بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الثامن: دعوة القرآن الی سبل السلام، نور القرآن

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

آیات قرآنیّة أخری هادیة إلی سبل السلام

 ومن‌ بين‌ الآيات‌ التي‌ تهدي‌ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ هذه‌ الآيات‌ الكريمة‌ :

 مَن‌ يَشْفَعْ شَفَـ'عَةً حَسَنَةً يَكُن‌ لَّهُ و  نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن‌ يَشْفَعْ شَفَـ'عَةً سَيِّئَةً يَكُن‌ لَّهُ و   كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَهُ عَلَی‌' كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا * وَإِذَا حُيِّيُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ اللَهَ كَانَ عَلَی‌' كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا . [147]

يَـ'´أَيـُّهُا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَن‌ أَلْقَي‌'´ إلَیكُمُ السَّلَـ'مَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَوَ   ةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَ لِكَ كُنتُمْ مِّن‌ قَبْلُ فَمَنَّ اللَهُ عَلَیْكُمْ فَتَبَيَّنُو´ا إِنَّ اللَهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا . [148]

 ومنها :  وَإِن‌ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي‌' يَسْمَعَ كَلَـ'مَ اللَهِ ثذمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ و  ذَ   لِكَ بِأَنـَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ . [149]

 ومنها :  وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ فَيَسُبُّوا اللَهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَ   لِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلَی‌' رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . [150]

 ومنها :  ادْعُ إلَی‌' سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمُوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـ'دِلْهُمْ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن‌ ضَلَّ عَن‌ سَبِيلِهِ   وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . [151]

 الرجوع الي الفهرس

الطلاق هو طریق العلاج عند عدم توافق الحکمین

 ومن‌ جملة‌ الآيات‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ :

 وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ   وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَآ إِن‌ يُرِيدُا إِصْلَـ'حًا يُوَفِّقُ اللَهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَهَ كَانَ علیمًا خَبِيرًا . [152]

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الامر الإلهيّ للرجل‌ بالتريّث‌ عند احتمال‌ حدوث‌ الشقاق‌ والطلاق‌ بين‌ الزوجينِ وأن‌ لايلجأ إلی‌ الطلاق‌ فوراً ، بل‌ عل‌ يالزوجينِ أن‌ يختارا عنهما رجلينِ معتمدينِ من‌ ذوي‌ الخبرة‌ والعقل‌ والدراية‌ كحكمينِ ، يجلسان‌ فيتدارسان‌ الامر ويقلّبان‌ وجوهه‌ ، هذه‌ المناقشات‌ والمباحثات‌ كثيراً ماحلّت‌ الخلافات‌ ، فأقرّ الله‌ بين‌ أُولئك‌ الازواج‌ بإصلاح‌ الحَكَمينِ الصلح‌ والتفاهم‌ ، ووفّق‌ قرار الحكمينِ ورأيهما فقد تبدّلت‌ حياتهم‌ الهانئة‌ ؛ التي‌ انفرطت‌ وتهدّمت‌ للخلافات‌ التي‌ نجمت‌ من‌ عدم‌ تفاهمهما ومن‌ بعض‌ الافكار والآراء الواهية‌ ، ثانيةً إلی‌ الصلح‌ والصفاء واستعادت‌ نشاطها ونضارتها .

 كما أنّ القرآن‌ الكريم‌ لايرتضي‌ الطلاق‌ المقرون‌ بالنزاع‌ والضرب‌ وتبادل‌ العبارات‌ الخشنة‌ القاسية‌ والكلمات‌ القبيحة‌ الوقحة‌ ، الذي‌ يحدث‌ بين‌ الكثير من‌ الناس‌ ، وينهي‌ بحزم‌ عن‌ أيّ تعامل‌ وأقوال‌ من‌ هذا النوع‌ .

 فالطلاق‌ يمثّل‌ في‌ المنطق‌ القرآنيّ طريق‌ الخلاص‌ الوحيد عند تعذّر التفاهم‌ والانسجام‌ ، ممّا يحيل‌ حياة‌ الزوجينِ إلی‌ حياة‌ مليئة‌ بالغصّة‌ ومقرونة‌ بالالم‌ والقلق‌ والاضطراب‌ وتشتّت‌ الافكار ، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ يصبح‌ الطلاق‌ بصورته‌ المثلي‌ الحسني‌ الطريقَ الوحيد للعلاج‌ الالم‌ ومداواته‌ وشفائه‌ .

 لذا ، ينبغي‌ أن‌ تسرّح‌ المرأة‌ بإحسان‌ ، فيُبذل‌ لها ويُحسن‌ إلیها عند تسريحها وفراقها ، كما أنـّه‌ لو أُريد ردّها ومعاشرتها فيجب‌ رعايتها رعايةً حسنة‌ مقبولة‌ ونمتيعها بالشكل‌ الكامل‌ .

 وَبَعُولَتَهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي‌ ذَ   لِكَ إِنْ أَرَادُو´ا إِصْلَـ'حًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي‌ عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلَـ'قُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـ'نٍ . [153]

 الرجوع الي الفهرس

دعوة العآن للصلح وتحذیره من جمیع مساوئ الأخلاق

 ومن‌ جملة‌ الآيات‌ الكريمة‌ :

 وَإِن‌ طَآنءِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن‌ بَغَتْ إِحْدَن'هُمَا عَلَی‌ الاْخْرَي‌' فَقَـ'تِلُوا الَّتِي‌ تَبْغِي‌ حَتَّي‌' تَفِي‌ءَ إلَی‌'´ أَمْرِ اللَهِ فَإِن‌ فَآءَت‌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُو´ا إِنَّ اللَهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ** إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . [154]

 ومنها :  يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن‌ قَوْمٍ عَسَي‌'´ أَن‌ يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن‌ نِّسَآءٍ عَسَي‌'´ أَن‌ يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُو´ا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاْلْقَـ'بِ بِئْسَ الإسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَـ'نِ وَمَن‌ لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الظَّـ'لِمُونَ * يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُم‌ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ . [155]

 ونلاحظ‌ في‌   هاتين‌ الآيتين‌ الاخيرتين‌ أنـّها حرّمت‌ علی‌ المؤمنين‌ ستّة‌ أعمال‌ وصفات‌ تقارن‌ ومتلازم‌ الحركة‌ باتّجاه‌ الشقاق‌ والنفاق‌ والتفرقة‌ والعداوة‌ وقلق‌ النفس‌ والاضطراب‌ الذهنيّ وانفصام‌ عُري‌ المحبّة‌ والمودّة‌ ، ودعتهم‌ إلی‌ سبل‌ السلام‌ التي‌ تخالف‌ هذه‌ الصفات‌ والاعمال‌ وتضادّها تماماً :

 الاوّل‌ : السخرية‌ بأي‌ شكل‌ وكيفيّة‌ كانت‌ ، فلو سخر أحد من‌ أحد ـ مهما كانا ـ لكان‌ ذلك‌ حراماً وقبيحاً مستهجناً .

 الثاني‌ : اللمز وذكر عيوب‌ الآخرين‌ ، الذي‌ يتحوّل‌ باعتبار وحدة‌ المجتمع‌ الإسلاميّ واشتراك‌ المسلمين‌ في‌ الهموم‌ والآلام‌ والديانة‌ ، إلی‌ لمز الإنسان‌ نفسه‌ ، لذا بيّن‌ ذلك‌ بتعبير  وَلاَ تَلْمِزُو´ا أَنفُسَكُمْ .

 الثالث‌ : التنابز بالالقاب‌ ومناداة‌ البعض‌ البعض‌ الآخر وذكرهم‌ لهم‌ بالعناوين‌ والالقاب‌ غير الجميلة‌ ، وهو حرام‌ .

