|
|
أعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيم بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم وَ صَلَّي اللَهُ عَلَي سَيِّدنا مُحَمَّدٍ وَ ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ وَ لَعْنَةُ اللَهِ عَلَي أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الاَنِ إلَي قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ وَ لاَ حَوولَ وَ لاَ قُوَّةَ إلاّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم
قال اللهُ الحَكِيمُ في كِتابِهِ الكَريم: وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـ'بَ تِبْيَـ'نًا لِّكُلِّ شَيءٍ وَ هُدًي وَ رَحْمَةً وَ بُشْرَي لِلْمُسْلِمِينَ. [1] و قد كان النصف الاوّل لهذه الآية: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّن أَنفُسِهِمْ وَ جِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَي' هَـ'´ؤلآءِ. كيف يُظهر القرآن كلّ خفيّ و يحلّ كلّ مُعضيستفاد من ذيل هذه الآية المباركة أنّ القرآن الكريم هو الموضّح و المبيّن لكلّ شيء، و يمثّل بشكل مطلق الهداية و الرحمة و البشري للمسلمين الحقيقيّين الذين اتّخذوا الاءسلام ديناً و نظاماً، و صدّقوا بنبوّة الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم أكرم الانبياء من الاوّلين و الآخرين و الشاهد عليهم أجمعين، و آمنوا بهذا الكتاب السماويّ: القرآن. و قد وردت أحاديث بهذا الشأن عن الائمّة الطاهرين سلام الله عليهم في تفصيل هذه المسألة؛ فيروي محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن مرازم، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: إنَّ اللَهَ تَعَالَي أَنْزَلَ فِي القُرْءآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّي وَاللَهِ مَا تَرَكَ اللَهُ شَيئاً يَحْتَاجُ إلَيْهِ العِبادُ، حَتَّي لاَ يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا أُنزِلَ فِي القُرْآنِ، إلاَّ وَ قَدْ أَنْزَلَهُ اللَهُ فِيهِ. [2] و يروي الكلينيّ أيضاً، بإسناده عن عمرو بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّ اللَهَ تَعَالَي لَمْ يَدَعْ شَيئاً يَحْتَاجُ إلَيْهِ الاُمَّةُ أَنزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، وَ بَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ حَدًّا، وَ جَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَ جَعَلَ عَلَي مَنْ تَعَدَّي ذَلِكَ الحَدَّ حَدَّاً. [3] و يروي الكلينيّ كذلك بإسناده عن مُعَلَّي بن خُنَيْس، قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ إلاَّ وَ لَهُ أصْلٌ فِي كِتَابِ اللَهِ؛ وَ لَكِنْ لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ. [4] و قد نقل المرحوم الجامع لجميع العلوم النقليّة و العقليّة المولي محسن الفيض الكاشانيّ رضوان الله عليه في المقدّمة السابعة من تفسيره الشريف المسمّي ب «الصافي» عن بعض أهل المعرفة كلاماً دقيقاً و لطيفاً و واقعيّاً جدّاً و بأنّ القرآن تبيان لكلّ شيء، نورد خلاصته هنا: إنّ العلم بالاشياء يمكن أن يحصل للناس عن طريقين: الاوّل: عن طريق الإدراكات الحسّيّة، أي الحواسّ الموجودة في الإنسان، كسماع خبر و شهادة شاهد و رؤية شيء أو اجتهاد و تجربة أو نحو ذلك. و هذا العلم جزئيّ و محدود لمحدوديّة و جزئيّة معلومه؛ و لانّ معلومه جزئيّ، و محدود و متغيّر فهذا العالم أيضاً سيفتقر إلي الثبات، و سيكون متغيّراً يطرأ عليه الفساد و الفناء، لانّ هذا العلم إنّما يتعلّق بالشيء في زمان وجوده، معلوم أنّه قبل وجوده كان علماً آخر، و بعد فناءه و زواله سيتبيّن علم ثالث، لذا فإنّ مثل هذه العلوم التي تشكّل غالب العلوم البشريّة فاسدة و متغيّرة و محدودة. الثاني: عن طريق العلم بأسباب و علل و غايات الاشياء، و هذا لا يتأتّي بالإدراكات الحسّيّة، بل هو علم كلّيّ بسيط و عقليّ، لانّ أسبابه كلّيّة، و الغايات العامّة للاشياء غير محدودة و لا محصورة، و ذلك لانّ لكلّ سببٍ سبب آخر، و لذلك المسبّب سبب آخر، إلي أن ينتهي إلي مبدأ المبادي و مسبّب الاسباب، و هذا العلم يمكن أن يناله الشخص الحائز لعلوم أُصول التسبيبات و مبدأ الاسباب، و هو علي كلّيّ لا يتغيّر أو يزول، و يختصّ بالافراد الذين نالوا العلم بالذات القدسيّة لواجب