|
|
الصفحة السابقةحكومة يزيد استبداد محض، و هادفة لهدم القرآنهناك في الجانب الآخر رجل لبيغ تمرّس في الفصاحة و البلاغة و قول الشعر بداهة، يوظّف أشعاره في السخرية من الخالق و القيامة و النبيّ! و القرآن و حجّ البيت و الاذان و الصلاة، و يري معانقة حبيبته أُمّ كلثوم أولي من الحفاظ علي حدود الاءسلام و ثغوره من الضياع أو صيانة الاسري من ذلّ الاسر، فيسدّد بعمق فكرته و شدّة رأيه ضربته لاستئصال جذور الولاية و أُصولها، و يقدّم في أشعاره الخمر للاءمام المطلق علي الارض خامس أهل الكساء و سبط سيّد المرسلين، و يدعوه إلي شربه بلا حياء و لا مواربة. و نلحظ هنا طلوع آية فَيَنسَخُ اللَهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَـ'نُ. فيتحرّك سيّد الشهداء عليه السلام من جنوب الحجاز إلي الكوفة و الشام لدحره و فضحه و قمع أمره، و يُعلن للدنيا بندائه الملكوتيّ و آهاته الحرّي و أنينه الصادع للاكباد أن: أيّها الراقدون الغافلون! يا من أطار لبّهم و أعمي بصيرتهم الانغماس في الدنيا و الملاهي! و يا من أقعدتهم السجّادة و المسبحة! انهضوا فلقد أُهين القرآن! انهضوا فيزيد يتغنّي في أشعاره بالسخريّة ممّن جاء بالقرآن! و لقد تبدّد الدين و الشرف و الاصالة، و آلت عاقبة حروب بدر و الاحزاب و حنين التي جرت لاءقرار القرآن إلي حكومة جائرة ظالمة بِيَدِ الجائرين الذين نصبوا مجالس الشراب فوق دماء شهداء أُحد، و الذين استمدّوا القوّة و السلطة من دماء شهداء بدر و الاحزاب فصاروا يعقدون الآن مجالس الغناء واللهو و اللعب. أيّها النائمون! أنا الحسين، أمضي علي بصيرة من أمري لاهدّ قصر يزيد علي أُمِّ رأسه، و سأُوفّق في هذا الامر، لا فرق إن قتلتُه أم قُتلت، فالامر سيّان عندي؛ و الهدف و القصد واحد لديّ، فلا ضير عندي إن اختلفت إليه السبل، فلواء الظفر في يدي علي كلّ حال، و الحياة مع الجنايات العلنية لهذا الرجس الكافر هي الموت بعينه؛ و الموت في ظلّ حدّ السيف القاطع، أو هدفاً للسهام المثلّثة الشعب و رجم حجارة جيش الكوفة هو عين الحياة. لقد كان سيّد الشهداء عليه السلام يري حتفه كوضوح الشمس، و سَوْق أهله سبايا رأي العين، و هو يعلم أن لابدّ لتحقيق هدفه من ذلك. و لقد تمثّلت غايته في صرخته المظلومة المدوّية: إنّ حكومة يزيد ما هي إلاّ خلف و امتداد لحكومة معاوية و حكومة الخلفاء الغاصبين، و امتداد و خلف لحكومة أبي سفيان الجاهليّة، فالمحن و الآلام و المشاقّ التي تحمّلها النبيّ الاكرم صابراً محتسباً ستذهب جميعاً أدراج الرياح، و سيضيع الدين و يتلاشي هباء منثوراً. فحين أعلم أنّي سأُقتل، و يبقي صوت المؤذِّن هدّاراً من فوق المأذنة بنداء الله أكبر فأنا المنتصر، لانّي نلتُ لقاء ربّي، و عملتُ بالمسؤوليّة الملقاد علي عاتقي. و الويلُ من يوم أحيا فيه فأري حقّ المظلومين يُهدر، و سيوف الظالمين تحزّ رقاب المستضعفين، و أموال المسلمين تُنفق باسم الرئاسة و الحكومة في الاغراض الشخصيّة، فذلك يوم لا حياة لي فيه. لا حياة لي يوم أري يزيد يحتسي الخمر في دولة الاءسلام و في مدينة الرسول علناً و لا يستحيي؛ فأنا أسعي لحياتي، و حياتي مرهونة بحياة القرآن، و حياة القرآن مرهونة بحياتي. إنّ عظمد و جلال نهضة سيّد الشهداء عليه السلام لن يدركها و يلمسها جيّداً من لم يطّلع و يدرك عمق التأريخ السياسيّ لتلك الفترة العصيبة، و يدرس وضع حكومة يزيد و كيفيّة تسلّطه و سيطرته علي البلاد الاءسلاميّة، و سعيه الشديد في ترويج المنكرات و إشاعة الفحشاء. [1] أورد أبوالفرج الاصفهانيّ أنّ معاوية أرسل يزيد إلي الحجّ، فجلس يزيد بالمدينة علي شراب، فأستأذن عليه عبدالله بن العبّاس و الحسين بن عليّ فأمر بشرابه فرُفع، و قيل له: إنّ ابن عبّاس إن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه و أَذِنَ للحسين عليه السلام. فلمّا دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال: لِلّهِ دَرُّ طِيبِكَ هَاذ مَا أَطْيَبَهُ! وَ مَا كُنتُ أَحْسِبُ أَحَداً يَتَقَدَّمُنَا فِي صَنْعَةِ الطَّيبِ. فَمَا هَذَا يَا بْنَ مُعَاوِيَةَ ؟! فقال يزيد: يا أبا عبدالله! هذا طيب يُصنع لنا بالشام. ثمّ دعا بقدح فشربه ثمّ دعا بقدح آخر، فقال: اسقِ أبا عبدالله يا غلام. فَقَالَ الحُسَيْنُ: عَلَيْكَ شَرَابَكَ أَيُّهَا المَرْءُ! لاَ عَيْنَ عَلَيْكَ مِنِّي. فَشَرِبَ وَ قَالَ: أشعار يزيد في وصف الخمر في حضور الاءمام الحسين عليه السلامأَلاَ صَاحِ لِلْعَجَبِ دَعَوْتُكَ ثُمَّ لَمْ تُجِبِ إلَي القِينَاتِ وَاللَّلَّذا تِ وَالصَّهْبَاءِ والطَّرَبِ وَ بَاطِيَةٍ مُكَلَّلَةٍ عَلَيْهَا سَادَةُ العَرَبِ وَ فِيهِنَّ الَّتِي تَبَلْت فُؤَادَكَ ثُمَّ لَمْ تَتُبِ فَوَثَبَ الحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ: بَل فُؤَادَكَ يَا بْنَ مُعَاوِيَةَ. [2]
