بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الثالث / القسم الثانی: فلسفة الجهاد، العبودیة و الاستبعاد

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

تخبّط‌ الشرق‌ والغرب‌ في‌ أسر المادّيّة‌

 إنّ جميع‌ أُوروبّا وأمريكا تحترق‌ اليوم‌ في‌ جهنّم‌ المادّيّة‌، ليس‌ فقط‌ دول‌ الاتّحاد السوفييتي‌ّ والصين‌ اللذان‌ ينحوان‌ منحي‌ الشيوعيّة‌ ويُظهران‌ ذلك‌، بل‌ إنّ جميع‌ علماء الغرب‌ الذين‌ قطعوا رابطتهم‌ مع‌ الله‌ سبحانه‌ صاروا مادّيّين‌ خالصين‌، وصار للمادّيّة‌ معنيً أوسع‌ وأشمل‌ بحيث‌ ابتلع‌ الجميع‌ وازدردهم‌.

 و علی‌ الرغم‌ من‌ أنّ هؤلاء يتظاهرون‌ باتّباع‌ اليهوديّة‌ والمسيحيّة‌، لكنّ أُسلوبهم‌ ومذهبهم‌ هو مذهب‌ أصالة‌ المادّة‌، يدور علیه‌ أُسلوب‌ ورودهم‌ وخروجهم‌ في‌ البحوث‌ والجلسات‌ والمؤتمرات‌ والجامعات‌، ناشراً جناح‌ ظلمته‌ المشؤومة‌ في‌ معنيً وسيع‌ للمادّيّة‌ وعبادتها علی‌ كثير من‌ دول‌ العالم‌، ليس‌ فقط‌ في‌ مجال‌ العقيدة‌، بل‌ في‌ أُسلوب‌ التفكير والعمل‌، وطريقة‌ تعيين‌ المراد والهدف‌، التي‌ تنصبّ كلّها في‌ اتّجاه‌ المادّة‌، فيضيع‌ هؤلاء في‌ وادي‌ الاوهام‌ والتيه‌.

 وأذكر لكم‌ مثالاً حيّاً معبّراً لتشاهدوا إلی أي‌ّ مدي‌ تُوصل‌ النزعة‌ المادّيّة‌ والانحراف‌ البشرَ:

 لقد حصل‌ أحد معارفنا علی‌ شهادة‌ الطبّ من‌ كلّيّة‌ الطبّ في‌ طهران‌، ثمّ سافر بعد مدّة‌ قصيرة‌ إلی أمريكا وتابع‌ دراسته‌ وتخصّصه‌ وصار من‌ الجرّاحين‌ المشهورين‌ في‌ تلك‌ البلاد، وتزوّج‌ امرأة‌ أمريكيّة‌ ومُنِح‌ الجنسيّة‌ الامريكيّة‌، وانقضي‌ علی‌ وجوده‌ هناك‌ أربعون‌ سنة‌، ولا يزال‌ علی‌ قيد الحياة‌ حتّي‌ الآن‌.

 يقال‌: إنّه‌ يمتلك‌ هناك‌ مزرعةً ومستشفي‌ أهليّة‌، ويقوم‌ يوميّاً بعدّة‌ عمليّات‌ جراحيّة‌ ويتقاضي‌ علی‌ كلّ منها عشرة‌ آلاف‌ دولار كحدٍّ أدني‌. وقد حصل‌ بعد رحيله‌ أن‌ توفّي‌ والده‌ فوزِّعت‌ تركته‌ من‌ البيت‌ والدكّان‌ علی‌ ورثته‌، وعاشت‌ أُمّه‌ بعد ذلك‌ في‌ ضائقة‌ وافتقدت‌ الراحة‌ واليُسر اللذين‌ قد تنعّمت‌ بهما في‌ حياة‌ الاب‌.

 وقد كتب‌ إليه‌ أحد إخوته‌ يخبره‌: أنّ أُمّك‌ الآن‌ في‌ ضائقة‌ ومحنة‌، وأنّ الله‌ قد منحك‌ ـ وله‌ الحمد نعمةً موفورة‌ وحياةً رغيدة‌ وثروة‌ بلا حساب‌، فما أولاك‌ أن‌ لا تنسي‌ أُمّك‌ في‌ هذه‌ السنّ والضعف‌ والمرض‌، فترسل‌ لها شهريّاً مبلغاً تستعين‌ به‌ علی‌ أُمور حياتها.

 وبعد مدّة‌ وصل‌ الردّ منه‌ بهذا التعبير: أُيخيّل‌ إليكم‌ أ نّنا نحصل‌ علی‌ هذه‌ الاموال‌ مجّاناً بلا حساب‌؟! نحن‌ نعمل‌ ونتحمّل‌ المشاقّ لذلك‌؛ و علی‌ أُمّنا كي‌ تؤمّن‌ احتياجاتها أن‌ تذهب‌ فتعمل‌ هي‌ الاُخري‌!

 هذا هو أُسلوب‌ التربية‌ الغربيّة‌ وتأديب‌ المادّيّين‌، وهذه‌ المقولة‌ نابعة‌ من‌ مدرسة‌ أتباع‌ هيغل‌ وداروين‌ وديكارت‌، والتي‌ أدّت‌ إلی هذا.

 فقارنوا هذه‌ القصّة‌ مع‌ قصّة‌ الشابّ التي‌ أوردناها قبلاً في‌ الجزء الاوّل‌ من‌ هذا الكتاب‌ « نور ملكوت‌ القرآن‌ »، وكيف‌ أ نّه‌ غضّ النظر عن‌ الزواج‌ ضمن‌ هدي‌ الت علیم‌ والتربية‌ القرآنيّة‌ رعايةً لحال‌ أُمّه‌ وحمايةً لها، واحتماله‌ إيذاء أُمّه‌ وشتائمها، وصبـره‌ عن‌ الردّ علی‌ سـبابها المقذع‌ في‌ ليلة‌ شـتائيّة‌ باردة‌ حين‌ ناولها قدح‌ الماء، وكيف‌ أنّ الله‌ قد أزال‌ حجاب‌ الغيب‌ في‌ لحظةٍ عن‌ قلبه‌ فصار عالَم‌ الغيب‌ مشهوداً لديه‌، وفتح‌ أمامه‌ باب‌ مناجاة‌ قاضي‌ الحاجات‌ ومشاهدة‌ أنواره‌ الملكوتيّة‌ ونفحاته‌ السبحانيّة‌. [36]

 إنّ منطق‌ القرآن‌ هو توحيد ربّ العزّة‌ في‌ جميع‌ المقامات‌، والإيثار والعدل‌ والصبر أمام‌ المشكلات‌، واجتناب‌ الكسل‌ والهوي‌ والهوس‌، وبسط‌ النعمة‌ وتعميمها لكلّ الطبقات‌.

 وهو لا يمثّل‌ الاخلاق‌ النظريّة‌ له‌ فقط‌، بل‌ الاخلاق‌ العمليّة‌ والخارجيّة‌ أيضاً، فلقد كان‌ المسلمون‌ بشهادة‌ التأريخ‌ المسلّم‌، من‌ صدر الإسلام‌ وحتّي‌ الآن‌ هم‌ أهل‌ الصبر والإيثار والعفو والرحمة‌ والمروءة‌ والعدل‌، وقد كان‌ لهم‌ في‌ حروبهم‌ المظفّرة‌ منتهي‌ الرعاية‌ والحماية‌ لاُسراهم‌، والحفاظ‌ علی‌ حياتهم‌؛ فلم‌ يكونوا ليحرقوا الاشجار ويتلفوا المزارع‌ ويُهلكوا الحرث‌، أو يقاتلوا مَن‌ تنكّب‌ عن‌ مقاتلتهم‌ ولم‌ يشهر السيف‌ بوجوههم‌، ولم‌ يتعقّبوا مُدبراً عن‌ قتال‌، أو يمثّلوا بقتيل‌، وكانوا يؤمنون‌ مَن‌ لجأ إليهم‌، ولا يمنعون‌ عدوّهم‌ شريعة‌ الماء التي‌ في‌ أيديهم‌. [37]

 وحين‌ تقع‌ هناك‌ حربٌ داخليّة‌، فتقتتل‌ فئتان‌ من‌ المسلمين‌ بينهما وتختصمان‌ علی‌ السلطة‌، فإنّ الواجب‌ الاوّل‌ هو الدعوة‌ إلی الصلح‌، فإن‌ رفضتا الصلح‌ فإنّ من‌ المحتّم‌ أن‌ تكون‌ إحداهما باغية‌ علی‌ الاُخري‌ وظالمة‌ لها، ويجب‌ علی‌ المسلمين‌ جميعاً محاربتها حتّي‌ ترجع‌ إلی حكم‌ الله‌ وتنزجر عن‌ ظلمها وعدوانها.

 هذا الطريق‌ هو طريق‌ الإصلاح‌ بين‌ المسلمين‌، والذي‌ يتمثّل‌ أوّلاً بعقد الصلح‌، ثمّ يتمثّل‌ في‌ حال‌ الاعتداء الاكيد لاحد الاطراف‌ وعدم‌ قبوله‌ بالصلح‌، بمحاربته‌ حتّي‌ يرجع‌ عن‌ عدوانه‌ ويخضع‌ لامر الله‌:

 وَإِن‌ طَآنءِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن‌ بَغَتْ إِحْدَب'هُمَا عَلَی‌ الاْخْـرَي‌' فَقَـ'تِلُوا الَّتِي‌ تَبْغِي‌ حَتَّـي‌' تَفِي‌´ءَ إِلَي‌'´ أَمْـرِ اللَهِ فَإِن‌ فَآءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُو´ا إِنَّ اللَهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. [38]

 ولا حقّ للفريق‌ المنتصر في‌ هذه‌ الحروب‌ الداخليّة‌ بين‌ المسلمين‌ أن‌ يأسر أحداً، أو يُغير علی‌ أحد، أو يقتل‌ جريحاً؛ وكلّ ما يمتلك‌ من‌ حقّ أن‌ يأخذ الاجهزة‌ والمعدّات‌ الحربيّة‌ من‌ ساحة‌ القتال‌ فيتصرّف‌ فيها بما يشاء.

 أمّا عند هجوم‌ عدوّ خارجي‌ّ من‌ غير المسلمين‌ علی‌ البلاد الإسلاميّة‌، فإنّ الواجب‌ يحتّم‌ علی‌ المسلمين‌ أن‌ يجاهدوا لصدّه‌ وقتاله‌، وأن‌ ينهضوا جميعاً في‌ دفاعهم‌ ذلك‌: الرجل‌ والمرأة‌، والشيخ‌ والشابّ، الطفل‌ والبالغ‌، المريض‌ والسليم‌، والعالِم‌ والعامّي‌ّ بلا استثناء فيقاتلوا عدوّهم‌ ويهزمونه‌، فيقدمون‌ علی‌ القتل‌ والاسر والإغارة‌ ونهب‌ الاموال‌ والذراري‌ّ، وبكلّ طريق‌ آخر ممكن‌، من‌ أجل‌ ردع‌ وصدّ عدوانه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تعميم‌ نعمة‌ القرآن‌ ونشرها يستوجب‌ الجهاد لذلك‌

 أمّا فريضة‌ الجهاد فهي‌ أ علی‌ من‌ هذا وأدقّ، فالجهاد عبارة‌ عن‌ حركة‌ الجيش‌ الإسلامي‌ّ، بلا عداء سابق‌ من‌ الطرف‌ المقابل‌ أو تجاوز منه‌، بل‌ إنّ هدفه‌ المحض‌ يقوم‌ علی‌ أساس‌ هدايته‌ للتوحيد والإقرار بالشهادَتين‌: أَشْهَدُ أَن‌ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ؛ فهو بهذا الهدف‌ يتحرّك‌ ويندفع‌ في‌ أرض‌ العدوّ ويدعوه‌ إلی دين‌ الإسلام‌.

 وبالطبع‌ فمن‌ الواضح‌ أنّ سكنة‌ تلك‌ الاراضي‌ هم‌ من‌ غير المسلمين‌، سواء من‌ المشركين‌ والمادّيّين‌ والطبيعيّين‌، أم‌ من‌ أتباع‌ بوذا والبراهمة‌ وأتباع‌ كونفوشيوس‌ وغيرهم‌، أم‌ من‌ أهل‌ الكتاب‌ من‌ يهود ونصاري‌ ومجوس‌. و علی‌ أيّة‌ حال‌ فإن‌ قبل‌ هؤلاء اعتناق‌ الدين‌ الحقّ بمجرّد دعوتهم‌ إلی الإسلام‌ فإنّهم‌ يحقنون‌ دماءهم‌ فلا يُقتلون‌ ولا تؤخذ منهم‌ الجزية‌، وعند ذلك‌ يعود الجيش‌ الإسلامي‌ّ ويتحمّل‌ سائر المسلمين‌ وبيت‌ مال‌ المسلمين‌ نفقات‌ الحرب‌ من‌ تجهيز الجيش‌ وغير ذلك‌، ولا يؤخذ من‌ تلك‌ الفئة‌ المغلوبة‌ للمسلمين‌ حتّي‌ درهم‌ واحد.