 الرابع‌ : الظنّ بالآخرين‌ سوءاً ، وهو حرامٌ فبالرغم‌ من‌ أنـّه‌ ليس‌ عملاً خارجيّاً بل‌ هو مجرّد فعل‌ نفسيّ ، لكنّه‌ مع‌ ذلك‌ الحرام‌ ، ويتوجّب‌ علی‌ المؤمن‌ أن‌ ينزّه‌ فكره‌ وذهنه‌ عن‌ التلوّث‌ بالاوهام‌ والتصوّرات‌ غير الصحيحة‌ عن‌ المؤمنين‌ ، وأن‌ يُزيل‌ صدأ الكدورة‌ عن‌ قلبه‌ بصفاء وجلاء الإيمان‌ بالله‌ سبحانه‌ .

 الخامس‌ : التجسّس‌ والتفتيش‌ في‌ عمل‌ الآخرين‌ : لماذا يذهبون‌  ؟ وماذا يعملون‌  ؟  أير تكبون‌ ذنباً وإثماً في‌ بيوتهم‌ أم‌ لا  ؟  وبشكل‌ عامّ فإنّ أيّ تجسّس‌ وتفتيش‌ في‌ أعمال‌ الناس‌ حرام‌ .

 السادس‌ : الغِيبة‌ ، وهي‌ ذكر المؤمن‌ بسوء حال‌ غيابه‌ ، ووصفه‌ بعبارات‌ وأوصافٍ لو سمعها واطّلع‌ علیها لاحزنه‌ ذلك‌ وأغمّه‌ وضايقه‌ .

 سيدلّنا التمعّن‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ وهذا النمط‌ من‌ التعإلیم‌ ، بنحو اللزوم‌ والوجوب‌ الذي‌ أوجبه‌ القرآن‌ الكريم‌ علی‌ المؤمنين‌ ، أيَّ عالمٍ ملي‌ءٍ بالصفاء والمودّة‌ وراحة‌ البال‌ وطمأنينة‌ الخاطر ، وأيّ حياة‌ مقرونةٍ بسلامة‌ الجسم‌ والروح‌ والاخلاف‌ كان‌ القرآن‌ الكريم‌ يسوق‌ باتّجاهها المجتمع‌ البشريّ ، ثمّ يورده‌ في‌ خاتمة‌ المطاف‌ في‌ اسم‌ سلام‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

جمیع آیات القرآن تدعو إلی سبل السلام

 وينبغي‌ العلم‌ أنّ جميع‌ الآيات‌ المباركة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ تدعو إلی‌ سبل‌ السلام‌ ، لااختصاص‌ في‌ هذا الامر لايةٍ دون‌ أُخري‌ ، وقد أوردنا هذه‌ الآيات‌ المعدودة‌ كمثال‌ مع‌ مقارنتها مع‌ بعض‌ المناهج‌ البشريّة‌ التي‌ تسوق‌ الإنسان‌ في‌ النتيجة‌ إلی‌ الضلال‌ ؛ وإلاّ فإنّ الآيات‌ التي‌ تدعو إلی‌ التوحيد ، والإخلاص‌ في‌ العمل‌ ، والتوجّه‌ التامّ للّه‌ وأسمائه‌ الحسني‌ وصفاته‌ العلیا ، هي‌ من‌ أظهر وأوضح‌ مصاديق‌ الدعوة‌ إلی‌ السلام‌ ، نظير آية‌ :

 قُلِ اللَهُمَّ مَـ'لِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي‌ الْمُلْكَ مَن‌ تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن‌ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن‌ تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن‌ تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . [156]

 وكآية‌ :  وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي‌ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن‌ لَّهُ و  شَرِيكٌ فِي‌ الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن‌ لَّهُ و  وَلِيُّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا . [157]

 كان‌ هذا شرحاً مختصراً لمعني‌ السلام‌ وكيفيّة‌ هداية‌ القرآن‌ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ ، وطرق‌ الاطمئنان‌ وسكون‌ الخاطر وراحة‌ البال‌ ؛  أَلاَ بِذِكْرِ اللَهِ تَطْمَنءِنُّ الْقُلُوبُ ؛ [158]  وهو الشي‌ء الاوّل‌ الذي‌ يهدي‌ له‌ القرآن‌ أتباع‌ طريق‌ الرضوان‌ الإلهيّ .

 الرجوع الي الفهرس

الظلمة ناشئة من الشرک و الثنویة، و نور التوحید واحد

 وأمّا المورد الثاني‌ الذي‌ كانت‌ الآية‌ المتقدّمة‌ بصدد إثباته‌ ، فقد كان‌ الإخراج‌ من‌ ظلمات‌ النفس‌ الامّارة‌ وكدورة‌ الباطن‌ ، وسوقهم‌ بإذن‌ الله‌ إلی‌ عالم‌ النور والوحدة‌ والتجرّد والبساطة‌ :  وَيُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ .

 ويجب‌ العلم‌ أن‌ جميع‌ الاعمال‌ الحسنة‌ والاخلاق‌ الفاضلة‌ والصفات‌ الحميدة‌ والملكات‌ المحمودة‌ والعقائد المطهّرة‌ هي‌ كلّها نور ؛ وفي‌ المقابل‌ فإنّ جميع‌ الاعمال‌ السيّئة‌ والاخلاق‌ الرديّة‌ ، والصفات‌ الذميمة‌ والملكات‌ القبيحة‌ والعقائد الفاسدة‌ كلّها حلكة‌ وظلام‌ .

 لذا فإنّ القرآن‌ الكريم‌ يسوق‌ المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الاودية‌ الخطرة‌ المظلمة‌ صعبة‌ العبور ، التي‌ تكتنفها الظلمات‌ من‌ كلّ حدبٍ وصوب‌ ، ويدخلهم‌ في‌ أعلی‌ المقامات‌ والدرجات‌ والامكنة‌ المتّسعة‌ الرجيبة‌ ، المنبسة‌ المنيرة‌ التي‌ تتدفّق‌ الانوار علیها من‌ كلّ جانب‌ ؛ أي‌ أنّ العمل‌ بالقرآن‌ ، والمواظبة‌ علی‌ ذلك‌ ، سيؤدّيان‌ إلی‌ أن‌ تُخلي‌ الصفات‌ السيّئة‌ الذميمة‌ مكانها شيئاً فشيئاً إلی‌ الصفات‌ الحسنة‌ الحميدة‌ ، فالشخص‌ الذي‌ يعمل‌ بالقرآن‌ ويسعي‌ لجعله‌ أساس‌ تحرّكه‌ وقدوة‌ وأُسوة‌ وبرنامجاً حقيقيّاً له‌ في‌ العلم‌ والعمل‌ ، سيجد أنّ تلك‌ الصفات‌ القبيحة‌ ستوي‌ شيئاً فشيئاً بساطها من‌ نفسه‌ التي‌ اتّخذتها منزلاً وسكناً ؛ شاء ذلك‌ أم‌ أبي‌ ؛ فتحلّ محلها الصفات‌ الحميدة‌ مثل‌ ضيوف‌ جدد لطاف‌ يأنس‌ بهم‌ .

 إنّ السيّئات‌ الاخلاقيّة‌ شأنُها كشيطان‌ مهيب‌ اتّخذ منزلاً في‌ زوايا النفس‌ الإنسانيّة‌ لايريد بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ أن‌ يخسره‌ ، وبمرور الزمان‌ فإنّه‌ سيختار من‌ هذا المحلّ  ( السرقفلي‌ّ )  كمسكن‌ خاصّ له‌ ، وكمركز لتردّد وهجوم‌ وحملات‌ جنده‌ وعساكره‌ .

 وهي‌ في‌ الحقيقة‌ ظلمات‌ حالكة‌ خطرة‌ كاسرة‌ طاحنة‌ ومهلكة‌ ، تجرّ الإنسان‌ من‌ كلّ صوب‌ إلی‌ الضلال‌ والهلاك‌ والضياع‌ ، وتريق‌ دمه‌ فتشربه‌ علی‌ مائدتها السوداء القذرة‌ ، بشكل‌ لايبقي‌ أثراً لشخصيّته‌ وموضوعيّته‌ وإنسانيّة‌ ، فيمّحي‌ بمرور الزمن‌ اسمه‌ من‌ قائمة‌ العابدين‌ والمؤمنين‌ .

