بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة جديدة / القسم الاول:المقدمه،صلاة الظهر التی أقیمت فی عرفات، خطبة النبی الا کرم فی منی،تفسیر آیة النسیء و تبیین منشاء...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّـي‌ اللهُ علـي‌ محمّـد وآلـه‌ الطَّاهـرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حـول‌ ولا قـوّة‌ إلاّ باللَه‌ الإعلی العظيم‌

 

لدي‌ تأليف‌ كتاب‌ «معرفة‌ الإمام‌» من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ وجدتُ حاجة‌ مُلحّة‌ لكتابة‌ مقدّمة‌ وتمهيد لواقعة‌ غدير خمّ بحثاً في‌ أوضاعها وجوانبها، ودرساً لظروفها وملابساتها ، وتعرّفاً علي‌ بيئتها ومشاهدة‌ أرضيّة‌ الافكار والآراءومواقفها التي‌ أثمرت‌ الإعلان‌ عن‌ تنصيب‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ للإمامة‌ والولاية‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ المطلقة‌.وذلك‌ لاجل‌ إرإة‌ بحث‌ جامع‌ عن‌ حجّة‌ الوداع‌ وسفر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ المدينةإلی مكّة‌ .

 وقد استوعب‌ بحث‌ الغدير بمفرده‌ أربعة‌ أجزاءمن‌ هذا الكتاب‌ ـ من‌ الجزء السادس إلی التاسع‌  وقد بحثنا دراسة‌ تحليليّة‌ قصّة‌ سفر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله إلی مكّة‌ في‌ السنة‌ العاشرة‌ للهجرة‌ ، وما اتّصل‌ بها من‌ خصائص‌ الوقائع‌ والملابسات‌ ، ممّا استغرق‌ قسماً من‌ الجزء السادس‌ .

 ومن‌ تلكم‌ الوقائع‌ خطب‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ مكّة‌ ، وفي‌ أرض‌ عرفات‌ ومني‌ . وفي‌ خطبته‌ في‌ مسجد الخيف‌ بمني‌ يوم‌ عيد الاضحي‌ ـ وهي‌ خطبة‌ في‌ غاية‌ الرفعة‌ والعلوّ ، تشمل‌ علي‌ كثير من‌ الاحكام‌ والتعاليم‌ والوصايا والمواعظ‌ ـ ورد ذكر «النسي‌ء» . والنسي‌ء هو تأخير أدإ الاحكام‌ والتكاليف‌ المقرّرة‌ في‌ شهر معيّن إلی  شهر آخر ، وتأجيلها إلي‌ زمن‌ لاحق‌ . وقد عدّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ هذا النسي‌ء ـ استشهاداً بآية‌ من‌ القرآن‌ ـ زيادة‌ في‌ الكفر ، وأعلن‌ أنَّ الفرائض‌ والاعمال‌ العباديّة‌ ينبغي‌ أن‌ يؤتي‌ بها علي‌ طباق‌ الشهور القمريّة‌ ، وهي‌ اثنا عشر شهراً ، أربعة‌ منها حُرُم‌ هي‌  : رجب‌ ، وذو القعدة‌ ، وذو الحجّة‌ ، والمحرّم‌ . ويحرم‌ تأجيل‌ الحجّ وسائر الواجبات‌ عن‌ وقتها المعيّن‌ في‌ الشرع‌ وفقاً للشهور القمريّة‌  .

 وأعلن‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قائلاً :

 ألاَ وَإنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ : ثَلاَثةٌ مُتَوالِياتٌ  : ذُو  القَعْدَةِ ، وَذو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرُّ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ .

 وكان‌ عرب‌ الجاهليّة‌ بسبب‌ تناسب‌ الفصول‌ من‌ اعتدال‌ الجوّ ، وموسم‌ التجارة‌ والبيع‌ ، يحوّلون‌ الحجّ من‌ الاشهر القمريّةإلی  الشمسيّة‌ ، وهو عمل‌ خاطي‌. وفي‌ هذه‌ السنة‌ ، وهي‌ السنة‌ العاشرة‌ من‌ الهجرة‌ استدار الزمان‌ كهيئته‌ يوم‌ خلق‌ الله‌ السماوات‌ والارض‌ . وبلغ‌ الحجّ في‌ الشهور القمريّة‌ علي‌ أساس‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ قد عُيِّن‌ له‌ .

 وبحول‌ الله‌ وقوّته‌ تبسّطتُ في‌ الحديث‌ عن‌ هذا الموضوع‌ ، والتحقيق‌ لاستقصإ أطرافه‌ وجوانبه‌ ، وبرهنتُ علي‌ أنَّ التقويم‌ القمري‌ّ ضرورة‌ من‌ ضرورات‌ الإسلام‌ . وأنَّ إلحاق‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ بالقمري‌ّ كما هو مألوف‌ في‌ عصرنا هذا عمل‌ خاطي‌ قد طُبِّق‌ اليوم‌ نتيجة‌ الغفلة‌ عن‌ مفاسده‌ ومثالبه‌ . ويجب‌ علي‌ الاقطار الإسلاميّة‌ كافّة‌ ـ تبعاً لضرورة‌ الدين‌  أن‌ تترك‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ الذي‌ شاع‌ في‌ أوساطها بسبب‌ تغلغل‌ الاستعمار الكافر .

 إنَّ أحد الاركان‌ المهمّة‌ للوحدة‌ الإسلاميّة‌ توحيد التأريخ‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يُعمَلَ به‌ علي‌ أساس‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ القمري‌ّ الذي‌ لا  ريب‌ فيه‌ من‌ حيث‌ اتّفاق‌ المسلمين‌ وإجماعهم‌ عليه‌ ، ومن‌ منظار التأريخ‌ ، والحديث‌ ، والسيرة‌ النبويّة‌ الشريفة‌ .

 وأتممتُ هذا البحث‌ الرائع‌ والنفيس‌ جدّاً ، فأصرّ بعض‌ العلمإ والاعلام‌ علي‌ طبعه‌ في‌ رسالة‌ مستقلّة‌ ليكون‌ في‌ متناول‌ أيدي‌ الناس‌ عامّتهم‌ ، ولا تقتصر الاستفادة‌ منه‌ علي‌ من‌ يطالع‌ كتاب‌ «معرفة‌ الإمام‌» فحسب‌ .

 فلبّيتُ طلبهم‌ ، ودوّنت‌ هذا البحث‌ بحذافيره‌ في‌ رسالة‌ مستقلّة‌ تحت‌ عنوان‌  «رسالة‌ جديدة‌ في‌ بنإ الإسلام‌ علي‌ الشهور القمريّة‌» ليستهدي‌ به‌ أُولو البحث‌ والتحقيق‌ جميعهم‌ .  وما أجري‌ إلاّ علي‌ الله‌ ، عليه‌ توكّلت‌ وإليه‌ أُنيب‌ والله‌ غاية‌ المسؤول‌ ونهاية‌ المأمول‌ .

 

 مشهد المقدّسة‌ قريب‌ من‌ ظهر يوم‌ الثاني‌ والعشرين‌ 

من‌ المحرّم‌ سنة‌ 1406 ه.ق

 السيّد محمّد الحسين‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ

 الرجوع الي الفهرس
 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

 وصلَّـي‌ اللهُ علـي‌ محمّـد وآلـه‌ الطَّاهـرين‌

 ولعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

 ولا حـول‌ ولا قـوّة‌ إلاّ باللَه‌ الإعلی العظيم‌

مسير رسول‌ الله‌ من‌ مكّةإلی عرفات‌

  قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌ :

 وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَ   هِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن‌ لاَ تُشْرِكْ بِي‌ شَيْئـًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآنءِفِينَ وَالْقَآنءِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن‌ فِي‌ النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَي‌' كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن‌ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَـ'فِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَهِ فِي‌´ أَيَّامٍ مَّعْلُومَـ'تٍ عَلَي‌' مَا رَزَقَهُم‌ مِّن‌ بَهِيمَةِ الاْنْعَـ'مِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآنءِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَ   لِكَ وَمَن‌ يُعَظِّمْ حُرُمَـ'تِ اللَهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ و  عِندَ رَبِّهِ   وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الاْنْعَـ'مُ إِلاَّ مَا يُتْلَي‌' عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْوْثَـ'نِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّوْرِ .[1]

 بعد الطواف‌ والسعي‌ وبيان‌ حكم‌ التمتّع‌ لمن‌ لم‌ يكن‌ معهم‌ هَدْي‌  توقّف‌  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  في‌  الابطح‌  شرقي‌ّ مكّة‌ أيّاماً قبل‌ حلول‌ الحجّ مع‌ جميع‌ من‌ يخصّه‌ من‌ أهل‌ بيته‌ ولا سيّما بضعته‌ الكريمة‌  فاطمة‌ الزهرإ عليها السلام‌  سيّدة‌ نسإ العالمين‌ وأولادها الصغار الذين‌ رافقوها في‌ تلك‌ السفرة‌ :  الإمام‌ الحسن، والإمام‌ الحسين‌ ، وزينب‌ ، وأُمّ كلثوم‌ عليهم‌ السلام‌  وكانت‌ أعمارهم‌ تتراوح‌ بين‌ السابعة‌ والثامنة‌ ، وأقلّ من‌ ذلك‌ . وكانت‌ حاملاً ب المحسن‌ عليه‌ السلام‌  كما تفيد القرائن‌ .

 وفي‌ ضوء ما قيل‌ إنّه‌ دخل‌ مكّه‌ في‌ يوم‌ الاحد الرابع‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ ، فإنّه‌ توقّف‌ أربع‌ ليال‌ أُخري‌ في‌ مكّة‌[2]؛   وخطب‌ في‌ اليوم‌ السابع‌ الذي‌ يسمّونه‌ :  يَوْم‌ الزِّينَةِ  ، لانّه‌ يزيّن‌ فيه‌ البدن‌ بالجلال[3] ،  وخطب‌ في‌ اليوم‌ الثامن‌ وهو يوم‌ التَرْويَة‌ وأخبرهم‌ بمناسكهم[4] .  وتوجّهإلی مني‌ يوم‌ الخميس‌ ، وهو يوم‌  التروية، قبل‌ الزوال‌ وقيل‌ بعده‌ ، وأمر المتمتّعين‌ في‌ ذلك‌ اليوم‌ أن‌ يحرموا من‌ مكّة‌ ويلبّوا   [متّجهين إلی   مني‌ [[5]  .