الوجوب و صفاته الكماليّة و و حجبه الجلاليّة و كيفيّة عمل و مأموريّة الملائكة المقرّبين المدبّرين للعالم و المسخّرين بالإرادة الإلهيّة لاغراض العالم الكلّيّة، و عرفوا كيفيّة التقدير و نزول الصور في عالم المعني و فضاء التجرّد و الإحاطة و البساطة الملكوتيّة. و علي هذا فسيتّضح لهم سلسلة و العلل و المعلولات، و الاسباب و المسبّبات، و كيفيّة نزول أمر الله في الحجب و شبكات عالم التقدير، و علائق موجودات هذا العالم مع بعضها. فعلمهم محيط بالاُمور الجزئيّة و بأحوال هذه الاُمور و الآثار و اللواحق المترتّبة عليها، و هو علم ثابت و دائميّ خالٍ من التغيير و التبديل، فيصلون من الكلّيّات للجزئيّات و من العلل للمعلومات، و من ملكوت الاشياء للجوانب المُلكيّة، و يعلمون من البسائط المركّبات. و هم يطّلعون علي الإنسان و حالاته، و علي مُلكه و مَلَكوته، أي علي طبيعته و نفسه و روحه، و ما يُكملها و يُصعدها إلي عالم القدس و الحرم الإلهيّ و مقام الطهارة المطلقة، كما أنّ لديهم العلم الكليّ بما يدنسها و يلوّثها و يُرديها، و ما يسبّب شقاءها و يهوي بها إلي أظلَم العوالم، أي إلي سطح البهيميّة. فيعلم جميع الاُمور الجزئيّة من مرآة تلك النفس الكلّيّة، و ينظر لجميع الموجودات المحدودة المتغيّرة من جانب الثبات و الكلّيّة، و يشاهد من عالم الثبات تدريج الزمان و تغيير الموجودات الزمانيّة المتغيّرة. و هذا كعلم الله سبحانه و علم الانبياء العظام و الاوصياء الكرام و الاولياء ذوي المجد و الملائكة المقرّبين بجميع الموجودات الماضية و المستقبلة و الكائنة، و هو علم حتميّ ضروريّ فعليّ لا يتجدّد بتجدّد الحوادث و لا يتكثّر بتكثّرها، بل هو علم بسيط و مجرّد و كلّيّ و محيط، يرفل دوماً في خلعة النور و التجرّد و الوحدة فيزين بها قامة الكلّيّة. فمن حاز هذا العلم أدرك جيّداً معني قول الله تبارك و تعالي في القرآن الكريم: وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـ'بَ تِبْيَـ'نًا لِّكُلِّ شَيْءٍ: و هنا يفهم المرء جيّداً أنّ علوم القرآن كلّيّة لا تتغيّر و لا تزول بتغيّر الزمان و المكان و تجدّد الحوادث. و لا تزول أبداً، و لا تتبدّل بنشوء المسالك و الغايات و بظهور المدنيّات المختلفة أبداً، فيصدّق تصديقاً حقيقيّاً وجدانيّاً أنّه ما من أمرٍ من الاُمور إلاّ و قد نُظر إليه في القرآن الكريم من جانب الكلّيّة و الثبات و بُيِّن ذلك تحت حكم و قانون عامّ. فإن كان ذلك الامر غير مذكور بعينه في القرآن الكريم، فمن المسلّم أنّ مقوّماته و أسبابه و مباديه و غاياته قد ذُكرت فيه. و هذه الدرجة من فهم القرآن و عجائبه و أسراره و دقائقه و أحكامه المترتّبة علي الحوادث لا ينالها إلاّ أفراد خاصّين تجاوز علمهم المحسوسات و وصلوا إلي العلوم الكلّيّة الحتّمية و الابديّة. و في رواية مُعَلَّي بن خُنَيْس التي ذُكرت أخيراً ورد: مَا مِن أمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ، إلاّ وَ لَهُ أصْلٌ فِي كِتَابِ اللَهِ وَلَكِنْ لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ. و هذه الحقيقة مشهودة بشكل واضح و بيّن، فأوّلاً أن أصل و كلّيّة كلّ أمر موجود و مذكور في القرآن؛ و ثانياً أنّ علّة عدم بلوغ عقول الرجال هي عدم الوصول لذلك العلم الكلّيّ. أمّا الاولياء الخاصّون و المقرّبون للحضرة القدسيّة فلهم العلم بهذه الحقيقة. [5] ـ انتهي حاصل كلام هذا العالم الجليل مع ما أضفناه من إيضاح. و علي هذا الاساس، فلو أراد جميع أفراد البشر، و جميع أفراد الجنّ، بل جميع الممكنات ذات الشعور الحسّيّ أن يأتوا بكتاب كالقرآن لما استطاعوا. قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتر الإنسُ وَ الْجِنُّ عَلَي أَن يَأتُوا بِمِثْلِ هَـ'ذَا الْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. [6] و يتّضح ممّا بيّنا أخيراً سرّ هذا المعني بوضوح تامّ و سبب عجز الجنّ و الإنس عن الإتيان بمثيل للقرآن، و إن اجتمعوا و تظاهروا و تعاضدوا علي ذلك؛ تحدّي القرآن للبشر أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة كسورةفالسبب هو أنّ علم القرآن كلّيّ؛ و جميع الجنّ و الإنس لم يدخلوا مدرسة الكلّيّة و لم يطووا مرحلتها، فهم لذلك عاجزون عن درك المعاني الكلّيّة، و لا سبيل لهم إلي فهمها و إدراكها. فهم ليسوا عاجزين فقط عن الإيتان بقرآن