بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب نور ملكوت القرآن/ المجلد الثاني / القسم الثامن‌عشر: الاشکال الثامن: عدم حجیة الفرضیات الوهمیة، حجیة العقل

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الإشکال الثامن

 منطق‌ القرآن‌ هو حجّيّة‌ العقل‌ واليقين‌ لا الفرضيّات‌ الوهميّة‌

 

الاءشكال‌ الثامن‌ علي‌ صاحب‌ المقالة‌ هو قوله‌: ينبغي‌ اتّباع‌ ما ورد في‌ كتب‌ عصرنا الحاضر باسم‌ العلم‌، والذي‌ ابتُنِي‌ علي‌ أساس‌ الفرضيّات‌ والنظريّات‌ وطائفة‌ من‌ الاُمور اليقينيّة‌، واعتباره‌ من‌ المسلّمات‌، ولو خالف‌ ظاهر القرآن‌ الكريم‌، فإنّ العلم‌ الذي‌ هو في‌ حال‌ تحوّل‌ وتغيّر دائمي‌ّ يستتبع‌ تحوّل‌ وتغيّر المعارف‌ والاستنباطات‌ من‌ الدين‌؛ خلافاً لنظرية‌ پيردوئم‌ الفيلسوف‌ والفيزيائي‌ّ الفرنسي‌ّ الذي‌ يعتبر الفرضيّات‌ العلميّة‌ وسائل‌ لتنظيم‌ الحوادث‌، ويسمّي‌ علمه‌ صراحةً بالعلم‌ اليقيني‌ّ الاءيجابي‌ّ، وقد بني‌ نظريّته‌ بحيث‌ إنّ الفرضيّات‌ العلمـيّة‌ لاحـظّ لها في‌ إظهار الواقع‌، بل‌ تنحـصر في‌ كونـها أساليب‌ لتنظـيم‌ وتنسـيق‌ الحـوادث‌ وجعـلها قابلة‌ للمحاسبات‌.

 ثمّ انتـقد العلاّمة‌ الطـباطـبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سـرّه‌ في‌ إظهـاره‌ ميـلاً لهذا الاتّجاه‌ في‌ مقاطع‌ من‌ آرائه‌ التفسيريّة‌، واعتباره‌ حفظ‌ ظواهر الكتاب‌ مستلزماً لاعتبار بعض‌ الفرضيّات‌ العلميّة‌ كوسائل‌. ثمّ قال‌:

 إنّ الاءنسان‌ ما لم‌ يدوّن‌ وينقّح‌ معارفه‌(وعلومه‌ الاءنسانيّة‌ ومعرفته‌ للعالم‌)، وينزّه‌ نفسه‌ عن‌ المخالفة‌ غير المبرّرة‌، فإنّه‌ لن‌ يمتلك‌ معرفة‌ دينيّة‌ عميقة‌ ذات‌ متانة‌ وصلابة‌ كافية‌.

 وفوق‌ هذا، فإنّ هذه‌ المعارف‌ البشريّة‌ السيّالة‌ ستجبر المعرفة‌ الدينيّة‌ أن‌ تتوائم‌ معها في‌ السيلان‌ والجريان‌.

 ولقد كتب‌ في‌ تفسير مطلع‌ سورة‌ النساء، يَـ'´أَيـُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي‌ خَلَقَكُم‌ مِّن‌ نَّفسٍ وَ ' حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً: أنّ ظاهر الآية‌ القريب‌ من‌ النصّ هو أنّ النسل‌ الموجود من‌ الاءنسان‌ ينتهي‌ إلي‌ آدم‌ وزوجته‌، لم‌ يشاركهما فيه‌ غيرهما.

 ثمّ ينقل‌ نظريّة‌ القائلين‌ بالانواع‌، ويضيف‌: أنّ هذه‌ الفرضيّة‌ قد افترضت‌ لتبرير وتوجيه‌ ما يلحق‌ بهذه‌ الانواع‌ من‌ الخواصّ والآثار لاتطوّر ذواتها، من‌ غير قيام‌ دليل‌ عليها بالخصوص‌ ونفي‌ ما عداها، فإنّ التجارب‌ لم‌ تتناول‌ فرداً من‌ أفراد هذه‌ الانواع‌ تحوّل‌ إلي‌ فرد من‌ نوع‌ آخر، كتحوّل‌ قرد إلي‌ إنسان‌، وإنّما تتناول‌ بعض‌ هذه‌ الانواع‌ من‌ حيث‌ خواصّها ولوازمها وأعراضها.

 ولهذا السبب‌، فإنّ الهدف‌ من‌ تلك‌ الفرضيّة‌ التي‌ لم‌ يقم‌ دليل‌ قطعي‌ّ عليها هو توجيه‌ وتبرير المسائل‌ الخاصّة‌ والمنحصرة‌ بها. لذا فإنّ قول‌ القرآن‌ الكريم‌ بأنّ الاءنسان‌ نوع‌ مستقلّ عن‌ سائر الانواع‌ غير معارض‌ بأي‌ّ كلام‌ علمي‌ّ. [1]

 ثمّ يقول‌:

 قارنوا كلام‌ المرحوم‌ الطباطبائي‌ّ بكلام‌ داروين‌ حين‌ يعتبر فرضيّته‌ لدلائل‌ خاصّة‌ ـكالقدرة‌ مثلاً علي‌ تنظيم‌ الظواهر وظهور النماذج‌ البديعة‌ وغير المنتظرة‌ـ فرضيّة‌ معتبرة‌ ومدعومة‌، وفي‌ اعتباره‌ تحوّل‌ الانواع‌ أمراً نظريّاً علميّاً. ولاحظوا كذلك‌ معيار العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ حين‌ يطلب‌ مشاهدته‌ رأي‌ العين‌ تحوّل‌ قرد إلي‌ إنسان‌ لتصحّ عنده‌ تلك‌ النظريّة‌ وتحوز رتبتها العلميّة‌، أي‌ أنّه‌ في‌ النهاية‌ ينهي‌ المطلب‌ ويجعله‌ معتمداً علي‌ فلسفة‌ العلم‌ أو علم‌ المعرفة‌.