 الرجوع الي الفهرس

أحكام‌ الإسلام‌ في‌ الجهاد من‌ القتل‌ والاسر والفدية‌ والنهب‌ والإغارة‌

 أمّا لو رفضوا اعتناق‌ الإسلام‌ وأصرّوا علی‌ دينهم‌، فإن‌ كانوا من‌ أهل‌ الكتاب‌ أُجبروا علی‌ دفع‌ الجزية‌ (الضرائب‌ والخراج‌ إلی خزينة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌)؛ [39] فإن‌ رفضوا دفع‌ الجزية‌ أو كانوا من‌ غير أهل‌ الكتاب‌، كالمشركين‌ والدهريّين‌، فإنّ علی‌ الجيش‌ الإسلامي‌ّ مقاتلتهم‌ وحربهم‌ ليقبلوا بدين‌ الحقّ. ولا يبقي‌ لهم‌ في‌ هذا الاحتمال‌ مفرّ غير القتل‌ والاسر، ويصبح‌ من‌ حقّ المسلمين‌ النهب‌ والإغارة‌ وأسر نسائهم‌ وذراريهم‌.[40]

 وللجيش‌ الإسلامي‌ّ عند عدم‌ انعقاد معاهدة‌ الصلح‌ والهدنة‌ أن‌ يتصرّف‌ في‌ الافراد الباقين‌ من‌ غير القتلي‌، فيأسرهم‌ ويسترقّهم‌، ثمّ يهتمّ بتربيتهم‌ الدينيّة‌ وهدايتهم‌ الإلهيّة‌ وفق‌ رأي‌ الدولة‌ الإسلاميّة‌، أو يمُنّ علیهم‌ ـ إن‌ اقتضت‌ المصلحة‌ ذلك‌ فيعتقهم‌ ويحرّرهم‌، أو أن‌ يأخذ منهم‌ الفِدية‌ مقابل‌ حرّيّتهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

فلسفة‌ الجهاد في‌ الإسلام‌ هي‌ الإيثار وإنفاق‌ التوحيد ونشره‌ علی‌ مفتقديه‌

 و للجهاد في‌ الإسلام‌ مزايا مختصّة‌ به‌، فهو ليس‌ كالحروب‌ التقليديّة‌ للمحاربين‌ والابطال‌ التي‌ تقوم‌ علی‌ الرغبة‌ في‌ الانتقام‌ والحسد والحقد والتعالي‌ والاستكبار والانانيّة‌ وعبادة‌ الذات‌، أو توسيع‌ رقعة‌ الارض‌ والحصـول‌ علی‌ الاموال‌ والجواهر والنفوس‌، بل‌ هو أمر مقدّس‌ شـرعي‌ّ وعبادة‌ حقيقيّة‌ من‌ المحراب‌ الإلهي‌ّ، لا تنتفي‌ فيها أمثال‌ هذه‌ الانانيّات‌ والمقاصد فقط‌، بل‌ إنّ وجودها فيها له‌ الضرر والإحباط‌ الذي‌ يلحق‌ بأساس‌ عباديّة‌ هذا العمل‌ ويؤدّي‌ إلی فساده‌ وعدم‌ قبوله‌.

 وفي‌ الجهاد الإسلامي‌ّ يفقد الجيش‌ أمواله‌، ويتحمّل‌ نفقات‌ ذهابه‌ وإيابه‌، ويُقتل‌ أفراده‌ في‌ القتال‌ صرعي‌ مضمّخين‌ بدمائهم‌، ويتحمّل‌ عدداً كبيراً من‌ الجرحي‌، كلّ ذلك‌ بنيّة‌ إرشاد وهداية‌ الجانب‌ غير المسلم‌ الذي‌ يريد دعوته‌ إلی دين‌ التوحيد، و إلی التمتّع‌ بمواهب‌ الإسلام‌ ومنافعه‌؛ ثمّ يكفّ عن‌ القتال‌ بمجرّد إسلام‌ أُولئك‌ ويعدّ إسلامهم‌ نصراً وظفراً له‌. هذه‌ هي‌ فلسفة‌ الجهاد.[41]

 ويمكن‌ بلا أدني‌ شكّ اعتبار هذا الامر والواجب‌ الإسلامي‌ّ الرفيع‌ من‌ أعظم‌ خصائص‌ الإسلام‌ الاخلاقيّة‌ والحياتيّة‌ والتربويّة‌. فهل‌ رأيتم‌ أو سمعتم‌ في‌ هذا العالم‌ بأحدٍ يستعدّ من‌ أجل‌ إرشاد وهداية‌ شخص‌ أجنبي‌ّ لا تربطه‌ به‌ محبّة‌ أو علاقة‌ سابقة‌ لان‌ يتجاوز مرحلة‌ الوعظ‌ والنُّصح‌ والإرشاد والكلام‌ الغليظ‌، بل‌ يتجاوز الوعيد والتهديد، فلا يتحمّل‌ مشقّة‌ السفر ومحنته‌ فقط‌، بل‌ يوافق‌ علی‌ تقديم‌ نفسه‌ وأعزّة‌ أولاده‌ وإخوانه‌ وعشيرته‌ وأصحابه‌ قرابين‌ مضرّجة‌ بالدماء، كلّ ذلك‌ من‌ أجل‌ أن‌ يضع‌ ذلك‌ الرجل‌ الاجنبي‌ّ المنحرف‌ المشرك‌ قدمه‌ علی‌ طريق‌ الهداية‌ ويحني‌ رأسه‌ لقبول‌ الحقّ ويُنجي‌ نفسه‌ من‌ مهالك‌ الشرك‌ وعواقبه‌ الوخيمة‌، ومن‌ المضائق‌ والطرق‌ المليئة‌ بالمنعطفات‌ في‌ عقائده‌ وسننه‌ التقليديّة‌ الخاطئة‌، التي‌ تلقّاها بعينَين‌ مغمضتَين‌ وأدلج‌ بها عالم‌ روحه‌ وحياته‌؟! هذه‌ هي‌ فلسفة‌ الجهاد.

 ونحن‌ نري‌ أنّ المؤمنين‌ من‌ صدر الإسلام‌ وحتّي‌ يومنا هذا يعيشون‌ علی‌ أمل‌ الجهاد والقتل‌ في‌ سبيل‌ الله‌، ويطلبون‌ من‌ خالقهم‌ بإلحاح‌ في‌ أدعيتهم‌ أن‌ يوفّقهم‌ لهذه‌ الفريضة‌ الإلهيّة‌. نراهم‌ يعدّون‌ القتل‌ تحت‌ الحراب‌ والرجم‌ بالحجارة‌ وبين‌ الرماح‌ والسيوف‌ فوزاً عظيماً. لماذا؟ ولاي‌ّ سبب‌؟ ولايّة‌ حكمة‌؟

 ذلك‌ لانّ المسلم‌ الذي‌ ذاق‌ طعم‌ التوحيد، وآمن‌ بآيات‌ القرآن‌، واتّبع‌ رسول‌ الوحي‌ المرتبط‌ والرابط‌ والربط‌ بعالم‌ الغيب‌ والشهود؛ وتَمتَّعَ وسعد بأحسن‌ وجه‌ بمزايا الإسلام‌ وآثاره‌ في‌ العدل‌ والإيثار والاخلاق‌ الحميدة‌ والعقائد المقبولة‌ والمعاملة‌ الحسنة‌، لن‌ يرضي‌ أن‌ يجلس‌ وحده‌ علی‌ هذه‌ المائدة‌ فيرتوي‌ ويتناول‌ ويغتذي‌ من‌ المواهب‌ الإلهيّة‌، والمناجاة‌ حال‌ الخلوص‌ والخلوة‌، وكرائم‌ الاخلاق‌ المُرضيّة‌ والشيم‌ المحمودة‌، ويلفّه‌ السكر من‌ تجلّيات‌ الحقّ ونور توحيده‌، في‌ حين‌ يُحرم‌ أبناء نوعه‌ وجلدته‌، ويمدّون‌ أيديهم‌ علی‌ الموائد الظلمانيّة‌ إلی الاقذار، ويقضون‌ أعمارهم‌ في‌ الغفلة‌ والشرك‌ والجهل‌ بأعين‌ عمياء وآذان‌ صمّاء وقلوب‌ خالية‌ لم‌ يعمرها الفكر.

 ولقد أوصي‌ نبي‌ّ الإسلام‌ بالجار، وكان‌ يُشرك‌ جلساءه‌ وأصحابه‌ في‌ الهدايا التي‌ تُجلب‌ إليه‌، وكان‌ يتحرّز من‌ تناول‌ الطعام‌ في‌ ملا عامّ بحيث‌ يراه‌ عابرو الطريق‌، حتّي‌ أ نّه‌ أوصي‌ بقطط‌ البيوت‌ أن‌ لا يُتركن‌ جياعاً إذ: هُنَّ طَوَّافَاتُ بُيُوتِكُمْ. فلم‌ يكن‌ يرضي‌ ـ لهذا أن‌ يتمتّع‌ وأصحابه‌ بنعمة‌ الإيمان‌ والتوحيد والإسلام‌، والتي‌ تعدل‌ آلاف‌ المرّات‌ النعم‌ المادّيّة‌ والحياتيّة‌ الدنيويّة‌، في‌ حين‌ يُحرم‌ بنو نوعه‌ وبنو جنسه‌ من‌ بني‌ آدم‌ من‌ هذه‌ النعمة‌، ولو كانوا يعيشون‌ قباله‌ في‌ الطرف‌ الآخر من‌ الدنيا!

 و علیه‌، فقد كان‌ يمتنع‌ من‌ الاكل‌ إلاّ ما جشب‌، ويتجافي‌ عن‌ الراحة‌ والنوم‌ إلاّ قليلاً، ويشدّ حجر المجاعة‌ علی‌ بطنه‌، وينصرف‌ مع‌ أصحابه‌ إلی معركة‌ الجهاد فيقف‌ فيها أقربَ الناس‌ إلی العدوّ. وكان‌ يُجرح‌، وتُكسر رباعيّته‌، وينغرس‌ حلق‌ الحديد في‌ جبينه‌ فيسيل‌ دمه‌، ولا يستطيعون‌ انتزاع‌ بيضة‌ الحديد من‌ رأسه‌ الشريف‌ واستخراج‌ حلقاتها الحديديّة‌؛ ويستشـهد أقـرب‌ أرحـامه‌ إليه‌، كعمّه‌ الجليل‌ حَمْـزَة‌ بن‌ عَبْد المُطَّـلِب‌، وابن‌ عمّه‌ عُبَيْـدَة‌ بن‌ الحَارِث‌ بن‌ عَبْد المُطَّـلِب‌، وتصـيب‌ حاميه‌ الوحيد وابن‌ عمّه‌ عَلِي‌َّ بْنَ أَبِي‌ طالِب‌ في‌ معركةٍ واحدة‌ تسـعون‌ جراحة‌ وُضع‌ في‌ أكثـرها فتائل‌ لتعـذّر تضـميدها، ويسـقط‌ أصحابه‌ قرّاء القرآن‌ من‌ أمثال‌ عبد الله‌ بن‌ عَمْرو بن‌ حَرَام‌ أب‌ جابر و عَمْرُو بن‌ الجَمُوح‌ علی‌ الارض‌ مقطّعين‌ إرباً إرباً، كلّ ذلك‌ كي‌ لا يجلس‌ وحده‌ إلی هذه‌ المائدة‌ السماويّة‌، بل‌ يدعو أبناء نوعه‌ وجنسه‌ فينتفعون‌ بنور العلم‌ والعمل‌.

 ولقد كان‌ أيسر علیه‌ كثيراً؛ لو لم‌ يكن‌ هدفه‌ ذاك‌؛ أن‌ يهاجر من‌ مكّة‌ مع‌ قلّة‌ من‌ أصحابه‌، فيختار مكاناً عند نهرٍ جارٍ أو عند مساقط‌ مياه‌ ذات‌ هواء عذب‌ فينشغل‌ بالترنّم‌ وقراءة‌ آيات‌ القرآن‌ متمتّعاً بالمزايا الروحيّة‌ فقط‌. لكنّه‌ لم‌ يفعل‌ ذلك‌، بل‌ كان‌ يري‌ نور التوحيد تحت‌ ظِلال‌ بريق‌ السيوف‌ والرماح‌، ومع‌ صهيل‌ الخيول‌ الغازية‌ وهمهمة‌ الابطال‌ الغزاة‌. هذه‌ هي‌ فلسفة‌ الجهاد في‌ الإسلام‌. [42]

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ عبور النبي‌ّ الاكرم‌ علی‌ الاسري‌ وتبسّمه‌

 وينقل‌ الشاعر الملاّ الرومي‌ّ بالتفصيل‌ قصّة‌ الاسري‌ المصفّدين‌ بالسلاسل‌ الذين‌ مرّ علیهم‌ النبي‌ّ الكريم‌ فتبسّم‌؛ فقالوا: كيف‌ يكون‌ هذا الرجل‌ رحمةً للعالمين‌ وهو يرانا علی‌ هذه‌ الحال‌ فيضحك‌؟ فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ جوابهم‌:

 عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يُجَرُّونَ إلَي‌ الجَنَّةِ بِالسَّلاَسِلِ.

 ويقول‌ الحكيم‌ المتأ لّه‌ الصمداني‌ّ الحاجّ الملاّ هادي‌ السبزواري‌ّ تغمّده‌ الله‌ في‌ رضوانه‌ في‌ شرح‌ هذه‌ العبارة‌:

 أي‌ أعجبُ من‌ قومٍ يجرّون‌ بالسلاسل‌ إلی الإيمان‌ الذي‌ هو عين‌ الجنّة‌، بل‌ الإيمان‌ العياني‌ّ والحقّي‌ّ هو جنّة‌ الصفات‌ وجنّة‌ لقاء الذات‌. [43]

 ولانّ الملاّ الرومي‌ّ قد ذكر تفصيل‌ هذه‌ القصّة‌ فإنّنا ننقل‌ منها مقاطع‌ منتخبة‌ من‌ متن‌ القصّة‌:

 ديد پيغمبر يكي‌ جوق‌ اسير                   كه‌ همي‌ بردند و ايشان‌ در نفير

 ديدشان‌ در بند، آن‌ آگاه‌ شير                 مي‌ نظر كردند در وي‌ زير زير

 تا همي‌ خائيد هر يك‌ از غضب‌               بر رسول‌ صدق‌، دندانها و لب‌

 زهره‌ ني‌ با آن‌ غضب‌ كه‌ دم‌ زنند                        زانكه‌ در زنجير قهر ده‌ من‌اند [44]

 ميكشاندشان‌ موكّل‌ سوي‌ شهر                                    مي‌برد از كافرستانشان‌ به‌ قهر

 ني‌ فدائي‌ ميستاند، ني‌ زري‌                ني‌ شفاعت‌ ميرسد از سروري‌

 رحمت‌ عالم‌، هميگويند، واو                  عالَمي‌ را مي‌بُرد حَلق‌ و گلو

 با هزار انكار ميرفتند راه‌                        زير لب‌ طعنه‌ زنان‌ بر كار شاه‌

 اين‌ بمنكيدند، در زير زبان‌                     آن‌ اسيران‌ با هم‌ اندر بحث‌ آن‌

 پس‌ رسول‌ آن‌ گفتشانرا فهم‌ كرد                        گفت‌: آن‌ خنده‌ نبودم‌ از نبرد

 مرده‌اند ايشان‌ وپوسيده‌ فنا                  مرده‌ گشتن‌ نيست‌ مردي‌ پيش‌ ما

 آنگهي‌ كآزاد بوديد و مكين                     ‌ من‌ شما را بسته‌ ميديدم‌ چنين‌

 اي‌ بنازيده‌ به‌ ملك‌ و خانمان‌                  نزد عاقل‌، اشتري‌ بر نردبان‌

 من‌ شما را وقت‌ ذرّاتِ أَلَسْت                 ديده‌ام‌ پا بسته‌ و منكوس‌ و پست‌

 من‌ شما را سرنگون‌ ميديده‌ام‌               پيش‌ از آن‌ كز آب‌ و گِل‌ باليده‌ام‌

 نو نديدم‌، تا كنم‌ شادي‌ بدان‌                 اين‌ همي‌ ديدم‌ در آن‌ اقبالتان‌ [45]