كامل، بل حتّي عن الإتيان بعشر سور كسوره: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَنهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيـ'تٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّـِن دُونِ اللَهِ إِن كُنتُم صَـ'دِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُو´ا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَهِ وَ أَن لآ إلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ. [7] فأنتم لا تعجزون فقط عن الإيتان بعشر سور، بل عن الإيتان بسورة واحدة كسور القرآن! وَ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَي' عَبْدِنَا فَأْتُوا بُِسُورَةٍ مّـِن مِّثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَهِ إِن كُنتُمْ صَـ'دِقِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَ لَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـ'فِرِينَ. [8] و كذا الامر في سورة يونس؛ فبعد أن تحدّي في مقام التعجيز جميع أفراد البشر ليأتوا بسورة مثله، يصرّح: أن ادعوا مِن دون الله مَن شئتم و استعينوه علي هذا الامر، لكنّكم لن تستطيعوا أبداً. ثمّ يبيّن أنّ علّة تكذيب الكفّار و المتمرّدين بعدم إحاطتهم بحقائق القرآن و عدم إدراكهم و فهمهم لسرّ أمره. لا يطّلع علي حقائق القرآن و تأويله إلاّت أولياء اللهو السرّ في ذلك هو أنّ كلام الله لا يمكن فهمه إلاّ للّه، و لا يمكن إدراكه بأيّ وجه من الوجوه إلاّ الاولياء المقرّبين الذين فنوا في ذاته القدسيّة؛ و تقصر أفكار علماء العالم و مفكّريه ـ مهما حلّقت بنات أفكارهم ـ عن الرقيّ إلي ذوقه المتسامية، لانّهم لم يتخطّوا بعدُ حاجز العلوم التجريبيّة و لا يزالون أسري سجن الحسّ و الطبيعة، فهم لا يطالون سموّه. أولياء الله و مقرّبو الحريم الإلهيّ هم وحدهم الذين يطلّعون علي حقائق القرآن و تأويله، لاتّصال وجودهم بوجود الحقّ تعالي و فنغاء علومهم في علم ذاته الاحديّة. وَ مَا كَانَ هَـ'ذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَي مِن دُونِ اللَهِ وَ لَـ'كِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ الْكِتَـ'تبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَي'هُ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ اللَهِ إِن كُنتُمْ صَـ'دِقِينَ. بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ و كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـ'قِبَةُ الظـ'لِمِينَ. [9]
فسيَفْهم هؤلاء المتمرّدون و المكذّبون أنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ عندما يأتيهم تأويله، أي حين يعبرون علوم الحسّ و يدركون الكلّيّات. [10]
فهم لم يعدّوا أنفسهم لتلّقي هذا المعني في هذه الدنيا، و لهذا فبعد ارتحالهم من الدنيا و نسيانهم العلوما لمادّيّة سيفهمون أنّ آيات القرآن كانت كلّها حقّاً، و كانت كلّيّة غير جزئيّة، لكن فهمهم لن يضير هم في تلك الحال و لن ينفعهم شيئاً. فليس هذا الكلام من عند رسول الله قد أعدّه و نطق به عن هوي نفسٍ، بل هو الوحي السماويّ قد أوحاه إليه الرسول الإلهيّ: جبرائيل ذو القوي الشديدة و الشوكة. وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي'´ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي' * عَلَّمَهُ و شَدِيدُ الْقُوَي'. [11] فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَ مَا لاَ تُبصِرُونَ * إِنَّهُ و لَقُولُ رَسُولِ كَرِيمٍ * وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَ لاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَـ'لَمِينَ * وَ لَوْ تَقَوَّلَ بَعْضَ الاْقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينَ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّن أَحَدٍ عَنْهُ حَـ'جِزِينَ * وَ إِنَّهُ و لَتَذْكِرَةً لّلْمُتَّقِينَ * وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَ إِنَّهُ و لَحَسْرَةٌ عَلَي الْكَـ'فِرِينَ * وَ إِنَّهُ و لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ. [12] الآيات الدالّة علي أنّ القرآن من قِبَل الله تعاليو من بين الآيات الدالّة علي نزول القرآن من جانب الله تعالي الآيات التي يشدّد فيها علي نبيّه فيؤاخذه و يستنطقه، ممّا لا يترك شبهة لدي قارية