|
|
وضع أمیر المؤمنین لعلم النحو، و تعلیمه لأبی الأسود الدؤلیوقال عن خطّ القرآن الكريم وإعرابه: « وكان القرآن الكريم يُستنْسَخ في زمن النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم وفي القرنين الاوّل والثاني للهجرة بالخطّ الكوفيّ. وكان الإبهام في الخطّ الكوفيّ ـ كما سبق ذكره ـ يستلزم ظهور نظام للحفظ والرواية والقراءة. ومع ذلك فلم يُحَلّ إشكال الإبهام بصورة كاملة، وكان الحفّاظ والرواة وحدهم يتمكّنون من تلفّظ القرآن تلفّظاً صحيحاً، ولم يكن في ميسور كلّ أحد أن يفتح المصحف ويتلو منه بقراءة صحيحة. ولهذا السبب فقد قام أبو الاسود الدؤليّ [1] وهو من أصحابعلی عليه السلام بإرشادٍ منه عليه السلام بتدوين قواعد اللغة العربيّة في أواخر القرن الاوّل الهجريّ.[2] ثمّ جري تنقيط حروف القرآن بأمرٍ من عبد الملك الخليفة الامويّ[3]، فزال بذلك إبهام الخطّ إلی حدٍّ ما.[4] إلاّ أنّ مشكل الإبهام عموماً لم ينحلّ كلّيّاً حتّي قام الخليل بن أحمد [5] النحويّ المعروف، وهو واضع علم العروض، بوضع أشكال لكيفيّات تلفّظ الحروف: المدّ، التشديد، الفتحة، الكسرة، الضمّة، السكون، التنوين المنضمّ إلی أحد الحركات الثلاثة، الرَّوْم، الإشمام؛ وبهذا النحو ارتفع إبهام التلفّظ، وكان يُشار قبل ذلك بمدّة [6] إلی حركات الحروف بوضع نقطة، فكانوا يضعون بدلاً من الفتحة نقطةعلی بداية الحرف؛ وبدلاً من الكسرة نقطة أسفل بداية الحرف؛ وبدلاً من الضمّة نقطةعلی آخر الحرف، وكان ذلك باعثاًعلی المزيد من الإبهام ». [7] وقال عن جمع القرآن الكريم في مُصحَف ( القرآن قبل ارتحال النبيّ ): « كان القرآن الكريم ينزل سورةً فسورة، وآيةً فآية، وكانت شهرته وصِيته يزدادان يوماً بعد يوم بين العرب بسبب بلاغته وفصاحته الخارقتين، فقد كان العرب حينذاك يُولون عناية فائقة ببلاغة الكلام وفصاحته، فاستهوتهم بلاغة القرآن وفصاحته حتّي كانوا يأتون إلی النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم من المناطق النائية لسماع عدّة آيات قرآنيّة وتعلّمها. وكان كبار مكّة ومتنفّذوها من عبدة الاصنام ومن الاعداء الالدّاء للدعوة الإسلاميّة، وكانوا يزجرون الناس ما استطاعوا عن الاقتراب من النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم ويخوّفونهم من الاستماع إلی القرآن بذريعة أنّ القرآن سحر يُؤثَر؛ إلاّ أنّ البعض كانوا مع ذلك كلّه يتسلّلون في ظُلمة الليل متستّرين عن بعضهم وعن أقاربهم وموإلیهم، فيجلسون قرب بيت النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم ويستمعون إلی القرآن الذي يتلوه النبيّ.[8] وكان المسلمون بطبيعة الحال يبذلون قصاري جُهدهم في تعلّم السور والآيات القرآنيّة وحفظها في غاية الجدّ، فهم ـ من جهة يعدّون القرآن كلام الله تعالی والمصدر الوحيد الذي يأخذون عنه عقائد دينهم، كما أنّ عليهم ـ من جهة أُخري أن يقرأوا في فريضة الصلاة سورة الحمد وقدراً من سائر القرآن، ومن جهة ثالثة فإنّ النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم كان مأموراً بتعليمهم القرآن وأحكام الإسلام. [9] وكان هذا النهج يزداد انتظاماً بعد هجرة النبيّ الاكرم إلی المدينة وتأسيسه مجتمعاً إسلاميّاً مستقلاّ. فقد كُلّف عدد كبير من أصحاب النبيّ بأمرٍ منه بالإنصراف إلی قراءة القرآن وتعليمه، وإلی تعلّم وتعليم الاحكام الإسلاميّة التي كانت تتكامل في نزولها كلّ يوم، حتّي بلغ الامر حدّاً أُعفي معه ذلك العدد من الاشتراك في الحرب والجهاد. [10] جمع القرآن الکریم فی مصحف واحد قبل ارتحال الرسول الأکرمولمّا كان أكثر أصحاب النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، وعلي الاخصّ أُولئك الذين هاجروا من مكّة إلی المدينة، أُمّيّين لا يعرفون القراءة والكتابة، فقد أمر النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم بالاستفادة من الاسري لتعلّم الكتابة، وكانت حينذاك بسيطة وسهلة، فوُجد بذلك جماعة تعرف القراءة والكتابة. وقد دُعي الذين اشتغلوا بقراءة القرآن وحفظ سوره وآياته بالقُرّاء؛ وقد استُشهد من القرّاء في وقعة بِئر مَعونة أربعون رجلاً أو سبعون رجلاً. [11] وكان ما نزل من القرآن الكريم وما ينزل منه تدريجيّاً يُكتبعلی الالواح وسعف النخيل وعظام أكتاف الإبل ونظائر ذلك. علی أنّ ممّا لايشوبه الشكّ ولا يمكن إنكاره، هو أنّ أكثر السور القرآنيّة كانت معروفة ومتداولة بين المسلمين قبل ارتحال النبيّ الاكرم. وقد تردّدت أسماء هذه السور في عشرات ومئات الاحاديث عن طريق أهل السنّة والشيعة في وصف دعوة النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم أو أصحاب النبيّ قبل ارتحال النبيّ، وفي وصف الصلوات التي صلاّها النبيّ وسيرته في تلاوة القرآن. كما تردّدت بكثرة أسماء مجاميع من هذه السور التي كانت متداولة في صدر الإسلام، كالسور الطِّوال، و المئين، و المثاني، و المفصّلات، وذلك في الاحاديث التي تحكي زمن حياة النبيّ الاكرم ». [12] وقال أيضاً في موضوع جمع القرآن الكريم في مصحف واحد ( بعد ارتحال النبيّ ): « وبعد ارتحال النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله، فقد عمد علی عليه السلام إلی الانزواء في بيته، وكان أعرف الناس بالقرآن الكريم حسب النصّ القطعيّ وتصديق النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله؛ فجمع القرآن في مصحف واحد حسب ترتيب النزول. ولم تنقضِ ستة أشهرعلی ارتحال النبيّ، حتّي فرغ من عمله هذا، ثمّ حمل المصحف الذي دوّنهعلی بعير وجاء به إلی الناس فعرضه عليهم [13]. ثمّ وقعت حرب إلیمامة بعد مرور سنة واحدة وعدّة أشهر[14] من ارتحال النبيّ، فقُتل فيها من القرّاء سبعون نفراً، فخشي الخليفة من إمكان نشوب حرب أُخري للمسلمين يُقتل فيها باقي القرّاء، فيضيع القرآن إثر ضياع حملته، ففكّر في جمع سور القرآن وآياته في مصحف واحد. وقد شرع جماعة من قرّاء الصحابة، حسب أمر الخليفة، يتصدّرهم الصحابيّ زيد بن ثابت، بجمع السور والآيات القرآنيّة التي كانت مدوّنةعلی الالواح وسعف النخيل في بيت النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم بخطّ كتّاب الوحي، أو لدي قرّاء الصحابة، فوضعوها في مصحف واحد، وأرسلوا من ذلك المصحف نُسخاً إلی الاطراف والاكناف. ثمّ حصل بعد مدّة، زمن خلافة الخليفة الثالث[15]، أن أُعلم الخليفة بوقوع اختلافات إثر تساهل الناس عند استنساخ القرآن وقراءته، وأنّ ذلك ممّا يهدّد بحصول تحريف وتغيير في كتاب الله تعالی.