 وفي‌ ضوء ذلك‌ ، فإنّ جميع‌ المتمتّعين‌ الذين‌ أحلّوا من‌ إحرامهم‌ بأمره‌ منذ اليوم‌ الرابع‌ ، بقوا محلّين‌ حتّي‌ اليوم‌ الثامن‌ ( التروية‌ )  ماعدا الرسول‌ الاعظم‌ وأمير المؤمنين‌ عليهما السلام‌ ومن‌ ساق‌ معه‌  الهَدْي‌  . ثمّ أحرموا في‌ ذلك‌ اليوم‌ وتوجّهوا إلي‌ مني‌ :

 جإ رسول‌ الله إلی   مني، وصلّي‌  الظهر  ، و العصر  ، و المغرب، و العشإ  فيها ، ثمّ مكث‌ حتّي‌ الصباح‌؛ فصلّي‌  الفجر  فيها أيضاً وذلك‌ يوم‌ التاسع‌، وهو يوم‌ عرفة‌ . ثمّ توجّه إلی  عرفات‌ . ولا خلاف‌ في‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ هذه‌ الصلوات‌ الخمس‌ في‌  مني‌  . وحتّي‌ الذين‌ قالوا إنّه‌ تحرّك‌ يوم‌ التروية‌ بعد زوال‌ الشمس‌ ، صرّحوا بأنـّه‌ صلّي‌ الظهر بمني‌.[6]

 وعلي‌ هذا الاساس‌ ، وبناء علي‌ أصل‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ فإنّ من‌ المستحبّ المؤكّد هو أنّ علي‌ الحجّاج‌ أن‌ لا يذهبوا من‌ مكّةإلی
 عرفات‌ مباشرة‌ ، بل‌ عليهم‌ أن‌ يبيتوا ليلة‌ عرفة‌  بمني، ويتوجّهوا إلي‌ عرفات‌ صبيحة‌ يوم‌ عرفة‌ .

 وقد تحرّك‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم إلی   عَرَفَات‌  صبيحة‌ يوم‌ عرفة‌ بعد طلوع‌ الشمس‌ ، وأمر أن‌ يضربوا قبابهم‌  بنَمِرَة‌  .[7]  

ولانّ قريش‌ كانوا يرون‌ أنـّهم‌ أهل‌ الحرم‌ ، لذا فقد كانوا لا يخرجون‌ من‌ المشعر الحرام‌ الذي‌ هو داخل‌ الحرم‌ أثنإ الحجّ ، ويجعلون‌ وقوفهم‌ عند المشعر . وكانوا يقولون‌ : إنّ الوقوف‌ في‌ عرفات، وهي‌ خارج‌ الحرم‌ لغير قريش‌ . ومن‌ هذا المنطلق‌ فإنّ رسول‌ الله‌ لمّا تحرّك‌ من‌ مني‌ ، لم‌ تشكّ قريش‌ ـ وهو منها  أنـّه‌ سيقف‌ في‌ المشعر؛ إلاّ أنّ ظنّها لم‌ يصدق‌ ، إذ إنّه‌ توجّه‌ من‌ مني إلی  عرفات‌ ونزل‌  قبّة‌  قد ضربت‌ له‌ ب نَمِرَة‌ [8] .   ووفقاً لقوله‌ تعالي‌ :  ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاْسْتَغْفِرُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .[9] [10] و  ، فإنّه‌ جعل‌ الوقوف‌ في‌ عرفات‌ . وتحرّك‌ من‌ هناك إلی  المشعر الحرام‌ ، ثمّ إلي‌ مني‌ لادإ مناسك‌ مني‌ .

 أجل‌ ، كان‌ رسول‌ الله‌ في‌ قبّته‌ بعرفات‌ حتّي‌ إذا زالت‌ الشمس‌ أمر بناقته‌  القَصْوإ[11]  ،   فرحلت‌ ، ثمّ أتي‌ بطن‌ الوادي‌ ، فخطب‌ الناس‌ قائلاً :

 إنَّ دِمَإكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا؛ فِي‌ شَهْرِكُمْ هَذَا؛ فِي‌ بَلَدِكُمْ هَذَا؛ أَلاَ كُلُّ شَي‌ْءٍ مِنْ أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَدِمَإ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ؛ وَإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ـ وَكَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ «بَنِي‌ سَعْدٍ» فَقَتَلَهُ «هُذَيْلٌ»  .

 وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ؛ وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإنَّهُ مُوْضُوعٌ كُلُّهُ .[12]

 وَاتَّقُوا اللَهَ فِي‌ النِّسَإ فَإِنَّكُمْ أَخَذتُموهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ؛ فَإنْ فَعلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ![13]   وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .

 وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ : كِتَابَ اللَهِ ! [14]

 وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي‌ فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟!

 قَالُوا : نَشْهَدُ أَنـَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ !

 فَقَالَ بِإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا إلَي‌ السَّمَإ وَيَنْكُتُهَا عَلَي‌ النَّاسِ : اللَهُمَّ اشْهَد ! اللَهُمَّ اشْهَدْ ! اللَهُمَّ اشْهَدْ ! ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . [15]

 يقول‌  عمرو بن‌ خارِجة‌  : بعثني‌  عَتّاب‌ بن‌ أُسَيْد  إلي‌  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  [وآله‌]  وسلّم‌  في‌ حاجة‌ ، ورسول‌ الله‌ واقف‌ بعرفة‌ ، فبلغته‌ ثمّ وقفت‌ تحت‌ ناقته‌ وأنّ لعابها ليقع‌ علي‌ رأسي‌ ، فسمعته‌ يقول‌ :

 أَيُّهَا النَّاسُ : إنَّ اللَهَ أَدَّي إلی  كُلِّ ذِي‌ حَقٍ حَقَّهُ؛ وَإنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ؛[16]   وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ؛ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ وَمَنِ ادَّعَيإلی
 غَيْرِ أبِيهِ ، أوْ تَوَلَّي‌ غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ لَهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً .
[17]

 كان‌  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  ينشي‌ هذه‌ الخطبة‌ وربيعة‌ بن‌ أُمَيَّة‌ بن‌ خَلَف، وهو جَهْوَرِي‌ّ الصوت‌ ، يُنادي‌ بها في‌ الناس‌ ، ورسول‌ الله‌ يقول‌ له‌ : قل‌ : أيّها الناس‌ ! إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  [ وآله‌ ]  وسلّم‌ يقول‌ : ...[18]

 وبعد خطبة‌ رسول‌ الله‌ ، أذّن‌  بَلاَل، ثمّ أقام‌ ، فصلّي‌ الظهر ، ثمّ أقام‌  [ بلال‌ ]  ، فصلّي‌ العصر .

 الرجوع الي الفهرس

 تحقيق‌ حول‌ صلاة‌ الظهر التي‌ أُقيمت‌ في‌ عرفات‌

وما يفيده‌ هذا الكلام‌ هو أنّ رسول‌ الله‌ خطب‌ بعد حلول‌ وقت‌ الظهر ، ثمّ جمع‌ بين‌ الظهر والعصر؛ وهل‌ كانت‌ صلاة‌ الظهر هذه‌ هي‌ صلاة‌ الجمعة‌ ، إذ صلّي‌ ركعتين‌ وخطب‌ قبلهما؛ أو كانت‌ صلاة‌ الظهر دون‌ كيفيّة‌ صلاة‌ الجمعة‌ ، كلّ ما في‌ الامر أنّ خطبة‌ قد أُلقيت‌ قبلها  ؟ ولمّا كان‌ ذلك‌ اليوم‌ هو يوم‌ الجمعة‌ ، وكان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد جمع‌ بين‌ الظهر والعصر ، وخطب‌ قبل‌ الصلاة‌ ، فيمكن‌ أن‌ نقول‌ : إنّ الصلاة‌ كانت‌ صلاة‌ الجمعة‌ . لا سيّما وأنّ الرواية‌ المأثورة‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أبيه‌ ، عن‌ جابر في‌ حِجَّة‌ الوَداع‌ تعضد ذلك‌ .

 قال‌ جابر :  « راح‌ النبي‌ّ إلي‌ الموقف‌ بعرفة‌ ، فخطب‌ الناس‌ الخطبة‌ الاُولي‌ ، ثمّ أذّن‌ بلال‌؛ ثمّ أخذ النبي‌ّ في‌ الخطبة‌ الثانية‌ ، ففرغ‌ من‌ الخطبة‌ وبلال‌ من‌ الاذان‌؛ ثمّ أقام‌ بلال‌ ، فصلّي‌ الظهر؛ ثمّ أقام‌ ، فصلّي‌ العصر »[19] ؛   وبنوا علي‌ صلاة‌ الجمعة‌ من‌ الخطبتين‌ اللتين‌ كانتا بعد زوال‌ الشمس‌ ، ومن‌ الجمع‌ بين‌ صلاتي‌ الظهر والعصر .

 ولمّا كان‌ رسول‌ الله‌ مسافراً ، وصلاة‌ الجمعة‌ لا تجب‌ علي‌ المسافر ، وكانت‌ الخطبة‌ بعد الزوال‌ لتهيئة‌ المسلمين‌ للعبادة‌ ، كما أنّ الجمع‌ بين‌ الظهر والعصر كان‌ لهذا الغرض‌ ، ولم‌ تثبت‌ الخطبتان‌ عن‌ النبي‌ّ ، خصوصاً وقد صلّي‌ الظهر إخفاتا لا جهراً كما يفيده‌ بحث‌  مالك‌ مع‌  أبي‌ يوسف‌  بحضور هارون‌ الرشيد ، فيمكننا أن‌ نستنتج‌ من‌ ذلك‌ كلّه‌ أنـّه‌ لم‌ يصلّ الظهر علي‌ صورة‌ الجمعة‌ .[20]

 وبعد الصلاة‌ ركب‌  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ راحلته‌ ، إلي‌ أن‌ أتي‌ الموقف‌؛ فاستقبل‌ القبلة‌ ، ولم‌ يزل‌ واقفاً للدعإ من‌ الزوالإلی
 الغروب‌ . وفي‌ الحديث‌ : أفضل‌ الدعإ يوم‌ عرفة‌ ، وأفضل‌ ما قلت‌ أنا والنبيّون‌ من‌ قبلي‌ ، أي‌ في‌ يوم‌ عرفة‌ : 
لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَي‌ كُلِّ شَي‌ْءٍ قَدِيرٌ .

