌ ، وأن‌ تخطو خطوات‌ في‌ طريق‌ تكاملها الفعلی‌ّ ، وتصل‌ من‌ مرحلة‌ القابليّة‌ والاستعداد إلی‌ مرحلة‌ ومقام‌ الفعلیّة‌ ، لذا فإنّ ما يؤثّر علی‌ مسيرة‌ تربيتها وتكاملها له‌ عنوان‌ السلام‌ .

 وقد كان‌ علیهم‌ أن‌ يتحاشوا الصفات‌ التي‌ تضرّهم‌ في‌ الدنيا والآخرة‌ وتحشرهم‌ في‌ دائرة‌ الاضطراب‌ والقلق‌ النفسي‌ّ ، ليدخلوا في‌ السلام‌ والسلامة‌ ، ويستفيدوا من‌ نفوسهم‌ علی‌ النحو الاحسن‌ ، ويبقوا مصونين‌ من‌ أذي‌ وسوسة‌ شياطين‌ الجنّ والإنس‌ ، ويصلوا إلی‌ حيث‌ منزل‌ الامن‌ والامان‌ والراحة‌ والاستقرار .

 سبيل‌ السلام‌ هو طريق‌ تقويم‌ الغرائز والصفات‌ الإنسانيّة‌ وتصحيحها وهو الطريق‌ الوسط‌ بين‌ طريقي‌ الإفراط‌ والتفريط‌ .

 سبيل‌ السلام‌ : تحكيم‌ القوي‌ الفطريّة‌ والعقليّة‌ وتغليبهما علی‌ القوّة‌ الواهمة‌ والقوّة‌ الشهويّة‌ والقوّة‌ الغضبيّة‌ .

 سبيل‌ السلام‌ : السيطرة‌ علی‌ النفس‌ الامّارة‌ وتطويعها وكبح‌ جماحها ، ثمّ استخدامها في‌ متابعة‌ الاوامر الحقّة‌ الصحيحة‌ النابعة‌ من‌ التدبّر والتفكير وسيطرة‌ العقل‌ والإدراك‌ .

 سبيل‌ السلام‌ : طريق‌ الوحدة‌ والورود في‌ عالم‌ الانوار ، والخروج‌ من‌ الكثرة‌ والاعتبار والاوهام‌ .

 سبيل‌ السلام‌ : هو الخروج‌ من‌ النفس‌ وآثارها ، والورود في‌ حرم‌ العزّ الكبريائي‌ّ ، وحريم‌ الامن‌ والامان‌ الإلهي‌ّ .

 سبيل‌ السلام‌ : طريق‌ العبور من‌ النزاعات‌ والمحن‌ والضربات‌ القارعة‌ المدمّرة‌ التي‌ تواجه‌ كلّ فرد ، والدخول‌ في‌ عالم‌ السلام‌ الذي‌ هو اسم‌ من‌ الاسماء الكلّيّة‌ الإلهيّة‌ .

 سبيل‌ السلام‌ : طريق‌ الدخول‌ والفناء في‌ صفة‌ واسم‌ السلام‌ الذي‌ هو من‌ الاسماء الجمإلیة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌ .

 هُوَ اللَهُ الَّذِي‌ لاَ´ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ عَـ'لِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـ'دَةِ هُوَ الرَّحْمَـ'نُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَهُ الَّذِي‌ لاَ´ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَـ'مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَهُ الْخَـ'لِقُ الْبَارِي‌ُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي‌' يُسَبِّحُ لَهُ و  مَا فِي‌ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . [70]

 وقد ذُكر الله‌ تعإلی‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ باسم‌ السلام‌ ، وعدّ هذا الاسم‌ من‌ الاسماء الحسني‌ .

 وورد في‌ الدعاء :  اللَهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ ، وَإلَیكَ يَعُودُ السَّلاَمُ ، حَيِّنَا رَبَّنَا مِنْكَ بِالسَّلاَمِ   الدعاء . [71]

 نعم‌ ، إن‌ السلام‌ اسم‌ من‌ أسماء الله‌ تعإلی‌ ، والدعاء بالسلام‌ إنّما هو طلب‌ ورجاء منه‌ أن‌ : يا إلهي‌ّ أدخلني‌ ـ أو مخاطَبي‌ بالسلام‌  في‌ عالم‌ السلام‌ الذي‌ هو اسمك‌ .

 وكما أنّ لكلٍّ من‌ الاسماء الإلهيّة‌ عالم‌ خاصّ وآثار وعلائم‌ وميزات‌ خاصّة‌ به‌ ، فإنّ اسم‌ السلام‌ له‌ أيضاً أثره‌ وخاصيّته‌ ، وهي‌ السلامة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ والنجاة‌ من‌ وساوس‌ شياطين‌ الجنّ والإنس‌ والابالسة‌ المغوين‌ المضلّين‌ الذين‌ يثيرون‌ القلق‌ والاضطراب‌ ويجعلون‌ الاُفق‌ يبدو مكفهرّاً مظلماً ؛ والدخول‌ في‌ السلامة‌ والنجاة‌ المحضة‌ ، ونيل‌ راحة‌ البال‌ وهدوء الخاطر ونيل‌ مقام‌ الاطمئنان‌ والوصول‌ إلی‌ السكينة‌ الإلهيّة‌ التي‌ هي‌ لازمة‌ التوحيد ومعرفة‌ الله‌ ولا تنفكّ عنه‌ .

 ولا نّنا بحثنا هذه‌ المسألة‌ في‌ موضوع‌ معرفة‌ المعاد ، [72]  فلا نطيل‌ ،

 الرجوع الي الفهرس

الآیات القرآنیّة الداعیة إلی سبل السلام

 ونعرض‌ هنا لنماذج‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ التي‌ يقود العمل‌ بها إلی‌ السلام‌ والسلامة‌ ويستتبع‌ ورود عالم‌ السلام‌ ، أو في‌ الحقيقة‌ دخول‌ سبيل‌ السلام‌ ، كمثالٍ لتعريف‌ سبل‌ السلام‌ :

 لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً .

 وَقَضَي‌' رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو´ا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَ   لِدَيْنِ إِحْسَـ'نًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدَهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل‌ لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل‌ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل‌ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي‌ صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي‌ نُفُوسِكُمْ إِن‌ تَكُونُوا صَـ'لِحِينَ فَإِنَّهُ و لِلاْوَّ   بِينَ غَفُورًا . [73]

 فهو يشير في‌ هذه‌ الآيات‌ إلی‌ سبيل‌ من‌ سبل‌ السلام‌ ، وهو احترام‌ الابوين‌ وإكرامهما في‌ سنّ الكهولة‌ ، وفوق‌ ذلك‌ في‌ سنّ الهرم‌ حين‌ يبدأ التهالك‌ والضعف‌ بالهجوم‌ علی‌ بدنيهما إثر الشيخوخة‌ والهيمنة‌ التدريجيّة‌ لجيوش‌ الموت‌ وعساكره‌ ، وربّما سيبدر منهما في‌ تلك‌ السنّ ـ بلا قصد الكلام‌ الخشن‌ والعبارات‌ غير الجميلة‌ المسبّبة‌ عن‌ الإرهاق‌ وعدم‌ تحمّل‌ المشاكل‌ والمزعجات‌ من‌ الاُمور .

 ويصدر القرآن‌ هنا تعإلیمه‌ فيأمر الولد أن‌ يبّر والديه‌ ويعاملهما بغاية‌ الاحترام‌ والادب‌ ، وببذل‌ المساعي‌ الجميلة‌ في‌ تأمين‌ حوائجهما ، وبخفض‌ جناح‌ الذلّ والخضوع‌ ، غير مُكرهٍ ولا مُجبر ، ولا لحسابات‌ مصلحيّة‌ أو احتياط‌ ، بل‌ لمحض‌ الصدق‌ والإخلاص‌ ، وعين‌ الرحمة‌ والرأفة‌ ، بل‌ إنّ علیه‌ ـ علاوة‌ علی‌ تحمّل‌ المشاق‌ من‌ أجلهما  أن‌ يدعو لهما فيستنزل‌ لهما من‌ الله‌ المغفرة‌ والرحمة‌ .

 ونلاحظ‌ أنّ الإسلام‌ قد اعتبر برّهما الذي‌ يقترن‌ بمجاهدة‌ النفس‌ ورياضتها ، من‌ أهمّ تعإلیمه‌ التي‌ جعلها جزءاً من‌ الوظائف‌ العلميّة‌ للإنسان‌ .

 إنّ الإنسان‌ يتحمّل‌ المشاق‌ منهما فيطهر من‌ هوي‌ النفس‌ ، ويصبر علی‌ ما يكره‌ منهما فيجُزي‌ الاجر الجزيل‌ ، ويكتسب‌ سعه‌ الروح‌ والصدر ، ويرضي‌ والديه‌ فيدعوان‌ له‌ بالخير ؛ وسيصبح‌ هذا المجتمع‌ العائلي‌ّ الصغير من‌ الابوين‌ والاولاد مركزاً للمحبّة‌ والإخلاص‌ ، فالابن‌ يبرّ والديه‌ ويسعي‌ في‌ خدمتهما ، وهما المحبّان‌ اللذان‌ يلهجان‌ له‌ بالدعاء ، حتّي‌ تذوي‌ حياتهما وتنطوي‌ شيئاً فشيئاً فيُودعان‌ الثري‌ باعزاز واحترام‌ ودعاء لهما بالغفران‌ ، ثمّ تمضي‌ الحياة‌ فيصبح‌ الابناء أنفسهم‌ آباءً وأُمّهات‌ ، ثمّ يضعفون‌ ويهرمون‌ فيعاملهم‌ أبناؤهم‌ بما عاملوا به‌ والديهم‌ .

 بكاشتند و بخورديم‌ و كاريم‌ وخورند              چونيك‌ بنگري‌ همه‌ برزيگران‌ يكدگريم‌ [74]

 الرجوع الي الفهرس

 مقارنة تعالیم القرآن بالتمدّن الأجوف للشرق والغرب الناشئ من الکفر

لكنّ الثقافة‌ الضالّة‌ والمدنيّة‌ الغربيّة‌ والشرقيّة‌ لا تقيم‌ وزناً للإنسان‌ ولا تعترف‌ له‌ بشخصيّة‌ ولا أصالة‌ ، بل‌ هو في‌ نظرها ليس‌ إلاّ وسيلةً من‌ وسائل‌ العمل‌ ، وأداةً للحصول‌ علی‌ المقاصد المادّيّة‌ والموارد الاقتصاديّة‌ .[75]

 فالابوان‌ يمتلكان‌ المقام‌ والمنزلة‌ في‌ المجتمع‌ مادام‌ في‌ إمكانهما العمل‌ ودرّ المنافع‌ المادّيّة‌ ، لكنهما حين‌ يعجزان‌ عن‌ العمل‌ أو قضاء أعمالهما الخاصّة‌ بنفسيهما للمرض‌ أو لضعف‌ الشيخوخة‌ وفتورها ، يصبحان‌ في‌ نظر المجتمع‌ والقانون‌ ، وحتّي‌ في‌ عرف‌ الناس‌ ، عالتينِ لا قيمة‌ لهما ولا أهمّيّة‌ ولا اعتبار ، فيعمد أولادهما إلی‌ التعاقد مع‌ المستشفيات‌ الخاصّة‌ فيبيعون‌ ـ مقدّماً  أعينهما وكليتيهما ، فيعمد إلیها عند نزعهما واحتضارهما فتنتزع‌ العيون‌ من‌ أحداقها بالسكّين‌ ، وتُبقر البطون‌ فيستأصل‌ القلب‌ والكلي‌ ، ويمثّل‌ بالبدن‌ ويمزّق‌ تمزيقاً ، ثمّ يتركان‌ للدولة‌ لتتولّي‌ بنفسها مسألة‌ إيداعهما الثري‌ .

