بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نور ملکوت القرآن / المجلد الرابع / القسم التاسع: القرآن قطعی الصدور دون غیره، قصة التوراة و الانجیل

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

القرآن الکریم – دون غیره - قطعی الصدور

 والخلاصة‌، فإنّ هذه‌ العظمة‌ مختصّة‌ بالقرآن‌ الكريم‌ فقط‌، حيث‌ أوّلاً: إنّ عين‌ عباراته‌ وكلماته‌ ـ وليس‌ معانيه‌ وحدها ـ وحي‌ٌ. وثانياً: إنّ تلك‌ الكلمات‌ قد بلغتنا دون‌ أدني‌ تغيير أو تحريف‌. حيث‌ جري‌ تناقلها في‌ كلّ عصر بالكتابة‌ والحفظ‌، من‌ جيلٍ إلی‌ جيل‌، ومن‌ عصرٍ إلی‌ العصر الذي‌ يتلوه‌.

 وذلك‌ أمر لم‌ يتحقّق‌ إلاّ بواسطة‌ جهاد المسلمين‌ العظيم‌ في‌ حفظه‌ وصيانته‌ منذ زمن‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ يومنا هذا، وبواسطة‌ الوعد المعجز الإلهيّ بحفظ‌ وصيانة‌ هذا الكتاب‌ الإلهي‌ّ.

 أمّا كتب‌ إلیهود والنصاري‌، كالتوراة‌ والإنجيل‌ وسائر الكتب‌ المرسلة‌ وكتاب‌ تلمود إلیهود، فليس‌ فيها ما يماثل‌ القرآن‌ أبداً.

 أوّلاً: كما ذكرنا سابقاً، فإنّ معاني‌ ومفاهيم‌ التوراة‌ والإنجيل‌ ـ وليس‌ ألفاظها ومعانيها كانت‌ وحياً سماويّاًعلی النبي‌ّ موسي‌ والنبي‌ّ عيسي‌علی نبيّنا وآله‌ وعليهما الصلاة‌ والسلام‌. وألفاظ‌ وعبارات‌ التوراة‌ والإنجيل‌ هي‌ بأجمعها من‌ إنشائهما، حيث‌ كانا يصبّان‌ تلك‌ المعاني‌ في‌ قالب‌ العبارات‌ وفق‌ ما يشاءان‌، باستثناء الالواح‌ التي‌ نزلت‌علی النبي‌ّ موسي‌.

 وثانياً: إنّ مطالب‌ النبي‌ّ موسي‌ في‌ التوراة‌ والإنجيل‌ قد ضاعت‌. وهذه‌ الكتب‌ الفعليّة‌ التي‌ تُدعي‌ باسم‌ التوراة‌ والإنجيل‌ قد دُوّنت‌ فيما بعد معتمدةًعلی رواية‌ شخص‌ واحد، عديمة‌ السند.

 بَيدَ أنّ القرآن‌ الكريم‌ لمّا أقرّ أصل‌ التوراة‌ والإنجيل‌، ونظراً للتذكير بأنّ مقاطع‌ من‌ التوراة‌ والإنجيل‌ الاصليّين‌ موجودة‌ في‌ الكتابَين‌ الحإلیين‌؛ فينبغي‌ أن‌ تدعي‌ كتباً مدسوسة‌، أي‌ كتباً امتزج‌ فيها الحقّ بالباطل‌.

 أمّا الآية‌ التي‌ تدلّعلی أنّ بعضاً من‌ التوراة‌ الحقّة‌ موجود لدي‌ إلیهود، فهي‌ قوله‌ تعالی‌:

 وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَب'ةُ فِيهَا حُكْمُ اللَهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن‌ بَعْدِ ذَ لِكَ وَمَا´ أُولَـ'´نءِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. [1]

 وأمّا الآية‌ الدالّة‌علی أنّ بعضاً من‌ الإنجيل‌ الحقّ موجود في‌ أيدي‌ النصاري‌، فقوله‌ تعالی‌:

 وَمِنَ الَّذِينَ قَالُو´ا إِنَّا نَصَـ'رَي‌'´ أَخَذْنَا مِيثَـ'قَهُمْ فَنَسُوا حَظَّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَ وَةَ وَالْبَغْضَآءَ إلَی' يَوْمِ الْقِيَـ'مَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. [2]

 ودلالة‌ هاتين‌ الآيتين‌علی اشتمال‌ التوراة‌ والإنجيل‌ الفعليّين‌علی بعض‌ الاحكام‌ الحقّة‌ ظاهرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

کتب الیهود و النصاری نظیر کتب الأخبار و التواریخ لدینا

 إنّ كتب‌ إلیهود والنصاري‌ هي‌ كتب‌ جمعها الناس‌ وألّفوها نظير كتب‌ الاخبار والتواريخ‌ الموجودة‌ لدينا. فكتابَي‌ التوراة‌ والإنجيل‌ أشبه‌ بكتب‌ « روضة‌ الصفاء » و « تاريخ‌ الطبريّ » و « سيرة‌ ابن‌ هشام‌ » التي‌ تتحدّث‌ عن‌ أحوال‌ موسي‌ وعيسي‌ وغيرهما. أ مّا قولهم‌: كتاب‌ موسي‌ عليه‌ السلام[3]‌، فإنّهم‌ يقصدون‌ به‌ الكتاب‌ الذي‌ يتحدّث‌ عن‌ أحواله‌ وسيرته‌، ولا يقصدون‌ كتاباً كتبه‌ موسي‌ بنفسه‌.

 وكذلك‌ قولهم‌: كتاب‌ المسيح‌ عليه‌ السلام‌، أي‌ ترجمة‌ حياته‌ وليس‌ كتاباً من‌ تإلیفه‌. وكتاب‌ يوشع‌: أي‌ الكتاب‌ الذي‌ يتحدّث‌ عن‌ ترجمة‌ أحواله‌، وليس‌ كتاباً كتبه‌ يوشع‌ بنفسه‌. تماماً كقولنا: كتاب‌ المختار، أي‌ الكتاب‌ الذي‌ أُ لّف‌ في‌ شرح‌ أحوال‌ المختار وقيامه‌.

 ومع‌ كلّ هذه‌ الاُمور، فإنّ كتبنا الحديثيّة‌ تفوق‌ في‌ اعتبارها كتابَي‌ التوراة‌ والإنجيل‌ اللذين‌ يُعدّان‌ لدي‌ إلیهود والنصاري‌ كتابَين‌ سماويّين‌، فقد وردت‌ في‌ أحاديثنا روايات‌ متواترة‌ ومستفيضة‌ كثيرة‌، بينما التوراة‌ والإنجيل‌ ليسا كذلك‌. كما أنّ أغلب‌ سند رواياتنا متّصل‌، وحال‌ الرواة‌ وترجمتهم‌ معلوم‌ ومدوّن‌، أمّا التوراة‌ والإنجيل‌ فليسا قطعيَي‌ الصدور، وليس‌ لها سند متّصل‌.

 ولتفصيل‌ حقيقة‌ الامر، فإنّنا مجبرون‌علی خوض‌ بحث‌ مستقلّ حول‌ كلّ من‌ كتابَي‌ التوراة‌ والإنجيل‌، وحول‌ التغييرات‌ والتحوّلات‌ التي‌ طرأت‌ عليهما.

 أمّا بالنسبة‌ إلی‌ التوراة‌، فقد قال‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ قدّس‌ الله‌ تربته‌ الشريفة‌ تحت‌ عنوان‌ « ما هو الكتاب‌ الذي‌ ينتسب‌ إلیه‌ أهل‌ الكتاب‌ وكيف‌ هو؟»:

 « الرواية‌ وإن‌ عدّت‌ المجوس‌ من‌ أهل‌ الكتاب‌، ولازم‌ ذلك‌ أن‌ يكون‌ لهم‌ كتاب‌ خاصّ أو ينتموا إلی‌ واحد من‌ الكتب‌ التي‌ يذكرها القرآن‌ ككتاب‌ نوح‌، وصحف‌ إبراهيم‌، وتوراة‌ موسي‌، وإنجيل‌ عيسي‌، وزبور داود؛ لكنّ القرآن‌ لا يذكر شأنهم‌، ولا يذكر لهم‌ كتاباً. والذي‌ عندهم‌ من‌ « أَوِستا » لا ذكر منه‌ فيه‌، وليس‌ عندهم‌ من‌ سائر الكتب‌ اسم‌.

