بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة جديدة / القسم الثاني: حول النسيء و تاريخه، يجب‌ أن‌ يكون‌ تأريخ‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ هجري‌ّ قمري

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 كلام‌ البيروني‌ّ حول‌ نسي‌ء السنة‌ القمريّة‌ بالشمسيّة‌

وقد سبق‌  أبو ريحان‌ البيروني‌ّ[53] الفخر الرازي‌ّ فتحدّث‌ في‌ مواضع‌ من‌ كتابه‌ المشهور  « الآثَارُ البَاقِيَةُ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ »  عن‌ كيفيّة‌ النسي‌ء في‌الشهور بين‌ العرب‌ ، وأصل‌ تأسيس‌ التأريخ‌ الإسلامي‌ّ وأسمإ الشهور . وقال‌ في‌ موضع‌ من‌ ذلك‌ الكتاب‌ بعد ذكره‌ الشهور العربيّة‌ الاثني‌ عشر التالية‌ :  الْمُحَرَّمُ ، صَفَرُ ، رَبِيعٌ الاْوَّلُ ، رَبِيعٌ الآخِرُ ، جُمَادَي‌ الاُولَي‌ ، جُمَادَي‌ الآخِرَةُ ، رَجَبُ ، شَعْبَانُ ، رَمَضَانُ ، شَوَّالُ ، ذُو الْقَعْدَةِ ، ذُو الْحَجَّةِ :[54]

 وكان‌ العرب‌ في‌الجاهليّة‌ يستعملونها علی نحو ما يستعمله‌ أهل‌ الإسلام‌ . وكان‌ يدور حجّهم‌ في‌ الازمنة‌ الاربعة‌ ، ثمّ أرادوا أن‌ يحجّوا في‌ وقت‌ إدراك‌ سلعهم‌ من‌ الاُدْم‌ والجلود والثمار وغير ذلك‌ ، وأن‌ يثبت‌ ذلك‌ علی حالة‌ واحدة‌ وفي‌ أطيب‌ الازمنة‌ وأخصبها .

 فتعلّموا الكبسَ من‌ اليهود المجاورين‌ لهم‌ وذلك‌ قبل‌ الهجرة‌ بقريب‌ من‌ مائتي‌ سنة‌ فأخذوا يعملون‌ بها ما يشاكل‌ فعل‌ اليهود من‌ إلحاق‌ فضل‌ ما بين‌ سنتهم‌ وسنة‌ الشمس‌ شهراً بشهورها إذا تمّ . ويتولّي‌  القَلاَمِسُ[55]  

   بعد ذلك‌ أن‌ يقومون‌ بعد انقضإ الحجّ ، ويخطبون‌ في‌ الموسم‌ ، وينسئون‌ الشهر ، ويسمّون‌ التالي‌ له‌ باسمه‌ .

 فيتّفق‌ العرب‌ علی ذلك‌ ويقبلون‌ قوله‌ ويسمّون‌ هذا من‌ فعلهم‌ : النسي‌ء  ، لانـّهم‌ كانوا ينسأون‌ أوّل‌ السنة‌ في‌ كلّ سنتين‌ أو ثلاث‌ شهراً علی حسب‌ ما يستحقّه‌ التقدّم‌ . قال‌ قائلهم‌ :

 لَنَا نَاسِي‌ٌ تَمْشُونَ تَحْتَ لِوائِهِ يُحِلُّ إذَا شَإ الشُّهُورَ وَيُحَرِّمُ

 وكان‌  النسي‌ء  الاوّل‌ للمحرّم‌ ، فسمّي‌ صفر به‌ وشهر ربيع‌ الاوّل‌ باسم‌ صفر ، ثمّ والوا بين‌ أسمإ الشهور . وكان‌ النسي‌ء الثاني‌ لصفر فسمّي‌ الشهر الذي‌ كان‌ يتلوه‌ وهو ربيع‌ الاوّل‌ بصفر أيضاً . وكذلك‌ حتّي‌ دار النسي‌ء في‌ الشهور الاثني‌ عشر ، وعاد إلي‌ المحرّم‌ ، فأعادوا بها فعلهم‌ الاوّل‌ .