 لقد مثّل‌ الآباء والاُمّهات‌ دور الابقار الحلوب‌ ، تُحلب‌ ما درّت‌ ضروعها ، حتّي‌ إذا ما كبرت‌ وهرمت‌ وانعدمت‌ عوائدها عدّت‌ عضواً زائداً شاذّاً في‌ المجتمع‌ ، فُينقل‌ الآباء والاُمّهات‌ ـ طوعاً أو كرهاً  بعيداً عن‌ المجتمع‌ إلی‌ محلّ خاصّ بين‌ المدينة‌ والمقابر هو بالسجن‌ الواسع‌ أو المستشفي‌ الابدي‌ّ أشبه‌ ، يدعونه‌ فندق‌ الكبار أو دار استراحة‌ العجزة‌ والمسنّين‌ .

 لا أُنس‌ لهم‌ هناك‌ ولا أنيس‌ ، ولا صديق‌ ولا دار ولا ديار ، بل‌ هي‌ الوحدة‌ والوحدة‌ المرّة‌ القاتلة‌ ، والفراغ‌ المميت‌ والوحشة‌ الرهيبة‌ حتّي‌ الموت‌ .

 إنّهما الابوان‌ اللذان‌ قضيا عمرهما وضيّعاه‌ من‌ أجل‌ هذا الولد ، وأنفقا من‌ أجله‌ وجودهما ومالهما وحياتهما ؛ لكنّهما حين‌ تخطّاهما الزمن‌ فكبرا وعجزا عن‌ تأمين‌ متطلّباتهما الخاصّة‌ أصبحا عبئاً متعباً ثقيلاً للابن‌  !

 والاسـوأ من‌ ذلك‌ أنّ عروس‌ ابنهما لم‌ تعد لتسـمح‌ ببقائهما في‌ المنزل‌ ، بل‌ تعتبرهما جراثيماً ضارّة‌ ، لربّما أمرت‌ فخُصّص‌ لهما غرفة‌ الخدم‌ ، أو أشارت‌ فأُلقي‌ بهما إلی‌ الخارج‌ ، فينقلان‌ إلی‌ دار العجزة‌ والمسنّين‌ .

 لقد صار الابن‌ عبداً لزوجته‌ طيّعاً ، انغمر في‌ الشهوات‌ ، وذاب‌ في‌ عشق‌ الجمال‌ الظاهري‌ّ فقدّم‌ إرادتها في‌ أُمور الحياة‌ ، تكفيه‌ إشارة‌ بسيطة‌ منها ليسعي‌ بمنتهي‌ الجدّ لتنفيذها مهما كلّف‌ الثمن‌ أو كانت‌ التضحيات‌ .

 عشق‌ هائي‌ كز پي‌ رنگي‌ بود                    عشق‌ نبود عاقبت‌ ننگي‌ بود [76]

 لقد تخلّي‌ الابن‌ لزوجته‌ عن‌ مسؤوليّة‌ إدارة‌ أُمور المنزل‌ ، بل‌ ومسؤوليّة‌ تسيير أُموره‌ الشخصيّة‌ ، وكذا ما يتعلّق‌ منها بخارج‌ المنزل‌ ، فصارت‌ فعّالة‌ لما تشاء حاكمة‌ بما تريد .

 إنّ الزعامة‌ في‌ الاُمور ، والتفويض‌ وحرّيّة‌ الاختيار حين‌ تصبح‌ في‌ يد النساء ، فمن‌ الواضح‌ أين‌ سيسقن‌ الرجال‌ وفي‌ أي‌ّ طريقٍ سيوردونهم‌ ، ومِن‌ أين‌ سترد الضربة‌ القاصمة‌ للمجتمع‌ السليم‌ وللسلام‌ . وهنا تشرق‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ من‌ أُفق‌ الغيب‌ فتهتك‌ الستر الخفي‌ّ هاتفةً :  الرِّجَالُ قَوَّ   مُونَ عَلَی‌ النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ عَلَی‌' بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَ   لِهِمْ فَالصَّـ'لِحَـ'تُ قَـ'نِتَـ'تٌ حَـ'فِظَـ'تٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَهُ . [77]

 ولا ينقضي‌ العجب‌ من‌ أنّ الكلام‌ كثيراً ما يدور هذه‌ الايام‌ حول‌ آية‌ : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَهِ أَتْقَـ'كُمْ، فيعتبرها مدّعو معرفة‌ الإسلام‌ قانوناً أصيلاً يعدّ من‌ مفاخر القرآن‌ ، بَيدَ أ   نّهم‌ لا يأتون‌ بذكرٍ لآية‌  الرِّجَالُ قَوَّ   مُونَ عَلَی‌ النِّسَآءِ، أو لجملة‌  فَالصَّـ'لِحَـ'تُ قَـ'نِتَـ'تٌ، أي‌ لمسألة‌ لزوم‌ طاعة‌ النساء للازواج‌ ، كأ   نّهم‌ جزّأوا الإسلام‌ فقبلوا منه‌ بعضاً ورفضوا بعضاً ، مع‌ اعترافهم‌ اللفظي‌ّ الشكلي‌ّ بجميع‌ القرآن‌ وإقرارهم‌ الكلّي‌ّ بجميع‌ أحكامه‌ .

