بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب نور ملكوت القرآن/ المجلد الثاني / القسم العشرون: شرح آیة الربا، عمومیة فطریة الاحکام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

أبیات الوافی العراقی فی غیر الرجال و حجاب النساء

 وقد أجاد الشاعر الوافي‌ العراقي‌ّ في‌ شعره‌ العفيف‌ عند وصف‌ فوائد غيرة‌ الرجال‌ وحجاب‌ النساء:

معني‌ ناموس‌ چيست‌؟ روي‌ نهان‌ داشتن ‌     پردة‌ عفّت‌ زدن‌، عالَم‌ جان‌ داشتن‌

عصمت‌ و ناموس‌ ما، به‌ مسلك‌ هوشمند     گنج‌ بود گنج‌ را به‌ كه‌ نهان‌ داشتن‌

اي‌ كه‌ تو را آرزوست‌ به‌ كشف‌ ناموس‌ خويش      ‌ پرده‌ دري‌ نارواست‌، پردگيان‌داشتن‌

مگر كمي‌ از وحوش‌، نگر به‌ سوي‌ طيور     پند بگير از خروس‌ ز ماكيان‌ داشتن‌

حافظ‌ شيرين‌ لبان‌، مقنعة‌ عصمت‌ است‌     تلخ‌ بود بي‌نقاب‌، روي‌ زنان‌ داشتن‌

قصة‌ ناموس و غير، چه‌ برق‌ با خرمن‌ است      ‌ خرمن‌ خود را مخواه‌ برقِ يَمان‌ داشتن‌

تا نگماري‌ نظر، دل‌ نكند آرزو     گرسنه‌ چشمي‌ دهد، ديده‌ به‌ نان‌ داشتن‌

 آينة‌ بي‌حجاب‌، به‌ طبع‌ گيرد غبار     خوش‌ بود آئينه‌ را پرده‌ بر آن‌ داشتن‌

 منع‌ تماشاچيان‌، گر نكند باغبان‌     مي‌ نتواند به‌ باغ‌ نخل‌ روان‌ داشتن‌

گر بگشائي‌ دري‌ ز خانه‌ بر مفلسان      ‌ دگر مدار اين‌ اميد، به‌ خانه‌ خوان‌ داشتن‌

غنچه‌ به‌ باغ‌ ايمن‌ است‌ تا بود اندر حجاب      ‌ آفت‌ جان‌ و دل‌ است‌ چهره‌ عيان‌ داشتن‌

مرد وزن‌ اجنبي‌، چه‌ آتش‌ وپنبه‌ است‌     جمع‌ به‌ يكجا دو ضدّ، نمي‌توان‌ داشتن‌

كشف‌ حجاب‌ زنان‌، باري‌ باشد گران‌     دور ز غيرت‌ بود، بار گران‌ داشتن‌

كمانِ ابرو متاب‌، خدنگ‌ مژگان‌ بپوش‌     نيست‌ به‌ دوران‌ شاه‌، تير و كمان‌ داشتن‌

وافي‌ اگر گشته‌ پير، طبعي‌ دارد جوان‌     خوش‌ است‌ پيرانه‌ سر، طبع‌ جوان‌ داشتن‌ [1]

 أمّا السادة‌ الذين‌ يعتبرون‌ أنفسهم‌ من‌ نسل‌ القرود، فقد أرخوا لجام‌ الشهوات‌، وسخروا بالنكاح‌ المشروع‌، وسعوا إلي‌ إيجاد العلاقات‌ الجنسيّة‌ مع‌ كلّ رجل‌ وامرأة‌، لكنّهم‌ جهلوا أنّ هذه‌ الحيوان‌ البري‌ء( القرد) من‌ أهل‌ الغيرة‌ وله‌ سُنّة‌ زواج‌ وحسّ غيرة‌ في‌ حفظ‌ أُنثاه‌ وحراستها، لذا ينبغي‌ اعتبارهم‌ أكثر وضاعة‌ ورذالة‌ من‌ القرد، فالقرد البري‌ء يأنف‌ أن‌ ينسب‌ إليه‌ أراذل‌ كهؤلاء، فهم‌ الذين‌ تصدق‌ عليهم‌ حقّاً الآية‌ الكريمة‌:

 أُولَـ'´نءِكَ كَالاْنْعَـ'مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ. [2]

 يقول‌ الدميري‌ّ في‌ « حياة‌ الحيوان‌ » عن‌ القرد: وَيَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالزَّوَاجِ وَالغَيْرَةِ عَلَی‌ الاءنَاثِ. [3]

  الرجوع الي الفهرس

شرب الخمر یخالف حکم الفطرة و العقل المستقل و الشرع القویم

 كما أنّ استعمال‌ الخمر والمسكر رجس‌ أيضاً ومن‌ عمل‌ الشيطان‌، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ حلالاً في‌ شريعة‌ ما وحراماً في‌ أُخري‌؟!

 أيمكن‌ إباحة‌ المسكرات‌ التي‌ تزيل‌ العقل‌، فتجعل‌ الاءنسان‌ في‌ صفّ المجانين‌؟!

 إنّ الناس‌ يفضّلون‌ الابتلاء بأشدّ الامراض‌ كالسلّ والسرطان‌ والبرص‌ والجذام‌ والعمي‌ والشلل‌ علي‌ الاءصابة‌ بالجنون‌، فإنسانيّة‌ الاءنسان‌ بعقله‌ لابشـي‌ء آخر، والاءنسـان‌ بلا عقل‌ أسـفل‌ وأرذل‌ من‌ جمـيع‌ الحـيوانات‌ والوحوش‌.

كما أنّ تأثير المسكر علي‌ الاءنسان‌ هو سوقه‌ إيّاه‌ للجنون‌، فما الفرق‌ بين‌ الجنون‌ الدائمي‌ّ والجنون‌ المؤقّت‌؟

 أفيمكن‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ اعتبار المسكر خارجاً عن‌ شروط‌ الحلّيّة‌ والحرمة‌؟ أو الحكم‌ بحلّيّته‌؟

 لقد قلنا إنّ الاحكام‌ الفطريّة‌ هي‌ الاحكام‌ التي‌ تعدّ واسطة‌ لنيل‌ الكمال‌، وسير الاءنسان‌ إلي‌ أعلي‌ درجات‌ الاءنسانيّة‌؛ أفشرب‌ الخمر له‌ ميزة‌ كهذه‌؟ أو هل‌ يسير السكّير دوماً في‌ طريق‌ مدارج‌ ومعارج‌ الكمال‌؟

 أوَ يطوي‌ الطريق‌ المطلوب‌ للكمال‌ رجل‌ مخمور لا يفرّق‌ بين‌ زوجته‌ وأُخته‌ وأُمّه‌، فيشاركهنّ فراشه‌؟

 أَوَ يَعدّ الرجل‌ المخمور الذي‌ يقذف‌ طفله‌ حال‌ غضبه‌ من‌ الشرفة‌ إلي‌ ساحة‌ المنزل‌ إنساناً؟

 أيعدّ إنسـاناً الرجـل‌ السـكران‌ الذي‌ تكتـنفه‌ الخـيالات‌ المشـوّهة‌ والمموّهة‌، فيتخبّط‌ في‌ عالم‌ الاوهام‌ والخيالات‌، بحيث‌ يتصوّر قلم‌ الكتابة‌ نخلة‌ عالية‌، وساقية‌ الماء بحراً يباباً؟

 كلاّ بالطبع‌، فشرب‌ الخمر من‌ أسوأ المسائل‌ المعاكسة‌ للفطرة‌ والسنّة‌ الآدميّة‌، فهو يهوي‌ بالاءنسان‌ ويحرمه‌ من‌ جميع‌ المزايا والحظوظ‌.

 أيعقل‌ أنّ السيّد المسيح‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ قد قام‌ بتحليل‌ هذه‌ المادّة‌ الخبيثة‌ وهذا الشيطان‌ الرجيم‌؟

 إنّ أغلب‌ المسيحيّين‌ بما فيهم‌ الكاثوليك‌ والبروتستانت‌ يحتسون‌ الخمر ويعتبرونها دم‌ عيسي‌!

 فيا للعجب‌! كم‌ يحتوي‌ بدن‌ السيّد المسيح‌ من‌ الدم‌ بحيث‌ ينقضي‌ علي‌ صعوده‌ إلي‌ السماء بما يقرب‌ من‌ ألفي‌ سنة‌ ولا زال‌ نصاري‌ العالم‌ يحتسون‌ من‌ دمه‌ فلا ينفد ولا ينضب‌؟!

 كلاّ وحاشا، فلا السيّد المسيح‌ شرب‌ الخمر، ولا أُمّة‌ المصطفاة‌، ولاحُلّلت‌ الخمر في‌ كتاب‌ الاءنجيل‌ السماوي‌ّ، ولا أجاز المسيح‌ لحوارييه‌ شربها يوماً.

 لقد أبطل‌ المرمنيّون‌ ـ وهم‌ أمريكيّو الاصل‌ من‌ غيرالمهاجرين‌ والمقيمين‌ هناك‌؛ والساكنون‌ في‌ ولاية‌ إتازونا ـ أساس‌ الكاثوليك‌ والبروتستانت‌، وقالوا بحرمة‌ الخمر وشربها، وعدّوا من‌ الخطأ نسبة‌ السيّد المسيح‌ إلي‌ شرب‌ الخمر، فقد كان‌ يشرب‌ عصير العنب‌، فأساءوا بعد ذلك‌ الاستفادة‌ من‌ هذا العمل‌ فنسبوا إليه‌ شرب‌ الخمر.