 واستمرّ يدعو حتّي‌ غربت‌ الشمس‌ . وجإه‌ جماعة‌ من‌  نجد  ، فسألوه‌ عن‌ صورة‌ الحجّ ، فأمر منادياً ينادي‌  الْحَجُّ عَرَفَةٌ؛ مَنْ جَإ لَيْلَةَ جَمْعٍ ـ أَي‌ : الْمُزْدَلِفَةَ  قَبْلَ طُلُوعٍ الْفَجْرِ ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ .[21]

 وكان‌ رسول‌ الله‌ راكباً علي‌ ناقته‌  العَضْبَإ ؛ ولمّا غربت‌ الشمس‌ ، أردف‌  أُسامة‌ بن‌ زيد  خلفه‌ ، وتوجّهإلی   المُزْدَلَفَة، وهو يأمر الناس‌ بالسكينة‌ في‌ السير . ولمّا كان‌ في‌ الطريق‌ عند  الشِعْب‌ الاَبْتَر  ، نزل‌ فيه‌ فبال‌ وتوضّأ وضوءاً خفيفاً .[22]

 وجإ بلا تأخير ، حتّي‌ وصل‌  المُزْدَلَفَة، فصلّي‌ المغرب‌ والعشإ جامعاً بينهما بأذان‌ واحد وإقامتين‌؛[23]   واضطجع‌ بعد ذلك‌ . وأذن‌ للنسإ والضعفة‌ من‌ الصبيان‌ أن‌ يذهبوا إلي‌  مِنَي‌  بعد منتصف‌ الليل‌ . ويقول‌ ابن‌ عبّاس‌ : أرسلني‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مع‌ ضعفة‌ أهله‌ لآتي‌ بهم إلی   مِني‌ بعد نصف‌ الليل‌ . وأوصي‌ أن‌ لا يرموا جَمْرَة‌ العقبة‌ حتّي‌ تطلع‌ الشمس‌ .

 فلمّا كان‌ وقت‌ الفجر ، قام‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وصلّي‌ بالناس‌ الصبح‌ بمزدلفة‌ مغلساً . ثمّ أتي‌  المَشْعَرَ الْحَرَام‌  فوقف‌ به‌ ، وهو راكب‌ ناقته‌ ، واستقبل‌ القبلة‌ ، ودعا الله‌ ، وكبّر ، وهلّل‌ ، ووحّد ، حتّي‌ أسفر الصبح‌ .[24]

 وتوجّه إلی مِني‌ راكباً ، وأردف‌ خلفه‌  الفَضْل‌ بن‌ العَبَّاس‌  . فلمّا وصل‌  وادي‌ مُحَسَّر  ، حرّك‌ ناقته‌ قليلاً ، وسلك‌ الطريق‌ التي‌ تسلك‌ علي‌ جَمْرَة‌ العَقَبَة، فرمي‌ بها من‌ أسفلها سبع‌ حصيّات‌ التقطها له‌ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ . وصار يكبّر عند رمي‌ كلّ حصاة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

 خطبة‌ النبي‌ّ الاكرم‌ في‌ مني‌

وجإ في‌  « البداية‌ والنهاية‌ »  ج‌  5  ، ص‌  187  عن‌ مسلم‌ ، عن‌ يحيي‌ بن‌ الحصين‌ ، عن‌ جدّته‌ أُمّ الحصين‌ ، وكذلك‌ بسند آخر عن‌ جابر بن‌ عبد الله‌ ، قال‌ :  رَأَيْتُ رَسُولَ اللَهِ يَرْمِي‌ الْجَمْرَةَ عَلَي‌ رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ : لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإنّي‌ لاَ أدْرِي‌ لَعَلّي‌ لاَ أحُجُّ بَعْدَ حِجَّتِي‌ هَذِهِ .

 وخطب‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيما بين‌ رمي‌ الجمرات‌ ، وهو راكب‌ ناقة‌ أو بغلة‌ شهبإ .[25]   والناس‌ بين‌ قائم‌ وقاعد يستمعون‌ إليه‌ .[26]   وكان‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ يصيح‌ بها في‌ الناس‌ بصوت‌ عال‌ .[27]

 وننقل‌ فيما يلي‌ هذه‌ الخطبة‌ عن‌  « تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ »  :

 نَضَّرَ اللَهُ وَجْهَ عَبْدٍ سَمِعَ مَقَالَتِي‌ فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا ثُمَّ بَلَّغَها مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَي‌ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.

 ثَلاَثٌ لاَيَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ : إخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلّهِ؛ وَالنَّصِيحَةُ لاِئِمَّةِ الْحَقِّ؛ وَاللُّزُومُ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ .[28]

 وبعد ذلك‌ قال‌ : يا ربيعة‌ (ربيعة‌ بن‌ أُمَيَّة‌ بن‌ خلف‌) قل‌ : أيّها الناس‌ ! يقول‌ رسول‌ الله‌ :  لَعَلَّكُمْ لاَ تَلْقَونَنِي‌ عَلَي‌ مِثْلِ حَالِي‌ هَذِهِ وَعَلَيْكُمْ هَذَا ! هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ بَلَدٍ هَذَا ؟ وَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ شَهْرٍ هَذَا  ؟! وَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا ؟!

 فَقَالَ النَّاسُ : نَعَمْ ! هَذَا الْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَالْيَوْمُ الْحَرَامُ  !

 قَالَ : فَإنَّ اللَهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَإكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا ؛ وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا؛ وَكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ  ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَد !

 ثُمَّ قَالَ : وَاتَّقُوا اللَهَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَإهُمْ وَلاَ تَعْثَوا فِي‌ الاْرْضِ مُفْسِدِينَ . فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا  !

 ثُمَّ قَالَ : النَّاسُ فِي‌ الإسلاَمِ سَوَإ؛ النَّاسُ طَفُّ الصَّاعِ لآدَمَ وَحَوَّإ؛ لاَ فُضِّلَ عَرَبِي‌ٌّ عَلَي‌ عَجَمَي‌ٍّ؛ وَلاَ عَجَمِي‌ٌّ عَلَي‌ عَرَبِي‌ٍّ إلاَّ بِتَقْوَي‌ اللَهِ ! ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : كُلُّ دَمٍ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَأَوَّلُ دَمٍ أضَعُهُ دَمُ آدَمَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ـ وَكَانَ آدَمُ  بْنُ رَبِيعَةَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ هُذَيلٍ فَقَتَلَهُ بَنُو سَعْدٍ بْنِ بَكْرٍ؛ وَقِيلَ فِي‌ بَني‌ لَيْثٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ ـ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : وَكُلُّ رِباً كَانَ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَأوَّلُ رِباً أضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ  ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا النَسِي‌ءُ[29] زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَهُ . ألاَ وَانَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ، وَإنَّ عِدَة‌ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي‌ كِتَابِ اللَهِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ : رَجَبُ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ ، يَدْعُونَهُ مُضَرَ؛ وَثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ : ذو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : أُوصِيكُمْ بِالنِّسَإ خَيْراً؛ فَإنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ؛ لاَ يَمْلِكْنَ لاِنْفُسِهِنَّ شَيئاً؛ وَإنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَهِ؛ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقُّ؛ وَلَهُنَّ عَلَيْكُم‌ حَقُّ كِسْوَتِهِنَّ وَرِزْقَهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ ألاَّ يُوطِئْنَ فِراشَكُمْ أَحَداً؛ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي‌ بُيُوتِكُمْ إلاَّ بِعِلْمِكُمْ وَإذْنِكُمْ؛ فَإنْ فَعَلْنَ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي‌ الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ! ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ  ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : فَأُوصِيكُمْ بِمَنْ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَإنْ أذْنَبُوا فَكِلُوا عُقُوبَاتِهِمْ إلَي‌ شِرَارِكُمْ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : إنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَغُشُّهُ وَلاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَغْتَابُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَمُهُ وَلاَ شَي‌ءٌ مِنْ مَالِهِ إلاَّ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ  ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بَعْدَ الْيَومِ ، وَلَكِنْ يُطَاعُ فِيمَا سِوَي‌ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي‌ تَحْتَقِرُونَ؛ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ  ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : أعْدَي‌ الاْعْدَإ عَلَي‌ اللَهِ قَاتِلُ غَيْرِ قَاتِلِهِ ، وَضَارِبُ غَيْرِ ضَارِبِهِ؛ وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ مَوَالِيِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنْزَلَ اللَهُ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ؛ وَمَن‌ انْتَمَيإلی
 غَيْرِ أبيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ . ألاَ هل‌ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : ألاَ إنِّي‌ إنَّمَا أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّي‌ يَقُولُوا : لاَ  إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَإنِّي‌ رَسُولُ اللَهِ؛ وَإذَا قَالُوا ، عَصَموا مِنِّي‌ دِمإهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقٍّ وَحِسَابُهُم‌ عَلَي‌ اللَهِ ، ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي‌ كُفَّاراً مُضِلِّينَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ . إنِّي‌ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا : كِتَابَ اللَهِ ، وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌ . ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟!

 قَالُوا : نَعَمْ ! قَالَ : اللَهُمَّ اشْهَدْ !