 بستة‌ قهر خفي‌، آنگه‌ چه‌ قهر                قند ميخورديد، ودروي‌دُرج‌زهر

 چون‌ چنين‌ قندي‌ پر از زهري‌ عدوّ                       خوش‌ بنوشد، چَتْ حسد آيد بر او

 با نشاط‌ آن‌ زهر ميكرديد نوش‌               مرگتان‌ خفيه‌ گرفته‌ هر دو گوش‌

 من‌ نميكردم‌ غَزا از بهر آن‌                     تا ظفر يابم‌ فرا گيرم‌ جهان‌

 كاين‌ جهان‌ جيفه‌است‌ و مردار و رخيص‌                بر چنين‌ مردار چون‌ باشم‌ حريص‌؟

 سگ‌ نيم‌ تا پرچم‌ مرده‌ كَنَم                   ‌ عيسيم‌ آيم‌ كه‌ تا زنده‌اش‌ كنم‌

 زان‌ همي‌ كرده‌ صفوف‌ جنگ‌ چاك‌           تا رهانم‌ من‌ شما را از هلاك‌ [46]

 زان‌ نمي‌ برّم‌ گلوهاي‌ بشر                    تا مرا باشد كرّ و فرّ و حشر

 زان‌ همي‌ برّم‌ گلوي‌ چند تا                   زان‌ گلوها عالمي‌ يابد رها

 كه‌ شما پروانه‌وار از جهل‌ خويش                        ‌ پيش‌ آتش‌ ميكنيد اينجمله‌ كيش‌

 من‌ همي‌ دانم‌ شما را همچو مست                   ‌ از در افتادن‌ در آتش‌ با دو دست‌

 آنكه‌ خود را فتحها پنداشتيد                  تخم‌ منحوسيّ خود ميكاشتيد

 يكدگر را جدّ و جدّ ميخوانديد                  سوي‌ اژدرها فرس‌ ميرانديد

 قهر ميكرديد و اندر عين‌ قهر                   خود شما مقهور قهر شير دهر

 گفت‌ پيغمبر: كه‌ هستند از فنون                        ‌ أهل‌ جنّت‌ در خصومتها زبون‌ [47]

 از كمال‌ حزم‌ و سوء الظنّ خويش                        ‌ ني‌ ز نقص‌ و بد دلي‌ و ضعف‌ كيش‌

 مَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْت‌ آمد خطاب               ‌ گم‌ شد او، و الله‌ أعلم‌ بالصواب‌

 زان‌ نميخندم‌ من‌ از زنجيرتان‌                 كه‌ بگردم‌ ناگهان‌ شبگيرتان‌

 زان‌ همي‌ خندم‌ كه‌ از زنجير و غلّ                       ميكشم‌تان‌ سوي‌ سروستان‌ و گل‌

 اي‌ عجب‌ كز آتش‌ بي‌ زينهار                  بسته‌ مي‌آريمتان‌ تا سبزه‌ زار

 از سوي‌ دوزخ‌ به‌ زنجير گران‌                  ميكشم‌تان‌ تا بهشت‌ جاودان‌

 هر مقلِّد را در اين‌ ره‌ نيك‌ و بد                همچنان‌ بسته‌ به‌ حضرت‌ ميكشد [48]

 جمله‌ در زنجير بيم‌ و ابتلا                     ميروند اين‌ ره‌ به‌ غير أوليا

 مي‌كشند اين‌ راه‌ را پيكار وار                 جز كساني‌ واقف‌ از اسرار كار

 جهد كن‌ تا نور تو رخشان‌ شود              تا سلوك‌ وخدمتت‌ آسان‌ شود

 كودكان‌ را ميبري‌ مكتب‌ به‌ زور                زانكه‌ هستند از فوائد چشم‌ كور

 چون‌ شود واقف‌ به‌ مكتب‌ ميدود             جانش‌ از رفتن‌ شكفته‌ مي‌شود

 ميرود كودك‌ به‌ مكتب‌ پيچ‌ پيچ‌                چون‌ نديد از مزدكار خويش‌ هيچ‌ [49]

 ومن‌ جملة‌ الاحكام‌ المترتّبة‌ علی‌ الجهاد الإسلامي‌ّ مسألة‌ الاستعباد، أي‌ أخذ الاسير الكافر بعنوان‌ غلام‌ أو جارية‌ واسترقاقهم‌ واستعبادهم‌ استعباداً مطلقاً لتكون‌ دولة‌ الإسلام‌ في‌ أمان‌ من‌ كيدهم‌ وشرّهم‌، ولتربيتهم‌ بآداب‌ الإسلام‌، فيتعلّمون‌ علی‌ يد المسلمين‌ تدريجيّاً عقائد الإسلام‌ وآدابه‌ وأخلاقه‌، وينضمّوا بمل‌ء إرادتهم‌ و بطوعهم‌ واختيارهم‌ إلی صفوف‌ المسلمين‌.

 وهذا الحكم‌ يمثّل‌ الطريق‌ الوحيد للحلّ الصحيح‌ الموضوع‌ علی‌ أساس‌ فلسفة‌ الإسلام‌، والذي‌ يرتضيه‌ ويقرّه‌ الحكم‌ القطعي‌ّ العقلي‌ّ ولا يتعارض‌ مع‌ الحكم‌ الشرعي‌ّ في‌ الكتاب‌ والسنّة‌.

 ولكن‌ وفقاً لقرار مؤتمر بروسل‌ ـ قبل‌ مائة‌ سنة‌ فقد مُنع‌ بيع‌ وشراء العبيد في‌ العالم‌، واعتبر استرقاقهم‌ غير جائز بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌. وقد أصدر هذا القرار تحت‌ عنوان‌ حماية‌ البشر تحت‌ غطاء الإنصاف‌ والعدل‌، ممتنّاً بذلك‌ علی‌ البشريّة‌ في‌ تخليص‌ أبناء نوع‌ الإنسان‌ وجنسه‌ إلی الابد من‌ وطأة‌ الرقّ وتحمّل‌ المشاقّ الناشئة‌ من‌ الاسر والعبوديّة‌.

 ويُشاهد أحياناً أنّ البعض‌ يوجّه‌ الانتقاد للإسلام‌ في‌ أ نّه‌ مع‌ عظمته‌ ورفعته‌ لم‌ يضع‌ الحلّ الناجح‌ لمسألة‌ العبيد، ويتساءل‌: كيف‌ يتغاضي‌ هذا الدين‌ الذي‌ أعلن‌ مَن‌ جاء به‌ خلوده‌ وأبديّته‌ عن‌ مسألة‌ الحرّيّة‌ وإلغاء حكم‌ الرقّ؟!

 وثانياً فإنّ القوانين‌ الجارية‌ والراقية‌ للاُمم‌ المتمدّنة‌ الغربيّة‌ لبست‌ إكليل‌ الفخر في‌ تخليصها البشر من‌ الرقّ وفتحت‌ له‌ أبواب‌ الرقي‌ّ والسيادة‌.

 ونلحظ‌ ثالثاً أنّ البعض‌ في‌ دفاعه‌ عن‌ الإسلام‌ يسلّم‌ بأساس‌ صحّة‌ وصواب‌ إلغـاء حكـم‌ الرقّ، ثـمّ يكـون‌ بصـدد بيان‌ عـدم‌ إلغائه‌ في‌ زمـن‌ رسول‌ الله‌ ويتحرّي‌ مقتضيات‌ وظروف‌ وإمكانات‌ ذلك‌ العصر، محاولاً تبرير عدم‌ إلغائه‌ في‌ ذلك‌ العصر بهذه‌ العلل‌ والاسباب‌.

 وسنوضح‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ في‌ هذا البحث‌ أنّ هذا الكلام‌ لم‌ يكن‌ غير خدعة‌ ومكر، وأنّ قرار بروسل‌ لم‌ يتضمّن‌ غير إلغاء اسم‌ العبوديّة‌ تاركاً حقيقتها ومسمّاها سالمة‌ غير مخدوشة‌، فالعبودية‌ حسب‌ نظره‌ هي‌ غيرها في‌ نظر الإسلام‌، وحكم‌ الإسلام‌ بعبوديّة‌ إنسان‌ له‌ شروط‌ وعنوان‌ خاصّ لا يمكن‌ رفضه‌ عقلاً، وينبغي‌ أن‌ يكون‌ كذلك‌، وحكم‌ الإسلام‌ هذا غير منسوخ‌ ولن‌ يُنسخ‌، وهو صحيح‌ وثابت‌ إلی الابد؛ كما أنّ البحث‌ في‌ آيات‌ القرآن‌ الراجعة‌ إلی العبيد، وكذلك‌ البحوث‌ الروائيّة‌ والتأريخيّة‌ والفقهيّة‌ الواردة‌ في‌ كتاب‌ الاستيلاد والمكاتبة‌، مسألة‌ حيّة‌ شأنها شأن‌ بحوث‌ الجهاد، وينبغي‌ تدريسها في‌ الحوزات‌ والاستمرار في‌ بحثها.

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ حول‌ الرقّ والعبوديّة‌ في‌ آخر سورة‌ المائدة‌

 وباعتبار قيام‌ الاُستاذ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ الشريف‌ ببيان‌ هذا البحث‌ واستقصاؤه‌ في‌ تفسيره‌ بشكل‌ كامل‌، لذا يليق‌ أن‌ نقتطف‌ عنقوداً من‌ محصوله‌ ونتابع‌ البحث‌ من‌ خلاله‌.

 فقد أورد في‌ آخر سورة‌ المائدة‌ في‌ خطاب‌ عيسي‌ المسيح‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ و علیه‌ الصلاة‌ والسلام‌ مع‌ الله‌ سبحانه‌: إِن‌ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، [50] بحثاً في‌ عشر فقرات‌ نورد هنا خلاصته‌:

الآيات‌ الدالّة‌ علی‌ أنّ جميع‌ الموجودات‌ هم‌ أرقّاء وعبيد بشكل‌ مطلق‌ للّه‌

 1 ـ اعْتِبَارُ العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ:

 في‌ القرآن‌ الكريم‌ آيات‌ كثيرة‌ جدّاً تعدّ الناس‌ عباداً للّه‌ سبحانه‌، وتبني‌ علی‌ ذلك‌ أصل‌ الدعوة‌ الدينيّة‌: الناس‌ عبيد والله‌ مولاهم‌ الحقّ. بل‌ ربّما تعدّي‌ ذلك‌ وأخذ كلّ من‌ في‌ السماوات‌ والارض‌ موسوماً بسمة‌ العبوديّة‌ للّه‌، قال‌ تعالي‌:

 إِن‌ كُلُّ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ إِلاَّ´ ءَاتِي‌ الرَّحْمَـ'نِ عَبْدًا. [51]

 ولو أخذنا أمر العبوديّة‌ بالتحليل‌ العقلي‌ّ لرأينا أنّ حقيقة‌ معني‌ العبوديّة‌ مع‌ حذف‌ خصوصيّاتها الزائدة‌ الطارئة‌ موجودة‌ في‌ مخلوقات‌ الله‌ سبحانه‌؛ فالله‌ سبحانه‌ خلق‌ الخلائق‌ من‌ جهة‌ تكوين‌ جميع‌ جهاتها المحيطة‌، فهي‌ في‌ يد تصرّفه‌ ومشيئته‌ من‌ كلّ الوجوه‌ ولا تملك‌ لنفسها ولا لغيرها شيئاً من‌ ضرر أو نفع‌، ولا موت‌ ولا حياة‌ ولا نشور.

 وهذا هو مفاد العبوديّة‌، إذ لمّا ثبتت‌ من‌ جهة‌ التكوين‌، فإنّها من‌ جهة‌ التشريع‌ ستترتّب‌ علیها أيضاً، لانّ العبوديّة‌ التشريعيّة‌ هنا تابعة‌ للعبوديّة‌ التكوينيّة‌ لا يعقل‌ انفكاكها عنها:

 وَقَضَي‌' رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو´ا إِلاَّ´ إِيَّاهُ. [52]

 وكما أنّ في‌ تلك‌ الجهة‌ ربوبيّة‌ مطلقة‌، فهنا في‌ هذه‌ الجهة‌ عبوديّة‌ مطلقة‌، ولدينا في‌ القرآن‌ الكريم‌ آيات‌ لها الدلالة‌ التامّة‌ علی‌ إطلاق‌ هذه‌ العبوديّة‌، أمثال‌ قوله‌ تعالي‌:

 مَا لَكُم‌ مِّن‌ دُونِهِ مِن‌ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ. [53]

 وقوله‌ تعالي‌: وَهُوَ اللَهُ لاَ´ إلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي‌ الاْولَي‌' وَالاْخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ. [54]

 وقوله‌: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي‌ السَّمَـ'وَ تِ وَمَا فِي‌ الاْرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَي‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [55]

 وكيفما كان‌ فإنّ معني‌ عبوديّة‌ الموجودات‌ بالنسبة‌ إليه‌ تعالي‌ هو نفس‌ معني‌ العبوديّة‌ الذي‌ يستعمله‌ العقلاء في‌ مجتمعاتهم‌ مع‌ حذف‌ لوازمه‌ المادّيّة‌ والطبيعيّة‌ والظروف‌ الاُخري‌. ومن‌ الواضح‌ أنّ معني‌ العبوديّة‌ هو عدم‌ الاستقلال‌ المحض‌ والتبعيّة‌ المطلقة‌ في‌ جميع‌ الاُمور نسبة‌ بإرادة‌ المولي‌ القاهرة‌، كما أشار إليها قوله‌ تعالي‌:

 بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ و بِالْقَوْلِ وَهُم‌ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. [56]

 وكذلك‌ قوله‌ تعالي‌: ضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَي‌' شَيْءٍ وَمَن‌ رَّزَقْنَـ'هُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُ و نَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. [57]

 2 ـ نَشْأَةُ اسْتِعْبَادِ الإنْسَانِ وَأَسْبَابُهُ:

 كان‌ الاستعباد والاسترقاق‌ ـ كما يشير التأريخ‌ أمراً شائعاً في‌ العصور القديمة‌، والاصل‌ في‌ معناه‌ كون‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ سلعة‌ مملوكة‌ كسائر السلع‌ المملوكة‌ يتصرّف‌ بها مالكها بما يشاء، وهي‌ مسلوبة‌ الاختيار والإرادة‌ أمام‌ اختيار المالك‌ وإرادته‌. غير أنّ أساس‌ الاسترقاق‌ كان‌ مبتنياً علی‌ قواعد معيّنة‌، ولم‌ يكن‌ متّكئاً علی‌ إرادة‌ جزافيّة‌، فلم‌ يكن‌ يسع‌ لاحدهم‌ أن‌ يتملّك‌ كلّ من‌ أحبّ، ولا أن‌ يملك‌ كلّ من‌ شاء وأراد ببيعٍ أو هبة‌ أو غير ذلك‌.

