|
|
خطبة « نهج البلاغة» فی عظمة القرآنإنّ القرآن لاينبغي تعلّمه من فلان الإفرنجيّ، ولا من گُورويج إلیهوديّ ولا من ماسينيون. فذلك القرآن هو شيطان يقرأعلی الإنسان وينفث، فيُسقط الإنسان في هوّة عميقة سحيقة. انصتوا إلی خطبة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب التي تبعث فيكم النشاط والبهجة، ليخطب بكم قائلاً: وَإِنَّ اللَهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. فَإنَّهُ حَبْلُ اللَهِ المَتِينُ وَسَبَبُهُ الاَمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ القُلُوبِ وَيَنَابِيعُ العِلْمِ. وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَ نَّهُ قَدْ ذَهَبَ المُتَذَكِّرُونَ وَبَقِيَ النَّاسُونَ وَالمُتَنَاسُونَ. فَإذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ؛ وَإذَا رَأَيْتُمْ شَرَّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ، فَإنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ! اعْمَلِ الخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ؛ فَإذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ. [1] قال لي المرحوم الشهيد المطهّريّ رضوان الله عليه يوماً: كان المرحوم راشد يقول: يكفي في مقام عظمة وإتقان كتاب « مثنوي » أ نّه يعدّ رصيداً ودعامة للقرآن! ( أي أنّ مطالب كتاب « مثنوي » أشبه ببحر عظيم من الحياة بحيث يحفظ حقائق القرآن ويصونها ). فقلت له: لقد أخطأ راشد في كلامه هذا. إنّ القرآن هو الرصيد للـ « مثنوي » ولامثال المثنوي، وهو الذي يمنحها الحياة والقدرة والخلود. فقالعلی الفور: نعم، الامر هكذا. إنّ القرآن هو مُحيي كتاب « المثنوي ». أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللَهِ فَإنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ. وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ المُتَّقِينَ فَإنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الوَعْدِ. وَاقْتَدُوا بِهَدْي نَبِيِّكُمْ فَإنَّهُ أَفْضَلُ الهَدْي. وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإنَهَا أَهْدَي السُّنَنِ. وَتَعَلَّمُوا القُرْآنَ فَإنَّهُ أَحْسَنُ الحَدِيثِ. وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإنَّهُ رَبِيعُ القُلُوبِ. وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإنَّهُ شِفَآءٌ لِلصُّدُورِ. وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإنَّهُ أَحْسَنُ القَصَصِ. فَإنَّ العَالِمَ العَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالجَاهِلِ الحَائرِ الَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ؛ بَلِ الحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ، وَهُوَ عِنْدَ اللَهِ أَلْوَمُ. [2]
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ وصلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ قال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَـ'ذَا الْقُرْءَانُ عَلَي' رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ.[3] من أجل التوصّل إلی معني هذه الآية نجد أنفسنا مجبرينعلی ذكر جميع الآيات الحافّة بها: وَإِذْ قَالَ إبْرَ هِيمُ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنـَّهُ و سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * بَلْ مَتَّعْتُ هَـ'´ؤُلآءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّي' جَآءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ * وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ ( أي القرآن الكريم ) قَالُوا هَـ'ذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَـ'فِرُونَ * وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَـ'ذَا الْقُرْءَانُ عَلَي' رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَـو'ةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـ'تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلآ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ حِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـ'نِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَ بًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَ لِكَ لَمَّا مَتَـ'عُ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ. [4] يذكر الله سبحانه وتعالی في هذه الآيات توحيد إبراهيم الخليل عليه السلام، وأ نّه جعل ذلك التوحيد في ذرّيّته وعقبه، فلم يولوه احتراماً ودنّسوه بالشرك، حتّي أنزل الله تعالی قرآنهعلی رسوله الكريم فعدّوه سحراً وكفروا به، وكانوا ينتظرون أن ينزل القرآنعلی رجل من ذوي الشوكة والمَنَعة والجاه والثروة، ممّن لهم الصدارة والعظمة في الاُمور الدنيويّة التي تستحوذعلی الانتباه. فيقول في الآية الاُولي: واذكر يا نبيّنا إبراهيمَ إذ تبرّأ من عبادة الآلهة المتعدّدة، وقال لابيه وقومه بأ نّه بريء ممّا يعبدون إلاّ المعبود الذي أوجده وأنعم عليه بالوجود والفطرة، لانّ ممّا يجدر بالإنسان أن يوكل أُموره إلی الربّ الذي خلقه وأوجده من كتم العدم، وأن يلقي برحال فاقته وحاجاته في فناء ذلك الخالق، وأن يخضع له ويتواضع أمام ساحته، إذ هناك تلازماً في العبادة بين خِلقة الخالق والمخلوق، حيث إنّ الارتباط بينهما يستدعي عبادة المخلوق للخالق وإيكاله أُموره الولائيّة إلی خالقه. ومثل هذا الخالق المالك لمقام الولاية والمعبوديّة إثر الخلقة، سيهدي هذا العبد إلی الكمال المطلق وإلی الذروة العليا من القابليّة، وهي مقام القُرب المطلق والوحدة المطلقة. وليس أمر الهداية منفصلاً عن الولاية والخلقة، فالله فاطر الاُمور وخالقها سيرعي العبد ويرسّخ أقدامه في عبادته