 ثُمَّ قَالَ : إنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ .[30]

 نقلنا هذا الخطبة‌ الشريفة‌ التي‌ خطبها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ مِني‌ من‌  « تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ »  لانـّها جإت‌ فيه‌ تامّة‌ . وذكرت‌ في‌ غيره‌ من‌ الكتب‌ متفرّقة‌ ومجزَّأة‌ . وكلّ جزء ومقطع‌ منها نقله‌ بعض‌ الرواة‌؛ كما أشرنا إلي‌ عدد من‌ الكتب‌ التي‌ ذكرت‌ فقراتها بنحو تجزيئي‌ّ ، وذلك‌ في‌ الهامش‌ المتقدّم‌ .

 وهذه‌ الخطبة‌ في‌ غاية‌ البلاغة‌ والبيان‌ . وتضمّ مواضيع‌ هامّة‌ ، وقوانين‌ سياسيّة‌ واجتماعيّة‌ عظيمة‌ ، وتعاليم‌ أخلاقيّة‌ وفقهيّة‌ . ويمكن‌ التعويل‌ عليها حقّاً من‌ حيث‌ الرصانة‌ والمتانة‌ والقوّة‌ كالآيات‌ القرآنيّة‌ . وما كان‌ أروع‌ لو كتب‌ لها شرح‌ مفصّل‌؛ وطبّقت‌ مواضيعها وفقراتها علي‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ وسائر الاحاديث‌ والاُصول‌ المسلّمة‌ للسنّة‌ النبويّة‌ ، ومنهاج‌ الآل‌ الطاهرين‌ من‌ سلالته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ . وكشف‌ عمّا تضمّه‌ من‌ معارف‌ . ولكن‌ سنتحدّث‌ هنا بشكل‌ موسّع‌ عن‌ فقرة‌ من‌ فقراتها وذلك‌ بغية‌ إيضاحها ، فلعلّها تحتاج إلی شرح‌ وتوضيح‌ أكثر ، ونرجو الله‌ المنّان‌ أن‌ يمنّ علينا بالتوفيق‌ ،  وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .

 وتتمثّل‌ هذه‌ الفقرة‌ في‌ قوله‌ :  يَـ'´أَيـُّهَا النَّاسُ إِنَّما النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ ،  إلي‌ آخر ما قاله‌ في‌ هذا المجال‌ . وكلامه‌ هنا شرح‌ وتوضيح‌ لموضوع‌ جإ في‌ آيتين‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ هما :

 الرجوع الي الفهرس

تفسير الآية‌ التي‌ تبيّن‌ حرمة‌ النسي‌

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَ   لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ  تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَـ'تِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَـ'تِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُو´ا أَنَّ اللَهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا النَّسِي‌´ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ و  عَامًا وَيُحَرِّمِونَهُ و  عَامًا لِّيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا  حَرَّمَ اللَهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُو´ءُ أَعْمَـ'لِهِمْ وَاللَهُ لاَ  يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ .[31]

وفي‌ ضوء هاتين‌ الآيتين‌ الشريفتين‌ حرّم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ التأخير والنسي‌ء في‌ الشهور وأكّد موضّحاً أنّ أعمال‌ كلّ شهر خاصّة‌ بالشهر نفسه‌ ، فينبغي‌ أن‌ تقام‌ فيه‌ لا في‌ غيره‌ .

 النسي‌ء[32] مصدر ك النذير والنكير  من‌  نَسَأ الشَي‌ْءَ يَنْسَؤُهُ نَسْأ وَمَنْسَأةَ وَنَسيئاً : إذا أخَّرَهُ تَأخِيراً .

 الرجوع الي الفهرس

 كلام‌ وتفسير «مجمع‌ البيان‌» و«أبي‌ السعود» في‌ آية‌ النسي‌

يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ : وكانت‌ العرب‌ تحرم‌ الشهور الاربعة‌ ] رجب‌ ، وذي‌ القعدة‌ ، وذي‌ الحجّة‌ ، ومحرّم‌ [  وذلك‌ ممّا تمسّكت‌ به‌ من‌ ملّة‌ إبراهيم‌ وإسماعيل‌  ] عليهما السلام‌ [  وهم‌ كانوا أصحاب‌ غارات‌ وحروب‌ ، فربّما كان‌ يشقّ عليهم‌ أن‌ يمكثوا ثلاثة‌ أشهر متوالية‌ لا يغزون‌ فيها ، فكانوا يؤخّـرون‌ تحريم‌ المحـرّمإلی
 صفر فيحرّمونه‌ ، ويستحلّون‌ المحرّم‌ فيمكثون‌ بذلك‌ زماناً ، ثمّ يُأوّل‌ التحريم إلی المحرّم‌ ، ولا يفعلون‌ ذلك‌ إلاّ في‌ ذي‌ الحجّة‌ .

 قال‌  الفرّإ  : والذي‌ كان‌ (يقوم‌ به‌) رجل‌ من‌  كَنَانَة‌  يُقال‌ له‌ : نُعَيْم‌ بن‌ ثَعْلَبَة‌  . وكان‌ رئيس‌ الموسم‌  ] في‌ الحجّ [  فيقول‌ : أنا  الذي‌ لا  أُعاب‌ ولا  أُخاب‌ ، ولا يردّ لي‌ قضإ !

 فيقولون‌ : نعم‌ صدقت‌ ! أنسئنا شهراً ! أو أخّر عنّا حرمة‌ المحرّم‌  ! واجعلها في‌ صفر ! وأحلّ المحرّم‌ ! فيفعل‌ ذلك‌ .

 والذي‌ كان‌ ينسأها حين‌ جإ الإسلام‌ :  جُنَادَة‌ بن‌ عَوْف‌ بن‌ أُمَيَّة‌ الكَنَانِي‌ّ  ، قال‌ ابن‌ عبّاس‌ : وأوّل‌ من‌ سنّ  النسي‌ء  :  عَمْرُو بْنُ لَحَي‌ بن‌ قُمَعَة‌ بن‌ خِنْدِف‌ .  وقال‌ أبو مسلم‌ بن‌ أسلم‌ : بل‌ رجل‌ من‌ بني‌ كنانة‌ ، يقال‌ له‌ :  القَلَمَّس، كان‌ يقول‌ : إنّي‌ قد نسأت‌ المحرّم‌ العام‌ ، وهما العام‌ صفران‌ . فإذا كان‌ العام‌ القابل‌ قضينا فجعلناهما محرّمين‌ . قال‌ شاعرهم‌ :

 *  وَمِنّا نَاسِي‌ُ الشَّهْرِ الْقَلَمَّس‌  *

 وقال‌  الكُمَيْت‌ :

 وَنَحْنُ النَّاسِئُونَ عَلَي‌ مُعَدٍّ         شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَاماً

 وقال‌  مَجَاهِد  : كان‌ المشركين‌ يحجّون‌ في‌ كلّ شهر عامين‌ . فحجّوا في‌ ذي‌ الحجّة‌ عامين‌ ، ثمّ في‌ المحرّم‌ عامين‌ ، ثمّ حجّوا في‌ صفر عامين‌ . وكذلك‌ في‌ الشهور حتّي‌ وافقت‌ الحجّة‌ التي‌ قبل‌ حجّة‌ الوداع‌ في‌ ذي‌ القعدة‌ . ثمّ حجّ النبي‌ّ  صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  في‌ العام‌ القابل‌ حجّة‌ الوداع‌ ، فوافقت‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌ ، فذلك‌ حين‌ قال‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وذكر في‌ خطبته‌ :  ألاَ وَإنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاَثةٌ مُتَوالِياتٌ : ذُو القَعْدَةِ وَذو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرُّ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ .

 أراد  ] صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ [  الاشهر الحرم‌ رجعت إلی مواضعها ، وعاد الحجّ إلي‌ ذي‌ الحجّة‌ ، وبطل‌ النسي‌ء .[33]

 وقال‌ صاحب‌  « تفسير  أبي‌ السُّعُود »  بعد ذكره‌ الاشهر الحرم‌ ، وخطبة‌ رسول‌ الله‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ ، وقوله‌ :  إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ . وَإِنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشَرَ شهراً : والمعني‌ رجعت‌ الاشهر إلي‌ ما كانت‌ عليه‌ من‌ الحلّ والحرمة‌ . وعاد الحجّ إلي‌ ذي‌ الحجّة‌ بعدما كانوا أزالوه‌ عن‌ محلّه‌ ب النسي‌ء  الذي‌ أحدثوه‌ في‌ الجاهليّة‌ . وقد وافقت‌ حجّة‌ الوداع‌ ذا الحجّة‌ . وكانت‌ حجّة‌ أبي‌ بكر قبلها في‌ ذي‌ القعدة‌ .[34]

 ومثل‌   هذا   التفسير   المذكور   في‌   « مجمع‌   البيان‌ »  وتفسير « أبي‌  السُّعود »  يلاحظ‌ في‌ أغلب‌ التفاسير؛ وخلاصة‌ ما نستنتجه‌ هو أنّ تغييرين‌ كانا يحصلان‌ عند عرب‌ الجاهليّة‌ : الاوّل‌ : تغيير الاشهر الحرم‌ بتحويلها من‌ وقت‌ لآخر ، كما في‌ تحويل‌ المحرّم إلی شهر صفر؛ والثاني‌ : تغيير في‌ الحجّ ، يرفع‌ الحجّ به‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ فيقع‌ في‌ شهور أُخر ، يدور فيها ، حتّي‌ يعود ثانيةإلی محلّه‌ الاصلي‌ّ . ويطلق‌ علي‌ هذين‌ التأخيرين‌ :  النَّسِي‌ء  .