الآيات أنّ النبيّ عبدٌ و موليً للّه مطيع له مسلّم لامره و نهيه، فالله سبحانه يرسل من مقامه الآيات، و علي هذا المأمور أن ينفّذ ما أُمر به، فإن بدرت منه مخالفة أو عصيان ـ مهما صغر ـ فسيُحكم بالعذاب المتحتمّ الاليم و النقمة الشديدة، كما في الآيات التي ذُكرت أخيراً: وَ لَوو تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ، إلي آخر الآيات. و كالآية المباركة: وَ إِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي´ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ و وَ إِذًا لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَ لَوْ لآ أَن تَبَّتْنَـ'كَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيوهِم شَيئًا قَلِيلاً. إِذًا لاَذْقْنَـ'كَ ضِعْفَ الْحَيَـ'وةِ وَ ضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا. [13] و قد أورد العلاّمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في التفسير كلاماً في أنّ المراد من الَّذِي´ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هو القرآن، بما يشتمل عليه من التوحيد و نفي الشريك و السيرة الصالحة، و هذا يؤيّد ما ورد في بعض أسباب النزول أنّ المشركين سألوا النبيّ! صلّي الله عليه و آله و سلّم أن يكفّ عن ذكر آلهتهم بسوء و يبعد عن نفسه عبيد هم المؤمنين به و السقاط حتّي يجالسوه و يسمعوا منه، فنزلت الآيات. و المعني: أنّ المشركين اقتربوا أن يزلّوك و يصرفوك عمّا أوحينا إليك لتتّخذ من السيرة و العمل ما يخالفه، فيكون في ذلك افتراء علينا لانتسابه بعملك إلينا، و إذاً لاتّخذوك صديقاً. و المراد من التَّثْبِيت كما يفيده السياق هو العصمة الإلهيّة، و المعني: و لو لا أن ثبّتناك بعصمتنا دنوتَ من أن تميل إليهم قليلاً، لكنّا ثبّتناك فلم تدن من أدني الميل إليهم فضلاً من أن تجيبهم إلي ما سألوا، فهو صلّي الله عليه و آله و سلّم لم يجبهم إلي ما سألوا و لا مال إليهم شيئاً قليلاً و لا كاد أن يميل. [14]
و كالاية المباركة: وَ لَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي´ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً. [15] و آية: فَلِذَ'لِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَ قُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ مِن كِتَـ'بٍ وَ أُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَهُ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَـ'لُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَـ'لُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ اللَهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. [16] خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام في شموليّة القرآنو لاميرالمؤمنين عليه السلام خطبة في «نهج البلاغة» حول عظمة القرآن و خلوده، أوردناها في بداية هذا الكتاب، لذا نجد الآن وجوب الإرجاع لها. [17] و أوردوا له في «نهج البلاغةش أيضاً: ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِقَاءَهُ. وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِندَهُ، وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا؛ وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَي. فَقَبَضَهُ اللَهُ إلَيْهِ كَرِيماً صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؛ وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الانْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ؛ وَ لاَ عِلْمٍ قَائِمٍ: كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ؛ مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَ حَرَامَهُ؛ وَ فَرَائِضَهُ وَ فَضَائِلَهُ؛ وَ نَاسِخِّهُ وَ مَنْسُوخَهُ؛ وَ رُخَصَهُ وَ عَزَائِمَهُ؛ وَ خَاصَّهُ وَ عَامَّهُ؛ وَ عِبَرَهُ وَ أَمْثَالَهُ؛ وَ مُرْسَلَهُ وَ مَحْدُودَهُ؛ وَ مُحْكَمَهُ وَ مُتَشَابِهَهُ؛ مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ وَ مُبِيِّناً غَوَامِضَهُ. بَيْنَ مَأخُوذِ مِيثَاقٍ فِي عِلْمِهِ؛ وَ مُوَسَّعٍ عَلَي العِبَادِ فِي جَهْلِهِ. وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الكِتَابِ فَرْضُهُ؛ وَ مَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ؛ وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ؛ وَ مُرَخَّصٍ فِي الكِتَابِ تَرْكُهُ. وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ؛ وَ زَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ؛ وَ مُبَايَنٍ [18] بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبِيرٍ أوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ؛ أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ. وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ. [19] انقسام القرآن إلي حلال و حرام، و فرائض و فضائل، و ناسخ و منسوخ و غيرهاو قد عدّد أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة، أقسام و أنواع آيات القرآن من جهات مختلفة: حلال القرآن: كتناول الطيّبات و الاطعمة الزكيّة، و نكاح أربع نساء بالعقد الدائم: وَ يُحِلُّ لُهُمُ الطَّيِّبَـ'تِ. [20] وَ إِن خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَمَـ'ني فَأنْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَ ثُلَـ'ثَ وَ رُبَـ'عَ فِإِن خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُكُمْ. [21]
حرام القرآن: كتناول الخبائث و الاشياء الضارّة، و كالزنا: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـ'ئِثَ. [22] الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنهُمَا مِأئَةَ جَلْدَةٍ وَ لاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةً فِي دِينِ اللَهِ إِن كُنتُم تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَ الْيَوْمِ الاْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ. [23] فرائضالقرآن:كالصلاة،والزكاة:وأقِيمُواالصَّلوةَوَءَاتُواالزَّكَوةَوَارْكَعُوامَعَ الرَّاكِعِينَ[24] فضایل القرآن: أي المستحبّات و النوافل الزائدة عن الفرائض، و الموجبة إعلاء درجة المؤمن، كصلوات النوافل، و صلاة الليل، وَ مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَي' أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا. [25] ناسخ القرآن: أي الآية التي نسخت و ألغت حكم ما قبلها و حلّت محلّها، كالحكم بقتل المشركين الوارد بعد الامر بالمداراة و الصبر و تحمل الاذي منهم و المسايرة معهم. [26] فَإِذَا انسَلَخَ الاْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُّمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعَدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَ أَقَامُوا الصَّلَوةَ وَ ءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [27]
منسوخ القرآن: أي الآيات التي انتهي مدّة حكمها، كحرمة بعض أنواع الطعام التي حرّمها الله علي اليهود جزاء لطغيانهم و ظلمهم: وَ عَلَي الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِم شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَـ'هُم بِبِغْيِهِمْ وَ إِنَّا لَصَـ'دِقُونَ. [28] رُخَص القرآن: أي الاشياء التي أُبيح ارتكابها، كتناول الدم، و الميتة، و ما أُهِلّ لغير الله به، و غيرها ممّا وردت حرمته في الآية الثالثة من سورة المائدة، ثمّ جاء في ذيل الآية أن: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. عَزَائم القرآن: و هي الاشياء التي يجب الإتيان بها حتماً، و لا رخصة في تركها، مثل: وَ لاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ و لَفِسْقٌ. [29] خَاصّ القرآن: الاحكام التي تخصّ إنساناً معيّناً، كرسول الله صلّي الله عليه وآله الذي ورد خطاب الله تعالي له بشأن تحريمه ما أحلّ الله له: يَـ'أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَهُ لَكَ تَبْغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَ اللَهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [30] عامّ القرآن: الاحكام التي لا تختصّ بشخص أو طائفة معيّنة: كوجوب اعتداد النساء و حرمة تزويجهنّ قبل انقضاء العدّة، مثل: يَـ'´أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقَول اللَهَ رَبَّكُمْ. [31] الامثال و العبر، و المحكم و المتشابه، و المفسّر و المبيّن في القرآنعِبَر القرآن: أي المطالب الواردة في القرآن الموجبة لِعبة قارئه، كلاحوادث الواقعة علي الاُمم السالفة و نزول العذاب لتمرّدهم و تعدّيهم الحقّ و سلوكهم طريق الظلم و