 إنّ الفتاة‌ التي‌ لا تقبل‌ قيمومة‌ الرجل‌ علی‌ المرأة‌ ، ووجوب‌ طاعته‌ والتسليم‌ له‌ ، وكان‌ في‌ نيّتها أن‌ تُخضع‌ الزواج‌ لسيطرتها بعد الزواج‌ ، فتأمره‌ وتنهاه‌ ، وأن‌ تتسلّط‌ علی‌ الاُمور بالحيلة‌ والمكر بمختلف‌ الوسائل‌ ؛ وبشكلٍ عامّ فلو كانت‌ تعتقد أنّ المرأة‌ ينبغي‌ أن‌ تتسلّط‌ علی‌ الرجل‌ أو تتدخّل‌ في‌ أُموره‌ ، فهي‌ في‌ الحقيقة‌ ترفض‌ هذه‌ الآية‌ ولا تقبلها ، ولو احترمت‌ القرآن‌ وبجّلته‌ والتزمت‌ بفتحه‌ أمام‌ أعينها في‌ مجلس‌ العقد ، وسيكون‌ عقد زواجها في‌ هذه‌ الحالة‌ باطلاً ، لا   نّه‌ لم‌ يجرِ وفق‌ شريعة‌ رسول‌ الله‌ ووفق‌ كتاب‌ الله‌ .

 وللّه‌ الحمد وله‌ الشكر فقد كتبنا  «رسالة‌ بديعة‌ : الرّجَالُ قَوَّ   مُونَ»[78] وطُبعت‌ ترجمتها أيضاً ، وانتشرت‌ ، وأحري‌ بالرجال‌ والنساء قراءتها والتعرّف‌ علی‌ روح‌ الإسلام‌ وسمو نظرته‌ بشأن‌ حكمة‌ الاجتماع‌ ، والواجبات‌ المهمّة‌ للرجال‌ والنساء ، وليشكلّوا مجتمعاً صالحاً علی‌ أساس‌ التعإلیم‌ القرآنيّة‌ لا الاوهام‌ الشخصيّة‌ أو الافكار الجاهليّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

لطائف ونکات ظریفة في تفسیر آیة :.. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ

 لقد رفع‌ الإسلام‌ مسألة‌ وجوب‌ احترام‌ الوالدين‌ وتجليهما للحدّ الذي‌ عدّ القرآن‌ الكريم‌ احترامهما ومصاحبتهما بالمعروف‌ في‌ الاُمور الدنيويّة‌ أمراً واجباً ولوكان‌ الابوان‌ مشركينِ ، مع‌ أ   نّه‌ حرّم‌ متابعتهما في‌ الشرك‌ أو إطاعتهما في‌ المسائل‌ المخالفة‌ للدين‌ ، وفي‌ تحليل‌ الحرام‌ أو تحريم‌ الحلال‌ ، وأغلق‌ طريق‌ متابعتهما بشكل‌ كامل‌ في‌ هذا المجال‌ .

 وَوَصَّيْنَا الإنْسَـ'نَ بِوَ   لِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ و  وَهْنًا عَلَی‌' وَهْنٍ وَفِصَـ'لُهُ و  فِي‌ عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي‌ وَلِوَ   لِدَيْكَ إلَی الْمَصِيرُ * وَإِن‌ جَـ'هَدَاكَ عَلَی‌'´ أَن‌ تُشْرِكَ بِي‌ مَا لَيْسَ لكَ بِهِ   عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي‌ الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعِْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَی ثُمَّ إلَی مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُم‌ تَعْمَلُونَ . [79]

 وَوَصَّيْنَا الإنسَـ'نَ بِوَ   لِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن‌ جَـ'هَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي‌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ   عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إلَی مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . [80]

 لقد كان‌ الفتيان‌ إلیهود والنصاري‌ يقدمون‌ إلی‌ المدينة‌ فيُسلمون‌ ثمّ يعودون‌ إلی‌ ديارهم‌ فيصبح‌ سلوكهم‌ ومعاملتهم‌ مع‌ آبائهم‌ وأُمّهاتهم‌ الخارجين‌ عن‌ دينهم‌ أفضل‌ وأجمل‌ ، ممّا كان‌ يثير تعجب‌ أُولئك‌ ودهشتهم‌ ، فيتساءلون‌ : كنّا نظنّكم‌ ـ وقد تبعتم‌ دين‌ محمّد  تتركوننا وشأننا ، لكنّنا نري‌ محبّتكم‌ وعطفكم‌ قد زادا ، وسعيكم‌ في‌ حوائجنا وبرّكم‌ لنا ووقفكم‌ أنفسكم‌ علی‌ خدمتنا صار أكثر  !!

 فيجيبونهم‌ : أنّ هذه‌ المعاملة‌ من‌ أوامر و تعإلیم‌ الدين‌ الإسلامي‌ّ ؛ فكان‌ الابوان‌ يأتيان‌ المدينة‌ فيُسلمان‌ ، وتسلم‌ معهم‌ قبائلهم‌ وطوائفهم‌ . [81]

 روي‌ في‌  « أُصول‌ الكافي‌ »  بسنده‌ المتّصل‌ عن‌  أبي‌ ولاّد الحنّاط‌ ، قال‌ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَبِالْوَ   لِدَيْنِ إحْسَـ'نًا» ، مَا هَذَا الإحْسَانُ ؟

 فَقَالَ : الإحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ صُحْبَتَهُمَا ، وَأَنْ لاَ تُكَلِّفْهُمَا أَنْ يَسْأَلاَكَ شَيْئَاً مِمَّا يَحْتَاجَانِ إلَیهِ وَإنْ كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ ، إلَیسَ يَقُولُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ : «لَن‌ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي‌' تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» ؟

 ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَیْهِ السَّلاَمُ : وَأَمَّا قَوْلُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل‌ لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا» ، قَالَ : إنْ أَضْجَرَاكَ فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ، وَلاَ تَنْهَرْهُمَا إنْ ضَرَبَاكَ وَتَدْفَعُهُمَا عَنْكَ .