 الرجوع الي الفهرس

 الروايات‌ الواردة‌ في‌ تفسير النسي‌ء بتأخير الاشهر الحرم‌

والشاهد علي‌ التغيير الاوّل‌ ، أي‌ تغيير حرمة‌ الاشهر الحرم إلی شهور أُخري‌ أحاديث‌ وروايات‌ متنوّعة‌ :

فقد جإ في‌ تفسير  «الدرّ المنثور»  قوله‌ : أخرج‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وأبو الشيخ‌ عن‌ ابن‌ عمر ، قال‌ :  وَقَفَ رَسُولُ اللَهَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [  وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ ، فَقَالَ : إنَّ النَّسي‌ءَ مِنَ الشَّيْطَانِ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهَ عَامًا؛ وَيُحَرِّمُونَ صَفَرَ عَامًا وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ النَّسِي‌ءُ .[35]

 وذكر أيضاً في‌  « الدرّ المنثور »  أنّ ابن‌ جرير ، وابن‌ منذر ، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وابن‌ مردويه‌ أخرجوا عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أنـّه‌ قال‌ :  كَانَ جَنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ الْكِنَانِي‌ُّ يُوفِي‌ الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ ، وَكَانَ يُكَنَّي‌ أَبَا ثُمَادَةً ، فَيُنَادِي‌ : ألاَ إنَّ أَبَا ثُمَادَةَ لاَ يَخَافُ وَلاَ يُعَابُ؛ ألاَ إن‌ صَفَرَ الاْوّلَ حَلاَلٌ .[36]

 وَكَانَ طَوائِفُ مِنَ الْعَرَبِ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُغيرُوا عَلَي‌ بَعْضِ عَدُوِّهِمْ أتَوْهُ فَقَالُوا أحِلَّ لَنَا هَذَا الشَّهْرَ ـ يَعْنُونَ : صَفَرَ ـ وَكَانَتِ الْعَرَبُ لاَ تُقَاتِلُ فِي‌ الاْشْهُرِ الْحُرُمِ ، فَيُحِلّهُ لَهُمْ عَامًا وَيُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ فِي‌ الْعَامِ الآخَرِ . وَيُحَرِّمُ الْمُحَرَّمَ فِي‌ قَابِلٍ لِيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَهُ ، يَقُولُ : لِيَجْعَلُوا الْحُرُمَ أَرْبَعَةً غَيْرَ أَنـَّهُمْ جَعَلُوا صَفَرَ عَاماً حَلاَلاً وَعامَاً حَرَاماً  .[37]

 وفيه‌ أيضاً : أخرج‌ ابن‌ منذر عن‌ قتادة‌ في‌ الآية‌ :«إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ»  قال‌ :  عَمَدَ أُنَاسٌ مِنْ أهْلِ الضَّلاَلَةِ فَزَادُوا صَفَرَ فِي‌ الاْشْهُرِ الْحُرُم. وَكَانَ يَقُومُ قَائِمُهُمْ في‌ الْمَوْسِمِ ، فَيَقُولُ : إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَرَ ، فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا : الصَّفَرَانِ .

 وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَسَأَ «النَّسِي‌ءَ» بَنُو مَالِكٍ مِنْ كِنَانَةَ ، وَكَانُوا ثَلاَثَةً : أَبُو ثُمَامَةَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ، أَحَدُ بَني‌ فَقِيمِ بْنِ الْحَارِثِ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي‌ كِنَانَةَ .[38]

 وفيه‌ أيضاً : أخرج‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌ عن‌ السدّي‌ّ في‌ الآية‌ الشريفة‌ ، قال‌ :  كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي‌ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ : جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ يُكَنَّي‌ أَبَا أُمَامَةَ يُنْسِي‌ُ الشُّهُورَ؛ وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ لاَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَي‌ بَعْضٍ ، فَإذَا أَرَادُوا أَنْ يُغَيِّرَ عَلَي‌ أَحَدِهِمْ قَامَ يَوماً بِمِنَي‌ فَخَطَبَ فَقَالَ : إنِّي‌ قَدْ أَحْلَلْتُ الْمُحَرَّمَ وَحَرَّمْتُ صَفَرَ مَكَانَهُ . فَيُقَاتِلُ النَّاسُ فِي‌ الْمُحَرَّمِ ، فَإذَا كَانَ صَفَرُ عَمَدُوا وَوَضَعُوا الاْسِنَّةَ ثُمَّ يَقُومُ فِي‌ قَابِلٍ فَيَقُولُ : إنِّي‌ قَدْ أَحْلَلْتُ صَفَرَ وَحَرَّمْتُ الْمُحَرَّمَ فَيُواطِئُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَيُحِلُّوا الْمُحَرَّمَ .[39]

 وجإت‌ فيه‌ روايتان‌ أُخريان‌ بتخريج‌ ابن‌ مردويه‌ ، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ ، وهما تفسّران‌ الآية‌ الشريفة‌ علي‌ نفس‌ النسق‌ .[40]

 الرجوع الي الفهرس

 الروايات‌ الواردة‌ في‌ تفسير آية‌ النسي‌ء بدوران‌ الشهور

والشاهد علي‌ التغيير الثاني‌ ، أي‌ : تغيير وقت‌ الحجّ من‌ موعده‌ المحدّد إلي‌ موعد آخر ، ودورانه‌ في‌ جميع‌ شهور السنة‌ ، ليرجع‌ مرّة‌ أُخري إ لی ذي‌ الحجّة‌ ، فيتمّ بذلك‌ دورته‌ ، روايات‌ وأحاديث‌ مأثورة‌  :

 فقد جإ في‌  « الدرّ المنثور »  : أخرج‌ الطبراني‌ّ ، وأبو الشيخ‌ ، وابن‌ مردويه‌ ، عن‌ عمرو بن‌ شعيب‌ ، عن‌ أبيه‌ ، عن‌ جدّه‌ قال‌ :  كَانَتِ الْعَرَبُ يُحِلُّونَ عَاماً شَهْراً ، وَعَاماً شَهْرَيْنِ ، وَلاُ يُصيبُونَ الْحَجَّ إلاَّ فِي‌ كُلِّ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مَرَّةً ، وَهُوَ النَّسِي‌ءُ الَّذِي‌ ذَكَرَ اللَهُ تَعَالَي‌ فِي‌ كِتَابِهِ  .

 فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْحَجِّ الاْكْبَرِ ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ]  وَسَلَّمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الاْهِلَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ  [ وَآلِهِ ]  وَسَلَّمَ : إِنَّ الزَّمَانَ قَدر اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ . [41]

 وجإ فيه‌ أيضاً : أخرج‌ أحمد بن‌ حنبل‌ ، والبخاري‌ّ ، ومُسْلم‌ ، وأبو داود ، وابن‌ منذر ، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وأبو الشيخ‌ ، وابن‌ مردويه‌ ، والبيهقي‌ّ في‌ كتاب‌  « شعب‌ الإيمان‌ »  عن‌ أبي‌ بكرة‌ قال‌ :

 خَطَبَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ [ وَآلِهِ ]  وَسَلَّمَ في‌ الحَجِّ ، فَقَالَ : ألاَ إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاَثَةٌ مُتَوالِياتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرُ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ .[42]

 وورد فيه‌ أيضاً : أخرج‌ البزّاز ، وابن‌ جرير ، وابن‌ مردويه‌ عن‌ أبي‌ هريرة‌ بهذا المضمون‌ .[43]   وأخرج‌ ابن‌ جرير ، وابن‌ منذر ، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وابن‌ مردويه‌ ، عن‌ ابن‌ عمر .[44]   وأخرج‌ ابن‌ منذر ، وأبو الشيخ‌ ، وابن‌ مردويه‌ ، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ . [45]

 وجإ فيه‌ أيضاً : أخرج‌ عبد الرزّاق‌ ، وابن‌ منذر ، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وأبو الشيخ‌ ، عن‌ مُجَاهِد أنـّه‌ قال‌ في‌ تفسير الآية‌ :  إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ : فَرَضَ اللَهُ الْحَجَّ في‌ ذِي‌ الْحِجَّةِ َكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الاْشْهُرَ : ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَصَفَرُ وَرَبِيعٌ وَرَبِيعٌ وَجُمَادَي‌ وَجُمَادَي‌ وَرَجَبُ وَشَعْبَانُ وَرَمَضَانُ وَشَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ .

 ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنِ الْمُحَرَّمِ فَلاَ يَذْكُرُونَهُ ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرَ صَفَرَ ، ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَبَ جُمَادَي‌ الآخِرَةَ ، ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَانَ رَمَضَانَ ، وَرَمَضَانَ شَوَّالَ ، وَيُسَمُّونَ ذَا  الْقَعْدَةِ شَوَّالَ ، ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا  الْحِجَّةِ ذَا  الْقَعْدِةِ ، ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ ذَا  الْحِجَّةِ ، ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ وَاسْمُهُ عِنْدَهُمْ ذُو الْحِجَّةِ .

 ثُمَّ عَادُوا إلَي‌ مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي‌ كُلِّ شَهْرٍ عَاماً حَتَّي‌ وَافَقَ حِجَّةُ أَبي‌ بَكْرٍ الآخِرَةُ مِنَ الْعَامِ فِي‌ ذِي‌ القَعْدَةِ ، ثُمَّ حَجَّ النَبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ  ] وَآلِهِ [  وَسَلَّمَ حِجَّتَهُ الَّتِي‌ حَجَّ فِيهَا فَوَافَقَ ذُو الْحِجَّةِ ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ  ] وَآلِهِ [  وَسَلَّمَ فِي‌ خُطْبَتِهِ  : إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْـتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّـمَاوَاتِ وَالاْرْضَ  .[46]

 ومحصّل‌ هذه‌ الرواية‌ علي‌ ما فيها من‌ التشويش‌ والاضطراب‌ أنّ العرب‌ كانت‌ قبل‌ الإسلام‌ تحجّ البيت‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌ ، غير أنـّهم‌ أرادوا أن‌ يحجّوا كلّ عام‌ في‌ شهر ، فكانوا يدورون‌ بالحجّ الشهور شهراً بعد شهر ، وكلّ شهر وصلت‌ إليه‌ النوبة‌ عامهم‌ ذلك‌ سمّوه‌ ذا  الحجّة‌ ، وسكتوا عن‌ اسمه‌ الاصلي‌ّ .