العدوان، كقصّة أصحاب الفيل و غيرها. و العبرة من مادّة العبور، و هو الانتقال من مكان إلي مكان، و يقال للعبرة عبرة لانّ الناظر يعطف نظره عنها فيعود لنفسه و يعتبر و يتّعظ، كقصّة فرعون التي بيّنها الله سبحانه في سورة النازعات، و ذهاب النبي موسي علي نبيّنا و آله و عليه السلام بأمر الله إليه لهدايته، فأراه الآية الكبري، فكذّب و عصي، فجمع الناس و نادي: أَنَا رَبُّكُمُ الاْعْلَي، فأخذه الله بِيَدر قدرته و أنزل به عذاب و نقمة الدنيا و الآخرة: فَأَخَذَهُ اللَهُ نَكَالَ الاْخِرَةِ وَ الاْولَي * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّـِمَن يَخْشَي'. [32] أَمثال القرآن: و هي الامثال التي يضربها ليفهم الناس بالمثال الحقّ في الامر الممثَّل، مثل: ضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ وَ مَن رَّزَقْنَـ'هُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّاً وَ جَهْرًا هَلْ يَسْتَوُ و نَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَ ضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ وَ هُوَ كَلُّ عَلَي' مَوْلَـ'هُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٌ. [33] مُرْسَل القرآن: و هو المطلق بلا قيد، كتحرير العبد، مؤمناً كان أم كافراً: وَ الَّذِينَ يُظَـ'هِرُونَ [34] مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ. [35] محدود القرآن: و هو المُقَيِّد، أي الحكم الذي يرد مع القيد و الحدّ؛ و استعمال لفظة محدود بدل مقيّد غاية في الفصاحة؛ و مثله تحرير عبد مؤمن و عدم كفاية العبد الكافر: َ مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَـًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَي' أَهْلِهِ [36]. محكم القرآن: الآيات التي لها دلالة صريحة علي معناها، مثل الآية الشريفة: قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ. [37] متشابه القرآن: الآيات التي تحتاج دلالتها علي المعني الحقيقيّ إلي التأويل. كالآية الشريفة: وُجُوهٌ يَؤْمَئِذٍ نَّاظِرَةٌ * إِلَي' رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. [38] مجمل القرآن: الآيات المحتاجة إلي تفسير، كإقامة الصلاة، التي بيّن رسول الله كيفيّتها و قال: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي [39]؛ أمّا أصل التكليف في القرآن فمجمل، مل: أَقِيمُوا الصَّلَوةَ. مُبَيَّن القرآن: الآيات التي لا تحتاج إلي تفسير في فهم معناها، كآية: فَأعْلَمْ أَنَّهُ، لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ اللَهُ [40]. و الآية الشريفة: وَ لِيَعْلَمُو´ا أَنَّمَا هُوَ إِلَـ'هٌ وَ'حِدٌ. [41] مَأخُوذُ المِيثَاقِ عِلْمُهُ فِي القُرْآنِ: و هو ما يتوجّب علي الإنسان علمه، و يؤاخذ علي جهله، كآيات التوحيد، و أحكام وَ إِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ'حِدٌ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ [42]. مُوَسَّعٌ عَلَي العِبَادِ جَهْلُهُ فِي القُرْآنِ: الآيات التي لا يؤاخذ الإنسان علي جهلها، كمقطّعات السور مثل: ك´هيع´ص´[43]، و حم´ * ع´س´ق´[44]، و أمثالهما. ثُبُوتُ القُرْءانِ وَ نَسْخُ السُّنَّةِ: و هو الحكم الذي ورد في القرآن، لكنّه نُسِخَ في السنّة القطعيّة لرسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، كعقوبة الزانية المحصنة التي أمر القرآن بإمساكها في البيت حتّي تموت أو يجعل الله لها سبيلاً، و أمّا غير المحصنة فحكم بإيذائها حتّي تعود و تتوب، أمّا في السنّة فقد جعل حكم الزانية المحصنة الرجم، و غير المحصنة الجلد، فنسخ أمر رسول الله الحكم الوارد في القرآن، و هو: وَ الـ'تِي يَأْتِينَ الْفَـ'حِشَةَ مِن نِّسَائِكُم فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّي يَتَوَفَّـ'هُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. وَ الَّذَانِ يَأْتِيَنـ'هَا مِنكُمْ فَـَاذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَ أَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ إِنَّ اللَهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا. [45] و كان هذا مطبّقاً حتّي أمر رسول الله برجم الزاني المحصن و بجلد الزاني غير المحصن، فنسخ حكم حبسهنّ في البيوت و حكم إيذائهنّ. النسخ في الكتاب و الثبوت