 وكانوا يعدّون‌ أدوار النسي‌ء ويحدّون‌ بها الازمنة‌ فيقولون‌ قد دارت‌ السنون‌ من‌ زمان‌ كذا إلي‌ زمان‌ كذا دورة‌ . فإن‌ ظهر لهم‌ مع‌ ذلك‌ تقدّم‌ شهر عن‌ فصل‌ من‌ الفصول‌ الاربعة‌ لما يجتمع‌ من‌ كسور سنة‌ الشمس‌ وبقيّة‌ فصل‌ ما بينها وبين‌ سنة‌ القمر الذي‌ ألحقوه‌ بها كبسوها كبساً ثانياً .[56]   وكان‌ يبيّن‌ لهم‌ ذلك‌ بطلوع‌ منازل‌ القمر وسقوطها حتّي‌ هاجر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ . وكانت‌ نوبة‌  النسي‌ء  كما ذكرت‌ بلغت‌ شعبان‌ ، فسمّي‌ محرّماً ، وشهر رمضان‌ صفر .

 فانتظر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ حينئذٍ حجّة‌ الوداع‌ وخطب‌ للناس‌ وقال‌ فيها :  ألاَ وإنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ  .

 عني‌ بذلك‌ أنّ الشهور  ] القمريّة‌ [  قد عادت‌ إلي‌ مواضعها ، وزال‌ عنها فعل‌ العرب‌ بها . ولذلك‌ سمّيت‌ حجّة‌ الوداع‌ ،  الحجّ الاقْوَم‌  ثمّ حرّم‌ ذلك‌ ، وأهمل‌ أصلاً .[57]

 ويقول‌ في‌ موضع‌ آخر : وفي‌ التاسع‌ عشر  ] من‌ شهر رمضان‌ [ فتح‌ مكّة‌ . ولم‌ يقم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌ الحجّ ، لانّ شهور العرب‌ كانت‌ زائلة‌ بسبب‌ النسي‌ء . وتربّص‌ حتّي‌ عادت‌ إلي‌ مكانها ، ثمّ حجّ حجّة‌ الوداع‌ ، وحرّم‌  النسي‌ء  .[58]

 قال‌ نلِّينو في‌ كتاب‌  « علم‌ الفلك‌ »  : أمّا هذا الظنّ أنّ النسي‌ء نوع‌ من‌ الكبس‌ لتحصيل‌ المعادلة‌ بين‌ السنة‌ المشتملة‌ علی شهور قمرّية‌ والسنة‌ الشمسيّة‌ ، فليس‌ من‌ أبكار أفكار فخر الدين‌ الرازي‌ّ ، لانّ جملة‌ من‌ أصحاب‌ علم‌ الهيئة‌ قد سبقوه‌ إلي‌ ذلك‌ الظنّ . وأقدمهم‌ علی ما نعرفه‌ هو  أبو مَعْشَر البَلْخِي‌ّ [59]    المتوفّي‌ سنة‌ 272 ه .

 الرجوع الي الفهرس

 كلام‌ أبي‌ معشر البلخي‌ّ حول‌ النسي‌ء والكبس‌ عند العرب‌

قال‌  أبو معشر  في‌ كتاب‌  «الاُلوف‌» [60] :   وأمّا العرب‌ في‌الجاهليّة‌ فكانوا يستعملون‌ سني‌ّ القمريّة‌ برؤية‌ الاهلّة‌ كما يفعله‌ أهل‌ الإسلام‌ . وكانوا يحجّون‌ في‌ العاشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ . وكان‌ لا يقع‌ هذا الوقت‌ في‌ فصل‌ واحد من‌ فصول‌ السنة‌ ، بل‌ يختلف‌ فمرّة‌ يقع‌ في‌ زمان‌ الصيف‌ ومرّة‌ في‌ زمان‌ الشتاء، ومرّة‌ في‌الفصلين‌ الباقيين‌ لما يقع‌ بين‌ سني‌ّ الشمس‌ والقمر من‌ التفاصيل‌ .

 فأرادوا أن‌ يكون‌ وقت‌ حجّهم‌ موافقاً لاوقات‌ تجاراتهم‌ ، وأن‌ يكون‌ الهوإ معتدلاً في‌ الحرّ والبرد ومع‌ توريق‌ الاشجار ونبات‌ الكلا لتسهل‌ عليهم‌ المسافرة‌ إلي‌ مكّة‌ ويتّجروا بها مع‌ قضإ مناسكهم‌ . فتعلّموا عمل‌ الكبيسة‌ من‌ اليهود وسمّوه‌  النسي‌ء  ، أي‌ :  التأخير  إلاّ أنـّهم‌ خالفوا اليهود في‌ بعض‌ أعمالهم‌ ، لانّ اليهود كانوا يكبسون‌ تسع‌ عشرة‌ سنة‌ قمريّة‌ بسبعة‌ أشهر قمريّة‌ حتّي‌ تصير تسع‌ عشرة‌ شمسيّة‌ . والعرب‌ تكبس‌ أربعاً وعشرين‌ سنة‌ قمريّة‌ باثني‌ عشر شهراً قمريّة‌ .