 ولازم‌ ذلك‌ : أن‌ تتألّف‌ كلّ سنة‌ فيها حجّة‌ من‌ ثلاثة‌ عشر شهراً وأن‌ يتكرّر اسم‌ بعض‌ الشهور مرّتين‌ أو أزيد كما تشعر به‌ الرواية‌ . ولذا ذكر الطبري‌ّ أنّ العرب‌ كانت‌ تجعل‌ السنة‌ ثلاثة‌ عشر شهراً ، وفي‌ رواية‌ : اثني‌ عشر شهراً وخمسة‌ وعشرين‌ يوماً .

 ولازم‌ ذلك‌ أيضاً : أن‌ تتغيّر أسمإ الشهور كلّها ، وأن‌ لا يواطي‌ اسم‌ الشهر نفس‌ الشهر إلاّ في‌ كلّ اثنتي‌ عشرة‌ سنة‌ مرّة‌ ، إن‌ كان‌ التأخير علي‌ نظام‌ محفوظ‌، وذلك‌ علي‌ نحو الدوران‌ .

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الفخر الرازي‌ّ في‌ تفسير آية‌ النسي‌ء

وتحدّث‌  الفخر الرازي‌ّ  في‌ تفسيره‌ عن‌ النسي‌ء مفصّلاً ، وقال‌ في‌ ذيل‌ الآية‌ :  إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ :  اعلم‌ أنّ هذا شرح‌ النوع‌ الثالث‌ من‌ قبائح‌ أعمال‌ اليهود والنصاري‌ والمشركين‌ ، وهو إقدامهم‌ علي‌ السعي‌ في‌ تغييرهم‌ أحكام‌ الله‌ . وذلك‌ لانـّه‌ تعالي‌ لمّا حكم‌ في‌ كلّ وقت‌ بحكم‌ خاصّ فإذا غيّروا تلك‌ الاحكام‌ بسبب‌  النسي‌ء  فحينئذٍ كان‌ ذلك‌ سعياً منهم‌ في‌ تغيير حكم‌ السنة‌ بحسب‌ أهوائهم‌ وآرائهم‌ ، فكان‌ ذلك‌ زيادة‌ في‌ كفرهم‌ وحسرتهم‌ .

 ثمّ قال‌ في‌ بيان‌ المسألة‌ الاُولي‌ من‌ المسائل‌ التي‌ طرحها : اعلم‌ أنّ السنة‌ عند العرب‌ عبارة‌ عن‌ اثني‌ عشر شهراً من‌ الشهور القمريّة‌ والدليل‌ عليه‌ هذه‌ الآية‌ ، وأيضاً قوله‌ تعالي‌ :  هُوَ الَّذِي‌ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَإ والْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ و  مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .[47]

 فجعل‌ تقدير القمر بالمنازل‌ علّة‌ للسنين‌ والحساب‌ ، وذلك‌ إنّما يصحّ إذا كانت‌ السنة‌ معلّقة‌ بسير القمر ، وأيضاً قال‌ تعالي‌ :  يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ   قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ . [48]

 وعند سائر الطوائف‌  [غير العرب‌ ] عبارة‌ عن‌ المدّة‌ التي‌ تدور الشمس‌ فيها دورة‌ تامّة‌ ، والسنة‌ القمريّة‌ أقلّ من‌ السنة‌ الشمسيّة‌ بمقدار معلوم‌ . وبسبب‌ ذلك‌ النقصان‌ تنتقل‌ الشهور القمريّة‌ من‌ فصلإلی
 فصل‌ ، فيكون‌ الحجّ واقعاً في‌ الشتإ مرّة‌ ، وفي‌ الصيف‌ أُخري‌ وكان‌ يشقّ الامر عليهم‌ بهذا السبب‌ . وأيضاً إذا حضروا الحجّ حضروا للتجارة‌ ، فربّما كان‌ ذلك‌ الوقت‌ غير موافق‌ لحضور التجارات‌ من‌ الاطراف‌ ، وكان‌ يخلّ أسباب‌ تجاراتهم‌ بهذا السبب‌ .

 فلهذا السبب‌ ، أقدموا علي‌ عمل‌  الكَبِيسَة‌[49] علي‌ ما هو معلوم‌ في‌ علم‌ الزيجات‌ ، واعتبروا السنة‌ الشمسيّة‌ ، وعند ذلك‌ بقي‌ زمان‌ الحجّ مختصّاً بوقت‌ واحد معيّن‌ موافق‌ لمصلحتهم‌ ، وانتفعوا بتجاراتهم‌ ومصالحهم‌ .

 فهذا  النسي‌ء  ، وإن‌ كان‌ سبباً لحصول‌ المصالح‌ الدنيويّة‌ ، إلاّ أنـّه‌ لزم‌ منه‌ تغيّر حكم‌ الله‌ تعالي‌ . لانـّه‌ تعالي‌ لمّا خصّ الحجّ بأشهر معلومة‌ علي‌ التعيين‌ ، وكان‌ بسبب‌ ذلك‌  النسي‌ء  ، يقع‌ في‌ سائر الشهور تغيّر حكم‌ الله‌ وتكليفه‌ . فلهذا المعني‌ ، استوجبوا الذمّ العظيم‌ في‌ هذه‌ الآية‌ .

 ولمّا كانت‌ السنة‌ الشمسيّة‌ زائدة‌ علي‌ السنة‌ القمريّة‌ ، جمعوا تلك‌ الزيادة‌ فإذا بلغ‌ مقدارها إلي‌ شهر ، جعلوا تلك‌ السنة‌ ثلاثة‌ عشر شهراً . فأنكر الله‌ تعالي‌ ذلك‌ عليهم‌ ، وقال‌ : إنّ حكم‌ الله‌ أن‌ تكون‌ السنة‌ اثني‌ عشر شهراً لا أقل‌ ولا أزيد . وتحكّمهم‌ علي‌ بعض‌ السنين‌ أنـّه‌ صار ثلاثة‌ عشر شهراً حكم‌ واقع‌ علي‌ خلاف‌ حكم‌ الله‌ تعالي‌ ويوجب‌ تغيير تكاليف‌ الله‌ تعالي‌ . وكلّ ذلك‌ علي‌ خلاف‌ الدين‌ .

 ومذهب‌ العرب‌ من‌ الزمان‌ الاوّل‌ أن‌ تكون‌ السنة‌ قمريّة‌ لا شمسيّة‌ . وهذا حكم‌ توارثوه‌ ، عن‌  إبراهيم‌ وإسماعيل‌  عليهما الصلاة‌ والسلام‌ . فأمّا عند اليهود والنصاري‌ ، فليس‌ كذلك‌ . ثمّ إنّ بعض‌ العرب‌ تعلّم‌ صفة‌  الكبيسة‌  من‌ اليهود والنصاري‌ ، فأظهر ذلك‌ في‌ بلاد العرب‌ . [50]

 الرجوع الي الفهرس

 كلام‌ الفخر الرازي‌ّ في‌ إقدام‌ العرب‌ علي‌ عمل‌ الكبس‌

وقال‌ الفخر الرازي‌ّ أيضاً بعد حديثه‌ عن‌ مواضيع‌ مفصّلة‌ : النسي‌ء  هو  التأخير  ، وقال‌ أبو زيد :  نَسَأْتُ الإبِلَ عَنِ الْحَوْضِ أَنْسَأُهَا نَسْأً إذَا أَخَّرْتَهَا ، وَأنْسَأْتُهُ إنسَإ إذَا أَخَّرْتَهُ عَنْهُ والاسْمُ النَّسِيئَةُ وَالنَّس‌ءُ .

 وقال‌ قطرب‌ :

 النَّسِي‌ءُ أصْلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ يُقَالُ : نَسَأَ فِي‌ الاْجَلِ وَأَنْسَأَ ، إذَا زَادَ فِيهِ .

 وقال‌ الواحدي‌ّ في‌ جوابه‌ : الصحيح‌ القول‌ الاوّل‌ ، وهو أنّ أصل‌ النسي‌ء التأخير . والمراد هنا التأخير ، لا الزيادة‌ .[51]

 ثمّ قال‌ الفخر الرازي‌ّ : لو رتّب‌ العرب‌ [في‌ الجاهليّة‌ ]  حسابهم‌ علي‌ السنة‌ القمريّة‌ ، فإنّه‌ يقع‌ حجّهم‌ تارة‌ في‌ الصيف‌ ، وتارة‌ في‌ الشتإ ، وكان‌ يشقّ عليهم‌ الاسفار ولم‌ ينتفعوا بها في‌ المرابحات‌ والتجارات‌ ، لانّ سائر الناس‌ من‌ سائر البلاد ما كانوا يحضرون‌ إلاّ في‌ الاوقات‌ اللائقة‌ الموافقة‌ . فعلموا أنّ بنإ الامر علي‌ رعاية‌ السنة‌ القمريّة‌ يخلّ بمصالح‌ الدنيا ، فتركوا ذلك‌ واعتبروا السنة‌ الشمسيّة‌ . ولمّا كانت‌ السنة‌ الشمسيّة‌ زائدة‌ علي‌ السنة‌ القمريّة‌ بمقدار معيّن‌ احتاجوا  إلي‌ الكبيسة‌ ، وحصل‌ لهم‌ بسب‌ تلك‌ الكبيسة‌ أمران‌ :

 أحدهما :  أنـّهم‌ كانوا يجعلون‌ بعض‌ السنين‌ ثلاثة‌ عشر شهراً بسبب‌ اجتماع‌ تلك‌ الزيادات‌ .

 والثاني‌ :  أنـّه‌ كان‌ ينتقل‌ الحجّ من‌ بعض‌ الشهور القمريّةإلی غيره‌ ، فكان‌ الحجّ يقع‌ في‌ بعض‌ السنين‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌ ، وبعده‌ في‌ المحرّم‌ ، وبعده‌ في‌ صفر ، وهكذا في‌ الدور حتّي‌ ينتهي‌ بعد مدّة‌ مخصوصة‌ مرّة‌ أُخري إلی ذي‌ الحجّة‌ .