وتواضعه وخضوعه، وهو الذي ـ بتأثير هذا الامر ـ سيهدي العبد إلی الكمال، وهو الذي كان أساس الخلقة بيده، وهو الهادي في التربية والحركة إلی الفعليّة التامّة. الله سبحانه هو الخالق، وهو المربّي في مسيرة التربية وظهور القابليّات. ولقد جعل الله تعالی هذه البراءة من الآلهة التي تُعْبَد دون الله تعالی، كلمةً باقيةً في ذرّيّة إبراهيم وعقبه إلی يوم القيامة،علی أمل أن ينزعوا إلی التوحيد وإلی البراءة من غير الله المنّان. کلمة «لاإله إلا الله » لیست مرکبة من النفی و الإثباتبَيدَ أنّ هناك أفراداً معدودين في كلّ عصر وزمان استفادوا من كلمة التوحيد لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، ورسّخوا هذه البراءة من الآلهة المعبودة دون الله، في صُقع نفوسهم وقلوبهم وأسرارهم؛ أمّا الآخرون فتخلّفوا عن هذه المسيرة. والبراءة من الآلهة ـ سوي الله تعالی ـ هي بذاتها معني ومفهوم كلمة التوحيد لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، لانّ معني لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ هو نفي كلّ معبود سوي الله تعالی، وليس نفياً لوجود الآلهة المعبودة، وإثباتاً لوجود الله تعالی، فذلك أشبه بقول بعض الدراويش الذين يقولون بأنّ هذه العبارة مؤلّفة من نفي وإثبات؛ ففقرة لاَ إلَهَ هي إثبات لحقيقة وجود الله سبحانه؛ وهو استدلال غير تامّ، لانّ لفظ الجلالة الله كان ينبغي حينئذٍ أن يكون منصوباً ليفيد الاستثناء. بَيدَ أنّ لفظ الجلالة ورد مرفوعاً، وهو لذلك بدل من محلّ اسم لاَ المرفوع. أي ليس من إله سوي الله تعالی. وليس من آلهة ولا معبود سوي الله سبحانه. والبدل من حالات المُبْدَل منه التي تطرأ عليه، أي ليس من إله له صفة كونه غير الله. حيث إنّ لفظ إلاّ في العبارة بمعني غَيْر، وعلامة رفع محلّه قد ظهرت في نفس المُستثني وهو الله. وقد قال النحويّون: عند الاستثناء بـ « غير »، تكتسب لفظة « غير » إعراب البدليّة، أمّا عند الاستثناء ب « إلاّ » فإنّ ما يلي « إلاّ » سيكتسب ذلك الإعراب. فنقول: لاَ إلَهَ غَيْرُ اللَهِ و لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، حيث رُفع لفظ « غير » في الجملة الاُوليعلی البدليّة، ورُفع لفظ الجلالة الله في الجملة الثانيةعلی البدليّة. وفي كلا الحالتين جري حذف خبر لاَ إلَهَ وهو « مَوجودٌ ». وتبعاً لذلك فإنّ عبارة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ليست لإثبات الله، بل هي لنفي الآلهة والارباب غيره، لذا صارت تُدعي كلمة التوحيد. نزول القرآن من الله تعالی، و إنما ینزله علی نبی کمحمدأجل، فإنّ الله تعالی جعل هذه البراءة من الآلهة من غير الله تعالی في عقب إبراهيم من قريش وسكنة مكّة والحجاز، عسي أن يلتفتوا إلی التوحيد، لكنّهم مع ذلك أعرضوا ولم يقبلوا بالتوحيد. ولقد متّع الله تعالی كفّار قريش وآباءهم بالنعم الدنيويّة حتّي جاءهم رسولٌ مُبين منه ـ وكان أيضاً من ذرّيّة إبراهيم، وممّن ترسّخت في نفسه المقدّسة كلمة التوحيد والبراءة السالفي الذكر فجاءهم بالحقّ وهو القرآن الكريم. ولمّا واجه كفّار قريش القرآن، أنكروه وقالوا: إنّه سحر، وإنّا لا نؤمن به. وقالوا هازئين: ألم يكن في الحجاز ومكّة والطائف أفقر من محمّد وأقلّ بضـاعة وجاهـاً واعتباراً، ليجعله الله رسـوله ويرسـل قـرآنه بواسطته؟! لِمَ لم ينزل القرآنعلی أحد الرجلَين العظيمَين في مكّة والطائف، اللذين يتمتعان بالجاه والثروة والاعتبار؟! أورد الطبرسيّ في « مجمع البيان »: « ويعنون بالرجل العظيم من إحدي القريتَين الوليد بن المغيرة من مكّة، و أبا مسعود عروة بن مسعود الثقفيّ من الطائف، عن قتادة. وقيل: عُتبة بن أبي ربيعة من مكّة، و ابن عبد يإلیل من الطائف، عن مجاهد، وقيل: الوليد بن المغيـرة من مكّة، و حبيب بن عمر الثقفيّ مـن الطائف، عن ابن عبّاس » انتهي. وقال سماحة الاُستاذ العلاّمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه: « والحقّ أنّ ذلك من تطبيق المفسِّرين، وإنّما قالوا ما قالواعلی الإبهام وأرادوا أحد هؤلاء من عظماء القريتَينعلی ما هو ظاهر الآية ». [5] ثمّ إنّ الله تعالی يقول بعد البيان السابق بأنّ تقسيم الخير والرحمة ونزول القرآن واختيار النبيّ هي من قِبل الله تعالی، وليس لغيره تصرّف في هذا الامر أبداً. نحن قسّمنا بينهم معايشهم وحياتهم المؤقّتة في الحياة الدنيا، ونحن جعلنا الافراد في درجات ومراتب مختلفة، ليخضع بعضهم لبعض، وليسخّر بعضهم بعضاً، لتأمين احتياجات عامّة الناس. فكيف يتدخّل هؤلاء الكفّار العاجزون عن تأمين معاشهم ومستلزمات حياتهم المؤقّتة في أمر النبوّة فيقسّمونها ويضعونها بين أيدي المستكبرين والانانيّين والاثرياء في مكّة والطائف؟ إنّ رحمة الله تعالی التي هي تقبّل نبوّة الرسول وولايته الإلهيّة والقبول بالحقّ ـ وهو القرآن الكريم هي أفضل وأجمل من هذه الاموال والاعتبارات التي يجمعها هؤلاء في دنياهم. فهذه الاموال والزخارف، وهذه الاعتبارات والتعيّنات، لا قيمة لها عندنا، وإن علت أبواقها وأصواتها. فنحن لا نُلقي بالاً إلی هذه الضجّة الفارغة، ولهذه الاوامر والنواهي، ولهذه الثروات الطافحة والحطام الزخّار. إنّ المؤمنين لا يسعون إلی كسب المال؛ وهدفهم ومقصودهم يتلخّصان في المعني والاُمور المعنويّة وكسب الفضائل، لا اكتناز الذهب. ولو طلبوا منّا شيئاً من هذا القبيل لاعطيناهم منه كما نعطي الكفّار وعبدة الدنيا الذين يطلبون الدنيا، فنحن نُغدق عليهم الاموال والجاه. ولولا سُنّة الاسباب والعلل والمعلولات؛ ولو كان قَدَرُنا أنّ كسب المال والاعتبار يحصل دون مشقّة وجُهد، لرأيتم كيف سنُغدق الاموالعلی الكافرين بالله تعالی، الذين يسعون إلی جمع الذهب والفضّة واكتساب الدنيا العريضة، بحيث يصنعون لبيوتهم سقوفاً من الفضّة، وسلالم من فضّة يرقون عليها فيعلون تلك السقوف، ولجعلنا لبيوتهم أبواباً من فضّة، وأسرّة من فضّة يتّكؤون عليها. ولزيّنّا بيوتهم بالذهب والزخارف والمجوهرات. ولكن ما الفائدة؟ فهذه المتع والمنافع مؤقّتة، وهذه الحياة حياة وضيعة لا قيمة لها. أمّا فِناء الدار الآخرة فأبديٌّ خالد، إذ الاصالة والحقيقة منحصرة فيه، وهي الدار التي يختارها المتّقون. ولقد كتب غوستاف لوبون وجرجي زيدان المسيحيّ في تأريخ الحضارة الإسلاميّة، وامتدحا عظمتها بلحاظ الحضارة الظاهريّة والفتوحات والابنية والعمارات العإلیة والقصور المشيّدة والاسواق المرتفعة وأمثال ذلك، وكان ذلك هو منظار العظمة لديهما. أمّا الإسلام وحقائقه، وأصل العرفان ومعارفه، وتربية النفوس الزكيّة والارتقاء بمستوي الإيمان والإيقان بالله الاحد لدي عامّة البشريّة، فهي أُمور تفوق سابقتها وتعلوها في الفضيلة. فقد كانت تلك أُمور ذات أهمّيّة في نظر أهل الدنيا، كالكفّار الذين تصوّروا أنّ أهمّيّة النبيّ تكمن في ثروته وتعيّناته الدنيويّة، فكانوا يبحثون عن رسولٍ بهذه المواصفات. ولقد أفهمهم الله تعالی بأنّ الاصالة والشرف ليست في المال والجاه الخارجَين عن الإنسان، بل الفضيلة والشرف ينبغي أن ينبعا من داخل الإنسان. ولو اتّصفت النفس البشريّة بصفة الكمال، لفاقت الزبرجد والالماس؛ وإلاّ، فإنّه لو زُيّن بجميع ما في العالم من زينة، وحُلِّيَ بأنواع الجواهر المرصّعة، لما زاد ذلك في الإنسان شيئاً. يقول المرحوم العارف الشهير الميرفِندرسكيّ: هر چه بيرون است از ذاتت نيايد سودمند خويش را كن ساز اگر امروز اگر فرداستي [6] میزان الأعلمیة فی الإسلام هم الأعلمیة فی القرآن الکریمإنّ شرف الإنسان هو علمُه. ولقد رفع القرآن مستوي علم البشر، فنشأت جميع العلوم ووسائل المدنيّة من علم القرآن. لذا يمكن القول حقّاً بأنّ القرآن الكريم هو الكتاب السماويّ الاوحد الذي أمكنه أن يستنقذ الإنسان من مهاوي الجهل العميقة، ويسمو بمقام الإنسان عن البهيميّة والسبُعيّة. أفوجد حتّي الآن مُدّعٍ ـ حتّي من مُنكري القرآن يمكنه أن يعرّف لنا كتاباً آخر غير القرآن؟! من هنا، يمكن أن يُستفاد بجلاء بأنّ ميزان الاعلميّة في الإسلام هو الاعلميّة بالقرآن الكريم. فمَن فاق الآخرين في العلم بالقرآن وعلومه، من التوحيد والعرفان، ومعارف المبدأ والمعاد، والتأريخ والقضايا الواردة في القرآن، والعقائد والاحكام النازلة في القرآن، كان هو أعلم الاُمّة؛ لا مَن يفوقهم في علمَي الفقه وأُصول الفقه، إن لم يكن في سائر علوم القرآن في حدّ أكمل وأتمّ، لانّ علم الفقه هو فرع من الفروع الدُنيا لعلوم القرآن، ناهيك عن علم أُصول الفقه. ونستدلّعلی هذا الامر ـ فضلاً عن سيرة رسول الله والائمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين من دليلَين نقليَّين: الاوّل: أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم أمر بعد غزوة أُحد أن يُقدَّم إلی القِبلة الشهيد الذي كان يُتقن القرآن أفضل من غيره، فيُدفن قرب القِبلة. يقول ابن الاثير في « الكامل في التاريخ »:[7] أَمَرَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْفَنَ الاثْنَانِ وَالثَّلاَثَةُ فِي القَبْرِ الوَاحِدِ؛ وَأَنْ يُقَدَّمَ إلَی القِبْلَةِ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا، وَصَلَّي عَلَيْهِمْ. والثاني: أنّ أبا نعيم يروي في « حلية الاولياء » [8] بسنده المتّصل عن عاصم بن ضمرة، قال: قال عليّ ] ابن أبي طالب عليه السلام [: أَلاَ إنَّ الفَقِيهَ كُلَّ الفَقِيهِ: الَّذِي لاَ يُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَهِ، وَلاَ يُؤْمِنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَهِ، وَلاَ يُرَخِّصُ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَهِ، وَلاَ يَدَعُ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إلَی غَيْرِهِ. وَلاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لاَ عِلْمَ فِيهَا، وَلاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ فَهْمَ فِيهِ، وَلاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لاَ تَدَبُّرَ فِيهَا. ومن طريق الخاصّة، روي محمّد بن يعقوب الكلينيّ في « أُصول الكافي » [9] بسند صحيح عن عدّة من الاصحاب، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القَمّاط، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالفَقِيهِ حَقِّ الفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إلَی غَيْرِهِ. أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ؛ أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ؛ أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ. وفي رواية: أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ؛ أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ؛ أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لاَ فِقْهَ فِيهَا؛ أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي نُسْكٍ لاَ وَرَعَ فِيهَ. ويروي العلاّمة الامينيّ في كتاب « الغدير » [10] بسند صحيح من طريق العامّة عن مسلم والترمذيّ وأبي داود، أنّ رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم قال: يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَهِ؛ فَإنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً؛ فَإنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْماً. تأثیر القرآن فی نشوء الحضارة الإسلامیة العظیمةيقول آية الله الشعرانيّ تغمّده الله برحمته في تأثير القرآن في نشوء الحضارة الإسلاميّة العظيمة: ( ما ترجمته ): « إنّ مَن قرأ التأريخ واطّلععلی أحوال الاُمم السالفة، عَلِمَ أنّ إلیونانيّين قد بلغوا في العلم والحضارة ما لم تبلغه الاقوام التي سبقتهم