 ثمّ يقول‌:

 وليس‌ واضحاً لي‌ هل‌ عمل‌ المرحوم‌ الطباطبائي‌ّ علي‌ بسط‌ نظره‌ وتنميته‌ في‌ مجال‌ امتحان‌ واختبار الفرضيّات‌ العلميّة‌ ورفضها أو قبولها، أم‌ لا؟ [2] أوَ حَقّاً أ نّه‌ يعد شرط‌ صدق‌ النظريّات‌ في‌ كلّ مكان‌ أن‌ تشاهد مصاديقها النظريّة‌ بشكل‌ مباشر أم‌ لا؟ أوَ هل‌ أقام‌ بنفسه‌ معرفة‌ صحيحة‌ ومنقّحة‌ أم‌ لا؟ أوَ هل‌ يعتقد بهذا الرأي‌ كذلك‌ في‌ باب‌ نظريّة‌ كوبرنيك‌ مثلاً، فيطالب‌ برؤية‌ حركة‌ الارض‌ حول‌ الشمس‌، أو بمشاهدة‌ سكون‌ الشمس‌، وإلاّ فإنّه‌ لن‌ يقبل‌ بها؟ أوَ يطالب‌ في‌ الكيمياء بمشاهدة‌ جزي‌ء كلوريد الصوديوم‌ أو البنزين‌ مباشرة‌؟

 أوَ يعتبر المشاهدة‌ بالاستعانة‌ بالآلات‌ مشاهدة‌ أيضاً أم‌ لا؟(كالمشاهدة‌ من‌ خلال‌ الميكروسكوب‌ أو التلسكوب‌). أوَ يعتبر الوسائل‌ والادوات‌ امتداداً للحواسّ البشريّة‌ فقط‌ أم‌ يعدّها نظريّات‌ مجسّمة‌؟ وهل‌ يعدّ المشاهدة‌ بلا نظريّة‌، وغير المسبوقة‌ بفرضيّة‌ ما أمراً ميسّراً أم‌ لا؟

 مهما كان‌ الجواب‌ فمن‌ المسلّم‌ أ نّه‌ ما لم‌ يقدّم‌ جواباً إجماليّاً أو تفصـيليّـاً لهذه‌ الاسـئلة‌ فإنّ ذلك‌ الحـكم‌ في‌ باب‌ فرضـيّة‌ التكـامل‌ والتطوّر، ذلك‌ المعيار لاختيار النظريّات‌ العلميّة‌ سيبقي‌ ناقصاً غير كافٍ. [3]

 الرجوع الي الفهرس

النظریات التی لم تثبت بعد بالأدلة المتقنة، هی فرضیات لا قوانین

 لقد أجبنا في‌ هذا الكتاب‌ علي‌ هذه‌ المقولة‌ بالنقوض‌ والاءيرادات‌ التي‌ أوردناها علي‌ كتاب‌ « خلقت‌ انسان‌ »( = خلق‌ الاءنسان‌)، وبرهنّا هناك‌ أنّ مسألة‌ تغيّر وتطوّر الانواع‌ لا تعدو عن‌ كونها فرضيّة‌ ليس‌ إلاّ، ولايمكن‌ تسميتها قانوناً. فالافراد الذين‌ يدلون‌ بآرائهم‌ في‌ هذه‌ القضيّة‌ يستدلّون‌ علي‌ وجوب‌ التطوّر والتبدّل‌ بوجود التكامل‌ في‌ الانواع‌، ولايملكون‌ لقولهم‌ هذا من‌ برهان‌ إلاّ لفظ‌ يجب‌. إنّ الاستقراء الناقص‌ الذي‌ أُجري‌ علي‌ الانواع‌ فأثبت‌ وجود التكامل‌ فيها لا علاقة‌ له‌ بمسألة‌ تغيّر الانواع‌ وتبدّلها، فلايمكن‌ إثبات‌ هذا الحكم‌ بثبوت‌ ذاك‌، ولا يمكن‌ من‌ ترتيب‌ المقدّمات‌ الظنّيّة‌ الاستقرائيّة‌ في‌ الانواع‌ استخلاص‌ نتيجة‌ كلّيّة‌ لجميع‌ الانواع‌، وحتّي‌ لتغيّرها وتطوّرها، فكلمات‌ داروين‌ وأقواله‌ مخدوشة‌.

 وقد أُ لِّفت‌ الكتب‌ في‌ مهاجمته‌ ومهاجمة‌ نظريّته‌، وقد انحسر اليوم‌ اعتبار هذا الكلام‌ وقيمته‌ في‌ محافل‌ العلم‌، فلم‌ يعد أحد يلقي‌ إليه‌ بالاً.

 وعلينا حين‌ نلحظ‌ ظهور القرآن‌ الكريم‌ القريب‌ من‌ النصّ علي‌ أنّ ولادة‌ جميع‌ أفراد البشر من‌ آدم‌ شخصي‌ّ واحد وزوجته‌، أن‌ لا نرفع‌ اليد عن‌ هذا الظهور لمجرّد الحدس‌ والتخمين‌.

 لقد نهي‌ القرآن‌ الكريم‌ عن‌ العمل‌ بالظنّ، فلا يحقّ للاءنسان‌ إلاّ أن‌ يسلك‌ طريق‌ العلم‌ والقطع‌ واليقين‌. فأي‌ّ دليل‌ قطعي‌ّ ويقيني‌ّ قد قُدّم‌ علي‌ اتّصال‌ البشر بالقرد؟!

 لقد تصوّر داروين‌ أنّ ذلك‌ الاتّصال‌ كان‌ عن‌ طريق‌ القرد، وقد ردّ مقولته‌ القائلون‌ بتبدّل‌ الانواع‌ لدلائل‌ كثيرة‌، وصاروا يقولون‌ بوجود حلقة‌ مفقودة‌، فهم‌ عنها يبحثون‌.

 أمّا القائلون‌ بثبات‌ الانواع‌ فيرفضون‌ مطلقاً مسألة‌ التبدّل‌ والتغيّر، ويعدّونه‌ منحصراً في‌ داخل‌ الانواع‌، لا تغيّر نوع‌ إلي‌ آخر، أو تغيّر ماهيّة‌ وتطوّرها إلي‌ ماهيّة‌ أُخري‌.

 فأي‌ّ دليل‌ يقيني‌ّ وعلمي‌ّ وتجربي‌ّ أُقيم‌ في‌ علوم‌ الحياة‌ علي‌ قاطعيّة‌ تغيّر الانواع‌؟!