 تشير الآيات‌ القرآنيّة‌ بصراحة‌ وبألفاظ‌ وعبارات‌ واضحة‌ إلي‌ أنّ شرب‌ الخمر من‌ الخبائث‌، وأ نّها رجس‌ من‌ عمل‌ إبليس‌ وتلبيسه‌ علي‌ الناس‌، أشاعها بينهم‌ لاءيقاع‌ العداوة‌ والبغضاء بينهم‌، ولصدّهم‌ عن‌ ذكر الله‌ والصلاة‌ والتضرّع‌ لمقام‌ عزّه‌ وقطع‌ طريق‌ العبوديّة‌ للخالق‌.

 يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاْنصَابُ وَالاْزْلَـ'مُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـ'نِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـ'نُ أَن‌ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَ ' وَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي‌ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن‌ ذِكْرِ اللَهِ وَعَنِ الصَّلَو'ةِ فَهَلْ أَنتُم‌ مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن‌ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُو´ا أَ نَّمَا عَلَی‌' رَسُولِنَا الْبَلَـ'غُ الْمُبِينُ. [4]

  الرجوع الي الفهرس

أکل الربا من المصادیق الواضحة للأحکام المخالفة للفطرة

 ويعدّ الربا من‌ المصاديق‌ والاحكام‌ المعاكسة‌ للفطرة‌ بشكل‌ واضح‌ وبيّن‌، ويتضمّن‌ معناه‌ الاستفادة‌ المجّانيّة‌ وبلا عوض‌ من‌ جهود الناس‌ وأتعابـهم‌، فهو في‌ الحقيقة‌ يمثّل‌ اسـتخدام‌ الشـخص‌ المظـلوم‌ وتسـخيره‌ لخدمة‌ الشـخص‌ الظالم‌ المتـجاوز، فالشـخص‌ المرابي‌ يأخـذ فائـدة‌ مقابل‌ لاشي‌ء، إذ عند استرداده‌ القرض‌ الذي‌ أقرضه‌، فما معني‌ أخذه‌ الزيادة‌ عليه‌؟! خلافاً للبيع‌ والشراء اللذين‌ يمثّلان‌ حصول‌ منفعة‌ أزاء عمل‌ معيّن‌، وفي‌ الحقيقة‌ فإنّهما يمثّلان‌ حصول‌ منفعة‌ مقابل‌ صرف‌ عمر بذله‌ البائع‌ في‌ تهيئة‌ الاجناس‌ المعيّنة‌ وعرضها.

 ونلحظ‌ لهذا أنّ الشخص‌ المشتري‌ لا يحسّ بالقلق‌ والضجر بالفطرة‌ والوجدان‌ حين‌ يشتري‌ شيئاً مع‌ علمه‌ بأنّ البائع‌ ينتفع‌ ببيعه‌ منه‌، علي‌ العكس‌ من‌ الشخص‌ المستقرض‌ الذي‌ يحسّ بالضجر والملل‌ والقلق‌ تجاه‌ الزيادة‌ التي‌ يتقاضـاها منه‌ المقرض‌، فلكأ نّما قَرَعَـتْهُ قارعة‌ أو ألـمّ به‌ خطب‌، ولو كانت‌ الزيادة‌ طفيفة‌ وتافهة‌، وهذا لا يحصل‌ إلاّ بإحساس‌ الشـخص‌ المقتـرض‌ عند سـداده‌ للزيادة‌ بإجـباره‌ علي‌ ذلـك‌ وقهـره‌ عليه‌، لافرق‌ في‌ هذا الامر وفق‌ أي‌ّ مذهب‌ ونظام‌ تمّ؛ وهو معني‌ كون‌ جميع‌ أقسام‌ الربا وتصريف‌ النقود وفوائد البنوك‌ أمراً غير فطري‌ّ، بل‌ معاكساً للفطرة‌، ولو كانت‌ الفائدة‌ المستحصلة‌ في‌ أدني‌ مراتبها.

 لقد حوّل‌ مرابو العالم‌ والبنوك‌ الدنيا إلي‌ سوق‌ للاستثمار والاستعمار والاستهلاك‌ والاستعباد، وهو أقسي‌ وأشدّ ألف‌ مرّة‌ ممّا كان‌ يحصل‌ في‌ زمن‌ الرقّ والعبوديّة‌ وشراء وبيع‌ الغلمان‌ والجواري‌، فذاك‌ كان‌ يحصل‌ لفئة‌ وطبقة‌ خاصّة‌ وفي‌ موارد معيّنة‌ محدودة‌، وهذا يمثّل‌ ابتلاع‌ جميع‌ العالم‌ ومصادرة‌ جهود الشيخ‌ والشابّ والرجل‌ والمرأة‌ والآمر والمأمور والرئيس‌ والمرؤوس‌ وصاحب‌ العمل‌ والموظّف‌ بلقمة‌ واحدة‌.

 وقد وردت‌ حرمة‌ الربا في‌ القرآن‌ الكريم‌ بشكل‌ أكيد ومشدّد، وبعبارات‌ حادّة‌ وتمثيلات‌ وتشبيهات‌ عجيبة‌:

 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبو'ا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي‌ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـ'نُ مِنَ الْمَسِّ ذَ ' لِكَ بِأَ نَّهُمْ قَالُو´ا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَو'ا وَأَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَو'ا فَمَن‌ جَآءَهُ و مَوْعِظَةٌ مِّن‌ رَّبِّهِ فَانْتَهَي‌' فَلَهُ و مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ و´ إِلي‌' اللَهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـ'´نءِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ * يَمْحَقُ اللَهُ الرِّبَو'ا وَيُرْبِي‌ الصَّدَقَـ'تِ وَاللَهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَأَقَامُوا الصَّلَو'ةَ وَءَاتَوُا الزَّكَو'ةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَو'ا إِن‌ كُنتُم‌ مُّؤْمِنِـينَ * فَإِن‌ لَّمْ تَفْعَـلُوا فَأْذَنُوا بِحَـرْبٍ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ وَإِن‌ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَ ' لِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن‌ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي‌' مَيْسَرَةٍ وَأَن‌ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن‌ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي‌ اللَهِ ثُمَّ تُوَفَّي‌' كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ. [5]

  الرجوع الي الفهرس

شرح قیم للعلامة الطباطبائی قدس الله نفسه بشأن الربا و آیة الربا

 و للعلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ بحوث‌ نفيسة‌ وقيّمة‌ بشأن‌ هذه‌ الآيات‌ نشير هنا إلي‌ بعضها:

 لقد شدّد الله‌ سبحانه‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ في‌ أمر الربا بما لم‌ يشدّد بمثله‌ في‌ شي‌ء من‌ فروع‌ الدين‌ إلاّ في‌ تولّي‌ أعداء الدين‌، فإنّ التشديد فيه‌ يضاهي‌ تشديد الربا، وأمّا سائر الكبائر فإنّ القرآن‌ وإن‌ أعلن‌ مخالفتها وشدّد القول‌ فيها، فإنّ لحن‌ القول‌ في‌ تحـريمها دون‌ ما في‌ هذين‌ الامرين‌، حتّي‌ الزنا وشرب‌ الخمر والقمار والظلم‌ وما هو أعظم‌ منها كقتل‌ النفس‌ التي‌ حرّم‌الله‌ والفساد، فجميع‌ ذلك‌ دون‌ الربا وتولّي‌ أعداء الدين‌.

 وليس‌ ذلك‌ إلاّ لانّ تلك‌ المعاصي‌ لا تتعدّي‌ الفرد أو الافراد في‌ بسط‌ آثارها المشؤومة‌، ولا تسري‌ إلاّ إلي‌ بعض‌ جهات‌ النفوس‌، ولا تحكم‌ إلاّ في‌ الاعمال‌ والافعال‌، بخلاف‌ هاتين‌ المعصيتينِ فإنّ لهما من‌ سوء التأثير ما ينهدم‌ به‌ بنيان‌ الدين‌ ويعفي‌ أثره‌، ويفسد به‌ نظام‌ حياة‌ النوع‌، ويضرب‌ الستر علي‌ الفطرة‌ الاءنسانيّة‌ ويسقط‌ حكمها فيصير نسياً منسيّاً علي‌ ما سيتّضح‌ إن‌ شاء الله‌ العزيز بعض‌ الاتّضاح‌.

 وقد صدّق‌ جريان‌ التأريخ‌ كتاب‌ الله‌ فيما كان‌ يشدّد في‌ أمرهما، حيث‌ أهبطت‌ المداهنة‌ والتولّي‌ والتحابّ والتمائل‌ إلي‌ أعداء الدين‌ الاُمم‌ الاءسلاميّة‌ في‌ مهبط‌ من‌ الهلكة‌ صاروا فيها نهباً منهوباً لغيرهم‌: لايملكون‌ مالاً ولا عرضاً ولا نفساً، ولا يستحقّون‌ موتاً ولا حياةً، فلا يؤذن‌ لهم‌ فيموتوا، ولا يغمض‌ عنهم‌ فيستفيدوا من‌ موهبة‌ الحياة‌، وهجرهم‌ الدين‌، وارتحلت‌ عنهم‌ عامّة‌ الفضائل‌.