أو عاصرتهم، وأنّ الاُمم التي عاشت قبل إلیونانيّين قد كانت أدني منهم في العلم والحضارة وأنّ العلماء إلیونانيّين قبل الإسكندر قد وجدوا بأعداد كبيرة، وكان فيهم أمثال سقراط وأفلاطون. وحين سيطر الإسكندرعلی دول العالم، فإنّه نشر العلم واللغة إلیونانيّة في العالم، فنفع الناس بهما. وقد كانت اللغة إلیونانيّة لغة العلم العالميّة لما يقرب من ألف سنة، وكان العلماء يدرّسون بتلك اللغة ويؤلّفون الكتب بها،علی الرغم من أنّ بعضهم لم يكن يونانيّاً. حتّي أنّ أتباع السيّد المسيح عليه السلام كتبوا تأريخه ـ الذي يُدعي بالإنجيل ـ باللغة إلیونانيّة، ولفظة الإنجيل هي كلمة يونانيّة بمعني البشارة،علی الرغم من أنّ عيسي عليه السلام وأتباعه كانوا يتكلّمون بالعبريّة. تفوق العلوم الإسلامیه علی علوم الیونان نابع من برکة القرآنوبعد الإسكندر بألف سنة ظهر خاتم الانبياء محمّد بن عبد الله صلّي الله عليه وآله وجاء بالقرآن باللغة العربيّة فأحدث انقلاباً في أوضاع العالم واحتلّت العربيّة مكانة اللغة إلیونانيّة وفاقتها. وقد تعلّم المسلمون العلوم إلیونانيّة وأضافوا عليها أضعافها، فبلغت العربيّة والعلوم المدوّنة بها مكانة عالميّة لم تبلغها لغة قبلها. وقد جاء في التواريخ أنّ مكتبة الإسكندريّة في مصر كانت أكبر مكتبة في العالم القديم. وكانت تحتويعلی العلوم إلیونانيّة. وبلغ عدد كتبها خمسة وعشرين ألف كتاباً، أمّا مكتبة المسلمين فقد ضمّت في العصر الإسلاميّ مليون كتاب. يقول جرجي زيدان في « تاريخ الحضارة الإسلاميّة » و « تاريخ آداب اللغة »: أنّ خليفتَـي مصـر الفاطـميَّيـنِ: العـزيـز بالله ( 365 ـ 386 ه. ق ) الحاكم بأمر الله ( 386 ـ 411 ه. ق ) قد أنشآ مكتبة في مصر اشـتملتعلی ما يقرب من مليون كتاب، أيعلی أربعين ضعف من كتب مكتبة إلیونان في الإسكندريّة. ويقول: إنّ المكتبات الكبيرة كانت متواجدة بأعداد كبيرة في مصر والعراق والاندلس وغيرها، وكانت المكتبة الواحدة تشتملعلی مئات الآلاف من الكتب، وكانت أبواب تلك المكتبات مُشرعة في وجوه طلبة العلم والمطالعين. فقد كانت الآثار العلميّة العربيّة تفوق نظيرتها إلیونانيّة بأربعين ضِعفاً. ومع أنّ إلیونانيّين امتلكوا كتباً في علوم الادب والاخلاق والموعظة والفقه وسياسة المدن والجغرافيا، إلاّ أ نّها لا تقارن بالكتب العربيّة في كثرتها وفي تحقيقها. فلم يكن لدي إلیونان كتاب في الاخلاق كـ « إحياء العلوم »، أو كتاب في الجغرافيا كـ « مُعجم البلدان ». وقد تفوّق المسلمونعلی إلیونانيّين تفوّقاً عظيماً في الرياضيّات، وخاصّة في الحساب والجبر والمقابلة والهيئة والنجوم. وكان إلیونانيّون يكادون لا يعرفون شيئاً عن علمَي الحساب والجبر. وكان العلم الارِيثماطيقيّ إلیونانيّ علماً يختلف عن الحساب؛ وكانت أعداد 1، 2، 3 غير متداولة بين إلیونانيّين. كما أنّ المسلمين لم يكونوا دون إلیونانيّين في سائر علوم الحكمة والطبّ، بل كانت كفّتهم راجحة فيها أيضاً. وهذه الاُمور بأجمعها من بركة القرآن، وليس قولنا هذا جزافاً، إذ التجربة والتأريخ يشهدانعلی صِدقه. إنّ العرب وجميع سكان الشرق لم يمتلكوا هذا النبوغ والرقيّ قبل الإسلام الذي جعلهم في مصافّ إلیونانيّين، أمّا بعد الإسلام فقد بلغوا في الرقيّ مديً بعيداً جعلهم يتفوّقونعلی إلیونانيّين وأتباعهم. فإن نحن نظرنا في أيّ واحدٍ من العلوم، شاهدنا أنّ القرآن هو السبب في رقيّه. ولقد انحصر علم المسلمين في بداية الإسلام في تعلّم القرآن، فكانوا يتعلّمون ألفاظه ومعانيه من الصحابة والتابعين. ولانّ المسلمين كانوا يعلمون أنّ تلك الالفاظ هي كلام الله تعالی، فقد كانوا يجدّون في حفظها كلمةً كلمة، فظهر من ذلك علم القراءة. ثمّ جري تدوين الصرف والنحو لحفظ تلك الالفاظ من الخطأ في الإعراب والبناء والصحّة والاعتدال. ولم يكن تدوين هذين العلمَين ميسوراً بدون تتبّع اللغة والقواعد الادبيّة. ثمّ ظهر علم المعاني والبيان لفهم فصاحة القرآن وبلاغته. ثمّ احتاج المسلمون من أجل فهم تفسير كتاب الله الكريم ومعانيه إلی أكثر العلوم، كالتأريخ والهيئة والكلام وأمثالها، ليمكنهم بذلك تفسير آيات القرآن. ولانّ القرآن أمر باتّباع الرسول وإطاعته، فقد احتاجوا إلی تدوين كلامه، فانهمكوا في تدوين أحاديث النبيّ وصاروا في صدد جمع كلامه. ثمّ إنّهم اضطرّوا ـ من أجل تشخيص الاحاديث الكاذبة عن الصحيحة علی التأمّل في علل النفوس، ليعلموا الصفات الموجودة في النفوس البشريّة التي تدفع البشر إلی الكذب أو تجبرهمعلی التزام الصدق، لانّ اختلاق الكذب له علل وقواعد منظّمة في نفوس البشر؛ والتزام الصدق كذلك. فصاروا محتاجين إلی معرفة رواة الحديث وتمحيص أحوالهم وملكاتهم، فنشأ من ذلك علم الحديث والدراية والرجال. ونظراً لورود الامر في القرآن بمعرفة الوقت والقِبلة للصلاة، فقد اضطرّ المسلمونعلی تعلّم الهيئة والنجوم لتعيين اتّجاه القبلة وأوقات الصلاة، فأحوجتهم الهيئة والنجوم إلی سائر فروع الرياضيّات. ونظراً لامتلاك قوانين الميراث والفرائض الإسلاميّة حساباً معقّداً، فقد دفعهم ذلك لتعلّم علم الحساب. ثمّ انصرفوا إلی تعلّم مساحة الارض وعلم الهندسة لحلّ أُمور الزكاة والخراج. وقد فتح الجهاد والحجّ للمسلمين أبواب السفر والسياحة والاطّلاععلی أحوال الاُمم المختلفة ودول العالم الاُخري، فألّف هؤلاء المجاهدون والحجّاج كتباً في الجغرافيا وأمثالها. ولقد نهي القرآن عن تقليد الآباء والاجداد، وأوجب الدعوة إلی الدين الحقّ وإلی التحقيق في الادلّة؛ وكان مخالفو الإسلام ومنكرو الاديان يحاججون المسلمينعلی الدوام، فأُجبر المسلمونعلی التباحث معهم عن طريق الاستدلال. فتعلّموا في هذه السبيل أقوال حكماء إلیونان وغيرهم، واكتسبوا طريقة الاستدلال والمنطق. الأعداد الأوروبیة مأخوذة من العربیهوهكذا، إذا تأمّلت ونظرت بدقّة، وجدتَ أنّهم تعلّموا