 إنّ الحكيم‌ والعالم‌ لا يتكلّم‌ إلاّ عن‌ طريق‌ العلم‌، تاركاً المحتملات‌ في‌ بوتقة‌ الاحتمال‌ وفي‌ بقعة‌ الاءمكان‌. وقد كان‌ كلام‌ العلاّمة‌ في‌ باب‌ تغيّر الانواع‌ من‌ أعلي‌ الاحكام‌ والنتائج‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ تستحصل‌، لا نّه‌ يقول‌: لم‌يقم‌ هناك‌ دليل‌ علمي‌ّ لتغيّر الانواع‌ فيُثبت‌ الامر باليقين‌ والمشاهدة‌، فيبقي‌ إذَن‌ احتمال‌ الرأي‌ الآخر المقابل‌ لهذا الكلام‌ علي‌ قوّته‌ واعتباره‌، ولايمكن‌ رفع‌ اليد عن‌ ظاهر القرآن‌ بدون‌ حجّة‌ عقليّة‌.

 ولم‌ يكن‌ المقصود بالمشاهدة‌ الرؤية‌، كي‌ يحاول‌ بزيادة‌ الامثلة‌ والتشكيك‌ رفضاً أو قبولاً افتعال‌ أجواء معيّنة‌ وتوسعة‌ ساحة‌ المغالطة‌؛ بل‌ كان‌ المقصود بها اليقين‌ والقطع‌، فالجميع‌ يعلم‌ أنّ المراد من‌ مشاهدة‌ التركيبات‌ الكيميائيّة‌ هو الفعل‌ والانفعال‌ الحاصل‌ بين‌ شيئين‌ ليحصل‌ وينتج‌ منهما شي‌ء ثالث‌، والمراد من‌ مشاهدة‌ حركة‌ الارض‌ قاطعيّة‌ ذلك‌ علي‌ أساس‌ قانون‌ البندول‌ وتجربة‌ فوكو، لا الاءحساس‌ بحركتها شأن‌ حركة‌ مهد الطفل‌.

 كانت‌ هذه‌ إجاباتنا علي‌ افتراض‌ مجي‌ء لفظ‌ الرؤية‌ أو المشاهدة‌ في‌ عبارة‌ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌، مع‌ أنّ الامر لم‌ يكن‌ كذلك‌، بل‌ هو تحريف‌ ظاهر واضح‌ من‌ صاحب‌ المقالة‌ لكلام‌ العلاّمة‌، فلقد كانت‌ عباراته‌ في‌ تفسير « الميزان‌ » لَمْ يَتَنَاوَل‌، ولا ربط‌ لها بمعني‌ ومفهوم‌ العلم‌ والمشاهدة‌ والرؤية‌، وأعمّ وأشمل‌ في‌ معناها.

 وممّا يُثير العجب‌ الشديد أن‌ يقول‌ صاحب‌ المقالة‌ في‌ انتقاده‌ لكلمات‌ العلاّمة‌ كما ذكرنا: « إنّ الاءنسان‌ ما لم‌ يدوّن‌ وينقّح‌ معارفه‌( وعلومه‌ الاءنسانيّة‌ ومعرفته‌ للعالم‌) وينزّه‌ نفسه‌ عن‌ المخالفة‌ غير المبرّرة‌، فإنّه‌ لن‌يمتلك‌ معرفة‌ دينيّة‌ عميقة‌ ذات‌ متانة‌ وصلابة‌ كافية‌ ». فما هذه‌ الجرأة‌ والوقاحة‌ في‌ أن‌ يمنح‌ امري‌ نفسه‌ الحقّ ـلمجرّد اكتسابه‌ حظّاً من‌ هذا الحبك‌ المتشابك‌ الذي‌ يدعونه‌ بالعلوم‌ الاءنسانيّة‌ وعلم‌ المعرفة‌ـ في‌ أن‌ ينسب‌ أُسطوانة‌ العلم‌ والحكمة‌ والفضيلة‌ الفريدة‌ ومرجع‌ المعارف‌ الدينيّة‌ في‌ القرون‌ الاخيرة‌ باعتراف‌ المؤالف‌ والمخالف‌ معاً إلي‌ الضحالة‌ وعدم‌ الصلابة‌ في‌ المعرفة‌ الدينيّة‌؟ إن‌ هي‌ إلاّ الرذالة‌ والسخافة‌ والدناءة‌.

هزارمرتبة‌ شستن‌ دهن‌ به‌ مشك‌ و گلاب‌ هنوز نام‌ تو بردن‌ كمال‌ بي‌ ادبي‌ است‌[4]

 إنّ القطع‌ واليقين‌ حجّة‌ في‌ ذاته‌ ونفسه‌، وحجّيّته‌ غير قابلة‌ للجعل‌، لا إثباتاً ولانفياً، أي‌ لا يمكن‌ إعطاؤه‌ الحجّيّة‌ أو سلب‌ الحجّيّة‌ عنه‌.

 وتسمية‌ القطع‌ واليقين‌ بالحجّة‌ ينطوي‌ علي‌ مسامحة‌، لانّ الحجّة‌ تقال‌ للشي‌ء الباعث‌ علي‌ اليقين‌ والقطع‌ بالمطلوب‌، فلا يمكن‌ إطلاقها علي‌ نفس‌ القطع‌ واليقين‌.

 أمّا حجّيّة‌ الادلّة‌ الظنّيّة‌، فباعتبار وقوعها في‌ طريق‌ الدليل‌ القطعي‌ّ واليقيني‌ّ وانتهائها إليه‌، وإلاّ فإنّ كلّ ظنّ وحدس‌ لا يمتلك‌ حجّيّة‌ بنفسه‌.

 الرجوع الي الفهرس

العقل حجة قبل الشرع، و لله تعالی حجتان

 أمّا اتّباع‌ العلم‌ واليقين‌ فهو ممّا يأمر به‌ العقل‌ قبل‌ الشرع‌: وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، [5] وهي‌ حقيقة‌ فطريّة‌ وجدانيّة‌، وعقليّة‌ فكريّة‌، وإيمانيّة‌ شرعيّة‌، خرقت‌ طبقات‌ الظلام‌ كالشمس‌ الساطعة‌، وتخـلّصت‌ من‌ حجب‌ الاوهام‌ والخيالات‌ والحدس‌ والظنّ، وكانت‌ في‌ سطوعها في‌ سماء العقل‌ والمعرفة‌ البشريّة‌ لالف‌ وأربعمائة‌ سنة‌ هادياً ومرشداً، ودليلاً قاطعاً، وسنداً حيّاً، وشاهداً صادقاً علي‌ حقّانيّة‌ القرآن‌.