 قَالَ : «وَقُل‌ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا» قَالَ : إنْ ضَرَبَاكَ فَقُلْ لَهُمَا : غَفَرَ اللَهُ لَكُمَا . فَذَلِكَ مِنْكَ قَوْلٌ كَرِيمٌ ، قَالَ : «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ» قَالَ : لاَ تَمْلاَ عَيْنَيْكَ مِنَ النَّظَرِ إلَیهِمَا إلاَّ بِرَحْمَةٍ وَرِقَّةٍ ، وَلاَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ فَوقَ أَصْوَاتِهِمَا ، وَلاَ يَدَكَ فَوْقَ أَيْدِيهِمَا ، وَلاَ تَقَدَّمْ قُدَّامَهُمَا . [82]

 وكذلك‌ فقد أورد في‌  « أُصول‌ الكافي‌ »  بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ   نّه‌ قال‌ :  لَوْ عَلِمَ اللَهُ شَيْئَاً أَدْنِي‌ مِنْ أُفٍّ لَنَهَي‌ عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ أَدْنَي‌ العُقُوقِ ، وَمِنَ العُقُوقِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَی‌ وَالِدَيْهِ فَيُحِدَّ النَّظَرَ إلَیهِمَا . [83]

 انظر إلی‌ هذا التعلیم‌ والتربية‌ العإلیينِ ، وإلی‌ هذا الاُسلوب‌ والمنهج‌ الملكوتي‌ّ الذي‌ أشار القرآن‌ بتعلیمهما إلی‌ سُبل‌ السلام‌ ، وقارنهما بتعإلیم‌ الاُمم‌ الكافرة‌ وأُسلوب‌ معاملة‌ بعض‌ الشباب‌ المغرور الذي‌ سافر إلی‌ أُوروبّا وأمريكا فأضلّه‌ بريق‌ المدنيّة‌ الزائف‌ ، فصعّر خدّه‌ ، وتقدّم‌ علی‌ أبيه‌ في‌ المجالس‌ والمحافل‌ ، لا يبإلی‌ ؛ وقد شاهدت‌ بنفسي‌ دكتوراً أخصّائيّاً سبق‌ أباه‌ في‌ الدخول‌ لاحد المجالس‌ ووالده‌ يتبعه‌ ويسير خلفه‌ ، ونُقل‌ أعجب‌ من‌ هذا عن‌ دكتورٍ شابّ عاد من‌ بلاد الكفر فجاءه‌ رفقاؤه‌ وأصحابه‌ القدامي‌ لزيارته‌ ، وكان‌ أبوه‌ العجوز واقفاً يستقبل‌ القادمين‌ ويقوم‌ بخدمتهم‌ ، فالتفت‌ هذا الدكتور لشدّة‌ غروره‌ وعجرفته‌ قائلاً لضيوفه‌ : هذا الرجل‌ مستخدم‌ جئنا به‌ للخدمة‌ في‌ البيت‌ .

 أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ . [84]

 حقّاً  !  إنّ الإنسان‌ إذا قال‌ أُفٍّ لاهواء وأفكار هؤلإ المستكبرين‌ الذين‌ حازوا علی‌ مقام‌ ومركز حديثاً ، ولو قال‌ أُفٍّ ثمّ بصق‌ علیهم‌ وعلی‌ فكرهم‌ وأُسلوبهم‌ ونهجهم‌ لما تجانف‌ عن‌ الحقّ ولكان‌ في‌ ذاك‌ محقّاً مصيباً . أفهـذه‌ الاعمـال‌ تصـدر من‌ أُمّـةٍ قـال‌ نبيّها :  الجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الاُمَّهَاتِ ؟! [85] 

 كان‌ ما سبق‌ بحثاً علميّاً وتفسيريّاً للآية‌ المبحوثة‌ ، ومن‌ جانب‌ آخر فإنّ البحث‌ الوجداني‌ّ والشهودي‌ّ عن‌ تأثير دعاء الوالدينِ في‌ حقّ ولدهما ، وما له‌ من‌ القدرة‌ علی‌ رفعه‌ في‌ معارج‌ الكمال‌ ومدارجه‌ ، والشواهد والتجارب‌ المشهودة‌ في‌ ذلك‌ هي‌ من‌ الكثرة‌ بحيث‌ لا يسعها هذا الكتاب‌ .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[56]  ـ الآية‌  7، من‌ السورة‌  30: الروم‌ .

[57]  ـ نورد هنا مطلباً نقله‌ عن‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ العالم‌ المصري‌ّ المنصف‌ المتبصّر في‌ كتابه‌ النفيس‌ : «أضواء علي‌ السنّة‌ المحمّديّة‌» ص‌  405 و  406، الطبعة‌ الثالثة‌ ، حيث‌ يقول‌ :

 وقال‌ الاُستاذ محمّد عبده‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ : إنّ المسلمين‌ ليس‌ لهم‌ إمام‌ في‌ هذا العصر غير القرآن‌ ، وإنّ الإسلام‌ الصحيح‌ هو ما كان‌ عليه‌ الصدر الاوّل‌ قبل‌ ظهور الفتن‌ .

 وقال‌ رحمه‌ الله‌ : لا يمكن‌ لهذه‌ الاُمّة‌ أن‌ تقوم‌ ما دامت‌ هذه‌ الكتب‌ فيها (يعني‌ الكتب‌ التي‌ تدرّس‌ في‌ الازهر وأمثالها) ولن‌ تقوم‌ إلاّ بالروح‌ التي‌ كانت‌ في‌ القرن‌ الاوّل‌ وهو «القرآن‌» وكلّ ما عداه‌ فهو حجاب‌ قائم‌ بينه‌ وبين‌ العمل‌ والعلم‌ .