جميع العلوم ببركة القرآن. أمّا بالنسبة إلی علمَي الفقه والاخلاق، وطريق السير والسلوك وتهذيب النفس، التي هي غاية السير الإنسانيّ، فقد نشأت من القرآن بطبيعة الحال، ولاحاجة لذكرها. وقد استدلّ العلماء بالآيات القرآنيّة واستشهدوا بهاعلی الخصوص في أكثر أبواب العلوم ». [11] أجل، فإنّ إلیونانيّين لم يجهلوا علم الحساب فحسب، بل كانوا كذلك يكتبون الاعداد بكيفيّةٍ لو أراد المسلمون استخدامها في بيان أعداد كبيرة، وعلي الاخصّ عند ضرب أعداد كبيرة، لامتنع ذلك عليهم وتعذّر؛ ولذلك فقد اخترع العرب الاعداد من الواحد إلی العشرة بهذه الكيفيّة: ( 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10 ) ثمّ قلّدهم الاُوروبّيّون المتأخّرون في استعمال تلك الاعداد، فجعلوا أعدادهمعلی الهيئة التإلیة: ( 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 ) ويحتاج توضيح هذا المطلب إلی الإتيان بالاعداد إلیونانيّة ( وهي الارقام الروميّة ) وبيان بحثٍ مختصر بشأنها، ثمّ ذكر اقتباس الاُوروبّيّين وتقليدهم. جاء في كتاب «تابلِن بوخ» الالمانيّ شرح الاعداد الروميّة، كما يلي:
( الاعداد الروميّة ) Zahlen Rخmische
ومن ملاحظة هذا الجدول يُستنتج أنّ أُصول الاعداد الروميّة هي عبارة عن:
فإذا وُضع عدد إلی يمين عددٍ من الاعداد، فإنّه يُضاف إلی ذلك العدد، أمّا لو وُضع إلی يسار ذلك العدد فإنّه يجب انقاصه منه. فـ « V » مثلاً يمثّل عدد خمسة « 5 »؛ فإن وضعنا عدد « I » إلی يمينه فصار « VI » فإنّه يصبح عدد « 6 ». أمّا لو وضعناه إلی يساره « IV » لاصبح عدد « 4 »، وهكذا.... وبهذه الطريقة فإنّ بعض الاعداد تصبح طويلة جدّاً، فالعدد « 3333 » مثلاً سيكتب بهذه الصورة: « MMMCCCXXXIII »؛ والعدد « 3898 » سيُكتب بهذه الصورة: « MMMDCCCXCVIII ». أمّا لو أردنا ضرب هذه الاعداد في بعضها، فما الذي سيحصل يا تري؟! ومن أجل تلافي هذا النقص الذي يجعل الحساب بمثل هذه الاعداد صعباً أو مستحيلاً لعلماء الرياضيّات، فقد لجأ الاُوروبّيّون المتأخّرون إلی الاستفادة من الاعداد العربيّةعلی النحو التإلی: الهيئة الجديدة للاعداد العربيّة: الهيئة القديمة للاعداد العربيّة: ويُلاحظ أنّ هذه الاعداد الجديدة هي بعينها الاعداد العربيّة. ويسمّي الاُوروبّيّون هذه الاعداد بالاعداد العربيّة: ARABIC NUMBERS، كما يدعون الاعداد الروميّة باسم الاعداد الروميّة: ROMAN NUMBERS ( V - IV - III - II - I). من ضرورات الإسلام أن ألفاظ القرآن هی – بعینها – الوحی الإلهیإنّ أهمّيّة اللغة العربيّة تكمن في أنّ نفس ألفاظ القرآن ـ وليس معانيه هي وحيٌ مُنزَل، خلافاً للتوراة والإنجيل اللتين ألّفهما الناس فدوّنوا فيهما ألفاظ الانبياء حسبما شاءوا، ودوّنوا فيهما سيرة موسي وعيسيعلی نبيّنا وآله وعليهما السلام. وكان يُوحي إلی الانبياء السابقينعلی هيئة معانٍ ـ لا ألفاظ تُلقي إلیهم من قِبل الله عزّ وجلّ، فكانوا يبيّنونها بأيّ لفظ يشاءون. وربّما كانت ألفاظ الاحكام العشرة التي كُتبتعلی الالواح التي نزلتعلی النبيّ موسي عليه السلام تمثّل عين الوحي. أمّا القرآن الكريم فكلماته وألفاظه هي عين الوحي، وقد نزلت ألفاظه بخصوصها من قِبل الله المتعالعلی قلب رسول الله، ولم تكن المعاني تنزلعلی قلبه فيقوم ببيانها بأيّ لفظٍ شاء، وهذا المطلب من ضروريّات الإسلام. [13] وقد تناولنا سابقاً هذا الموضوع بالبحث، وكما أورد آية الله الشعرانيّ في كتاب « راه سعادت » ( = نهج السعادة )، فإنّ معني الآيات الواقعة في سورة القيامة: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * ( ولا تقلق من سقوط كلمة أو حرف ) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ و وَقُرْءَانَهُ و * فَإِذَا قَرَأْنَـ'هُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ و * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ و. [14] لا منافاة ل « فأنه نزله علی قلبک » مع نزول ألفاظ القرآنوأنّ الذين قالوا بأنّ المعاني كانت تُلقيعلی قلب رسول الله، فكان يبيّنها قد تكلّموا خلاف ضروريّات الإسلام، فإنّ: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَی قَلْبِكَ. [15] لا يتنافي مع نزول الالفاظ، لانّ روح القدس أنزل عين الالفاظ والكلمات. المتكلّم في القرآن الكريم هو الله تعالی، والمخاطَب هو رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم بعين الحروف والالفاظ. قيل: إنّ عثمان أراد بعد زمن رسول الله أن يجمع القرآن، فقال في الآية المباركة في سورة التوبة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ إلیمٍ. [16] بأنّ الواو زائدة وينبغي أن تُحذف، لانّ معني الَّذِين يَكْنِزُونَ تامّ، فالمجيء بالواو قبلها ليس عطفاً ولا استئنافاً ولا قَسَماً، وينبغي أن تُسقَط هذه الواو الخإلیة من المعني. فقال أُبَيّ بن كَعْب ـ وكان من القرّاء المشهورين، وله مكانة لدي رسول الله وعامّة المسلمين: لقد أخذتُ الآية من رسول الله بالواو ويجب ألاّ تُسقَط! ودام الجدل بين عثمان وأُبيّ حول هذا الموضوع لمدّة ستّة أشهر، حتّي غلب رأي أُبيّ، فدُوّنت الآية في نُسخ القرآن بالواو. لقد نزل القرآن الكريم تدريجيّاً طوال ثلاث وعشرين سنة، وكان النبيّ كلّما نزل عليه القرآن، يتلوهعلی المؤمنين، وكانت تلك هي طريقة دعوة الناس إلی الإسلام. إنّ دعوة الناس إلی الإسلام في الجزيرة العربيّة لم تكن بحاجة إلی تبليغ وإعداد مُسبق، فكانت قراءة آيات القرآنعلی الناس هي الدعوة إلی الإسلام. وكانت هذه الآيات العربيّة المعجزة ذات المعاني الرشيقة والالفاظ البديعة من علوّ القدر وغِني المضمون بحيث كان المخالفون يدعونها سحراً ويلقّبون الرسول الاكرم بالساحر العظيم. ولم يُخْفِ رسول الله والمسلمون القرآن عن أحد، وكان الناس يتعلّمون القرآن فيكتبونه ويحفظونه