في السنّد، و النسخ في السنّة و الثبوت في الكتابنَسْخُ القُرْءانِ و ثُبُوتُ السُّنَّةِ: و هو عبارة عن حكم ورد في السنّة القطعيّة لكنّ القرآن ألغاه، كالصلاة إلي بيت المَقْدِس في بدء الإسلام التي كانت واجبة حسب السنّة القطعيّة إلي ما بعد هجرة الرسول إلي المدينة بعدّة سنوات، ثمّ نسخ القرآن الكريم هذا الحكم: قَدْ نَرَي تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرضَـ'هَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَهُ و وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَ مَا اللَهُ بِغَـ'فِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. [46] حتّي يصل إلي هذه الآية فيقول أيضاً: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ إِنَّهُ و لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَ مَا اللَهُ بِغَـ'فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. [47] ثم يقول تأكيداً، في الآية التي تليها: في الواجبات الموقّتة التي ينتفي وجوبها بعد مرور زمن معيّنوَ مِن حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ و لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسُِ عَلَيْكُم حُجَّةً إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لاِتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. [48] الواجب المؤقّت في القرآن:هو العمل الواجب في زمان معين، فاذا انقضي ذلك الزمن لم يعد واجباً، كحج بيت الله الحرام المتعين في عدة ايام من ذي الحجة، و غير واجب بعدها. و الِلَهِ عَلَي النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا.[49] المعصية الكبيرة في القرآن: و هي الذنب الذي اوعد القرآن علي ارتكابه جهنم، كقتل المؤمن عمدا: وَ مَن يَقْتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُو جَهَنَّمُ خَـ'لِدًا فِيهَا.[50] المعصية الصغيرة في القرآن: و هي الذنب الذي وعد علي ارتكابه المغفرة ان لم يرتكب معه كبيرة: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـ'ئِرَ الْإثْمِ وَ الفَوَاحِشَ إلاّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ وَ'سِعُ المَغْفِرَةِ.[51] مقبول في أدني القرآن موسع في أقصاه: و هو العمل ذو المراتب و الدرجات، يقبل الله من المكلّف الدرجة الادني و يترك له حرية اختيار المراتب و الدرجات الاعلي و الاهمّ و الاصعب، مثل كفّارة اليمين و هي إطعام عشرة مساكين وجوباً، و ترك اختيار الكفّارة الاشقّ و الاكثر مؤنة؛ أي كسوة عشرة مساكين أو عتقهم؛ لاختيار المكلّف نفسه. لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللَهُ بِاللَّغْوِ فِي´ أَيْمَـ'نِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاْيْمَـ'نَ فَكَفَّـ'رَتُهُ و إِطْعَامُ عَشَرَةٍ مَسَـ'كِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلَـ'ثَةِ أَيَّامِ ذَلِكَ كَفَّـ'رَةُ أَيْمَـ'نِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَـ'نَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَهُ لَكُم ءَايَـ'تِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. [52] ارجاعات [1] ـ الآية 89، من السورة 16: النحل. [2] ـ «تفسير الصافي» ج 1، ص 37، نقلاً عن «الكافي» طبعة الاْفسيت. [3] ـ «تفسير الصافي» ج 1، ص 37، نقلاً عن «الكافي» طبعة الاْفسيت. [4] ـ «تفسير الصافي» ج 1، ص 37، نقلاً عن «الكافي» طبعة الاْفسيت. [5] ـ «تفسير الصافي» ج 1، ص 37، ضمن المقدّمة السابعة من المقدمات الاثنا عشر المذكورة في مقدّمة التفسير، و حقّاً أنّ جميعها مفيد و قد حوي علي مطالب قيّمة. [6] ـ الآية 88، من السورة 18: الاءسراء. [7] ـ الآيتان 13 و 14، من السورة 11: هود. [8] ـ الآيتان 23 و 24، من السورة 2: البقرة. [9] ـ الآيات 37 إلي 39، من السورة 10: يونس. [10] ـ أراد يعقوب بن إسحاق الكنديّ الفيلسوف أن يكتب كتاباً في ردّ القرآن، فأرسل إليه الاءمام الحسن العسكريّ عليه السلام أحد تلامذته ليسأله عن القرآن ثمّ يقول له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبتَ إليها! فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فتكون واضعاً لغير معانيه. فأصفي له هذا الرجل الحكيم ثمّ قبل و صدّق، فانصرف عمّا كان يراه. [11] ـ الآيات 3 إلي 5، من