 وكان‌ الاستعباد مبنيّاً علی‌ الغلبة‌ والسيطرة‌، كغلبة‌ الحروب‌ التي‌ تنتج‌ للغالب‌ الفاتح‌ أن‌ يفعل‌ بخصمه‌ المغلوب‌ ما يشاء من‌ قتلٍ أو سبي‌ أو غيره‌.

 أو غلبة‌ الرئاسة‌ التي‌ تصيّر الرئيس‌ فعّالاً لما يشاء في‌ حوزة‌ رئاسته‌.

 أو اختصاص‌ التوليد والانتاج‌ الذي‌ يضع‌ ولاية‌ أمر المولود الضعيف‌ في‌ كفّ والده‌ القوي‌ّ يصنع‌ به‌ ما بدا له‌ حتّي‌ البيع‌ والهبة‌ والتبديل‌ والإعارة‌ ونحو ذلك‌.

 وقد تكرّر في‌ أبحاثنا السابقة‌ أنّ أصل‌ الملك‌ في‌ المجتمع‌ الإنساني‌ّ مبني‌ علی‌ القدرة‌ المغروزة‌ في‌ الإنسان‌ علی‌ الانتفاع‌ من‌ كلّ شي‌ء يمكن‌ أن‌ ينتفع‌ به‌ بوجهٍ أكمل‌. فالإنسان‌ يستخدم‌ في‌ سبيل‌ إبقاء حياته‌ كلّ ما قدر علیه‌، ليس‌ الجمادات‌ والنباتات‌ فقط‌، بل‌ الحيوانات‌ أيضاً، وحتّي‌ الإنسان‌ الذي‌ هو مثله‌ في‌ الإنسانيّة‌.

 غير أنّ حاجة‌ الإنسان‌ المبرمة‌ إلی الاجتماع‌ والتعاون‌ اضطرّه‌ إلی قبول‌ الاشتراك‌ مع‌ سائر أفراد نوعه‌. كما أن‌ إعمال‌ الغريزة‌ أو قوّة‌ الاستخدام‌ العقليّة‌ في‌ المجتمع‌ بدون‌ قيد أو شرط‌ أمرٌ محال‌، لانّ جميع‌ الاطراف‌ تسعي‌ بتمام‌ معني‌ الكلمة‌ أن‌ تستخدم‌ الآخرين‌ في‌ منافعها الشخصيّة‌ وتجبرهم‌ علی‌ ذلك‌، وهذا الامر سيوجب‌ التصادم‌ والتزاحم‌ بينهم‌ ممّا سيوجب‌ سلب‌ الاجتماع‌ والعودة‌ إلی الحياة‌ الفرديّة‌ من‌ جديد.

 ولانّ ذلك‌ أمرٌ غير ميسور، فقد عمد الإنسان‌ إلی تعديل‌ غرائزه‌ في‌ الاستخدام‌ وصار لكلّ امري‌ الحقّ في‌ الاستخدام‌ والانتفاع‌ بالمنافع‌ المستحصلة‌ من‌ عمل‌ غيره‌ بقدر ما يبذل‌ من‌ جهد، واختصّ كلّ جزء من‌ المجتمع‌ بعمل‌ أو أعمال‌ معيّنة‌ ثمّ ينتفع‌ مجموع‌ الافراد بمجموع‌ المنافع‌ وتقسّم‌ نتائج‌ الاعمال‌ بينهم‌ بنسبة‌ متساوية‌، فجميع‌ أفراد المجتمع‌ شركاء متساوون‌ متشاركون‌ في‌ حفظ‌ ذلك‌ المجتمع‌.

 وفي‌ هذه‌ الحال‌ فلم‌ يكن‌ ممكناً إطلاق‌ عنوان‌ العبوديّة‌ والرقّ علی‌ أحدٍ منهم‌ واعتباره‌ عبداً محضاً ورقيقاً خالصاً للآخرين‌ بلا نقاش‌. فلا محالة‌ أنّ العبد المستعبد سيكون‌ ذلك‌ الشخص‌ الخارج‌ عن‌ هذا المجتمع‌ وليس‌ جزءاً من‌ أجزائه‌، وهذا يحصل‌ بأحد طرقٍ ثلاثة‌:

 أ ـ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الشخص‌ المملوك‌ فرداً محكوماً بالخروج‌ عن‌ المجتمع‌، كالعدوّ المحارب‌ الذي‌ لا همّ له‌ إلاّ أن‌ يُهلك‌ الحرث‌ والنسل‌ ويمحي‌ الإنسان‌ باسمه‌ ورسمه‌، فهو خارج‌ عن‌ مجتمع‌ عدوّه‌، ولا طريق‌ لهم‌ لحفظ‌ مجتمعهم‌ غير محاربته‌ بكلّ قواهم‌ لحفظ‌ وجودهم‌، ولو بالقتل‌ والإفناء والنهب‌ والغارة‌ علی‌ الاموال‌ والاسر والاستعباد. فالحرمة‌ مرفوعة‌ لمثل‌ هذا العدوّ الذي‌ أماط‌ الحرمة‌ عن‌ نفسه‌ وجعلها بعدوانه‌ عُرضةً للفناء.

 ب‌ ـ الاب‌ بالنسبة‌ إلی صغار أولاده‌ التابعين‌ له‌، فإنّه‌ يري‌ أ نّهم‌ من‌ توابعه‌ في‌ المجتمع‌ من‌ غير أن‌ يكافئوه‌ أو يماثلوه‌ أو يوازنوه‌ في‌ الحقوق‌ الاجتماعيّة‌، فله‌ أن‌ يتصرّف‌ فيهم‌ حتّي‌ بالقتل‌ والبيع‌ وغيرهما.

 ج‌ ـ وأمّا أن‌ يكون‌ الإنسان‌ القوي‌ّ المالك‌ يري‌ نفسه‌ فوق‌ المجتمع‌ لا يعادل‌ مَن‌ تحت‌ سيطرته‌ في‌ وزن‌ أو يكافئهم‌، ولا يريد مشاركتهم‌ في‌ المنافع‌ والمضارّ، بل‌ له‌ نفوذ الحكم‌ والتمتّع‌ بصفوة‌ ما يختار من‌ نتاج‌ عمل‌ المجتمع‌ والتصرّف‌ في‌ نفوسهم‌ حتّي‌ بالاستعباد والاسترقاق‌، فالكلّ ينبغي‌ أن‌ ينقاد لاوامره‌ ويسير وفق‌ غايته‌ ويعمل‌ وفق‌ رضاه‌.

 ويمكن‌ عنونة‌ هذه‌ الطوائف‌ الثلاث‌ باختصار بعناوين‌ العدوّ المحارب‌، والاولاد الصغار بالنسبة‌ إلی آبائهم‌، وكذا النساء بالنسبة‌ إلی أوليائهنّ، والمغلوب‌ المستذلّ بالنسبة‌ إلی الغالب‌ المتعزّز.

 3 ـ سَيْرُ الاسْتِعْبَادِ فِي‌ التَّأْرِيخِ:

 سُنّة‌ الاستعباد وإن‌ كانت‌ مجهولة‌ من‌ حيث‌ تأريخ‌ شيوعها في‌ المجتمع‌ الإنساني‌ّ، غير أنّ الاشبه‌ أن‌ يكون‌ العبيد هم‌ الارقّاء المأخوذين‌ في‌ أوّل‌ الامر بالقتال‌ والتغلّب‌، ثمّ أُلحق‌ بهم‌ الاولاد والنساء. ولذلك‌ نعثر في‌ تأريخ‌ الاُمم‌ القويّة‌ الحربيّة‌ من‌ القصص‌ والحكايات‌ وكذا القوانين‌ والاحكام‌ المتعلّقة‌ بالاسترقاق‌ بالسبي‌ ممّا لا يوجد في‌ غيرهم‌.

 وقد كان‌ دائراً بين‌ الاُمم‌ المتمدّنة‌ القديمة‌، كالهند واليونان‌ والرومان‌ وإيران‌، وكذا بين‌ الشعوب‌ كاليهود والنصاري‌ علی‌ ما يُستفاد من‌ التوراة‌ والإنجيل‌، حتّي‌ ظهر الإسلام‌ فأنفذ أمره‌ مع‌ تضييق‌ في‌ دائرته‌ وإصلاح‌ لاحكامه‌ المقرّرة‌، ثمّ آل‌ الامر إلی أن‌ قرّر مؤتمر بروسل‌ إلغاء الاستعباد.

 قال‌ فردينان‌ توتل‌ في‌ معجمه‌ [58] لاعلام‌ الشرق‌ والغرب‌:

 كان‌ الرقّ شائعاً عند الاقدمين‌، وكان‌ الرقيق‌ يؤخذ من‌ أسري‌ وسبايا الحرب‌ ومن‌ الشعوب‌ المغلوبة‌، وكان‌ للرقّ نظام‌ معروف‌ عند اليهود واليونان‌ والرومان‌ والعرب‌ في‌ الجاهليّة‌ والإسلام‌. وقد أُلغي‌ نظام‌ الرقّ تدريجيّاً في‌ الهند سنة‌ 1843 ميلاديّة‌، وفي‌ المستعمرات‌ الفرنسيّة‌ سنة‌ 1848 م‌، وفي‌ الولايات‌ المتّحدة‌ بعد حروب‌ الانفصال‌ سنة‌ 1865 م‌، وفي‌ البرازيل‌ سنة‌ 1888 م‌، إلی أن‌ اتّخذ مؤتمر بروسل‌ قراراً بإلغاء الاستعباد سنة‌ 1890 م‌، غير أ نّه‌ لا يزال‌ موجوداً فعلاً بين‌ بعض‌ القبائل‌ في‌ أفريقيا وآسيا؛ ومبدأ إلغاء الرقّ هو تساوي‌ البشر بالحقوق‌ والواجبات‌ انتهي‌.

 الرجوع الي الفهرس

إلغاء الإسلام‌ العبوديّة‌ الناشئة‌ من‌ جهة‌ الغلبة‌ ومن‌ جهة‌ ولاية‌ الابوين‌

 4 ـ نَظَرِيَّةُ الإسْلاَمِ بِشَأْنِ الرِّقِّ وَالاِسْتِعْبَادِ:

 قسّم‌ الإسلام‌ الاستعباد بحسب‌ أسبابه‌، وقد تقدّم‌ أنّ عمدتها كانت‌ ثلاثة‌:

 الحرب‌، والتغلّب‌، والولاية‌ كالابوّة‌ ونحوها، فألغي‌ سببين‌ من‌ الثلاثة‌ من‌ أصلهما وهما التغلّب‌ والولاية‌، وأبقي‌ وأقرّ الثالث‌، أي‌ الاسري‌ المحاربين‌ للإسلام‌. واعتبر الإسلام‌ احترام‌ الناس‌ شرعاً سواء بجميع‌ طبقاتهم‌، من‌ ملك‌ ورعيّة‌، وحاكم‌ ومحكوم‌، وأمير وجندي‌، ومخدوم‌ وخادم‌، بإلغاء الامتيازات‌ والاختصاصات‌ الحيويّة‌، والتسوية‌ بين‌ الافراد في‌ حرمة‌ نفوسهم‌ وأعراضهم‌ وأموالهم‌، والاعتناء بشعورهم‌ وإرادتهم‌ ـ وهو الاختيار التامّ في‌ حدود الحقوق‌ المحترمة‌ وأعمالهم‌ وما اكتسبوه‌ هو تسلّطهم‌ علی‌ أموالهم‌ ومنافع‌ وجودهم‌.

 فليس‌ لوالي‌ الامر في‌ الإسلام‌ ـ أي‌ صاحب‌ القدرة‌ والولاية‌ في‌ الشرع‌ الإسلامي‌ّ غير الولاية‌ علی‌ الناس‌ في‌ إجراء الحدود والاحكام‌ وفي‌ أطراف‌ المصالح‌ العامّة‌ العائدة‌ إلی المجتمع‌ الديني‌ّ. وأمّا ما تشتهيه‌ نفسه‌ وما يستحبّه‌ لحياته‌ الفرديّة‌ فهو كأحد الناس‌ لا يختصّ من‌ بينهم‌ بخصيصة‌ ولا ينفذ أمره‌ في‌ الكثير ممّا يهواه‌ لنفسه‌ ولا في‌ القليل‌.

 و علیه‌، فإنّ الاسترقاق‌ التغلّبي‌ّ، أي‌ الحاصل‌ بالتسلّط‌ والغلبة‌، سيرتفع‌ بارتفاع‌ موضوعه‌. أي‌ أنّ الإسلام‌ وفق‌ أساس‌ قوانينه‌ لا يجعل‌ شخص‌ الوالي‌ صاحب‌ الغلبة‌ والسيطرة‌ في‌ الإرادة‌ والاختيارات‌ النفسيّة‌ فيما يتعلّق‌ به‌ نفسه‌، كي‌ يفتح‌ الطريق‌ للاسترقاق‌ والاستعباد عن‌ طريق‌ السيطرة‌ والغلبة‌.