 نعم‌ ، إنّ الحقد والبخل‌ والحسد والتكاثر في‌ الاموال‌ وحبّ الجاه‌ والرياسة‌ ، والانشغال‌ بملاهي‌ الدنيا ، وعلی‌ رأسها جميعاً الشرك‌ بالله‌ والنزوع‌ إلی‌ عالم‌ الكثرة‌ ، هي‌ حقّاً ظلمات‌ شديدة‌ متراكمة‌ ؛ وفي‌ قبالها النور الذي‌ يمثّل‌ عين‌ التوحيد ؛ ومن‌ لوازمه‌ وشروطه‌ طهارة‌ القلب‌ وصفاؤه‌ من‌ لوث‌ الكدورات‌ ، وهو نور في‌ الحقيقة‌ ، لا شبيهاً بالنور ، ولا مسمّيً بالنور مجازاً وكنايةً واستعارة‌ .

 بل‌ هو نور بتمام‌ معناه‌ الحقيقيّ والواقعيّ ، وهذا النور الحقيقيّ أقوي‌ وأشدّ إضاءة‌ بآلاف‌ المرّات‌ من‌ النور المادّيّ الطبيعيّ ، كما قد جاء :  اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضِ . [159]

 وقد وردت‌ بشأن‌ القرآن‌ روايات‌ مستفيضة‌ بل‌ متواترة‌ ؛ أنـّه‌ نور ، وقراءته‌ نور ، وتلاوته‌ نور ، وا لاستشفاء به‌ نور ، وهو نور فيما بعد الموت‌ يعبر بالإنسان‌ العقبات‌ والمنعطفات‌ المظلمة‌ الحالكة‌ ، كما أنّ التعإلیم‌ غير القرآنيّة‌ ظلمة‌ ، والظلم‌ والجور ظلمة‌ .

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ :  الظُّلْمُ ظُلُمَاتُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . [160]

 اللَهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُو´ا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّـ'غُوتُ يُخْرِجُونَهُم‌ مِّنَ النُّورِ إلَی‌ الظُّلُمَـ'تِ . [161]

 لقد نُسبت‌ الظلمات‌ هنا إلی‌ الشرك‌ والكفر والفسق‌ والوثنيّة‌ والثنويّة‌ وعبادة‌ الاصنام‌ بأيّ شكلٍ كانت‌ ، في‌ حين‌ نُسب‌ النور إلی‌ التوحيد . لذا فكلّما ورد لفظ‌ الظلمة‌ في‌ القرآن‌ جي‌ء به‌ بصيغة‌ الجمع‌ ، لانّ الظلمات‌ الناشئة‌ من‌ الشرك‌ والكفر مثار للكثرة‌ ، علی‌ عكس‌ التوحيد الذي‌ هو نور ، ونور واحدٌ ، ولهذا فقد عبّر دوماً عن‌ النور بصيغة‌ المفرد ولم‌ يستعمل‌ لفظ‌ أنوار ، لانّ النور مَثار الوحدة‌ .

 وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا صُمُّ وَبُكْمٌ فِي‌ الظُّلُمَـ'تِ مَن‌ يَشَإِ اللَهُ يُضْلِلْهُ وَمَن‌ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَی‌' صِرَ   طٍ مُّسْتَقِيمٌ .  [162]

 فالكمذّبين‌ في‌ نظر القرآن‌ صمّ وبكم‌ حقيقةً ، كما عدّهم‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ عُمياً حقيقة‌ ، أُركسوا علاوة‌ علی‌ ذلك‌ في‌ الظلمات‌ :

 أَوَمَن‌ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنـ'هُ وَجَعَلْنَا لَهُ و  يَمْشِي‌ بِهِ    فِي‌ النَّاسِ كَمَن‌ مَّثَلُهُ و فِي‌ الظُّلُمُـ'تِ لَيْسَ بِخَارجٍ مِّنْهَا   كَذَ   لِكَ زُيِّنَ لِلْكَـ'فِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [163] 

 هُوَ الَّذِينَ يُصَلِّي‌ عَلَیْكُمْ وَمَلَـ'´نءِكَتُهُ و  لِيُخْرِجَكُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا . [164]

 هُوَ الَّذِي‌ يُنَزِّلُ عَلَی‌' عَبْدِهِ   ءَايَـ'تٍ بَيّـِنَتٍ لِّيُخْرِجَكُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ وَإِنَّ اللَهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَّحِيمٌ . [165]

 قَدْ أَنزَلَ اللَهُ إلَیكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولاً يَتْلُوا عَلَیْكُمْ ءَايَـ'تِ اللَهِ مُبَيِّنَـ'تٍ لِّيُخْرِجَ  الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ مِنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ . [166]

 كانت‌ هذه‌ بعضاً من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌ التي‌ فيها دلالة‌ علی‌ ظلمانيّد الشرك‌ حقّاً ونورانيّة‌ التوحيد حقّاً ، ومن‌ هنا فقد اشتقّ الظُلم‌ ؛ أي‌ الجور والاعتداء والانحراف‌ عن‌ طريق‌ الحقّ ؛ والظُلمة‌ ؛ أي‌ الحلكة‌ ؛ كلاهما من‌ مادّةٍ واحدة‌  ظَ لَ مَ ،  ويمكن‌ من‌ هذا الطريق‌ فهم‌ حقيقة‌ الظلمة‌ والحلكة‌ ، وهي‌ الظلم‌ والجور الذي‌ يمثلّ الشرك‌ بالله‌ أجلي‌ وأظهر مصاديقه‌ .

 لقد وُضعتْ الالفاظ‌ للمعاني‌ العامّة‌ ، فالظُلمة‌ والعمي‌ والصمّ والموت‌ وماشابهها تُطلق‌ حقيقةً علی‌ ظلمة‌ الروح‌ والشرك‌ والكفر ، بل‌ إنّ أوضح‌ وأفضل‌ مصاديقها هي‌ المعاني‌ الملكوتيّة‌ والنفسيّة‌ ؛ وهذه‌ الظلمات‌ المادّيّة‌ رشحة‌ من‌ تلك‌ الظلمة‌ ومثال‌ منها .

 وتعابير كهذه‌ كثيرة‌ في‌ القرآن‌ ، وقد ورد في‌ موضعين‌ من‌ القرآن‌ هاتين‌ الآيتين‌ :  إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَي‌' وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَـ'دِي‌ الْعُمْيِ عَن‌ ضَلَـ'لَتِهِمْ إن‌ تُسْمِعُ إِلاَّ مَن‌ يُؤْمِنُ بِـَايَـ'تِنَا فَهُم‌ مُّسْلِمُونَ . [167]

 دعا الله‌ سبحانه‌ في‌ الآيتين‌ مُنكري‌ وجاحدي‌ الحقّ بالموتي‌ والعُمي‌ والصمّ .