عن ظهر قلب. وكانوا إذا توجّهوا إلی مكانٍ يدعون فيه المشركين وعبدة الاصنام إلی الإسلام، يصطحبون معهم عدّة سور من القرآن. وحين هاجر المسلمون إلی الحبشة، اصطحبوا معهم السور التي نزلت قبل ذلك التأريخ، ثمّ قرأ جعفر الطيّارعلی النجاشيّ ـ ملك الحبشة سورة مريم، فأسلم النجاشيّ عند سماعها. وبهذه الكيفيّة فقد انتشرت السور القرآنيّة في زمن رسول الله في جميع جزيرة العرب، وانتشر القرآن في كلّ مكان، وعمّ الإسلام كلّ أرجاء بلاد الجزيرة. وتوجّبعلی كلّ مسلم أن يقرأ في كلّ ركعة من صلاته سورة فاتحة الكتاب وقدراً من القرآن عن ظهر قلب، وكان يؤمّ المسلمين في جماعتهم أقرأَهم للقرآن، طبقاً لامر الرسول الاكرم لهم: لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ؛ فكان ذلك باعثاًعلی ترغيب الناس في حفظ القرآن. وبذلك فقد حفظ عدد كبير لا يُحصي من المسلمين في بلاد الحجاز كلّ واحدة من السور القرآنيّة أو قاموا بكتابتها. فقد حفظ سورة يس ـ مثلاً عشرة آلاف نفر، وحفظ سورة الرحمن عشرون ألف نفر، وحفظ سورة الحمد عدّة ملايين منهم، كما حفظ السور الاطول، كسورة البقرة، أعداد أقلّ من ذلك. فلم تبقَ سورة لم يحفظها الناس عن ظهر قلب. وكان الناس مختلفين في حفظهم للقرآن، فكانوا يحملون من القرآن القدر الذي يستظهرونه منه عن ظهر قلب. فكان بعضهم يستظهر عشر سور، وبعضهم خمسين سورة، وكان عدد منهم قد حفظ جميع القرآن عن ظهر قلب أو كان قد استنسخ سورة كاملةً، وكانوا يمتلكون علماً وإحاطةً بجميع القرآن، مثل أمير المؤمنين عليه السلام و أُبيّ بن كعب و عبد الله بن مسعود. [17] کان جمع الآیات و السور و تسمیتها فی عهد رسول اللهثمّ قال آية الله الشعرانيّ رضوان الله عليه: « و كان تركيب السور القرآنيّة من آيات، واحتواء كلّ سورةعلی عدّة آيات، وتعيين موضوع كلّ آية في السورة التي ترجع إلیها، أُموراً يعيّنها النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم من قِبل الله تعالی. وكان لكلّ سورة اسماً خاصّاً اشتهر في زمن النبيّ. فكان النبيّ إذا قال: سورة طه أو سورة مريم أو سورة هود، عرف الناس السورة التي يقصدها. فقد قال النبيّ مثلاً: شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ، فعرف جميع الناس أيّ سورة يقصد، إذ كان الآلاف منهم قد كتبوا تلك السورة واستظهروها عن ظهر قلب. وهذه الاُمور معلومة بالتواتر ولا يطرأ إلیها الشكّ. دقة المسلمین فی ضبط آیات القرآن و کلماتهوكان المسلمون حين يحفظون القرآن ويستظهرونه في عصر النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، يعدّون التسامح في ألفاظه أمراً غير جائز. وكما نحفظ نحن سورة الحمد وسورة أُخري عن ظهر قلب ونواظبعلی قراءتها دون خطأ في حرف منها، فقد كان الناس يحفظون آيات القرآن في ذلك العصر بهذه الدقّة، فكانوا مثلاً لا يجيزون استعمال لفظ دَنَتْ بدل لفظ اقْتَرَبَتْ، مع ترادف اللفظين. ثم ظهر علم النحو في القرن الهجريّ القمريّ الاوّل لضبط حركات القرآن. فلم تكن الدقّة التي بذلها الصحابة والتابعون والقرّاء السبعة في أداء الكلمات القرآنيّة وليدة الساعة، بل كانت امتداداً للدقّة المبذولة في عصر النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم في ضبط الحروف. وأكبر دليلعلی هذا المطلب هو الحروف المقطّعة في أوائل السور، فقد ورد في عدّة مواضع حروف ا ل´ر، وورد في أحد المواضع ال´م´ر، وفي أحدها طـس´، وفي أحدها طـس´م´، وفي عدّة مواضع حم´ وفي موضع واحد حم´ * ع´س´ق´. فقد بُذِل ـ إذاً ـ اهتمام تامّ بالحروف، وكان تغيير الحروف أو تقديمها وتأخيرها يعدّ أمراً غير جائز. ثمّ إنّهم دوّنوا بسم الله في أوائل جميع السور عدا سورة براءة، وهذا أيضاً من أدلّة تعبّدهم. ولو كانوا مختارين في ترتيب السور والآيات، أو كانوا يعدّون التصرّف فيها جائزاً، لدوّنوا بسم الله في مطلع سورة براءة أيضاً. أمّا قول البعض بأن بسم الله هي كلمة رحمة، وإنّ براءة كلمة عذاب، لذا فإنّهم لم يدوّنوا بسم الله في مطلع سورة براءة لهذا السبب، فهو غير صحيح، إذ هناك كثير من السور التي تبدأ بذكر العذاب، إلاّ أ نّها ابتُدِأَت بأجمعها بـ: بسم الله. فكان عدم كتابة البسملة في بداية سورة براءة محض متابعة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم؛ ولولا ذلك، لكان ينبغي عدم كتابة بسم الله في بداية سورة هَلْ أَتَب'كَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وبعد ارتحال خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله وسلّم جري تدوين نسخة من القرآن الكريم في عهد أبي بكر تطابق ما كان في أيدي الناس، فأُودِعَتْ لدي حفصة، وعُدّت نسخة رسميّة، من أجل الرجوع إلیها، إذا تصرّمت الاعوام وانقرضت الطبقة الاُولي من حفّاظ القرآن، وتفرّق المسلمون في البلاد العريضة، فحصل في نقل سور القرآن التي تُنقل بين الصدور أو بالاستنساخ خطأٌ أو سهو. ثمّ جري في عهد خلافة عثمان استنساخ عدّة نسخعلی ذلك المصحف القديم فأُرسلت كلّ نسخة إلی بلد من البلدان ووُضعت في المساجد الكبيرة ليرجع إلیها النُّسَّاخ والقرّاء لإصلاح السهو والخطأ الذي قد يحصـل في نُسـخهم، فحافظـوا بذلـكعلی القرآن الكريم كامـلاً كلمةً فكلمة، وحرفاً فحرفاً، حتّي عصرنا الحاضر. وجوب طبع کتابة القرآن علی ما کان علیهولقد وعد الله تعالی وحتّمعلی نفسه حفظ القرآن، في قوله تعالی: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ و وَقُرْءَانَهُ [18]، وها قد تحقّق هذا الوعد الإلهيّ. وقد بذل المسلمون في ضبط القرآن دقّة كبيرة، بحيث إنّهم إذا وجدوا في نسخ الصدر الاوّل المخطوطة بالخطّ القديم كلمةً تخالف قواعد الخطّ المعهودة، حفظوها في النسخ المتأخّرة في تلك الكيفيّة، وعدّوا تغييرها أمراً غير جائز. وعلي سبيل المثال، فإنّ الالف ينبغي أن تُكتب بعد