 وحيث‌ ساق‌ أكل‌ الربا إلي‌ ادّخار الكنـوز وتراكم‌ الثـروة‌ والسـؤدد، فجرّ ذلك‌ إلي‌ الحروب‌ العالميّة‌ العامّة‌، وانقسام‌ الناس‌ إلي‌ قسمَي‌ المثري‌ السعيد والمعدم‌ الشقي‌ّ، وبان‌ البين‌، فكان‌ بلوي‌ يدكدك‌ الجبال‌، ويزلزل‌ الارض‌، ويهدّد الاءنسانيّة‌ بالانهدام‌، والدنيا بالخراب‌، ثُمَّ كَانَ عَـ'قِبَةَ الَّذِينَ أَسـَ'´ـُوا السُّو´أَي‌'. [6] وسيظهر لك‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ أنّ ما ذكره‌ الله‌ تعالي‌ من‌ أمر الربا وتولّي‌ أعداء الدين‌ من‌ ملاحم‌ القرآن‌ الكريم‌. [7]

  الرجوع الي الفهرس

لطائف الآیات الواردة فی حرمة الربا فی نظر العلامة الطباطبائی

 واعلم‌ أنّ أمر الآية‌ عجيب‌، فإنّ قوله‌ تعالي‌: فَمَن‌ جَآءَهُ و مَوْعِظَةٌ مِّن‌ رَّبِّهِ فَانتَهَي‌' فَلَهُ و مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ و´ إِلَي‌ اللَهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـ'´نءِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ مع‌ ما يشتمل‌ عليه‌ من‌ التسهيل‌ والتشديد حكم‌ غير خاصّ بالربا، بل‌ عامّ يشمل‌ جميع‌ الكبائر الموبقة‌، والقوم‌ قد قصروا في‌ البحث‌ عن‌ معناها، حيث‌ اقتصروا بالبحث‌ عن‌ مورد الربا خاصّة‌ من‌ حيث‌ العفو عمّا سلف‌ منه‌، ورجوع‌ الامر إلي‌ الله‌ فيمن‌ انتهي‌، وخلود العذاب‌ لمن‌ عاد إليه‌ بعد مجي‌ء الموعظة‌، هذا كلّه‌ مع‌ ما تراه‌ مع‌ العموم‌ في‌ الآية‌.

 إذا علمتَ، هذا ظهـر لك‌ أنّ قوله‌: فَلَهُ و مَا سَـلَفَ وَأَمْرُهُ و´ إِلَي‌ اللَهِ لايفيد إلاّ معني‌ مبـهماً يتعـيّن‌ بتعـيّن‌ المعصـية‌ التي‌ جاء فيـها الموعظة‌ ويختلف‌ باختلافها، فالمعني‌:

 أنّ من‌ انتهي‌ عن‌ موعظة‌ جاءته‌، فالذي‌ تقدّم‌ منه‌ من‌ المعصية‌، سواء كان‌ في‌ حقوق‌ الله‌ أم‌ في‌ حقوق‌ الناس‌ فإنّه‌ لا يؤاخذ بعينها، لكنّه‌ لايوجب‌ تخلّصه‌ من‌ تبعاته‌ أيضاً كما تخلّص‌ من‌ أصله‌ من‌ حيث‌ صدوره‌، بل‌ أمره‌ فيه‌ إلي‌ الله‌، إن‌ شاء وضـع‌ فيـها تبـعة‌، كقضـاء الصـلاة‌ الفائـتة‌ والصـوم‌ المنقوض‌ وموارد الحدود والتعزيرات‌ وردّ المال‌ المحفوظ‌ المأخوذ غصباً أو ربا وغير ذلك‌ مع‌ العـفو عن‌ أصل‌ الجـرائم‌ بالتـوبة‌ والانتـهاء، وإن‌ شاء عفي‌ عن‌ الذنب‌ ولم‌ يضع‌ عليه‌ تبعة‌ بعد التوبة‌، كالمشرك‌ إذا تاب‌ عن‌ شركه‌ ومن‌ عصي‌ بنحو شرب‌ الخمر واللهو فيما بينه‌ وبين‌ الله‌ ونحو ذلك‌.

 فإنّ قوله‌: فَمَن‌ جَآءَهُ و مَوْعِظَةٌ مِّن‌ رَّبِّهِ فَانتَهَي‌' مطلق‌ يشمل‌ الكافرين‌ والمؤمنين‌ في‌ أوّل‌ التشريع‌ وغيرهم‌ من‌ التابعين‌ وأهل‌ الاعصار اللاحقة‌. [8]

 ومن‌ هنا يظهر أنّ المراد من‌ مجي‌ء الموعظة‌ بلوغ‌ الحكم‌ الذي‌ شرّعه‌ الله‌ تعالي‌، ومن‌ الانتهاء التوبة‌ وترك‌ الفعل‌ المنهي‌ عنه‌ انتهاءً عن‌ نهيه‌ تعالي‌، ومن‌ كون‌ ما سلف‌ لهم‌ عدم‌ انعطاف‌ الحكم‌ وشموله‌ لما قبل‌ زمان‌ بلوغه‌، ومن‌ قوله‌: فَلَهُ و مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ و´ إِلَي‌ اللَهِ أ نّه‌ لايتحتّم‌ عليهم‌ العذاب‌ الخالد الذي‌ يدلّ عليه‌ قوله‌: وَمَن‌ عَادَ فَأُولَـ'´نءِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ خَـ'لِدُونَ، فهم‌ منتفعون‌ فيما أسلفوا بالتخلّص‌ من‌ هذه‌ المهلكة‌، ويبقي‌ عليهم‌ أنّ أمرهم‌ إلي‌ الله‌ فربّما أطلقهم‌ في‌ بعض‌ الاحكام‌، وربّما وضع‌ عليهم‌ ما يتدارك‌ به‌ ما فوّتوه‌. [9]

 يَمْحَقُ اللَهُ الرِّبَـو'ا وَيُرْبِي‌ الصَّدَقَـ'تِ: المحق‌ نقصان‌ الشي‌ء حالاً بعد حال‌، ووقوعه‌ في‌ طريق‌ الفناء والزوال‌ تدريجاً؛ و الاءرباء الاءنماء، والاثيم‌ الحامل‌ للاءثم‌، وقد مرّ معني‌ الاءثم‌.

 وقد قوبل‌ في‌ الآية‌ بين‌ إرْبَاءِ الصَّدَقَاتِ وَمَحْقِ الرِّبَا، وقد تقدّم‌ أنّ إرباء الصدقات‌ وإنماءها لا يختصّ بالآخرة‌، بل‌ هي‌ خاصّة‌ لها عامّة‌ تشمل‌ الدنيا كما تشمل‌ الآخرة‌، فمحق‌ الربا أيضاً كذلك‌ لا محالة‌. [10]

 قوله‌ تعالي‌: وَاللَهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ تعليل‌ لمحق‌ الربا بوجه‌ كلّي‌ّ، والمعني‌ أن‌ آكل‌ الربا كثير الكفر لكفره‌ بنعم‌ كثيرة‌ من‌ نعم‌ الله‌ لستره‌ علي‌ الطرق‌ الفطريّة‌ في‌ الحياة‌ الاءنسانيّة‌، وهي‌ طرق‌ المعاملات‌ الفطريّة‌، وكفره‌ بأحكام‌ كثيرة‌ في‌ العبادات‌ والمعاملات‌ المشروعة‌، فإنّه‌ بصرف‌ مال‌ الربا في‌ مأكله‌ ومشربه‌ وملبسه‌ ومسكنه‌ يبطل‌ كثيراً من‌ عباداته‌ بفقدان‌ شرائط‌ مأخوذة‌ فيها، وباستعماله‌ فيما بيده‌ من‌ المال‌ الربوي‌ّ يبطل‌ كثيراً من‌ معاملاته‌، ويضمن‌ غيره‌، ويغصب‌ مال‌ غيره‌ في‌ موارد كثيرة‌، وباستعمال‌ الطمع‌ والحرص‌ في‌ أموال‌ والخشونة‌ والقسوة‌ في‌ استيفاء ما يعدّه‌ لنفسه‌ حقّاً يفسد كثيراً من‌ أُصول‌ الاخلاق‌ والفضائل‌ وفروعها، وهو أثيم‌ مستقرّ في‌ نفسه‌ الاءثم‌ فالله‌ سبحانه‌ لا يحبّه‌ لاِنَّ اللَهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. [11]

 قوله‌ تعالي‌: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَهَ وَذَروُا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَو'ا إِن‌ كُنتُم‌ مُّؤْمِنِينَ؛ خطاب‌ للمؤمنين‌ وأمر لهم‌ بتقوي‌ الله‌ وهو توطئة‌ لما يتعقّبه‌ من‌ الامر بقوله‌ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَو'ا، وهو يدلّ علي‌ أ نّه‌ كان‌ من‌ المؤمنين‌ في‌ عهد نزول‌ الآيات‌ مَنْ يأخذ الربا وله‌ بقايا منه‌ في‌ ذمّة‌ الناس‌ من‌ الربا فأُمِرَ بتركها، وهدّد في‌ ذلك‌ بما سيأتي‌ من‌ قوله‌:

 فَإِن‌ لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ. [12]

 وقوله‌: وَإِن‌ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي‌' مَيْسَرَةٍ وَأَن‌ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن‌ كُنتُم‌ تَعْلَمُونَ.