 وقد عبّر في‌ سورة‌ الممتحنة‌ عن‌ الكفّار الاحياء بالموتي‌ في‌ القبور :

 يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَوَلُّوا قَوْمًا غَضِبَ اللَهُ عَلَیْهِمْ قَدْ يَنءِسُوا مِنَ الاْخرَةِ كَمَا يَنءِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـ'بِ الْقُبُورِ . [168]

 وفوق‌ هذا وأهمّ أنّ القرآن‌ الكريم‌ لايعتبر أُصولاً هذه‌ الظلمات‌ المادّيّة‌ ظلمة‌ ، ولا يعتبر الموت‌ والعمي‌ والصمم‌ والبكم‌ المألوفة‌ فناءً وفقداناً لحواسّ البصر والسمع‌ والنطق‌ ، فهو يقول‌ إنّ العيون‌ لاتعمي‌ أصلاً ، بل‌ إنّ ما يعرض‌ علیه‌ العمي‌ هو القلوب‌ التي‌ في‌ الصدور :  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي‌ الاْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لاَ تَعْمَي‌ الاْبْصَـ'رُ وَلَـ'كِنْ تَعْمَي‌ الْقُلُوبُ الَّتِي‌ فِي‌ الصُّدُورِ . [169]

 فدعي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ القلوبَ التي‌ لاتتعقّل‌ بالقلوب‌ الميتة‌ لا روح‌ فيها ولا إدراك‌ ، والآذانَ التي‌ لاتعتبر بالمواعظ‌ بالآذان‌ الصمّاء ، واستدلّ في‌ بيان‌ هذا المدّعي‌ بأنّ العمي‌ يعرض‌ في‌ الاصل‌ لعين‌ القلب‌ ، ولعين‌ الذهن‌ والإدراك‌ ، لا للعين‌ المادّيّة‌ الطبيعيّة‌ الموجودة‌ في‌ رأس‌ الإنسان‌ .

 فلا ينبغي‌ أن‌ يُطلق‌ اسم‌ الاعمي‌ علی‌ الذين‌ فقدوا هذه‌ العين‌ ، بل‌ الاعمي‌ من‌ عميت‌ عين‌ باطنه‌ وحقيقة‌ بصيرته‌ .

 الرجوع الي الفهرس

أفراد عمیان یتلون القرآن بموهبة الهیة

 وعلی‌ هذا ، فكم‌ شوهد هنالك‌ من‌ عميان‌ يقرأون‌ القرآن‌ ، أي‌ أنـّهم‌ كانوا عمياناً بتمام‌ المعني‌ لكنّهم‌ كانوا يتلون‌ القرآن‌ بموهبة‌ إلهيّة‌ ويشيرون‌ إلی‌ مواقع‌ آياته‌ .

 لقد جاء سماحة‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ محمّد تقي‌ بهجت‌ الفومنيّ الرشتيّ مدّ ظلّه‌ العإلی‌ صبح‌ يوم‌ الجمعة‌ 15 جمادي‌ الاولي‌ 1408 ه لزيارة‌ هذا الحقير في‌ مدينة‌ قم‌ المقدّسة‌ في‌ منزل‌ ولدي‌ الحاجّ السيّد أبي‌ الحسن‌ ، وكان‌ من‌ جملة‌ مذاكراته‌ وإفاداته‌ أنـّه‌ قال‌ :

 كان‌ هناك‌ في‌ أيّام‌ شبابنا رجل‌ أعمي‌ يفتح‌ القرآن‌ فيدلّ علی‌ أيّ آيةٍ تُراد منه‌ ، ويضع‌ إصبعه‌ علیها ، وقد أردتُ أيّام‌ الشباب‌ ممازحته‌ ومعاكسته‌ ، فقلتُ : أين‌ الآية‌ الفلانيّة‌  ؟

 ففتحَ القرآن‌ ووضع‌ إصبعه‌ علی‌ الآية‌ المعيّنة‌ .

 فقلتُ : ليس‌ هذا صحيحاً ، فهذه‌ آية‌ أُخري‌ .

 فردّ علیّ :  أَوَ أعمي‌ أنت‌ ؟! أفلا تري‌ ؟! [170]

 وكثيراً ما كان‌ يحصل‌ أن‌ يكون‌ نائماً في‌ غرفته‌ ، فيسألونه‌ وهو نائم‌ فيُجيبهم‌ كما لو كان‌ مستيقظاً أجوبةً كافيةً شافية‌ . وكانوا يحدّثونه‌ حين‌ يستيقظ‌ بما كان‌ منه‌ نومه‌ فيُظهر جهله‌ بذلك‌ ويقول‌ : لايحضرني‌ شي‌ء من‌ هذا ، ولا أدري‌ شيئاً ممّا تقولون‌ .

 يقول‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ مدّ ظلّه‌ : كان‌ آية‌ الله‌ بهجت‌ كثيراً ما يذهب‌ إلی‌ مسجد السهلة‌ فيبات‌ هناك‌ إلی‌ الصباح‌ ، وحدث‌ في‌ ليلةٍ حالكة‌ الظلام‌ أن‌ احتاج‌ إلی‌ تجديد وضوئه‌ ، ولم‌ يكونوا آنذاك‌ ينيرون‌ مصباحاً في‌ المسجد ، وكان‌ مجبراً علی‌ الخروج‌ من‌ المسجد للطهارة‌ والوضوء ، فتحرّك‌ ليتوضّأ في‌ المحلّ المخصّص‌ للوضوء والواقع‌ خارج‌ المسجد إلی‌ جهة‌ الشرق‌ فأحسّ فجأة‌ ـ وهو يعبر هذه‌ المسافة‌ المظلمة‌ وحيداً ـ بخوفٍ بسيطٍ ينتابه‌ .

 وبمجرّد إحساسه‌ بهذا الخوف‌ توهّج‌ أمامه‌ نور كالمصباح‌ ، وصار يسير أمامه‌ كلّما سار ، وقد خرج‌ مع‌ ذلك‌ النور فتطهّر وتوضّأ ثمّ عاد إلی‌ مكانه‌ والضوء يتحرّك‌ معه‌ ، فلمّا وصل‌ مكانه‌ السابق‌ اختفي‌ ذلك‌ النور وتلاشي‌ .

 وبشأن‌ نور القرآن‌ فقد شوهد الكثير من‌ الافراد الذين‌ كانور يقرأون‌ بنور القرآن‌ المعنويّ ، كان‌ الكثير منهم‌ أُميّين‌ لم‌ يروا مدرسة‌ ولم‌ يحضروا درساً ، منهم‌ المرحوم‌  كربلائي‌ محمّد كاظم‌ الفراهانيّ  رحمة‌ الله‌ علیه‌ الذي‌ عاش‌ في‌ عصرنا هذا ، وكان‌ رجلاً عامّيّاً قرويّاً أُفيض‌ علیه‌ القرآن‌ في‌ أحد مراقد أبناء الائمة‌ من‌ قبل‌ رجلين‌ مارّين‌ لايعرفهما .

 ولقد هاجرتُ إلی‌ مدينة‌ المشهد الرضويّ المقدّس‌ علی‌ ساكنه‌ وعلی‌ آبائه‌ السلام‌ سنة‌ 1400 هجريّة‌ قمريّة‌ في‌يوم‌ الرابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر جمادي‌ الاُولي‌ للإقامة‌ والتوطّن‌ ، وحططتُ رحإلی‌ في‌ جوار بضعة‌ رسول‌ الله‌ هذه‌ .

 وقد جاءني‌ يوماً شخصان‌ من‌ قرّاء التعزية‌ ، أحدهما باسم‌  الحاجّ الشيخ‌ جعفر الرشتيّ  والآخر  الحاجّ السيّد حسن‌ مؤمن‌ زاده‌، وكان‌ بينهما غاية‌ الصفاء وأجمل‌ الصحبة‌ ، وقد انتقل‌ كلاهما إلی‌ الرحمة‌ الواسعة‌ للحقّ تعإلی‌ ، رحمةُ الله‌ علیهما .

 وقد قال‌ الحاجّ الشيخ‌ جعفر في‌ ذلك‌ المجلس‌ للحقير : أنا حافظ‌ للقرآن‌ فقد أُفيض‌ عَلَیَّ من‌ الإمام‌ علیّ بن‌ موسي‌ الرضا علیه‌ السلام‌ في‌ حرمه‌ المطهّر ، فأنا أقرأ التعزية‌ في‌ الحرم‌ أيضاً .

 فسررتُ جدّاً وهنّأته‌ علی‌ ذلك‌ وقلتُ : إنّ وجودكم‌ مبارك‌ بهذه‌ الموهبة‌ الإلهيّة‌ .