 فحجّيّة‌ العقل‌ سابقة‌ علي‌ حجّيّة‌ الشرع‌، لانّ الشرع‌ إنّما يثبت‌ بالعقل‌، والشخص‌ المجنون‌ الذي‌ لا عقل‌ له‌ لا تكليف‌ له‌؛ فإن‌ لم‌يكن‌ هناك‌ حكم‌ عقلي‌ّ علي‌ وجوب‌ اتّباع‌ النبي‌ّ والاءمام‌، فكيف‌ ستثبت‌ حجّيّة‌ أقوالهم‌؟

 وأمّا القول‌ بحـجّيّة‌ الشـرع‌ اعتـماداً علي‌ الشـرع‌ فيسـتلزم‌ الدور والتسـلسـل‌، فكيف‌ سيمكن‌ ـفي‌ غياب‌ العقل‌ـ تميـيز رسول‌ الله‌ عن‌ مسيلمة‌ الكذّاب‌، أو تشخيص‌ نبي‌ٍّ إلهي‌ّ عن‌ مدّعٍ للنبوّة‌؟

 لا ريب‌ أنّ للعـقل‌ حكم‌ المصـباح‌ الذي‌ يمكن‌ للاءنسـان‌ أن‌ يبصـر بنوره‌ جميع‌ الاشياء، ويهـتدي‌ به‌ إلي‌ حلّ جميع‌ المجـهولات‌، ومن‌ بينها وجوب‌ اتّباع‌ الكتاب‌ السـماوي‌ّ والنـبي‌ّ والاءمام‌ الحقيقـيّين‌، لذا فإنّ اتّباع‌ الاءمام‌ كان‌ بواسطة‌ العقل‌ وهديه‌.

 الرجوع الي الفهرس

الروایات الواردة فی تقدم العقل علی الشرع

 يروي‌ محـمّد بن‌ يعـقـوب‌ الكُلَيْـني‌ّ فـي‌ كتاب‌ « الكافي‌ » بسـنده‌ المتّصـل‌ عن‌ أبي‌ يعقـوب‌ البغـدادي‌ّ أ نّه‌ قال‌: قَالَ ابْنُ السِّـكِّيتِ[6] لاِبِي‌ الحَسَـنِ [7] عَلَیهِ السَّلاَمُ: لِمَاذَا بَعَـثَ اللَهُ مُوسَي‌ بْنُ عِمْرَانَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ بِالعَصَا وَيَدِهِ البَيْضَاءِ وَآلَةِ السِّحْرِ؟! وَبَعَثَ عِيسَي‌ بِآلَةِ الطِّبِّ؟ وَبَعَثَ مُحَمَّدَاً صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَعَلَی‌ جَمِيعِ الاَنْبِيَاءِ بِالكَلاَمِ وَالخُطَبِ؟!

 فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلاَمُ: إنَّ اللَهَ لَمَّا بَعَثَ مُوسَي‌ عَلَیْهِ السَّلاَمُ كَانَ الغَالِبُ عَلَی‌ أَهْلِ عَصْرِهِ السِّحْرَ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي‌ وُسْعِهِمْ مِثْلُهُ، وَمَا أَبْطَلَ بِهِ سِحْرَهُمْ، وَأَثْبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَیْهِمْ.

 وَإنَّ اللَهَ بَعَثَ عِيسَي‌ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فِي‌ وَقْتٍ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ الزَّمَانَاتُ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَي‌ الطِّبِّ، فَأَتَاُهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِثْلُهُ، وَبِمَا أَحْيَي‌ لَهُمُ المَوْتَي‌، وَأَبْرَأَ الاَكْمَهَ وَالاَبْرَصَ بِإذْنِ اللَهِ وَأَثْبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَیْهِمْ.

 وَإنَّ اللَهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ فِي‌ وَقْتٍ كَانَ الغَالِبُ عَلَی‌ أَهْلِ عَصْرِهِ الخُطَبَ وَالكَلاَمَ ـ وَأَظُنُّهُ قَالَ: الشِّعْرَ ـ فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَحِكَمِهِ مَا أَبْطَلَ بِهِ قَوْلَهُمْ وَأَثْبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَیْهِمْ.

 قَالَ: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تَاللَهِ؛ مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ! فَمَا الحُجَّةُ عَلَی‌ الخَلْقِ اليَوْمَ؟!

 قَالَ: فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ: العَقْلُ يُعْرَفُ بِهِ الصَّادِقُ عَلَی‌ اللَهِ فَيُصَدِّقُهُ؛ وَالكَاذِبُ عَلَی‌ اللَهِ فَيُكَذِّبُهُ.

 قَالَ: فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذَا وَاللَهِ هُوَ الجَوَابُ. [8]

 وللمحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ كلام‌ في‌ ذيل‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ بشأن‌ معني‌ العقل‌ الذي‌ جعله‌ الاءمام‌ عليه‌ السلام‌ حجّة‌، قال‌:

 « في‌ كلام‌ الاءمام‌ عليه‌ السلام‌ تنبيه‌ علي‌ ترقّي‌ الاستعدادات‌ وتلطّف‌ القرائح‌ في‌ هذه‌ الاُمّة‌، حتّي‌ استغنوا بعقولهم‌ عن‌ مشاهدة‌ المعجزات‌ المحسوسة‌، فإنّ الاءيمان‌ بالمعجزة‌ دين‌ اللئام‌ ومنهج‌ العوامّ، وأهل‌ البصيرة‌ لايقنعون‌ إلاّ بانشراح‌ الصدر بنور اليقين‌:

 أَفَمَن‌ شَرَحَ اللَهُ صَدْرَهُ و لِلاْءسْلَـ'مِ فَهُوَ عَلَی‌' نُورٍ مِّن‌ رَّبِّهِ. [9]

 فالاءنسان‌ الصادق‌ الذي‌ تكون‌ دلالته‌ وحكايته‌ من‌ الله‌ وللّه‌ صادقة‌ يمكن‌ تشخيصه‌ بالعقل‌، لا نّه‌ بالعقل‌ يمكن‌ أن‌ يُفهم‌ علمه‌ بكتاب‌ الله‌ ومراعاته‌ له‌ وتمسّكه‌ بالسنّة‌ وحفظه‌ لها، والكاذب‌ علي‌ الله‌ يمكن‌ كذلك‌ تشخيص‌ جهله‌ بكتاب‌ الله‌ وتركه‌ له‌ ومخالفته‌ للسنّة‌ وعدم‌ مبالاته‌ بها.