 وإنّما يطلق‌ القرآن‌ أهل‌ الكتاب‌ فيما يُطلق‌، ويريد بهم‌ إلیهود والنصاري‌، لمكان‌ الكتاب‌ الذي‌ أنزله‌ الله‌ عليهم‌.

 والذي‌ عند إلیهود من‌ الكتب‌ المقدّسة‌ خمسة‌ وثلاثون‌ كتاباً، منها توراة‌ موسي‌، مشتملةًعلی خمسة‌ أسفار[4]، ومنها كتب‌ المؤرّخين‌ اثنا عشر كتاباً [5]؛ ومنها كتاب‌ أيـّوب‌، ومنها زبور داود، ومنها ثلاثة‌ كتب‌ لسليمان[6]‌، ومنها كتب‌ النبوّات‌ سبعة‌ عشر كتاباً. [7]

 ولم‌ يذكر القرآن‌ من‌ بينها إلاّ توراة‌ موسي‌ وزبور داود عليهما السلام‌ ». [8]

 الرجوع الي الفهرس

قصة و تأریخ التوراة الفعلیة المتداولة

ضیاع التوراة الأصلیة علی ید بخت نصر

 ثمّ قال‌ في‌ البحث‌ التأريخي‌ّ:

« قصّة‌ التوراة‌ الحاضرة‌: بنو إسرائيل‌ هم‌ الاسباط‌ من‌ آل‌ يعقوب‌، كانوا يعيشون‌ أوّلاً عيشة‌ القبائل‌ البدويّين‌، ثمّ أشخصهم‌ الفراعنة‌ إلی‌ مصر، وكانوا يعامل‌ معهم‌ معاملة‌ الاُسراء المملوكين‌ حتّي‌ نجّاهم‌ الله‌ بموسي‌ من‌ فرعون‌ وعمله‌.

 وكانوا في‌ زمن‌ موسي‌ يسيرون‌ مسير الحياة‌ بالإمام‌، وهو موسي‌، وبعده‌ يوشع‌ عليهما السلام‌. ثمّ كانوا بُرهةً من‌ الزمان‌ يدبّر أمرهم‌ ا لقضاة‌ مثل‌ إيهود وجدعون‌ وغيرهما. وبعد ذلك‌ يشرع‌ فيهم‌ عصر الملك‌. وأوّل‌ الملوك‌ فيهم‌ شاؤل‌، وهو الذي‌ يسمّيه‌ القرآن‌ الشريف‌ ب طالوت‌، ثمّ داود، ثمّ سليمان‌.

 ثمّ انقسمت‌ المملكة‌ وانشعبت‌ القدرة‌، ومع‌ ذلك‌ ملك‌ فيهم‌ ملوك‌ كثيرون‌ كـ: رُحبُعام‌ و إبيام‌ ويِربُعُام‌ ويهوشافاط‌ ويهورام‌ وغيرهم‌ بضعة‌ وثلاثون‌ ملكاً.

 ولم‌ تزل‌ تضعف‌ القدرة‌ بعد الانقسام‌ حتّي‌ تغلّبت‌ عليهم‌ ملوك‌ بابل‌[9] فاحتلّوا أُورشليم‌ وهو بيت‌ المقدس‌، وذلك‌ في‌ حدود سنة‌ ستمائة‌ قبل‌ المسيح‌، وملك‌ بابل‌ يومئذٍ بُخت‌ نَصَّر (نَبُوكد نصّر).

 ثمّ تمرّدت‌ إلیهود عن‌ طاعته‌، فأرسل‌ إلیهم‌ عساكره‌ فحاصروهم‌، ثمّ فتحوا البلدة‌ ونهبوا خزائن‌ الملك‌ وخزائن‌ الهيكل‌ ( المسجد الاقصي‌ )، وجمعوا من‌ أغنيائهم‌ وأقويائهم‌ وصنّاعهم‌ ما يقرب‌ من‌ عشرة‌ آلاف‌ نفساً وساروا بهم‌ إلی‌ بابل‌، وما أبقوا في‌ المحلّ إلاّ الضعفاء والصعإلیك‌. ونصب‌ بخت‌ نصّر صِدْقيا وهو آخر ملوك‌ بني‌ إسرائيل‌ ملكاً عليهم‌، وعليه‌ الطاعة‌ لبخت‌ نصّر.

 وكان‌ الامرعلی ذلك‌ قريباً من‌ عشر سنين‌، حتّي‌ وجد صدقيا بعض‌ القوّة‌ والشدّة‌، واتّصل‌ بعض‌ الاتّصال‌ بواحد من‌ فراعنة‌ مصر فاستكبر وتمرّد عن‌ طاعة‌ بخت‌ نصّر.

 فأغضب‌ ذلك‌ بخت‌ نصّر غضباً شديداً، فساق‌ إلیهم‌ الجيوش‌ وحاصر بلادهم‌، فتحصّنوا عنه‌ بالحصون‌، وتمادي‌ بهم‌ التحصّن‌ قريباً من‌ سنة‌ ونصف‌ حتّي‌ ظهر فيهم‌ القحط‌ والوباء.

 وأصرّ بخت‌ نصّرعلی المحاصرة‌ حتّي‌ فتح‌ الحصون‌، وذلك‌ في‌ سنة‌ خمسمائة‌ وستّ وثمانين‌ قبل‌ المسيح‌، وقتل‌ نفوسهم‌ وخرّب‌ ديارهم‌ وخرّبوا بيت‌ الله‌، وأفنوا كلّ آية‌ وعلامة‌ دينيّة‌، وبدّلوا هيكلهم‌ تلاّ من‌ تراب‌، وفُقدت‌ عند ذلك‌ التوراة‌ والتابوت‌ الذي‌ كانت‌ تُجعل‌ فيه‌.

 وبقي‌ الامرعلی هذا الحال‌ خمسين‌ سنة‌ تقريباً وهم‌ قاطنون‌ ببابل‌، وليس‌ من‌ كتابهم‌ عينٌ ولا أثر، ولا من‌ مسجدهم‌ وديارهم‌ إلاّ تلال‌ ورياع‌.

 ثمّ لمّا جلس‌ كورش‌ من‌ ملوك‌ فارس‌علی سرير الملك‌، وكان‌ من‌ أمره‌ مع‌ البابليّين‌ ما كان‌، وفتح‌ بابل‌ ودخله‌ وأطلق‌ أُسراء بابل‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌.

 وكان‌ عزرا المعروف‌ من‌ المقرّبين‌ عنده‌ فأمّره‌ عليهم‌، وأجاز له‌ أن‌ يكتب‌ لهم‌ كتابهم‌ التوراة‌ ويبني‌ لهم‌ الهيكل‌، ويُعيدهم‌ إلی‌ سيرتهم‌ الاُولي‌. وكان‌ رجوع‌ عزرا بهم‌ إلی‌ بيت‌ المقدس‌ سنة‌ أربعمائة‌ وسبعة‌ وخمسين‌ قبل‌ المسيح‌، وبعد ذلك‌ جمع‌ عزرا كتب‌ العهد العتيق‌ وصححها، وهي‌ التوراة‌ الدائرة‌ إلیوم‌. [10]

 الرجوع الي الفهرس

الفاصلة الزمنیة بین أسر الیهود و إعادة کتابة التوراة قرن و نصف القرن

 وأنت‌ تري‌ بعد التدبّر في‌ القصّة‌ أنّ سند التوراة‌ الدائرة‌ إلیوم‌ مقطوعة‌ غير متّصلة‌ بموسي‌ عليه‌ السلام‌ إلاّ بواحد ( وهو عزرا )، لا نعرفه‌ أوّلاً، ولا نعرف‌ كيفيّة‌ اطّلاعه‌ وتعمّقه‌ ثانياً، ولا نعرف‌ مقدار أمانته‌ ثالثاً، ولا نعرف‌ من‌ أين‌ أخذ ما جمعه‌ من‌ أسفار التوراة‌ رابعاً، ولا ندري‌ بالاستناد إلی‌ أي‌ّ مستند صحّح‌ الاغلاط‌ الواقعة‌ أو الدائرة‌ خامساً. [11]