 وقال‌ رحمه‌ الله‌ في‌ تفسير سورة‌ الفاتحة‌ :  إذا وزنّا ما في‌ أذمغتنا من‌ الاعتقاد بكتاب‌ الله‌ تعالي‌ من‌ غير أن‌ ندخلها أوّلاً فيه‌ ، يظهر لنا كوننا مهتدين‌ أو ضالّين‌ ، وأمّا إذا أدخلنا ما في‌ أدمغتنا في‌ القرآن‌ وحشرناها فيه‌ أوّلاً ، فلا يمكننا أن‌ نعرف‌ الهداية‌ من‌ الضلال‌ ، لاختلاط‌ الموزون‌ بالميزان‌ فلا يدري‌ ما هو الموزون‌ من‌ الموزون‌ به‌  أريد أن‌ يكون‌ القرآن‌ أصلاً تحمل‌ عليه‌ المذاهب‌ والآراء في‌ الدين‌ ، لا أن‌ تكون‌ المذاهب‌ أصلاً والقرآن‌ هو الذي‌ يحمل‌ عليها ، ويرجع‌ بالتأويل‌ أو التحريف‌ إلیها ، كما جري‌ عليه‌ المخذلون‌ ، وتاه‌ فيه‌ الضالّون‌   انتهي‌ .

[58]  ـ الآيتان‌  15  و  16: من‌ السورة‌  10: يونس‌ .

[59]  ـ الآيات‌  38  إلی‌  48، من‌ السورة‌  69: الحاقّة‌ .

[60]  ـ الآية‌  2، من‌ السورة‌  8: الانفال‌ .

[61]  ـ الآيتان‌  124  و  125، من‌ السورة‌  9: التوبة‌ .

[62]  ـ «گلستان‌ سعدي‌» ، وترجمة‌ الشعر هي‌ : «أنّ المطر الذي‌ يتّفق‌ الكلّ في‌ لطافة‌ طبعه‌ قد أنبت‌ في‌ الحدائق‌ أزهار الزنبق‌ ، وأخرج‌ في‌ الارض‌ السبخة‌ الحشائش‌ والاشواك‌» .

 وقد ورد البيت‌ في‌ مجموعة‌ «كليّات‌ سعدي‌» الطبعة‌ الحجريّة‌ ، بخطّ علي‌ أكبر التفرشي‌ّ ، (في‌ شعبان‌ المعظّم‌ ، سنة‌  1260  ه) . صفحات‌ غير مرقّمة‌ .

 وفي‌ «گلستان‌ سعدي‌» ضمن‌ مجموعة‌ «كليّات‌ سعدي‌» ص‌  20، طبعة‌ فروغي‌ ، والبيت‌ الذي‌ يسبقه‌ هو :

 شمشير نيك‌ از آهن‌ بد چون‌ كند كسي‌                      ناكس‌ به‌ تربيت‌ نشود اي‌ حكيم‌ كس‌

 وترجمته‌ : «أيمكن‌ لاحد أن‌ يصوغ‌ من‌ الحديد الردي‌ء سيفاً ممتازاً ؟ فالامر كذلك‌ ـ أيّها الحكيم‌  بالنسبة‌ إلی‌ الشخص‌ الوضيع‌ ، إذ لا يُصبح‌ بالتربية‌ فاضلاً» .

[63]  ـ الآيات‌  1  إلی‌  5، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[64]  ـ الآيات‌  1  إلی‌  3، من‌ السورة‌  20: طه‌ .

[65]  ـ الآيتان‌  21  و  22، من‌ السورة‌  88: الغاشية‌ .

[66]  ـ الآية‌  55، من‌ السورة‌  51: الذاريات‌ .

[67]  ـ الآية‌  45، من‌ السورة‌  50: ق‌ .

[68]  ـ الآية‌  60، من‌ السورة‌  30: الروم‌ .

[69]  ـ «جامع‌ الاسرار» للسيّد حيدر الآملي‌ّ ، ص‌  8  و  95  و  121.

[70]  ـ الآيات‌  22  إلی‌  24، من‌ السورة‌  59: الحشر .

[71]  ـ فقرة‌ من‌ دعاء ورد بعد زيارة‌ الإمام‌ صاحب‌ الزمان‌ أرواحناه‌ فداه‌ في‌ السرداب‌ المطهّر ، رواه‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتاب‌ «مزار البحار» ج‌  22، ص‌  257، طبعة‌ الكمباني‌ّ عن‌ السيّد بن‌ طاووس‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ .

[72] ـ «معاد شناسي‌» (= معرفة‌ المعاد) من‌ سلسلة‌ علوم‌ ومعارف‌ الإسلام‌ ، ج‌  10، المجلس‌  69.

[73]    ـ الآيات‌  22  إلی‌  25، من‌ السورة‌  17: الإسراء .

[74]  ـ يقول‌ : «زرعوا فأكلنا ونزرع‌ فيأكلون‌ ، فانظر ما أجمل‌ أن‌ كنّا لبعضنا مزارعين‌» .