و أورد في «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» ـ و هو من الكتب النفيسة ذات التحقيقات الرشيقة ـ عن كياء الهراسيّ (الذي سمّاه ابن خلّكان عليّ! بن محمّد الطبريّ)، هذه الابيات عن يزيد بن معاوية: أَقُولُ لِصَحْبٍ ضَحَّتِ الكَأْسُ شَمْلَهُمْ وَ دَاعِي صَبابَاتِ الهَوَي يَتَرَّنَّمُ خُذُوا بِنَصِيبٍ مِنْ نَعِيم وَلَذَّةِ فَكُلُّ وَ إنْ طَالَ المَدَي يَتَصَرَّمُ [3] أشعار يزيد الاءلحاديّة في هجاء رسول الله و السخرية بيوم المعادو روي كذلك عن سبط ابن الجوزيّ عن ابن عقيل قال: و ممّا يدلّ علي كفر يزيد و زندقته أشعاره التي أفصح بها بالاءلحاد و أبان عن خبث الضمائر و سوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها: عَلَيَّةُ هَاتِي وَاعْلِنِي وَتَرَنَّمِي بِذَلِكَ إنِّي لاَ أُحِبُّ التَّنَاجِيَا حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ قِدْماً سَمَا بِهَا إلَي أُحُدٍ حَتَّي أَقَامَ البَوَاكِيزا أَلاَ هَاتِ سَقِّينِي عَلَي ذَاكِ قَهْوَةً تُخَيِّرُهَا الْعَتْبَاءُ كَرْماً شَامِيا إذَا مَا نَظَرْنَا فِي أُمُورٍ قَدِيمَةٍ وَجَدْنَا حَلاَلاً شُرْبَهَا مُتَوَالِيَا وَ إِن مُتُّ يَا أُمَّ الاحْيْمِرِ فَانْكِحِي وَ لاَ تَأْمَلِي بَعْدَ الفِرَاقِ تَلاَقِيَا فَإنَّ الَّذِي حُدِّثْتِ عَنْ يَوْمِ بَعْثِنَا أَحَادِيثُ طَسْمٍ تَجْعَلُ القَلْبِ سَاهِيَا وَ لاَبُدَّ لِي مِنو أَنْ أَزُورَ مَحَمَّداً بِمَشْمُولَةٍ صَفَّرَاءَ تَرْوَي عِظَامِيَا [4]
و روي القُزْغْلِيّ [5] عن يزيد أنّه أنشد هذا البيت: وَ لَوْ لَمْ يَمَسَّ الارْضَ فَاضِلُ بَرْدِهَا لَمَا كَانَ فِيها مَسْحَةٌ لِلتَّيَمُّمِ مَعْشَرَ النَّدْمَانِ قُومُوا وَاسْمَعُوا صَوْتَ الاغَانِي وَاشْرَبُوا كَأسَ مُدَامٍ وَاتْرُكُوا ذِكْرَ المَعَانِي شَغَلَتْنِي نَغْمَةُ العِيدَانِ عَنْ صَوْتِ الاذَانِ وَ تَعَوَّضْتُ عَنِ الحُورِ عَجُوزاً فِي الدِّنَانِ [6] و في «مروج الذهب» ورد أنّ يزيد أرسل مُسلِمَ بْنَ عَقَبَة لحرب عبدالله ابن الزبير، فأنشد هذين البيتين و كتب بهما إلي ابن الزبير: أُدعُ إلَهَكَ فِي السَّمَاءِ فَإنَّنِي أدْعُو علَيْكَ رِجَالَ عُكَّ وَأَشْعَرِ كَيْفَ النَّجَاةُ أَبَا خُبَيْبٍ مِنْهُمْ فَاحْتَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ أَتَي العَسْكَرِ [7] و روي أيضاً في «شفا الصدور» هذه الابيات عن يزيد: شُمَيْسَةُ كَرْمٍ بُرْجُهَا قَعْرُ دَنِّهَا وَ مَشْرِقُهَا السَّاقِي وَ مَغْرِبُهَا فَمِي فَإنْ حَرُمَتْ يَوْمًا عَلَي دِينِ أَحْمَدٍ فَخُذْهَا عَلَي دِينِ المَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمِ [8] أشعار يزيد الصريحة في الكفرو نُقل من ديوانه كما شهد بذلك سبط ابن الجوزيّ، و كما هو معروف في كتب المقاتل، أنّه أنشد هذين البيتينِ اللذين يكشفان عن كفره و نفاقه القديمينِ عند ورود سبايا أهل البيت الشام و إشرافهم علي رُبي جيرون: لَمَا بَدَتْ تِلْكَ الحُمُولُ وَ أَشْرَقَتْ تِلْكَ الشُّمُوسُ عَلَي رُبَي جَيْرُونِ نَعَبَ الغُرَابُ فَقُلْتُ نَحْ أَوْ لاَ تَنْحُ فَلَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ دُيُونِي و في «التذكرة» لسبط ابن الجوزيّ رواية عن الزُهريّ أنّه لمّا جيء بالرؤوس إلي دمشق كان يزيد في منظره علي جيرون، فأنشد لنفسه: «لَمَّا بَدَتْ» إلي آخر البيتينِ المذكورينِ. [9] يزيد ينكت بالخيزرات ثغر الحسين عليه السلامو أورد ابن الاثير الجَزَريّ أنّه حين وُضع الرأس المبارك لسيّد الشهداء عليه السلام بين يَدَي يزيد و حدّثوه بأمره، فأَذِنَ يَزيد للناس فدخلوا عليه و الرأس بين يديه و معه قضيب و هو ينكت به ثغره بشكلٍ أثّر