 وقد أعقبت‌ هذه‌ الحادثة‌ المشؤومة‌ أثراً مشؤوماً آخر، وهو إنكار عدّة‌ من‌ باحثي‌ المؤرّخين‌ من‌ الغربيّين‌ وجود موسي‌ وما يتبعه‌، وقولهم‌: إنّه‌ شخصٌ خيإلی‌ّ؛ كما قيل‌ نظيره‌ في‌ المسيح‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ عليهما السلام‌؛ لكنّ ذلك‌ لا يسع‌ لمسلم‌، فإنّ القرآن‌ الشريف‌ يصرّح‌ بوجوده‌ عليه‌ السلام‌ وينصّ عليه‌ ». [12]

 إنّ ما ذكره‌ سماحة‌ الاُستاذ في‌ هذا المجال‌ صحيح‌ وصائب‌، وقصّة‌ كورش‌ وفتح‌ بابل‌ وإطلاق‌ أسري‌ إلیهود وإرسالهم‌ إلی‌ بيت‌ المقدس‌ صحيح‌ بأجمعه‌. أمّا جمع‌ عزرا للتوراة‌ وبناؤه‌ للهيكل‌ ( المسجد الاقصي‌ ) وذهابه‌ إلی‌ هناك‌، فلم‌ يكن‌ بأمر كورش‌، بل‌ بعد وفاة‌ كورش‌ بمدّة‌ طويلة‌ تبلغ‌ ثمان‌ وستّين‌ سنة‌.

 فقد جري‌ أسر بني‌ إسرائيل‌علی يد بخت‌ نصّر في‌ سنة‌ 606 قبل‌ الميلاد، وفتح‌ كورش‌ بابل‌ سنة‌ 538 قبل‌ الميلاد، وكان‌ إلیهود خلال‌ هذه‌ المدّة‌ التي‌ تقرب‌ من‌ سبعين‌ سنة‌ في‌ الاسر.

 أمّا وفاة‌ كورش‌ فقد حصلت‌ في‌ سنة‌ 525 قبل‌ الميلاد، وكانت‌ حركة‌ عزرا من‌ بابل‌ إلی‌ بيت‌ المقدس‌ في‌ سنة‌ 457 قبل‌ الميلاد. ولذلك‌ فإنّ ذهاب‌ عزرا إلی‌ أُورشليم‌ وجمع‌ التوراة‌ كانت‌ أيضاً بعد موت‌ كورش‌ بثمان‌ وستّين‌ سنة‌، أي‌ ما يقرب‌ من‌ سبعين‌ سنة‌.

 ومن‌ هنا، فستكون‌ مائة‌ وتسعاً وأربعين‌ سنة‌ قد مرّت‌ منذ زمن‌ أسر إلیهودعلی يد بخت‌ نصّر الذي‌ حصل‌ في‌ سنة‌ 606 قبل‌ المسيح‌ إلی‌ مجي‌ء عزرا وجمع‌ التوراة‌ وكتابتها وبناء المسجد الاقصي‌ في‌ سنة‌ 457 قبل‌ المسيح‌، أي‌ بفاصلة‌ مائة‌ وخمسين‌ سنة‌، أي‌ مدة‌ قرن‌ ونصف‌ القرن‌.

 وتوضيح‌ هذا المطلب‌: أنّ « قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌ » يقول‌ في‌ أحوال‌ النبيّ دانيال‌: «دانيال‌ ( يعني‌ الله‌ حاكمي‌ ): لقّبه‌ الكلدانيّون‌ بـ بَلْطَشَصَّر. اقتيد إلی‌ بابل‌ أسيراً سنة‌ 606 قبل‌ المسيح‌، وانتُخب‌ مع‌ رفقاءه‌: حنينا وميشائيل‌ وعَزَريا [13] لمحض‌ الإقامة‌ في‌ قصر نبوكد نصّر ( بخت‌ نصّر ).

 ثمّ إنّ بخت‌ نصّر شاهد رؤيا عبّرها له‌ دانيال‌ تعبيراً أظهر امتلاكه‌ لهبة‌ النبوّة‌، فارتفع‌ مقامه‌، وارتقي‌ إلی‌ حكومة‌ بابل‌ ورئاسة‌ سلسلة‌ العلماء والكهنة‌.

 ثمّ إنّ الفرس‌ والمِديّين‌ فتحوا بابل‌، فتربّع‌ داريوش‌ الهخامنشيّعلی العرش‌ بعد بَلْشَصَّر، فأكرم‌ دانيال‌، وعاش‌ دانيال‌ في‌ كنف‌ داريوش‌ إلی‌ أن‌ حانت‌ وفاته‌، وكان‌ يقضي‌ أوقاته‌ جادّاً في‌ الدعاء والصيام‌، وكان‌ يُشيرعلی داريوش‌ بإعادة‌ إلیهود إلی‌ وطنهم‌، فقد حان‌ الزمن‌ الموعود. وانقضي‌ عمره‌علی هذا الامل‌، بَيدَ أ نّه‌ ليس‌ معلوماً أ نّه‌ عاد إلی‌ أُورشليم‌ مرّة‌ أُخري‌ أم‌ لم‌ يعد. فقد بلغ‌ عمره‌ حينذاك‌ ( أي‌ في‌ سنة‌ 536 قبل‌ المسيح‌ ) ثمانين‌ عاماً ».[14]

 الرجوع الي الفهرس

رؤیا لبخت نصر، و تعبیر النبی دانیال

 أمّا رؤيا بخت‌ نصّر وتعبير دانيال‌ المعروف‌، فكانت‌ وفقاً لقول‌ آية‌ الله‌ الشعرانيّعلی النحو التإلی‌:

 « حصل‌ في‌ زمن‌ النبيّ دانيال‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ ـ وكان‌ آنذاك‌ أسيراً في‌ بابل‌ أن‌ شاهد ملك‌ بابل‌ بخت‌ نصّر رؤيا أزعجته‌ وأخافته‌، فأرسل‌ إلی‌ علماء بابل‌ وطلب‌ منهم‌ تعبيراً لرؤياه‌، وقال‌ لهم‌: لقد شاهدتُ رؤيا. وعليكم‌ أن‌ تقصّوا عَلَيّ رؤياي‌ أوّلاً، ثمّ تعبّروها لي‌!

 فقالوا: ليس‌ بإمكان‌ أحد أن‌ يعرف‌ الرؤيا ويعبّرها! أخبرنا برؤياك‌ وسنعبّرها لك‌!

 فغضب‌ بخت‌ نصرّ، وقال‌: إن‌ لم‌ تُخبروني‌ برؤياي‌ قتلتُكم‌ جميعاً!

 فعجزوا، وأمر بخت‌ نصّر بقتلهم‌، فأخذهم‌ السيّاف‌ خارجاً ليقتلهم‌، وكان‌ دانيال‌ فيهم‌، فاستمهله‌ لينفّذ أمر الملك‌، وتضرّع‌ إلی‌ الله‌ تعالی‌ ليكشف‌ له‌ سرّ الملك‌. ثمّ عاد إلی‌ السيّاف‌ وقال‌ له‌: سأُخبر الملك‌ بما طلب‌، فاترك‌ حكماء بابل‌ ولا تقتلهم‌! ثمّ مثل‌ بين‌ يدي‌ الملك‌، وقال‌:

 لقد ذهبتَ إلی‌ فراشك‌ وأنت‌ تفكّر فيما يقوم‌ به‌ أمر هذا العالم‌، ثمّ نمتَ فشاهدت‌ في‌ نومك‌ تمثالاً كبيراً رأسه‌ من‌ الذهَب‌، وصدره‌ وذراعاه‌ من‌ الفضّة‌، وبطنه‌ وفخذاه‌ من‌ النحاس‌ الاصفر، أمّا ساقاه‌ فكان‌ بعضها من‌ الطين‌ وبعضهما الآخر من‌ الحديد! وشاهدتَ أنّ حجراً قد رُمي‌ دون‌ أن‌ يُعرف‌ حجمه‌، فأصاب‌ ساق‌ التمثال‌ فانكسر وتحطّم‌ وتلاشي‌ من‌ رأسه‌ إلی‌ قدميه‌، وأنّ ذلك‌ الحجر الذي‌ أصاب‌ التمثال‌ أضحي‌ جبلاً كبيراً ملا الارض‌ بأسرها! فأقّر بخت‌ نصّر كلامه‌ وصدّقه‌.

 ثمّ قال‌ دانيال‌: وأمّا تعبير رؤياك‌ فهي‌ أنّ كلّ قطعة‌ من‌ التمثال‌ إشارة‌ إلی‌ دولةٍ تصل‌ إلی‌ الحكم‌. فرأس‌ التمثال‌ الذهبيّ فهو دولتك‌. ثمّ ستخلف‌ دولتك‌ دولةٌ أوطأ من‌ الفضّة‌ ثمّ مملكة‌ أوطأ من‌ النحاس‌، ثمّ سينقسم‌ العالم‌ إلی‌ قسمَين‌، كساقَي‌ ذلك‌ التمثال‌. إحداهما قويّة‌ كالحديد، والاُخري‌ ضعيفة‌ كالطين‌. وسيرسل‌ الله‌ تعالی‌ زمن‌ أُولئك‌ الملوك‌ حكومة‌ لا تزول‌ أبداً، ستغلب‌ الدول‌ الباقية‌ وتبقي‌ قائمة‌ أبداً....

 فقال‌ الملك‌ لدانيال‌: الحقّ أنّ إلهك‌ إله‌ الآلهة‌، وإله‌ الملوك‌، وكاشف‌ الاسرار، لا نّك‌ قدرت‌علی كشف‌ هذا السرّ!... ».

 ثمّ يقول‌ آية‌ الله‌ الشعرانيّ: « وقد اختصرنا الرؤيا بعض‌ الشي‌ء، وكما هو معلوم‌ فقد كانت‌ الدولة‌ الاُولي‌ هي‌ دولة‌ بخت‌ نصّر وملوك‌ بابل‌، والدولة‌ الثانية‌ هي‌ دولة‌ الهخامنشيّين‌، والثالثة‌ هي‌ دولة‌ الإسكندر، والرابعة‌ التي‌ انقسمت‌ إلی‌ قسمين‌: القسم‌ الاوّل‌ إيران‌ وكانت‌ من‌ الحديد، والقسم‌ الثاني‌ دولة‌ الروم‌ وكانت‌ من‌ الطين‌.

 أمّا ذلك‌ الحجر الذي‌ حطّم‌ ذلك‌ التمثال‌ ثمّ ملا الارض‌ بأسرها فهو الإسلام‌.

 ولقد كانت‌ لكلّ واحدة‌ من‌ تلك‌ الدول‌ إله‌ خاصّ، وكانت‌ كلّ دولة‌ تصل‌ إلی‌ دفّة‌ الحكم‌ تجعل‌ ذلك‌ الإله‌ الخاصّ إلهاً يعبده‌ الناس‌؛ أمّا دولة‌ الإسلام‌ فحطّمت‌ كلّ الآلهة‌، وقدّمت‌ إلهاً واحداً للجميع‌، وديناً واحداً للجميع‌؛ والانبياء يرون‌ ما يرون‌ مصطبغاً بصبغة‌ دينيّة‌ ». [15]

 الرجوع الي الفهرس

کلام «قاموس الکتاب المقدس» فی کتابة عزرا للتوراة

 جاء في‌ « قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌ »:

 «عَزرا ـ ويعني‌ هذا اللفظ‌ الإعانة‌ والمساعدة‌ هو كاهن‌ العبرانيّين‌ وهاديهم‌ المعروف‌، وكان‌ كاتباً ماهراً للشريعة‌، وعالماً أميناً مقتدراً. ويبدو أ نّه‌ كان‌ يحظي‌ بمكانة‌ ومنزلة‌ جليلة‌ في‌ بلاط‌ سلطان‌ إيران‌. وقد عاصر خلال‌ مدّة‌ عمره‌ ـ البالغة‌ ثمانين‌ سنة‌ أغلب‌ عصر سلطنة‌ كورُس‌ ( كيخسرو )، وجميع‌ زمن‌ سلطنة‌ كمبايسيس‌ و اسمرديس‌ ( أي‌ لُهراسب‌ )، وسلطنة‌ داريوس‌ هستاسپيس‌. ( أي‌ گشتاسب‌ )، وسلطنة‌ زُركْسيس‌ ( أي‌ اسفنديار )، وثمانية‌ أعوام‌ من‌ سلطنة‌ ارتَك‌ زركسيس‌ لانگي‌ مينس‌ ( أي‌ أردشير ذي‌ إلید الطويلة‌ ).

 وقد تسلّم‌ عزرا من‌ هذا الملك‌ الاخير الكتب‌ والاوامر والنقود وما يلزم‌ من‌ الإعانات‌ والمساعدات‌، وتوجّه‌ عائداً إلی‌ أُورشليم‌ في‌ سنة‌ 457 قبل‌ المسيح‌علی رأس‌ جماعة‌ كبيرة‌ من‌ الاسري‌. فقام‌ هناك‌ بإصلاح‌ وتعديل‌ كبير في‌ أُسلوب‌ معاملة‌ القوم‌، كما أصلح‌ عبادة‌ جماعةٍ منهم‌، وقام‌ بتأسيس‌ عدّة‌ كنائس‌ كانت‌ مراسم‌ تلاوة‌ الكتب‌ المقدّسة‌ والدعاء تُقام‌ فيها باستمرار. ويُعتقد عموماً بأ نّه‌ قام‌ بعد هذه‌ الوقائع‌ بتصنيف‌ كتب‌ التواريخ‌ وكتاب‌ عزرا وقسماً من‌ كتاب‌ نحميا.

 كما قام‌ بجمع‌ وتصحيح‌ جميع‌ كتب‌ العهد العتيق‌ التي‌ تشكّل‌ قانوننا المعاصر. واستعان‌ في‌ هذا العمل‌ بـ نَحميا و مَلاكي‌.

 وقد كُتب‌ قدرٌ من‌ كتاب‌ عزرا بالكلدانيّة‌، ويشتمل‌علی تأريخ‌ إلیهود وتأريخ‌ عودتهم‌ منذ زمان‌ كورش‌، ويذكر أعمالهم‌ خلال‌ فترة‌ ستّين‌ سنة‌ التي‌ تلت‌ ذلك‌. وهو حكاية‌ عن‌ الوقائع‌ التي‌ وقعت‌ لغاية‌ سنة‌ 456 قبل‌ المسيح‌ ». [16]

 وفيه‌ أيضاً: « وكان‌ كورس‌ ( الشمس‌ ) مؤسّس‌ سلطنة‌ فارس‌ وفاتح‌ الممالك‌ الاُخري‌. وقد اختاره‌ الله‌ تعالی‌ لتنفيذ المقاصد الخيّرة‌ التي‌ قدّرها لليهود حسبما أخبر النبيّ أشعيا.

 والخلاصة‌ فإنّه‌ كان‌ نَجْل‌ كَمْبُسيس‌ وابن‌ أخ‌ داريوش‌ مِدي‌ سباكْسَرِس‌؛ وقد جمع‌ في‌ شخصه‌ قوّة‌ واقتدار ممالك‌ فارس‌ ومدي‌. أمّا أشهر المدن‌ التي‌ فتحها فكانت‌ بابل‌ التي‌ فتحها سنة‌ 538 قبل‌ المسيح‌. ثمّ إ نّه‌ أمر بعد ذلك‌ بعودة‌ إلیهود بعد أن‌ قضوا في‌ الاسر في‌ بابل‌ مدّة‌ سبعين‌ سنة‌. وأنفق‌ من‌ خزانته‌ الخاصّة‌ أموالاً طائلة‌ في‌ أمر إعادتهم‌.