 وقد جلسا ساعة‌ ، ثمّ التفت‌ إلیّ المرحوم‌ الحاجّ جعفر عند ذهابهما وقال‌ : أيـّها السيّد  !  إنّكم‌ لم‌ تسألوا منّي‌ شيئاً من‌ القرآن‌ ولم‌ تختبروني‌ .

 فأجبت‌ : أنّ هذا المطلب‌ مسلّم‌ ، ولاشكّ لديّ فيه‌ ليحتاج‌ الامر إلی‌ سؤالٍ واختبار . إذ في‌ مقام‌ الثبوت‌ ، فإنّ هذا الحقير لاشكّ لديه‌ في‌ إمكان‌ إفاضات‌ وبركات‌ كهذه‌ من‌ قبل‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ ، وأمّا في‌ مقام‌ الإثبات‌ ، فإنّ وجوداً بهذا الجلال‌ والاحترام‌ يمثّل‌ حقيقةً مصداقاً للصدق‌ ولايبقي‌ لديّ محلاًّ للشكّ .

 الرجوع الي الفهرس

الروایات الواردة عن الامام العسکری فی نور القرآن و صیام شعبان

 روي‌ في‌  « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ الحسن‌ العسكريّ »  سلام‌ الله‌ علیه‌ ، في‌ ذيل‌ الآية‌ المباركة‌ :  فَإِن‌ كَانَ الَّذِي‌ عَلَیْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن‌ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ و  بِالْعَدْلِ ،[171]   رواية‌ مفصّلة‌ جدّاً تحوي‌ مطالب‌ وحوادث‌ ، نشير هنا إلی‌ مختصر منها فقط‌ يمثّل‌ شاهداً لكلامنا حول‌ نور القرآن‌ وإشعاعه‌ وضيائه‌ :

 ... يصل‌ إلی‌ القول‌ : ولقد مرّ أميرالمؤمنين‌ علی‌ قومٍ من‌ أخلاط‌ المسلمين‌ ليس‌ فيهم‌ أحد من‌ المهاجرين‌ أو الانصار ، وهم‌ قعود في‌ بعض‌ المساجد في‌ أوّل‌ يوم‌ من‌ شعبان‌ ، وإذا هم‌ يخوضون‌ في‌ أمر القدر وغيره‌ ممّا اختلف‌ الناس‌ فيه‌ ، قد ارتفعت‌ أصواتُهم‌ واشتدّ فيه‌ محكّهم‌ وجدالهم‌ ، فوقف‌ علیهم‌ وسلّم‌ فردّوا وأوسعوا له‌ وقاموا إلیه‌ يسألونه‌ القعود إلیهم‌ ، فلم‌ يحفل‌ بهم‌ ، ثمّ قال‌ وناداهم‌ :

 يَا مَعْشَرَ المُتَكَلِّمِينَ فِيمَا لاَ يُعْنِيهِمْ وَلاَ يُرَدُّ عَلَیْهِمْ ! أَلَمْ تَعْلَمُوا أنَّ لِلَّهِ عِبَادَاً قَدْ أَسْكَتَتْهُمْ خَشْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ عَمَيً وَلاَ بِكَمٍ ، وَإنَّهُمْ لَهُمُ الفُصَحَاءُ العُقَلاَءُ الاْوْلِياءُ العَالِمُونَ بِاللَهِ وَأَيَّامِهِ ، وَلَكِنَّهُمْ إذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَهِ انْكَسَرَتْ أَلْسِنَتُهُمْ ، وَانْقَطَعَتْ أفْئِدَتُهُمْ ، وَطَاشَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَهَانَتْ حُلُومُهُمْ ، إعْزَازَاً لِلَّهِ ، وَإعْظَامَاً وَإجْلاَلاً لَهُ .

 فَإذَا أَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إلَی‌ اللَهِ بِالاْعْمَالِ الزَّاكِيَةِ يَعُدُّونَ أَنْفَسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِينَ وَالخَاطِئِينَ ـ وَإنَّهُمْ بُرَآءُ ـ مِنَالمُقَصِّرِينَ وَالمُفَرِّطِينَ . أَلاَ إنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِاللَهِ القَلِيلَ ؛ وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ لِلّهِ الكَثِيرَ ؛ وَلاَ يُدِلُّونَ عَلَیْهِ بِالاْعْمَالِ . فَهُمْ مَتَي‌ مَا رَأَيْتَهُمْ مَهْمُومُونَ ، مُرَوَّعُونَ ، خَائِفُونَ ، مُشْفِقُونَ ، وَجِلُونَ !

 فَأَيْنَ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ المُبْتَدِعِينَ ؟! أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالقَدَرِ أَسْكَتُهُمْ عَنْهُ ؛ وَأَنَّ أَجْهَلَ النَّاسِ بِالقَدَرِ أَنْطَقُهُمْ فِيهِ ؟!

 ثمّ قال‌ :  يَا مَعْشَرَ المُبْتَدِعِينَ ! هَذَا يَوْمُ غُرَّة‌ شَعْبان‌ الكَرِيمِ ، سَمَّاهُ رَبُّنَا شَعْبَان‌ لِتَشعُّبِ الخَيْرَاتِ فِيهِ ؛ ...  حتّي‌ يصل‌ إلی‌ قوله‌ : ألا أُحدِّثُكم‌ إلاّ بما سمعته‌ من‌ رسول‌ الله‌ ،

 الرجوع الي الفهرس

انبعاث نور القرآن من صحابة رسول الله الأربعة وإضاءة الصحراء

 لقد بعث‌ رسول‌ الله‌ جيشاً ذات‌ يوم‌ إلی‌ قومٍ من‌ أشدّاء الكافرين‌ ، فأبطأ علیه‌ خبرهم‌ وتعلّق‌ قلبه‌ بهم‌ وقال‌ : ليت‌ لنا من‌ يتعرّف‌ أخبارهم‌ ويأتينا بأنبائهم‌ ، فبينا هو قائل‌ إذ جاءه‌ البشير بأنـّهم‌ قد ظفروا بأعدائهم‌ وأسلبوهم‌ ، وصيّروهم‌ بين‌ قتيل‌ وجريح‌ وأسير ، ونهبوا أموالهم‌ ، وسبوا ذراريهم‌ وعيالهم‌ ، فلمّا قرب‌ القوم‌ من‌ المدينة‌ خرج‌ إلیهم‌ رسول‌ الله‌ بأصحابه‌ يتلّقاهم‌ ، فلمّا لقيهم‌ ورئيسهم‌  زيد بن‌ حَارثة‌  ؛ وكان‌ قد أمّره‌ علیهم‌ ؛ فلمّا رأي‌ زيد رسول‌ الله‌ نزل‌ عن‌ ناقته‌ وجاء إلی‌ رسول‌ الله‌ وقبّل‌ رجله‌ ، ثمّ قبّل‌ يده‌ ورجله‌ ، فأخذه‌ رسول‌ الله‌ فضمّه‌ وقبّل‌ رأسه‌ ، ثمّ نزل‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ عَبد الله‌ بن‌ رَوَاحَة‌  فقبّل‌ يده‌ ورجله‌ وضمّه‌ رسول‌ الله‌ .

 ثمّ نزل‌ إلیه‌  قَيس‌ بن‌ عاصم‌ المنقريّ  فقبّل‌ يده‌ ورجله‌ وضمّه‌ رسول‌ الله‌ إلیه‌ . ثمّ نزل‌ ساير الجيش‌ ووقفوا يصلّون‌ علیه‌ وردّ رسول‌ الله‌ علیهم‌ خيراً ، ثمّ قال‌ لهم‌ : حدّثوني‌ خبركم‌ وحالكم‌ مع‌ أعدائكم‌  !  وكان‌ معهم‌ من‌ أُسراء القوم‌ وذراريهم‌ وعيالاتهم‌ وأموالهم‌ من‌ الذهب‌ والفضّة‌ وصنوف‌ الامتعة‌ شي‌ء عظيم‌ ، فقالوا : يا رسول‌ الله‌  !  لو علمت‌ كيف‌ حالنا لعظم‌ تعجبّك‌  !