الواو في الفعل الوارد بصيغة الجمع، وقد رُوعيت هذه القاعدة في نسخ القرآن في عصر الصحابة إلاّ في كلمات جَآءُو، و فآءُو، و بَآءُو، و سَعَوْ فِي´ ءَايَـ'تِنَا في سورة سبأ؛ و عَتَوْ عُتُوًّا في سورة الفرقان، و الَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ في سورة الحشر، حيث إنّها دُوّنت في نسخهم بدون ألف، فترك المتأخّرون إيراد الالف ولم يُجيزوا كتابتها، من أجل أن نعلم الامانة والدقّة التي نقلوا بهما القرآن، وأ نّه عارٍ عن التحريف. كما أ نّهم كتبوا الالف واواً في عدّة مواضع، كما في بَلَـ'´ؤٌا مُّبِينٌ في سورة الدخان. كما أنّ التاء في آخر الكلمة تُكتبعلی هيئة هاء، كما في سُنَّة و رَحْمَة؛ أمّا في نسخ القرآن في عهد الصحابة فقد كُتبت بعضها في هيئة تاء طويلة، فلم تُغيّر كتابتها. مثل كلمة رحمت التي كتبت بتاء طويلة في سور البقرة، الاعراف، هود، مريم، الروم والزخرف؛ وكلمة نعمت في سور البقرة، آل عمران، المائدة، إبراهيم، النحل، لقمان، فاطر، والطور؛ وكلمة سُنّت في سور الانفال، فاطر، وغافر، بينما كُتبت في سائر المواضع الاُخري هاءً. كما أ نّهم كتبوا بالتاء الطويلة: كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَي'، و فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَهِ، و الْخَـ'مِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَهِ، و شَجَرَتُ الزَّقُّومِ، و قُرَّتُ عَيْنٍ، و جَنَّتُ نَعِيمٍ، و بَقِيَّتُ اللَهِ خَيْرٌ، كما كتبوا بالتاء الطويلة كلمة امْرَأَت حيثما استُعملت مُضافةً، مثل: امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ، وكلمة مَعْصِيَت في: قَدْ سَمِعَ.[19] كما أ نّهم كتبوا كلمة شَيْء أينما وردت بالشين وإلیاء، إلاّ في سورة الكهف: وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَايْءٍ، فقد فصلوا بين الشين وإلیاء بألف؛ فحفظت هذه الكتابة دونما تغيير. وكذلك فقد أقحموا ألفاً بين لاَ في لاَاذْبَحَنَّهُ، و لاَاوْضَعُوا، و لإإلَی الْجَحِيمِ دون حاجة إلیها، لمجرّد المتابعة. كما أ نّهم كتبوا ياءً زائدة في كلمة نبأ في نَبإِي الْمُرْسَلِينَ، وفي ءَانَآيءِ إلیلِ في سورة طه؛ وفي تِلْقَآيءِ نَفْسِي في سورة يونس؛ وفي مِن وَرَآيءِ حِجَابٍ في سورة الشوري؛ و إِيتَايءِ ذِي الْقُرْبَي' في سورة النحل؛ و بِلِقَآيءِ رَبِّهِمْ ولِقَآيءِ الاْخِرَةِ في سورة الروم، بينما لم يكتبوها في نظائرها. وممّا يثير العجب أ نّهم كتبوا يائين بدلاً من ياء واحدة في كلمة بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ، و بَنَيْنَـ'هَا بِأَيْيدٍ، فحُفظت تلك الكتابة. ونظير هذه الاُمور كثير في القرآن الكريم، ويحتاج إلی مجال خاصّ لبيانه. ومن المؤسف كثيراً أنّ هذه النكات لم تجرِ مراعاتها في نسخ القرآن المطبوعة في إيران جهلاً وتساهلاً، ممّا يعدّه مسلمو باقي الممالك تعمّداً وعناداً، نعوذُ بالله. وقد شملت هذه الدقّة والاهتمام في كتابة الكلمات القرآنيّة أمر أداء حروفها وحركاتها. فقد قرأ حفص ـ مثلاً ـ في أحد المواضع يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا في سورة الفرقان بإشباع فِيهِي، بينما قرأ نظائره بلا إشباع، أمّا ابن كثير فقد قرأها بأجمعها بالإشباع. كما قرأ في موضـعين هما: عَلَيْهُ اللَهَ، و أَنسَـانِيهُ في سـورتَي الفتح والكهف، بضمّ هاء الضمير، بينما قرأ النظائر الاُخري بالكسر. وأمثال ذلك كثير في علم القراءة، وله دلالةعلی اهتمام الناس في زمن النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم وحتّي الآن؛ ومن المحال أن يحتمل امرؤ أنّ تغييراً أو تحريفاً أو زيادة أو نقصاناً قد طرأعلی القرآن، وقد طرأت في هذا الامر خزعبلات وأباطيل في أذهان الناطقين بالفارسيّة، اتّخذ منها المعاندون ذريعة يتشبّثون بها في الفساد. وكيف يتصوّر عاقل أنّ تغييراً أو نقصاناً قد طرأعلی القرآن، ويستبعد أن يطرأ التحريفعلی حديث نقله نفر واحد؟! لقد قرأ ملايين الناس سورة الحمدعلی هذا النحو الموجود في المصاحف، فكيف يتصوّر أنّ هؤلاء قد سهوا وأخطأوا بأسرهم، أمّا ذلك النفر الواحد الذي نقل سورة الحمدعلی نحوٍ آخر لم يَسْهُ ولم يَنْسَ؟!» [20] قال آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله تربته في كتابه النفيس «قرآن در اسلام» ( = القرآن في الإسلام ) متحدّثاً عن أسماء سور القرآن: « إنّ انقسام القرآن الكريم إلی سور متعدّدة له أساس قرآنيّ، شأنه في ذلك شأن انقسامه إلی آيات. وقد ذكر الله تعالی اسم السورة في عدّة مواضع من كلامه، كما ذكر اسم الآية أيضاً: سُورَةٌ أَنزَلْنَـ'هَا ( سورة النور، الآية 1 )؛ وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ ( سورة التوبة، الآية 86 )؛ و فَأْتُوا بُسورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ( سورة البقرة، الآية 23 )، ونظائر هذه الآيات. وتُسمّي السورة أحياناً بالاسم الذي يرد فيها، أو الموضوع الذي تبحث عنه. فيُقال مثلاً: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء سورة التوحيد؛ وكثيراً ما شوهد في المصاحف القديمة أ نّهم كانوا يكتبون في مطلع السورة: سورَةٌ تُذْكَرُ فِيهَا البقرة، و سُورَةٌ يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عمرانَ. وقد يحصل أحياناً أن تُجعل الجملة الاُولي في السورة عنوانَ تلك السورة، كأن يُقال: سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وسورة إِنَّا أَنزَلْنَـ'هُ، وسورة لَمْ يَكُنْ، ونظائرها. كما يحصل أحياناً أُخري أن تُعرَّف السورة من خلال الصفة التي تحملها، فيُقال سورة فاتحة الكتاب، سورة أُمّ الكتاب، و السَّبْعُ المَثَانِي،[21] سورة الإخلاص، سورة نِسْبَةُ الرَّبِّ، [22] ونظائر ذلك. وكانت هذه الاسإلیب مستعملة في صدر