 وكان‌ دانيال‌ حينذاك‌ في‌ بيت‌ المجانين‌ الذي‌ بناه‌ كورس‌، وكان‌ كورس‌ قد فارق‌ الحياة‌ متأثّراً بجرح‌ أصابه‌ سنة‌ 525 قبل‌ المسيح‌ ».[17]

 أجل‌، فقد اتّضح‌ من‌ مجموع‌ ما أوردنا في‌ هذا المجال‌ أنّ عودة‌ أسري‌ بني‌ إسرائيل‌ إلی‌ أُورشليم‌ قد حصلت‌ مرّتين‌، الاُولي‌ في‌ عصر كورش‌ بعد سبعين‌ سنة‌ من‌ أسرهم‌ في‌ بابل‌، حيث‌ أعادهم‌ كورش‌. وكان‌ النبي‌ّ دانيال‌ في‌ بابل‌ حينذاك‌، وكان‌ له‌ من‌ العمر آنذاك‌ ثمانون‌ سنة‌، ولم‌ يرجع‌ دانيال‌ معهم‌. أمّا عزرا فأدرك‌ قدراً من‌ سلطنة‌ كورس‌، ولم‌ يرجع‌ إلی‌ أُورشليم‌ مع‌ الاسري‌ المهاجرين‌.

 والمرّة‌ الثانية‌ في‌ زمن‌ أردشير بعد الواقعة‌ الاُولي‌ بثمانين‌ سنة‌، وقد حصلت‌ هذه‌ الهجرة‌ بقيادة‌ عزرا لجماعة‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ بأمرٍ من‌ أردشير ذي‌ إلید الطويلة‌ وبمعونة‌ مإلیة‌ ومساعدةٍ منه‌.

 وقد أدرك‌ عزرا المذكور قدراً من‌ سلطنة‌ كورس‌ وجميع‌ سلطنة‌ لهراسب‌ وگشتاسب‌ وإسفنديار وأردشير. وقد حصلت‌ هذه‌ الهجرة‌ بعد مائة‌ وخمسين‌ سنة‌ من‌ حملة‌ بخت‌ نصّرعلی أُورشليم‌ وخراب‌ بيت‌ المقدس‌ والهيكل‌ وفقدان‌ التوراة‌ وصندوقها.

 ولو اعتبرنا ـ وفقاً لكلام‌ هؤلاء المؤرّخين‌ أنّ فقدان‌ التوراة‌ وخراب‌ الهيكل‌ قد حصلت‌ خلال‌ الهجوم‌ الثاني‌ لبخت‌ نصّر سنة‌ 586 قبل‌ الميلاد، فيكون‌ قد انقضي‌ مائة‌ وثلاثون‌ سنة‌ إلی‌ وقت‌ عودة‌ عزرا وكتابة‌ التوراة‌ سنة‌ 457 قبل‌ الميلاد.

 وكان‌ هذا تحقيقاً تفضّل‌ به‌ سماحة‌ الاُستاذ حول‌ عدم‌ حجّيّة‌ التوراة‌ واعتبارها، وقد أوردناه‌ مع‌ قدرٍ من‌ التفصيل‌.

 أمّا المادّة‌ التي‌ كانت‌ عليها تلك‌ التوراة‌ التي‌ كانت‌ في‌ صندوقٍ ثمّ فُقدت‌، أكانت‌ هي‌ الالواح‌ الزمرّديّة‌ التي‌ أنزلها الله‌ تعالی‌علی النبي‌ّ موسي‌ في‌ جبل‌ الطور بعد ميعاد أربعين‌ ليلة‌؟ أم‌ أ نّها استُنسخت‌علی تلك‌ التوراة‌ ثمّ جُعلت‌ في‌ صندوق‌؟ فإنّ هذا ليس‌ موضع‌ تفصيل‌ ذلك‌ وبيانه‌.

 كان‌ هذا بياناً في‌ عدم‌ كون‌ التوراة‌ قطعيّة‌ الصدور، حيث‌ تبيّن‌ بحمد الله‌ بجلاء أنّ التوراة‌ الفعليّة‌ ليست‌ إلاّ خبر واحداً غير مسند، يفتقر إلی‌ الاعتبار والقيمة‌ العلميّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لیس هناک سبیل غیر القرآن لإثبات وجود المسیح و إنجیله الحقیقی

 أمّا في‌ شأن‌ الإنجيل‌، فقد ذُكر أ نّه‌ كالتوراة‌ غير قطعيّ الصدور، ولسماحة‌ الاُستاذ كلام‌ في‌ تفسيره‌ تحت‌ عنوان‌ « قصّة‌ المسيح‌ والإنجيل‌ »، نورده‌ هنا:

 « إلیهود مهتمّون‌ بتأريخ‌ قوميّتهم‌ وضبط‌ الحوادث‌ الظاهرة‌ في‌ الاعصار التي‌ مرّت‌ بهم‌، ومع‌ ذلك‌ فإنّك‌ لو تتبّعتَ كتبهم‌ ومسفوراتهم‌ لم‌ تعثـر فيهاعلی ذكـر المسـيح‌ عيسـي‌ ابن‌ مريـم‌ عليه‌ السـلام‌، لاعلی كيفيّة‌ ولادته‌، ولاعلی ظهوره‌ ودعوته‌، ولاعلی سيرته‌ والآيات‌ التي‌ أظهـرها الله‌علی يديه‌، ولاعلی خاتمة‌ حياته‌ من‌ موتٍ أو قتلٍ أو صلب‌ أو غير ذلك‌.

 فما هو السبب‌ في‌ ذلك‌؟ وما هو الذي‌ أوجب‌ خفاء أمره‌ عليهم‌ أو إخفائهم‌ أمره‌؟

 والقرآن‌ يذكر عنهم‌ أ نّهم‌ قذفوا مريم‌ ورموها بالبُهتان‌ في‌ ولادة‌ عيسي‌، وأ نّهم‌ ادّعوا قتل‌ عيسي‌؛ قال‌ تعالی‌:

 وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَي‌' مَرْيَمَ بُهْتَـ'نًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَي‌ ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـ'كِن‌ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُـوا فِيهِ لَفِي‌ شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم‌ بِهِ مِـنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَـاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. [18]

 فهل‌ كانت‌ دعواهم‌ تلك‌ مستندة‌ إلی‌ حديثٍ دائر بينهم‌ كانوا يذكرونه‌ بين‌ قصصهم‌ القوميّة‌ من‌ غير أن‌ يكون‌ مودعاً في‌ كتاب‌؟ وعند كلّ أُمّةٍ أحاديث‌ دائرة‌ من‌ واقعيّات‌ وأساطير لا اعتبار بها ما لم‌ تنتهِ إلی‌ مآخذ صحيحة‌ قويمة‌.

 أو أ نّهم‌ سمعوا من‌ النصاري‌ الذِّكر المكرّر من‌ المسيح‌ وولادته‌ وظهوره‌ ودعوته‌، أخذوا ذلك‌ من‌ أفواههم‌ وباهتوا مريم‌، وادّعوا قتل‌ المسيح‌؟

 لا طريقَ إلی‌ استبانة‌ شي‌ءٍ من‌ ذلك‌؛ غير أنّ القرآن‌ ـ كما يظهر بالتدبّر في‌ الآية‌ السابقة‌ لا ينسب‌ إلیهم‌ صريحاً إلاّ دعوي‌ القتل‌ دون‌ الصلب‌، ويذكر أ نّهم‌علی ريب‌ من‌ الامر، وأنّ هناك‌ اختلافاً! ( هذه‌ هي‌ نظريّة‌ إلیهود حول‌ المسيح‌ ).

