|
|
ضرورة التکلم باللغة العربیة لجمیع المسلمینأجل، فقد أوردنا في هذه الابحاث أنّ من الواجبعلی المسلمين أن يحافظواعلی اللغة العربيّة حيّةً، فهي لغة القرآن الكريم؛ وحياتها بتوسعة استعمالها في المحاورات العامّة، وبالتكلّم بها، ومن خلال تدوين الكتب والرسائل بها، وتدريسها رسميّاً في المدارس، بل في دور حضانة الاطفال، بل في البيوت بين العوائل وعند التحدّث إلی الاُمّهات. فكلّما زادوا من إدخال الكلمات العربيّة في لغتهم، صارت تلك اللغة أقرب إلی القرآن الكريم، وكلّما زادوا من إقحام كلمات غير عربيّة فيها، سواء كانت الكلمات المقحمة كلمات قديمة من نفس اللغة أم من اللغات الاجنبيّة الاُخري، أضحت تلك اللغة بعيدة عن القرآن. ومحصّل المطالب أنّعلی الفرد المسلم أن يتّجه إلی استعمال العربيّة في المحاورات، وإلی تعلّم قواعد العربيّة، وحفظ مفرداتها، بحيث يصل إلی درجةٍ يتمكّن معها من التحدّث بالعربيّة بطلاقة. سواء في ذلك أكانت لغته الاُمّ هي العربيّة أم غيرها. وعلي المسلم الذي يصلّي، ويقرأ القرآن ونهج البلاغة، ويتحتّم عليه اكتساب أحكامه الضروريّة في الفقه والاخلاق والعرفان من أولياء الدين، والمسلم الذي يشترك في مناسك الحجّ ويشترك مع المسلمين في مساعيهم ويطّلععلی أحوالهم، ويشترك في المؤتمرات والاجتماعات العامّة للمسلمين فيخطب أو يستمع لخطبة غيره، عليه أن يُتقن العربيّة بحيث يفهم معني الصلاة التي يصلّيها، والقرآن الذي يتلوه، ويفهم معني دعاء كميل الذي يدعو به ويبكي متفاعلاً معه، بحيث يفهم كلام الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام. وبغير ذلك فإنّ عليه أن يدرك هذه المطالب عن طريق ترجمة الغير، وذلك ممّا يبعد عليه الشقّة ويعسر عليه. إنّ اتّحاد لغة المسلمين من الاهمّيّة بمكان، شأنه في ذلك شأن اتّحاد تأريخهم. وعلي المسلم ـ عند الإمكان أن يجعل لغته الاُمّ هي العربيّة التي تعدّ أغني اللغات، والتي تفوق الفارسيّة ملاحةً واقتداراً. أمّا عند عدم الإمكان، فيجب عليه أن يجعل العربية لغته الثانية، ليمكنه الاستفادة من مزايا هذا الدين. أمّا بدون ذلك، فإنّ الدين سيلوح له كشج بعيد وسرابٍ لا يمكنه بلوغه.[1] ولهذا السبب نفسه يسعي الاستعمار الكافر جاهداً في جعل الإنجليزيّة اللغة الاُولي ( الاُمّ ) أو الثانية للمسلمين. [2] إنّنا لا نقول بأنّ من يجهل العربيّة لا دين له، وليس مسلماً؛ بل نقول بأ نّه لا يتمتّع بجميع مزايا الإسلام وفوائده وفضائله. إنّ مقولة أعداء الإسلام بأنّ الإيرانيّين قد حافظواعلی لغتهمعلی امتداد التأريخ، وصانوها عن الذوبان في اللغة العربيّة، فأظهروا بذلك ردّ فعلهم المخالف للإسلام، هي كلام أجوف لا نصيب له من الصحّة والاعتبار. يجيب المرحوم الشهيد المطهّريّ رحمة الله عليهعلی هذه المقولة بقوله: « لو كان إحياء اللغة الفارسيّة من أجل مكافحة الإسلام أو العرب أو العربيّة، لكان الإيرانيّون قد أ لّفوا في الفارسيّة وقواعدها النحويّة وقواعدها في الفصاحة والبلاغة بدلاً من تإلیفهم هذا الحشد الكبير من الكتب في العربيّة وقواعدها النحويّة وقواعد الفصاحة والبلاغة العربيّة؛ أو كانوا ـعلی أقلّ تقدير يمتنعون عن ترويج العربيّة ونشرها وإشاعتها. إنّ الإيرانيّين لم يعنوا بالفارسيّة عناداً منهم أوعداء للإسلام أو للعرب؛ كما أ نّهـم لم يعدّوا العربيّة لغةً أجنبيّة، بل اعتبـروها لغة الإسـلام لا لغة العرب وحدهم. وحيث إنّهم كانوا يرون في الإسلام ديناً يتعلّق بجميع المسلمين، فإنّهم اعتبروا أنّ العربيّة أيضاً ممّا يتعلّق بهم وبجميع المسلمين الآخرين. والحقيقة هي أنّ اللغات الاُخري من قبيل الفارسيّة، التركيّة، الإنجليزيّة، الفرنسيّة والالمانيّة هي لغات تتعلّق بأُمم وأقوام خاصّة، فإنّ العربيّة تمثِّل لغة كتاب عالميّ هو القرآن. فالفارسيّة ـعلی سبيل المثال هي لغة تتعلّق بقوم معيَّن وأُمّة معيّنة. وقد اشترك أفراد كثيرون في إبقائها لغةً حيّة. بحيث لو لم يكن كلّ واحد من هؤلاء بمفرده موجوداً، لما أثّر ذلك في بقاء الفارسيّة في العالم. فالفارسيّة ـ إذاً ـ ليست لغةً مختصّة بفردٍ معيَّن ولا بكتابٍ معيَّن. فهي ليست لغة الفردوسيّ، ولا لغة الردوكيّ، ولا لغة النظاميّ، ولا لغة سعدي، ولا لغة حافظ ولا أيّ شخص آخر غيرهم، بل هي لغة الجميع. أمّا اللغة العربيّة فهي لغة كتاب واحد هو القرآن الكريم؛ والقرآن وحده هو عامل حياة وبقاء اللغة العربيّة وحفظها عن الاندثار. وجميع الآثار التي أُلِّفت بعد نزول القرآن ودوّنت باللغة العربيّة، إنّما وجدت في ظلّ القرآن ولاجله. وعلوم القواعد التي وجدت لهذه اللغة، إنّما وجدت من أجل القرآن. والذين خدموا هذه اللغة وألَّفوا الكتب فيها، فعلوا ذلك لاجل القرآن الكريم. حتّي أنّ الكتب التي ألّفت بالعربيّة في حقول الفلسفة، العرفان، التأريخ، الطبّ، الرياضيّات، الحقوق وغيرها، كانت لاجل القرآن. فالحقّ أنّ العربيّة هي لغة كتاب، وليست لغة قوم أو أُمّة. وإذا ما كان أفراد كبار يكنّون احتراماً لهذه العربيّة يفوق ما يكنّونه للغتهم الاُمّ، فقد كان ذلك لا نّهم لم يعتقدوا بأنّ هذه اللغة متعلّقة بقومٍ معيَّن دون غيرهم، فكانوا ـ لذلك ـ لا يعدّون في عملهم حطّاً من شأن أُمّتهم أو قوميّتهم. لقد كان أفراد الاُمم غير العربيّة يحسّون بأنّ العربيّة هي لغة الدين، بينما لغتهم الاُمّ لغة قوم وأُمّة. وقد أنشد المولويّ في