 ومع‌ أنّ الآية‌ مطلقة‌ غير مقيّدة‌، لكنّها منطبقة‌ علي‌ مورد الربا، فإنّهم‌( أي‌ أعراب‌ الجاهليّة‌) كانوا إذا حلّ أجل‌ الدَّين‌ يطالبونه‌ من‌ المدين‌، فيقول‌ المدين‌ لغريمه‌: زد في‌ أجلي‌ كذا مدّة‌ أزيدك‌ في‌ الثمن‌ بنسبة‌ كذا، والآية‌ تنهي‌ عن‌ هذه‌ الزيادة‌ الربويّة‌ وتأمر بالاءنظار. [13]

 كان‌ هذا بحثنا عن‌ الفطرة‌ وأحكام‌ الفطرة‌ وانطباق‌ الاحكام‌ الشرعيّة‌ والسنن‌ الاءلهيّة‌ ومنهاج‌ الشرائع‌ وسيرة‌ الانبياء عليها؛ وعلمنا أنّ الفطرة‌ هي‌ المسار التكويني‌ لكلّ فرد من‌ أفراد الاءنسان‌( الذي‌ هو موجود حقيقي‌ّ واقعي‌ّ) إلي‌ كماله‌ المنشود الذي‌ هو الآخر أمر حقيقي‌ّ، وأنّ الاحكام‌ التي‌ وضعت‌ لاءيصال‌ الاءنسان‌ إلي‌ هذا الكمال‌ تدعي‌ بالاحكام‌ الفطريّة‌، وأنّ هذه‌ الاحكام‌ عبارة‌ عن‌ المسائل‌ التي‌ جُعلت‌ من‌ قبل‌ الخالق‌ العليم‌ الحكيم‌ والخبير بالبنية‌ الوجوديّة‌ والمسير التكاملي‌ّ والهدف‌ الغائي‌ّ للاءنسان‌؛ ومعني‌ الجعل‌ الاءلهي‌ّ هو الاعتبار الاءلهي‌ّ. فهذه‌ الاُمور الاعتباريّة‌ هي‌ الواسطة‌ بين‌ مبدأ الاءنسان‌ وبين‌ كماله‌ وغايته‌. فالعبد الخاضع‌ للّه‌ يمكنه‌ بتنفيذ هذه‌ الاحكام‌ والاوامر وتطبيقها إيصال‌ نفسه‌ إلي‌ أعلي‌ ذروة‌ الكمال‌ والارتقاء بها إلي‌ أوج‌ الاءنسانيّة‌.

 فهذه‌ الاحكام‌ التي‌ تمّ اعتبارها بإرادة‌ الله‌ ونظره‌ فاقت‌ في‌ إحكامها ومتانتها كلّ أمر آخر، وكانت‌ أكثر توفيقاً ونجاحاً في‌ إيصال‌ الاءنسان‌ إلي‌ الهدف‌ الاصلي‌ّ للخـلقة‌، لا نّها تنطـبق‌ مع‌ حكم‌ العـقل‌ وحكم‌ الشـهود والوجدان‌. ومعني‌ الاعتبار أنّ المُعْتَبِر ـوهو الله‌ سبحانه‌ـ قد قرّرها وعيّنها بلحاظ‌ الهيكل‌ البُنيوي‌ّ والقوي‌ المادّيّة‌ والطبيعيّة‌، وبرعاية‌ الاُمور النفسيّة‌ والروحـيّة‌ للاءنسـان‌، بعـيداً عن‌ ذرّة‌ من‌ الحـقد والحسـد وإعمال‌ الغـرض‌ ولحـاظ‌ النفـع‌ الشـخصي‌ّ والفائـدة‌ الذاتـيّة‌، فقد حُسـبت‌ جمـيع‌ المصـالح‌ والمفاسد، وأسباب‌ النجاة‌ والفوز وعوامل‌ الهلاك‌ والشقاء، بأدقّ الحسابات‌ وأعمقها وأكملها، ثمّ جُعل‌ الحكم‌ تبعاً لهذه‌ النظرة‌؛ أشبه‌ بطبيب‌ حاذق‌ يعاين‌ مرض‌ المريض‌ ويطالعه‌ ويناقش‌ جوانبه‌ وسوابقه‌ ولواحقه‌، ويجري‌ المقارنات‌، ويراعي‌ الظروف‌ الزمانيّة‌ والمكانيّة‌ والاُمور الوراثيّة‌، ثمّ يعتبر بعد تشخيص‌ المرض‌ دواءً له‌. فهذا الاعتبار يقابل‌ الحقيقة‌، أي‌ يقابل‌ الخارج‌ والخارجيّة‌، أي‌ حكم‌ ونظر.

 فنظر الطبيب‌ هو نظر الشخص‌ المعتبر، وهو الذي‌ يعتبر الادوية‌ الفلانيّة‌ في‌ وصفة‌ الدواء التي‌ يعطيها للمريض‌.

 ثمّ إنّ المريض‌ الذي‌ يمثّل‌ مرضه‌ أمراً حقيقيّاً، يعمل‌ بالنظريّة‌ الاعتباريّة‌ للطبيب‌، فيستعمل‌ الدواء ويشفي‌ في‌ النتيجة‌، والشفاء بدوره‌ أمر حقيقي‌ّ.

 ومن‌ ثمّ فإنّ اعتبار نظريّة‌ الطبيب‌، أي‌ تقييم‌ هذا الدواء وفق‌ نظره‌، هو أمر صحيح‌ وكامل‌ جدّاً ليس‌ فوقه‌ شي‌ء، إذ يستحيل‌ أن‌ يصف‌ الطبيب‌ في‌ هذه‌ الحال‌ دواءً خلافاً لنظريّته‌ بخصوص‌ هذا المريض‌، كأن‌ يصف‌ مثلاً دواءً يعاكسه‌، وإلاّ لدفع‌ بالمريض‌ إلي‌ حافّة‌ الهلاك‌، ولما سُمِّي‌ آنذاك‌ بالطبيب‌، بل‌ وجب‌ تسميته‌ بالقاتل‌ والمفسد والجاني‌.

 فالطبيب‌ يقضي‌ عمره‌ في‌ الدراسة‌ والتحصيل‌ وإجراء التجارب‌ ليكون‌ ماهراً في‌ فنّه‌، وليؤيّد بنظره‌ هذا الاعتبار بشكل‌ صحيح‌، فلايمكنه‌ تخطّي‌ هذا الاعتبار القائم‌ به‌ مائة‌ في‌ المائة‌ أو تجاوزه‌. لذا، فإنّ قضاء عمر في‌ مشقّة‌ الدراسة‌ والتعلّم‌ والتعليم‌، والسهر في‌ خفارة‌ المستشفيات‌ ـوهي‌ كلّها أُمور حقيقيّة‌ـ كان‌ من‌ أجل‌ حصول‌ وإيجاد هذا الامر الاعتباري‌ّ.

 أمّا اعتبار الخالق‌ الحكيم‌ فهو من‌ الصحّة‌ والصواب‌ ومطابقة‌ المراد، بحيث‌ ينبغي‌ القول‌ حقّاً إنّه‌ يفضل‌ آلافاً من‌ الحقائق‌، لا نّه‌ مفتاح‌ جميع‌ أنواع‌ السعادة‌ وكمال‌ الحظّ.

 ولقد بيّن‌ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ الشريف‌ هذه‌ الحقائق‌ مفصّلاً في‌ المقالة‌ السادسة‌ من‌ « أُصول‌ فلسفة‌ وروش‌ رئاليسم‌ »( =أُسس‌ الفلسفة‌ والمذهب‌ الواقعي‌ّ)؛ كما بيّن‌ بكمال‌ الدقّة‌ هذه‌ الحقيقة‌ في‌ تفسير الآية‌ المباركة‌ المتعلّقة‌ بالفطرة‌ علي‌ النحو الذي‌ أوردناه‌. والعجب‌ هنا من‌ صاحب‌ مقالة‌ « بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌ »( = بسط‌ وقبض‌ نظريّة‌ الشريعة‌) الذي‌ يبدو أ نّه‌ عدّ الاعتبار أمراً زائداً عابراً لاملاك‌ له‌ ولاقيمة‌، وهو أشبه‌ ما يكون‌ عنده‌ بنسج‌ الخيالات‌، واعتبره‌ مدفوعاً بهواه‌ من‌ الاُمور التي‌ لا أساس‌ لها ولا مناط‌، ووضعه‌ ردفاً للاُمور الواهية‌، ثمّ انتقد سماحة‌ العلاّمة‌ وذكر مطالباً وأُموراً لا تليق‌ بساحة‌ كاتب‌ ولا مقامه‌. [14]

  الرجوع الي الفهرس

بیان بعض مسائل الفطرة و الأحکام المتعمدة علیها

 ونجد أنفسنا مجبرين‌ علي‌ أن‌ نذكّر بعدّة‌ تنبيهات‌ من‌ أجل‌ بيان‌ بعض‌ مسائل‌ الفطرة‌ والاحكام‌ المعتمدة‌ عليها.

 التنبيه‌ الاوّل‌: هل‌ نحن‌ قادرون‌ علي‌ اكتشاف‌ جزئيّات‌ أحكام‌ الفطرة‌ من‌ غير طريق‌ الشرع‌ والشريعة‌؟

 الجواب‌ منفي‌ّ بالطبع‌، أي‌ أ نّه‌ لا إمكان‌ مطلقاً في‌ الوصول‌ إلي‌ أحكام‌ الفطرة‌ لعامّة‌ البشر بدون‌ الاتّصال‌ بالوحي‌ ومرحلة‌ النبوّة‌.