 قال‌ في‌ « الاحتجاج‌ »: وقد ضمّن‌ الرضا صلوات‌ الله‌ عليه‌[10] في‌ كلامه‌ هذا أنّ العالم‌ لا يخلو في‌ زمان‌ التكليف‌ من‌ صادق‌ من‌ قبل‌ الله‌ يلتجي‌ المكلّف‌ إليه‌ في‌ ما اشتبه‌ عليه‌ من‌ أمر الشريعة‌، صاحب‌ دلالة‌ تدلّ علي‌ صدقه‌ عليه‌ تعالي‌، يتوصّل‌ المكلّف‌ إلي‌ معرفته‌ بالعقل‌، ولولاه‌ لما عُرف‌ الصادق‌ من‌ الكاذب‌، فهو حجّة‌ الله‌ علي‌ الخلق‌ أوّلاً ». [11]

 فالاءمام‌ عليه‌ السلام‌ لم‌ يكن‌ ليريد في‌ هذا الحديث‌ الاءفهام‌ بأن‌ حجّة‌ الله‌ اليوم‌ هي‌ العقل‌ لا الاءمام‌ والنبي‌ّ، وأنّ حجّته‌ في‌ الازمنة‌ السابقة‌ المصحوبة‌ بالمعجزات‌ كانت‌ الانبياء لا العقل‌، لانّ تلك‌ المعجزات‌ أيضاً لم‌تكن‌ لتثمر شيئاً لولا وجود العقل‌.

 أمّا في‌ هذا الزمان‌ فإنّ العقل‌ لا يكفي‌ لوحده‌، إذ لولا وجود صادق‌ من‌ جانب‌ الله‌ تعالي‌، فإنّ الاءنسان‌ سيعجز بعقله‌ عن‌ معرفة‌ مَن‌ سيتبع‌ وبمن‌ سيقتدي‌.

 لذا فإنّ أمس‌ واليوم‌ كلاهما بحاجة‌ إلي‌ حجّة‌، كما يحتاجان‌ العقل‌، ذلك‌ العقل‌ الذي‌ أمكن‌ لابن‌ السكِّيت‌ أن‌ يدرك‌ أنّ الهادي‌ عليه‌ السلام‌ هو الاءمام‌ الصادق‌، وأنّ المتوكّل‌ هو الاءمام‌ الكاذب‌ الزائف‌.

 فلقد دعاه‌ الاءمام‌ في‌ تلك‌ العبارات‌ بأحلي‌ بيان‌ وأقوي‌ برهان‌ إلي‌ الاعتقاد بإمامـته‌ عن‌ طريق‌ أَدِلَّة‌ قِيَاسـاتُهَا مَعَـهَا، وهي‌: أنّ لك‌ عقـلاً! فاكتشف‌ بعقلك‌ الطريق‌! ومَيِّز به‌ القائد من‌ السارق‌، والدليل‌ الهادي‌ من‌ قاطع‌ الطريق‌! ثمّ تَحَرَّكْ معه‌ واتَّبِعْهُ! وكان‌ للاءمام‌ إشارة‌ هنا إلي‌ أنّ عقول‌ الناس‌ اليـوم‌ من‌ القـوّة‌ ممّا لا حاجة‌ معه‌ لمعـجزة‌، فقد كانت‌ المعـجزة‌ لاصحاب‌ الابصـار، أمّا أصحاب‌ العـقول‌ والبصـائر فيكتـشـفون‌ قائـدهم‌ وإمامـهم‌ بانشـراح‌ الصـدر ونور اليقين‌، فلا يَدَعُونَ ملازمـته‌ حتّي‌ ينالوا مقصودهم‌ ويتوصّلوا إلي‌ غايتهم‌.

 وقد روي‌ المرحوم‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » كذلك‌، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ ابن‌ أبي‌ يعفور، عن‌ مولي‌ لبني‌ شيبان‌، عن‌ أبي‌ جعفر محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ قال‌: إذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَهُ يَدَهَ عَلَی‌ رُؤوُسِ العِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ، وَكَمُلَتْ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ. [12]

 الرجوع الي الفهرس

العقل هو الحجة الأولی بین الله و العباد

 كما روي‌ الكليني‌ّ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ عبد الله‌ بن‌ سنان‌، عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: حُجَّةُ اللَهِ عَلَی‌ العِبَادِ النَّبِيُّ؛ وَالحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ العِبَادِ وَبَيْنَ اللَهِ العَقْلُ. [13]

 يقول‌ المحقّق‌ الفيض‌ في‌ بيان‌ وشرح‌ هذا الحديث‌: يعني‌ ما يقطع‌ به‌ عذرهم‌ في‌ تركهم‌ لما يتوصّلون‌ إلي‌ سعادتهم‌ وفيه‌ نجاتهم‌ هو النبي‌ّ بعد تصديقهم‌ بالله‌ سبحانه‌، وما يقطع‌ به‌ عذرهم‌ في‌ تركهم‌ لمعرفة‌ الله‌ سبحانه‌ والتصديق‌ به‌ قبل‌ ذلك‌ هو العقل‌.

 ولمّا كانت‌ الحجّة‌ في‌ الاوّل‌ موصلة‌ لهم‌ إلي‌ شي‌ء آخر غير الله‌، أعني‌ سعادتهم‌، وكانوا معتقدين‌ لاءلهيّته‌ سبحانه‌، أضاف‌ الحجّة‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌ حجّة‌ الله‌، وأورد لفظ‌ عَلَی‌، ولما كانت‌ الحجّة‌ في‌ الثانية‌ موصلة‌ لهم‌ إليه‌ تعالي‌، وكانوا غير معتقدين‌ بعد لاءلهيّته‌، وهي‌ قد تكون‌ حجّة‌ لهم‌ وقد تكون‌ حجّة‌ عليهم‌ لاختلاف‌ مراتب‌ عقولهم‌، قال‌: فيما بينهم‌ وبين‌ الله‌.