 الرجوع الي الفهرس

الإنجیل الأصلی غیر موجود، و الأناجیل الأربعة من تألیف أفراد

 وأمّا حقيقة‌ ما عند النصاري‌ من‌ قصّة‌ المسيح‌ وأمر الإنجيل‌ والبشارة‌، فهي‌ أنّ قصّته‌ عليه‌ السلام‌ وما يتعلّق‌ بها تنتهي‌ عندهم‌ إلی‌ الكتب‌ المقدّسة‌ عندهم‌، وهي‌ الاناجيل‌ الاربعة‌، التي‌ هي‌ أناجيل‌ مَتَّي‌ و مُرقُس‌ ولوقا ويوحَنّا، وكتاب‌ أعمال‌ الرسل‌ للوقا، وعدّة‌ رسائل‌ لبولس‌ وبطرس‌ ويعقوب‌ ويوحنّا ويهوذا، واعتبار الجميع‌ ينتهي‌ إلی‌ اعتبار الاناجيل‌، فلنشتغل‌ بها:

 أمّا إنجيل‌ متّي‌: فهو أقدم‌ الاناجيل‌ في‌ تصنيفه‌ وانتشاره‌؛ وذكر بعضهم‌ أ نّه‌ صُنّف‌ سنة‌ 38 الميلاديّة‌؛ وذكر آخرون‌ أ نّه‌ كُتب‌ ما بين‌ سنة‌ 50 إلی‌ سنة‌ [19]60؛ فهو مؤلَّف‌ بعد المسيح‌.

 والمحقّقون‌ من‌ قدمائهم‌ ومتأخّريهم‌علی أ نّه‌ كان‌ أصله‌ مكتوباً بالعبرانيّة‌، ثمّ تُرجم‌ إلی‌ إلیونانيّة‌ وغيرها، أمّا النسخة‌ الاصليّة‌ العبرانيّة‌ فمفقودة‌، وأمّا الترجمة‌ فلا يُدري‌ حالها، ولا يُعرَف‌ مترجمها. [20]

 وأمّا إنجيل‌ مرقس‌: فمرقس‌ هذا كان‌ تلميذاً لبطرس‌، ولم‌ يكن‌ من‌ الحواريّين‌؛ وربّما ذكروا أ نّه‌ إنّما كتب‌ إنجيله‌ بإشارة‌ بطرس‌ وأمره‌، وكان‌ لا يري‌ إلهيّة‌ المسيح‌. [21]

 ولذلك‌، ذكر بعضهم‌ أ نّه‌ إنّما كتب‌ إنجيله‌ للعشائر وأهل‌ القري‌ فعرّفَ المسيح‌ تعريف‌ رسولٍ إلهيّ مبلّغٍ لشرائع‌ الله‌[22]؛ وكيف‌ كان‌ فقد كتب‌ إنجيله‌ سنة‌ 61 ميلاديّة‌.

 وأمّا إنجيل‌ لوقا: فلوقا هذا لم‌ يكن‌ حواريّاً ولا رأي‌ المسيح‌، وإنّما تلقّن‌ النصرانيّة‌ من‌ بولس‌؛ وبولس‌ كان‌ يهوديّاً متعصّباًعلی النصرانيّة‌ يؤذي‌ المؤمنين‌ بالمسيح‌ ويقلّب‌ الاُمور عليهم‌، ثمّ اتّفق‌ مفاجأةً أن‌ ادّعي‌ أ نّه‌ صرع‌، وفي‌ حال‌ الصرع‌ لمسه‌ المسيح‌ ولامه‌ وزجره‌ عن‌ الإساءة‌ إلی‌ متّبعيه‌، وأ نّه‌ آمن‌ بالمسيح‌ وأرسله‌ المسيح‌ ليبشّر بإنجيله‌.

 وبولس‌ هذا هو الذي‌ شيّد أركان‌ النصرانيّة‌ الحاضرة‌علی ما هي‌ عليها[23]؛ فبني‌ التعليم‌علی أنّ الإيمان‌ بالمسيح‌ كافٍ في‌ النجاة‌ من‌ دون‌ عمل‌، وأباح‌ لهم‌ أكل‌ الميتة‌ ولحم‌ الخنزير، ونهي‌ عن‌ الختنة‌ وكثير ممّا في‌ التوراة‌، مع‌ أنّ الإنجيل‌ لم‌ يأتِ إلاّ مصدّقاً لما بين‌ يديه‌ من‌ التوراة[24]‌، ولم‌ يُحلِّل‌ إلاّ أشياء معدودة‌.

 وبالجملة‌، إنّماجاء عيسي‌ ليقوّم‌ شريعة‌ التوراة‌ ويردّ إلیها المنحرفين‌ والفاسقين‌ لا ليُبطل‌ العمل‌ ويقصر السعادة‌علی الإيمان‌ الخإلی‌.

 وقد كتب‌ لوقا إنجيله‌ بعد إنجيل‌ مرقس‌، وذلك‌ بعد موت‌ بطرس‌ وبولـس‌، وقد صرّح‌ بأنّ إنجيله‌ ليـس‌ كتاباً إلهاميّاً كسـائر الاناجيل‌[25]  كما يدلّ عليه‌ ما وقع‌ في‌ مبتدأ إنجيله‌.

 وأمّا إنجيل‌ يوحنّا: فقد ذكر كثير من‌ النصاري‌ أنّ يوحنّا هذا هو يوحنّا بن‌ زبدي‌ الصيّاد، أحد التلاميذ الاثني‌ عشر ( الحواريّين‌ )، الذي‌ كان‌ يحبّه‌ المسيح‌ حبّاً شديداً.[26]

 وذكروا أنّ شيرينطوس‌ وأبيسون‌ وجماعتهما لمّا كانوا يرون‌ أنّ المسيح‌ ليس‌ إلاّ إنساناً مخلوقاً لا يسبق‌ وجوده‌ أُمّه‌، اجتمعت‌ أساقفة‌ آسيا وغيرهم‌ في‌ سنة‌ 96 ميلاديّة‌ عند يوحنّا والتمسوا منه‌ أن‌ يكتب‌ ما لم‌ يكتبه‌ الآخرون‌ في‌ أناجيلهم‌، ويبيّن‌ بنوع‌ خصوصيّ لاهوت‌ المسيح‌، فلم‌ يسعه‌ أن‌ يُنكر إجابة‌ طلبهم‌. [27]

 وقد اختلفت‌ كلماتهم‌ في‌ السنة‌ التي‌ ألّف‌ فيها هذا الإنجيل‌، فمن‌ قائلٍ إنّها سنة‌ 65، وقائلٍ إنّها سنة‌ 96، وقائلٍ إنّها سنة‌ 98.

 وقال‌ جمعٌ منهم‌ إنّه‌ ليس‌ تإلیف‌ يوحنّا التلميذ، [28] فبعضهم‌علی أ نّه‌ تإلیف‌ طالب‌ من‌ طلبة‌ المدرسة‌ الإسكندريّة[29]‌؛ وبعضهم‌علی أنّ هذا الإنجيل‌ كلّه‌ وكذا رسائل‌ يوحنّا ليست‌ من‌ تصنيفه‌، وإنّما صنّفه‌ بعضهم‌ في‌ ابتداء القرن‌ الثاني‌ ونسبه‌ إلی‌ يوحنّا ليعتبره‌ الناس‌[30]؛ وبعضهم‌علی أنّ إنجيل‌ يوحنّا كان‌ في‌ الاصل‌ عشرين‌ باباً، فألحقت‌ كنيسة‌ أفاس‌ الباب‌ الحادي‌ والعشرين‌ بعد موت‌ يوحنّا. [31]

 فهذه‌ حال‌ هذه‌ الاناجيل‌ الاربعة‌. وإذا أخذنا بالقدر المتيقّن‌ من‌ هذه‌ الطرق‌ انتهت‌ إلی‌ سبعة‌ رجال‌ هم‌: متّي‌، مرقس‌، لوقا، يوحنّا، بطرس‌، بولس‌، يهوذا، ينتهي‌ ركونهم‌ كلّه‌ إلی‌ هذه‌ الاناجيل‌ الاربعة‌، وينتهي‌ الاربعة‌ إلی‌ واحد هو أقدمها وأسبقها وهو إنجيل‌ متّي‌، وقد مرّ أ نّه‌ ترجمة‌ مفقود الاصل‌ لا يُدري‌ مَن‌ الذي‌ ترجمه‌، وكيف‌ كان‌ أصله‌، وعلي‌ ماذا كان‌ يبني‌ تعليمه‌، أبرسالة‌ المسيح‌ أم‌ بأُلوهيّته‌؟

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

إرجاعات


[1] ـ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[2] ـ الآية‌ 14، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[3] ـ جاء في‌ «قاموس‌ كتاب‌ مقدّس‌» مادّة‌ «موسي‌» ص‌ 849: موسي‌ بمعني‌ المُنتشَل‌ من‌ الماء. و في‌ ص‌ 853: ولا يعلم‌ أحد حتّي‌ الآن‌ موضع‌ قبر موسي‌.

[4] ـ وهي‌ سفر الخليقة‌، وسفر الخروج‌، وسفر الاحبار، وسفر العدد، وسفر الاستثناء، (التعليقة‌).

[5] ـ وهي‌ كتاب‌ يوشع‌، وكتاب‌ قضاة‌ بني‌ إسرائيل‌، وكتاب‌ راعوث‌، والسفر الاوّل‌ من‌ أسفار صموئيل‌ والثاني‌ منها، والسفر الاوّل‌ من‌ أسفار الملوك‌، والثاني‌ منها، والسفر الاوّل‌ من‌ أخبار الايّام‌، والسفر الثاني‌ منها، والسفر الاوّل‌ لعزرا، والثاني‌ له‌، وسفر إستير، (التعليقة‌).

[6] ـ وهي‌ كتاب‌ الامثال‌، وكتاب‌ الجامعة‌، وكتاب‌ تسبيح‌ التسابيح‌، (التعليقة‌).

[7] ـ وهي‌ كتاب‌ نبوّة‌ أشعيا، وكتاب‌ نبوّة‌ أرميا، ومراثي‌ أرميا، وكتاب‌ حزقيال‌، وكتاب‌ نبوّة‌ دانيال‌، وكتاب‌ نبوّة‌ هوشع‌، وكتاب‌ نبوّة‌ يوبيل‌، وكتاب‌ نبوّة‌ عاموص‌، وكتاب‌ نبوّة‌ عويذيا، وكتاب‌ نبوّة‌ يونان‌، وكتاب‌ نبوّة‌ ميخا، وكتاب‌ نبوّة‌ ناحوم‌، وكتاب‌ نبوّة‌ حيقوق‌، وكتاب‌ نبوّة‌ صفونيا، وكتاب‌ نبوّة‌ حجي‌، وكتاب‌ نبوّة‌ زكريا، وكتاب‌ نبوّة‌ ملاخيا، (التعليقة‌).

[8] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 3، ص‌ 337 و 338.

[9] ـ جاء في‌ تعليقة‌ المعلّق‌ علي‌ كتاب‌ «تاريخ‌ تمدّن‌ اسلام‌ وعرب‌» (= تاريخ‌ حضارة‌ الاءسلام‌ والعرب‌» ص‌ 12، المقدّمة‌، الطبعة‌ الثانية‌: «تقع‌ مدينة‌ بابل‌ بالقرب‌ من‌ نهري‌ دجلة‌ والفرات‌ التي‌ تدعي‌ حاليّاً بالعراق‌ العربيّة‌. ويبلغ‌ امتدادها مائة‌ ميل‌. وكانت‌ قد أُحيطت‌ بسور ارتفاعه‌ ثلاثة‌ أمتار، وعرضه‌ بهذا المقدار، بحيث‌ كانت‌ العجلات‌ التي‌ تجرّها أربعة‌ خيول‌ تعبر من‌ فوقه‌ بيُسر. والملك‌ الذي‌ بني‌ مدينة‌ بابل‌ هو نمرود، وزمنه‌ يرجع‌ إلي‌ 2235 قبل‌ الميلاد. وتقع‌ عاصمة‌ بابل‌ في‌ الموضع‌ الذي‌ تحتلّه‌ مدينة‌ الحلّة‌ الحاليّة‌».

 وقد ورد في‌ «قاموس‌ كتاب‌ مقدّس‌» (= قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌) مادّة‌ «بابل‌»، ص‌ 150 إلي‌ 155 بحث‌ مفصّل‌ عن‌ تأريخ‌ هذه‌ المدينة‌، ويتلخّص‌ في‌ أنّ هذه‌ المدينة‌ قد بُنيت‌ قبل‌ نمرود، وكانت‌ علوم‌ النحت‌ علي‌ الحجارة‌ والحياكة‌ والهيئة‌ والنجوم‌ قد بلغت‌ أوجها في‌ مدينة‌ بابل‌. وقد حكمها نمرود ابن‌ كوش‌ والكوشيّون‌ مدّة‌ سبعين‌ سنة‌. وكانوا يعبدون‌ الاصنام‌، وكانوا يعبدون‌ الاجرام‌ السماويّة‌ ويصنعون‌ لها تماثيل‌ متعدّدة‌ ذكوراً وإناثاً. ثمّ أعقب‌ العربُ الكوشيّين‌ في‌ حكم‌ تلك‌ المنطقة‌. ثمّ هاجم‌ الآشوريّون‌ العرب‌ فاحتلّوها. ومن‌ سلاطين‌ الآشوريّين‌ نَبوپُلَصَر، ثمّ أعقبه‌ ابنه‌ نبوكد نصّر.

 وكانت‌ بابل‌ أعظم‌ مدينة‌ في‌ العالم‌، ولم‌ يكن‌ لها مثيل‌ أو نظير. ولا تدانيها في‌ سعتها وامتدادها أيّة‌ مدينة‌ من‌ المدن‌ الكبري‌ في‌ عالمنا الحاضر. وقد عدّها المؤرّخون‌ (لجنائنها المعلّقة‌) إحدي‌ عجائب‌ الدنيا السبع‌. وقد تقدّمت‌ فيها صناعة‌ النسـيج‌ القماشيّ إلي‌ حدٍّ كان‌ الروميّـون‌ معه‌ يفتخرون‌ بارتدائهـم‌ أقمشـة‌ بابل‌. قيل‌ إنّ في‌ قصر الاءمبراطـور نيرون‌ قطعة‌ قماش‌ معلّقـة‌ قد نقشـت‌ فيها الصـور المختلفة‌، وقد قـدّرت‌ قيمتهـا بـ « 32300 ليـرة‌ إنجليزيّة‌».

 وكانت‌ نساء البابليّين‌ يتزيننّ بجميع‌ أنواع‌ الزينة‌، ويرتدين‌ أفخر الالبسة‌، ويعشنَ في‌ منتهي‌ الرفاهيّة‌ والراحة‌. بَيدَ أنّ ترفهم‌ الزائد وإفراطهم‌ في‌ المنكرات‌ جرّهم‌ إلي‌ الفساد، فأضحت‌ فتياتهم‌ هزيلات‌ نحيلات‌، وأدْمَنّ علي‌ المسكرات‌. وبذلك‌ راج‌ فيهم‌ الوقاحة‌ وفقدان‌ الحياء، فاستكبروا. والخلاصة‌ فإنّ الفسق‌ والفجور شاعا بين‌ ساكني‌ هذه‌ المدينة‌ حتّي‌ بين‌ فتياتهم‌، فكانوا يبيعون‌ الفتيات‌ في‌ الاسواق‌ ويدفعون‌ بنسائهم‌ الجليلات‌ إلي‌ أعمال‌ الفسق‌ والزنا والتبرّج‌، فكنّ يتصيّدن‌ الرجال‌ بكلّ حيلة‌. حتّي‌ جفّت‌ الانهار والقنوات‌ وامتلات‌ منابع‌ المياه‌. ثمّ تعرّضوا لهجوم‌ الاعداء الذين‌ أعملوا فيهم‌ السيف‌، فلم‌ يبق‌ من‌ تلك‌ المدينة‌ المُدمّرة‌ الكبيرة‌ إثر التخريب‌ والقتل‌ والغارات‌ من‌ أثر إلاّ تلال‌ ترابيّة‌ وأطلال‌ تلك‌ الابنية‌ العالية‌ والقصور المشيّدة‌.

[10] ـ يقول‌ العلاّمة‌ في‌ التعليقة‌: «مأخوذة‌ من‌ قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌ تأليف‌ مستر هاكس‌ الامريكانيّ الهمدانيّ ومآخذ أُخري‌ من‌ التواريخ‌».