تلازم قاعدتی الأحکام العقلیة و الشرعیة تصدق فی الأحکام الفطریة

 وعلّة‌ ذلك‌ ـ كما ذكـرنا ـ أنّ أحكام‌ الفطـرة‌ وضعـت‌ علي‌ أسـاس‌ الاحتياجات‌ الحقيقيّة‌ للاءنسان‌، وليس‌ هناك‌ غير علاّم‌ الغيوب‌ من‌ مطّلع‌ علي‌ البواطن‌ والسرائر والغرائز، وخبير بالسبل‌ الموصلة‌ إلي‌ الهدف‌ الغائي‌ّ لخلق‌ الاءنسان‌، وعليم‌ بالبناء البدني‌ّ والمادّي‌ّ والنظام‌ الروحي‌ّ والنفسي‌ّ له‌، ليمكنه‌ جعل‌ حكم‌ يحفظ‌ مصلحة‌ الآدمي‌ّ المطلقة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌؛ فمهما ارتفعت‌ درجات‌ الافراد ـمن‌ دون‌ الله‌ـ العلميّة‌، وارتقت‌ مراتب‌ الحكمة‌ فيهم‌، إلاّ أ نّهم‌ لن‌ يحيطوا مع‌ ذلك‌ بجميع‌ جوانب‌ الاءنسان‌:

 وَمَآ أُوتِيتُم‌ مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. [15]

 وفي‌ المثال‌ الذي‌ أوردناه‌ عن‌ علم‌ الطبّ والمريض‌، فإنّ علي‌ المريض‌ مهما كانت‌ درجته‌ العلميّة‌ مراجعة‌ الطبيب‌ والعمل‌ بوصفة‌ الدواء، واتّباع‌ تعاليمه‌ بلا مناقشة‌، وذلك‌ باعتبار جهل‌ المريض‌ لفنّ الطبّ، ولانّ الطبيب‌ حسب‌ فرضنا حاذق‌ ماهر، لذا فإنّ مفاد حكم‌ الفطرة‌ وحكم‌ العقل‌ وحكم‌ الشرع‌ يقول‌:

 فَسْـَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن‌ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. [16]

 وينبغي‌ علي‌ المريض‌ أن‌ يلتزم‌ بالتعبّد المحض‌ مقابل‌ أقوال‌ الطبيب‌، وإلاّ فإنّ تخطّيها وتجاوزها سيعدّ تمرّداً واتّباعاً للرأي‌ الشخصي‌ّ ومستلزماً للهلاك‌، وهو أحد مصاديق‌ الانتحار، ومعلوم‌ أنّ الانتحار حرام‌ عقلاً وشرعاً، لذا فإنّ رأي‌ الطبيب‌ صحيح‌ ورأي‌ المريض‌ خطأ.

 والامر في‌ الاُمور الشرعيّة‌ كما هو في‌ أمر الطبيب‌ الحاذق‌ العارف‌ ببواطن‌ أُمور البدن‌ وتركيبه‌ وأفعاله‌ وردود فعله‌، وخواصّ الدم‌، وتركيب‌ السمّ والترياق‌، وأخيراً فهو مطّلع‌ علي‌ مجموع‌ حالات‌ المريض‌ وكيفيّة‌ تأثير الدواء؛ فالشـارع‌ المقـدّس‌ مطّـلع‌ بأحسـن‌ وجه‌ وأكمـل‌ طريق‌ علي‌ جميع‌ الاحوال‌ المادّيّة‌ والروحيّة‌ للمريض‌ وكيفيّة‌ معيشته‌ وحياته‌ وعافيته‌ المطـلقة‌، وصحّة‌ وسلامة‌ نفـسـه‌، وتمتّـعه‌ بجـميـع‌ المـواهـب‌ الاءلهـيّة‌ والاستعدادات‌ الفطريّة‌، وكيفيّة‌ جعلها فعّالة‌ في‌ جميع‌ الشؤون‌ الفرديّة‌ والاجتماعيّة‌. والاءيصال‌ إلي‌ ساحة‌ قدس‌ الحبيب‌ علي‌ الاءطلاق‌ والفناء في‌ ذاته‌ المقدّسة‌. لذا، ينبغي‌ متابعة‌ النبي‌ّ ووصيّه‌، واتّباع‌ الاءمام‌ الحي‌ّ، وإلاّ فإنّ المخاطر ستواجه‌ البشر بشكل‌ حتمي‌ّ وقطعي‌ّ، وسيُنزل‌ بنا ـبسبب‌ عدم‌التمسّك‌ بميثاق‌ النبوّة‌ وحبلهاـ ما نزل‌ بالمجتمعات‌ الكبيرة‌ والاُمم‌ المتمدّنة‌ في‌ عالمنا الحاضر، فقد كانوا سعداء جذلين‌ مبهورين‌ بأضواء الدنيا الزائفة‌، مشـغولين‌ كالاطفال‌ بالتفرّج‌ علي‌ صندوق‌ العـجائب‌، فخسـروا بلامقابل‌ جميع‌ مزاياهم‌ الاخلاقيّة‌ والروحيّة‌ وسجاياهم‌ الفطريّة‌ وغرائزهم‌ الموهوبة‌ من‌ قبل‌ الله‌، بل‌ خسروا حتّي‌ صحّة‌ المزاج‌ الطبيعي‌ّ وهدوء البال‌ وراحة‌ الفكر، فلم‌ يربحوا في‌ مقامرتهم‌ هذه‌، بل‌ كانوا هم‌ الاخسرين‌، وعلي‌ قول‌ إقبال‌ الباكستاني‌ّ:

دل‌ ودين‌ باخته‌اي‌ تا هنر آموخته‌اي  ‌ آه‌ از اين‌ دُرّ گرانمايه‌ كه‌ درباخته‌اي[17]

 ويتّضح‌ من‌ هذا البيان‌ أنّ ما ذكره‌ بعض‌ دعاة‌ التجدّد المبهورون‌ بالغرب‌ في‌ معني‌ خاتميّة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌: « أن‌ العلوم‌ البشريّة‌ اليوم‌ في‌ حالة‌ تزايد وتكامل‌، لذا فلا حاجة‌ للبشر إلي‌ نبي‌ّ، لانّ البشر يستطيع‌ بقواه‌ العقليّة‌ وبحوثه‌ العلميّة‌ أن‌ يدير أُموره‌ بلاواسطة‌ للرسول‌ »، وهو قول‌ سخيف‌ لا اعتبار له‌.

  الرجوع الي الفهرس

عدم قدرة عامة البشر للوصول إلی جزئیات أحکام الفطرة

 وينبغي‌ العلم‌ أنّ مرادنا بعدم‌ قدرة‌ العقل‌ علي‌ اكتشـاف‌ الاحكام‌ الفطريّة‌ كما أشرنا قبلاً، هو عدم‌ قدرته‌ علي‌ اكتشاف‌ جزئيّات‌ وتفاصيل‌ الاحكام‌، ولايمكن‌ قبول‌ الادّعاء بأنّ البشـر يمكـنه‌ بعـقله‌ اسـتخـراج‌ واستنباط‌ الاحكام‌ الفطريّة‌، إذ هو قول‌ جزاف‌. أمّا في‌ الاُسس‌ والاحكام‌ الكلّيّة‌ التي‌ يتوافق‌ البشر عليها، كحسن‌ الاءحسان‌ إلي‌ المُحسن‌، وحسن‌ الاءيثار، والاءنفاق‌ علي‌ الغير في‌ الموارد الصحيحة‌، أو قبح‌ الكذب‌ المضرّ وحسن‌ الصدق‌ النافع‌، وحسن‌ العدالة‌ وقبح‌ الظلم‌، وكغريزة‌ النزوع‌ إلي‌ المبدأ، وسائر الاحكام‌ من‌ هذا القبيل‌، فهي‌ أحكام‌ فطريّة‌ يمكن‌ إدراكها، بل‌ إنّها من‌ أوّل‌ الاشياء التي‌ يصل‌ إليها العقل‌ ويدركها، لانّ الفطرة‌ إن‌ اعتُبرت‌ بمعني‌ كيفيّة‌ الخلق‌ والبنية‌ الوجوديّة‌ الخاصّة‌ للاءنسان‌، فإنّ أُسسها عموماً ستكون‌ قابلة‌ لاءدراك‌ البشر وجداناً في‌ بعض‌ مواردها، ولو كانت‌ هذه‌ الاُسس‌ والاُصول‌ جملةً غيرقابلة‌ لاءدراك‌ البشر وفهمهم‌ فإنّ ذلك‌ يؤدّي‌ إلي‌ نفي‌ الغرض‌، وسيصبح‌ الادّعاء بأنّ أحكام‌ الدين‌ فطريّة‌ أمراً لامعني‌ له‌، لانّ الاحكام‌ ستكون‌ ما يأمر به‌ الدين‌ ويقوله‌، وهذا يستلزم‌ الدور.

  الرجوع الي الفهرس

الفطرة هی ما طابق العقل الإنسانی دون العقل الحیوانی

 التنبيه‌ الثاني‌: وكما صرّح‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌، فإنّ المراد بأحكام‌ الفطرة‌ هي‌ الاحكام‌ المطابقة‌ للعقل‌، أي‌ العقل‌ الاءنساني‌ّ من‌ حيث‌ هو إنسان‌، لا العقل‌ الحيواني‌ّ.

 فالعقل‌ الحيواني‌ّ عبارة‌ عمّا يشترك‌ به‌ الاءنسان‌ مع‌ الحيوانات‌، والشعور المرتبط‌ بالحواسّ الظاهريّة‌ والقوي‌ الخياليّة‌ الداعي‌ لاتّباع‌ اللذائذ البهيميّة‌ والشهوات‌، وتحقيق‌ الرغبات‌ المادّيّة‌، ونيل‌ الرياسة‌، وجمع‌ الحطام‌ الدنيوي‌ّ، وحسّ التفوّق‌ والتظاهر، وعبادة‌ الذات‌، وحبّ الظهور والجاه‌ وأمثالها، وواضـح‌ أنّ هذا الشـعور والاءدراك‌ لا يصـل‌ بالاءنسـان‌ إلي‌ مقام‌ الاءنسـانيّة‌، بل‌ يجـعله‌ في‌ مرتبة‌ الحيـوانات‌ واجناسـها التي‌ هي‌ أعلي‌ من‌ النباتات‌ والجمادات‌.