فيه، [10] ثمّ قال: [11] إنّ هذا (الحسين) و إيّانا كما قال الحصين بن الحُمام: أَبَي قَوْمُنَا أَنْ يَنْصِفُونَا فَأَنصَفَتْ قَوَاضِبُ فِي أَيْمَانِنِا تُقْطِرُ الدَّمَا يُفَلِّقْنَ هَاماً مِنو رِجَالٍ أَعِزِةٍ عَلَيْنَا وَ هُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَ أَظْلَمَا [12] فقال له أبو بَرَزَة الاسْلَمِيّ: أَتَنكُتُ بِقَضِيبِكَ فِي ثَغْرِ الحُسَيْنِ ؟! أَمَا لَقَدْ أَخَذَ قَضِيبُكَ فِي ثَغْرِهِ مَأخَذاً لَرُبَّمَا رَأَيْتُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْشُفُهُ، أَمَا إِنَّكَ يَا يَزِيدُ تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَابْنُ زِيادٍ شَفِيعُكَ؛ وَ يَجِيءُ هَذَا وَ مُحَمَّدٌ شَفِيعُهُ. ثُمَّ قَامَ فَوَلَّي. [13] ثمّ قال يزيد: واللَهِ يا حسين لو كنتُ أنا صاحبك ما قتلتُك. ثمّ قال: أَتَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ أَتَي هَذَا ؟ قَالَ: أَبِي عَلِيُّ خَيْرٌ مِن أَبِيهِ. وَ فَاطِمَةُ أُمِّي خَيْرٌ مِن أُمِّهِ. وَ جَدِّي رَسُولُ اللَهِ خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ. وَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَ أَحَقذ بِهَذَا الاَمْرِ مِنْهُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: أَبُوهُ خَيْرٌ مِنْ أَبِي؛ فَقَدْ حَاجَّ أَبِي أَبَاهُ إلَي اللَهِ. وَ عَلِمَ النَّاسُ أَيُّهُمَا حُكِمَ لَهُ. وَ أَمَّا قَوْلُهُ: أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ، فَلَعَمْرِي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَهِ خَيْرُ مِنو أُمِّي. وَ أَمَّا قَوْلُهُ جَدِّي رَسُولُ اللَهِ خَيْرٌ مِن جَدِّهِ فَلَعَمْرِي مَا أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يَرَي لِرَسُولِ اللَهِ فِينَا عَدْلاً وَ لاَ نِدَاً. وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ فِقْهِهِ، وَ لَمْ يَقْرَأْ: «قُلِ اللَهُخمَّ مَـ'لِكَ الْمُلْكِ». [14] و نشاهد هنا أنّ البائس قد خلط بلا فهم بين القدرة الظاهريّة التكوينيّة و بين الحقّانيّة و الولاية، فهو يشيّد منطقه علي المبدأ الظاهريّة الذي يعتبر الحقّ قائماً علي أساس القدرة و التسلّط، و تابعاً لمن قهر بالسيف، و هو نفسه منطق عُمَر الذي بحثنا عنه بالتفصيل في سلسلة كتب «معرفة الاءمام» و أثبتنا أنّه منطق عُمَر الذي بحثنا الذي بحثنا عن بالتفصيل في سلسلة كتب «معرفة الاءمام» [15] و أثبتنا أنّه منطق مخالف للعقل و الوجدان و رسالات الانبياء، و مخالف لتنزيل الكتب السماويّة و دعوة الناس للعدل و الاءحسان. فهذا المنطق هو شريعد الغاب و الوحوش الذي يبرّر به كل متسلّط فتكه بالضعفاء البائسين، و يوجّه به كلّ ظالم ظلمه و إجحافه. و سيتصوّر كلّ من تشبّه بيزيد في نزعته، و بعمر في سيرته، و كلّ ميكافيللّيّ الاُسلوب و السنّة أنّ أنواع قهرهم و جبروتهم و تسلّطهم حقّ مُسلّم لهم، و هذا ما سيقطع الطريق علي تربية النفس و تكميلها و تهذيبها و رياضتها للعلوّ و السموّ، و سيسوق العالم في اتّجاه الزوال و الدمار. و قد ورد في «مروج الذهب» أنّ يزيد صاحب حراب و جوارح كلاب و قرود و فهود[16] و منادمة علي الشراب[17]. و جلس ذات يوم علي شرابه و عن يمينه ابن زياد و ذلك بعد قتل الحسين عليه السلام، فأقبل علي ساقيه فقال: اسْقِنِي شَرْبَةً تُرَوِّي مُشَاشِي [18] ثُمَّ مِلْ فَاسِق مِثْلَهَا ابْنَ زِيادِ صَاحِبَ السِّرِّ وَالامَانَةِ عِنْدِي وَ لِتَسْدِيدِ مُغْنَمِي وَ جِهَادِي ثُمَّ أَمَرَ المُغنِّينَ فَغَنُّوا بِهِ. [19] و ورد في عبارة سبط ابن الجوزيّ بعد هذين البيتين بيت ثالث بهذه العبارة: قَاتِلَ الخَارِجِيِّ أَعْنِي حُسَيْناً وَ مُبِيدَ الاعْدَاءِ وَالحُسَّادِ و نقل صاحب «شفاء الصدور» هذا البيت في كتابه عن ابن الجوزيّ، و كانت عبارته هي: و قد نقل سبط ابن الجوزيّ تفصيل هذه القصّة و ذكر أنّ يزيد استدعي ابن زياد إليه و أعطاه أموالاً كثيرة و تحفاً عظيمة و قرّب مجلسه و رفع منزلته و أدخله علي نسائه و جعله نديمه؛ و سكر ليلةً و قال للمغنّي غنِّ، ثمّ قال يزيد بديهيّاً: اسْقِنِي شَرْبَةً تُرَوِّي مُشَاشِي إلي آخر الابيات الثلاثة التي