الإسلام، يشهد بذلك الآثار الموجودة؛ حتّي أ نّه شوهد كثيراً في الاخبار النبويّة في زمن النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم تسمية سور القرآن مثل سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة هود، وسورة الواقعة. ومن هنا يمكن القول بأنّ كثيراً من هذه الاسماء قد تعيّنت في عصر النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّمعلی إثر كثرة الاستعمال، وإنّها لا تحمل أيّ جانب توقيفيّ شرعيّ ». [1] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 174؛ وفي طبعة مصـر مع تعليق الشـيخ محمّد عبـده؛ ج 1، ص 330. [2] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 108؛ وفي طبعة مصر مع تعليق عبده: ج 1، ص 216. [3] ـ الآية 31، من السورة 43: الزخرف. [4] ـ الآيات 26 إلي 35، من السورة 43: الزخرف. [5] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 18، ص 102. [6] ـ يقول: «إنّ كلّ ما هو خارج ذاتك لاينفعك؛ فشمِّر لبناء ذاتك إن اليومَ أو غداً!». [7] ـ «الكامل في التاريخ» ج 2، ص 162 و 163، طبعة بيروت، دار صادر. [8] ـ «حلية الاولياء» ج 1، ص 77، طبعة مصر، مطبعة السعادة. [9] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 36، كتاب فضل العلم، باب صفة العلماء؛ طبعة المطبعة الحيدريّة. [10] ـ «الغدير» ج 10، ص 53، طبعة المكتبة الاءسلاميّة. [11] ـ كتاب «راه سعادت» (= نهج السعادة) في إثبات نبوّة خاتم الانبياء وأدلّة حقّانيّته وحقّانيّة الدين الاءسلاميّ، والردّ علي شبهات النصاري والمعاندين، ص 49 إلي 51، الطبعة الاُولي. [12] 1 ـ جري استنساخ هذه الاعداد من ص 221 من كتاب ألمانيّ اسمه «كتاب اللوحات الفنّيّة الصناعيّة للعامل» ( = TABELLENBUCH FغR METALLGEWERBE ) [13] ـ يقول ابن حزم الاندلسيّ الظاهريّ في كتاب «الاءحكام إلي أُصول الاحكام» ج 2، ص 77، و 82 و 86 بعد بيانٍ في عدم جواز النقل بالمعني في أحاديث رسول الله صلّي الله عليه وآله: «وأمّا مَن حدَّث وأسند القول إلي النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم وقصد التبليغ لما بلغه عن النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم، فلا يحلّ له إلاّ أن يتحرّي الالفاظ كما سمعها، لا يبدّل حرفاً مكان آخر وإن كان معناهما واحداً، ولا يقدّم حرفاً ولا يؤخّر آخر. وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلّمها وتعليمها ولا فرق. وبرهان ذلك أن النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم علّم البراء بن عازب دعاءً وفيه: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فلمّا أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء علي النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم، قال: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فقال النبيّ عليه السلام: لا، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فأمره عليه السلام كما تسمع ألاّ يضع لفظة رسول في موضع لفظة نبيّ، وذلك حقّ لا يحيل معني، وهو عليه السلام نبيّ. فكيف يسوغ للجهّال المغفّلين أو الفسّاق المبطلين أن يقولوا إنّه عليه السلام كان يُجيز أن توضع في القرآن مكان عَزِيزٌ حَكِيمٌ: غَفُورٌ رَحِيمٌ، أو: سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وهو يمنع من ذلك في دعاءٍ ليس قرآناً، والله تعالي يقول مُخبراً عن نبيّه صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم: مَا يَكُونُ لِي´ أَنْ أُبَدِّلَهُ و مِن تِلْقَآيءِ نَفْسِي. [14] ـ ذيل الآية 34، من السورة 9: التوبة. [15] ـ الآيات 16 إلي 19، من السورة 75: القيامة. [16] ـ جاء في صدر الآية 102، من السورة 16: النحل: قُلْ نَزَّلَهُ و رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ؛ وجاء في صدر الآية 97، من السورة 2: البقرة: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ و نَزَّلَهُ و عَلَي' قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَهِ. [17] ـ قال سماحة العلاّمة الطباطبائيّ قدّس سرّه في كتاب «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 120، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة: «وقد انصرف سكّان المدينة إلي قراءة القرآن وتعليمه وتعلّمه زمن حياة النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، وكانوا يستمعون إلي الآيات القرآنيّة التي كانت تنزل تدريجيّاً من النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم. فيحفظونها وكانوا يعرضون عليه ما حفظوا من القرآن. وصار بعضهم في قراءة القرآن مرجعاً يُرجع إليه في التعليم، فكان طلبتهم يروون قراءتهم ويسندونها إلي أساتذتهم وكانوا يحفظون عادةً ما يتعلّمونه منهم. وكان الوضع السائد آنذاك يفرض مثل ذلك الحفظ والرواية، فقد كان الخطّ المستعمل في الكتابة آنذاك هو الخطّ الكوفيّ الخالي من النقطة والاءعراب، فكانت كلّ كلمة تحتمل عدّة أشكال من القراءة. وكان عامّة الناس ـ من جهة أُخري ـ أُمّيّين لا سبيل لهم إلي ضبط الكلام إلاّ بحفظه وروايته. فصارت تلك السيرة سنّة مُتّبعة، وستبقي تذكاراً خالداً للاجيال القادمة». [18] ـ الآية 17، من السورة 75: القيامة. [19] ـ أي في سورة المجادلة، وهي: «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها» (م). [20] ـ «راه سعادت» (= نهج السعادة) ص 133 إلي 136. [21] ـ جاء في الهامش: يُقال لسورة الحمد فاتحة الكتاب باعتبار وقوعها أوّل القرآن، كما تُدعي السبع المثاني باعتبار اشتمالها علي سبع آيات. [22] ـ جاء في الهامـش: تُدعي سورة قُلْ هُوَ اللَهُ بسـورة الاءخلاص لاشـتمالها علي التوحيد الخالص؛ كما تدعي نسبة الربّ باعتبـار وصفها للّه تعالي، إذ إنّ النسـبة تعني الوصف. |
|
|