 أمّا العقل‌ الاءنساني‌ّ الذي‌ يصوغ‌ الفرد إنساناً، فهو عبارة‌ عن‌ العبوديّة‌ المحضة‌ والمطلقة‌ مقابل‌ الخالق‌ الحكيم‌ العليم‌، والانقياد والاءطاعة‌ الصرفة‌ بلحاظ‌ مقام‌ العبوديّة‌ مقابل‌ عظمة‌ ومقام‌ ربوبيّة‌ ذلك‌ الخلاّق‌ الخبير. كما أنّ حبّ الوصول‌ إلي‌ ذات‌ ذلك‌ المبدأ الازلي‌ّ والابدي‌ّ، وشوق‌ وعشق‌ لقاء الجمال‌ السرمدي‌ّ والفناء في‌ ذاته‌ الاحديّة‌ جلّ وعزّ، وتكميل‌ القوة‌ العاقلة‌ والعاملة‌ والاءيثار والتضحية‌ والفتوّة‌ والمروءة‌ والصبر والتحمّل‌ والاءنفاق‌ والخيرات‌ وأعمال‌ البرّ المطلوبة‌ هي‌ التي‌ تفصل‌ الاءنسان‌ عن‌ وجوده‌ المعار والمجاز وتلحقه‌ بالوجود الابدي‌ّ والحقيقي‌ّ.

 فهذه‌ وأشـباهـها مـن‌ صفات‌ الانبـياء العـظام‌ والائمّة‌ المعصـومـين‌ والاولياء المقرّبين‌ هي‌ الهدف‌ الاصلي‌ّ والغائي‌ّ للاءنسان‌. وبهذا اللحاظ‌ فإنّ أحكام‌ الفطرة‌ هي‌ الاحكام‌ التي‌ ينبغي‌ تشريعها وتدوينها لهذا النهج‌ من‌ السـير والسـلوك‌، لا الاحكام‌ التي‌ يجـعلها ويدوّنها ويتـوصّل‌ إليـها عقل‌ الاءنسان‌ المادّي‌ّ والشـهواني‌ّ بما هو حيـوان‌، إذ لا يمكن‌ اعتبار هذا النمط‌ من‌ الاحكام‌ والسنن‌ سنناً فطريّة‌ وأحكاماً حقيقيّة‌.

 ومن‌ هنا، فإنّ الاءنسـان‌ محـتاج‌ دوماً للاتّصال‌ بالشـرع‌ والشـريعة‌ ومنهل‌ الولاية‌ ومعدن‌ حكمة‌ النبوّة‌، لا ملجأ له‌ ولا علاج‌ غيرها، ولا طريق‌ له‌ غير نهجها وطريقها.

 أمّا إذا اعتبرت‌ أحكام‌ الفطرة‌ علي‌ أ نّها الاحكام‌ التي‌ تتوصّل‌ إليها العقول‌ البشريّة‌، فإنّ ضرورة‌ الشريعة‌ ستنتهي‌ حينذاك‌، وسيرجع‌ جميع‌ الناس‌ إلي‌ عقولهم‌ فيعملون‌ بمقتضاها، وهذا ما يساوق‌ نسخ‌ الشريعة‌، ونسخ‌ القرآن‌، ونسخ‌ النبوّة‌، ونسخ‌ الولاية‌، ونسخ‌ معني‌ إمامة‌ وولاية‌ الاءمام‌ الحي‌ّ.

 وهيهات‌ هيهات‌ أن‌ تكون‌ يد البشر القاصرة‌ قد نالت‌ ذلك‌ أو تناله‌، وأن‌ حري‌ّ بنا أن‌ نبعد هذه‌ الافكار الساذجة‌ عن‌ أذهاننا وأن‌ لا نتطرّق‌ إليها، ونزجر هذه‌ الافكار الشيطانيّة‌ فلا ننخدع‌ بها، وعلينا أن‌ لا نتخطّي‌ ما رُسِم‌ لنا من‌ مقام‌ وحدود، وأن‌ ننهل‌ دوماً من‌ معين‌ الاءمام‌ الحي‌ّ. الحجّة‌ ابن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌، فنروي‌ أكبادنا الظـمأي‌ وقلوبنا الحرّي‌، وأن‌ نعدّ أنفسنا بالعمل‌ بشرعه‌ وشريعته‌ ونهجه‌ وسيرته‌ للتكامل‌ والوصول‌ للهدف‌ المنشود، حينذاك‌ يصبح‌ أحدنا إنساناً يصدق‌ عليه‌ أنّ عالم‌ الوجود والشمس‌ والقمر وخلق‌ الارض‌ مسخّر لاجله‌.

 التنبيه‌ الثالث‌: بشأن‌ قاعدتَي‌ الملازمة‌ المبحوثتين‌ في‌ علم‌ أُصول‌ الفقه‌:

 الاُولي‌: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ حَكَمَ بِهِ العَقْلُ.

 الثانية‌: عكسها: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ العَقْلُ حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ.

 فهل‌ هاتان‌ القاعدتان‌ أو إحداهما صحيحة‌ بشكل‌ عامّ وكلّي‌ّ، أم‌ أنّ هذه‌ الملازمة‌ غير تامّة‌؟

 يمكن‌ الحصول‌ علي‌ إجابة‌ هذا السؤال‌ ممّا ذكرناه‌ من‌ انطباق‌ حكم‌ الفطرة‌ مع‌ حكم‌ العقل‌ الاءنساني‌ّ والحكم‌ الشرعي‌ّ، لا نّه‌ إن‌ أريد من‌ كلمة‌ العقل‌ في‌ هاتين‌ القاعدتين‌ هذه‌ العقول‌ النظريّة‌ العامّة‌ التي‌ يمتلكها عامّة‌ البشر، فيستخدمونها لتنسيق‌ أُمورهم‌ البيتيّة‌ وتنظيم‌ مجتمعهم‌ ومدنيّتهم‌، فلن‌يكون‌ صحيحاً بشكل‌ كلّي‌ّ أيّاً من‌ هاتين‌ الملازمتين‌، لا نّنا نري‌ في‌ كثير من‌ الموارد أنّ للعقلاء حكماً ما لكنّ الشرع‌ يورد خلافه‌، كما في‌ المعاملات‌ الربويّة‌ وأُسس‌ معاملات‌ البنوك‌، وكالتلقيح‌ والحمل‌ بحقن‌ نطفة‌ رجل‌ أجنبي‌ّ في‌ رحم‌ امرأة‌ لا يربطها به‌ عقد شرعي‌ّ، ومثل‌ تبنّي‌ طفل‌ أجنبي‌ّ وإصدار شهادة‌ الجنسيّة‌ له‌ ومعاملته‌ معاملة‌ الابن‌ الحقيقي‌ّ في‌ جميع‌ المراتب‌، وكثير من‌ أمثال‌ هذه‌ المسائل‌، في‌ حين‌ يمتلك‌ الشرع‌ وجهة‌ نظر مخالفة‌ كلّيّاً.

 أمّا إن‌ كان‌ المراد من‌ كلمة‌ العقل‌ نفس‌ العقل‌ الاءنساني‌ّ الحقيقي‌ّ الموجود للانبياء والائمّة‌ بلحاظ‌ الجانب‌ الملكوتي‌ّ والعلوي‌ّ للاءنسان‌، لابلحاظ‌ حيوانيّته‌ وبهيميّته‌، وحيث‌ إنّ العَقْلُ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ وَاكْتُسِبَ بِهِ الجِنَانُ؛ [18] فإنّ كلا القاعدتَين‌ والملازمتَين‌ ستكون‌ صحـيحة‌، إذ ليس‌ هناك‌ من‌ حكم‌ عقلي‌ّ فطـري‌ّ إلاّ وهناك‌ حكـم‌ شرعي‌ّ يطابقه‌ ويوافـقه‌، والعكس‌ صحيح‌، وهذا هو معني‌ أنّ دين‌ الاءسلام‌ هو دين‌ الفطرة‌، فَأَقِمْ وَجْهَكَ لَلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا. [19]

  الرجوع الي الفهرس

الأحکام الاضطراریة فطریة کما فی الأحکام الأخری

 التنبيه‌ الرابع‌: يشاهد في‌ بعض‌ الموارد أنّ هناك‌ لموضوع‌ أو متعلّق‌ واحد حكمينِ مختلفينِ، كالوجوب‌ والحرمة‌، كما في‌ موارد الاضطرار مثلاً، حيث‌ يصبح‌ الحرام‌ حلالاً: مَا مِن‌ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إلَيْهِ. [20]

 كأكل‌ لحم‌ الميتة‌ والدم‌ ولحم‌ الخنزير وذبيحة‌ غير المسلمين‌ المحرّم‌ في‌ الحالات‌ العاديّة‌، لكنّه‌ يصبح‌ حلالاً عند الاضطرار:

 إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْكُمُ الْمَيَتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلآ إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللَهِ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [21]

 ونلحـظ‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ ونظائـرها أنّ الله‌ سـبحانه‌ جعل‌ حكمَين‌ مختلفَين‌ لموضوع‌ ومتعلّق‌ واحد، الحكم‌ الاوّل‌ في‌ حال‌ عدم‌ الاضطرار وهو الحرمة‌، والحكم‌ الثانوي‌ّ حال‌ الاضطرار وهو الاءباحة‌ والجواز، فأي‌ّ حكم‌ من‌ هذين‌ الحكمينِ ـيا تُري‌ـ يطابق‌ الفطرة‌؟