 وأمّا ولاية‌ الآباء لابنائهم‌ فلهم‌ حقّ الحضانة‌ والحفظ‌، و علیهم‌ حقّ التربية‌ والت علیم‌، وحفظ‌ أموالهم‌ ماداموا محجورين‌ بالصغر، فإذا بلغوا الرشد فهم‌ وآباؤهم‌ سواء في‌ الحقوق‌ الاجتماعيّة‌ الدينيّة‌، وهم‌ أحرار في‌ حياتهم‌، لهم‌ الخيرة‌ فيما رضوا لانفسهم‌. نعم‌ أكّدت‌ التوصية‌ لآبائهم‌ علیهم‌ بالإحسان‌ ومراعاة‌ حُرمة‌ التربية‌؛ قال‌ تعالي‌:

 وَوَصَّيْنَا الاْءنسَـ'نَ بِوَ لِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ و وَهْنًا عَلَي‌' وَهْنٍ وَفِصَـ'لُهُ و فِي‌ عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي‌ وَلِوَ لِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن‌ جَـ'هَدَاكَ عَلَي‌'´ أَن‌ تُشْرِكَ بِي‌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي‌ الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ. [59]

 وقال‌ تعالي‌: وَقَضَي‌' رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو´ا إِلاَّ´ إِيَّاهُ وَبِالْوَ لِدَيْنِ إِحْسَـ'نًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل‌ لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل‌ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل‌ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي‌ صَغِيرًا. [60]

 

 وقد عدّ عقوقهما في‌ الشرع‌ الإسلامي‌ّ من‌ المعاصي‌ الكبيرة‌ المهلكة‌، ومن‌ الواضح‌ أنّ خدماتٍ أخلاقيّة‌ كهذه‌ لا تجعل‌ الابناء في‌ رتبة‌ العبيد بالنسبة‌ لآبائهم‌. وأمّا النساء فقد وضع‌ لهنّ من‌ المكانة‌ في‌ المجتمع‌ واعتبر لهنّ من‌ الزنة‌ الاجتماعيّة‌ ما لا يجوز عند العقل‌ السليم‌ التخطّي‌ عنه‌ ولو بخطوة‌، فصرن‌ بذلك‌ أحد شقّي‌ المجتمع‌ الإنساني‌ّ، وقد كنّ في‌ الدنيا محرومات‌ من‌ ذلك‌، وأُعطين‌ الزمام‌ في‌ أمر الزواج‌ والتصرّف‌ في‌ أموالهنّ وقد كنّ قبل‌ الإسلام‌ إمّا محرومات‌ من‌ الاختيار في‌ هذين‌ الامرين‌، أو غير مستقلاّت‌ في‌ الاختيار.

 وقد أشركهن‌ الإسلام‌ مع‌ الرجال‌ في‌ بعض‌ الاُمور، واختصصن‌ عنهم‌ بأمور، واختصّ الرجال‌ بأُمور أُخري‌، كلّ ذلك‌ عن‌ مراعاة‌ لقوام‌ وجودهنّ وتركيب‌ بناهنّ، ثمّ سهّل‌ علیهنّ أُمور شقّ فيها علی‌ الرجال‌، كأمر النفقة‌ وحضور معارك‌ القتال‌ ونحو ذلك‌؛ قال‌ تعالي‌:

 لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ. [61]

 وقال‌ تعالي‌: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي‌ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ. [62]

 وقال‌: أَ نِّي‌ لاَ´ أُضِيعُ عَمَلَ عَـ'مِلٍ مِّنكُم‌ مِّن‌ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي‌' بَعْضُكُم‌ مِّن‌ بَعْضٍ. [63]

 وقال‌: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. [64]

 وقال‌ أيضاً: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي‌'. [65]

 إلی غير ذلك‌ من‌ الآيات‌ المطلقة‌ التي‌ تأخذ الفرد من‌ الإنسان‌ جزءاً تامّاً كاملاً من‌ المجتمع‌ وتعطيه‌ من‌ الاستقلال‌ الفردي‌ّ ما ينفصل‌ به‌ عن‌ أي‌ّ فرد آخر في‌ نتائج‌ أعماله‌ من‌ خير أو شرّ أو نفع‌ أو ضرّ، من‌ غير أن‌ تستثني‌ صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أُنثي‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآيات‌ الدالّة‌ علی‌ تساوي‌ أفراد البشر من‌ جميع‌ الجوانب‌ عدا التقوي‌

ثمّ سوّي‌ بينهم‌ جميعاً في‌ العزّة‌ والكرامة‌، ثمّ ألغي‌ كلّ عزّة‌ وكرامة‌ إلاّ الكرامة‌ الدينيّة‌ المكتسبة‌ بالتقوي‌ والعمل‌؛ فقال‌:

 وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. [66]

 وقال‌ أيضاً: يَـ'´أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـ'كُم‌ مِّن‌ ذَكَرٍ وَأُنثَي‌' وَجَعَلْنَـ'كُمْ شُعُوبًا وَقَبَآنءِلَ لِتَعَارَفُو´ا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَهِ أَتْقَب'كُمْ. [67]

 وقد رأينا بهذا التفصيل‌ أنّ الإسلام‌ ألغي‌ سببَين‌ من‌ أسباب‌ الرقّ والعبوديّة‌، أي‌ استعباد واسترقاق‌ الغير، وأبقي‌ السبب‌ الثالث‌ للاستعباد وهو الحرب‌، وهو أن‌ يُسبي‌ الكافر المحارب‌ لله‌ ورسوله‌ والمؤمنين‌ فيصبح‌ رقّاً للمسلمين‌، وذلك‌ أنّ العدوّ المحارب‌ الذي‌ لا همّ له‌ إلاّ أن‌ يفني‌ الإنسانيّة‌ ويهلك‌ الحرث‌ والنسل‌، لا ترتاب‌ الفطرة‌ الإنسانيّة‌ أدني‌ ريب‌ في‌ أ نّه‌ يجب‌ أن‌ لا يعدّ جزءاً من‌ المجتمع‌ الإنساني‌ّ الذي‌ له‌ التمتّع‌ بمزايا الحياة‌ والتنعّم‌ بحقوق‌ الاجتماع‌، وأ نّه‌ يجب‌ دفعه‌ بالإفناء فما دونه‌؛ و علی‌ ذلك‌ جرت‌ سنّة‌ بني‌ آدم‌ منذ عمروا في‌ الارض‌ إلی يومنا هذا و علی‌ ذلك‌ ستجري‌.

 والإسلام‌ لمّا وضع‌ بُنيَة‌ مجتمعه‌ علی‌ أساس‌ التوحيد وحكومة‌ الدين‌ الإسلامي‌ّ ألغي‌ جزئيّة‌ كلّ مستنكف‌ عن‌ التوحيد إلاّ مع‌ ذمّة‌ أو عهد، فكان‌ الخارج‌ عن‌ التوحيد وحكومة‌ الدين‌ وعهده‌ خارجاً عن‌ المجتمع‌ الإسلامي‌ّ لا يُعامل‌ إلاّ معاملة‌ غير الإنسان‌، الذي‌ للإنسان‌ أن‌ يحرمه‌ من‌ أي‌ّ نعمة‌ يتمتّع‌ بها الإنسان‌ في‌ حياته‌، ويدفعه‌ بتطهير الارض‌ من‌ رجس‌ استكباره‌ وإفساده‌، فهو مسلوب‌ الحرمة‌ عن‌ نفسه‌ وعمله‌ ونتائج‌ أي‌ّ سعي‌ من‌ مساعيه‌،للجيش‌ الإسلامي‌ّ الحقّ المسلّم‌ أن‌ يأسره‌ ويستعبده‌ عند الغلبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

شروط‌ الجهاد الإسلامي‌ّ وكيفيّة‌ قتل‌ وأسر الكافرين

  5 ـ مَا هُوَ السَّبِيلُ إلَي‌ الاسْتِعْبَادِ فِي‌ الإسْلاَمِ؟

يتأهّب‌ المسلمون‌ علی‌ من‌ يلونهم‌ من‌ الكفّار فيتمّون‌ علیهم‌ الحجّة‌ ويدعونهم‌ إلی كلمة‌ الحقّ بالحكمة‌ والموعظة‌ والمجادلة‌ بالتي‌ هي‌ أحسن‌. [68]

 فإن‌ أجابوا فإخوانٌ في‌ الدين‌ لهم‌ ما للمسلمين‌ و علیهم‌ ما علیهم‌، وإن‌ أبوا فإن‌ كانوا أهل‌ الكتاب‌ وقبلوا الجِزْيَةِ (الخراج‌ والماليّات‌ الخاصّة‌) تُركوا وهم‌ أحرار علی‌ ذمّتهم‌، وإن‌ أخذوا عهداً ـ سواء كانوا أهل‌ كتاب‌ أم‌ غيرهم‌ وُفي‌ بعهدهم‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ أُوذنوا علی‌ سواء وقُوتلوا، يُقتل‌ منهم‌ من‌ شَهَرَ سيفاً ودخل‌ المعركة‌، ولا يقتل‌ منهم‌ مَن‌ ألقي‌ السلم‌، ولا يُقتل‌ منهم‌ المستضعفون‌ من‌ الرجال‌ والنساء والولدان‌، ولا يُبيّتون‌ ولا يُغتالون‌ ولا يقطع‌ عنهم‌ الماء ولا يعذّبون‌ عند قتلهم‌ ـ كأن‌ يُقَطَّعوا إرباً إرباً أو يجرّحوا ويتركوا ليموتوا أو يشنقوا أو يحرقوا وأمثال‌ ذلك‌ ولا يمثّل‌ بهم‌ في‌ حياتهم‌ أو بعد موتهم‌ كأن‌ تُنتزع‌ أعضاء بدنهم‌ أو تُقطع‌؛ فيُقاتلون‌:

 حَتَّي‌' لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَ نَ إِلاَّ عَلَی‌ الظَّـ'لِمِينَ. [69]

 فإذا غلب‌ المسلمون‌ علی‌ الكافرين‌ ووضعت‌ الحرب‌ أوزارها فما تسلّط‌ علیه‌ المسلمون‌ من‌ نفوسهم‌ وأموالهم‌ فهو لهم‌. وقد اشتمل‌ تأريخ‌ حروب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ومغازيه‌ علی‌ صحائف‌ غرّ ناصعة‌ طافحة‌ بالسيرة‌ العادلة‌ الجميلة‌ مشحونة‌ بالفتوّة‌ والمروءة‌ وبدائع‌ البرّ والإحسان‌ وطرائف‌ العدل‌ والإنصاف‌.

 6 ـ مَا هِي‌َ سِيرَةُ الإسْلاَمِ فِي‌ العَبِيدِ وَالإمَاءِ؟

 إذا استقرّت‌ العبوديّة‌ علی‌ من‌ استقرّت‌ علیه‌ صار ملك‌ يَمين‌ وصار منافع‌ عمله‌ لغيره‌ ونفقته‌ علی‌ مولاه‌.

 وقد وصّي‌ الإسلام‌ بمعاملة‌ المولي‌ مع‌ عبده‌ معاملة‌ الواحد من‌ أهله‌ وهو منهم‌، فيساويهم‌ في‌ لوازم‌ الحياة‌ وحوائجها؛ وكان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يؤاكل‌ عبيده‌ وخدمه‌ ويُجالسهم‌ ولا يؤثر نفسه‌ علیهم‌ في‌ مأكل‌ ولا ملبس‌ ونحوهما؛ وأن‌ لا يشقّ علیهم‌ في‌ العمل‌، ولا يعذّبوا، ولا يسبّوا، ولا يُظلموا، وأُجيز لهم‌ أن‌ يتزوّجوا فيما بينهم‌ بإذن‌ أهلهم‌، وأن‌ يتزوّج‌ بهم‌ الاحرار، الرجال‌ منهم‌ والنساء، وأن‌ يشاركوهم‌ في‌ الشهادات‌ عند قضاة‌ الإسلام‌، ويساهموهم‌ في‌ الاعمال‌ حال‌ الرقّ وبعد الانعتاق‌.

 وقد بلغ‌ من‌ إرفاق‌ شريعة‌ الإسلام‌ المقدّسة‌ بهم‌ أن‌ شاركوا الاحرار في‌ عامّة‌ الاُمور، وقُلِّد جمع‌ منهم‌ الولاية‌ والإمارة‌ وقيادة‌ الجيش‌ علی‌ ما يضبطه‌ تأريخ‌ صدر الإسلام‌، وكان‌ يوجد بين‌ الصحابة‌ الكبار عدّة‌ من‌ الموالي‌ كَسَلْمَان‌ وبِلاَل‌ وغيرهما.

 لاحظوا سيرة‌ رسول‌ الله‌ حين‌ أعتق‌ جاريته‌ صَفِيَّةَ بِنتَ حَي‌ِّ بْنِ أَخْطَب‌ وتزوّج‌ بها، وتزوّج‌ جُوَيْرِيَّةَ بِنْتَ الحَارِث‌ بعد وقعه‌ بَنِي‌ المُصْطَلِق‌ وقد كانت‌ بين‌ سباياهم‌، وكانوا مائتي‌ بيت‌ بالنساء والذراري‌، وصار ذلك‌ سبباً لانعتاق‌ الجميع‌، وقد مرّ إجمال‌ القصّة‌ في‌ الجزء الرابع‌ من‌ « تفسير الميزان‌ ».

 ومن‌ الاحكام‌ الضروريّة‌ في‌ سيرة‌ الإسلام‌ أن‌ يُقدَّم‌ العبد المتّقي‌ علی‌ المولي‌ الحرّ الفاسق‌، فتُقبَل‌ شـهادة‌ هذا وتُردّ شـهادة‌ ذاك‌، وأن‌ يُبيح‌ للعبد أن‌ يتملّك‌ المال‌ ويتمتّع‌ بعامّة‌ مزايا الحياة‌ بإذنٍ من‌ أهله‌. هذا إجمال‌ أحكام‌ العبيد وصنيع‌ الإسلام‌ معهم‌.

 ثمّ أكّد الوصيّة‌ وندب‌ أجمل‌ الندب‌ إلی تحرير رقابهم‌ وإخراجهم‌ من‌ ظرف‌ الاستعباد إلی جوّ الحرّيّة‌، ولا يزال‌ يقلّ بذلك‌ عددهم‌ ويتبدّل‌ جمعهم‌ موالي‌ وأحراراً لوجه‌ الله‌؛ ولم‌ يقنع‌ بذلك‌ دون‌ أن‌ جعل‌ تحرير الرقبة‌ أحد خصال‌ الكفّارات‌، مثل‌ كفّارة‌ القتل‌ وكفّارة‌ الإفطار، وأجاز لهم‌ الاشتراط‌ والكتابة‌ والتدبير (أي‌ أن‌ يعتقهم‌ مولاهم‌ مقابل‌ قدر من‌ الخدمة‌ أو أن‌ يجعلوا له‌ شيئاً آخر مقابل‌ تحريرهم‌، أو أن‌ يشترطوا علی‌ مواليهم‌ أن‌ يعملوا فيدفعهم‌ إلی مولاهم‌ تدريجيّاً أو دفعةً قيمتهم‌ أو أقلّ منها من‌ كسبهم‌ مقابل‌ عتقهم‌، أو أن‌ يوصي‌ المولي‌ بعتقهم‌ بعد موته‌ فيصيرون‌ حال‌ موت‌ مولاهم‌ أحراراً)، كلّ ذلك‌ عنايةً بهم‌ وقصداً إلی تخليصهم‌ وإلحاقاً لهم‌ بالمجتمع‌ الإنساني‌ّ الصالح‌ إلحاقاً تامّاً يقطع‌ دابر الاستذلال‌. [70]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[36] ـ «نور ملكوت‌ القرآن‌» ج‌ 1، البحث‌ الثاني‌.