[75]  ـ يقول‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ في‌ كتابه‌ «يوم‌ الإسلام‌» ص‌  170  إلی‌  173:

 نعم‌ إنّ هناك‌ فروقاً اجتماعيّة‌ كبيرة‌ بين‌ العالم‌ الاُوروبّي‌ّ والعالم‌ الإسلامي‌ّ ، فالعالم‌ الاُوروبّي‌ّ يبني‌ حياته‌ علي‌ العلم‌ والنتائج‌ العلميّة‌ والاستقلال‌ والحرّيّة‌ والابتكار ونحو ذلك‌ ، والعالم‌ الإسلامي‌ّ ينظّم‌ حياته‌ علي‌ أساس‌ الاتّكال‌ والخمول‌ والاعتقاد الذي‌ ساء في‌ القضاء والقدر ويطربه‌ جدّاً سماع‌ قصص‌ تروي‌ عن‌ غني‌ّ افتقر أو فقير اغتني‌ . وشيخ‌ استولي‌ ونحو ذلك‌ . ونحن‌ لا نريد أن‌ يحذو المسلمون‌ حذو الاُوروبّيّين‌ في‌ كلّ شي‌ء بل‌ نريد أن‌ يحذو حذو الاُوروبّيّين‌ في‌ العلوم‌ والصناعات‌ بحذافيرها من‌ غير قيد ولا شرط‌ ولكن‌ يحتفظون‌ بروحانيّتهم‌ ونظرتهم‌ إلی‌ العالم‌ نظرة‌ غير النظرة‌ الاُوروبّيّة‌ . فالاُوروبّي‌ّ ينظر إلی‌ الطبيعة‌ كأنّها عدوّ يكافحه‌ ليفشي‌ سرّه‌ ، ولكنّ النظرة‌ الإسلاميّة‌ تنظر للطبيعة‌ علي‌ أنّها صديق‌ وأنّها من‌ نتاج‌ الربّ الذي‌ أنتجه‌ .

 والاُوروبّيّون‌ يضعون‌ الله‌ كما توضع‌ الصورة‌ الجميلة‌ علي‌ الرفّ لا دخل‌ لها فيما يحدث‌ حولها ، والمسلمون‌ يرون‌ الله‌ في‌ كلّ شي‌ء ، في‌ الاُمور الدينيّة‌ والدنيويّة‌ معاً ، فإذا باعوا أو اشتروا أو أجّروا أو رهنوا راقبوا الله‌ ، حتّي‌ في‌ أصغر الاعمال‌ كالاستياك‌ والاغتسال‌ ، وعندهم‌ أنّ النيّة‌ الصادقة‌ أقوم‌ من‌ العمل‌ نفسه‌ وفي‌ حديث‌ رسولهم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [ وسلّم‌ :  إنَّما الاعمال‌ بالنيّات‌ وإنَّما لكلِّ امري‌ءٍ ما نوي‌. وفرق‌ بين‌ رجلين‌ يعملان‌ عملاً واحداً أحدهما نوي‌ الخير فيما يعمل‌ والآخر لم‌ ينو شيئاً أو نوي‌ الشرّ . فهم‌ يسيرون‌ في‌ حياتهم‌ الدنيويّة‌ متأثّرين‌ بالدين‌ وليس‌ الدين‌ مقصوراً علي‌ العبادات‌ . وهذا ما ينقص‌ الغرب‌ ، فإن‌ وجب‌ علي‌ المسلمين‌ أن‌ يقلّدوا الغربيّين‌ في‌ العلم‌ والصناعات‌ تقليداً تامّاً ويسايروهم‌ ويجروا معهم‌ وجب‌ أن‌ يحفظوا بنظرتهم‌ الدينيّة‌ إلی‌ الحياة‌ وهي‌ النظرة‌ التي‌ يتميّزون‌ بها عن‌ الغربيّين‌ ، ولكنّ موضع‌ السوء أنّ كثيراً من‌ المسلمين‌ وخاصّة‌ المتنوّرين‌ منهم‌ يريدون‌ أن‌ يقلّدوهم‌ تقليداً تامّاً في‌ كلّ شي‌ء حتّي‌ في‌ نظرتهم‌ إلی‌ الطبيعة‌ ونظرتهم‌ إلی‌ الحياة‌ . ويدعوهم‌ إلی‌ ذلك‌ خطأ كبير وقعوا فيه‌ وهو ما عندهم‌ من‌ مركب‌ النقص‌ إذ ظنّوا أنّ الغربيّين‌ متي‌ فاقوهم‌ في‌ العلم‌ وجب‌ أن‌ يقلّدوهم‌ في‌ كلّ شي‌ء ، وفاتهم‌ أنَّ المهارة‌ في‌ ناحية‌ لا تقتضي‌ المهارة‌ في‌ النواحي‌ الاُخري‌ وأنّ روحانيّتهم‌ ونظرتهم‌ إلی‌ العالم‌ خير من‌ نظرة‌ الاُوروبّيّين‌ ، ولا يمكن‌ أن‌ يفيقوا من‌ غفلتهم‌ إلاّ إذا اعتقدوا أنّ روحانيّتهم‌ خير للعالم‌ كلّه‌ وأ   نّهم‌ إذا كانوا انحطّوا في‌ العلم‌ والصناعة‌ فقد سموا بالفطرة‌ الروحانيّة‌ ، وأ   نّهم‌ إذا وجب‌ أن‌ يقلّدوا في‌ العلم‌ وجب‌ أن‌ يقلّدهم‌ الاُوروبّيّون‌ في‌ النظرة‌ الروحانيّة‌ وليس‌ الاُوروبّيّون‌ متسامين‌ في‌ كلّ شي‌ء . ومن‌ المؤسف‌ أ   نّهم‌ حذوا حذو الاُوروبّيّين‌ في‌ تعليمهم‌ ونمط‌ تربيّتهم‌ ، فأسّسوا المدارس‌ المدنيّة‌ علي‌ النمط‌ الاُوروبّيّ ولم‌ يشذّ عن‌ ذلك‌ إلاّ الازهر ، وقد قال‌ أبو العلاء المعرّي‌ّ :

 اثنان‌ أهل‌ الارض‌ ذو عقل‌ بلا                                                دين‌ وآخر دين‌ لا عقل‌ له‌