 فقال‌ رسول‌ الله‌ : لم‌ أكن‌ أعلم‌ ذلك‌ حتّي‌ عرّفنيه‌ الآن‌ جبرئيل‌ ، وما كنتُ أعلم‌ شيئاً من‌ كتابه‌ ودينه‌ حتّي‌ علّمني‌ ربّي‌ ، كما قال‌ :

 وَكَذَ   لِكَ أَوْحَيْنَا إلَیكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي‌ مَا الْكِتَـ'بُ وَلاَ الإيمَـ'نُ وَلَـ'كِن‌ جَعَلْنَـ'هُ نُورًا نَّهْدِي‌ بِهِ   مَن‌ نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي‌ إلَی‌ صِرَ   طٍ مُّسْتَقِيمٍ ، [172]  ولكن‌ حدّثوا بذلك‌ إخوانكم‌ هؤلاء لاصدّقكم‌ فقد أخبرني‌ جبرئيل‌ بصدقكم‌ .

 فقالوا : يا رسول‌ الله‌  !  إنّا لمّا قربنا من‌ العدوّ بعثنا عيناً لنا ليعرف‌ أخبارهم‌ وعددهم‌ لنا ، فرجع‌ إلینا يخبرنا أنـّهم‌ قدر ألف‌ رجل‌ ، وكنّا ألفي‌ رجل‌ ، وإذا القوم‌ قد خرجوا إلی‌ ظاهر بلدهم‌ في‌ ألف‌ رجل‌ وتركوا في‌ البلد ثلاثة‌ الآف‌ ، يوهموننا أنـّهم‌ ألف‌ ، وأخبرنا صاحبُنا أنـّهم‌ يقولون‌ فيما بينهم‌ نحنُ ألف‌ وهم‌ ألفان‌ ولسنا نطيق‌ وكافحتهم‌ ، وليس‌ لنا إلاّ التحاصن‌ في‌ البلد حتّي‌ تضيق‌ صدروهم‌ من‌ منازلتنا فينصرفوا عنّا ، فتجرّأ بذلك‌ علیهم‌ وزحفنا إلیهم‌ فدخلوا بلدهم‌ وأغلقوا دوننا بابه‌ ، فقعدنا منازلهم‌ ، فلمّا جنّ علینا الليل‌ وصرنا إلی‌ نصفه‌ فتحوا باب‌ بلدهم‌ ونحن‌ غارّون‌ نائمون‌ ماكان‌ فينا منتبه‌ إلاّ أربعة‌ نفر :  زيد بن‌ حارثة‌  في‌ جانب‌ من‌ جوانب‌ العسكر يصلّي‌ ويقرأ القرآن‌ ، و عبدالله‌ بن‌ رواحة‌  في‌ جانب‌ آخر يصلّي‌ ويقرأ القرآن‌ ، و قتادة‌ بن‌ النعمان‌  في‌ جانب‌ آخر يصلّي‌ ويقرأ القرآن‌ ، و قيس‌ بن‌ عاصم‌  من‌ جانب‌ آخر يصلّي‌ ويقرأ القرآن‌ .

 فخرجوا في‌ الليلة‌ الظلماء الدامسة‌ ورشقونا بنبالهم‌ ، وكان‌ ذلك‌ بلدهم‌ وهم‌ بطرقه‌ ومواصفه‌ عالمون‌ ، ونحن‌ منها جاهلون‌ ، فقُلنا فيما بيننا : ذهبنا وأُتينا ، هذا ليلٌ مُظلم‌ لايمكننا أن‌ نتّقي‌ النبال‌ لانـّنا كنّا لا نبصرها .

 فبينا نحن‌ كذلك‌ إذ رأينا ضوءاً خارجاً من‌ فيّ  قيس‌ بن‌ عاصم‌ المنقريّ كالنار المشتعلة‌، وضوءاً خارجاً من‌ فيّ  قتادة‌ بن‌ النعمان‌ كضوء الزهرة‌ والمشتري‌،   وضوءاً خارجاً من‌ فيّ  عبدالله‌ بن‌ رواحة‌ كشعاع‌ القمر في‌ الليلة‌ المظلمة‌ ، ونوراً ساطعاً من‌ فيّ  زيد بن‌ حارثة‌  أضوء من‌  الشمس‌ الطالعة‌، وإذا تلك‌ الانوار قد أضاءت‌ معسكرنا حتّي‌ أنـّه‌ أضوء من‌ نصف‌ النهار ، وأعداؤنا في‌ ظلمة‌ شديدة‌ ، فأبصرنا وعموا عنّا ، ففرّقنا زيد بن‌ حارثة‌ ـ الذي‌ كانت‌ له‌ القيادة‌ ـ علیهم‌ حتّي‌ أحطنا بهم‌ ونحن‌ نبصرهم‌ وهم‌ لايُبصروننا ، ونحن‌ بُصراء وهم‌ عميان‌ ، فوضعنا علیهم‌ السيوف‌ فصاروا بين‌ قتيلٍ وجريح‌ وأسير ، دخلنا بلدهم‌ فاشتملنا علی‌ الذراري‌ والعيال‌ والاثاث‌ والاموال‌ ، وهذه‌ عيالاتهم‌ وذراريهم‌ ، وهذه‌ أموالهم‌ ،  وَمَا رَأَيْنَا يَا رَسُولَ اللَهِ أَعْجَبَ مِنْ تِلْكَ الاْنْوَارِ مِنْ أَفْوَاهِ هَؤلاَءِ القَوْمِ الَّتِي‌ عَادَتْ ظُلْمَةً عَلَی‌ أَعْدَائِنَا حَتَّي‌ مَكَنَّا مِنُْمْ ! ...  الحديث‌ . [173]

 وبالطبع‌ فإنّ المراد من‌ نور القرآن‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ :  وَيُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ ،  ليس‌ هو النور الظاهريّ المرئيّ الذي‌ يسطع‌ من‌ شخص‌ القاري‌ للقرآن‌ ، بل‌ إن‌ المراد منه‌ هو النور المعنويّ البسيط‌ والمجرّد ، الذي‌ يُميت‌ بطلوعه‌ جميع‌ الصفات‌ الرذيلة‌ ، ويحرق‌ جراثيم‌ الفساد في‌ زوايا القلب‌ المظلمة‌ ويقضي‌ علیها ، لكنّا أوردنا هذه‌ الامثلة‌ العديدة‌ ليُعلم‌ أنّ إشعاع‌ النور الظاهريّ هذا كان‌ من‌ آثار القرآن‌ أيضاً  والحمد   للّه‌ .

 وهذا هو الشي‌ء والاثر الثاني‌ الذي‌ يمنحه‌ القرآن‌ للمتّبعين‌ سبيل‌ رضا الحقّ ، والساكين‌ طريق‌ رضا المحبوب‌ المطلق‌ .

 أمّا الاثر الثالث‌ والنتيجة‌ المترتّبة‌ علی‌ القرآن‌ فهي‌ الهداية‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ :  وَيَهْدِيهِمْ إلَی‌' صِرَ   طٍ مُّسْتَقِيمٍ  ؛ وعلینا أن‌ نعلم‌ هنا أيّ طريقٍ هو المقصود بالصراط‌ المستقيم‌  ؟  وما هو الفرق‌ بينه‌ وبين‌ سُبل‌ السلام‌ التي‌ يهدي‌ القرآن‌ الكريم‌ إلیها البشر ، كما في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌  ؟  وعموماً ، فما معني‌ أن‌ يجعل‌ القرآن‌ هدايته‌ مرّةً ـ وبشكلٍ صريح‌ ـ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ ، ومرّة‌ أُخري‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌  ؟  إذ إنّ الآية‌ الشريفة‌ جاءت‌ بواوٍ عاطفة‌ وتكرار الجملة‌ الفعلیّة‌ ، فدلّت‌ علی‌ مغايرة‌ المعطوف‌ للمعطوف‌ علیه‌ :  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانُهُ   سُبُلَ السَّلَـ'مِ ... وَيَهدِيهِمْ إلَی‌' صِرَ   طٍ مُسْتَقِيمٍ .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[147]  ـ الآيتان‌  85  و  86، من‌ السورة‌  4: النساء .