 فحصل‌ بسبب‌ الكبيسة‌ هذان‌ الامران‌ : أحدهما : الزيادة‌ في‌ عدّة‌ الشهور . والثاني‌ : تأخير الحرمة‌ الحاصلة‌ لشهر إلي‌ شهر آخر . وقد بيّنا أنّ لفظ‌  النسي‌ء  يفيد التأخير عند الاكثرين‌ ، ويفيد الزيادة‌ عند الباقين‌ . وعلي‌ التقديرين‌ ، فإنّه‌ منطبق‌ علي‌ هذين‌ الامرين‌ .

 والحاصل‌ من‌ هذا الكلام‌ : أنّ بنإ العبادات‌ علي‌ السنة‌ القمريّة‌ يخلّ مصالح‌ الدنيا . وبناؤها علي‌ السنة‌ الشمسيّة‌ يفيد رعاية‌ مصالح‌ الدنيا ، والله‌ تعالي‌ أمرهم‌ من‌ وقت‌ إبراهيم‌ وإسماعيل‌ عليهما السلام‌ ببنإ الامر علي‌ رعاية‌ السنة‌ القمريّة‌ . فهم‌ تركوا أمر الله‌ في‌ رعاية‌ السـنة‌ القمريّة‌ ، واعتبروا السـنة‌ الشـمسـيّة‌ رعاية‌ لمصـالح‌ الدنيا أوقعوا الحجّ في‌ شهر آخر سوي‌ الاشهر الحرم‌ . فلهذا السبب‌ عاب‌ الله‌ عليهم‌ وجعله‌ سبباً لزيادة‌ كفرهم‌ .

 وإنّما كان‌ ذلك‌ سبباً لزيادة‌ الكفر ، لانّ الله‌ تعالي‌ أمرهم‌ بإيقاع‌ الحجّ في‌ الاشهر الحرم‌ ، ثمّ إنّهم‌ بسبب‌ هذه‌ الكبيسة‌ أوقعوه‌ في‌ غير هذه‌ الاشهر ، وذكروا لاتباعهم‌ أنّ هذا الذي‌ عملناه‌ هو الواجب‌ وأنّ إيقاعه‌ في‌ الشهور القمريّة‌ غير واجب‌ . فكان‌ هذا إنكاراً منهم‌ لحكم‌ الله‌ مع‌ العلم‌ به‌ وتمرّداً علي‌ طاعته‌ ، وذلك‌ يجب‌ الكفر بإجماع‌ المسلمين‌ .

 وأمّا الحساب‌ الذي‌ به‌ يعرف‌ مقادير الزيادات‌ الحاصلة‌ بسبب‌ تلك‌ الكبائس‌ ، فمذكور في‌ الزيجات‌ .

 قال‌ الواحدي‌ّ : وأكثر العلماءعلي‌ أنّ هذا  التأخير  ما كان‌ يختصّ بشهر واحد ، بل‌ كان‌ ذلك‌ حاصلاً في‌ كلّ الشهور . وهذا القول‌ عندنا هو الصحيح‌ علي‌ ما قرّرناه‌ واتّفقوا أنـّه‌[ صلّي‌ الله‌ عليه‌  وآله وسلّم‌] لمّا أراد أن‌ يحجّ في‌ سنة‌ حجّة‌ الوداع‌ ، عاد الحجّ إلي‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ في‌ نفس‌ الامر ، فقال‌ :

 ألاَ إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً  . وأراد أنّ الاشهر الحرم‌ رجعت إلی مواضعها .[52]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  الآيات‌  26  إلي‌  30  ، من‌ السورة‌  22  : الحجّ .

[2] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  166  ، الطبعة‌ الاُولي‌ ، سنة‌  1351  ه ، مطبعة‌ السعادة‌  مصر .

[3]  ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  169 ؛ و «الطبقات‌» لابن‌ سعد ، ج‌  2  ، ص‌ 173 .

[4] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  169

[5] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  169

[6] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  170  .

[7] نَمِرَة‌ ـ بفتح‌ النون‌ وكسر الميم‌ ـ ناحية‌ بعرفة‌ نزل‌ بها النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ . وقيل‌ : الحرم‌ من‌ طريق‌ الطائف‌ علي‌ طرف‌ عرفة‌ من‌ نمرة‌ علي‌ أحد عشر ميلاً . («معجم‌ البلدان‌» ج‌  8  ، باب‌ النون‌ والميم‌) .

[8] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  170 ؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  289 ؛ و «الوفإ بأحوال‌ المصطفي‌» ج‌  1  ، ص‌  211  .

[9] نقل‌ في‌ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  289  ، عن‌ ابن‌ الجوزي‌ّ قوله‌ : حجّ ] رسول‌ الله‌ [  صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ قبل‌ النبوّة‌ وبعدها حججاً لا يُعلم‌ عددها . أي‌ : وكان‌ قبل‌ النبوّة‌ يقف‌ بعرفات‌ ويفيض‌ منها إلي‌ مزدلفة‌ مخالفاً لقريش‌ توفيقاً له‌ من‌ الله‌ ، فإنّهم‌ كانوا لا يخرجون‌ من‌ الحرم‌ . فإنّهم‌ قالوا : نحن‌ بنو إبراهيم‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ وأهل‌ الحرم‌ وولاة‌ البيت‌ وعاكفو مكّة‌ . فليس‌ لاحد من‌ العرب‌ منزلتنا ، فلا تعظّموا شيئاً من‌ الحلّ . أي‌ : كما تعظّمون‌ الحرم‌ ، فإنّكم‌ إن‌ فعلتم‌ ذلك‌ استخفّت‌ العرب‌ بحرمكم‌ ، وقالوا : قد عظّموا من‌ الحلّ مثل‌ ما عظّموا من‌ الحرم‌ . فليس‌ لنا أن‌ نخرج‌ من‌ الحرم‌ . نحن‌ الحمس‌ . فتركوا الوقوف‌ بعرفة‌ والإفاضة‌ منه إلی المزدلفة‌ ، ويرون‌ ذلك‌ لسائر العرب‌ .

[10] ـ الآية‌  199  ، من‌ السورة‌  2   : البقرة‌ .

[11] القَصوإ ، بفتح‌ القاف‌ والمدّ . وقيل‌ : بضمّ القاف‌ والقصر : قُصْوي‌ وهو خطأ . وهذه‌ الناقة‌ غير العَضْبإ والجَدْعإ . وما قيل‌ إنّها أسمإ لناقة‌ واحدة‌ فهو خطأ أيضاً . («السيرة‌ الحلبيّة‌»  3  :  298 ) .

[12] نقل‌ ابن‌ الاثير أكثر فقرات‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «الكامل‌» ج‌  2  ، ص‌  302  .

[13]  ـ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحِ : بَرَّحَ بِهِ الاَمْرُ : أتعبه‌ وجهده‌ وآذاه‌ أذيً شديداً.

[14] جإ في‌ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌  4  ، ص‌  1023  : كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ . وجإ في‌ «تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ» طبعة‌ بيروت‌  1379 ه ، ج‌  2  ، ص‌  111  : كتاب‌ الله‌ وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌ . وفي‌ ضوء ذلك‌ ، فإنّ الظنّ يغلب‌ علي‌ أنّ الروايات‌ كلّها ذكرت‌ قوله‌ : وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌ . غاية‌ الامر أنّ هذه‌ العبارة‌ قد حذفت‌ في‌ الكتب‌ المذكورة‌ . وحرّفت‌ في‌ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» إذ استبدلت‌ بها عبارة‌ : وسنّة‌ نبيّه‌ .

[15] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  170 ؛ و «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌  4  ، ص‌  1022  و 1023 ؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  298  و  299 ؛ و «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌  6 ، ص‌  668  عن‌ كتاب‌ «المنتقي‌»؛ و «روضة‌ الصفا» ج‌  2  ، حجّة‌ الوداع‌؛ و «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌  3  ، ص‌  150  و  151  من‌ الطبعة‌ الثانية‌ لدار المعارف‌؛ و «الوفإ في‌ أحوال‌ المصطفي‌» ج‌  1  ، ص‌  212 ؛ و «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌  2  ، ص‌  302 ؛ ومحمّد حسنين‌ هيكل‌ في‌ كتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌  461  إلي‌  463  .

[16] ـ الشاهد علي‌ ذلك‌ ما جإ في‌ «الطبقات‌» لابن‌ سعد ، ج‌  2  ، ص‌  183  أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ :  إنَّ اللَهَ قَسَّمَ لِكُلِّ إنسانٍ نَصِيبَهُ مِنَ المِيرَاثِ ، فَلاَ يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ . وأَمَّا الوَصِيَّةُ الَّتِي‌ لاَ تضيّع‌ حَقَّهم‌ كَمَا فِي‌ الوَصِيَّةِ مِنَ الثُّلُثِ المُجَازِ فِيهِ ، فَلاَ إشْكَالٌ فِيهَا .

[17] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  171  ، رواه‌  ] عن‌ محمّد بن‌ إسحاق‌ [  الترمذي‌ّ ، والنسائي‌ّ ، وابن‌ ماجة‌؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  300 ؛ و «الطبقات‌ الكبري‌» لابن‌ سعد ، ج‌  2  ، ص‌  183  .

[18] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  171 ؛ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  2  ، ص‌  299  .

[19] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  172  .

[20] «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  300 ؛ «والبداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  173  إلي‌ 175  .

[21] «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  300 ؛ «والبداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  173  إلي‌ 175  .

[22] «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  301  . وكان‌ هذا التبوّل‌ بسبب‌ نحت‌ الاصنام‌ في‌ الجاهليّة‌ من‌ ذلك‌ الجبل‌ .

[23] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  180  .

[24] «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  301  ، طبعة‌ مصر ، سنة‌  1353  ه .

[25] البغلة‌ الشهباء وهي‌ التي‌ فيها بياض‌ يتخلّله‌ سواد .

[26] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  302  .

[27] «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  ، ص‌  199  . وكذلك‌ في‌ حديث‌ آخر جإ في‌ ص‌ 98  .