 ثمّ أورد شرحاً لاُستاذه‌ في‌ المعقول‌: صدر المتأ لّهين‌ الشيرازي‌ّ طيّب‌الله‌ مضجعه‌، محصّله‌: أنّ الناس‌ أمّا أهل‌ بصيرة‌ وأمّا أهل‌ حجاب‌، والحجّة‌ للّه‌ عليهم‌ أمّا ظاهرة‌ وأمّا باطنة‌؛ ويكفي‌ لاهل‌ الحجاب‌ الحجّة‌ الظاهرة‌، إذ لا باطل‌ لهم‌، لا نّهم‌ عميان‌ القلوب‌ لا يبصرون‌ بباطنهم‌ شيئاً، لهم‌ قلوب‌ لا يفقهون‌ بها، فالحجّة‌ عليهم‌ هو النبي‌ّ مع‌ معجزته‌، وهي‌ الحجّة‌ الظاهرة‌.

 وأمّا أهل‌ البصـيرة‌ فالحـجّة‌ الظاهـرة‌ عليـهم‌ هو النبي‌ّ، والباطنة‌ هو العقل‌ المكتسب‌ ممّا استفادوا من‌ النبي‌ّ.

 ثمّ يقول‌: هذا تحقيق‌ حسن‌ الاّ انّ إرادته‌ من‌ الحديث‌ بعيدة‌. [14]

 الرجوع الي الفهرس

روایة قیمة للإمام موسی بن جعفر علیه السلام فی حجیة العقل

 ومن‌ بين‌ الاحاديث‌ في‌ باب‌ حجّيّة‌ العقل‌ وأفضليّته‌، رواية‌ جليلة‌ ونفيسـة‌ رواها فـي‌ « الكافي‌ » بسـنده‌ المتّصل‌ عـن‌ هشـام‌ بـن‌ الحـكم‌، عن‌ أبي‌الحسن‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌، تضمّ مطالب‌ قيّمة‌ ومعارف‌ عالية‌ ودقائق‌ وإشارات‌ ولطائف‌ تليق‌ أن‌ يؤلّف‌ لكشف‌ نكاتها العميقة‌ كتاب‌ مستقلّ، وباعتبارها مفصّلة‌ فإنّنا نكتفي‌ هنا بعدّة‌ فقرات‌ منها:

 قَالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ: يَا هِشَامُ! إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ بَشَّرَ أَهْلَ العَقْلِ وَالفَهْمِ فِي‌ كِتَابِهِ، فَقَالَ: «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ و´ أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ هَدَب'هُمُ اللَهُ وَأُولَـ'´نءِكَ هُمْ أُولُوا الاْلْبَـ'بِ». [15]

 يَا هِشَامُ! إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ أَكْمَلَ لِلنَّاسِ الحُجَجَ بِالعُقُولِ، وَنَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالبَيَانِ، وَدَلَّهُمْ عَلَی‌ رُبُوبِيَّتِهِ بِالاَدِلَّةِ.

 يَا هِشَامُ! إنَّ العَقْلَ مَعَ العِلْمِ. فَقَالَ: «وَتِلْكَ الاْمْثَـ'لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَـ'لِمُونَ». [16]

 يَا هِشَامُ! إنَّ لُقْمَانَ قَالَ لاِبْنِهِ: تَوَاضَعْ لِلْحَقِّ تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاسِ، وَإنَّ الكَيِّسَ لَدَي‌ الحَقِّ يَسِيرٌ.

 يَا بُنَي‌َّ! إنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهِ عَالَمٌ كَثِيرٌ، فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَي‌ اللَهِ، وَحَشْوُهَا الاءيمَانَ، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ، وَقَيِّمُهَا العَقْلَ، وَدَلِيلُهَا العِلْمَ، وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ.

 يَا هِشَامُ! مَا بَعَثَ اللَهُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إلَي‌ عِبَادِهِ إلاَّ لِيَعْقِلُوا عَنِ اللَهِ! فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً؛ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلاَ. وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلاَ أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

 يَا هِشَامُ! إنَّ لِلَّهِ عَلَی‌ النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً. فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالاَنْبِيَاءُ وَالاَئِمَّةُ؛ وَأَمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ.

 يَا هِشَامُ! الصَّبْرُ عَلَی‌ الوَحْدَةِ عَلاَمَةُ قُوَّةِ العَقْلِ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَهِ اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللَهِ، وَكَانَ اللَهُ أُنْسَهُ فِي‌ الوَحْشَةِ، وَصَاحِبَهُ فِي‌ الوَحْدَةِ، وَغِنَاهُ فِي‌ العِيلَةِ، وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ.

 يَا هِشَامُ! كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: مَا عُبِدَ اللَهُ بِشَي‌ءٍ أَفْضَلَ مِنَ العَقْلِ، وَمَا تَمَّ عَقْلُ امْرِي‌ٍ حَتَّي‌ يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتَّي‌: الكُفْرُ والشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ، وَالرُّشْدُ وَالخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولاَنِ، وَفَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ، وَفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ، نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا القُوتُ، لاَ يَشْبَعُ مِنَ العِلْمِ دَهْرَهُ، الذُّلُّ أَحَبُّ إلَيْهِ مَعَ اللَهِ مِنَ العِزِّ مَعَ غَيْرِهِ، والتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ.

 يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ المعَْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ المَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَرَي‌ النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ؛ وَأَ نَّهُ شَرَّهُمْ فِي‌ نَفْسِهِ وَهُوَ تَمَامُ الاَمْرِ.

 يَا هِشَامُ! لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ مُرُوَّةَ لَهُ، وَلاَ مُرُوَّةَ لِمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ. [17]

 الرجوع الي الفهرس

شرح فقرات من الحدیث المروی عن الکاظم علیه السلام بشأن العقل

 يقول‌ المحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ في‌ شرح‌ وبيان‌ فقرة‌ تَوَاضَعْ لِلْحَقِّ تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاسِ:

 أي‌ تواضع‌ مع‌ الناس‌ للحقّ سبحانه‌ لا لغرض‌ آخر، فإنّ مَن‌ تواضع‌ للّه‌ رفعه‌ الله‌، كما ورد في‌ الحديث‌.

 أو نقول‌: التواضع‌ للحقّ هو الاءقرار به‌ والطاعة‌ له‌ والانقياد، كما هو مقتضي‌ العقل‌.

 وقال‌ أُستاذنا( صدر المتأ لّهين‌ الشيرازي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌): هو أن‌ لايري‌ العـبد لنفسـه‌ وجـوداً ولا حـولاً ولا قـوّة‌ إلاّ بالحقّ تعالي‌ وحـوله‌ وقوّته‌، فيري‌ أن‌ لا حول‌ ولا قوّة‌ له‌ ولا لغيره‌ إلاّ بالله‌.