ديوانه « مثنوي » أبياتاً معروفة بالعربيّة، قال فيها: اقْتُلُونِي اقْتُلُونِي يَا ثِقَات إنَّ فِي قَتْلِي حَيَاةً فِي حَيَاة ثمّ قال: پارسي گو گر چه تازي خوشتر است عشق را خود صد زبان ديگر است [3] وقد رجّح المولويّ في هذا الشعر العربيّةعلی الفارسيّة لغته الاُمّ، لانّ العربيّة هي لغة الإسلام. وقد دوّن سعدي في الباب الخامس من ديوانه « گلستان » حكايةً في هيئة محاورة مع شابّ من « كاشغر » كان يقرأ كتاب مقدّمة الزمخشريّ في النحو، يتحدّث فيها عن الفارسيّة والعربيّة، واصفاً الفارسيّةَ بأ نّها لغة العوامّ، والعربيّةَ بأ نّها لغة أهل العلم والفضل. ويقول حافظ في غزله المعروف: اگر چه عرض هنر پيش يار بي ادبي است زبان خموش وليكن دهان پر از عربياست [4] وتبعاً لما ذكـره المـرحـوم القزوينيّ في كتاب « بيسـت مقاله » ( = عشرون مقالة )، فإنّ أحدَ مَن تخبّطوا في شباك الحماقة ـ وهم ليسوا قليلين ببركة الخطط الاستعماريّة كان يعتب دائماًعلی حافظ لقوله في هذا الشعر بأنّ العربيّة هي لغة الادب والفنّ ». [5] إنّ كلّ ما ذكره المرحوم الشهيد المطهّريّ في هذه العبارات صحيح وصائب، كما أنّ قوله بأن العربيّة هي لغة القرآن مطابقٌ للصواب؛ لكنّه لم يوضِّح هذا المعني كما هو أهل أن يُوضَّح. فاستنتج بأنّ التمسّك بالإسلام والتديّن بالقرآن يحصلان مع حصر لغة الفرد بلغته الاُمّ وعدم التكلّم بالعربيّة، أو عدم ضرورة التكلّم بالعربيّة. وإشكالنا ينصبّعلی هذه النكتة. فمن الصحيح أنّ العربيّة هي لغة القرآن، بَيدَ أنّ القرآن لمّا كان متعلّقاً بجميع المسلمين، فإنّ العربيّة أيضاً ستكون متعلّقة بجميع المسلمين. ولو وُجد شخص لا يستطيع التكلّم بالفارسيّة، فإنّه يجب ألاّ يُعَدّ من أُمّة فارس؛ كما أنّ شخصاً لو عجز عن التكلّم بلغة القرآن، فإنّه يجب ألاّ يعدّ من الاُمّة القرآنيّة، ولقد غالط في شرح هذه العبارة فقال: لو أنّ زيداً لم يتكلّم بالفارسيّة، فإنّ الفارسيّة لن تبرح موجودةً في العالم، إذ إنّها ليست خاصّة بشخصٍ معيّن. والكلام هو في هذ النقطة، إذ إنّ من الطبيعيّ أنّ الفارسيّة ستبقي، لكنّ الكلام في أنّ زيداً لو لم يتكلّم بالفارسيّة وعجز عن التحدّث بها، فهل سيعدّ من أهل فارس أم لا؟ وإذا عجز شخصٌ عن التحدّث بالعربيّة لغة القرآن، فهل سيعدّ من أهل القرآن أم لا؟ إنّ بين هذين المطلبين فرقاً شاسعاً. من الواضح أنّ زيداً لو لم يتكلّم بلغة القرآن، فإنّ القرآن سيبقي موجوداً، لكنّ زيداً لن يكون حينذاك زيداً قرآنيّاً. وكان من الاحري أن يقول: إنّ الفارسيّة مختصّة بأُمّة وقوم فارس. أمّا القرآن فهو لجميع الاُمّة الإسلاميّة من الفرس والترك والعرب والهنود. وإنّ الرجل لَيُعَدُّ فارسيّاً حين يُتقن الفارسيّة؛ وإنّه ليعدّ من أهل القرآن حين يعرف العربيّة، إذ العربيّة لغة القرآن. وبغضّ النظر عن ذلك؛ فما الذي تعنيه مقولة أنّ العربيّة هي لغة القرآن؟! أتعني أ نّها اللغة القرآنيّة المكتوبةعلی صفحات القرآن والمحفوظة بين الدفّتَين؟! أم القرآن الحيّ الموجود في الصدور، والذي يواجهه الناس في محاوراتهم ومعاملاتهم وعباداتهم وأحكامهم واجتماعاتهم، فيتحدّث إلیهم، ويشير لهم إلی الطريق السويّ؟ بَلْ هُوَ ءَايَـ'تٌ بَيِّنَـ'تٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ. [6] ستتساوي حينئذٍ مقولة « العربيّة لغة القرآن » مع مقولة « العربيّة لغة المسلمين ». یجب أن تکون اللغة العربیة اللغة الأًم لجمیع المسلمینوحقّ المطلب هو أ نّنا قد اعتدناعلی لغتنا الاُمّ وعرفنا حلاوتها وتكلّمنا بها، وأ نّها لغتنا السهلة، لذا صرنا لا نرغب في استبدالها بغيرها، ولو كانت اللغة البديلة أفضل من لغتنا الاُمّ. وحين نعلم بأنّ اللغة العربيّة أكثر اقتداراً وإحكاماً وملاحظة وجاذبيّة من الفارسيّة، وأ نّها لغة غنيّة بلحاظ سعة المصطلحات الادبيّة والطبّيّة والجغرافيّة والصيدلانيّة، وحتّي في المصطلحات الفيزيائيّة والكيميائيّة، وأ نّها لا تضطرّنا ـ كما تفعل الفارسيّة ـ إلی الاستفادة من المصطلحات الاجنبيّة، وإلی إقحام أصل أو مشتقّ من اللغات اللاتينيّة في لغتنا في هيئة اسم. وحين نعلم أ نّها لغة القرآن الكريم التي يعتمد عليها ديننا ومذهبنـا، فَلِمَ لا نجعل العربيّة لغتنا الاُمّ منذ البداية، فنعلّمها لاولادنا منذ طفولتهم؟! إنّنا لو حافظناعلی اللغة الفارسيّة، وتعلّمنا إلی جانبها اللغة العربيّة. فإنّ سعة معلوماتنا ستكون بنفس القدر الذي امتلكناه سابقاً، وينطوي هذاعلی عدّة عيوب: الاوّل: أنّ جميع أفراد الشعب لن يكونوا قادرينعلی التكلّم بالعربيّة، ولا عُشر معشارهم، بل لن يتمكّن واحدٌ من كلٌ ألف منهم من التكلّم بها. الثاني: أ نّنا لو أردنا تعليم رجل فارسيّ حديثاً أو آيةً من آيات القرآن، فإنّ عليه أن يعبر بالمعني في ذهنه من حجاب الترجمة ليدركه في نهاية المطاف. لذا فإنّه سيفهم ذلك المطلب فهماً مشوّهاً، أشبه بحبل تعترضه العُقد، أو قطعة قماش رُقّعت بأُخري، بخلاف تعليمنا نفس الحديث أو الآية لشخص عربيّ، لا نّه سيفهم المطلب بسرعة، بل سيحفظ ذلك الحديث وتلك الآية في ذهنه. إنّكم تشاهدون أنّ الاطفال الناطقين بالعربيّة يحفظون القرآن بسهولة ويُسر؛ وأنّ كثيراً منهم يُتمّون حفظ القرآن في سنيّ الرابعة عشر والخامسة عشر، بينما يعسر ذلكعلی الاطفال الناطقين بالفارسيّة. والثالث: أنّ تعلّم اللغة ليس أمراً