[11] ـ يقول‌ أحمد أمين‌ المصري‌ّ في‌ كتاب‌ «يوم‌ الاءسلام‌» ص‌ 157:

«وحتّي‌ المحايدون‌ من‌ المسيحيّين‌ اعترضتهم‌ شبهات‌ كثيرة‌ علي‌ الاءسلام‌، منها أ نّهم‌ رأوا خلافاً بين‌ القرآن‌ والتوراة‌ من‌ جهة‌، وأحياناً نقصاً في‌ القرآن‌ عمّا ورد في‌ التوراة‌ من‌ جهة‌ أُخري‌. والجواب‌ عن‌ المسألة‌ الاُولي‌ أنّ المسلمين‌ يعتقدون‌ أنّ التوراة‌ حدث‌ فيها بعض‌ التحريف‌، وقد أيّد ذلك‌ الباحثون‌ من‌ العلماء في‌ الكتاب‌ المقدّس‌، وإذا كان‌ هناك‌ اختلاف‌ بين‌ القرآن‌ والتوراة‌ فلم‌ يكون‌ الصحيح‌ هو التوراة‌ والخطأ هو القرآن‌ ولا يكون‌ العكس‌؟ وأمّا المسألة‌ الثانية‌ فالتوراة‌ تعرّضت‌ لكثير من‌ المسائل‌ التي‌ هي‌ من‌ صميم‌ التأريخ‌ علي‌ حين‌ أنّ القرآن‌ لم‌ يتعرّض‌ إلاّ للمسائل‌ التي‌ هي‌ موضع‌ العِظَة‌ والاعتبار فقط‌، فلا يهمّهم‌ إن‌ كان‌ النبي‌ّ عمّر كم‌ سنة‌ أو نحو ذلك‌. علي‌ هذا كان‌ أُسلوب‌ القرآن‌ أوقع‌، لا نّه‌ كتاب‌ دين‌ لا كتاب‌ تأريخ‌».

[12] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 3، ص‌ 339 إلي‌ 341.

[13] ـ ينبغي‌ العلم‌ بأنّ عَزريا هو غير عَزْرا.

[14] ـ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» تأليف‌ جيمز هاكس‌، ترجمة‌ دانيال‌، مقتطفات‌ من‌ ص‌ 366 و 367.

[15] ـ «راه‌ سعادت‌» (= نهج‌ السعادة‌) ص‌ 179 و 180، الطبعة‌ الاُولي‌.

[16] ـ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» تأليف‌ جيمز هاكس‌، كلمة‌ (عزرا)، ص‌ 609 و 610.

[17] ـ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» كلمة‌ (كورس‌)، ص‌ 743.

[18] ـ الآيتان‌ 156 و 157، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[19] ـ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» للمستر هاكس‌؛ مادّة‌ (متّي‌)، (التعليقة‌).

[20] ـ كتاب‌ «ميزان‌ الحق‌». واعترف‌ به‌ علي‌ تردّد في‌ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌»، (التعليقة‌).

[21] ـ نقل‌ ذلك‌ عبد الوهّاب‌ النجّار في‌ «قصص‌ الانبياء» عن‌ كتاب‌ «مروج‌ الاخبار في‌ تراجم‌ الاخيار» لبطرس‌ قرماج‌، (التعليقة‌).

[22] ـ ذكره‌ في‌ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌»، يقول‌ فيه‌: إنّ نصّ تواتر السلف‌ علي‌ أنّ مرقس‌ كتب‌ إنجيله‌ برومية‌، وانتشر بعد وفاة‌ بطرس‌ وبولـس‌، لكنّه‌ ليس‌ له‌ كثير اعتبار، لانّ ظاهر إنجيله‌ أ نّه‌ كتبه‌ لاهل‌ القبائل‌ والقرويّين‌ لا لاهل‌ البلاد وخاصّةً الروميّة‌؛ فتدبّر في‌ كلامه‌! (التعليقة‌).

[23] ـ راجع‌ مادّة‌ «بولس‌» من‌ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌»، (التعليقة‌).

[24] ـ راجع‌ كتاب‌ «أعمال‌ الرسل‌» و«رسائل‌ بولس‌»، (التعليقة‌).

[25] ـ قال‌ في‌ أوّل‌ إنجيل‌ لوقا: «لاجل‌ أنّ كثيرين‌ راموا كتب‌ قصص‌ الاُمور التي‌ نحن‌ بها عارفون‌ كما عهد إلينا أُولئك‌ الاوّلون‌ الذين‌ كانوا من‌ قبل‌ معاينين‌ وكانوا خدّاماً للكلمة‌، رأيتُ أنا أيضاً إذ كنت‌ تابعاً لكلّ شي‌ء بتحقيق‌ أن‌ أكتب‌ إليك‌ أيـّها العزيز ثاوفيلا».

 ودلالته‌ علي‌ كون‌ الكتاب‌ نظريّاً غير إلهامي‌ّ ظاهرة‌. وقد نقل‌ ذلك‌ أيضاً عن‌ مسـتر كدل‌ في‌ «رسالة‌ الاءلهام‌». وصرّح‌ جيروم‌ أنّ بعض‌ القدماء كانوا يشكّون‌ في‌ البابين‌ الاوّلين‌ من‌ إنجيل‌ لوقا، وأ نّهما ما كانا في‌ نسخة‌ فرقة‌ مارسيوني‌.

 وجزم‌ إكهارن‌ في‌ كتابه‌ ص‌ 95 أن‌ من‌ ف‌ 43 إلي‌ 47 من‌ الباب‌ 22 من‌ إنجيل‌ لوقا ملحقة‌. وذكر إكهارن‌ أيضاً في‌ ص‌ 61 من‌ كتابه‌: قد اختلط‌ الكذب‌ الروائيّ ببيان‌ المعجزات‌ التي‌ نقلها لوقا، والكاتب‌ ضمّه‌ علي‌ طريق‌ المبالغة‌ الشاعريّة‌، لكنّ تمييز الصدق‌ عن‌ الكذب‌ في‌ هذا الزمان‌ عسير، وقول‌ كلي‌ مي‌ شيس‌ إنّ متّي‌ ومرقس‌ يتخالفان‌ في‌ الكتابة‌، وإذا اتّفقا ترجّح‌ قولهما علي‌ قول‌ لوقا. نُقل‌ عن‌ «قصص‌ الانبياء» للنجّار ص‌ 477، (التعليقة‌).

[26] ـ راجع‌ «قاموس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» مادّة‌ (يوحنّا)، (التعليقة‌).

[27] ـ نقله‌ في‌ «قصص‌ الانبياء» عن‌ جرجس‌ زوين‌ الفتوحيّ اللبنانيّ في‌ كتابه‌، (التعليقة‌).

[28] ـ يوحنّا المسيحيّ هو أحد حواريي‌ّ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ الاثني‌ عشر. وقيل‌: هو أفضـلهم‌. وجاء في‌ «قامـوس‌ الكتاب‌ المقدّس‌» مادّة‌ (يوحـنّا) ص‌ 965: «حين‌ سـقط‌ المسيح‌ بيد اليهود، كان‌ يوحنّا وبطرس‌ هما اللذين‌ تبعا المسيح‌، أمّا التلامذة‌ الآخرون‌ فلاذوا بالفرار. ويوحنّا هو الذي‌ كان‌ حاضراً عند صلب‌ المسيح‌».

[29] ـ نقل‌ ذلك‌ من‌ كتاب‌ «كاتُلِك‌ هرالد» في‌ الجزء السابع‌ المطبوع‌ سنة‌ 1844، ص‌ 205، نقله‌ عن‌ استادلن‌ عن‌ القصص‌ (أي‌ «قصص‌ الانبياء»)، وأشار إليه‌ في‌ القاموس‌ في‌ مادّة‌ «يوحنّا»، (التعليقة‌).

[30] قال‌ ذلك‌ برطشنيدر علي‌ ما نقل‌ عن‌ كتاب‌ «الفاروق‌» الجزء الاوّل‌، (عن‌ القصص‌)،

[31] ـ قال‌ ذلك‌ برطشنيدر علي‌ ما نقل‌ عن‌ كتاب‌ «الفاروق‌» الجزء الاوّل‌، (عن‌ القصص‌)، (التعليقة‌)

 الرجوع الي الفهرس

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com