[37] ـ أورد المحـدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 1، ص‌ 16، ضمـن‌ بيـانه‌ لاخـلاق‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وصفاته‌ الشريفة‌ أنّ أرباب‌ السير أوردوا أنّ النبي‌ّ الاكرم‌ كان‌ إذا بعث‌ سريّةً أوصي‌ أميرها ووعظه‌، ثمّ قال‌: «اغزوا بسم‌ الله‌ وفي‌ سبيل‌ الله‌، قاتلوا من‌ كفر بالله‌، ولا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليداً، ولا متبتّلاً في‌ شاهق‌، ولا تحرقوا النخل‌، ولا تغرقوه‌ بالماء، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة‌، ولا تحرقوا زرعاً، لا نّكم‌ لا تدرون‌ لعلّكم‌ تحتاجون‌ إليه‌، ولا تعقروا من‌ البهائم‌ ممّا يؤكل‌ لحمه‌ إلاّ ما لابدّ لكم‌ من‌ أكله‌». ونهي‌ رسـول‌ الله‌ أن‌ يسـمّم‌ المسـلمون‌ مياه‌ المشـركين‌، ولم‌ يعامل‌ النبي‌ّ أعداءه‌ بغير هذه‌ المعاملة‌، ولم‌ يُغِرْ علیهم‌ ليلاً، وكان‌ يعتبر جهاد النفس‌ هو الجهاد الاكبر.

 ويقول‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ كتاب‌ «الاءمام‌ جعفر الصادق‌» ص‌ 56:

 وشملت‌ السماء ابن‌ النبي‌ّ في‌ كربلاء بمزيد من‌ التأييد. بمعانٍ جليلة‌ من‌ جلال‌ الاءسلام‌ نختار منها هنا واقعة‌ منه‌ وواقعة‌ من‌ عدوّه‌.

 في‌ الاُولي‌: أخَذَ أَخْذَ أبيه‌، فسقي‌ جيش‌ العدوّ من‌ العين‌ التي‌ نزل‌ عندها ولم‌ يحرم‌ الماء قاتليه‌. وفي‌ الاُخري‌: ترك‌ قائدان‌ من‌ القوّاد جيش‌ ابن‌ زياد في‌ وطيس‌ المعركة‌ إلی الجماعة‌ العزلاء حول‌ الحسين‌ ليستشهدوا في‌ الدفاع‌ عن‌ سيّد الشهداء بين‌ رجاله‌ الذين‌ ماتوا عن‌ آخرهم‌ وهم‌ علیمون‌ أ نّهم‌ يخوضون‌ معركة‌ خاسرة‌ بكلّ المقاييس‌ التي‌ يتقايس‌ بها المتحاربون‌ مظفّرة‌ بمقاييس‌ المؤمنين‌. فلم‌ يكن‌ منعهم‌ من‌ الماء ليؤخِّر في‌ نتيجة‌ المعركة‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 ثمّ يقول‌ في‌ الهامش‌: وتعلّم‌ علیهما صلاح‌ الدين‌ في‌ حربه‌ مع‌ الصليبيّين‌ يوم‌ أرسل‌ طبيبه‌ إلی الملك‌ ريتشارد قلب‌ الاسد قائد الصليبيّين‌. وأينَ من‌ قواعد الحرب‌ الاءسلاميّة‌ قواعدها عند الاُوروبيّين‌؟

 إنّ أبقراط‌ أبا الطبّ اليوناني‌ّ الذي‌ ورثت‌ أُوروبّا قَسَمَهُ الاشهر، يُقسمه‌ كلُّ طبيب‌ قبل‌ أداء واجبه‌ بالنزاهة‌ والامانة‌ وعدم‌ التعصّب‌؛ لكنّ أبقراط‌ علّم‌ الاُوروبّيّين‌ درساً آخر حين‌ رفض‌ أن‌ يُعالج‌ مرض‌ الطاعون‌ في‌ الجيش‌ الفارسي‌ّ قائلاً: إنّ شرفه‌ يمنعه‌ من‌ معالجة‌ عدوّ بلاده‌!

[38] ـ الآيتان‌ 9 و 10، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

[39] ـ وهذه‌ الجزية‌ والخراج‌ مقابل‌ الالتزام‌ الذي‌ تتكفّل‌ الدولة‌ الاءسلاميّة‌ بموجبه‌ في‌ جعلهم‌ في‌ حماية‌ الاءسلام‌ وذمّته‌، فتحميهم‌ الحكومة‌ الاءسلاميّة‌ وتؤمنهم‌ من‌ أي‌ّ أذيً واعتداء وهجوم‌ للاعداء، وفي‌ حال‌ هجوم‌ عدوّ علیهم‌ فإنّ الدولة‌ الاءسلاميّة‌ تجهّز جيشاً من‌ بيت‌ مال‌ المسلمين‌ لصدّ هذا العدوّ ولا تحمّلهم‌ شيئاً من‌ نفقات‌ ذلك‌ الجيش‌، كما أنّ أرواحهم‌ وأموالهم‌ وأعراضهم‌ ونواميسهم‌ مصونة‌ في‌ عهدة‌ حكومة‌ الاءسلام‌. ويمكن‌ لهؤلاء الاستفادة‌ ـ وفق‌ عقد مع‌ الحكومة‌ من‌ المستشفيات‌ والمستوصفات‌ والمدارس‌ والمكتبات‌ وغيرها، ويمكنهم‌ كذلك‌ الاستفادة‌ من‌ الكهرباء والماء والهاتف‌ والغاز وحراسة‌ الجيش‌ والشرطة‌، ومن‌ خدمات‌ البلديّة‌ والمحكمة‌.

 وخلاصة‌ الامر، فإنّهم‌ يُعاملون‌ كباقي‌ المسلمين‌، لكنّهم‌ لا يدفعون‌ ـ كالمسلمين‌ الخمس‌ والزكاة‌ والضرائب‌ الماليّة‌ المشابهة‌. وتسعي‌ الحكومة‌ الاءسلاميّة‌ آنذاك‌ في‌ أمر هدايتهم‌ بحرّيّة‌ كاملة‌ عن‌ طريق‌ البحث‌ والمنطق‌ وإراءة‌ الادلّة‌ الصحيحة‌، وتترك‌ لهم‌ الخيار والحرّيّة‌ في‌ قبول‌ الاءسلام‌، فحين‌ يتعرّف‌ هؤلاء تدريجيّاً علی‌ منطق‌ القرآن‌، ويرون‌ أُسلوب‌ معاملة‌ وعمل‌ المسلمين‌ عِياناً، ويطّلعون‌ علی‌ مزايا الاءسلام‌ ويُسره‌ مقابل‌ قوانينهم‌ ومشاكلهم‌ المعقّدة‌، فإنّهم‌ سيُسلمون‌ طوعاً واختياراً ورغبة‌ ويتركون‌ عقائدهم‌ ومذاهبهم‌ السابقة‌ مهما كان‌ شكلها. وقد رأينا في‌ التأريخ‌ الكثير من‌ الدول‌ التي‌ اختارت‌ الاءسلام‌ طوعاً بعد موافقتها علی‌ دفع‌ الجزية‌.

[40] ـ يقول‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ في‌ كتاب‌ «يوم‌ الاءسلام‌» ص‌ 183:

 وسار الفقهاء من‌ المسلمين‌ علی‌ هذه‌ التعاليم‌ في‌ فقههم‌ من‌ حسن‌ معاملة‌ أهل‌ الكتاب‌ وأن‌ يكون‌ لهم‌ ما لنا و علیهم‌ ما علینا، بل‌ لمّا فُتحتْ فارس‌ عومل‌ أتباع‌ زرادشت‌ معاملة‌ أهل‌ الكتاب‌، ولئن‌ قسا الاءسلام‌ بعض‌ الشي‌ء علی‌ الوثنيّين‌ دون‌ أهل‌ الكتاب‌ فلا نّه‌ يري‌ أنّ الوثنيّة‌ انحطاطٌ في‌ الاءنسانيّة‌ يجب‌ علاجها وانتشال‌ الاءنسانيّة‌ من‌ حضيضها، و علی‌ هذا سار المسلمون‌ في‌ أكثر تأريخهم‌ علی‌ حسن‌ معاملة‌ أهل‌ الكتاب‌، يحمونهم‌ ما دفعوا الجزية‌ ويسمحون‌ لهم‌ بالعبادة‌ في‌ بِيَعِهِم‌ وكنائسهم‌، وهذه‌ الجزية‌ إنّما شُرِّعتْ بدلَ تجنيدهم‌، لا نّهم‌ لا يأمنون‌ جانبهم‌ إذا جُنِّدوا، ولا يثقون‌ بغيرتهم‌ الحربيّة‌، فليدفعوا بدل‌ القتال‌ شيئاً من‌ المال‌ لحمايتهم‌.

 ولو قرنت‌ معاملة‌ المسلمين‌ في‌ دولهم‌ لليهود والنصاري‌ بمعاملة‌ النصاري‌ للمسلمين‌ في‌ دولهم‌ لتبيَّن‌ إلی أي‌ّ حدٍّ كان‌ التسامح‌ عند المسلمين‌ وفقدانه‌ عند النصاري‌ حتّي‌ ليصحّ للمسلمين‌ أن‌ يفخروا بتشريع‌ الفقهاء الاوّلين‌ في‌ معاملة‌ أهل‌ الذمّة‌ وبتطبيق‌ ذلك‌ علیهم‌ في‌ مختلف‌ العصور.

[41] ـ يكتب‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ في‌ كتاب‌ «يوم‌ الاءسلام‌» ص‌ 122 إلی 124: أنّ المسلمين‌ إذا أِنسوا من‌ شخصٍ صِدقاً ووفاءً وسلماً جروا وراءه‌ اتّباعاً لقوله‌ تعالي‌: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا، والمسيحيّون‌ إذا أنِسوا من‌ واحد غفلةً وقعوا علیه‌ وقوع‌ الحدأة‌ علی‌ العصفور أو الصقر علی‌ الحدأة‌.

 لقد مرّ زمن‌ كان‌ المسلمون‌ فيه‌ هم‌ الغالبين‌ فحكموا النصاري‌ واليهود حكماً عادلاً، لا نعرف‌ في‌ التأريخ‌ مثله‌، تبعاً لتعاليم‌ الاءسلام‌.

 نعم‌، إنّ عمر بن‌ الخطّاب‌ في‌ أوّل‌ عهده‌ انتدب‌ ي علی‌ بن‌ أُميّة‌ لاءجلاء النصاري‌ من‌ أهل‌ نجران‌ عن‌ بلادهم‌، ولكنّ عذره‌ في‌ ذلك‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: لاَ يَجْتَمِعُ فِي‌ جَزِيرَةِ العَرَبِ دِينَانِ، لانّ الاءسلام‌ يريد أن‌ تكون‌ جزيرة‌ العرب‌ حصن‌ المسلمين‌ ومنبتهم‌، وتربية‌ الدعاة‌ للاءسلام‌ فيها، وعدم‌ اختلاطهم‌ باليهود والنصاري‌، والدين‌ غضّ طري‌ّ، فأمر بإجلاء أهل‌ نجران‌. ومع‌ ذلك‌ فإنّه‌ لمّا أجلاهم‌ عوّضهم‌ عن‌ بلادهم‌ بخيرٍ منها، خيّرهم‌ في‌ الجهات‌ التي‌ يريدونها. لم‌ يشأ رسول‌ الله‌ أن‌ يكرههم‌ علی‌ الاءسلام‌ فتركهم‌ وشأنهم‌ عملاً بقوله‌ تعالي‌: لاَ´ إِكْرَاهَ فِي‌ الدِّينِ، وصالحهم‌ علی‌ مالٍ معلوم‌ يؤدّونه‌ كلّ سنة‌ وشرط‌ علیهم‌ أن‌ لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به‌. ولمّا توفّي‌ رسول‌ الله‌ أقرّهم‌ أبو بكر علی‌ الشروط‌ التي‌ اشترطها علیهم‌ الرسول‌. ولمّا حضرت‌ أبا بكر الوفاة‌ أوصي‌ عمر بإجلائهم‌ لنقضهم‌ العهد بتعاملهم‌ بالربا. فكان‌ أوّل‌ عمل‌ عمله‌ أن‌ يجليهم‌ عن‌ أرضهم‌، وأمر العامل‌ الذي‌ أرسله‌ أن‌ يعاملهم‌ بالرفق‌ ويشتري‌ أموالهم‌ ويخيّرهم‌ عن‌ أرضهم‌ بأي‌ّ أرضٍ شاءوا من‌ بلاد الاءسلام‌.

 وكان‌ ممّا أوصي‌ به‌ عامله‌: ائتهم‌ ولا تفتنهم‌ عن‌ دينهم‌ ثمّ أجلهم‌ مَن‌ أقام‌ منهم‌ علی‌ دينه‌ وأقرر المسلم‌، وامسح‌ أرض‌ كلّ من‌ تجلي‌ منهم‌، ثمّ خيّرهم‌ البلدان‌، وأعلمهم‌ أ نّنا نجليهم‌ بأمر الله‌ ورسوله‌.

 وكتب‌ لهم‌ كتاباً قال‌ فيه‌: أمّا بعد؛ فمن‌ وقعوا به‌ من‌ أهل‌ الشام‌ والعراق‌، فليوسعهم‌ من‌ حرف‌ الارض‌، وما احتملوا من‌ شي‌ء فهو لهم‌، وكان‌ أرضهم‌ باليمن‌، فنزل‌ بعضهم‌ الشام‌، وبعضهم‌ بناحية‌ الكوفة‌.

 وشكوا لعثمان‌ لمّا استخلف‌ ضيق‌ أرضهم‌، ومزاحمة‌ الدهاقين‌ لهم‌ فكتب‌ عثمان‌ إلی عامله‌ بالكوفة‌ يوصيه‌ بهم‌، ويأمره‌ أن‌ يضع‌ عنهم‌ مائتي‌ حلّة‌ من‌ جزيتهم‌، وكان‌ قد فرض‌ علیهم‌ تقديم‌ الحلل‌ كجزية‌؛ ولمّا ولي‌ معاوية‌ شكوا إليه‌ تفرّقهم‌ وموت‌ من‌ مات‌ منهم‌، وإسلام‌ من‌ أسلم‌. فوضع‌ عنهم‌ مائتي‌ حلّة‌ أيضاً، فلمّا أتي‌ الحجّاج‌ أعادهم‌ ونقصهم‌، فأمر بإحصائهم‌ فبلغوا العُشر فألزمهم‌ مائتي‌ حلّة‌ فقط‌. فلمّا ولي‌ هارون‌ الرشيد أعادوا الشكوي‌ إليه‌ من‌ العمّال‌ فأمر أن‌ يعفوا من‌ معاملة‌ العمّال‌ لهم‌، وأمر أن‌ تكون‌ معاملتهم‌ مع‌ بيت‌ المال‌ في‌ العاصمة‌ الاءسلاميّة‌ مباشرةً.