 وورد في‌ الحديث‌ النبوي‌ّ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَهُ؛ فإذا فني‌ عن‌ نفسه‌ بالموت‌ الاءرادي‌ّ قبل‌ الموت‌ الطبيعي‌ّ يكون‌ باقياً بالله‌.

 ثمّ قال‌ الملاّ صدرا: وهو المراد بقوله‌: تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاس‌، فإنّ أعقل‌ الناس‌ هم‌ الانبياء والاولياء ثمّ الامثل‌ فالامثل‌. [18]

 وقال‌ في‌ شرح‌ وبيان‌ فقرة‌: فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَهِ اعْتَزَلَ أهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا: بلغ‌ عقله‌ إلي‌ حدّ يأخذ العلم‌ عن‌ الله‌ من‌ غير تعليم‌ بشر في‌ كلّ أمر.

 ومعني‌ الاعتزال‌ عن‌ الدنيا وأبناء الدنيا: إذ لم‌ يبقَ له‌ رغبة‌ في‌ الدنيا وأهلها، وإنّما يرغب‌ فيما عند الله‌ من‌ الخيرات‌ الحقيقيّة‌ والانوار الاءلهيّة‌ والاءشراقات‌ العقليّة‌ والابتهاجات‌ الذوقيّة‌ والسكينات‌ الروحيّة‌.

 وفي‌ شرح‌ وبيان‌ فقرة‌: مَا عُبِدَ اللَهُ بِشَي‌ءٍ أَفْضَلَ مِنَ العَقْلِ، قال‌: أي‌ أفضل‌ ما يتقرّب‌ به‌ العبد إلي‌ الله‌ هو تكميل‌ العقل‌ باكتساب‌ العلوم‌ الحقيقيّة‌ الاُخرويّة‌ والمعارف‌ اليقينيّة‌ الباقية‌ المأخوذة‌ من‌ الله‌ سبحانه‌ دون‌ غيره‌ من‌ الطاعات‌ والعبادات‌ البدنيّة‌ والماليّة‌ والنفسيّة‌، كما ورد عن‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: يَا عَلِي‌ُّ! إذا تَقَرَّبَ النَّاسُ إلَي‌ خَالِقِهِمْ بِأنْوَاعِ البِرِّ، فَتَقَرَّبْ أَنْتَ إلَيْهِ بِالعَقْلِ حَتَّي‌ تَسْبِقَهُمْ. [19]

 نعم‌، حين‌ نري‌ أنّ دين‌ الاءسلام‌ القويم‌ قائم‌ علي‌ أساس‌ العقل‌، وأنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ تدعونا إلي‌ العقل‌ والتعقّل‌، وأنّ هذه‌ الاحاديث‌ المعتبرة‌ من‌ رسول‌ الله‌ وآله‌ الميامين‌ جاءت‌ لتدعو إلي‌ العقل‌؛ وحين‌ نعلم‌ أنّ للعقل‌ حجّـيّة‌ قبل‌ الشـرع‌، وأ نّه‌ أحد حجّـتَي‌ الله‌ وبرهانَيه‌ الصادقَـين‌، وأنّ هذا العقل‌ يدعونا للعلم‌ واليقين‌؛ وأنّ القرآن‌ الكريم‌ ينهانا عن‌ أُسلوب‌ الظنّ وعن‌ أي‌ّ منهاج‌ للحدس‌ لا ينتهي‌ بالقطع‌ واليقين‌، فكيف‌ يمكننا ـمع‌ هذا كلّه‌ـ أن‌ نتمسّك‌ بفرضيّة‌ تفتقر إلي‌ الاساس‌ العلمي‌ّ، ولم‌ تصاغ‌ علي‌ أساس‌ من‌ البرهان‌ واليقين‌، ولم‌ تكتسب‌ حجّة‌ يقينيّة‌ وشهوداً وجدانيّاً، فنرفع‌ لاجلها يدنا عن‌ ظاهر الكلام‌ الاءلهي‌ّ والكتاب‌ السماوي‌ّ؟!

 إنّ الحكيم‌ والعالم‌ لن‌ يُذعن‌ لمثل‌ هذه‌ التصوّرات‌ وهذه‌ المختبرات‌، ولن‌يخـضع‌ أمام‌ نَضْد عدّة‌ تماثـيل‌ وعظام‌ مزوّرة‌ وعدّة‌ من‌ الفـسـائل‌ الطبيعيّة‌ الناقصة‌ وذات‌ الدلالة‌ المبـهمة‌ الغامضة‌، فهو لا يبيع‌ المحكمات‌ بالمتشابهات‌.

 أمّا أتباع‌ الظواهر الذين‌ تمركزت‌ عقولهم‌ في‌ عيونهم‌، فيحكمون‌ فوراً بمجرّد التفرّج‌ علي‌ عدّة‌ فسائل‌ لا تحكي‌ إلاّ التغيّر والتكامل‌ داخل‌ الانواع‌ علي‌ قضيّة‌ أشمل‌ ومطلب‌ أوسع‌، فيقولون‌: الآن‌ وقد ثبت‌ التطوّر والرشد والتغيّر داخل‌ الانواع‌، فإنّ علينا أن‌ نعتبره‌ أساساً عامّاً كلّيّاً فنعدّيه‌ إلي‌ تغيّر الانواع‌ وتغيّراتها الخارجيّة‌، ونعتبر جميع‌ الانواع‌ من‌ أصل‌ واحد وجرثومة‌ واحدة‌.

 بأي‌ّ علّة‌؟ وبأي‌ّ مناط‌؟ وبأي‌ّ برهان‌؟

 أيحمل‌ قائل‌ هذا الكلام‌ في‌ جعبته‌ شيئاً غير خلط‌ ومزج‌ المطالب‌ الحدسيّة‌ والوهميّة‌ وغير الاستقراء الناقص‌؟ فليقدّمه‌ وليُشر إليه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الارجاعات:


[1] ـ «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 134 فصاعداً.