[16] فأصدر الخليفة أمراً ـ تلافياً لهذا الخطر باستعارة المصحف الذي دوّن لاوّل مرّة بأمر الخليفة الاوّل، وأودع عند حفصة ـ زوجة النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم وابنة الخليفة الثاني وأمر خمسة نفر من قرّاء الصحـابة ومنهـم زيـد بن ثابـت متصـدّي جـمـع المصـحـف الاوّل، بأن يستنسخوا منه عدّة نسخ تكون مرجعاً يُرجع إلیه عند استنساخ سائر النسخ. ثمّ أمر بجمع المصاحف التي كانت في أيدي الناس في الولايات المختلفة، وإرسالها إلی المدينة. وكان ما يصل إلی المدينة من هذه المصاحف يُحرق بأمر الخليفة ( أو يُغلي في الماء حسب نقل بعض المؤرّخين ). ثمّ إنّ النسخ التي استُنسخت جري توزيعها، فجُعل أحدها في المدينة، وأرسل بنسخة منها إلی مكّة، ونسخة إلی الشام، ونسخة إلی الكوفة، ونسخة إلی البصرة. وقيل إنّ نسخة أُخري ـ عدا هذه النسخ الخمس قد أُرسلت إلی إلیمن، وإنّ نسخة أُخري أُرسلت إلی البحرين. وكانت هذه النسخ تُدعي بـ « المصحف الإمام » وتجعل أصلاً لسائر النُّسخ. أمّا الاختلافات الموجودة بين هذه النُّسخ مع المصحف الاوّل في الترتيب، فتنحصر في أنّ سورة براءة كانت في المصحف الاوّل بين المئين، وأنّ سـورة الانفال كانت بين المثاني؛ أمّا في « المصـحف الإمام » فقد وُضعت سـورتَي الانفال، وبراءة في مكان واحد بين سـورة الاعراف وسورة يونس » [17]. اهتمام المسلمین بأمر القرآن الکریمكما قال في موضوع اهتمام المسلمين بأمر القرآن الكريم: « لقد سبقت الإشارة إلی أنّ السور والآيات القرآنيّة كانت في أيدي عامّة المسلمين عند جمع القرآن للمرّة الاُولي والمرّة الثانية، وأنّ المسلمين كانوا جادّين في صيانة وحفظ ما كان في أيديهم من القرآن. مضافاً إلی أنّ طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين من قارئي القرآن الذين لم يكن من عمل لهم سوي قراءة القرآن، لمّا جُمع القرآن في مصحف واحد تحت أنظار الجميع ووُضع بين أيديهم، قد قبلوا به بأجمعهم واستنسخوا منه لانفسهم، ولم يصدر منهم اعتراض في شأنه. وقد حصل في الجمع الثاني للمصحف زمن عثمان أ نّهم أرادوا كتابة الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ[18]، فأرادوا إلقاء الواو، فقال لهم الصحابيّ أُبيّ بن كعب [19] مهدّداً: لتلحقنّها أو لاضعنَّ سيفيعلی عاتقي! فألحقوها. وقرأ الخليفة الثاني [20] زمن خلافته يوماً آية: وَالسَّـ'بِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـ'جِرِينَ وَالاْنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـ'نٍ [21]، فلم يُلحق الواو في وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـ'نٍ؛ فخاصموه حتّي ألزموه بقراءتها مع الواو. أمّا علی عليه السلام، فمع أ نّه كان قد جمع القرآن الكريم حسب ترتيب النزول ثمّ عرضهعلی القوم فلم يقبلوا به، ومع أ نّهم لم يُشرِكوه في جمـع القـرآن في كـلا المرّتيـن، إلاّ أ نّه مـع ذلـك كلّه لـم يُبدِ مخـالفة أو اعتراضاً، وقَبِل بالمصحف الدائر، ولم يذكر اعتراضاً عليه طوال حياته، حتّي في زمن خلافته. كما أنّ أئمّة أهل البيت، وهم أوصياءعلی وبنوه، لم يذكروا شيئاً يقلِّل من اعتبار القرآن الكريم، حتّي لخاصّة شيعتهم؛ وكانوا يستشهدون به باستمرار في كلامهم، ويأمرون شيعتهم باتّباع قراءة الناس. [22] ويمكن القول بجرأة بأنّ سكوت عليّ عليه السلام،علی الرغم من أنّ المصحف المعهود يختلف عن مصحفه في الترتيب، كان منبعثاً عن أمر أنّ مذاق أهل البيت يتمثّل في تفسير القرآن بالقرآن، وهو منهج لا يؤثّر عليه كيفيّة ترتيب السور والآيات المكّيّة والمدنيّة قياساً إلی المقاصد العإلیة للقرآن الكريم، حيث ينبغي خلال تفسير كلّ آية، أن يؤخذ بنظر الاعتبار مجموع الآيات القرآنيّة، لانّ الكلام العالميّ الخالد ينبغي ألاّ يؤثِّر في عموم مقاصده ومطالبه خصائص الزمان والمكان وحوادث زمن النزول التي تدعي بأسباب النزول. أجل، لمعرفة هذه الخصوصيّات فوائد عديدة من قبيل إيضاح تأريخ نشوء المعارف والاحكام والقصص الجزئيّة المقارنة للنزول، ولكيفيّة تقدّم الدعوة الإسلاميّة خلال مدّة ثلاث وعشرين سنة تمثّل عصر البعثة، ونظائر ذلك، إلاّ أنّ صيانة الوحدة الإسلاميّة ( التي كانت هدفاً دائميّاً لائمّة أهل البيت ) هي أهمّ من هذه الفوائد الجزئيّة » [23]. یجب أن تکون کتابة القرآن مطابقة لموازین المتقدمینويستنتج من مجموع ما ذُكر، أنّ هذا القدر من الاهتمام الاكيد بحفظ القرآن وحفظ سوره وآياته، بل كلماته وحروفه، نابع من أمر أنّ القرآن الكريم بحروفه وكلماته كان معجزة ووحياً سماويّاً، وكان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم بوجوده المقدّس ونفسه النفيسة مهتمّاً بهذا الامر بدوره، وكان يعلِّم المسلمين ذلك. وقد ضمن الله تعالی بنفسه ـ أوّلاً ـ صون القرآن الكريم، فوعد بجملة: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ[24] بأ نّه سيحفظه إلی يوم القيامة من التغيير والتبديل والتحريف. وصار من الواجب الحتميّعلی المسلمين ـ ثانياً ـ أن يبذلوا اهتماماً كبيراً بأمر كتابته واستنساخه وطبعه، وأن يجتهدوا في أمر صحّته بحيث لا يطرأ في أمر كتابته أو طبعه خطأ أبداً؛ وأن يكون المتصدّون لكتابته وطبعه من المتبصّرين والخبراء والعارفين بعلم القرآن وكتابته وقراءته، ليهتمّوا باقتفاء النهج الذي سلكه أسلافنا في حفظ هذا الكتاب السماويّ وكتابته وتدوينه، وأن يراعوا التعبّد في الكتابة إلی الحدّ الذي راعاه الاسلاف، حيث كتبوا لفظ نعمة في إحدي السور، كالسورة 2: البقرة، الآية 211 بالتاء المدوّرة طبقاً للقواعد: نِعْمَةَ اللَهِ، وكتبوا في موضع آخر من نفس السورة ( الآية 231 ) بالتاء الطويلة تعبّداً للسلف: نِعْمَتَ اللَهِ، وكتبوه في السورة 3: آل عمران، الآية 103، بالتاء الطويلة: نِعْمَتَ اللَهِ، بينما كتبوه في موضعَينِ آخرين من نفس السورة، وهما الآية 171 والآية 174، بالتاء المدوّرة: بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَهِ. وكتبوه في السورة 14: إبراهيم، الآية 6: نِعْمَةَ اللَهِ، وكتبوه في الآيتين 28 و34 من نفس السورة بلفظ نِعْمَتَ اللَهِ. وعلي من يتصدّي للكتابة والطبع أن لا يتخطّي هذا النهج، وعليهم أن لا يكتبوا هذه الالفاظ وفقاً لذوقهمعلی كيفيّةٍ واحدة، إذ إنّ هذا الامر يعدّ مهمّاً يبيّن أمانة المسلمين في كتابة ألفاظ القرآن وعدم تحريفها منذ زمن خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله وسلّم وإلی زمننا هذا. ومع الاسف فإنّ هذا المعني لم تجرِ مراعاته في نسخ القرآن التي طُبعت في إيران قديماً، أ مّا نسخ القرآن طبع السلطان عبد الحميد بخطّ الحافظ عثمان، ونسخ القرآن التي طبعتها وزارة أوقاف العراقعلی نسخة بخطّ الخطّاط الحاجّ الحافظ محمّد أمين رشدي، وأصلها نسخة أهدتها أُمّ السلطان عبد العزيز إلی مقبرة الجنيد البغداديّ، ونسخة القرآن التي طبعتها وزارة الإرشاد الإسلاميّ في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وفق نسخة قرآن سوريّ موافق لطبعة مصحف المدينة المنوّرة، والتي اشترك في تصحيحها وطبعها لجنة كبيرة، فقد رُوعيت فيها هذه النكات، وعلي الاخصّ في القرآن الاخير الذي اشتملعلی مزايا لم تتوفّر في النوعين الاوّلين، فقد ورد في هذا القرآن آية وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَـ'هَا بِأَيْيدٍ بهذه الكيفيّة، أمّا في نُسختَي القرآن السابقتَين فقد ورد بلفظ بِأَيْدٍ بياء واحدة. وقد ورد في النسخ الثلاث عبارة لإ إلَی الْجَحِيمِ [25]، وعبارة لاَاوْضَعُوا خِلَـ'لَكُمْ [26] بدون ألف زائدة. أمّا لاَاذْبَحَنَّهُ[27]، فقد وردت في النسخ الثلاث بألف زائدة. ويُحتمل أنّ المصحِّحين والمسؤولين شاهدوا العبارتَين السابقتَين في المصاحف القديمة بدون ألف زائدة، وشاهدوا لفظ لاَاذْبَحَنَّهُ وحده بألف زائدة، فدوّنوهعلی نفس الكيفيّة. والخلاصة، فإنّ علينا ـ نحن الناطقون بالفارسيّة ـ ألاّ ندوّن ألفاظ القرآن وفق التلفّظ الذي نستخدمه في لغتنا. فعلينا ـ مثلاً ـ ألاّ نكتب ألفاظ إسحـ'ق، إبر هيم، رحمـ'ن، إسمـ'عيل، أُولئك، ملـ'ئكة بألـف ممـدودة، لانّ ذلك يمثل خطأ في رسم الحروف العربيّة، لانّ الفتحة وإشباعها التي ينجم منها حرف الالف هما شيء واحد. لذا ينبغي عند رسم الحروف القرآنيّة أن تدوّن بتلفّظ الفتحة. ومن حسن الحظّ أنّ هذا المعني قد لُوحظ في نُسخ القرآن الذي طبع في إيران مؤخّراً. وعلي المصنّفين أن يؤلّفوا كتبهم وفق طريقة كتابة هذا القرآن، وأن يجتنبوا كتابة ألفاظ رحمان وإسحاق وإسماعيل وغيرها. كما ينبغي أن يكون القرآن المطبوع عارياً عن أيّ ملحق