السورة 53: النجم. [12] ـ الآيات 38 إلي 52، من السورة 69: الحاقّة. [13] ـ الآيات 73 إلي 75، من السورة 17: الاءسراء. [14] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 13، ص 184. [15] ـ الآية 86، من السورة 17: الاءسراء. [16] ـ الآية 15، من السورة 42: الشوري. [17] ـ انظر «نور ملكوت القرآن» ج 1، البحث الاوّل. [18] ـ ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ج 1، ص 122 (طبعة دار الكتب العربيّة) كلمة مُباين بين محارمه مرفوعةً، و قال: و مباينٌ بالرفع لا بالجرّ، فإنّه ليس معطوفاً علي ما قبله، ألا تري أنّ جميع ما قبله يستدعي الشيء و ضدّه أو الشيء و نقيضه، و قوله و مباين بين محارمه لا نقيض و لا ضدّ له، لانّه ليس القرآن العزيز علي قسمين أحدهما مباين بين محارمه و الآخر غير مباين، فإنّ ذلك لا يجوز، فوجب رفع مُباين و أن يكون خبر مبتدأ محذوف ـ انتهي. و قرأه المرحوم المولي فتح الله الكاشانيّ في شرحه، ص 41، مجروراً و اعتبره عطفاً؛ لكنّ الشيخ محمّد عبده قرأه بالرفع أيضاً فاعتبر خبر القرآن محذوفاً. و يجد الحقير أنّ قراءة الجزّ أولي لسببين، أوّلهما: أنّ الرفع سيخلّ بسياق العبارة و سيأتي للذهن بأمر جديد لا علاقة له ما سبقه من الجمل. و ثانيهما: أنّ عبارة «من كبير أو عد عليه نيرانه» يمكن اعتبارها مع معبارة «أو صغير أرصد له غفرانه» معنيين متضادّين يظهران معني المباينة. و في هذه الصورة فإنّ النظيرين سيبقيان في مكانهما و سيزول الاءشكال في كلا الصورة و المعني. و الارجح الاظهر بنظر الحقير هو أنّ عبارة «مباين بين محارمهش قد حصل فيها تحريف في النسخ، و أنّها كانت في الاصل «و بين مباين محارمه» فتأخّر موضع كلمة «بين» مسبّباً هذا الاءبهام. [19] ـ ضمن الخطبة الاُولي من «نهج البلاغة» ص 25 و 26، الطبعة المصيريّة بتعليقة الشيخ محمّد عبده. [20] ـ الآية 157، من السورة 7: الاعراف. [21] ـ الآية 3، من السورة 4: النساء. [22] ـ الآية 157، من السورة 7: الاعراف. [23] ـ الآية 2، من السورة 24: النور. [24]ـ الآية43،من السورة2:البقرة. [25] ـ الآية 79، من السورة 17: الاءسراء. [26] ـ كالآية 109، من السورة 2: البقرة: وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مّـِن بَعْدِ إِيمَـ'نِكُم كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مّـِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَهُ بِأمْرِهِ إِنَّ اللَهَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. و كالآيتين 10. 11، من السورة 73: المزمّل: وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً * وَ ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُم قَلِيلاً. [27] ـ الآية 5، من السورة 9: التوبة. [28] ـ الآية 146، من السورة 6: الانعام. [29] ـ الآية 121، من السورة 6: الانعام. [30] ـ الآية 1، من السورة 66: التحريم. [31] ـ الآية 1، من السورة 65: الطلاق. [32] ـ الآيتان 25 و 26، من السورة 79: النازعات. [33] ـ الآيتان 75 و 76، من السورة 16: النحل. [34] ـ الظِّهارُ من الاُمور التي كان يفعها العرب في الجاهليّة. فكان أحدهم يخاطب زوجته، فيقول لها بقصد الاءنشاء: أَنتِ مِنِّي كَظَهْرِ أُمِّي، فيحرم عليها جماعها. ثمّ جاء الاءسلام فحرّم ذلك، و عيّن كفّارة لمن يظاهر زوجته، و أوجب عليه تحرير رقبة قبل أن يمسّ زوجته. [35] ـ الآية 3، من السورة 58: المجادلة. [36] ـ الآية 92، من السورة 4: النساء. [37] ـ الآية 1، من السورة 112: الاءخلاص. [38] ـ الآيتان 22 و 23، من السورة 75: القيامة. [39] ـ «الجواهر» ج 9، ص 334، الطبعة الحروفيّة، كتاب الصلاة، مبحث القراءة، و أورد في التعليقة: و هذه الرواية موجودة في «صحيح البخاريّ» ج 1، ص 124 و 125. [40] ـ الآية 19، من السورة 47: محمّد. [41] ـ الآية 52، من السورة 14: إبراهيم. [42] ـ الآية 163، من السورة 2: البقرة. [43] ـ الآية 1، من السورة 19: مريم. [44] ـ الآيتان 1 و 2، من السورة 42: الشوري. [45] ـ الآيتان 15 و 16، من السورة 4: النساء. [46] ـ الآية 144، من السورة 2: البقرة. [47] ـ الآية 149، من السورة 2: البقرة. [48] ـ الآية 150، من السورة 2: البقرة. [49] ـ الآية 97، من السورة 3: آل عمران. [50] ـ الآية 93، من السورة 4: النساء. [51] ـ الآية 32، من السورة 53: النجم. |
|
|