 فتري‌ من‌ هذا أنّ خلفاء المسلمين‌ لم‌ يُكرهوا أحداً علی‌ الدخول‌ في‌ الاءسلام‌، بل‌ تركوا كلاّ ودينه‌. ثمّ التزامهم‌ نحو هؤلاء النصاري‌ بالوفاء بالعهود، ثمّ حرص‌ الخلفاء علی‌ التوالي‌ علی‌ حمايتهم‌ وإرضائهم‌ ورفع‌ الظلم‌ عنهم‌. أرأيت‌ معاملة‌ للمخالفين‌ خيراً من‌ هذه‌ المعاملة‌؟

 

[42] ـ أورد ابن‌ الاثير في‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 283، الطبعة‌ الاُولي‌، المطبعة‌ المنيريّة‌ في‌ مصر، في‌ حوادث‌ السنة‌ 13 ه، في‌ حرب‌ اليرموك‌: أنّ خالد بن‌ الوليد كان‌ قائد الجيش‌ الاءسلامي‌ّ من‌ قبل‌ أبي‌ بكر، فعبّأ الجيش‌ في‌ كراديس‌ واستعدّ بأربعين‌ ألفاً للهجوم‌ علی‌ مائتي‌ وأربعين‌ ألف‌ رومي‌ّ، فخرج‌ جَرَجة‌ إلی بين‌ الصفّين‌ وطلب‌ خالداً، فخرج‌ إليه‌، فآمن‌ كلّ واحد منهما صاحبه‌، فقال‌ جرجة‌: يا خالد اصدقني‌ ولا تكذبني‌، فإنّ الحُرّ لا يكذب‌، ولا تخادعني‌، فإنّ الكريم‌ لا يخادع‌ المسترسل‌... حتّي‌ يصل‌ إلی قوله‌:

 فأخبرني‌ إلی ما تدعوني‌؟ قال‌ خالد: إلی الاءسلام‌ أو الجزية‌ أو الحرب‌. قال‌: فما منزلة‌ من‌ الذي‌ يُجيبكم‌ ويدخل‌ فيكم‌؟ قال‌: منزلتنا واحدة‌. قال‌: فهل‌ له‌ مثلكم‌ من‌ الاجر والذُّخر؟ قال‌: نعم‌، وأفضل‌! لا نّنا اتّبعنا نبيّنا وهو حي‌ّ يخبرنا بالغيب‌، ونري‌ منه‌ العجائب‌ والآيات‌؛ وحقٌّ لمن‌ رأي‌ ما رأينا وسمع‌ ما سمعنا أن‌ يُسْلم‌؛ وأنتم‌ لم‌ تروا مثلنا ولم‌ تسمعوا مثلنا، فمن‌ دخل‌ بنيّةٍ وصدق‌ كان‌ أفضل‌ منّا.

 فقلب‌ جَرَجة‌ ترسه‌ ومال‌ مع‌ خالد وأسلم‌، وعلّمه‌ الاءسلام‌ واغتسل‌ وصلّي‌ ركعتَين‌، ثمّ خرج‌ مع‌ خالد فقاتل‌ الروم‌... حتّي‌ استشهد جَرَجة‌ عند آخر النهار.

 يقول‌ الشيخ‌ عبد الوهّاب‌ النجّار في‌ الهامش‌: والظاهر أنّ جرجة‌ كان‌ يعرف‌ العربيّة‌، لا نّه‌ تكلّم‌ مع‌ خالد بلا مترجم‌ وقال‌ الطبري‌ّ: كان‌ جرجة‌ بن‌ تودر، والاقرب‌ إلی الظنّ أ نّه‌ كان‌ جورج‌ بن‌ ثيودور انتهي‌.

 وهي‌ قصّة‌ تستحق‌ التأمّل‌ في‌ أن‌ يعتبر قائد إسلامي‌ّ شخصاً أجنبيّاً مثيله‌ ونظيره‌ في‌ جميع‌ الاُمور الدنيويّة‌ والاُخرويّة‌ بمجرّد أن‌ يُسلم‌، بل‌ كان‌ يعدّه‌ أفضل‌ منه‌.

[43] ـ «شرح‌ مثنوي‌» للحاجّ الملاّ هادي‌ السبزواري‌ّ، ص‌ 253.

 قال‌ آية‌ الله‌ الشعراني‌ّ في‌ كتاب‌ «راه‌ سعادت‌» (= طريق‌ السعادة‌) ص‌ 107: الطبعة‌ الاُولي‌، يروي‌ سهل‌ بن‌ سعد الساعدي‌ّ: كنّا مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وكان‌ يحفر الخندق‌ فوصل‌ إلی صخرة‌ فتبسّم‌. قيل‌: يا رسول‌ الله‌، ممّ كان‌ تبسّمك‌؟

 قال‌: ضَحِكْتُ مِنْ نَاسٍ يُؤْتَي‌ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ فِي‌ الكُبُولِ يُسَاقُونَ إلَي‌ الجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ.

 وقال‌ ابن‌ الاثير في‌ «النهاية‌» ج‌ 4، ص‌ 144، مادّة‌ كَبَلَ: في‌ الرواية‌ ضَحِكْتُ مِنْ قَوْمٍ يُؤْتَي‌ بِهِمْ إلَي‌ الجَنَّةِ فِي‌ كَبْلِ الحَدِيدِ؛ الكَبْل‌: قَيْدٌ ضَخم‌، وقد كَبَلْتُ الاسِيرَ وَكَبَّلْتُهُ مُخَفَّفاً وَمُثَقَّلاً، فَهُوَ مَكْبُولٌ وَمُكَبَّلٌ.

[44] ـ «مثنوي‌ مولانا محمّد بلخي‌» ج‌ 3، ص‌ 311 إلی 314، طبعة‌ ميرزا محمودي‌.

 يقول‌: «لقد رأي‌ النبي‌ّ جماعة‌ من‌ الاسري‌ يؤخذون‌ من‌ ساحة‌ المعركة‌.

 رآهم‌ ذلك‌ الليث‌ اليقظ‌ في‌ القيد مكبّلين‌ يسترقون‌ النظر إليه‌.

 وكانوا يصرّون‌ علی‌ الرسول‌ الصادق‌ بأسنانهم‌ من‌ الغضب‌ والغيظ‌.

 ولم‌ يجرأوا أن‌ يفوهوا بشي‌ء مع‌ غضبهم‌، فقد كانوا يرسفون‌ في‌ أغلاله‌».

[45] ـ يقول‌: «يسوقهم‌ الموكّل‌ بهم‌ إلی المدينة‌ قهراً من‌ معاقل‌ كفرهم‌.

 فلم‌ يكن‌ يريد منهم‌ فديةً ولا ذهباً، ولا شافع‌ هناك‌ ليشفع‌ لهم‌.

 فيا عجباً يدعونه‌ رحمةً للعالمين‌ وهو يحزّ رقاب‌ عالم‌ من‌ الخلق‌.

 كانوا يسيرون‌ لا ينتهي‌ إنكارهم‌ وغمزهم‌ علی‌ عمل‌ الملك‌ الرسول‌.

 كان‌ أُولئك‌ الاسري‌ يجمجمون‌ ويهمهمون‌ بذلك‌ متسائلين‌ فيما بينهم‌.

 ولقد فهم‌ الرسول‌ مقولتهم‌ تلك‌ فقال‌ إنّ تبسّمي‌ لم‌ يكن‌ للمعركة‌ ونتائجها.

 ولقد مات‌ أُولئك‌ وصاروا رفاتاً، لكنّ قتلانا أحياء لا يموتون‌.

 وكنتُ أراكم‌ مقيّدين‌ هكذا حال‌ حرّيّتكم‌ وقوّتكم‌.

 فيا من‌ يدلّ بملكه‌ وسلطانه‌، لست‌ عند العقلاء إلاّ كمثل‌ بعير علی‌ سلّم‌ (= مَثَل‌ فارسي‌ّ).

 رأيتكم‌ في‌ عالم‌ الذرّ حين‌ ناداكم‌ ربّكم‌ «ألستُ» مقيّدين‌ أذلاّء منكوسين‌.

 شاهدتُكم‌ منكوسين‌ قبل‌ أن‌ أنمو من‌ الماء والطين‌ وأُخلق‌.

 فلم‌ أشاهد شيئاً جديداً ليهزّني‌ الجذل‌، فما رأيتُه‌ كان‌ إقبال‌ الحظّ علیكم‌».

[46] ـ يقول‌: «لقد كنتم‌ مقيّدين‌ بأغلال‌ الغضب‌ الخفي‌ّ، وأي‌ّ قهر! وكنتم‌ تترشّفون‌ العسل‌ المشوب‌ بالسمّ.

 شراب‌ حلو ملاه‌ عدوّكم‌ سمّاً ناقعاً، مَن‌ شربه‌ أصابه‌ داء الحسد.

 وكنتم‌ تعبّون‌ من‌ ذلك‌ السمّ فرحين‌، وكان‌ الموت‌ الخفي‌ّ قد أصمّ آذانكم‌.

 ولم‌ أكن‌ أغزو وأقاتل‌ من‌ أجل‌ الظفر بالسيطرة‌ علی‌ العالم‌.

 فهذا العالم‌ ليس‌ إلاّ جيفة‌ وميتة‌ رخيصة‌، أفأحرص‌ علی‌ الحصول‌ علی‌ ميتة‌ نتنة‌؟!

 وليس‌ شأني‌ انتزاع‌ لمّة‌ ميّت‌، فذاك‌ شأن‌ الكلب‌، إنّما جئتُ كعيسي‌ لابعث‌ فيه‌ حياةُ جديدة‌.

 وجئتُ أشقّ صفوف‌ المحاربين‌ لانقذكم‌ وأنجيكم‌ من‌ الهلاك‌».

[47] يقول‌: «ولست‌ بقاطعٍ حلقوم‌ بشر حتّي‌ يكون‌ بيننا كرّ وفرّ وجدال‌.

 فإنّما أقطع‌ أعناق‌ قلّة‌ معدودة‌ معاندة‌ لتحرّر رقاب‌ عالم‌ آخرين‌.

 لقد كنتم‌ تحومون‌ كالفراش‌ من‌ جهلكم‌، تسوقكم‌ عقائدكم‌ إلی النار سوقاً.

 فجئت‌ أحيدكم‌ بيدَي‌ّ عن‌ التهاوي‌ في‌ النار كالسكاري‌.

 وما كنتم‌ تعدّونه‌ فتحاً ونصراً، لم‌ يكن‌ إلاّ بذور تعاستكم‌ تزرعونها.

 تتنافون‌ بينكم‌ جادّين‌ وتسوقون‌ أفراسكم‌ إلی التنّين‌.

 وكنتم‌ تَغلِبون‌ وتقهرون‌، لكنّكم‌ كنتم‌ حال‌ قهركم‌ مقهورين‌، قهركم‌ ليث‌ الدهر.

 وقال‌ النبي‌ّ إنّ أصحاب‌ الجنّة‌ هم‌ الاذلاّء عند الخصومات‌ والمنازعات‌».

[48] يقول‌: «وليس‌ هذا من‌ نقص‌ فيهم‌ أو ضعف‌ قلب‌ وعقيدة‌، لكنّه‌ من‌ كمال‌ الحزم‌ واتّهام‌ النفس‌ الامّارة‌.

 جاءه‌ الخطاب‌ أن‌: ما رميتَ إذ رميتَ؛ فضاع‌ عند ذلك‌ وامّحي‌، والله‌ أعلم‌ بالصواب‌.

 لم‌ أكن‌ لاضحك‌ من‌ أغلالكم‌ التي‌ ألقيتها علیكم‌ سَحَراً.

 بل‌ إنّ ما أضحكني‌ أ نّهم‌ يجرّونكم‌ بالسلاسل‌ إلی حيث‌ الرياض‌ والورود.

 ونحن‌ نسوقكم‌ مقيّدين‌ ـ ويا للعجب‌ من‌ النار التي‌ لا ملجأ منها إلی حيث‌ الخضرة‌ الدائمة‌.

 نجرّكم‌ من‌ جهنّم‌ بالسلاسل‌ الثقيلة‌ إلی حيث‌ جنّة‌ الخلد.

 كلّ المقلّدين‌ الجيّد والردي‌ء يجرّون‌ في‌ هذا الطريق‌ إليه‌ سبحانه‌».

[49] يقول‌: «يسيرون‌ كلّهم‌ في‌ هذا الدرب‌ في‌ سلاسل‌ الخوف‌ والابتلاء عدا الاولياء والمقرّبين‌.

 يجرّون‌ بجهادهم‌ في‌ هذا الطريق‌ عدا أُولئك‌ الذي‌ وقفوا علی‌ الاسرار.

 فاجهد أن‌ يكون‌ نورك‌ متلالئاً لتسهل‌ خدمتك‌ وسلوكك‌.

 فأنت‌ تسوق‌ الاطفال‌ بالاءجبار للدرس‌، لانّ أعينهم‌ عمياء عن‌ فوائده‌.

 لكنّهم‌ حين‌ يقفون‌ علی‌ ذلك‌ يسرعون‌ إليه‌، وتتفتّح‌ أرواحهم‌ له‌ شيئاً فشيئاً.

 ويبقي‌ الطفل‌ يذهب‌ للدرس‌ متثاقلاً، لا نّه‌ لم‌ يلمس‌ بعدُ من‌ نتيجة‌ عمله‌ شيئاً».

 ولقد كانت‌ محبّة‌ وشفقة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ الاسري‌ إلی الحدّ الذي‌ لم‌ يستطع‌ معه‌ النوم‌ بعد بدر من‌ أنين‌ عمّه‌ العبّاس‌، فقد كان‌ قد أُحكم‌ وثاقه‌ فلم‌ يستطع‌ النوم‌ وبقي‌ يتصوّر، ولم‌ يشأ النبي‌ّ أن‌ يتدخّل‌ شخصيّاً في‌ أمر العبّاس‌ باعتبار أنّ أسره‌ كان‌ بيد المسلمين‌، حتّي‌ فكّ المسلمون‌ بأنفسهم‌ القيد عنه‌ فغفت‌ عند ذلك‌ عين‌ الرسول‌.