أو زينة، وأن لا يُكتب في حواشي صفحاته مطالباً من التفاسير وشأن نزول الآيات. ونتساءل: ما معني أن يكتب البعض في القسم العلويّ من صفحات القرآن ألفاظ « خوب » ( = جيّد ) و « بد » ( = سيِّيء )؟! إنّ ضمّ شجرة عائلة صاحب المكتبة، ورسالة في تعليم التجويد إلی المصحف هو خطأ ينبغي تركه. وينبغي أن يدوّن كشف الآيات وكشف المطالب في ملحق منفصل، كما يجب أن تُطبع ترجمة القرآن في كرّاس منفصل أيضاً. وخلاصة القول، أنّ القرآن هو الكتاب الوحيد القطعيّ الصدور، فينبغي ألاّ تضمّ إلیه مطالب غير قطعيّة. ينبغي أن يُدوّن القرآن دون أيّ مُلحق أو مطلب إضافيّ، وأن يُتليعلی تلك الكيفيّة. ولكن، ومع بالغ الاسف، فإنّ نسخ القرآن القديمة التي تُطبع في هذه الانحاء قد أُلحق بها من الإضافات والزيادات ما يمكن أن يبلغ في سُمكه بقدر سمك القرآن. وما أشبه ذلك بقول السنائيّ الذي وصف دين رسول الله بقوله: دين تو را از پي آرايشند وز پي آرايش و پيرايشند بسكه ببستند بر او برگ و ساز گر تو ببيني نشناسيش باز [28] فتوی العلامة الطباطبائی فی تحریم طبع ملحق مع القرآن الکریمجاء في خاتمة كتاب « اسلام و احتياجات واقعي هر عصر » ( = الإسلام والمتطلّبات الواقعيّة لكلّ عصر من العصور ) تإلیف سماحة الاُستاذ آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه العزيز مجموعة استفتاءات قدّمتها لسماحته مجلّة « مكتب اسلام » ( = مدرسة الإسلام ) حول هذه الاُمور، فأجاب سماحته عليها وختم أسفلها بتوقيعه. ونورد تلك الاسئلة والاجوبة حرفيّاً لجدارتهما بالتأمّل: «سؤال: أقْدَم بعض الناشرينعلی ضمّ سلسلة من الاشكال باسم طِلسم مع كلام الله في بعض المصاحف التي طُبع أكثرها في إيران، وطبعوها سويّةً وعرضوها للبيع. فهل يوجد سند صحيح لهذه الاشكال والطلاسم أم لا؟ الجواب: ليس هناك أساساً سند صحيح لهذه الاشكال والطلاسم، سواء ضُمّت إلی القرآن وطُبعت معه، أم لم تُضمّ. وليس هناك أيّ دليل وفقاً للموازين الدينيّةعلی صحّة تلك الاُمور. سؤال: يُذكر للنظر والتطلّع لكلّ واحد من هذه الاشكال والطلاسم، سلسلة خواصّ عجيبة تُنسب بأجمعها إلی النبيّ الاكرم وأئمّة الهدي صلوات الله عليهم أجمعين، فما هو نظركم بشأن هذه الآثار والفوائد؟! الجواب: بعض المزايا التي نُقلت عن النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله ] وسلّم [ وأئمّة الهدي عليهم السلام للنظر إلی هذه الاشكال مُختلقة وكاذبة، مثل ما ذكر بشأن النظر إلی ختم النبوّة وأمثال ذلك؛ والبعض الآخر ليس له سند. سؤال: ما هو رأي الشرع الانور في رسم صور النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم وأئمّة الهدي عليهم السلام بالكيفيّة المُشاهدة، وضمّها إلی القرآن، وفي ضمّ الاشكال والطلاسم المذكورة أعلاه، وفي ضمّ تقويم شهر محرّم وتقويم للـ « نوروز »؟ الجواب: إنّ رسم صور تخيّليّة للنبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله ] وسلّم [ ولائمّة الهدي عليهم السلام وضمّها إلی القرآن، وكذلك إلحاق سلسلة روايات خرافيّة، مثل رواية « أنّ مَن ينظر إلی ختم النبوّة يُكتب له ثواب يعادل ثواب ألف ألف حِجّة من حجّات رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم »، أو أنّ شخصاً لو نظر إلی الشكل الفلانيّ، غُفر له جميع ذنوبه، وأُعطي الشفاعة لاُمّة محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم؛ هو ممّا يؤدّي إلی هتك حرمة القرآن الكريم، وهو محرّم. كما أنّ إلحاق سلسلة أشكال باسم طلاسم وغيرها بالقرآن الكريم ـ مع الالتفات إلی ما ذُكر أعلاه من فقدان هذه الاُمور لادني سند ودليل لا يخلو من كونه هتكاً للحرمة. وعلي الفرد المسلم ـ أساساً ـ أن لا ينسي هذه النكتة أو يغفل عنها، وهي أنّ هذا الكتاب السماويّ المطهّر الذي يدعي بكلام الله وبالقرآن الكريم، هو السند الوحيد لمعارف الإسلام الاصليّة والفرعيّة، وهو السند الحيّ للنبوّة، وهو كرامة واعتبار ستمائة مليون مسلم في أرجاء العالم. وبلحاظ هذه النكتة، فإنّ وجدان الفرد المسلم لن يسمح له مُطلقاً بأن يُلحق بالقرآن كتاباً آخر ـ ولو اشتمل ذلك الكتابعلی مطالب حقّة فيجعله في عرض القرآن، وينشره في المجتمع؛ ناهيك عن أمثال تقويم شهر محرّم وتقويم النوروز، و أحكام الكسوف والخسوف، التي يُنظر إلیها في عالمنا المعاصر نظر سخريّة واستهزاء. وأسوأ من ذلك ضمّ الاشكال والرسوم الخرافيّة والصور التخيّليّة إلی القرآن الكريم، حيث إنّ ذلك يمثّل إهانة إلی مكانة كلام الله واعتباره. أمّا الناشرون المحترمون الذين يرغبون في نشر بعض المطالب الحقّة، كتأريخ أولياء الدين، وكتب العقائد الدينيّة، وتجويد القرآن وقراءته، في ظلّ نشـر القرآن الكريم، فيمكنهم أن يطبعـوها ويجلّدوها بصورة منفصلة، ويقدّمونها إلی المراجعين مع القرآن الكريم. محمّد حسين الطباطبائيّ ويمكن العثورعلی مثل هذه التصرّفات في كتب الاخبار والتواريخ والتفاسير، حيث يجهل أولئك المتصرّفون بخطأ هذا العمل ومجانبته للصواب. حرمة التصرف فی کلام الآخرین و التلاعب فی مؤلفاتهم و تواقیعهموأساساً فإنّ التصرّف في خطّ الغير وكتابته وإنشائه، أو في كلامه أو إمضائه هو أمر محرّم. وليس للمرء حقّ في فصل مطلب ما عن كتاب معيّن وطبعه مستقلاّ، ولو طَبَعه باسم المؤلّف، لانّ المؤلِّف قد أ لَّف كتاباً كاملاً ونشره من حيث المجموع، فتكون تجزئة ذلك الكتاب دون موافقة المؤلِّف محرّمةً. كما أنّ حقّ التإلیف أمر خاصّ بالمؤلّف، وليس لاحدٍ ـ شرعاً أيّ حقّ في أن يطبع وينشر كتاب شخص آخر. وقد بحث الحقير الجوانب الشرعيّة لهذه المسألة في رسالة مختصرة. وينبغي أن يكون اسم الكتاب المطبوع، وكيفيّة الطبع وترجمة الكتاب بإجازة المؤلِّف، وإلاّ عُدّ ذلك سرقةً. وممّا يُثير العجب، أنّ كتاباً قد طُبع باسم « استراتژي زن در اسلام » ( = استراتيجيّة المرأة في الإسلام ) للعلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ، وقد طُبعتعلی غلاف الكتاب صورة مرسومة باهتة لامرأة، من الرسوم المتداولة في هذه الايّام! وكان الكتاب بالفارسيّة، وقد اشتريتُه وطالعتُه، فوجدت أنّ الإنشاء هو نفس إنشاء سماحة الاُستاذ العلاّمة، لكنّني تعجّبت كثيراً من تسميته ومن شكله الهيولائيّ التخيّليّ للمرأةعلی غلاف الكتاب الذي لا ينسجم أبداً مع مذاق الاُستاذ. ثمّ حصل ان جاء الاُستاذ إلی طهران في آخر سنة من حياته، فمكث فيها أربعة أشهر، فدار الحديث بيننا يوماً عن هذا الكتاب، فأظهر تعجّبه الزائد، وقال: إنّني لم أكتبُ هكذا كتاب! قلتُ: إنّ الكتاب موجود في منزلي، وسآتي به. ثمّ جئتُ بالكتاب في إلیوم التإلی وسلّمته لسماحته، فاحمرّ وجهه من شكل الكتاب واسمه ووضعه، وقال: دعه عندي لاُطالعه. ثمّ اتّضح أنّ شخصاً يُدعي... وحاله واسمه معروفان، قد جزّأ مقالةً في الحقوق والموازين كانت قد أُلِّفت مع مقالات أُخري في مكانٍ واحد، ثمّ طبع تلك المقالة بتلك الكيفيّة الرديئة ونشرها دون أن يُطلع العلاّمة أبداًعلی عمله. وقد ألّف الحقير كتاباً باسم «لَمعات الحسين عليه السلام»، وأوصيت فيه بأنّ من المناسب أن تدوّن خُطب الإمام وكلماته ومواعظه التي وردت في هذا الكتاب مع نفس ترجمتهاعلی لافتات فتُنصب في المجالس الحسينيّة والتكايا والجامعات وقاعات الاجتماعات وأمثالها، ليؤدّي ذلك إلی استفادة المسـتمعين ـ مضافاً إلی الاستفادة السـمعيّة من خلال مشاهدة هذه الآثار العجيبة، فتحلّق أرواحهم في الاُفق الرحيب لافكار سيّد الشهداء عليه السلام الشاملة الباعثةعلی الحياة. ثمّ شوهد بعد ذلك أنّ البعض قد قام بتقطيع