ذكرناها. [20] تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعريّ صريح في الكفرو أورد سبط ابن الجوزيّ في كتاب «التذكرة»: و أمّا المشهور عن يزيد أنّه لمّا حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وَ جَعَلَ يَنْكُتُ عَلَيْهِ بِالخَيْزَرَانِ وَ يَقُولُ: أَبْيَاتَ ابْنِ الزِّبَعورَي: لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا وَقْعَةَ الخَزرَجِ مِنْ وَقْعِ الاَسَلْ قَدْ قَتَلْنَا القَرْنَ مِن سَادَاتِهِمْ وَ عَدَلْنَا قَتْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ قال الشعبيّ: و زاد فيها يزيد فقال: لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْكِ فَلاَ خَبَرٌ جَاءَ وَ لاَ وَحْيٌ نَزَلْ لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إنْ لَمْ أَنْتَقِمْ مِن بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلْ [21] مقولة يزيد صريح في قتل الاءمام الحسين بحميّة جاهليّةيقول أبوالفرج ابن الجوزيّ في رسالته «الرَّدُّ عَلَي المُتَعَصِّبِ العَنِيدِ المَانِعِ مِن ذَمِّ يَزِيد»: [22] لَيْسَ العَجَبُ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَ عُبَيْدِ اللَهِ بْنِ زِيَادٍ، وَ إنَّمَا العَجَبُ مِنْ خِذْلاَنِ يَزِيدَ وَ ضَرْبِهِ بِالقَضِيبِ عَلَي ثَنِيَّةِ الحُسَيْنِ وَ إغَارَتِهِ عَلَي المَدِينَةِ. أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا بِالخَوَارِجِ ؟ أَوَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ ؟ أَمَّا قَوْلُهُ: لِيَ أَنْ أَسبِيَهُمْ؛ فأَمْرٌ لاَ يَقْنَعُ لِفَاعِلِهِ وَ مُعْتَقِدِهِ بِاللَّعْنَةِ ؟ وَ لَوْ أَنَّهُ احْتَرَمَ الرَّأْسَ حِينَ وُصُولِهِ وَ صَلَّي عَلَيْهِ وَ لَمْ يَتْرُكْهُ فِي طَسْتٍ وَ لَمْ يَضْرِبْهُ بِقَضِيبٍ؛ مَا الَّذِي كَانَ يَضُرَّهُ وَ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ مِنَ القَتْلِ ؟ وَلَكِنْ أَحقَادٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَ دَلِيلُهَا مَا تَقَدَّمَ مِن إنْشَادِهِ: لَيْتَ أَشيْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الخَزْرَجَ مِنْ وَقْعِ الاَسَلْ لاَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لاَ تَشَلْ ثمّ يقول ابن الجوزيّ: و هذه الابيات لابن الزبعري نقل منها بعضها، و ذلك لانّ المسلمين قتلوا منهم عدداً يوم غزوة بدر، و قتلوا منهم آخرين يوم أُحد، لذا فقد استهشد يزيد بهذه الابيات، و يبدو أنّه غيّر بعض فقراتها. و يكفيه نفس استشهاده بها خزياً و وبالاً و خذلاناً. [23] و ورد في «الفتاوي الكبير» و هو من الاُصول المعتمدة لاهل السنّة رواية فيها: اكْتَحَلَ يَزِيدُ يَوْمَ عَاشُورَاء بِدَمِ الحُسَيْنِ وَ بِالاءثْمِدِ لِيَقِرَّ عَيْنُهُ. و يتّضح من هذا أنّ الاكتحال يوم عاشوراء يرجع إلي فعل يزيد: لَعَنَهُ اللَهُ وَ مَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ. [24] و نري من جانب آخر أنّ خبر شهادة الحسين عليه السلام يصل المدينة فيفرح حكامها (عمرو بن سعيد) و هو من بني أُميّة فيضحك و يتمثّل بشعر عمرو بن معدي كرب، ثمّ يقول متهكّماً غامزاً: وَاعِيَةٌ كَواعِيَةِ عُثْمَانَ. [25] و قد أورد كلّ من المسعوديّ و ابن كثير الدمشقيّ و ابن الاثير الجزريّ في تواريخهم: و دخل البشير علي عمرو بن سعيد فقال: ما وراؤك ؟ قال ما سرّ الامير؛ قُتِلَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ. فقال: نادِ بقتله، فنادي، قول ابنة عقيل بن أبي طالب حين سماعها بشهادة الحسين عليه السلامفَصَاح نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ وَ خَرَجَتْ ابْنَةُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ مَعَهَا نِسَاؤُهَا حَاسِرَةً تَلْوِي ثَوْبَهَِا [26] وَ هِيَ تَقُولُ: مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ مَاذَا فَعَلْتُمْ وَ أَنتُمْ آخِرُ الاُمَمِ بِعِتْرَتِي وَ بِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي مِنْهُمْ أُسَارَي وَ قَتْلَي ضُرِّجُوا بِدَمِ مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إذْ نَصَحْتُ لَكُمْ أَنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي [27] يقول ابن الاثير: فلمّا سمع عمرو بن سعيد أصواتهنّ ضحك و قال: عِجَّتْ نِسَاءُ بَنِي زِيادٍ عَجَّةً كَعَجِيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الاَرْنَبِ ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: وَاعِيَةٌ كَوَاعِيَةِ عُثْمَانَ. ثُمَّ صَعَدَ المِنْبَرَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ قَتْلَهُ. [28] ارجاعات [1] ـ جاء في «الغدير» ج 3، ص 259 و 260: قال مولانا الحسين عليه السلام لمعاوية لمّا أراد أخذ البيعة له (أي ليزيد): تُرِيدُ أَنْ تُوهِمَ النَّاسَ ؟! كَأَنَّكَ تَصِفُ مَحْجُوباً، أَو تَنْعَتُ غَائِباً، أَوْ تُخْبِرُ عَمَّا كَانَ مِمَّا احْتَوْيْتَهُ بِعِلْمٍ خَاصًّ! وَ قَدْ دَلَّ يَزِيدُ مِنْ نَفْسِهِ عَلَي مَوْقِعِ رَأيِهِ. فَخُذْ يَزِيدَ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مِنِ اسْتِقْرَائِهِا لكِلاَبَ المُهَارِشَةَ * عِنْدَ التَّحَارُسِ، وَالحَمَامَ السَّبق لاِتْرَابِهِنَّ، وَالقَيْنَاتِ ذَوَاتِ المَعَازِفِ ** وَ ضُرُوبِ المَلاَهِي؛ تِجِدْهُ نَاصِراً! دَعْ عَنْكَ مَا تُحَاوِلُ؛ فَمَا أَغْنَاكَ أَنْ تَلْقَي اللَهَ بِوِزْرِ هَذَا الخَلْقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَنتَ لاَقِيهِ. *** و قال عليه السلام لمعاوية أيضاً: حَسْبُكَ جَهْلُكَ؛ أَثَرْتَ العَاجِلَ عَلَي الآجِلِ! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّكَ خَيْرٌ مِن يَزِيدَ نَفْساً، فَيَزِيدُ وَاللَهِ خَيْرٌ لاُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْكَ! فَقَالَ الحُسَيْنُ: هَذَا هُوَ الاءفْكُ وَالزُّورُ! يَزِيدُ شَارِبُ الخَمْرِ وَ مُشْتَرِي اللَّهْوِ خَيْرٌ مِنِّي ؟!**** * ـ المُهَارَشَةُ: تَحرِيشُ بعضها علي بعض. ** ـ المَعَازِفُ، جَمعُ مِعْزَفٍ: آلاتٌ يُضرَبُ بها كالعُود. *** ـ «الاءمامة و السياسة» ج 1، ص 153. **** ـ «الاءمامة و السياسة» ج 1، ص 155. [2] ـ «الاغاني» ج 14، ص 61، طبعد ساسي، و نقله كذلك الميرزا أبوا لفضل الطهرانيّ في «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» ص 288، و عن «كامل التواريخ» لكنّي لم أعثر عليه عند مراجعتي لطبعتين من «كامل التواريخ». و ينبغي العلم أنّ البيت الرابع قد ورد في «شفاء الصدور» بلفظ «لم تبت»، و ذكره في «ناسخ التواريخ» ج 3، ص 17، مجلّد الاءمام السجّاد عليه السلام، الطبعد الحروفيّة، بلفظ «لم تنب»، و أورده في «الاغاني» بلفظ «لم تتب». و باعتبار أنّ نقل «ناسخ التواريخ» كان في نظري أقرب لاءفادة المعني فقد اعتمدته في الترجمة الفارسيّة للشعر. و ذكر في «الاغاني» أنّ هذه الاشعار ليزيد بصورت سائب خاثر و هو مغنّ معروف، أي أنّ سائب كان يأخذ الاشعار التي ينشدها يزيد حال شربه و سكره فيتغنّي بها. يقول في «أقرب الموارد» في مادّة بطي: الباطية: الناجود، و عن أبي عمرو أن الباطية إناء من الزجاج يُملا و يوضع وسط مجلس الشراب يغرف منها الشاربون فيملاون أقداحهم و جمعها بَواط. و يقول في مادّة كَلَّ: كَلَّلَ فلاناً: ألْبَسَهُ الاءكْلِيلَ، و الإكْلِيلُ: التَّاجُ، و شِبهُ عِصَابَةٍ تُزَيَّنُ بِالجَوْهَر. و جمعه أكاليل. و يقول في مادّة تَبَلَ: تَبَلَهُ تَبلاً بِعَقْلِهِ؛ تَبَلَهُا لحُبُّ: أسْقَمَهُ وَ أَفْسَدَهُ. [3] ـ «شفاء الصدور» ص 292. [4] ـ «شفاء الصدور» ص 293؛ و كذا في «تذكرة الخواصّ» ص 164، الطبعة الحجريّة. [5] ـ القُزغليّ هو أب مصنّف كتاب «تذكرة الخواصّ». لانّ سبط ابن الجوزيّ! لقبه شمس الدين، و اسمه يوسف بن قزاغليّ. و أورد ابن خلّكان في «وفيّات الاعيان» ذيل ترجمة جدّه عبدالرحمن بن الجوزيّ أنّ أبا يوسف كان قزاغليّ، و كان يوسف حنفيّاً و واعظاً مشهوراً. [6] ـ «شفاء الصدور» ص 293؛ و كذا في «تذكرة الخواصّ» ص 164، الطبعة الحجريّة. [7] ـ «مروج الذهب» ج 3، ص 69. [8] ـ «شفاء الصدور» ص 292 و 293؛ و كتاب «تذكرة الخواصّ» ص 148، الطبعة الحجريّة. [9] ـ «شفاء الصدور» ص 292 و 293؛ و كتاب «تذكرة الخواصّ» ص 148. [10] ـ في عبارته معه قضيبٌ ينكتُ به ثَغْرَهُ، و معني النكت كما في «أقرب الموارد»: نَكَتَ الاَرْضَ بقضيبٍ أو بإضبعٍ نَكْتاً: ضَرَبَها به فأثَّر فيها؛ يفعلون ذلك حالَ التفكُّرِ. [11] ـ يقول آية الله الحاجّ الملاّ محمود التبريزيّ نظاما لعلماء في كتاب «شهاب الثاقب در ردّ نواصب» ( = الشهاب الثاقب في ردّ النواصب» ص 151 و 152 ما ترجمته: يخطر ببالي ما عانته سكينة من المحن، تلك المظملومة المشرّدة التي وقفت حاسرةً في مجلس يزيد بحضور الاجانب و هي تستر وجهها بكمّها و تمسك بيدها الاُخري طوق الحديد لتمنع مسّه جلدها المتقرّح فيزيد ألمها و عذابها. فقال ولد الزنا يزيد: يا جارية! لِمَ تسترين وجهكِ؟ قالت: أوَ لستَ علي شريعة جدّي محمّد ؟! إنّما أستره عن هؤلاء الاجانب. قال: فلِمَ تضعين يدك علي عنقك ؟ قالت: طوق الحديد قرّح رقبتي، فأنا أمسكه بيدي. لئلاّ يمسّ القرح فيزيد الالم و الاذي. فبكي يزيد، و كان يجفّف دمعه بكمّه، فصاحت سُكينة: يا يزيد أُقسم بالله عليك، لو رآنا جدّي رسول الله عرايا جائعين بين الاجانب فما كان سيفعل! و ما كان يقول ؟! آهٍ آهٍ! ترا اي فلك پردهها چاك باد ترا دشمن اي چرخ چالاك باد تو اي قامت چرخ شو چنبري تو اي آسمان باش نيلوفري خزان باد فصل تو اي نو بهار كمان باد سور تو اي جويبار تو اي مِهر شو تا أبد سرنگون تو اي مَه بپالاي رخ را به خون تو اي گلشن زندگي بر ميار تو اي پير دهقان درختي مكار تو اي قدّ دلكش همه سرمه ساي تو اي سرو سركش ز پا أندر آي تو اي نوجوان زندگاني مكن ز من چهره را ارغواني مكن تو اي نغمه جز ناله راهي مپوي تو اي نغمه جز ناله حرفي مگوي زبان بستن از قصّة دوش به در اين راز نگشودن گوش به خوشتر آن باشد كه سرّ دلبران گفته آيد در حديث ديگران يقول: «فلتتمزّق أستارك أيّها الفَلَك، و لتُبْدِ عداءك أيّها الفَلَك المسرع! لتصبح قامتك ـ أيّها الدهر ـ منحنية، و أنتِ أيّتها السماء كوني لازِوَرْدِيَّة. عساكَ أيّها الربيع الفتيّ كنت خريفاً، و عسي السرور علي صفتيك ـ أيّها الجدول ـ كان منحنياً. عساكِ ـ أيّتها الشمس ـ هويتِ إلي غير رجعة، و عسي طلعتك ـ أيّها القمر ـ ملطّخة بالدم. و يا بستان الحياة كن عقيماً غير مثمر، و يا أيّها الفلاّح العجوز لا تزرعنّ من شجرة. و يا صاحب القامة الجميلة اغمس نفسك بالكحل و السواد، و يا أشجار السرو اممتدّة الشامخة ترجّلي و اسقطي! يا أيّها الفتي دع الحياة و لا تجعلنّ ـ من الخمر ـ طعلتك بلون الورد. لا تبحثي أيّتها النغمة عن غير الانين، و لا تتحدّثي عن غير الانين. إنّ الصمت عن قصّة البارحة أولي، و إنّ الإعراض عن استماع هذا الامر أفضل. و من الافضل أن يأتي حديث سرّ الحبيب الذي خطف القلب في كلام الآخرين». انتهي كلام نظام العلماء أعلي الله مقامه. فلاحظوا مستوي الدناءة و الرذالة و العناد الذي تمرّغ به أُولئك الذين ألّفوا حديثاً لطّلاب المدارس في العربيّة السعوديّة كتاباً باسم «سيرة أميرالمومنين يزيد». وَيْحاً لهم و تبّاً لهم، أُولئِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. [12] ـ أُورد هذه القصّة مضافاً إلي ابن الاثير، سبط ابن الجوزيّ في«تذكرة الخواصّ» ص 148 و 149 عن ابن أبي الدنيا؛ و أوردها كذلك المسعوديّ في «مروج الذهب» ج 3، ص 61، طبعة دار الاندلس. و كذلك ذكرها ابن كثير الدمشقيّ في «البداية و النهاية» ج 8، ص 191 و 192، و أوردها الطبريّ في «تاريخ الاُمم و الملوك» ج 4، ص 352 و 353، طبعة مطبعة الاستقامة؛ و الشيخ المفيد في «الإرشاد» ص 268، الطبعة الحجريّة؛ و الشيخ الطبرسيّ في «إعلام الوري» ص 248. [13] ـ ذكر العلاّمة السيّد شرف الدين في «الفصول المهمّة» ص 116 إلي 118، الطبعة الثانية، من جنايات يزيد بعد واقعة كربلاء قضيّة إرساله المجرم مسلم بن عقبة و جناياته في المدينة الطيّبة و الاُمور التي ارتكبها في المدينة ممّا كادت السماوات يتفطّرن منها: و حسبك أنّهم أباحوا المدينة المنوّرة ثلاثة أيّام حتّي افتُضّ فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين و الانصار، كما نصّ عليه السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» و علمه جميع الناس. و قُتل يومئذٍ من المهاجرين و الانصار و أبناؤهم و سائر المسلمين اللائذين بضريح سيّد النبيّين صلّي الله عليه وآله وسلّم عشرة آلاف و سبعمائة و ثمانون رجلاً، و لم يبقَ بعدها بدريّ، و قذتل من النساء و الصبيان عدد كثير، و كان الجنديّ يأخذ برِجل الرضيع فيجذبه من أُمّه و