 [2] ـ يقول‌ في‌ الهامش‌، ص‌ 105 و 106: جاء في‌ المقالة‌ الخامسة‌ من‌ «أُصول‌ فلسفه‌ وروش‌ رئاليسم‌»(= أُسس‌ الفلسفة‌ والمذهب‌ الواقعي‌ّ) تحت‌ عنوان‌ «نشوء الكثرة‌ في‌ الاءدراكات‌» في‌ باب‌ الفرضيّات‌ العلميّة‌: ويمكن‌ القول‌ بشكل‌ عامّ إنّ فرض‌ الفرضيّة‌ في‌ علمٍ ما ليس‌ لاجل‌ الاستنتاج‌ العلمي‌ّ، أي‌ ليس‌ لاءيجاد علمنا بمسائل‌ ونظريّات‌ ذلك‌ العلم‌ المعيّن‌، بل‌ إنّه‌ لتشخيص‌ خطّ السير لئلاّ يضلّ سلوكنا العلمي‌ّ خطّ سيره‌... تماماً كقدم‌ الفِرجار الثابت‌ الذي‌ يمنع‌ بثباته‌ ورسوخه‌ ضلال‌ وتخبّط‌ خطّ سير القدم‌ المتحرّك‌.

 [3] ـ مجلّة‌ «كيهان‌ فرهنگي‌» بالفارسيّة‌، العدد 52، ص‌ 16، العمود السادس‌، وص‌ 17، العمود الاوّل‌.

 [4] ـ يقول‌: «إنّ غسل‌ الفم‌ ألف‌ مرّة‌ بالمسك‌ وماء الورد لن‌ يجعل‌ التفوّه‌ باسمك‌ خالياً من‌ إساءة‌ الادب‌ والجسارة‌».

 [5] ـ الآية‌ 36، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

 [6] ـ ابن‌ السـكّيت‌ بكسـر السـين‌ وتشـديد الكاف‌، يعقوب‌ بن‌ إسحاق‌ السـكّيت‌ أبو يوسف‌، من‌ أفاضل‌ الاءماميّة‌ وثقاتهم‌. وقد أورد في‌ ترجمة‌ أحواله‌ في‌ «مجمع‌ الرجال‌» ج‌ 6، ص‌ 272: أ نّه‌ كان‌ متقدّماً عند الاءمام‌ محمّد التقي‌ّ والاءمام‌ علي‌ّ النقي‌ّ عليهما السلام‌، ولم‌يدرك‌ غيرهما، قتله‌ المتوكّل‌ العبّاسي‌ّ لعنه‌ الله‌ لاجل‌ تشيّعه‌. قيل‌ إنّ سبب‌ قتله‌ أ نّه‌ كان‌ معلّماً لولدَي‌ المتوكّل‌ المعتزّ والمؤيّد، وكان‌ ذات‌ يوم‌ حاضراً عند المتوكّل‌ إذ أقبلا فقال‌ له‌ المتوكّل‌: يا يعـقوب‌! أيّهـما أحبّ إليك‌، ولداي‌ هذان‌ أم‌ الحسـن‌ والحسـين‌؟ فقال‌ ابن‌ السكّيت‌: وَاللَهِ؛ إنَّ قَنْبَراً غُلاَمَ عَلِي‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ خَيْرٌ مِنْهُمَا وَمِنْ أَبِيهِمَا. فقال‌ المتوكّل‌: سلّوا لسانه‌ من‌ قفاه‌. فسلّوه‌، فمات‌. رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ فِي‌ جَنَّاتٍ النَّعِيمِ.

[7] ـ المراد بأبي‌ الحسن‌ هنا أبو الحسن‌ الثالث‌، أي‌ الاءمام‌ الهادي‌ عليه‌ السلام‌، بقرينة‌ أنّ ابن‌ السكّيت‌ لم‌ يدرك‌ أبا الحسن‌ الثاني‌ أي‌ الرضا عليه‌ السلام‌. وقد صرّح‌ بهذا المعني‌ المولي‌ محسن‌ الفيض‌ في‌ «الوافي‌»، ويُعلم‌ منه‌ أنّ ما ورد في‌ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ و«عيون‌ أخبار الرضا» للصدوق‌ من‌ تقييد كلمة‌ أبي‌ الحسن‌ بالرضا عليه‌ السلام‌، لم‌ يكن‌ صائباً.

 [8] ـ «أُصـول‌ الكافـي‌» ج‌ 1، ص‌ 24 و 25، طبعة‌ حـيـدري‌؛ وكتاب‌ «الوافـي‌» ج‌ 1، ص‌ 110 إلي‌ 112، طبعة‌ إصفهان‌.

 [9] ـ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

 [10] ـ أوردنا سابقاً أنّ صاحب‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» عدّ هذا الحديث‌ للاءمام‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا عليه‌ السلام‌.

 [11] ـ «الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 112 و 113، طبعة‌ إصفهان‌ الحروفيّة‌.

 [12] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 25. و«الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 114، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

 [13] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 25؛ و«الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 113.

 [14] ـ «الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 114.

 [15] ـ الآيتان‌ 17 و 18، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

 [16] ـ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

 [17] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 13 إلي‌ 19؛ و«الوافي‌» للكاشاني‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 86 إلي‌ 93، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

 [18] ـ «الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 97.

 [19] ـ «الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 101 و 102؛ وأورد الغزّالي‌ّ في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 3، ص‌ 14:

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِي‌ٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إذَا تَقَرَّبَ النَّاسُ إلَي‌ اللَهِ تَعَالَي‌ بِأَنْوَاعِ البِرَّ، فَتَقَرَّبْ أَنْتَ بِعَقْلِكَ. وروي‌ في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 3، ص‌ 353، عن‌ أبي‌الدرداء: إنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَهِ! أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَيَحِجُّ وَيَعْتَمِرُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَغْزُو فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَيَعُودُ المَرِيضَ وَيُشَيِّعُ الجَنَائِزَ وَيُعِينُ الضَّعِيفَ وَلاَ يُعْلَمُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَهِ يَوْمَ القِيَامَةِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا يُجْزَي‌ عَلَي‌ قَدْرِ عَقْلِهِ.

 وَقَالَ أَنَسٌ: أُثْنِي‌ عَلَي‌ رَجُلٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَقَالُوا خَيْراً. فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: كَيْفَ عَقْلُهُ؟! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَهِ نَقُولُ مِنْ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَخُلْقِهِ؟ فَقَالَ: كَيْفَ عَقْلُهُ؛ فَإنَّ الاَحْمَقَ يُصِيبُ بِحُمْقِهِ أَعْظَمَ مِنْ فُجُورِ الفَاجِرِ، وَإنَّمَا يُقَرَّبُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَي‌ قَدْرِ عُقُولِهِمْ.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com