 وقد نقل‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ في‌ «تفسير الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 141، في‌ بحث‌ روائي‌ّ عن‌ «مجمع‌ البيان‌» أ نّه‌ روي‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ قوله‌: لمّا أمسي‌ رسول‌ الله‌ يوم‌ بدر والناس‌ محبوسون‌ بالوثاق‌، بات‌ ساهراً أوّل‌ الليل‌، فقال‌ له‌ أصحابه‌: مالك‌ لا تنام‌؟ فقال‌: سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّي‌َ العَبَّاسِ فِي‌ وِثَاقِهِ، فأطلقوه‌ فسكت‌، فنام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 وأورد العلاّمة‌ السيّد شرف‌ الدين‌ في‌ كتاب‌ «النصّ والاجتهاد» ص‌ 239 و 240، الطبعة‌ الثانية‌: أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌ لاصحابه‌ وقد حمي‌ الوطيس‌ يوم‌ بدر: عرفتُ رجالاً من‌ بني‌ هاشم‌ وغيرهم‌ أُخرجوا كرهاً، لا حاجة‌ لهم‌ لقتالنا، فمن‌ لقي‌ أحداً من‌ بني‌ هاشم‌ فلا يقتله‌، ومن‌ لقي‌ أبا البختري‌ّ بن‌ هشام‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ أسد فلا يقتله‌ (أبو البختري‌ّ هو الذي‌ عارض‌ صحيفة‌ المقاطعة‌ التي‌ كتبها المشركون‌ في‌ تحريم‌ المعاملة‌ مع‌ بني‌ هاشم‌ فحبسوهم‌ في‌ شِعب‌ أبي‌ طالب‌ ثلاث‌ سنين‌ وسعي‌ في‌ نقضها، ولم‌ يؤذي‌ النبي‌ّ بشي‌ء، ولم‌ يصدر منه‌ أمر يكرهه‌ النبي‌ّ، وكان‌ النبي‌ّ يؤمّل‌ أن‌ يُسلم‌ إن‌ بقي‌ حيّاً) ومن‌ لقي‌ العبّاس‌ بن‌ عبد المطلّب‌ عمّ رسول‌ الله‌ فلا يقتله‌، فإنّه‌ خرج‌ مستكرهاً.

 ولمّا أُسر العبّاس‌ بَاتَ رَسُولُ اللَهِ سَاهِراً أَرِقاً، فقال‌ له‌ أصحابه‌ ـ كما نصّ علیه‌ كلّ من‌ أرّخ‌ وقعة‌ بدر من‌ أهل‌ السير و الاخبار: يَا رَسُولَ اللَهِ! مَا لَكَ لاَ تَنَامُ؟

 قال‌: سَمِعْتُ تَضَوُّرَ عَمِّي‌َ العَبَّاس‌ فِي‌ وَثَاقِهِ فَمَنَعَنِي‌ النَّوْمَ. فقاموا إليه‌ فأطلقوه‌، فنام‌ رسول‌ الله‌.

 وأورد في‌ «كنز العمّال‌» ج‌ 5، ص‌ 272، الحديث‌ رقم‌ 5391: أنّ ابن‌ عساكر أخرج‌ عن‌ يحيي‌ بن‌ أبي‌ كثير: أ نّه‌ لمّا كان‌ يوم‌ بدر أسر المسلمون‌ من‌ المشركين‌ سبعين‌ رجلاً، فكان‌ ممّن‌ أُسر العبّاس‌ عمّ رسول‌ الله‌، فولي‌ وثاقه‌ عمر بن‌ الخطّاب‌. فقال‌ العبّاس‌: أَمَا وَاللَهِ يَا عُمَر! مَا يَحْمِلُكَ عَلَی‌ شَدِّ وَثَاقِي‌ إلاَّ لَطْمِي‌ إيَّاكَ فِي‌ رَسُولِ اللَهِ. قال‌: فكان‌ رسول‌ الله‌ يسمع‌ أنين‌ العبّاس‌ فلا يأتيه‌ النوم‌. فقالوا: يا رسول‌ الله‌ ما يمنعك‌ من‌ النوم‌؟

 فقال‌ رسول‌ الله‌: كَيْفَ أَنَامُ وَ أَنَا أَسْمَعُ أَنِينَ عَمِّي‌؟ فأطلقه‌ الانصار... الحديث‌.

 [50] ـ الآية‌ 118، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[51] ـ الآية‌ 93، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[52] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[53] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[54] ـ صدر الآية‌ 70، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[55] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 64: التغابن‌.

[56] ـ ذيل‌ الآية‌ 26 والآية‌ 27، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[57] ـ الآية‌ 75، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[58] ـ صفحة‌ 219 (الت علیقة‌).

[59] ـ الآيتان‌ 14 و 15، من‌ السورة‌ 31: لقمان‌.

[60] ـ الآيتان‌ 23 و 24، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[61] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[62] ـ الآية‌ 228، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[63] ـ الآية‌ 195، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[64] ـ الآية‌ 286، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[65] ـ الآية‌ 164، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[66] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 63: المنافقون‌.

 روي‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 755، طبعة‌ الكمباني‌ّ، عن‌ اختصاص‌ الشيخ‌ المفيد قال‌: بلغنا أنّ سلمان‌ الفارسي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌ دخل‌ مجلس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ذات‌ يوم‌ فعظّموه‌ وقدّموه‌ وصدّروه‌ إجلالاً لحقّه‌ وإعظاماً لشيبته‌ واختصاصه‌ بالمصطفي‌ وآله‌، فدخل‌ عمر فنظر إليه‌ فقال‌: مَنْ هَذَا العَجَمِي‌ُّ المُتَصَدِّرُ فِيمَا بَيْنَ العَرَبِ؟ فصعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ المنبر فخطب‌ فقال‌: إنَّ النَّاسَ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إلَي‌ يَوْمِنَا هَذَا مِثْلُ أَسْـنَانِ المِشْـطِ؛ لاَ فَضْـلَ لِلْعَرَبِـي‌ِّ عَلَی‌ العَجَمِـي‌ِّ، وَلاَ لِلاَحْمَرِ عَلَی‌ الاَسْوَدِ إلاَّ بِالتَّقْوَي‌؛ سَلْمَانُ بَحْـرٌ لاَ يَنْـزَفُ، وَكَنْـزٌ لاَ يَنْفَـدُ؛ سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ، سَلْسَلٌ يَمْنَحُ الحِكْمَةَ وَيُؤْتِي‌ البُرْهَانَ.

 ثمّ قال‌ المجلسي‌ّ في‌ بيانه‌: السَّلْسَل‌ كَجَعْفَر: الماء العذب‌ أو البارد؛ ولا يبعد أن‌ يكون‌ سلسل‌ تصحيفاً لسلمان‌.

[67] ـ الآية‌ 13، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

 أورد في‌ «تفسير الصافي‌» للملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 594 و 595، طبعة‌ كراوري‌، ذيل‌ الآية‌ الكريمة‌ المباركة‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يوم‌ فتح‌ مكّة‌:

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللَهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ بِالاءسْلاَمِ نَخْوَةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا. إنَّ العَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بَأَبِ وَالِدٍ وَإنَّمَا هُوَ لِسَانُ نَاطِقٍ فَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ عَرَبِي‌ٌّ، أَلاَ إنَّكُمْ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنَ التُّرَابِ، وَإنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَهِ أَتْقَاكُمْ.

 وأورد محمّد أحمد جاد المولي‌ بك‌ في‌ كتابه‌ «محمّد المثل‌ الكامل‌» ص‌ 227، الطبعة‌ الثانية‌؛ وكذلك‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ الخطبة‌ 145 لـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 9، ص‌ 107، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌، مصر؛ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌:

 إنَّ اللَهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبَيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرُهَا بِالآبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقِي‌ٌّ وَفَاجِرٌ شَقِي‌ٌّ. أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمَ مِنْ تُرَابٍ. لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَی‌ اللَهِ مِنَ الجِعْلاَنِ الَّتِي‌ تَدْفَعُ بِأَ نْفِهَا النَّتَنَ.

 وقال‌ أيضاً: لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إلَي‌ عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَی‌ عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَی‌ عَصَبِيَّةٍ.

 والشاهد والدليل‌ علی‌ عدم‌ منفعة‌ النسب‌ والاقارب‌ الآية‌ القرآنيّة‌ التي‌ تقول‌:

 فَإِذَا نُفِخَ فِي‌ الصُّورِ فَلاَ´ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَؤْمَنءِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ (الآية‌ 101، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌)، وكذلك‌ هذه‌ الآية‌ القرآنيّة‌: لَن‌ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ´ أَوْلَـ'دُكُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. (الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 60: الممتحنة‌).

[68] ـ وهي‌ الآية‌ 125، من‌ السورة‌ 16: النحل‌:

 ادْعُ إِلَي‌' سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـ'دِلْهُم‌ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن‌ ضَلَّ عَن‌ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.

[69] ـ الآية‌ 193، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: وَقَـ'تِلُوهُمْ حَتَّي‌' لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ... إلی آخر الآية‌.

[70] ـ يقول‌ هذا الحقير مؤلّف‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌»: لقد قام‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ أواخر عمره‌ بنشر كتاب‌ كان‌ تأليفه‌ سنة‌ 1952 ميلاديّة‌، تراجع‌ فيه‌ عن‌ التُّهم‌ التي‌ وجّهها إلی الشيعة‌ في‌ كتبه‌ السابقة‌ «فجر الاءسلام‌» و«ضحي‌ الاءسلام‌»، وذكر فيه‌ مطالب‌ مفيدة‌ إجمالاً، علی‌ أنّ الكتاب‌ لا يخلو نفسه‌ من‌ إشكال‌؛ وسمّاه‌ بـ «يوم‌ الاءسلام‌».

 يقول‌ في‌ هذا الكتاب‌ من‌ ص‌ 24 إلی 26 ضمن‌ تأييده‌ للاستعباد في‌ الاءسلام‌ ودفاعه‌ عنه‌ ضد التُّهم‌ الموجّهة‌ إليه‌:

 وخطا الاءسلام‌ في‌ الرقّ خطوة‌ واسعة‌، فهو لم‌ يُجزْه‌ إلاّ لمن‌ يؤسر في‌ حرب‌ شرعيّة‌، أمّا اختطاف‌ الولدان‌ والبنات‌ بشنّ الغارات‌ علی‌ القبائل‌ واتّخاذهم‌ عبيداً فعملٌ جاهلي‌ّ لم‌ يُجزْه‌ الاءسلام‌. وقد سوّي‌ الاءسلام‌ بين‌ ذوي‌ الالوان‌ المختلفة‌ سوداً وبيضاً، فقال‌ الرسول‌:

 لَيْسَ لِعَرَبِي‌ٍّ عَلَی‌ أَعْجَمِي‌ٍّ وَلاَ لاِبْيَضٍ عَلَی‌ أَسْوَدٍ فَضْلٌ إلاَّ بِالتَّقْوَي‌ أَوْ بِعَمَلٍ صَالِحٍ.

 وقرّر للارقّاء الحقوق‌ التي‌ للاحرار، بل‌ جعل‌ للرقيق‌ مزايا ليست‌ للاحرار، بإعفاء الارقّاء من‌ نصف‌ العقوبات‌ التي‌ يحكم‌ بها علی‌ الاحرار، وجعل‌ العتق‌ واجباً في‌ كفّارة‌ اليمين‌ وكفّارة‌ الفطر في‌ رمضان‌ إلی غير ذلك‌، وأوجب‌ علی‌ المسلمين‌ حُسن‌ معاملة‌ الارقّاء؛ قال‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: اتَّقُوا اللَهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ العَمَلِ مَا لاَ يُطِيقُونَ، فَمَا أَحْبَبْتُمْ أَمْسَكْتُمْ وَمَا كَرِهْتُمْ فَبِيعُوا؛ فَإنَّ اللَهَ مَلَّكَكُمْ إيَّاهُمْ وَلَوْ شَاءَ لَمَلَّكَهُمْ إيَّاكُمْ.

 وسأله‌ رجل‌: كم‌ أعفو عن‌ الخادم‌؟ فصمتَ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، ثمّ قال‌: اعْفُ عَنْهُ فِي‌ كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة‌.

 وضرب‌ رجلٌ من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عبداً له‌، فجعل‌ العبد يقول‌: أَسْأَ لُكَ بِوَجْهِ اللَهِ، فلم‌ يُعْفه‌، فسمع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وانطلق‌ إليه‌، فلمّا رأي‌ الرجل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أمسك‌، فقال‌ له‌ الرسول‌: سَأَ لَكَ بِوَجْهِ اللَهِ فَلَمْ تَعْفُهُ، فَلَمَّا رَأَيْتَنِي‌ أَمْسَكْتَ يَدَكَ؟! قال‌ الرجل‌: فَإنَّهُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَهِ، فقال‌ النبي‌ّ: لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَسَفَعَتْ وَجْهَكَ النَّارُ.

 وقال‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآلـه‌ وسـلّم‌: أَرِقَّاؤُكُـمْ إخْوَانُكُـمْ اسْـتَعِينُـوهُمْ عَلَی‌ مَا عَلَيْكُـمْ وَأَعِينُوهُمْ عَلَی‌ مَا عَلَيْهِمْ.

 وقال‌ الاءمام‌ الزهري‌ّ: مَتَي‌ قُلْتَ لِلْمَمْلُوكِ: أَخْزَاكَ اللَهُ، فَهُوَ حُرٌّ.

 وليس‌ يصحّ قياس‌ هذه‌ الخطوة‌ الواسعة‌ بما فعلت‌ الاُمم‌ في‌ هذه‌ الايّام‌ وإنّما يُقاس‌ علی‌ ما كان‌ الرقيق‌ علیه‌ قبله‌ في‌ أيّامه‌.

 فقد كان‌ المصريّون‌ القدامي‌ والبابليّون‌ والبراهمة‌ والفرس‌ يتّخذون‌ الرقيق‌ سلعة‌ ويعاملونه‌ معاملة‌ وحشيّة‌، واتّخذه‌ اليونان‌ أيضاً وأقرّه‌ كبار فلاسفتهم‌ كأرسطو وأفلاطون‌، بل‌ زعم‌ أرسطو أن‌ أرواحهم‌ كأرواح‌ الحيوانات‌. وتوسّع‌ الرومانيّون‌ في‌ الاسترقاق‌ إلی حدّ بعيد. وكان‌ آباء الكنيسة‌ النصرانيّة‌ يُكاثرون‌ الكونتات‌ في‌ اقتناء الارقّاء. فإذا علمنا هذا، علمنا الخطوة‌ الواسعة‌ التي‌ خطاها الاءسلام‌ في‌ شأن‌ الارقّاء.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com