سهلاً، بل يستلزم قضاء العمر وصرف الوقت، ويتطلّب من المرء سلامةً وفراغاً. وينبغيعلی الإنسان أن يصرف هذا الوقت ويغتنم هذه الفرصة في كسب علوماً ذات موضوعيّة لا طريقيّة. وليس معرفة اللغة كمالاً في حدّ نفسه، وليس علماً، بل تمثّل اللغة آية وطريقة لاكتساب العلوم الواقعيّة. وفي هذه الحال فإنّ الاكتفاء بلغةٍ واحدة سيوصل الشخص إلی كماله المطلوب أسرع بكثير، بينما تعلّم لغتين أو عدّة لغات سيجعل ذلك الشخص يملا ذهنه بالكلمات والاصطلاحات غير الاصيلة، لا نّه يصل إلی كماله بطريقين أو بعدّة طُرق. وبالطبع، فإنّ الضرورة تستلزم أحياناً تعلّم لغة أُخري، إلاّ أنّ ذلك ينطبقعلی البعض فقط، ويحصل ضمن إمكان وشرائط خاصّة. لماذا نجبر جميع الناسعلی تعلّم لغتَين: اللغة الاُمّ واللغة العربيّة؟ إنّنا نستطيع اختصار الطريق منذ بدايته، فنجعل اللغة العربيّة هي اللغة الاُمّ، لنكون قد طوينا نصف المسافة مجّاناً وبلا عوض. والسبيل لتنفيذ هذا الامر يتلخّص فيما يلي: علينا أن نجعل العربيّة اللغة الثانية في المرحلة الاُولي. أي أن نعوّد جميع الناسعلی التحدّث بالعربيّة بكثرة استعمال مفرداتها، وبإبعاد الكلمات والمفردات الفارسيّة وغير العربيّة، بحيث يتمكّن الرجال والنساء من التحاور بالعربيّة والمذاكرة بها. ثمّ نقول للرجال والنساء في المرحلة الثانية: عليكم من الآن فصاعداً أن تتكلّموا بالعربيّة مع أطفالكم الصغار الذين يبدأون بنطق الكلمات. فبهذه الطريقة ستصبح اللغة ـ وبصورة سريعة مفاجئة ـ لغة القرآن العربيّة. ومضافاً إلی جميع مزايا العلم والمعرفة التي ستعود من ذلك، فإنّ الوحدة بين المسلمين ـ وإحدي جهاتها وحدة لغة القرآن ستتفتّح بأفضل صورة وأتمّها. علی العلماء أن یدوّنوا المطالب العلمیة باللغة العربیة لقد درس هذا الحقير سابقاً في الفرع الفنّيّ، فكان لي اطّلاععلی اللغة الالمانيّة، وقمت بترجمة بعض الكتب الدراسيّة من الالمانيّة إلی الفرنسيّة. ثمّ إنّ مؤلّفاتي وكتاباتي في قم والنجف الاشرف كانت باللغة العربيّة فقط. فكانت الكتب المستقلّة وتقريرات دروس الاساتذة والرسائل الفقهيّة مُدوّنه بأجمعها بالعربيّة. ثمّ كتبت رسـالتَين بالعربيّة عند عـودتي مـن النجف، إحداهما عن رؤية الهلال ضمن مكاتباتي مع سماحة آية الله الخوئيّ قدّس سرّه؛ والاُخري « رسالة بديعة في تفسير آية: الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَی النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ عَلَي' بَعْضٍ»، جري فيها البحث عن عدم جواز تصدّي المرأة للحكومة والجهاد والقضاء؛ كما ألَّفتُ كثيراً من المسائل الفقهيّة ( التي لم تُطبع بعد ) باللغة العربيّة. أمّا وقد قامت الثورة الإيرانيّة العظيمةعلی أساس نهضة الإسلام والقرآن، وشاهدت تعطّش الناس للمعارف، فقد وجدت من اللازم عَلَيّ أن أشرع بتإلیف دورة في العلوم والمعارف الإسلاميّة باللغة الفارسيّة، لتصـل إلی أيدي مسـلمي إيـران بسـرعة، وتروي أرواحهـم بهذه العلـوم الإسلاميّة الاصيلة. ولولا ذلك لكان لزاماً أن يكون تإلیفي بالعربيّة أيضاً، حفظاًعلی جميع جوانبها الإسلاميّة، وتمكيناً لجميع الإخوة المسلمين من الناطقين بالعربيّة في داخل إيران وخارجها، من الاستفادة منها. وآمل أن تُترجم جميع هذه الآثار إلی العربيّة، ليتلافي هذا القصور اللا اختياريّ. وأُوصـي جميـع أبنائي وأصدقـائي الطلبة أن يؤلّفـوا جميع آثارهم بالعربيّة إلاّ حيثما اقتضت الضرورة؛ ثمّ يقوموا بترجمة آثارهم إلی الفارسيّة عند الحاجة. ولقد كان هذا هو دأب العلماء الاعلام ودأب ممسكي زمام العلم والمعرفة، وديدن المتبصّرين الخبراء بالقرآن وبأُمور المسلمين، من قديم الايّام حتّي يومنا هذا. حتّي أنّ كثيراً من الحكّام والوزراء وأصحاب المناصب والولاية خلال الالف سنة الاخيرة، من العلماء الكبار في الحديث والتفسير والحديث والفلسفة والهيئة والفقه وغيرها، قد كانت جميع مصنّفاتهم مدوّنة بالعربيّة. وكانوا يُعَدّون من رواة الحديث، ولهم مجالس لبحث الحديث وسماعه. « يقول ( القزوينيّ ) في مقدّمة كتاب « أحاديث مثنوي » ] تإلیف فروزانفر [ ضمن بيانه التسرب التدريجيّ للاحاديث النبويّة في جميع شؤون الإسلام العلميّة والادبيّة؛ يقول نقلاً عن « الانساب » للسمعانيّ: وكان الكثير من الاُمراء والوزارء ممّن شجّعوا الشعراء وحموا الكتّاب والمؤلّفين، يعدّون بأنفسهم من رواة الحديث. فمثلاً كان الامير أحمد بن أسد بن سامان « المتوفّي سنة 250 ه. ق ) وبنوه: أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد ( المتوفّي في شهر صفر لسنة 295 )؛ وأبوالحسن نصر بن أحمد ( المتوفّي في جمادي الآخرة سنة 279 )، وأبو يعقوب إسحاق بن أحمد ( المتوفّي في 21 صفر سنة 301 ) وهم من الامراء والولاة السامانيّين،[7] مذكورين، في طبقات الرواة. وكان الامير إبراهيم بن أبي عمران سيمْجور وابنه أبوالحسن ناصر الدولة محمّد بن إبراهيم من أكابر الاُمراء السامانيّين وقائد خراسان في عداد رواة الحديث. وكان أبوعلی مظفّر ( أو محمّد ) بن أبي الحسن ( المقتول في رجب سنة 388 ) ـ وكان أمير خراسان، ومن المطالبين بالاستقلال راوياً للحديث، وكان له مجلس لإملاء الحديث. وكان أبو عبد الله الحاكم بن البيّع ( صاحب كتاب « المستدرك » المعروف، والمتوفّي سنة 450 ه. ق ) يسمع منه».