بعض الكلمات، وتغيير ترجمتها، ثمّ طبعهاعلی قطع قماشيّة جعلها في هيئة أعلام، وكتب في أسفلها: من كتاب « لمعات الحسين » القيّم! أفليس من الخطأ نسبة هذه المطالب إلی هذا الكتاب، حين تختلف ترجمتها عن ترجمة كتاب « اللمعات » وحين تُجزّأ عبارات الخطب وتُورد منتخبات منها؟! وحين يشاء هؤلاء أن يكتبوا ما يشاؤون، فعليهم أن لا يضعوا عليه اسم كتاب « اللمعات ». أو عليهم أن يكتبوا ـعلی أقلّ تقدير ـ: اقتباس من « لمعات الحسين عليه السلام ». وإلاّ عُدّ ذلك كذباً منهم، فالكذب له أقسام وأنواع. ولقد ألّف المرحوم المحدِّث القمّيّ: الحاجّ الشيخ عبّاس، كتاباً باسم « مفاتيح الجنان »، وهو كتاب جامع وشامل في الادعية والزيارات. وبغضّ النظر عن عدد من السور القرآنيّة التي انتخبها ووضعها في بداية الكتاب ـ وهو عمل غير صائب [29] فإنّ الكتاب يُعدّ في مجموعه كتاباً نافعاً. وقد جري بعد وفاة ذلك المرحوم طبع هذا الكتاب ونشره في أكثر من خمسين شكلاً وهيئة، فقد طُبع في هيئة كتاب سميك مع الترجمة، وطبع بدون ترجمة، وباسم « كلّيّات مفاتيح الجنان »، و « منتخب المفاتيح »، و « المفاتيح مع حديث الكساء »، وبضمّ بعض سور القرآن التي لم يضمّها المرحوم... إلی آخره، حيث إنّ من المؤكّد أنّ روح ذلك المرحوم تلعن مثل هذه التصرّفات. أفيمكن ـ بلحاظ الشرع ـ العثورعلی سبيلٍ صحيح لمثل هذه التصرّفات؟ کلام المرحوم المحدث القمی فی أضرار التصرف فی عبارات الآخرینيقول المحدِّث القمّيّ في « المفاتيح »[30] بعد شرح مبسوط في أضرار التصرّف في الادعية وفي عبارات الآخرين، وانتقاد دعاء حُبَّي المُختلق، والزيارة المَفْجَعَة: « فتجد ـ مثلاً ـ كتابي الفارسيّ المسمّي «منتهي الآمال» المطبوع حديثاً قد عبث فيه الكاتب بما يلائم ذوقه وفكره، ومن نماذج ذلك أنّ الكاتب دسّ كلمة الحمد للّه في أربعة مواضع خلال سطرَين من الكتاب، فقد كتب في حال مالك بن يُسر اللعين أ نّه قد شُلّت يداه بدعاء الحسين عليه السلام الحمد للّه، فكانتا في الصيف كخشبتَين يابستَين الحمد للّه، وفي الشتاء يتقاطر منهما الدم الحمد للّه، فكان عاقبة أمره خُسراً الحمد للّه. ودسّ أيضاً في بعض المواضع كلمة « خانم » ( = السيّدة ) عقيب اسم زينب وأُم كلثوم تجليلاً لهما واحتراماً. وكان الكاتب مُعادياً لحميد بن قَحْطَبة، فحرّف اسمه إلی حميد بن قَحْبَة، ثمّ احتاط احتياطاً فأشار في الهامش إلی أنّ في بعض النُّسخ حميد بن قحطبة. واستصوب أن يكتب الاسم عبد الله عوض عبد رَبِّه؛ والاسم زَحْر بن قيس وبالحاء المهملة التزم أن يسجّله بالجيم أينما وجده؛ وخطّأ كلمة أُمّ سلمة، فسجّلها أُمّ السلمة؛ إلی غير ذلك ». ثمّ قال المرحوم المحدِّث القمّيّ: « والغاية التي توخّيتُها بعرض هذه النماذج من التحريف، هي بيان أمَرين: أوّلاً: نلاحظ هذا الكاتب أ نّه لم يُجرِ ما أجراه من الدسّ والتحريف، إلاّ وهو يزعم بفكره وذوقه أنّ في الكتاب نقصاً يجب أن يُزال، وليس النقص والوهن إلاّ ما يُجريه من التحريف. فلنقسْعلی ذلك الزيادات التي يبعثنا الجهلعلی إضافتها... ولنُلاحظ ثانياً الكتاب الذي تكلّمنا عنه، ] فـ [ إنّه كتاب لمؤلّف حيّ يُراقب كتابه ويترصّد له، يجري فيه من التحريف والتشويه نظائر ما ذكرتُ، فكيف القياس في سائر الكتب والمؤلّفات، وكيف يجوز الاعتمادعلی الكتب المطبوعة إلاّ إذا كانت من المؤلّفات المشهورة للعلماء المعروفين، وعُرضتْعلی علماء الفنّ فصدّقوها وأمضوها ». [31] كما أنّ المرحوم المحدِّث القمّيّ ـ الذي يُعدّ في ضبط وثبت ونقل الحديث والتأريخ بدقّة متناهية خرّيت الفنّ ومن نوادر مُعاصرينا الاجلاّء يقول في مقدّمة كتابه الشريف « نفس المهموم في مُصيبة أبي عبد الله الحسين المظلوم عليه السلام »: « فلو شاء أحد نقل فائدة أو مطلب عن هذا الكتاب، فلا ينقلنّ عنه بلا واسطة ولا إشارة، وعليه أن يذكر اسم هذا الكتاب أوّلاً، فيذكر أ نّه ينقل عن « نفس المهموم »؛ ذلك أنّي أحبّ أن يُعَدّ هذا الكتاب الشريف من كتب المقاتل، وأن يذكر أصحابُ المنابر هذا الداعي، ولا ينسونه في دعائهم ». [32] ثمّ قال: عَلَی أَ نَّهُ قَدْ وَصَلَ عَنِ السَّلَفِ قَدِيماً: أَنَّ اسْتِرَاقَ الفَوَائِدِ عِنْدَ أُولِي الكَمَالِ أَفْظَعُ مِنَ اسْتِرَاقِ ذَخَائِرِ المَالِ. وَغَيْرَتِهِمْ عَلَی بَنَاتِ الاَفْكَارِ كَغَيْرَتِهِمْ عَلَی البَنَاتِ الاَبْكَارِ. وَمَنْ كَذَبَ كُذِّبَ؛ وَمَنْ سَرَقَ عُذِّبَ». [33] وقد كان أُستاذنا في النجف الاشرف في الفقه والاُصول ـ سماحة شيخ الفقهاء والمجتهدين، العلاّمة الثاني: آية الله العظمي الشيخ حسين الحلّيّ أعلي الله تعالی درجته يوصينا بقوله: لا تُلقوا بالاً إلی نقل الاقوال، حتّي تعثروا بأنفسكمعلی المصدر الذي نُقل القول منه، فترونه عياناً! ولقد شاهدنا بأنفسنا، حين كنّا نُراجع كتاباً ما لنتحقّق عمّا نُقل عنه من قول أو مطلب، أنّ حوإلی سبعين في المائة من الاقوال المنقولة لا تطابق الواقع. وعلي كلّ حال، فلنرجع إلی الحديث في إعجاز القرآن وكونه عربيّاً، فنذكر كلاماً لسماحة الاُستاذ آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله مضجعه المُنيف، فقد وُجِّه إلیه السؤال التإلی: « لماذا عُدّت اللغة العربيّة من لوازم الإيمان والاعتقاد بالإسلام؟ وهل تجب قراءة القرآن والصلاة وغيرها بالعربيّة أم بأيّ لغة أُخري؟». [34] فقال في الإجابة: « نظراً لانّ القرآن الكريم يمتلك إعجازاً من جهة ألفاظه ( كما يمتلك إعجازاً من جهة معانيه )، فإنّ لفظه العربيّ يجب أن يُحفظ. وحفظ كون الصلاة عربيّةً يتلخّص في وجوب القراءة فيها لقدرٍ من القرآن الكريم ( سورة الحمد مع سورة أُخري ) في كلّ ركعة. ومن جهة أُخري، فإنّ الآيات والاخبار، التي هي السند الاساس للدين، قد جاءت بالعربيّة. وهذا هو السبب في اهتمام المسلمين باللغة العربيّة ». [35] کلام حکیم للعلامة فی إعجاز القرآن الکریموقال العلاّمة: « وأمّا إعجاز القرآن الكريم في بيانه، فمع أنّ أُسلوب القرآن الخارق للعادة كان من سنخ اللغة العربيّة في عصر فصاحة الاُمّة العربيّة وبلاغتها، حيث كان أشبه بشعلة ساطعة اختصّت بالعرب دون غيرهم؛ وأنّ هذه اللغة قد تعرّضت في عصر الفتوحات الإسلاميّة في القرن الاوّل الهجريّ إلی اختلاط باللغات الاجنبيّة، ممّا أدّي في نهاية الامر إلی فقدان لغة المخاطبة العربيّة ـ شأنها شأن سائر اللغات رونقها السابق، وإلی ابتعادها وتغرّبها عن إشراقها وروعتها. بَيدَ أنّ القرآن الكريم ليس مُعجزاً في أُسلوبه اللفظيّ فحسب، بل إنّ جهاته المعنويّة ـ كجهاته اللفظيّة معجزة، وهو يتحدّي مَن لا يؤمن به بتلك الجهات جميعاً. وبالنظر إلی هذه الاُمور، فإنّ من يمتلك إلماماً ومعرفة باللغة العربيّة، ومن يمتلك تتبّعاً في النظم والنثر العربيّين، لا يسـعه أبـداً أن يشكّ في أنّ لغة القرآن هي لغة فصيحة جميلة ومحبّبة يقف إدراك الإنسان مبهوتاً أمام روعتها، وتتحيّر الالسن عن وصفها. فلغة القرآن ليست شعراً ولا نثراً، بل هي أُسلوب يفوق أُسلوب الشعر والنثر، له جاذبيّة تفوق جاذبيّة الشعر، وسلاسة تفوق سلاسة النثر. وحين توضع آية من القرآن أو جملة منه في خطبة من خطب البلغاء والفصحاء السابقين أو المؤلّفين المعاصرين، لكانت كالمصباح المشرق في ديجور الظلام، ولبدا غيرها أمامها هزيلاً لا يرقي إلی مرتبتها »[36]. وقال: القرآن معجزة.