 لقد عرفنا أنّ المراد بالحكم‌ الفطري‌ّ ليس‌ ذلك‌ الحكم‌ التابع‌ لاهوائنا ومشتهياتنا النفسيّة‌ ورغباتنا الاوّليّة‌، بل‌ هو الحكم‌ الذي‌ يمثّل‌ الواسطة‌ للوصول‌ إلي‌ الغاية‌ والهدف‌ المنشود من‌ الخلقة‌. وعلي‌ هذا، فإنّ حكم‌ المحاربة‌ والدفاع‌ والجهاد سيكون‌ فطريّاً، لا نّه‌ يقود الاءنسان‌ إلي‌ الكمال‌ المطلوب‌ وسعادة‌ الدنيا والآخرة‌ والوصول‌ إلي‌ عزّ الاءنسانيّة‌، وكذلك‌ فإنّ صيام‌ أيّام‌ الصيف‌ الحارّ وقيام‌ ليالي‌ الشتاء البارد، والحجّ والعمرة‌ في‌ تلك‌ البلاد الحارّة‌ القاحلة‌ ستكون‌ كلّها فطريّة‌، لا نّها توصل‌ الاءنسان‌ إلي‌ الكمال‌ الحقيقي‌ّ، ولو لم‌ يرغب‌ بها الطبع‌ الاوّلي‌ّ للاءنسان‌ ولم‌ يرتضيها في‌ قرارة‌ نفسـه‌، أو أجراها علي‌ نحو الاءكـراه‌. وسنعـرف‌ في‌ هذه‌ الحـال‌ أنّ قسـمَي‌ الحكم‌ الاضطراري‌ّ وغير الاضطراري‌ّ مطابقان‌ لحـكم‌ الفطـرة‌، لانّ كلاّ منهما ـحسب‌ دوره‌ وظرفه‌ الخاصّـ يتكفّل‌ بإيصال‌ الاءنسان‌ إلي‌ كماله‌ وسعادته‌.

 أمّا عند الاختيار وانتفاء القحط‌ والمجاعة‌ ووفور أنواع‌ الاغذية‌ المحلّلة‌، فمن‌ الواضح‌ أنّ أكل‌ لحم‌ الميتة‌ والدم‌ ولحم‌ الخنزير وما أُهلّ لغيرالله‌ به‌ أمر مخالف‌ للفطرة‌، لاضراره‌ المادّيّة‌ والجسـميّة‌ من‌ جهة‌، ولاضراره‌ الروحيّة‌ والمعنويّة‌ من‌ جهة‌ أُخري‌. ولذلك‌ فإنّ حكم‌ الفطرة‌ ينطبق‌ مع‌ الشرع‌.

 وأمّا في‌ حال‌ الاضطرار، فباعتبار أنّ حياة‌ الاءنسان‌ ستكون‌ منوطة‌ بالتناول‌ من‌ الاغذية‌ المحـرّمة‌ بمقدار رفع‌ الضـرورة‌، فإنّ من‌ البديـهي‌ّ الحتمي‌ّ أن‌ يكون‌ ذلك‌ جائزاً في‌ الشريعة‌ الكاملة‌، لانّ الاكل‌ بمقدار سدّ الرمق‌ موجب‌ لبقاء الحياة‌ وحفظها، وبقاء الحياة‌ مع‌ تناول‌ هذه‌ الموادّ المحرّمة‌ أفضل‌ وأولي‌ من‌ استقـبال‌ المـوت‌ بتركـها، لذا فحـكم‌ الفطـرة‌ المجعول‌ والمعتبر علي‌ أساس‌ المصالح‌ والمفاسد الواقعيّة‌ يتطابق‌ هنا أيضاً مع‌ حكم‌ الشرع‌.

 ونجد في‌ بعض‌ الموارد أنّ الاحكام‌ الخمسة‌: الوجوب‌، الاستحباب‌، الاءباحة‌، الكراهة‌ و الحرمة‌ تُجعل‌ جميعاً لمتعلّق‌ واحد، كما في‌ النكاح‌ والزواج‌ مثلاً الذي‌ هو في‌ حدّ ذاته‌ أمر وسنّة‌ مستحبّة‌.

 أمّا حين‌ تغلب‌ الشهوة‌ وينتفي‌ السبيل‌ المشروع‌ لاءشباع‌ الغريزة‌، ومع‌ خوف‌ الوقوع‌ في‌ التهلكة‌ والضرر والاءصابة‌ بالامراض‌ الجسميّة‌ أو النفسيّة‌، فإنّ هذه‌ الاُمور تجعل‌ النكاح‌ يصبح‌ أمراً واجباً.

 وفي‌ الموارد التي‌ يتزاحم‌ فيها النكاح‌ مع‌ أمر واجب‌ أهمّ، كتحصيل‌ المعارف‌ الاءسلاميّة‌ وأُصول‌ العقائد، أو تمريض‌ أُمّ عجوز ضعيفة‌ لاتقوي‌ بنفسها علي‌ إنجاز أعمالها الضروريّة‌ وأمثال‌ ذلك‌، فإنّ الزواج‌ سيكون‌ حراماً في‌ هذه‌ الصورة‌.

 فإن‌ تساوت‌ الجهات‌ الراجحة‌ والمرجوحة‌ صار النكاح‌ مباحاً.

 فإن‌ زادت‌ الجهات‌ المرجوحة‌ علي‌ الراجحة‌ صار مكروهاً، كما في‌ حال‌ شابّ لم‌ تغلب‌ عليه‌ شهوته‌، مشغول‌ بتحصيل‌ المعارف‌ الدينيّة‌ وتعلّم‌ القرآن‌ والاخبار والفقه‌ والتفسير والحكمة‌ والعرفان‌، فهذا الشابّ إذا أقدم‌ علي‌ الزواج‌ سيمكنه‌ الاستمرار في‌ دروسه‌ وتحصيله‌، لكنّه‌ شاء أم‌ أبي‌ سيتعرّض‌ إلي‌ وقفة‌ ونكسة‌ وفتور في‌ اكتساب‌ كمالاته‌ المعنويّة‌، ففي‌ هذه‌ الحال‌ ستكون‌ الاولويّة‌ في‌ ترك‌ النكاح‌.

  الرجوع الي الفهرس

جمیع الأحکام الأولیة و الثانویة الاضطراریة هی من احکام الفطرة

 وكان‌ القصـد من‌ إيـراد هذا الكلام‌ أنّ جمـيع‌ الاحـكام‌ الخـمـسـة‌ في‌موضـوع‌ النكاح‌ هذا هي‌ أحكام‌ فطـريّة‌ ليـس‌ هناك‌ بيـنها من‌ تنـافٍ ولاتعارض‌، وينبغي‌ الدقّة‌ التامّة‌ في‌ كلّ متعلّق‌ خاصّ تمهيداً لاستخراج‌ الحكم‌ الفطري‌ّ والشرعي‌ّ.

 ويمكن‌ تلخيص‌ ما ذكرناه‌ بما يلي‌:

 1 ـ أنّ الفطرة‌ بمعني‌ الخلقة‌ الاوّليّة‌ والبنية‌ الوجوديّة‌ للاءنسان‌؛ وأنّ الاءسلام‌ قائم‌ علي‌ أساس‌ هذه‌ الفطرة‌ التي‌ يصدر العقل‌ الاءنساني‌ّ المستقلّ ـوغيرالمشوب‌ بشوائب‌ الهوي‌ والهوس‌ـ أحكامه‌ المطابقة‌ لها.

 2 ـ أنّ العقول‌ العاديّة‌ للناس‌، القائمة‌ علي‌ أساس‌ المصالح‌ المتدنيّة‌ للحياة‌ والعيـش‌ هي‌ في‌ مرتبة‌ الشـعور الحـيواني‌ّ، وباعتبار اشتراكها مع‌ الحيوانات‌ في‌ التفكير بالمصلحة‌ والانتفاع‌ ودفع‌ الضرر وقضاء الحاجات‌ الشهويّة‌ والغضبيّة‌ والوهميّة‌، فهي‌ عاجزة‌ عن‌ كشف‌ الاحكام‌ الاصيلة‌ للبشر بما هو بشر وإنسان‌، لذا فهي‌ غير قادرة‌ علي‌ استخراج‌ الاحكام‌ من‌ الفطرة‌، ومحتاجة‌ إلي‌ نبي‌ّ وولي‌ّ أمر معصوم‌ قد تعدّي‌ حدود ذاته‌ وارتبط‌ بالكلّيّة‌ وصدر عن‌ منهل‌ العرفان‌ والتشريع‌، ولولا ذلك‌ لما كانت‌ الحاجة‌ إلي‌ التكليف‌ والقانون‌ الاءلهي‌ّ، ولامكن‌ للناس‌ إدارة‌ أُمورهم‌ وتسييرها بالرجوع‌ إلي‌ هذه‌ الافكار والاكتشافات‌ والاعتماد علي‌ علومهم‌ المادّيّة‌ والطبيعيّة‌ والتجربيّة‌.

 3 ـ أنّ الكثـير من‌ الاحكام‌ التي‌ تبـدو بحسـب‌ النظر الابتـدائي‌ّ غير منافية‌ للفطرة‌، كنكاح‌ أُخت‌ الزوجة‌، وأُمّها، ومحرّمات‌ الرضاع‌، وبنت‌ أُخت‌ الزوجة‌ وبنت‌ أخيها بدون‌ إذنها، وترك‌ الجهاد( لا الدفاع‌) وغيرها؛ قد نهي‌ الشرع‌ المقدّس‌ عنها لكونها بلحاظ‌ النظرة‌ الاصيلة‌ منافية‌ للفطرة‌ لعدم‌ وقوعها في‌ طريق‌ المصالح‌ العالية‌، بل‌ لاءيجابها سدّ طريق‌ تكامل‌ الاءنسان‌ ومنعها طيّه‌ للمدارج‌ المعنويّة‌.