[28] جاءت‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «المجالس‌» للشيخ‌ المفيد ، طبعة‌ النجف‌ ص‌  100 و  101  . وذكر فيها قوله‌ :  نصر الله‌  بدلاً عن‌  نَضَّر الله‌  . وذكر فيها أيضاً قوله‌ : والنَّصيحة‌ لاِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاللُّزُوم‌ لجماعتهم‌  . ونقل‌ في‌ آخرها :  الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ، تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ وَاحِدٌ عَلَي‌ مَنْ سِوَاهُمْ ، يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .  وجاء هذا  التعبير في‌ «روضة‌ البحار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌  17  ، ص‌  39  نقلاً عن‌ «المجالس‌» للمفيد . إلاّ أنّ ما جإ في‌ الطبعة‌ الحديثة‌ منه‌ ج‌  77  ، ص‌  130  هو قوله‌ :  نَضَّرَ الله‌ . ونسب‌ في‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌  42  هذه‌ الخطبةإلی
 رسول‌ الله‌ في‌ مسجد الخيف‌ . وجإت‌ بهذا المضمون‌ في‌ «المجالس‌» للمفيد . وفي‌ طبعة‌ كمباني‌ لـ «بحار الانوار» ج‌  17  ، ص‌  42  . جإت‌ كلمة‌ نَصَرَ بسبب‌ النقل‌ عن‌ كتاب‌ «تحف‌ العقول‌» . وذكر في‌ الطبعة‌ الحديثة‌ لـ «تحف‌ العقول‌» ج‌  77  ، ص‌  146   نَضَّرَ  بالضاد المعجمة‌ . وجإ في‌ «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌  15  ، الجزء الثاني‌ ص‌  85  :  نَضَّرَ  نقلاً عن‌ «إكمال‌ الدين‌» للصدوق‌ ، فمضمونها مع‌ ما ذكره‌ المفيد واحد إلاّ في‌ بعض‌ الالفاظ‌ . ونقل‌ ذلك‌ أيضاً المحدّث‌ القمّي‌ّ في‌ «تتمّة‌ المنتهي‌» ص‌  153  عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ مسجد الخيف‌ ، كما جإ مثله‌ في‌ «إكمال‌ الدين‌» أيضاً . وذكر صاحب‌ تفسير «في‌ ظلال‌ القرآن‌» في‌ ص‌ 125  من‌ الجزء الاوّل‌ عن‌ الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌ ، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ سلّم‌ أنـّه‌ قال‌ :  الْمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَي‌ مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .  وذكر في‌ «مجمع‌ البحرين‌» عند كلامه‌ عن‌ الحديث‌ التالي‌ :  ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ،  سُئل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ معناه‌ ، فقال‌ : «لو أنّ جيشاً من‌ المسلمين‌ حاصروا قوماً من‌ المشركين‌ ، فأشرف‌ رجل‌ منهم‌ ، فقال‌ : أعطوني‌ الامان‌ حتّي‌ ألقي‌ صاحبكم‌ وأُناظره‌ ، فأعطاهم‌ أدناهم‌ الامان‌ ، وجب‌ علي‌ أفضلهم‌ الوفإ به‌ ـ انتهي‌ . وعلي‌ هذا الاساس‌ آمنت‌ زينب‌ بنت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ زوجها أبا العاص‌ الذي‌ كان‌ قد قدم‌ المدينة‌ وهو مشرك‌ . (يرجعإلی
 كتاب‌ «زينب‌ بطلة‌ كربلا» تأليف‌ الدكتورة‌ بنت‌ الشاطي‌) .

[29] النسي‌ء هو تأخير العمل‌ بالاحكام‌ والتكاليف‌ المقرّرة‌ في‌ شهر معيّنإلی
 شهر آخر ووقت‌ آخر .

[30] «تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ» طبعة‌ بيروت‌  1379  ه ، ج‌  2  ، ص‌  209  إلي‌  212  . وروي‌ السيوطي‌ّ هذه‌ الخطبة‌ باختلاف‌ يسير في‌ عباراتها في‌ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌ 234  و  235  بتخريج‌ أحمد بن‌ حنبل‌ ، والباوردي‌ّ ، وابن‌ مردويه‌ ، عن‌ أبي‌ حمزة‌ الرقاشي‌ّ ، عن‌ عمّه‌ الذي‌ كان‌ من‌ الصحابة‌ ، وكان‌ زمام‌ ناقة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بيده‌ . وجإ أصل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌  5  ، ص‌  72  و  73  . ورواها المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌  6  ، ص‌  662  و  663  عن‌ «الكافي‌» . وذكرها ابن‌ هشام‌ في‌ سيرته‌ ، ج‌  4  ، ص‌  1022  إلي‌  1024  ، إلاّ أنّ تحريفاً قد حصل‌ في‌ قوله‌ :  كتاب‌ الله‌ وعترة‌ نبيّه، فتغيّر إلي‌ عبارة‌ :  كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌  . وذكرها ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌  5  بأسناد متعدّدة‌ ، من‌ ص‌  194  إلي‌  201  . ونقلها البيهقي‌ّ أيضاً في‌ «السنن‌» ج‌  5  ، ص‌  140  كتاب‌ الحجّ . وذكرها كذلك‌ ابن‌ الجوزي‌ّ في‌ كتاب‌ «الوفإ بأحوال‌ المصطفي‌» ج‌  1  ، ص‌  207  و  208  . وذكرها أيضاً ابن‌ سعد في‌ طبقاته‌ ، ج‌  2  ، ص‌  183  إلي‌  187  . وذكرها صاحب‌ «روضة‌  الصفا» ج‌  2  ، باب‌ حجّة‌ الوداع‌ . وكذلك‌ ذكرها علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ ، في‌ ذيل‌ الآية‌ :  يَـ'´أَيـُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن‌ رَّبِّكَ ،  ص‌  159  إلي‌  161  . وذكرها الطبري‌ّ أيضاً في‌ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌  3  ، ص‌  150  إلي‌  152  . وأوردها الجاحظ‌ في‌ «البيان‌ والتبيين‌» طبعة‌ القاهرة‌ ، سنة‌ 1367 ه ، ج‌  2  ، من‌ ص‌  31  إلي‌ ص‌  33  .

[31] الآيتان‌  36  و  37  ، من‌ السورة‌  9  : التوبة‌ .

[32] جإ في‌ «النهاية‌» لابن‌ الاثير ، ج‌  2  ، ص‌  139  ، في‌ مادّة‌ دَوَرَ ، وفي‌ الحديث‌ إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ  ، يقال‌ :  دَارَ يَدُوُر وَاسْتَدَارَ يَسْتَدِيرُ  بمعني‌ إذا طاف‌ حول‌ الشي‌ء ، وإذا عاد إلي‌ الموضع‌ الذي‌ ابتدأ منه‌ . ومعني‌ الحديث‌ : أنّ العرب‌ كانوا يؤخّرون‌ المحرّمإلی
 صفر ، وهو  النسي‌ء  ليقاتلوا فيه‌ ، ويفعلون‌ ذلك‌ سنة‌ بعد سنة‌ . فينتقل‌ المحرّم‌ من‌ شهر إلي‌ شهر حتّي‌ يجعلوه‌ في‌ جميع‌ شهور السنة‌ . فلمّا كانت‌ تلك‌ السنة‌ ، كان‌ قد عاد إلي‌ زمنه‌ المخصوص‌ به‌ قبل‌ النقل‌ ، ودارت‌ السنة‌ كهيئتها الاُولي‌ . ولذلك‌ قال‌ رسول‌ الله‌ هكذا .

[33] «مجمع‌ البيان‌» طبعة‌ صيدا ، ج‌  3  ، ص‌  29  .

[34] «تفسير أبي‌ السعود» ج‌  2  ، ص‌  548  .

[35] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  236 ؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌  286  .

[36] نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ ج‌  9  ، ص‌  287  من‌ «الميزان‌» عن‌ السيوطي‌ّ في‌ كتاب‌ «المزهر» : أنّ العرب‌ قبل‌ الإسلام‌ كانت‌ تسمّي‌ المحرّم‌ : صفر الاوّل‌ ، وصفر : صفر الثاني‌ . وهما صفران‌ كالربيعين‌ والجماديين‌ . والنسي‌ء إنّما ينال‌ صفر الاوّل‌ ولا يتعدّي‌ صفر الثاني‌ . فلمّا أقَرّ الإسلام‌ الحرمة‌ لصفر الاوّل‌ ، عبّروا عنه‌ ب شهر الله‌ المحرّم، ثمّ لمّا كثر الاستعمال‌ ، خفّف‌ ، وقيل‌ :  المحرّم‌  . واختصّ اسم‌ صفر بصفر الثاني‌ . فالمحرّم‌ من‌ الالفاظ‌ الإسلاميّة‌ .

[37] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  236  و  237 ؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌ 286  و  287  .

[38] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  237 ؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌  287 .

[39] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  237 ؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌  287 .

[40] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  237  .

[41] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  236 ؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌  289  .

[42] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  234 ؛ و «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌  5  ، ص‌ 37   .

[43] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  234 ؛ و «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌  5 ، ص‌  37  .

[44] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  234 ؛ و «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌  5 ، ص‌  37  .

[45] تفسير «الدرّ المنثور» ج‌  3  ، ص‌  234 ؛ و «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌  5 ، ص‌  37  .

[46] «الميزان‌» ج‌  9  ، ص‌  288 

[47] الآية‌  5  ، من‌ السورة‌  10  : يونس‌ .

[48] الآية‌  189  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[49] الكبيسة‌ هنا هي‌ عبارة‌ عن‌ حساب‌ الاختلاف‌ في‌ مقدار السنة‌ القمريّة‌ ، مع‌ مقدار السنة‌ الشمسيّة‌ ، وإضافة‌ ذلك‌ الاختلافإلی السنة‌ القمريّة‌ في‌ آخرها .

[50] تفسير «مفاتيح‌ الغيب‌» طبعة‌ دار الطباعة‌ العامرة‌ ، ج‌  4  ، ص‌  633  .

[51] تفسير «مفاتيح‌ الغيب‌» ج‌  4  ، ص‌  637  و  638 

[52] تفسير «مفاتيح‌ الغيب‌» ج‌  4  ، ص‌  638  و  639 

تتمة النص

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com