[8] وإذا كان الإسلام قد زاد اقتداراً وقوّة إثر اعتناق علماء إيران للإسلام والتزامهم بنهجه؛ فإنّنا نتساءل: لو كانت العربيّةُ لغةَ الشعب الإيرانيّ، أفلم تكن هذه القوّة والاقتدار الحاصلَين أكثر منهما في الحالة الاُولي؟! وعلي الرغم من أنّ أدوارد براون ينقل عن دوزي المستشرق الهولنديّ المعروف في كتاب « الإسلام » قوله: « إنّ الإيرانيّين كانوا أهمّ الاقوام الذين غيّروا دينهم. فقد كانوا هم ـ لا العرب الذين جعلوا الإسلام ديناً راسخاً مقتدراً، والذين ظهرت منهم أبرز الفرق الإسلاميّة ». [9] فإنّنا نتساءل: ألم تكن هذه الآثار التي دوّنها العلماء الإيرانيّون بالعربيّة ستزيد في قوّة الإسلام واقتداره، لو وُجدت في محيط إيران وكان جميع أفراده من الناطقين بالعربيّة؟! إنّ ممّا يثير العجب أن يقول المرحوم الشهيد المطهّريّ رحمة الله عليه: « لو كانت اللغة الفارسيّة قد تلاشت واضمحلّت، لما كان لنا إلیوم مثل هذه الآثار والإبداعات الإسلاميّة الفريدة، ك « مثنوي » و « گلستان » و « ديوان حافظ » و « ديوان النظاميّ » ومئات الآثار الجميلة الاُخري. ويا ليت ـ إذاً لو كان بين المسلمين مئات اللغات الاُخري المماثلة للفارسيّة، ليمكن لكلٍّ منها أن تُسدي إلی الإسلام بخدماتها بما تمتلك من قابليّات خاصّة!»[10]. ونردّ بقولنا: لو كان الملاّ الروميّ وسعدي وحافظ والنظاميّ يضيعون بضياع الفارسيّة، لكان الامرعلی ما تفضّل به؛ أمّا مع حياة هؤلاء العظماء وانغمارهم في الادب العـربيّ وتإلیفهـم للـ « مثنوي » و « گلسـتان » و « ديـوان حافظ » و « ديوان النظاميّ » باللغة العربيّة، فالله وحده يعلم أيّ تأثير كبير كانوا سيتركون! أوَليس في أيدينا الآثار العرفانيّة والادبيّة لابن الفارض المصريّ الذي عاش قبل حافظ بما يقرب من مائة سنة؟ أم أنّ دواوين السيّد المرتضي والسيّد الرضيّ ومَهْيار الديلميّ والصاحب بن عبّاد وصولاً إلی شعراء عصرنا الحاضر العرب من أمثال السيّد حيدر الحلّيّ و السيّد صالح الحلّيّ والسيّد إسماعيل الشيرازيّ هي أدني في القدرة الشعريّة من ديوان النظاميّ و « بوستان » سعدي الشيرازيّ؟! أوَليست « مقامات » الحريريّ وبديع الزمان الهمدانيّ المؤلَّفة بالعربيّة في مصافّ ديوان « گلستان » سعدي الشيرازيّ؟ وافرضوا أنّ الملاّ الروميّ وسعدي وحافظ والنظاميّ يفوقون ما ذكرناهم في القريحة والقابليّة، لكنّ هؤلاء الاعلام والعظماء المتفوّقين لو صرفوا قرائحهم وقابليّاتهم في اللغة العربيّة، فصاغوا دواوين من أمثال « مثنوي » و « گلستان » وأبدعوا مثل « ديوان حافظ » و « ديوان النظاميّ » بلغةٍ ألطف وتعابير أكثر اقتداراً وقوّة، أفلم يكونوا سيقدّمون أعمالاً أعظم، تستحوذعلی القلوب والافئدة أكثر ممّا فعلت سابقاتها؟! إنكم تقرّون بأنّ العربيّة لغة أوسع وأقوي، وأنّ قدرتها وشمولها هو الذي جعل من الفارسيّة لغة قويّة عالميّة. فإن كان الامر كذلك، فأيّ تأثيرٍ كانت ستتركه آثار هؤلاء الاعلام لو كانت مدوّنة بالعربيّة، في محيط عربيّ لشعب ذي قريحة وقابليّة كالشعب الإيرانيّ؟ إنّ التأسّفعلی فقدان هذه الكتب، كتأسّف ذلك الشابّ الذي قيل له: تزوّج من الفتاة الفلانيّة الجميلة ذات الاصالة والشرف، لتنجب أولاداً ذوي شرف وأصالة! فقصّر في هذا الامر، وتزوّج من فتاة دونها في الشرف والاصالة والجمال، فأنجبت له أولاداً. وحين عوتبعلی ذلك وقيل له: لِمَ لَم تتزوّج من تلك الفتاة؟! ردّ يقول: لو تزوّجت منها لما كان لي هؤلاء الابناء! ويُقال في جوابه: أكانت تلك الفتاة عقيمة؟ أكان زواجك منها سيحرمك من الاولاد! أم أنّ تلك الفتاة كانت ستنجب أولاداً أفضل وأكثر أصالة! إنّ أمثال هذا الاستدلال لا يعدّ برهاناً، بل مغالطةً لا يُنتظر أمثالها من أهل الفلسفة.[11] جنایات أتاتورک والبهلوی علی القرآن واللغة العربیةلقد بذل الاستعمار قصاري جهده لإسقاط القرآن واللغة العربيّة في الممالك الإسلاميّة، فجاءوا ب أتاتورك ـ واسمه مصطفي كمال باشا في تركيا، ولقّبوه بهذا اللقب الذي يعني أبو الاتراك[12]؛ فألغي حجاب النساء، واستبدل الملابس التركيّة بالملابس الاُوروبّيّة والقبّعة؛ وجعل المساجد القديمة ـ من أمثال مسجد « أيا صوفيّة » متاحفاً، بحيث إنّ مَن يردها للتفرّج لاحقّ له في أداء الصلاة داخلها؛ ومنع قراءة القرآن في المدارس، وحرّم استعمال العربيّة، حتّي وصل به الامر إلی أن غيّر قراءة القرآن والصلاة والاذان والإقامة إلی اللغة التركيّة الإسلامبوليّة. وكان خإلی المرحوم قد تشرّف بالذهاب إلی مكّة قبل خمسين سنة، فعاد عن طريق الشام وتركيا، وكان يقول: كان المؤذِّن في تركيا يرقي المنارة في وقت الاذان فينادي: اَللهْ بُيُوكْ ديرْ؛ مُحَمَّدْ سَفيرِ ياخْچي ديرْ وهكذا إلی آخر الاذان، يعني: الله كبير، محمّد سفير جيّد. ولقد غيّر أتاتورك الحروف أيضاً، وكانت الحروف التركيّة تماثل الحروف العربيّة فأبدلها إلی الحروف اللاتينيّة، وبذلك قطع ارتباط هذا الشعب ليس مع مسلمي العالم فحسب، بل ومع الثقافة الإسلاميّة العظيمة وملايين الكتب المدوّنة في التأريخ والحديث والتفسير والطبّ والهيئة والفقه والمعارف والفلسفة والعرفان وغيرها، بذريعة أنّ حروف الكتابة ينبغي أن تكون عالميّة، والخطّ اللاتينيّ هو الخطّ العالميّ في العصر الحاضر، وينبغي كتابة هذه الكتب بهذا الخطّ للاستفادة منها. ومن الواضح أ نّهم لو أرادوا كتابة تلك الكتب بهذا الخطّ اللاتينيّ، لاستغرق ذلك منهم أكثر من ألف سنة. وها هي رابطة