 4 ـ أنّ الاحكام‌ الاضطراريّة‌ والاءكراهيّة‌ والضروريّة‌ والاستثنائيّة‌ هي‌ كالاحكام‌ الاوّليّة‌ من‌ أحكام‌ الاءسلام‌ ومطابقة‌ للفطـرة‌. وعلي‌ هذا، فإنّنا لانجد في‌ الاءسلام‌ أي‌ّ قانون‌ عامّ أو خاصّ، كلّي‌ّ أو جزئي‌ّ، جنسي‌ّ أو شخصي‌ّ، إلاّ وكان‌ موافقاً للفطرة‌ ومؤدّياً بالنتيجة‌ إلي‌ رشد ورقي‌ّ وفاعليّة‌ القوي‌ والقابليّات‌ المودعة‌ في‌ البنية‌ الوجوديّة‌ والحيويّة‌ للاءنسان‌.

  الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الارجاعات:


[1] ـ «كشف‌ الغرور أو مفاسد السفور» تأليف‌ المؤرّخ‌ والمحدّث‌ الجليل‌ الحاجّ الشيخ‌ ذبيح‌الله‌ محلاّتي‌، ص‌ 43 و 44، طبعة‌ 1368 شمسيّة‌ هجريّة‌.

 يقول‌ الشاعر: «ما معني‌ الناموس‌؟ هو ستر الوجه‌ وإسدال‌ ستار العفّة‌، والحفاظ‌ علي‌ عالم‌ الروح‌.

 فعصمتنا وناموسنا هي‌ كنز بنظر اللبيب‌، فأنعم‌ بالكنز المُخبّأ المصون‌.

 فيا من‌ ترغب‌ في‌ كشف‌ ناموسك‌! إنّ هتك‌ ستار المخدّرات‌ قبيح‌.

 فإن‌ كنت‌ أوطأ من‌ الوحوش‌، فانظر إلي‌ الطيور واتّعظ‌ بالديك‌ في‌ حراسته‌ للدجاجة‌.

 انّ قناع‌ العصـمة‌ حارس‌ للشـفاه‌ الجـميلة‌، و ما أمرّ أن‌ تكـون‌ وجـوه‌ النسـاء سافـرة‌ بلانقاب‌.

 كما أنّ قصة‌ الناموس‌ مع‌ الغِيَرِ قصّة‌ البرق‌ والبيدر، فلا تتمنّ أن‌ تصيب‌ الصاعقة‌ بيدرك‌.

 وما لم‌ ترسل‌ النظرات‌ فلن‌ تخطر الامنية‌ في‌ القلب‌، فالجائع‌ يسترق‌ النظرات‌ متطلّعاً لامتلاك‌ الخبز.

 كما أنّ المرأة‌ المكشوفة‌ سيعروها الغبار بلا شكّ، فأكرم‌ بستر المرآة‌ و صونها عن‌ الغبار.

 وإن‌ لم‌ يمنع‌ البستاني‌ّ المتفرّجين‌ والمتطفّلين‌، فلن‌ يمتلك‌ يوماً بستاناً عامرة‌ بالنخيل‌.

 وإن‌ فتحتَ الباب‌ للمفلسين‌ والجياع‌ علي‌ مصراعيه‌، فلا تأمل‌ أن‌ تبقي‌ المائدة‌ في‌ بيتك‌ ملآي‌.

 إنّ البرعم‌ في‌ البستان‌ في‌ أمان‌ ما دام‌ مستوراً؛ فإن‌ بدا للعيان‌ أُصيب‌ في‌ قلبه‌ وروحه‌.

 مثل‌ الرجل‌ والمرأة‌ الاجنبيّة‌، كالنار والقطن‌، فلا يمكن‌ لهذين‌ الضدّين‌ أن‌ يجمعا في‌ مكان‌ واحد.

 كما أنّ سفور النساء أمر ثقيل‌ وصعب‌، وبعيد علي‌ الغيور أن‌ لا يبهضه‌ تحمّل‌ ذلك‌.

 فلا تسدّدي‌ قوس‌ الحاجبين‌، وغطّي‌ رموش‌ سهام‌ العيون‌، فليس‌ لائقاً في‌ زمن‌ الملك‌ أن‌ يحمل‌ أحد سهاماً وقوساً.

 والوافي‌ وإن‌ صار شيخاً فإنّ له‌ طبع‌ الشباب‌، وجميل‌ للشيوخ‌ امتلاك‌ طبع‌ الشباب‌».

  [2] ـ الآية‌ 179، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالاْءِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَـ'´نءِكَ كَالاْنْعَـ'مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْغَـ'فِلُونَ.

 [3] ـ «حياة‌ الحيوان‌»، الطبعة‌ الحجريّة‌، سنة‌ 1285 ه، باب‌ القاف‌، مادّة‌ قِرْد.

 [4] ـ الآيات‌ 90 إلي‌ 92، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

 [5] ـ الآيات‌ 275 إلي‌ 281، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

 [6] ـ الآية‌ 10، من‌ السورة‌ 30، الروم‌: ثُمَّ كَانَ عَـ'قِبَةَ الَّذِينَ أَسَـ'´ـُوا السُّو´أَي‌'´ أَن‌ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِ اللَهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ.

 [7] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 2، ص‌ 432 و 433.

 [8] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 442.

 [9] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 443.

 [10] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 443.

 [11] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 447.

 [12] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 447.

 [13] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 449.

 [14] ـ مجلّة‌ «كيهان‌ فرهنگي‌»، العدد 52، تيرماه‌ 1367 ش‌، رقم‌ 4، مقالة‌ «بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌»، ص‌ 17، العمودان‌ الاوّل‌ والثاني‌.

 [15] ـ ذيل‌ الآية‌ 58، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

 [16] ـ ذيل‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

 [17] ـ يقول‌: «لقد خسرتَ روحك‌ ودينك‌ حتّي‌ تعلّمت‌ فنّاً، فيا للحسرة‌ من‌ الدرّ الثمين‌ الذي‌ قد خسرتَه‌».

 [18] ـ يروي‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 11 عن‌ أحمد بن‌ إدريس‌، عن‌ محمّدبن‌ عبد الجبّار، عن‌ بعض‌ الاصحاب‌ مرفوعاً عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا العَقْلُ؟ قَالَ: مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمَنُ وَاكْتُسِبَ بِهِ الجِنَانُ. قَالَ: قُلْتُ: فَالَّذِي‌ كَانَ فِي‌ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: تِلْكَ النَّكْرَاءُ! تِلْكَ الشَّيْطنَةُ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالعَقْلِ. وهي‌ مرويّة‌ في‌ «الوافي‌» للفيض‌، ج‌ 1، ص‌ 79، عن‌ «الكافي‌» للكليني‌ّ.

 [19] ـ صدر الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

 [20] ـ روي‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ هذه‌ الرواية‌ في‌ كتاب‌ «تهذيب‌ الاحكام‌» عن‌ الحسين‌بن‌ سعيد، عن‌ الحسين‌ بن‌ زرعة‌، قال‌: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي‌ عَيْنِهِ المَاءُ... إلَي‌ قَوْلِهِ: فَقَالَ: وَلَيْسَ شَي‌ءٌ مِمَّا حَرَّمُ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطَرَّ إلَيْهِ.(«تفسير نور الثقلين‌» لعبد علي‌بن‌ جمعة‌ العروسي‌ّ الحويزي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 130).

 ويروي‌ عبد علي‌ بن‌ جمعة‌ أيضاً عن‌ «من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌» أنّ: مَنِ اضْطَرَّ إلَي‌ المَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ حَتَّي‌ يَمُوتَ فَهُوَ كَافِرٌ. وأورد هذه‌ الرواية‌ عن‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 159. وينبغي‌ العلم‌ أنّ هذه‌ الروايات‌ قد أوردت‌ في‌ هذه‌ التفاسير في‌ ذيل‌ الآية‌ 173، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلآ إثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وهناك‌ نظير مفاد هذه‌ الآية‌ آيات‌ ثلاث‌ أُخري‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌.

 ولدينا مضافاً إلي‌ هذه‌ الآيات‌ روايات‌ من‌ جملتها ما رواه‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 242، بإسناده‌ عن‌ عمرو بن‌ مروان‌ قال‌: سمعتُ أبا عبد الله‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يقول‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ أَرْبَعُ خِصَالٍ: خَطَأُهَا وَنِسْيَانُهَا وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُطِيقُوا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن‌ نَسِينَآ أَوْ أَخْطَأنَا، رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي‌ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِنَا، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ»؛ وَقَوْلُهُ: «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ و مُطْمَنءِنٌّ بِالاْءِيمَـ'ن‌».

 وأورد كذلك‌ مرفوعاً عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: وُضِعَ عَن‌ أُمَّتِي‌ تِسْعُ خصَالٍ: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطَرُّوا إلَيْهِ، وَالطَيَرَةُ، وَالوَسْوَسَةُ في‌ التَّفَكُّرِ فِي‌ الخَلْقِ، وَالحَسَدَ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ.

 وروي‌ في‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 50، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ ] تِسْعٌ [: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطَرُّوا إلَيْهِ، وَالحَـسَـدُ، وَالطِّـيَرَةُ، وَالتَّفَكُّرُ فِي‌ الوَسْـوَسَةِ فِي‌ الخَلْقِ مَا لَمْ يَنْطِـقْ بِـشَـفَةٍ وَلاَ لِسَانٍ.

 [21] ـ الآية‌ 173، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

  الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com