[148]  ـ الآية‌  94، من‌ السورة‌  4: النساء .

[149]  ـ الآية‌  6، من‌ السورة‌  9: التوبة‌ .

[150]  ـ الآية‌  108، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[151]  ـ الآية‌  125، من‌ السورة‌  16: النحل‌ .

[152]  ـ الآية‌  35، من‌ السورة‌  4: النساء .

[153]  ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌  228  ومطلع‌ الآية‌  229، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[154]  ـ الآيتان‌  9   و  10 ، من‌ السورة‌  49: الحجرات‌ .

[155]  ـ الآيتان‌  11  و  12، من‌ السورة‌  49: الحجرات‌ .

[156]  ـ الآية‌  26، من‌ السورة‌  3: آل‌ عمران‌ .

[157]  ـ الآية‌  111، من‌ السورة‌  17: الإسراء .

[158]  ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌  28، من‌ السورة‌  13: الرعد ، وكان‌ النصف‌ الاوّل‌ :  الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَنءِنُّ قُلُوبُهُم‌ بِذِكْرِ اللَهِ .

[159]  ـ مقطع‌ من‌ الآية‌  35، من‌ السورة‌  24: النور .

[160]  ـ «إحياء العلوم‌» ج‌  3، ص‌  219.  إيّاكم‌ والظلم‌ فإنّ الظلم‌ ظلماتُ يوم‌ القيامة‌ .

[161]  ـ الآية‌  257، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[162]  ـ الآية‌  39، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[163]  ـ الآية‌  122، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[164]  ـ الآية‌  43، من‌ السورة‌  57: الاحزاب‌ .

[165]  ـ الآية‌  9، من‌ السورة‌  57: الحديد .

[166]  ـ مقطع‌ من‌ الآية‌  10  ومقطع‌ من‌ الآية‌  11، من‌ السورة‌  65: الطلاق‌ .

[167]  ـ الآيتان‌  80  و  81، من‌ السورة‌  27: النمل‌ ، والآيتان‌  52  و  53، من‌ السورة‌  30: الروم‌ ، غاية‌ الامر أنّ الآية‌ في‌   الموضع‌ الثاني‌ بدأت‌ بحرف‌ فاء :  فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَي‌ .

[168]  ـ الآية‌  13، من‌ السورة‌  60: الممتحنة‌ .

[169]  ـ الآية‌  46، من‌ السورة‌  22: الحجّ .

[170]  ـ ذكر الملاّ الروميّ في‌ «المثنويّ» ج‌  3، ص‌  241  طبعة‌ ميرزا محموديّ ، قصّة‌ أعمي‌ يقرأ القرآن‌ :

 ديد در بغداد يك‌ شيخ‌ فقير                        صحفي‌ در خانة‌ پيري‌ ضرير

 پيش‌ او مهمان‌ شد او وقت‌ تموز                                هر دو زاهد جمع‌ گشته‌ چند روز

 گفت‌ اينجا أي‌ عجب‌ مصحف‌ چراست‌                         چونكه‌ نابينات‌ اين‌ درويش‌ راست‌

 اندر اين‌ انديشه‌ تشويشش‌ فزود                               كه‌ جز او را نيست‌ اينجا باد و بود

 اوست‌ تنها مصحفي‌ آويخته‌                       من‌ نيم‌ گستاخ‌ يا آميخته‌

 تا بپرسم‌ ، ني‌ خمش‌ صبري‌ كنم‌                              تا به‌ صبري‌ بر مرادي‌ بر زنم‌

 صبر كرد صبر و بود چندي‌ در حَرَج‌                               كشف‌ شد كالصبر مفتاح‌ الفرج‌

یقول: رأي‌ شيخ‌ فقير في‌ بغداد مصحفاً في‌ بيت‌ عجوزٍ أعمي‌ .

 مخلّ عليه‌ ضيفاً في‌ شهر تموز ، واجتمع‌ الزاهدان‌ معاً أيّاماً معدودات‌ .

 قال‌ الضيف‌ في‌ نفسه‌ : أري‌ عجباً ! أري‌ مصحفاً ، وهذا الدرويش‌ أعمي‌ !!

 وزاد من‌ حيرته‌ واضطرابه‌ علمه‌ أن‌ لا أحد في‌ البيت‌ غير هذا الاعمي‌ .

 وفكّر في‌ نفسه‌ : أنـّه‌ وحيد ، لكنّه‌ يعلّق‌ مصحفاً ، لكنّي‌ لست‌ بهذه‌ الدرجة‌ من‌ الوقاحة‌ ولا من‌ المعرفة‌ به‌ .

 كي‌ أسأله‌ عن‌ ذلك‌ ؟ فلاصمت‌ وأصبر حتّي‌ أنال‌ بالصبر مُرادي‌ .

 ولقد صبر وصبر في‌ مشقّة‌ وحرج‌ ، حتّي‌ انكشف‌ له‌ الامر عياناً ، ولقد قيل‌ : الصبر مفتاح‌ الفرج‌» .

 حتّي‌ يصل‌ إلی‌ القول‌ :

 مرد مهمان‌ صبر كرد و ناگهان‌                     كشف‌ گشتش‌ حال‌ مشكل‌ در زمان‌

 نيم‌ شب‌ آواز قرآن‌ را شنيد                        جَست‌ از خواب‌ آن‌ عجائب‌ را بديد

 كه‌ ز مصحف‌ كور ميخواند درست‌                                گشت‌ بي‌صبر و ز كور آن‌ حال‌ جست‌

 گفت‌ چون‌ در چشمهايت‌ نيست‌ نور                            چون‌ همي‌ بيني‌ همي‌ خواني‌ سطور

 گفت‌ : ايگشته‌ ز جهل‌ تن‌ جدا                    اين‌ عجب‌ ميداري‌ از صنع‌ خدا؟

 من‌ زحقّ درخواستم‌ كاي‌ مستعان‌                             بر قرآئت‌ من‌ حريصم‌ ، همچو جان‌

 نيستم‌ حافظ‌ مرا نوري‌ بده‌                                        در دو ديده‌ وقت‌ خواندن‌ بيكره‌

 باز ديده‌ دو ديده‌ام‌ را آن‌ زمان‌                                     كه‌ بگيرم‌ مصحف‌ و خوانم‌ عيان‌

 آمد از حضرت‌ ندا كاي‌ مردكار                                     اي‌ بهر رنجي‌ بما اميدوار

 حسن‌ ظنّ است‌ و اميدي‌ خوش‌ ترا                                            تا فور خواني‌ معظم‌ جوهرا

 همچنان‌ كرد و همان‌ گاهي‌ كه‌ من‌                                             واگشايم‌ مصحف‌ اندر خواندن‌

 آن‌ خبيري‌ كه‌ نشد غافل‌ زكار                                     آن‌ گرامي‌ پادشاه‌ روزگار

 باز بخشد بينشم‌ آن‌ شاه‌ فرد                    در زمان‌ همچون‌ چراغ‌ شب‌ نورد

 زين‌ سبب‌ نبودولي‌ را اعتراض‌                     هر چه‌ بستاند فرستد اعتياض‌

 گر بسوزد باغ‌ انگوري‌ دهد                         در ميان‌ ماتمت‌ سوري‌ دهد

 آن‌ شل‌ بي‌دست‌ را دستي‌ دهد                                كان‌ غمها را دل‌ مستي‌ دهد

یقول: «صبر الضيف‌ مدّة‌ ، وفجأة‌ انكشف‌ له‌ ما استعصي‌ عليه‌ هذه‌ المدّة‌ .