الجيل الحديث مع تلك الثقافة تنفصم بسرعة مُذهلة، وسوف لن يوجد ـ بعد انهماك الناس بالكتابة باللاتينيّة ـ شخص يعرف الكتابة بالخطّ العربيّ، ليعيد كتابة الكتب المؤلّفة إلی العربيّة. يضاف إلی ذلك عشرات ومئات المفاسد العظيمة الاُخري التي تنجم عن تغيير الخطّ. وبالنتيجة فإنّ ملايين الكتب القديمة الخطّيّة وغير الخطّيّة ستبقي متروكة في رفوف مكتبات تركيا دون أن يستفيد منها أحد. ويوجد حإلیاً في مكتبات تركيا عدد لا يُحصي من الكتب الخطّيّة الفريدة بخطّ مؤلّفيها أو بخطّ يرجع تأريخ نسخه إلی زمن قريب من زمن تإلیفها، وقد رُقّمت ونُظّمت لها فهارس، فهي تُعرض في المتاحف والمكتبات باعتبارها آثاراً قوميّة قديمة، من أجل أن يتفرّج عليها الواردون، وخصوصاً الاجانب منهم. وباعتبار أنّ تركيا كانت مركزاً للحكم الإسلاميّ لما يقرب من خمسة قرون فإنّ تلك الكتب المجموعة هناك تُعدّ من أفضل وأنفس الذخائر العلميّة. لاحظوا كيف أنّ الاستعمار القبيح الوقح ذا المنظر الكريه المقرف، قد دفن هذه الكتب هناك في حقيقة الامر! تماماً أشبه بإحراق المكتبات من قبل الإسكندر وجنكيزخان، كلّ ما في الامر أ نّهم يفعلون ذلك بصورة حديثة، إذ يحفظون الكتب ويضعونها في مكتبات جميلة ورفوف جديدة، وينظّمون لها فهارس وتقسيمات. أمّا الاستفادة منها فهي للمستشرقين الذين يطالعونها ويستخرجون علومها، ثمّ يفتخرون علينا ـ نحن المسلمين ويتبجّحون علينا بأ نّهم أصحاب علم وفنّ جديدَين. أمّا الشعب التركيّ، فليس فيهم ـعلی امتدادهم وسابقتهم شخص واحد يمكنه قراءة تلك الكتب، فضلاً عن فهم معانيها ومحتوياتها! كما أنّ هذا الاستعمار قد قام بتفريغ أذهان الناس، وغسل أدمغتهم، فجعلهم بلا أصالة، ضحلين فارغين فأعدّهم بذلك لاستقبال حضارته بألوانها الخادعة المزيّفة العارية من كلّ حقيقة وواقعيّة. ولقد حُرِّم ارتداء لباس أهل العلم والعمامة في تركيا، حتّي للاجانب، وصارعلی مَن يضع قدمهعلی أرض تركيا أن يكون بلا عمامة، وإلاّ عُدّ مجرماً تعتقله الشرطة. وصار الاتراك من أهإلی تركيا عندما يتشرّفون بالسفر إلی مكّة لاداء مناسك الحجّ، لا يتكلّمون مع غيرهم من المسلمين، لجهلهم بالعربيّة، ولا يستطيعون قراءة القرآن وسائر الكتب المدوّنة بالعربيّة. وفي المسجد الحرام ومسجد المدينة المنوّرة، حيث يحمل جميع المسلمين ـ حتّي الهنود والباكستانيّين نُسَخ القرآن وينهمكون في تلاوته، لا يُشاهَد في أتراك تركيا مَن يُمكنه قراءة القرآن. لقد ألغي أتاتورك الدين الرسميّ ( الإسلام )، وقال: إنّ الدولة لا تحمل صبغة معيّنة! ثمّ إنّه أبدل العطلة الاُسبوعيّة، فجعلها يوم الاحد بدلاً من يوم الجمعة. خیانة محمدعلی فروغی فی عهدی رضا خان ومحمدرضاالبهلویوفي نفس عصر أتاتورك، جاء الإنجليز برضاخان إلی السلطة في إيران فاقتفي آثار أتاتورك في إلغاء الحجاب والعمامة، ومنع التكلّمعلی المنابر، وحاصر المساجد، وتقرّر أن تُحوَّل أبواب المساجد من الشوارع الرئيسيّة إلی الازقّة. وكان تدريس العربيّة يبدأ من الابتدائيّة، فجعله يبدأ من المرحلة المتوسّطة، في وضع سخيف ومُهين جدّاً. وحذف قراءة القرآن في المدارس، وكانوا يدرّسون طلبة الصفوف الخامسة والسادسة فقط آيات مُنتخبة من القرآن الكريم ربّما لا تزيد في مجموعها عن الجزء الواحد. وكانت تلك الآيات المنتخبة تعدّ زمنَ تصدّيعلی أصغر حكمت لمنصب وزارة التربية والتعليم، وكانت تُدعي حينذاك بوزارة المعارف، حسب نظر وإقرار محمّدعلی فروغي ( ذكاء الملك ) وهو من الماسونيّين المعروفين، ومن ذيول الغرب وخدمة البهلويّ المخلصين[13]، وكان له سمة الرئاسةعلیعلی أصغر حكمت، وكان رئيساً للوزارء لعدّة دورات حكوميّة. إنّ الآيات القرآنيّة ليست ممّا ينتخب ويُختار، فهي بأجمعها من قِبَل الله تعالی وينبغي أن تُقرأ، سواء في ذلك آيات الصلاة والصيام، وآيات العدل والإحسان، وآيات الجهاد والقتال، وآيات القصص والامثال. ولم يكن في الآيات المنتخبة التي كان فروغي يعدّها آية تتحدّث عن الجهاد والقتال وأمثال ذلك، بل كانت مجموعة من الآيات الاخلاقيّة التي يتساوي في قبول مضمونها المسلم والكافر. وقد أمر فروغي بوضع كرسي ومنضدة في مسجد مجد الدولة وبعض المساجد الاُخري في طهران، وكانوا يقيمون مجالس التأبين فيها، وكان المشاركون يجلسونعلی الكرسيّ مادّين أرجلهم فيتلون القرآن. وكان ذلك ممّا لم يسبق نظيره من مسلم، إذ لم يكن فيهم أحد يمدّ رجليه عند قراءة القرآن، ولم يكن فيهم أحد يضع منضدة وكرسيّاً في الجزء المسقّف من المسجد. وكان في نيّة فروغي أن يقوم بتلخيص القرآن، فيحذف منه الآيات المكرّرة وشبه المكرّرة، إلاّ أن الله سبحانه لم يمهله، وفاجأه سهم الغيب. ومع دخول الجيشين الروسيّ والإنجليزيّ إلی إيران، فقد حزم رضاخان حقائبه ـ حسب اقتراح فروغي الذي كان يشغل حينذاك منصب رئيس الوزراء وفرّ إلی إصفهان، ومنها إلی بندر عبّاس، حيث صعدعلی ظهر سفينة إنجليزيّة واتّجه صوب جزيرة موريس بعد أن توقّف في بعض الاماكن. ولم يمهله الاجل هناك طويلاً. وقد تغيّرت الاوضاع الدينيّة في إيران عموماً، فلم يستطع أعداء الإسلام الالدّاء من أمثال فروغي تنفيذ مقاصدهم الخبيثة. وقد احتلّ فروغي زمن حكم الإنجليز في إيران إلی نهاية الحرب منصب رئيس الوزراء في حكومة محمّد رضا ابن الشاه الهارب، وقد أنعمعلی محمّد رضا أسياده بلقب « آريامهر ». وقد راج من جديد في المدارس