[37] من المسلّم أنّ العربيّة لغة مُقتدرة واسعة يمكنها بيان مقاصد الإنسان والتعبير عن إحساساته الداخليّة بأدقّ وجهٍ وأجلاه؛ وليس هناك لغة أُخري تناظر العربيّة في هذا المجال. والتأريخ شاهدعلی أنّ عرب الجاهليّة ـ قبل الإسلام، وكان أغلبهم يقيمون في الخيام محرومين من تقإلید المدنيّة ومن معظم مزايا الحياة كان لهم مقام عظيم في قدرة البيان وبلاغة الكلام، بحيث لا يوجد في صفحات التأريخ من ينافسهم في هذا المجال أبداً. وكان للكلام الفصيح البليغ منزلاً لا يدانيه منزل في المحافل الادبيّة العربيّة، فكان العرب يجلّون الكلام الجميل الادبيّ كثيراً، وكانوا يعلّقون الاشعار الرائعة التي تستحوذعلی القلوب التي يُنشدها الشعراء المبرّزونعلی جدار الكعبة بنفس الاحترام الذي ينصبون فيه أصنامهم وآلهتهم في الكعبة. وعلي الرغم من ذلك الشمول والسعة للّغة العربيّة؛ وعلي الرغم من تفوّق العرب في فصاحتهم وبلاغتهم بحيث كانوا يستعملون قوانينها الدقيقة وإشاراتها دون أدني زلل، وبحيث كانوا يبدعون في استعمال الالفاظ الجزلة العذبة الجميلة، إلاّ أنّ الآيات القرآنيّة الكريمة التي كانت تنزلعلی النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم فيتلوها بدورهعلی الناس، قد أحدثت، ومنذ الا يـّام الاولي، ضجّة كبيرة في أوساط العرب وخطبائهم ومتكلّميهم، واستحوذ بيان القرآن الجذّاب المحبّب ذي المحتوي الكبيرعلی مجامع القلوب، وبهر أصحاب الالباب بحيث أنساهم كلّ كلامٍ سواه فأنزلوا ـ من ثمّ الاشعار النضرة الرائعة لاساتذة الفصاحة ( المعلّقات ) من أستار الكعبة. وحقّاً فإنّ هذا الكلام الإلهيّ يجتذب بروعته وجماله اللامتناهي كلّ قلب، ويختم بأُسلوبه المحبّب بختم الخرس والتلجلجعلی أفواه المتكلّمين ذوي الكلام الجميل. بَيدَ أنّ القرآن كان ـ من جهة أُخري ـ علقماً، صَعُبعلی المشركين وعبدة الاصنام تجرّعه ـ لا نّه يستدلّعلی دين التوحيد ببيان بليغ ومنطق قويّ متين، ويذمّ نهج الشرك وعبادة الاصنام أشدّ الذمّ، ويحقّر الاصنام التي كانت تُدعي بالآلهة وتُمَدّ إلیها أيدي المحتاجين ضارعة، وتُقرّب إلیها القرابين، وتُعبد في نهاية المطاف من دون الله تعالی؛ فكان القرآن يذكرهاعلی أ نّها تماثيل حجريّة وخشبيّة بلا روح ولا أثر ولا خاصيّة. كما كان القرآن يدعو عرب الجاهليّة المتوحّشين الذين انغمروا في الكبر والعنجهيّة، وأرسوا حياتهمعلی أساس سفك الدماء وقطع الطريق؛ إلی دين عبادة الحقّ واحترام العدل والإنسانيّة. لذا، فقد هبّ العرب عبدة الاصنام لمحاربته ومقابلته، وتوسّلوا بكلّ الطرق لإخماد مشعل هدايته المتّقد المتأجّج، إلاّ أ نّهم لم يحصدوا من كلّ جهودهم ومساعيهم الخاسرة إلاّ إلیأس. وقد جمع المشركون في أوائل البعثة بين النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم وبين أحد الفصحاء ويدعي الوليد، وكان من المتبحّرين المشهورين في الفصاحة والبلاغة، فقرأ النبيّ آياتٍ من أوّل سورة حم´ السجدة. وكان الوليد يُنصت بدقّة، والغرور والكبر يملآن وجوده، حتّي إذا بلغ النبيّ إلی الآية الشريفة: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـ'عِقَةً مِّثْلَ صَـ'عِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ[38]، اقشعرّ جلد الوليد، وغمرته الرعدة، حتّي لم يقوَعلی تمالك نفسه، فانفضّ المجلس وتفرّق مَن كان فيه. ثمّ ذهب إلی الوليد عدّةٌ من المشركين فعتبوا عليه أ نّه فضحهم لدي محمّد، فقال: لا والله، فأنتم تعلمون أنّي لا أخشي أحداً، وليس لي طمع في شيء؛ وتعلمون أنّي أديب متبحّر في الفصاحة. ولكنّي سمعتُ من محمّد كلاماً لا يُشبه كلام الناس في شيء، فهو كلام جذّاب يأخذ بمجامع القلب، وما هو بشعر ولا نثر، بل كلامٌ أصيلٌ كثير المعني. وإن كنتُ قائلاً في حقّه شيئاً، فإنّ عليكم أن تمهلوني ثلاثاً لافكّر فيه. فتركوه، ثمّ جاءوا إلیه بعد ثلاث، فقال: إنّ كلام محمّد سحرٌ، فإنّه أخذ بقلوب الناس! واقتفي المشركون أثر الوليد، فدعوا القرآن سحراً وشعوذة، واجتنبوا سماعه، ومنعوا الناس من الإنصات إلیه. وكان النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم يتلو القرآن في المسجد الحرام أحياناً، فكانوا يصفّقون ويرفعون أصواتهم بالغناء كي لا يسمع أحد تلاوته. ومع ذلك كلّه، فقد استحوذ بيان القرآن الفصيح المحبّبعلی قلوبهم، فكانوا كثيراً ما يستغلّون ظلمة الليل، ليتجمّعوا خلف جدار بيت النبيّ وينصتون لتلاوة القرآن، ثمّ يتهامسون بينهم: لايمكن لبشرٍ مخلوق أن يقول مثل هذا الكلام. وقد أشار الله تعالی إلی هذا المعني في الآية المباركة: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إلیكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَي'´ إِذْ يَقُولُ الظَّـ'لِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا. [39] أي: أ نّنا نعلم خير العِلم أ نّهم حين يستمعون إلی تلاوتك، بأيّ آذانٍ يسمعون القرآن. ونعلم أنّ هؤلاء الظالمين يقولون إنّ هذا الرجل مسحور، ويهمسون بذلك في آذان بعضهم إذا انصرفوا من عندك. وكان النبيّ الاكرم يذهب في بعض الاحيان قرب الكعبة، فينشغل بتلاوة القرآن ودعوة الناس، وكان فصحاء العرب يمرّون أمام النبيّ، فينحنون لئلاّ يراهم ويعرفهم. يقول تعالی: أَلآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ. [40] [1] ـ «الاءتقان» ج 2، ص 171 (التعليقة). [2] ـ يقول المستشار عبد الحليم الجنديّ ـ من أركان المجلس الاعلي للشؤون الاءسلاميّة في مصر ـ في كتابه النفيس «الاءمام جعفر الصادق» في هامش ص 29: روي الانباريّ في «تاريخ الادباء» أنّ سبب وضع عليّ كرّم الله وجهه لهذا العِلم ما روي أبو الاسود الدؤليّ ( 67 )، حيث قال: دخلتُ علي أمير المؤمنين عليّ فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأمّلت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء (يعني الاعاجم) فأردت أن أضع شيئاً يرجعون إليه، ثمّ ألقي إلَيَّ الرقعة ومكتوب فيها: الكَلاَمُ كُلّهُ اسْـمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ. فَالاسْـمُ مَا أَنْبَـأَ عَـنِ المُسَّـمي وَالفِعْلُ مَا أُنبيَ بِهِ وَالحَرْفُ مَا أَفَادَ مَعْنَيً. وقال لي: انْحُ هَذَا النَّحْوَ وَأَضِفْ إلَيْهِ مَا وَقَعَ عَلَيْكَ، واعْلَمْ يَا أَبَا الاَسْوَدِ! أَنَّ الاَسْمَاءَ ثَلاَثَةٌ: ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ وَاسْمٌ لاَ ظَاهِرٌ وَلاَ مُضْمَرٌ. وَإنَّمَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ يَا أَبَا الاَسْوَدِ فِيمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَ لاَ مُضْمَرٍ. (أرَادَ بِذَلِكَ الاسْمَ المُبْهَمِ). قال: ثمّ وضعت بابَي العطف والنعت، ثمّ بابَي التعجب والاستفهام إلي أن وصلت إلي باب أنّ وأخواتها فكتبتها ما خلا «لكنّ»، فلمّا عرضتُها علي أمير المؤمنين عليه السلام أمرني بضمّ «لكنّ» إليها. وكلّما وضعت بابا من أبواب النحو عرضته عليه إلي أن حصلت ما فيه الكفاية. فقال: مَا أَحْسَنَ هَذَا النَّحْوَ الَّذِي نَحَوْتَ! فَلِهَذَا سُمِّيَ النَّحْوَ. وأنّ المرء ليلاحظ أنّ هذا الفتح العظيم في العلم كان من اهتماماته وهو أمير للمؤمنين، ليس لديه يوم واحد خلا من معركة أو استعداد لمعركة. وأنّ أبا الاسود هو واضع علامـات الاءعراب في المصـحف في أواخر الكلمات بصـبغ يخالف لون المداد الذي كتب به المصحف. فجعل علامة الفتح نقطة فوق الحرف. والضمّ نقطة إلي جانبه والكسر نقطة في أسفله والتنوين مع الحركة نقطتين، ثمّ وضع نصر بن عاصم ( 89 ) تلميذ أبي الاسود النقط والشكل لاوائل الكلمات وأواسطها، ثمّ جاء الخليل بن أحمد ( 175 ) فشارك في إتمام بقيّة الاءعجام.. والخليل شيعي كأبي الاسود. وهو واضع علم العروض وصاحب المعجم الاوّل وواضع النحو علي أساس القياس. فاللغة العربيّة مدينة لعليّ وتلاميذ عليّ. وكمثلها البلاغة العربيّة. وعليٌّ معدودٌ من خطباء التأريخ العالميّ بخطبه والمناسبات التي دعت إليها. [3] ـ قال المرحوم آية الله السيّد حسن الصدر في كتاب «تأسيس الشيعة لعلوم الاءسلام» ص 41: «وقال أبو الطيِّب عبد الواحد بن عليّ اللغويّ المتوفّي سنة 351 في كتابه «مراتب النحويّين»: كان أوّل مَن رسم للناس النحو أبو الاسود الدؤليّ، وكان أبو الاسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلي آخر كلامه. وقال أبو عليّ القاليّ: حدّثنا أبو إسحاق الزجّاج: حدّثنا أبو العبّاس المبرّد، قال: أوّل من وضع العربيّة، ونقّط المصحف أبو الاسود، وقد سئل أبو الاسود عمّن نهّج له الطريق؟ فقال: تلقّيته من عليّ بن أبي طالب. حكاه الحافظ بن حجر في «الاءصابة» في ترجمة أبي الاسود. وقال الراغب في «المحاضرات» عند ذكره لابي الاسود: وهو أوّل من نقّط المصحف، وأسّس أساس النحو بإرشاد عليّ عليه السلام». [4] ـ قال آية الله السيّد حسن الصدر في كتاب «تأسيس الشيعة لعلوم الاءسلام» ص 42: «وقال ابن النديم في «الفهرست» وهو محمّد بن إسحاق المعروف بابن أبي يعقوب النديم الورّاق صنّف كتابه «الفهرست» في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وتوفّي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وفهرسته من الكتب المعتبرة، حتّي أنّ الشيخ الطوسيّ شيخ الطائفة اعتمد عليه ونقل عنه في فهرسته، وكذلك النجاشيّ في فهرسته وكفي بهما حجّة. قال، قال أبو جعفر بن رستم الطبريّ: إنّما سُمّي النحو نحواً لانّ أبا الاسود الدؤليّ قال لعليّ عليه السلام وقد ألقي عليه شيئاً من أُصول النحو، قال أبو الاسود واستأذنته أن أضع نحو ما وضع، فسمّي ذلك نحواً. قال: وقد اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الاسود إلي ما رسمه من النحو، فقال أبو عبيدة: أخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب أبو الاسود وكان لا يخرج شيئاً أخذه عن عليّ كرّم الله وجهه إلي أحد، حتّي بعث إليه زياداً أن: اعمل شيئاً يكون للناس إماماً ويعرف به كتاب الله، فاستعفاه من ذلك حتّي سمع أبو الاسود قارياً يقرأ: أَنَّ اللَهَ بَرِي´ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بالكسر، فقال: ما ظننت أنّ أمر الناس آل إلي هذا، فرجع إلي زياد فقال: افعل ما أمر به الامير فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول، فأُتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأُتي بآخر، قال أبو العبّاس المبرّد: أحسبه منهم، فقال أبو الاسود: إذا رأيتني قد فتحتُ فمي بالحرف فأنقط نقطة فوقه علي أعلاه، وإن ضممتُ فمي فأنقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرتُ فاجعل النقطة من تحت الحرف، فهذا نقط أبي الاسود انتهي. فتحة = ــ ضمّة = ــ. كسرة = ــ ». [5] «الاءتقان» ج 2، ص 171 «التعليقة». [6] «الاءتقان» ج 2، ص 171 «التعليقة». [7] ـ «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 129 و 130، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة، سنة 1391 ه. ق. [8] ـ «الدرّ المنثور» ج 4، ص 187 (التعليقة). [9] ـ كما في الآية 44، من السورة 16: النحل: وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. [10] ـ الآية 122، من السورة 9: التوبة: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآنءِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. [11] ـ «الاءتقان»، ج 1، ص 72 (التعليقة). [12] ـ «الاءتقان» ج 1، ص 65، (التعليقة)؛ و«قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 111 إلي 113. وذكر الشيخ محمود أبو ريّة في كتاب «الاضواء» ص 252، الطبعة الثالثة، دار المعارف مصر، بحثاً مفصّلاً في كيفيّة جمع وتدوين المصحف الشريف في عصر أبي بكر وعمر، ثمّ قال: «وقفة قصيرة: ولابدّ لي هنا من أن أقف وقفة قصيرة أستعلن فيها ما عراني من حيرة فيما أوردوه من أنباء هذا الجمع وما فيها من تناقض كثير. فنبأ يقول: إنّ عمر هو الذي فزع إلي أبي بكر في هذا الجمع؛ وخبر يقول: إنّ هذا الجمع لم يكن في عهد أبي بكر. وإنّما هو عمر الذي تولاّه، ورواية ثالثة تفيد أنّ عمر قد قُتِل قبل أن يكمل هذا الجمع، وأنّ عثمان هو الذي أتمّه. وثَمّ روايات أُخري كثيرة تحمل مثل هذا التناقض، لا نتوسّع بإيرادها. ونحن لو أخذنا بالاخبار المشهورة، التي رواها البخاريّ. وهي التي فزع فيها عمر إلي أبي بكر لكي يجمع القرآن لما رأي القتل قد استحر في وقعة اليمامة وأ نّه قد قتل فيها من الصحابة مئات وهم حملة القرآن، وإذا استمر الامر علي ذلك فإنّ القرآن يضيع وينسي! لو نحن أخذنا بهذا النبأ فإنّه يتبيّن منه أنّ الصحابة وحدهم هم الذين كانوا في هذا العهد يحملون القرآن، فإذا ما ماتوا أو قتلوا ضاع القرآن ونُسي. وأ نّه ليس هناك مصدر آخر يحفظ القرآن علي مدّ الزمان إذ كانوا مادّته وكانوا كتّابه؟ علي حين ذكروا قبل ذلك في أخبار وثيقة يرضي بها العقل ويؤيّدها العلم أنّ النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم كان يكتب كلّ ما ينزل عليه من قرآن وقت نزوله علي العسب واللخاف وقطع الاديم وغيرها، وأ نّه اتّخذ لذلك كتاباً أحصي التأريخ أسماءهم. فأين ذهبت هذه النسخة، التي لايشكّ فيها أحد ولا يمتري فيها إنسان؟ لا نّها هي التي حفظ الله بها القرآن الكريم في قوله تعالي: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ، وفي قوله تعالي: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ و وَقُرْءَانَهُ. إنّ هذه النسخة الفريدة التي تحمل الصورة الصحيحة للقرآن التي ستبقي علي وجه الزمن خالدة لو كانت موجودة لاغنتهم عمّا وجدوه في سبيل عملهم من عناء. ولاصبحت هي المرجع الاوّل للقرآن في كلّ عصر ومصر والتي كان يجب علي عثمان أن يراجع عليها مصاحفه التي كتبها قبل أن يوزّعها علي الامصار». [13] ـ «المصحف السجستانيّ» (التعليقة). يقول مؤلّف كتاب «أضواء علي السنّة المحمّدية» ص 249، تحت عنوان: غريبةٌ توجب الحيرة: من أغرب الاُمور. وممّا يدعو إلي الحيرة أ نّهم لم يذكروا اسم علي رضي الله عنه فيمن عهد إليهم بجمع القرآن وكتابته. لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان! ويذكرون غيره ممّن هم أقلّ منه درجة في العلم والفقه! فهل كان عليّ لا يحسن شيئاً من هذا الامر؟ أو كان من غير الموثوق؟ أو ممّن لا يصحّ استشارتهم أو إشراكهم في هذا الامر؟ اللهمّ إنّ العقل والمنطق ليقضيان بأن يكون علي أوّل مَن يعهد إليه بهذا الامر، وأعظم من يشارك فيه، وذلك بما أُتيح له من صفات ومزايا لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة جميعاً فقد ربّاه النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم علي عينه. وعاش زمناً طويلاً تحت كنفه. وشهد الوحي من أوّل نزوله إلي يوم انقطاعه. بحيث لم يند عنه آية من آياته!! فإذا لم يُدْعَ إلي هذا الامر الخطير، فإلي أيِّ شيء يُدعي؟! وإذا كانوا قد انتحلوا معاذير ليسوغوا بها تخطّيهم إيّاه في أمر خلافة أبي بكر فلم يسألوه عنها ولم يستشيروه فيها؛ فبأيّ شيء يعتذرون من عدم دعوته لامر كتابة القرآن؟ فبماذا نعلل ذلك! وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟ حقّاً إنّ الامر لعجيب وما علينا إلاّ أن نقول كلمة لا نملك غيرها وهي: لَكَ اللَهُ يَا عَلِيٌّ! مَا أَنصَفُوكَ فِي شَيءٍ! [14] ـ «الاءتقان» ج 1، ص 59 و 60 (التعليقة). [15] ـ «الاءتقان» ج 1، ص 61 (التعليقة). مطالب « الأضواء» فی کیفیة حمع القرآن زمن أبی بکر و عثمان[16] ـ يقول مؤلّف كتاب «أضواء علي السُنّة المحمّديّة» ص 247 و 248، تحت عنوان: جمع القرآن وسببه: قضي رسول الله ولم يكن القرآن جمع في شيء، وذلك أ نّه كان في الصدور، وفيما كتب متفرّقاً، في عهد النبيّ، ولما تولّي أبو بكر ونشبت حرب الردّة وقتل فيها كثير من الصحابة خشي عمر من ضياع القرآن بموت الصحابة، فدخل علي أبي بكر وقال له: إنّ أصحاب رسول الله باليمامة يتهافتون تهافت الفراش في النار، وإنّي أخشي ألاّ يشهدوا موطناً إلاّ فعلوا ذلك حتّي يُقتلوا وهم حملة القرآن، فيضـيع القرآن ويُنسـي، ولو جمعته وكتبته؟ فنفر منها أبو بكر؛ ولمّا تراجعا أرسل أبو بكر إلي زيد بن ثابت وقال له: إنّ عمر قد دعاني إلي أمر فأبيت، وأنت كاتب الوحي فإن تكن معه اتبعتكما. فنفر زيد كذلك. وقال: نفعل ما لم يفعل رسول الله؟ فقال عمر: وما عليكما لو فعلتما ذلك؟ فشرح الله صدري لذلك. ورأيت في ذلك ما رأي عمر. ثمّ تتبّعت القرآن أجمعه من العسب، واللِّخاف، والاكتاف، وقطع الاديم، وصدور الرِّجال... وقد اختصّ أبو بكر زيداً بذلك، لا نّه من كتّاب الوحي، وكان حافظاً للقرآن، وهذا الجمع هو ضمّ متفرّق القرآن من صحف لتكون هذه الصحف في مصحف. لمّا اتّفق الرأي علي جمع القرآن وتدوينه، قام عمر في الناس وقال: مَن تلقّي من رسول الله شيئاً من القرآن فليأت به. وقال أبو بكر لعمر وزيد: اقعدا علي باب المسجد فمَن جاءكما بشاهدين علي شيء من كتاب الله فاكتباه؛ وكان عمر ـ كما علمت ـ لا يقبل من أحد حديثاً عن رسول الله حتّي يشهد شاهدان علي أ نّهما قد تلقّياه من النبيّ. وعهدوا إلي بلال أن ينادي بأنحاء المدينة، أن: من كان عنده قطعة عليها شيء من كتاب الله فليأت بها إلي الجامع وليسلّمها إلي الكَتَبَة. قال أبو شامة: وكان غرضهم ألاّ يكتب إلاّ من عين ما كتب بين يدي النبيّ لا من مجرّد الحفظ. ولذلك قال زيد في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره ـ أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لا نّه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. وقد روي ابن وهب في موطئه عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أ نّه قال: قد جمع أبو بكر القرآن في قراطيس انتهي، وبذلك يكون أبو بكر هو أوّل مَن جمع القرآن في الصحف وهذا هو الجمع الاوّل. ويقول في ص 249 إلي 251: ما كاد عمر رضي الله عنه ينقلب إلي ربّه، ويتولّي عثمان الخلافة حتّي أخذ أمر المسلمين يتحوّل، واختلف المسلمون حتّي في قراءة القرآن. أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أ نّه قال: لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل، والمعلّم يعلّم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتّي ارتفع ذلك إلي المعلّمين، حتّي كفّر بعضهم بعضاً، فبلغ ذلك عثمان فخطب، فقال: أنتم عندي تختلفون، فمن نأي عنّي من الامصار أشدّ اختلافاً. وروي البخاريّ عن أنس، أنّ حذيفة بن اليمان قَدِمَ علي عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة وقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أَدْرِكْ هَذِهِ الاُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَي انتهي. وممّا ذكره حذيفة: رأيت أناساً من أهل حمص يزعمون أنّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم وأ نّهم أخذوا القرآن عن المقداد، ورأيت أهل دمشق يقولون إنّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم، فإنّهم قرءوا بقراءة أُبيّ بن كعب، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك وأ نّهم قرأوا علي أبي موسي، ويسمّون مصحفه «لباب القلوب». وفي رواية عمارة بن غزية ذكرها ابن حجر في «الفتح» ص 14 ج 9 أنّ حذيفة قَدِمَ من غزوة فلم يدخل بيته حتّي أتي عثمان فقال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَدْرِكِ النَّاسَ! قال: وما ذاك؟ قال غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبيّ بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفّر بعضهم بعضاً. ولمّا بلغ كلّ ذلك عثمان ورأي الامر قد حزب، أرسل إلي حفصة * ابنة عمر أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردها إليكِ، فأرسلت بها حفصة إلي عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبيـر وسعيد بن العاص وعبد الرحمـن بـن الحارث بن هشـام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيّين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنّما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّي إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلي حفصة، فأرسل إلي كلّ أُفق بمصحف، ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال الحافظ ابن حجر ـ وكان ذلك في أواخر سنة 24 وأوائل سنة 25 ه. ق. وقال أبو ريّة تحت عنوان: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان: قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان. أنّ جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شي بذهاب حَمَلَتِهِ. لا نّه لم يكن مجموعاً في موضع واحد. فجمعه في صحائف مرتّباً لآيات سوره علي ما وقفهم عليه النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم. وجَمْعُ عثمان كان لمّا كثر الاختلاف في وجوه القراءة. حتّي قرءوا بلغاتهم من اتّساع اللغات. فأدّي ذلك إلي تخطئة بعضهم بعضاً، فخشي من تفاقم الامر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتّباً لسوره، واقتصر من سائر اللغات علي لغة قريش، محتجّاً بأ نّه نزل بلغتهم. وإن كان قد وسّع في قراءته بلغة غيرهم. رفعاً للحرج والمشقّة في ابتداء الامر، فرأي أنّ الحاجة في ذلك قد انتهت فاقتصر علي لغة واحدة. وقال أبو ريّة تحت عنوان: عدد المصاحف التي أرسلها عثمان إلي الآفاق: اختُلِف في عدّة المصاحف التي أمر عثمان بكتابتها والمشهور أ نّها كانت خمسة، أرسل أربعة منها إلي الآفاق وأمسك عنده واحداً منها. * ـ كانت حفصة رضي الله عنها وصيّة من قبل أبيها عمر علي أوقافه وتركته، ويبدو أنّ عمر كان لا يثق بابنه عبد الله، فقد روي السيوطيّ في كتابه «تاريخ الخلفاء» قال: أخرج النخعيّ أنّ رجلاً قال لعمر: ألا تُخَلِّفَ عبد الله بن عمر؟ فقال له: قاتلك الله! والله ما أردت الله بهذا! أستخلف رجلاً لم يحسن أن يُطَلِّق امرأته! (ص 98 ) وقد ثبت عنه أ نّه قال: لو كان سالم مولي حذيفة حيّاً لولّيته (ص 123 ج 1 «سير أعلام النبلاء»). أمّا خبر هذا الطلاق الذي أشار إليه عمر، فقد رواه البخاريّ عن نافع عن عبد الله بن عمر أ نّه طلّق امرأته وهي حائض علي عهد رسول الله، فقال رسول الله: مره فليراجعها، ثمّ ليمسكها حتّي تطهر، ثمّ تحيض، ثمّ تطهر، ثمّ إنّ شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل أن يمس. فتلك العدّة التي أمر الله أن يطلّق لها النساء (ص 288 ج 9 «فتح الباري»). [17] ـ «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاسلام) ص 113 و 114. [18] ـ الآية 34، من السورة 9: التوبة. [19] ـ «الدرّ المنثور» ج 3، ص 232 (التعليقة). [20] ـ «الدرّ المنثور» ج 3، ص 369 (التعليقة). [21] ـ الآية 100، من السورة 9: التوبة. [22] ـ «الوافي» ج 5، ص 273، باب اختلاف القرآن، الطبعة الحجريّة (التعليقة). [23] ـ «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 115 و 116. [24] ـ الآية 9، من السورة 15: الحجر. [25] ـ الآية 68، من السورة 37: الصافّات. [26] ـ الآية 47، من السورة 9: التوبة. [27] الآية 21، من السورة 27: النمل. [28] ـ يقول: «لقد زيّنوا دِينكَ وجمّلوه وأضفوا عليه من الذهب المسكوك لوازمَ وعدّة، لو رأيتَهُ لانكرتَه ولم تعرفه!». [29] ـ إنّ جعل سور قرآنيّة خاصّة في بداية الكتاب، يعدّ نسخاً لباقي القرآن وإهمالاً له، ويعتبر اهتماماً بهذه السور وتجاهلاً لسائر السور. وإنّ مَن يقرأ دعاءً أو زيارةً إن احتاج أثناء ذلك إلي قراءة سورة خاصّة، فيمكنه أن يقرأها من المصحف. وينبغي أن يوجد القرآن لدي المؤمن مقدّماً علي «مفاتيح الجنان»؛ وإلاّ لنسخت كتبُ الادعية هذه القرآن الكريم، وهي مصيبة عظمي. فإن قُلتَ: إنّ المنهمك في الدعاء والزيارة، بالاستفادة من «مفاتيح الجنان» يمكنه أن يعثر علي هذه السور المنتخبة بسرعة فيقرؤها. كان الجواب أنّ القرآن ينبغي أن يوجد لدي الداعي والزائر أقربَ متناولاً وأكثر تقدّماً من «المفاتيح»، وهذا العمل قد تسبّب في قلّة مشاهدة المصاحف في المشاهد المشرّفة، وفي كثرة تواجد «المفاتيح». أليس هذا العمل نسخاً عمليّاً للقرآن؟! ونظير هذا العمل، بل وأسوأ منه، هو تجزئة القرآن إلي 30 أو 60 أو 120 جزءاً، يُجلّد كلُّ منها مستقلاّ، ويحصل كثيراً أن تقطّع كثير من الآيات، فيقع نصفها في جزء، ونصفها الآخر في جزء آخر. أليس هذا هتكاً للقرآن؟! والاقبح منه، أنّ كثيراً من الذين يقومون بوقف هذه الاجزاء يطبعون في بداية كلّ جزء صورتهم مع صورة الوقف، أو يطبعون صورة شابّ فقدوه فأوقفوا هذه الاجزاء الثلاثين تذكاراً له. ثمّ إنّهم طبعوا سورة الفاتحة مستقلّةً فضمّوها إلي هذه الاجزاء. وهذه الاعمال حرام علي وجه التحقيق وهي مدعاة للعبث بكلام الله المجيد. والسبب في ذلك هو عدم وجود إدارة مسؤولة للنظر في هذه الاُمور، ممّا يؤدّي إلي قيام كلّ شخص من العوام غير ذوي الاطّلاع بمثل هذه الاعمال من تلقاء نفسه طلباً للثواب. مضافاً إلي أن أصحاب المكتبات ودور النشر ليس لديهم اطّلاع عن عاقبة هذه الاُمور، مما يتسبّب في نشوء هذه المفاسد العظيمة في عاقبة الامر. [30] ـ نقلنا الترجمة العربيّة لكلام المحدِّث القمّيّ، من «مفاتيح الجنان» المعرَّب، تعريب السيّد محمّد رضا النوريّ النجفيّ بتصرّف يسير. (م) [31] ـ «مفاتيح الجنان» ص 433، الطبعة الاصليّة للمكتبة الاءسلاميّة. [32] ـ «نفس المهموم» ص 1، طبعة المكتبة الاءسلاميّة، وهذه الفقرة وردت بالفارسيّة فقمنا بتعريبها، أمّا الفقرة اللاحقة فقد وردت بالعربيّة. (م) [33] ـ «نفس المهموم» ص 1، طبعة المكتبة الاءسلاميّة. [34] ـ «فرازهائي از اسلام» للعلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، ص 306، السؤال رقم 39، طبعة جهان آرا. [35] ـ «فرازهائي از اسلام» للعلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ، ص 330، رقم 39. يقول أحمد أمين المصريّ في كتاب «يوم الاءسلام» ص 168 و 169: وكان ممّا أتت به المدنيّة الغربيّة النعرة القوميّة، فكلّ أُمّة تتعصّب لجنسها، وسرت هذه الروح إلي العالم الشرقيّ مع المدنيّة الحديثة وقد كانوا لا يعرفون إلاّ قسمة العالم إلي قسمين: دار الاءسلام ودار الحرب؛ فالمسلم داره العالَم الاءسلاميّ كلّه، لذلك سهلت عليه الرحلات من مثل ابن بطوطة وابن جبير وغيرهما، وتنقُّل رجال الحديث من قطر إلي قطر يجمعون ما انتثر من الحديث وكأنّهم بين أهليهم، حتّي كانت لعنة الوطنيّة التي ابتدعتها أُوروبّا وأسرفت فيها. والقانون الطبيعيّ يقتضي تدرّج العالَم من نظرة جزئيّة لا ينظر الاءنسان فيها إلاّ إلي نفسه كالطفل في مهده، ثمّ يرتقي فينظر إلي عائلته، ثمّ يرتقي فينظر إلي قومه، ثمّ يرتقي فينظر إلي الاءنسانيّة كلّها، وبّما كان الاءنسان في هذا الطور لا ينظر إلاّ إلي قومه ولما يصل من الرقيّ إلي حدّ أن ينظر إلي الاءنسان كلّه. [36] ـ «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 118 و 119، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة، سنة 1391 ه. ق. [37] ـ من بين الآيات القرآنيّة المعجزة، آيات الاءرث، ومجموعها ثلاث آيات، هي الآيات 11 و 12 وآخر آية من سورة النساء، حيث تنطوي في هذه الآيات الثلاث جميع أحكام الاءرث في ثلاث طبقات مختلفة، في تعقيد كبير وحسابات رياضيّة غامضة يبحث فيها الفقهاء في كتاب الميراث. وقد بعثت علماء العالم علي التحيّر أمامها من جهة إيجازها وفصاحة عبارتها، ومن جهة إتقان ومتانة قوانين الاءرث. فهذه الاحكام المختلفة للاءرث ممّا ينبغي التأمّل فيها سنواتٍ طويلة، ولو شاء واضعها تدوينها بقوةٍ بشريّة، لابتلي بالكثير من الاءشكالات، ولواجه الكثير من المتاعب والمحن. وقد نزلت علي النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم فجأة ودون مقدّمة طويلة، فقرأها النبيّ علي الناس. أورد الواقديّ في «المغازي» ج 1، ص 331 في تتمّة غزوة أُحد أنّ سعد بن ربيع استُشهد في غزوة أُحد، وخلّف ابنتين، وكانت امرأته حاملاً. فجاء أخوه فأخذ تركته حسب قانون الجاهليّة، ولم يكن قد نزل علي رسول الله وحيٌ في الميراث، وكانت امرأة سعد حازمة جليلة مُحتاطة، فدعت رسول الله في منزلها خارج المدينة هو وعشرين نفر من الصحابة، فقدّمت إليهم طعاماً بسيطاً فأكلوا منه حتّي شبعوا بأجمعهم ببركة رسول الله. قال الواقديّ: «ثمّ قامت امرأة سعد بن رَبيع فقالت: يا رسول الله! إنَّ سعد بن رَبيع قُتل بأُحُد، فجاء أَخوه فأَخذ ما ترك، وترك ابنتين ولا مال لهما، وإنّما يُنكَح ـ يا رسول الله ـ النساءُ علي المال. فقال رسول الله صلَّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم: اللَهُمَّ أَحْسِنِ الخِلاَفَةَ عَلَي تَرِكَتِهِ؛ لم ينزل عَلَيّ في ذلك شيءٌ، وعودي إليَّ إذا رجعتُ! (قال جابر، راوي الرواية): فلمّا رجع رسول الله صلَّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم إلي بيته جلس علي بابه وجلسنا معه، فأخذ رسولَ الله صلَّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم بُرَحاء حتّي ظننَّا أ نّه أُنزل عليه. قال: فسُرّي عنه والعَرَق يتحدّر عن جبينه مثل الجُمّان. فقال: عَلَيّ بامرأة سعد! قال: فخرج أبو مسعود عُقبة بن عمرو حتّي جاءَ بها. قال: وكانت امرأةً حازمةً جَلْدَة، فقال: أين عمّ ولدك؟ قالت: يا رسول الله، في منزله. قال: ادعيه لي! ثمّ قال رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم: اجلسي! فجلستْ وبعث رجلاً يعدو إليه فأتي به وهو في بَلْحارث بن الخزرج، فأتي وهو مُتعب. فقال رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم: ادفع إلي بنات أخيك ثُلُثَي ما ترك أخوك. فكبّرت امرأته تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلَّم: ادفع إلي زوجة أخيك الثُّمن وشأنك وسائر ما بيدك. ولم يُورَث الحَمْلُ يومئذٍ. وقد نقلنا هنا مختصراً من هذه القصّة الجميلة المفصّلة. والآية الاُولي التي جعلت للبنتَين ثُلثي المال هي: يُوصِيكُمُ اللَهُ فِي´ أَوْلَـ'دِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاْنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلْثَا مَا تَرَكَ. والآية التالية التي عيّنت إرث الزوجة هي: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. [38] ـ الآية 13، من السورة 41: فصّلت (حم السجدة). [39] ـ الآية 47، من السورة 17: الاءسراء. [40] ـ صدر الآية 5، من السورة 11: هود. وانظر: «خلاصة تعاليم الاسلام» للعلاّمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه، ص 104 إلي 106، انتشارات كعبة. |
|
|