 فقد طرق‌ سمعه‌ منتصف‌ الليل‌ صوت‌ تلاوة‌ للقرآن‌ ، فنهض‌ ليري‌ تلك‌ العجائب‌ .

 وشاهد الاعمي‌ يقرأ في‌ المصحف‌ قراءة‌ صحيحد . فلم‌ يطق‌ إذ ذاك‌ صبراً وسأله‌ عن‌ الامر .

 وقال‌ له‌ : كيف‌ تُبصر وكيف‌ تقرأ السطور وأنت‌ أعمي‌ لا نور في‌ بصرك‌ ؟!

 فأجابه‌ : يا من‌ ابتعدت‌ عن‌ الجهل‌ بالجسم‌ ـ كناية‌ عن‌ حصوله‌ علي‌ التجرّد ـ أتحسب‌ صُنع‌ الله‌ هذا عجباً ؟

 لقد سألت‌ ربّي‌ : أيـّها المسُتعان‌ ، أنا حريص‌ علي‌ التلاوة‌ حرصي‌ علي‌ روحي‌ .

 ولستُ بحافظٍ للقرآن‌ ، فهب‌ لي‌ نوراً في‌ عيني‌ عند التلاوة‌ .

 وافتح‌ لي‌ عن‌ بصري‌ حين‌ أمسك‌ القرآن‌ ليمكنني‌ تلاوته‌ عياناً ومباشرةً .

 فجاء من‌ الربّ النداء : أيـّها المُجدّ الذي‌ يؤمّلنا في‌ جميع‌ المحن‌ !

 إنّ حسن‌ ظنّك‌ ورجاءك‌ الجميل‌ يدعوانك‌ كلّ آن‌ إلی‌ مرتبةٍ أعلي‌ وأسمي‌ .

 ولقد استجاب‌ لي‌ في‌ ذلك‌ ربّي‌ ، فكلّما فتحتُ المصحف‌ لاتلو ما فيه‌ .

 فإنّ ذلك‌ الخبير الذي‌ لايغفل‌ ، ذلك‌ المَلِك‌ العزيز .

 وذلك‌ الحاكم‌ الفرد يعيد بصيري‌ إلیّ فيضي‌ء النور فيه‌ كالشعاع‌ في‌ الليل‌ الحالك‌ .

 ولهذا فلا اعتراض‌ علي‌ الحبيب‌ الذي‌ كلمّا أخذ شيئاً أعطي‌ عوضاً منه‌ .

 ذلك‌ الذي‌ لو أحرق‌ البستان‌ لاعطاك‌ كرم‌ عنب‌ ، والذي‌ يهبك‌ في‌ مأتمك‌ حفلاً بهيجاً .

 والذي‌ أعطي‌ يداً لذلك‌ الاشلّ الذي‌ لا يد له‌ ، ولذلك‌ الغارق‌ في‌ الغمّ قلباً نشواناً» .

 وذكر قبلها بأربع‌ صفحات‌ ، أي‌ في‌ صفحة‌  237، قصّة‌ الشيخ‌ الاقطع‌ الذي‌ يروك‌ الزنابيل‌ :

 شيخ‌ أقطع‌ گشت‌ نامش‌ پيش‌ خلق‌                                           كرد معروفش‌ بدين‌ آفات‌ حلق‌

 در عريش‌ او را يكي‌ زائر بيافت‌                                   كو بهر دو دست‌ خود زنبيل‌ بافت‌

 گفت‌ او را اي‌ عدوّ جان‌ خويش‌                                   در عريشم‌ آمدي‌ سركرده‌ پيش‌

 همين‌ چرا كردي‌ شتاب‌ اندر سباق                                            ‌ گفت‌ از افراط‌ مهر واشتياق‌

 پس‌ تبسّم‌ كرد و گفت‌ اكنون‌ بيا                                 ليك‌ مخفي‌ دار اين‌ را اي‌ كيا

 تا نميرم‌ من‌ مگو اين‌ با كسي‌                    ني‌ قريني‌ ني‌ حبيبي‌ ني‌ خَسي‌

 بعد از آن‌ قوم‌ دگر از روزنش‌                                       مطلّع‌ گشتند بر بافيدنش‌

 گفت‌ حكمت‌ را تو داني‌ كردگار                                    من‌ كنم‌ پنهان‌ تو كردي‌ آشكار

 آمد إلهامش‌ كه‌ يك‌ چندي‌ بدند                                   كه‌ در اين‌ غم‌ بر تو منكر مي‌شدند

 كه‌ مگر سالوس‌ بود او در طريق‌                  كه‌ خدا رسواش‌ كرد اندر فريق‌

 من‌ نخواهم‌ كان‌ رمه‌ كافر شوند                                 و از ضلالت‌ بر گمان‌ بد روند

 اين‌ كرامت‌ را بكرديم‌ آشكار                                       كه‌ دهيمت‌ دست‌ اندر وقت‌ كار

 تا كه‌ اين‌ بيچارگان‌ بد گمان‌                                         رو نگردند از جناب‌ آسمان‌

یقول : عُرف‌ هذا الشيخ‌ الزاهد في‌ هذه‌ القضيّة‌ بالشيخ‌ الاقطع‌ .

 ولقد دخل‌ عليه‌ في‌ عريشه‌ فجأةً رجل‌ لزيارته‌ ، فرآة‌ مشغولاً بحياكة‌ زنبيل‌ بيديه‌ الاثنتين‌ .

 قال‌ له‌ الشيخ‌ : يا عدوّ نفسه‌ ! لِمَ دخلتَ عريشي‌ فجأة‌ ؟!

 ولِمَ عجلتَ فدخلتَ بلا استئذان‌ ؟! أجاب‌ : من‌ فرط‌ الشوق‌ والمحبّة‌ .

 فتبسّم‌ الشيخ‌ وقال‌ : هوِّن‌ عليك‌ ، فتعالَ واكتم‌ هذا .

 اكتمه‌ فلا تبح‌ به‌ لاحد مادمتُ حيّاً ، حتّي‌ لاصدقائك‌ ورفقائك‌ .

 وحصل‌ أن‌ اطّلع‌ بعد ذلك‌ علي‌ أمر حياكته‌ أشخاص‌ آخرون‌ من‌ كوّة‌ العريش‌ .

 فدعا ربه‌ : إلهي‌ ! تعلمُ الحكمة‌ في‌ الاُمور ، فكلمّا تكتّمتُ علي‌ هذا الامر أظهرتَه‌ أنت‌ .

 فأُلهم‌ إلیه‌ : أنّ هناك‌ عدّة‌ أساءوا بك‌ الظنّ وأنكروا زهدك‌ ونزاهتك‌ .

 فقالوا : لو لم‌ يكن‌ منافقاً ومُرائياً لما فضحه‌ الله‌ وخذله‌ .

 ولم‌ أشأ أن‌ يكفر هؤلاء البائسون‌ ، وأن‌ يسدروا في‌ غيّهم‌ وظنّهم‌ السيّي‌ .

 فأظهرت‌ هذه‌ الكرامة‌ في‌ إعطائنا لك‌ يداً حين‌ تعمل‌ .

 وذلك‌ لئلاّ يُعرض‌ هؤلاء الشاكّون‌ البائسون‌ بوجوههم‌ عن‌ السماء» .

[171]  ـ جزء من‌ الآية‌  282، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[172]  ـ الآية‌  52، من‌ السورة‌  42: الشوري‌ .

[173]  ـ «تفسير الإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «تفسير عليّ بن‌ إبراهيم‌» في‌ قطع‌ رحليّ ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، ص‌  249  و  250، وقد ترجم‌ المرحوم‌ المحدّث‌ النوريّ هذا الخبر بأكمله‌ وأدرجه‌ في‌ آخر كتابه‌ «الكلمة‌ الطيّبة‌» .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com