تدريس القرآن، وعمرت المساجد، وعاد الوعّاظ وأصحاب المنابر إلی إلقاء الخطب والمواعظ. وعادت العمامةعلی الرؤوس وأُلغي أمر منعها. وبمواجهة آية الله العظمي المرحوم الحاج آقا حسين القمّيّ وحركته من النجف وكربلاء إلی طهران، وإعلانه الحربعلی الشاه ودولته من أجل إعطاء الحرّيّة للشعب، وإعطاء الحرّيّة للنساء في أمر الحجاب، وإلغاء المدارس المختلطة، وتدريس القرآن والاُمور الشرعيّة، فقد تراجعت ـ وللّه الحمد والمنّة الدولة ولم يمكنها المواجهة، فتعهّدت بقبول اقتراحاته الخمسة، فأُلغي أمر منع الحجاب، وعاد الدين والتديّن ـ إلی حدٍّ ما إلی حالهما السابق في مستوي متوسط. [14] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَولقد شهدنا عياناً تحقّق وعد الله تعالی الذي ضمن حفظ القرآن، في قوله تعالی: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ. [15] وشاهدنا تحقّقه مرّة أُخري في هذه الثورة العظيمة التي انتفض فيها الشعب الإيرانيّ المسلم بأسره، فانهارت تلك الاباطيل، وانفضّت تلك المجالس، فهرب محمّد رضا كأبيه، وانحشر داعية « بوّابة الحضارة الكبير » في ثقب من ثقوبها، فحمل الشاه حقيبته بيده فارّاً من مكان إلی آخر، حتّي لفظ أنفاسه في مصر بعد مدّة قصيرة، وفي قلبه جبال من الحسرة والامانيّ الخائبة، من نيابة كورش وسلطنة ألفي وخمسمائة عام. وتجلّت آيات الله المعجزة، الواحدة بعد الاُخري، أمام أعين هذا الشعب المظلوم النجيب. وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّي' يَأْتِيَ وَعْدُ اللَهِ إِنَّ اللَهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.[16] وفي عاتق أساتذة ومعلّمي المدارس الملتزمين أن يبذلوا قصاري جهدهم في تعليم القرآن والادب العربيّ، وأن يحذفوا الكلمات الفارسيّة لـ « زند » و « أوسـتا » مـن الكتب، ويسـتعملـون بـدلاً منها الكلمات العـربيّة الفصيحة المليحة. وإذا لوحظ في المراكز العليا أحداً ممّن يدافع بشدّة واستماتة عن الادب الزرادشتيّ، فعليهم أن يقيلوه من منصبهعلی الفور، فهذا الامر من مهام الثورة الإسلاميّة الاصيلة؛ وبغير ذلك فإنّ الثورة ستتحوّل إلی ثورة إقليميّة محدودة وتبتعد عن الإسلام والعربيّة. إنّ هدف الاستعمار وأُمنيّته هي أن يسير العربيّ تبعاً لقوميّته وينادي بعروبته؛ وأن يتابع الإيرانيّ مسيرة أجداده وأسلافه وإحياء سنّته القوميّة. إنّنا لا نرتبط بالعرب لعروبتهم، وإنّما نرتبط بهم لاجل الإسلام ولاجل القرآن. اين همه آوازهها از شه بود گر چه از حلقوم عبد الله بود[17] إنّ القرآن هو المعجزة، إذ لم يستطع ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. لا ینحصر إعجاز القرآن فی بلاغته، بل یعم جمیع شؤونهإنّ القرآن هو الذي يمتلك توحيداً ومعارفَ وأخلاقاً وأحكاماً حيّة معجزة، ناهيك عن فصاحته وبلاغته. يقول مؤلف كتاب « راه سعادت » ( = طريق السعادة ): « يقول بعض الاُوروبّيّين ممّن تعلّم العربيّة وطالع الكتب العربيّة: إنّ بعض الكتب العربيّة، مثل « مقامات » الحريريّ وبديع الزمان الهمدانيّ تماثل القرآن في عباراته، بل هي أفضل منه. و نُجيب قائلين إنّ أُولئك الاُوروبّيّين لم يكونوا مطّلعينعلی العربيّة، ولم يكونوا يدركون معني الفصاحة والبلاغة، لانّ البلاغة لاتعني في لغتهم ما تعنيه في العربيّة والفارسيّة. وكانوا لايفهمون الخصائص الذوقيّة، حتّي أ نّهم لم يكونوا يميّزون الوزن والقافية، فينظمون شعراً غير موزون. ثمّ إنّ الحريريّ وبديع الزمان لم يدّعيا معارضة القرآن ومماثلته. بل إنّ كثيراً من فصحاء العرب الذين يقرّ الحـريـريّ بأفضـليّتهم، من أمثال سَحْبان بن وائل، وابن نُباتة، والحجّاج بن يوسف، وأفضل منهم جميعاً: أمير المؤمنين عليه السلام صاحب « نهج البلاغة » لم يدّعِ أحد منهم مماثلة كلامه للقرآن. وتحتوي « مقامات » الحريريّ وبديع الزمان عدّة قصصعلی لسان شحّاذ كان ينتزع أموال الناس بلطائف الحيل. فقد جاء أبو زيد ـ شحّاذ قصّة الحريريّ إلی طـائفة من الناس فقال لهم: إنّ هناك بطلاً صنديداً كان يفتح القلاع ويُريق الدماء ويشترك في الحروب قد توفّي، ولا كفن له، فأريد منكم مالاً لاجهّزه به. فأعطوه شيئاً من المال. ثمّ إنّ أحدهم تبعه ليطّلععلی سرّه، ثمّ أمسك بتلابيبه بعد أن سارا مسافة وقال له: أين الميّت الذي أخبرتنا عنه؟! فَكَشَفَ عَنْ سَرَاوِيلِهِ وَأَشَارَ إلَی غُرْمُولِهِ. [18] ولبديع الزمان حكايات مخجلة أسوأ من هذه، نُعرض عن ذكرها[19]. فكيف تقاس بقوله تعالی: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي' * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي' * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي'´. [20] وينبغي قياس كلامَين في بلاغتهما إذا تحدّثنا عن مرامٍ واحد، فكان أحدهما أفضل من الآخر، لا إذا تحدّثا عن مرامين مختلفين ». [21 [1] ـ روي المجلسي في «بحار الانوار» ج 1، ص 212، حديث 7، الطبعة الحروفيّة، عن «الخصال» للصدوق، بسنده المتّصل عن الاءمام الصادق عليه السلام، قال: تَعَلَّمُوا العَرَبِيَّةَ، فَإنَّهَا كَلاَمُ اللَهِ الَّذِي يُكَلِّمُ بِهِ خَلْقَهُ؛ وَنَظِّفُوا المَاضِغَيْنِ، وَبَلِّغُوا بِالخَوَاتِيمِ! [2] يقول أحمد أمين المصريّ في كتاب «يوم الاءسلام» ص 144: بل إنّ فرنسا كان من دعوتها محاربة اللغة العربيّة لا نّها وسيلة للدين الاءسلاميّ والدين الاءسلاميّ وسيلة للتعصّب، فكلّ قطر لا يقوي وحده بإصلاحه ودعوته علي محاربة الاستعمار، لانّ الاستعمار أقوي منه، ولكنّ العالم الاءسلاميّ كلّه ـ بما فيه من ثلاثمائة مليون علي الاقلّ إذا أخلـص النيّة وصحّح العزم علي محاربة النصـرانيّة مجتمعة، وقد كان من أهمّ مباديء الاءسلام الحجّ كلّ عام ليكون مؤتمراً يتذاكر فيه المسلمون شؤون دينهم وحالتهم الاجتماعيّة ويرسمون الخطط لهذا الاءصلاح، كما كان من مبادي الاءسلام أن يكون المسلمون كلّهم تحت لواء خليفة واحد يرعي شؤونهم وينظر إلي مصالحهم، فهذان المبدآن كانا يوحّدان الغرض ويوحّدان العمل. [3] ـ يقول: «تحدَّثْ بالفارسيّة، وإن كانت العربيّة أجمل وأعذب، فللعشق مئات اللغات المختلفة!». [4] ـ يقول: «إنّ إظهـار الادب والفضـل عند الحبيب مـن سـوء الادب؛ لـذا فإنّ فمي مُطبقٌ، لكنّه مملوء بالعربيّة!». [5] ـ «خدمات متقابل اسلام وايران» ص 85 إلي 88. [6] ـ صدر الآية 49، من السورة 29: العنكبوت. [7] ـ السامانيّون من نسل بهرام چوبين القائد المعروف في عصر الساسانيّين. وكان يعدّ من أعدل سلاطين إيران وأكثرهم تديّناً. [8] ـ «خدمات متقابل اسلام وايران» ص 92 و 93. [9] ـ «خدمات متقابل اسلام وايران» ص 108. [10] ـ «خدمات متقابل اسلام وايران» ص 89 و 90. [11] ـ الطبعة الاُولي للكتاب «خدمات متقابل اسلام وايران»، وكان ذلك المرحوم قد أهدي للحقير نسـخة منه سـنة 1349 ه. ش، قبل ارتحـاله بعشـر سنوات تقـريباً. وقد ذكر الحقير في مقدّمة كتاب «لُبّ اللباب» الذي نُشر بمناسبة شهادته، أنّ ذلك المرحوم كان له حالات عرفانيّة وانقلابٌ في السنوات الاخيرة من عمره، حيث إنّ كتاباته وخُطبه في هذه المرحلة تتفاوت تماماً مع مثيلاتها السابقة، ويمكن إدراك هذه الحقيقة من المقارنة بينها. [12] ـ يقول أحمد أمين المصريّ في كتاب «يوم الاءسلام» ص 118 و 119: «وفي تركيا ظهر مدحت باشا يدعو إلي الاخذ من المدنيّة الغربيّة بقدر نافع والاقتباس منهم خير ما عندهم في نظم الحكم. ثمّ جاء مصطفي كمال ودعا إلي الاءصلاح من طريق آخر وهو التخفّف من العرب بلغتهم ودينهم كأنّ هذا ثقل عليه، وغمس الاُمّة كلّها في الحضارة الغربيّة بحذافيرها من غير تنقية ولا انتحال. وكان من دعائم إصلاحه؛ إلغاء وزارة الاوقاف وجعل تدبيرها لرئيس الاُمور الدينيّة وهيئة عمليّة استشاريّة بجانبه وإلغاء المحاكم الشرعيّة، والمدارس الدينيّة، وقصر التعليم الدينيّ علي كلّيّة اللاهـوت التي تتبـع الجامعة، وإلغـاء الطرق الصـوفيّة وإغلاق الزوايا والتكايا وتحريم الالقاب الصوفيّة من درويش ومريد وأُستاذ وسيّد وشلبي ونقيب... إلي آخره. وتحريم العرافة والسحر والتنجيم وكتابة التعاويذ والاحجبة، وتحديد الزيّ الدينيّ وعدم السماح به إلاّ لطائفة خاصّة كرئيس الاُمور الدينيّة والائمّة والخطباء والوعّاظ. ومنع الاءسراف في الجهاز والزواج، فلا ينقل جهاز علانية ولا تقام مآدب عامّة في الافراح. وسنّ قانوناً مدنيّاً بدل مجلّة الاحكام الشرعيّة حرّم فيه تعدّد الزوجات وخوّل لكلّ من الزوجَين الحقّ برفع قضيّة الطلاق لاسباب معيَّنة، وتحرير المرأة من حيث سفورها ومساواتها بالرجل سياسيّاً واجتماعيّاً ومدنيّاً. ففتح لها مجال الكسب والتوظّف في الوظائف. واعتبر الزواج شركة تتأ لّف من جزأين متساويَين، وشرَّع للمرأة حقّ أن تَنتخِب وتُنتخَب، وفصل الدين عن الدولة فلم يستخدم في التشريع ولا في الحكم ولا في الاءدارة، وغيّر كتابة اللغة التركيّة من الحروف العربيّة إلي الحروف اللاتينيّة. [13] ـ تحدّث إسماعيل رائين في ج 2، من كتاب «فراموشخانه وفراماسونري در ايران» (= المَحْفِل الماسونيّ في إيران) ص 43 إلي 54 عن عضويّة فروغي في «جماعة اليقظة الاءيرانيّة»، وأورد له صورة في ص 53 بدرجة الاُستاذ الاعظم كما ذكر أنّ له هذه الدرجة في ص 54. وقد ذكرنا في ج 3، البحث الخامس، من هذا الكتاب، «نور ملكوت القرآن» شرحاً عن «تاريخ زندگاني سياسي أحمد شاه» (= تأريخ الحياة السياسيّة للسلطان أحمد شاه) ص 245 و 246، الطبعة الثانية، تأليف حسين مكّي، أ نّه كُلِّف بمهمّة من قبل البهلويّ، حيث أرسله إلي أُوروبّا ليقابل أحمد شاه ومعه مبلغ مليون ليرة ليشتري منه سلطنته ويجلب منه ورقة باستعفائه. فأجابه أحمد شاه: لستُ مستعدّاً للمقايضة مقابل ألف ضعف من هذا المبلغ. فاذهب وقُل لاسيادك: لقد توهّمتم باطلاً! [14] ـ كان آية الله الحاج آقا حسين القمّيّ الطباطبائيّ في مشهد المقدّسة حين أُلغي الحجاب، فعاد إلي طهران لمقابلة البهلويّ فلم يأذن له، ثمّ إنّه وضع في حديقة «سراج» قرب الشاه عبد العظيم الحسنيّ (في مدينة الريّ)، دون أن يأذنوا لاحد بمقابلته. ثمّ أُبعد إلي العتبات المقدّسة. يقول المرحوم الاُستاذ آية الله الحاجّ الشيخ مرتضي الحائريّ أعلي الله مقامه: وقد سئل آية الله القمّيّ بعد ذلك: ماذا رميتم من مقابلة البهلويّ؟ قال: «أردتُ أن أعظه أوّلاً، فإن اتّعظ فبها، وإلاّ فقد كنت قد اصطحبت معي قرآناً، وقرّرت أن أُقسم عليه بالقرآن في المرحلة الثانية، فإن لم يتراجع، فإنّي كنت أنهض فأقفز نحوه فأمسك عنقه بيديّ وأخنقه حتّي يموت». فمرحباً بهذه الهمّة وهذه الغيرة! ومرّت سنوات طوال علي إلغاء حجاب النساء وتعريتهنّ (ما يقارب خمس سنوات، منذ 1314 إلي سنة 1318 ه. ش)، وكانت النساء والفتيات الاءيرانيّات العفيفات سجينات في بيوتهنّ لا يخرجن منها، ثمّ فرّ البهلويّ في الحرب، ودخلت قوّات الحلفاء إلي إيران، وصار ابن البهلويّ (محمّد رضا) ملكاً لاءيران، فعاد آية الله القمّيّ من العتبات المقدّسة إلي طهران لرفع الحظر عن حجاب النساء، فأَمَّ الناس في صلاتهم ثلاث ليالٍ في مسجد الشاه السابق (مسجد آية الله الخمينيّ فعلاً)، وكان أئمّة الجماعة في طهران قد التحقوا به في الصلاة احتراماً لمقدمه. وقد التحق الحقير به في الليلة الثالثة في ذلك المسجد، فاتّخذت مكاناً في الصفـوف الاُولي. وكان ازدحـام الناس من الشـدّة بحيث إنّ سطوح المسـجد كانت تغـصّ بالناس. وبعد الصلاة ارتقي المنبر واعظ طهران الشهير حينذاك، وهو العالم المتّقي الحاجّ عبد الله الصبوحيّ الطهرانيّ، فوقف علي ذروة المنبـر وخلـع عباءته وعمامته وشـمّر عن ساعديه وقرأ هذه الآية: رَبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلاْءيمَـ'نِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَامَنَّا إلي آخر الآية. ثمّ تحدّث مفصّلاً عن حال رسول الله وتحمّله الاذي من قريش في مكّة، وهجرته إلي المدينة مُجبراً، ثمّ عن انتصار الاءسلام في المدينة وتحرّك رسول الله إلي مكّة لفتحها يصحبه عشرة آلاف مقاتل. ولا تزال خُطبته العجيبة وصرخاته من علي المنبر ترنّ في أُذني إلي اليوم. ثمّ إنّه تحدّث عن حال آية الله القمّيّ وحال رسول الله، فشبّه بين حال القمّيّ وإبعاده وعودته ظافراً بحال رسول الله وهجرته وفتح مكّة. ثمّ قال: لقد جاء هذا السيّد حفيد رسول الله من كربلاء ليرجو الشاه أن يقرّ هذه الموادّ الخمس ويتعهّد بتطبيقها. ثمّ بادر إلي القول: لقد أخطأتُ. لقد أخطأت في كلامي. لقد قَدِم هذا السيّد ليأمر الشاه بإمضاء هذه الموادّ: حرّيّة ارتداء الحجاب، وبناء قبور أئمّة البقيع، وإزالة المدارس المختلطة، وتدريس الاُمور الشرعيّة في المدارس، وتوفير الطعام والغذاء للشعب. فإن وافق الشاه علي الفور فَبِهَا، وإلاّ فإنّكم سترون غداً أ نّنا سنجعل من عماماتنا أعلاماً ورايات فنسير خلف هذا السيّد للجهاد حتّي تُراق دماؤنا، فهذا السيّد لا أُمنية له غير الجهاد والشهادة. والقصّة مفصّلة، ونذكرها باختصار، ولقد أُجبر الشاه علي إمضاء الموادّ الخمس والموافقة عليها. [15] ـ الآية 9، من السورة 15: الحجر. [16] ـ ذيل الآية 31، من السورة 13: الرعد. ولقد أرادوا في إيران، ولمرّات عديدة، أن يستبدلوا الحروف بمثيلاتها اللاتينيّة. وكان سعيد النفيسـيّ، وهو من أسـاتـذة الجامعة ممّن ينحـدر من أصل يهـوديّ، يصرّ علي هذا الامر. إلاّ أنّ مباحثات بعـض أصحاب الاطّـلاع المنصـفين، وبخاصّة السـيّد محمّد محيط الطباطـبائيّ قد سـبّبت في إدانته وإحباط مسـاعيه. كما حصـلت محاولة اسـتبدال العطـلة الاُسبوعيّة في يـوم الجمعة بيـوم الاحـد، لكنّ سعيهم هذا ـ وكثير آخر مـن مسـاعيهم قد تبدّدت أدراج الرياح بسبب عاصفة الثورة الاءسلاميّة. [17] ـ يقول: «لقد كانت هذه الاغاني بأجمعها أغاني الشاه، ولو انبعثت من حُلقوم عبد الله». [18] ـ يقول في «أقرب الموارد»: غرمل، الغَراميل: الهضاب الحمر. وقال: الهضبة: الجبل المنبسط علي وجه الارض. وقيل: كلّ جبل خُلق من صخرة واحدة. وقيل: الطويل الممتنع المنفرد؛ ولا يكون إلاّ في حُمر الجبال، أو دون المرتفع من الجبال، أو ما ارتفع من الارض انتهي. [19] ـ إنّ الشيخ سعدي الذي يعتبر القمّة في الادب، والذي يُدعي أفصح المتكلّمين، له مطالب مبتذلة في ديوانه «گلستان» تحطّ من أوج بلاغته. ولقد درّس الحقير عدّة دورات من ديوان «گلستان» إلي أولادي في المنزل لتقوية إنشائهم ولتنمية قابليّتهم في الادب الفارسيّ، وكانت بعض الحكايات في باب الضعف والهرم وفي باب العشق والشباب مُخجلة إلي الحدّ الذي كنت معه أصرف النظر عن تدريسها، فأتخطّاها إلي غيرها. وكان هؤلاء الاطفال الابرياء يتحيّرون ويسألون: لماذا لا ندرس هذه الصفحات؟! أما «ديوان حافظ» فجميع أرجائه عشق وتجلٍّ وشهود وعرفان، وتعبيرات مختلفة عن طريق السلوك إلي الله تعالي. وجميعه درس وطريقة للعمل والسلوك في لباس الشعر والتشبيه والتمثيل؛ وبيان للمعارف العالية في لباس المجاز، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس. جزاه الله عن السالكين إلي الله خير جزاء السالكين، وعن المشتاقين إلي لقائه والفناء فيحرمه خيرَ جزاء المعلّمين. ولقد كان المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا علي آقاي القاضي رضوان الله عليه، وهو أُستاذ آية الحقّ والعرفان الحاجّ السيّد محمّد حسين العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه القُدسيّة يقول: ليس في أشعار سعدي رائحة للعرفان، وهي بأجمعها مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللَهِ عَلَيْهِ، عدا قصيدة واحدة وإثنان أو ثلاثة أشعار غزليّة. ومن بينها هذه الابيات: به جهان خرّم از آنم كه جهان خرم ازوست عاشقم بر همه عالم كه همه عالم ازوست زخم خونينم اگر به نشود به باشد خنك آن زخم كه هر لحظه مرا مرهم ازوست يقول: «أنا سعيد بالعالَم، لانّ العالَم سعيدٌ به، وأنا عاشق لجميع العالَم، لانّ جميع العالَم منه. وإن لم يَشْفَ جرحي الدامي فلا ضيْر؛ إذ هنيئاً للجُرح الذي يضع له الحبيب مرهماً كلّ لحظة». [20] ـ الآيات 1 إلي 3، من السورة 53: النجم. [21] ـ «راه سعادت» لآية الله الشعرانيّ، ص 196 و 197، الطبعة الاُولي. |
|
|