 فالمدارس‌ المدنيّة‌ محرومة‌ من‌ التربية‌ الدينيّة‌ والادبيّة‌ . نعم‌ يسوغ‌ لنا أن‌ نقلّدهم‌ تمام‌ التقليد في‌ العلوم‌ ومعامل‌ التجارب‌ ونحو ذلك‌ فقط‌ ولكن‌ لا نقلّدهم‌ في‌ الناحية‌ الادبيّة‌ ، فهم‌ يدرسون‌ التأريخ‌ علي‌ أنَّ أُوروبّا سَيِّدَةُ العالم‌ ، وعلي‌ أنّ رَجُلَها الابيض‌ هو المسؤول‌ عن‌ الاسود والاصفر ، وأنّ الله‌ خلق‌ العالم‌ قسمين‌ : قسماً أُوروبّيّاً سامياً وقسماً غير أُوروبّي‌ّ منحطّاً ، ومن‌ أجل‌ ذلك‌ يؤرِّخون‌ أُوروبّا كأنّها المركز وما حولها نقط‌ علي‌ المحيط‌ ، وإذا جاءوا للتأريخ‌ الإسلامي‌ّ اقتضبوه‌ أو حرّفوه‌ ، فوجب‌ علي‌ المسلمين‌ أن‌ يفرّقوا بين‌ ما هو علمي‌ّ يُقَلَّد وما هو أدبي‌ّ لا يُقَلَّد . وهذه‌ المدارس‌ لا تأبه‌ بالدين‌ إلاّ شكليّاً ولذلك‌ يجهلون‌ أُصول‌ الدين‌ كلّ الجهل‌ ويتبعون‌ الاُوروبّي‌ّ في‌ منهجهم‌ كلّ الاتّباع‌ ، ورأس‌ هذه‌ الحركة‌ الجامعة‌ المصريّة‌ التي‌ تقود المدارس‌ الثانويّة‌ والابتدائيّة‌ ، وليسوا يسألون‌ في‌ كلّ أمر عرض‌ ماذا رأي‌ الإسلام‌ ؟ ولكن‌ يسألون‌ ماذا يري‌ الاُوروبّيّون‌ ؟ كأنّ الله‌ اصطفي‌ الاُوروبّيّين‌ وحدهم‌ وجعل‌ غيرهم‌ ذيلاً لهم‌ .

 وإن‌ كان‌ في‌ كلٍّ من‌ الشرق‌ والغرب‌ عيوب‌ ففيه‌ أيضاً محامد ؛ فالغرب‌ أصحّ رأساً وأعظم‌ علماً وأصبر علي‌ الشدائد وعلي‌ البحث‌ العلمي‌ّ ، وله‌ مهارته‌ في‌ الذكاء وله‌ اليد المفكّرة‌ ، والشرق‌ له‌ سماحة‌ صدر وله‌ روحانيّة‌ يعترف‌ بها حتّي‌ الاقدمون‌ ؛ فقد قال‌ فندلبند عند كلامه‌ علي‌ الإسكندريّة‌ إنّه‌ قد التقت‌ فيها مادّيّة‌ الغرب‌ بروحانيّة‌ الشرق‌ .

 [76]  ـ يقول‌ : «إن‌ بني‌ الحبّ علي‌ أساس‌ الجمال‌ الظاهري‌ّ وبريقه‌ الملوّن‌ الخدّاع‌ فهو ليس‌ بحبّ ، وسيعقبه‌ الذلّ والخزي‌» .

[77]  ـ النصف‌ الاوّل‌ من‌ الآية‌  34، من‌ السورة‌  4: النساء .

[78] کتاب رسالة بدیعة – الرجال قوّامون علی النساء کتب باللغة العربیة و ترجم الی اللغة الفارسیة .

[79] ـ لآيتان‌  14  و  15، من‌ السورة‌  31: لقمان‌ .

[80]    ـ الآية‌  8، من‌ السورة‌  29: العنكبوت‌ .

[81]  ـ روي‌ الغزّالي‌ّ في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌  2، ص‌  195، عن‌ أبي‌ سعيد الخدري‌ّ :

 قال‌ أبو سعيد الخدري‌ّ : هاجر رجل‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ من‌ اليمن‌ وأراد الجهاد ، فقال‌ عليه‌ السلام‌ :  هل‌ باليمن‌ أبواك‌ ؟  قال‌ : نعم‌ . قال‌ :  هل‌ أذنا لك‌ ؟  قال‌ : لا . فقال‌ عليه‌ السلام‌ :  فارجع‌ إلی‌ أبويك‌ فاستأذنهما ، فإن‌ فعلا فجاهد وإلاّ فبرّهما ما استطعت‌ فإنّ ذلك‌ خير ما تلقي‌ الله‌ به‌ بعد التوحيد .

 وجاء آخر إلیه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ ليستشيره‌ في‌ الغزو ، فقال‌ :  ألَكَ والدة‌ ؟ قال‌ : نعم‌ . قال‌ :  فالزمها ، فإنّ الجنّة‌ عند رجليها .

 وجاء آخر يطلب‌ البيعة‌ علي‌ الهجرة‌ ، وقال‌ :  ما جئتك‌ حتّي‌ أبكيت‌ والدي‌َّ .  فقال‌ : ارجع‌ إلیهما فأضحكهما كما أبكيتهما .

[82]  ـ «تفسير البرهان‌» ج‌  1، ص‌  601، تفسير سورة‌ الإسراء ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، و «تفسير نور الثقلين‌» ج‌  3، ص‌  148  و  149.

[83]  ـ «تفسير البرهان‌» ج‌  1، ص‌  601، تفسير سورة‌ الإسراء ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، و «تفسير نور الثقلين‌» ج‌  3، ص‌  148  و  149.

[84]  ـ الآية‌   67 ،   من‌   السورة‌   21 :   الانبياء :   أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com