يضرب به الحائط فينتثر دماؤه علي الارض و أُمّه تنظر إليه، ثمّ أُمروا بالبيعة ليزيد علي أنّهم خول عبيد إن شاء استرقّ و إن شاء أعتق، فبايعوه علي ذلك و أموالهم مسلوبة و رحالهم منهوبة و دماؤهم مسفوكة و نساؤهم مهتوكة، و بعث مجرم بن عقبة برؤوس أهل الدمينة إلي يزد. فلمّا أُلقيت بين يديه قال: ـ ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ـ.. الابيات، و يقول في الهامش: إرسال رؤوس أهل الميدنة إلي يزيد و إنشاده أبيات ابن العزبعري مشهور مستفيض، و قد ذكره ابن عبد ربّه الاندلسيّ في أواخر وقعة الحَرَّة من «العقد الفريد»، و نقل هناك اعتراف يزيد بارتداده عن الإسلام. [14] ـ «الكامل في التاريخ» ج 4، ص 84 و 85، طبعة دار صادر، بيروت سنة 1385. و الآية المباركة هي الآية 26، من السورة 3: آل عمران: قُلِ اللَهُمَّ مَـ'لِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَ تُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَ تُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ و أورد هذه القصّة الطبريّ أيضاً في تأريخه ج 4، ص 355، طبعة مطبعة الاستقامة. [15] ـ «معرفة الإمام» ج 7، الدرس 91 إلي 93. [16] ـ «معرفة الإمام» ج 7، الدرس 91 إلي 93. [17] ـ يقول في «أقرب الموارد» الفهد حيوان مفترس يُصاد به، سيّي الخلق و شديد الغضب و ثّاب، و يوصف بكثرة النوم، فيقال: أنوم من فهد. [18] ـ و يقول (السيّد شرف الدين» في كتابه «النصّ و الاجتهاد» في جنايات يزيد: ثمّ توجّه مجرم بن عقبة لقتال ابن الزبير (و هو إذ ذاك بمكّة) و قد بويع بالخلافة، فهلك المجرم في الطريق و تأمّر بعده الحصين بن نمير بعهدٍ من يزيد، فأقبل بجيشه حتّي نزل علي مكّة المكرّمة، و نصب عليها العرّادات و المنجنيق، و فرض علي أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلّ يوم يرمون بها، فحاصروهم بقيّة المحرّم و صفر و شهرَي ربيع يغدون علي القتال و يروحون حتّي جاءهم موت طاغيتهم يزيد، و كانت المجانيق أصابت البيت الحرام فهدمته مع الحريق الذي أصابه. [19] ـ المُشاشة جمعها مُشاش: و هي النفس و الطبع، يقال: فُلانٌ طيّب المُشَاشَة يعني طَيِّب الخُلقِ. («أقرب الموارد»). [20] ـ «مروج الذهب» ج 3، ص 67، طبعة دار الاندلس. [21] ـ «شفاء الصدور» ص 298. [22] ـ «تذكرة خواصّ الاُمّة في معرفة الائمّة» أو «تذكرة الخواصّ من الاُمّة تذكر خصائص الائمّة» ص 148، تأليف جمال الدين يوسف، سبط الشيخ أبي الفرج عبدالرحمن ابن الجوزيّ، و هذا الرجل سبط ابن الجوزيّ المعروف الذي كان تلميذاً لابن تيميّة و له كتاب «الردّ علي المتعصّب العنيد» كما سيأتي لا حقاً:؛ و كتاب «تذكرة الخواصّ» الذي يعدّ من الكتب المشهورة و المعروفة وا لحاوي للمطالب العالية التي يستدلّ بها علماء الشيعة من آثار هذا السبط. لقد ذكر ابن كثير الدمشقيّ في «البداية و النهاية» ج 8، في ثلاثة موارد تمثّل يزيد بأشعار ابن الزبعري، الاوّل: في ص 192 عن محمّد بن حميد الرازيّ ـ و هو شيعيّ ـ قال: حدّثنا محمّد بن يحيي الاحمريّ، قال: حدّثنا ليث عن مجاهد، قال: لمّا جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد، تمثّل بهذه الابيات: ليت أشياخي ببدر شهدوا جَزَعَ الخَزْرَجَ فِي وَقعِ الاَسَلْ فأهلّوا و استهلّوا فَرَحاً ثُمَّ قالوا لي هَنِيئاً لا تَسَلْ حِينَ حُكَّتْ بِفِناءِ بَزكها واستحرَّ القَتْلُ فِي عبد الاسَلْ قد قتلنا الضِّعفَ من أشرافِكم و عدَلْنا ميلَ بَدرٍ فاعْتَدَلْ قال مجاهد: نافق فيها؛ واللهِ ثمّ واللهِ ما بَقِي في جيشه أحدٌ إلاّت تركَه. أي ذَمَّه و عابَه! والثاني: في ص 204: عن تاريخ ابن عساكر في ترجمة ريّا حاضنة يزيد، أنّ يزيد حين وُضع رأس الحسين بين يديه تمثّل بشعر ابن الزبعري، يعني قوله: لَيت أشياخي بِبَدرٍ شَهِدُوا جَزَع الخَزْرَج فِي وَقْع الاَسَلْ قال: ثمّ نصبه بدمشق ثلاثة أيّام، ثمّ وضع في خزائن السلاح حتّي كان زمن سليمان ابن عبدالملك، جيء به إليه و قد بقي عظماً أبيض فكفّنه و طيّبه و صلّي عليه و دفنه في مقابر المسلمين. و الثالث: في ص 224: في واقعد الحَرِّة حيث تمثّل به آنذاك. [23] ـ يقول حاجي خليفة الكاتب الحلبيّ في كتاب «كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون» ج 1، ص 839، طبعد سند 1360: هذا الكتاب لابي الفرج عبدالرحمن بن عليّ بن الجوزيّ، و هو كتاب مختصر أوّله هذه العبارة: الحمدُ للّه كُفْوَ جَلاَلِهِ. [24] ـ «شفاء الصدور» ص 292 و 294. [25] ـ «شفاء الصدور» ص 298. [26] ـ يقول آية الله السيّد شرف الدين العامليّ رحمة الله عليه في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص 340 و 341، الطبعة الثانية: و أمرٌ عليهم (معاوية) شرّيره المتهتّك و سكّيره المفضوح، فكان منه في طفّ كربلاء مع خامس أصحاب الكساء، و سيد شباب أهل الجنة ما أثكل النبيّين و أبكي الصخر الاصمّ دماً، و رمي المدينة الطيّبة بمجرم بن عقبة ـ بعهد إليه في! ذلك من أبيه ـ * فكانت أمور تكاد السماوات يتفطّرن منها، و حسبك أنّهم أباحوا المدينة الطيّبة ثلاثة أيّام، حتّي افتضّ فيها ألف عذراء ** من بنات المهاجرين و الانصار، و قتل يومئذٍ من المهاجرين و الانصار و أبنائهم و سائر المسلمين عشرة آلاف و سبعمائة و ثمانون رجلاً، و لم يبق بعدها بدريّ، و قتل من النساء و الصبيان عدد كثير، و كان الجنديّ! يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أُمّه و يضرب به الحائط حتّي ينثر دماغه علي الارض و أُمّه تنظر إليه. ثمّ أمروا بالبيعة ليزيد علي أنّهم خول و عبيد، إن شاء استرقّ، و إن شاء أعتق، فبايعوه علي ذلك و أموالهم مسلوبة، و رحالهم منهوبة، و دماؤهم مسفوكة، و نساؤهم مهتوكة. و بعث مجرم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلي يزيد. فلمّا ألقيت بين يديه تمثّل بقول القائل: * ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * ـ الابيات. * كما نصّ عليه الإمام ابن جرير الطبريّ في الصفحة الاخيرة من حوادث سنة 63 من أوائل الجزء 7 من تاريخه، و ابن عبد ربّه المالكيّ، حيث ذكر وقعة الحَرَّة في الجزء الثاني من عقده الفريد. و لم يبال يزيد و لا أبوه بقول رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: مَن أَخافَ المَدِينَةَ أَخَافَةُ الله عَزَّ وَجَّلَ وَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسَ أجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ مِنْهُ يزوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَ لاَ عَدْلاً. (أخرجه الإمام أحمد من حديث السائب بن خلاّد بطريقين إليه في ص 96 من الجزء 4 من مسنده). ** كما نصّ عليه السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» و علمه جميع الناس، حتّي قال ابن الطقطقيّ في ص 7. (من تأريخه المعروف ب «الفخريّ» ما هذا نصّه: فقيل إنّ الرجل من أهل المدينة بعد ذلك كان إذا زوّج ابنته لا يضمن بكارتها، و يقول لعلّها افتضّت في وقعة الحَرّة ـ انتهي. و قال الشبراويّ في ص 66 من كتابه «الإتحاف»: و افتضّ فيها ألف بكر، و حمل فيها من النساء اللائي لا أزواج لهنّ نحو ألف امرأة. (قلت) و قال ابن خلّكان، حيث ذكر وقعة الحرّة في ترجمة يزيد بن القعقاع القاري المدنيّ من وفيّاته، ما هذا نصّه: كان يزيد بن معاوية في مدّة ولايته قد سيّر إلي المدينة جيشاً مقدمه مسلم بن عقبة المريّ فنهبها و أخرج أهلها إلي هذه الحرّة فكانت الوقعة فيها، و جري فيها ما يطول شرحه و هو مسطور في التواريخ، حتّي قيل إنّ بعد وقعة الحرّة ولدت أكثر من ألف بكر من أهل المدينة بسبب ما جري فيها من الفجور. [27] ـ وردت في عبارة المسعوديّ و ابن الاثير بلفظ حَاسِرَةً، و لكن وردت في عبارة ابن كثير نَاشِرَةً شَعْرَهَا وَاضِعَةً كُمَّهَا عَلَي رَأْسِهَا. و أوردها الشيخ المفيد في «الإرشاد» ص 270، الطبعة الحجريّة، بهذه العبارة: خرجت أُمّ لقمانَ بنتُ عقيل بن أبي طالبٍ رحمةُ الله عليهم حين سَمِعَتْ نَعِيَ الحسين، حسارةً و معها أَخَواتُها أُمّ هاني و أسماءُ و رَمْلة و زينبُ بناتُ عقيل بن أبي طالب رحمة الله عليه تَبكي قَتْلاها بالطفوف و هي تقول... و يقول الطبريّ في تأريخه، ج 4، ص 375، طبعة مطبعد الاستقامة 1358: خرجت ابنَةُ عقيلِ بن أبي طالبٍ و معها نساؤها و هي حاسرةٌ تَلوي بثوبها و هي تقول.... [28] ـ «مروج الذهب» ج 3، ص 300، طبعة المطبعة المنيريّة بمصر سنة 1356، و في طبعة دار صادر بيروت سنة 1385: ج 4، ص 88 و 89؛ و ذكرها أبو ريحان البيرونيّ في «الآثار الباقيّة» ص 329، طبعة ليدن. |
|
|