 واختاروا لهذا الامر رجلاً من‌ بني‌ كنانة‌ ، وكان‌ يدعي‌ :  القَلَمَّس‌  . وأولاده‌ القائمون‌ بهذا الشأن‌ تدعي‌ :  القلامسة‌  ، ويسمّون‌ أيضاً  : النَّسَأَة‌  . و القَلَمَّس‌  هو البحر الغزير . وآخر من‌ تولّي‌ ذلك‌ من‌ أولاده‌ : أبو ثُمامة‌  ،  جُنادة‌ بن‌ عَوْف‌ بن‌ أُمَيَّةَ بن‌ قَلَع‌ بن‌ عَبَّاد بن‌ قَلَع‌ بن‌ حُذَيْفَةَ  .

 وكان‌  القَلَمَّس‌  يقوم‌ خطيباً في‌ الموسم‌ عند انقضإ الحجّ بعرفات‌ . ويبتدي‌ عند وقوع‌ الحجّ في‌ ذي‌ الحجّة‌ فينسي‌ المحرّم‌ ، ولا يعدّه‌ في‌ الشهور الاثني‌ عشر ، ويجعل‌ أوّل‌ شهور السنة‌ صفر فيصير المحرّم‌ آخر شهر ويقوم‌ مقام‌ ذي‌ الحجّة‌ ويحجّ فيه‌ الناس‌ فيكون‌ الحجّ في‌ المحرّم‌ مرّتين‌ . ثمّ يقوم‌ خطيباً في‌ الموسم‌ في‌ السنة‌ الثالثة‌ عند انقضإ الحجّ وينسي‌ صفر الذي‌ جعله‌ أوّل‌ الشهور للسنتين‌ الاُوليين‌ ، ويجعل‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ أوّل‌ شهور السنة‌ الثالثة‌ والرابعة‌ حتّي‌ يقع‌ الحجّ فيهما ، في‌ صفر الذي‌ هو آخر شهور هاتين‌ السنتين‌ ، ثمّ لا يزال‌ هذا دأبه‌ في‌ كلّ سنتين‌ حتّي‌ يعود الدور إلي‌ الحال‌ الاُولي‌ . وكانوا يعدّون‌ كلّ سنتين‌ خمسة‌ وعشرين‌ شهراً .

 وقال‌  أبو معشر  أيضاً في‌ كتابه‌ عن‌ بعض‌ الرواة‌ : إنّ العرب‌ كانوا يكبسون‌ أربعة‌ وعشرين‌ سنة‌ قمريّة‌ بتسعة‌ أشهر قمريّة‌ . فكانوا ينظرون‌ إلي‌ فضل‌ ما بين‌ سنة‌ الشمس‌ وهو عشرة‌ أيّام‌ وإحدي‌ وعشرون‌ ساعة‌ وخُمس‌ ساعة‌ بالتقريب‌ .[61]   ويلحقون‌ بها شهراً تامّاً كلّما تمّ منها ما يستوفي‌ أيّام‌ شهر ، ولكنّهم‌ كانوا يعملون‌ علی أنـّه‌ عشرة‌ أيّام‌ وعشرون‌ ساعة‌ فكانت‌ شهورهم‌ ثابتة‌ مع‌ الازمنة‌ جارية‌ علی سنن‌ واحد لا تتأخّر عن‌ أوقاتهم‌ ولا تتقدّم‌ إلي‌ أن‌ حجّ  النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌  ] وآله‌ [  وسلّم‌  .[62]

 وقد خصّ نلِّينو الدرس‌ الثاني‌ عشر ، والثالث‌ عشر ، والرابع‌ عشر من‌ هذا الكتاب‌ للحديث‌ عن‌ معارف‌ عرب‌ الجاهليّة‌ بالسمإ والنجوم‌ ، ومسألة‌ النسي‌ء المذكور في‌ القرآن‌ الكريم‌ ، وجإ بعدد من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ وأقوال‌ المفسّرين‌ .[63]

 الرجوع الي الفهرس

 للنسي‌ء معني‌ عامّ ويشمل‌ كلا النوعين‌

وحصيلة‌ ما جإ في‌ بحثنا هذا عن‌ تفسير  النسي‌ء  في‌ الآية‌ الشريفة‌ ، مع‌ روايات‌ كثيرة‌ وردت‌ في‌ هذا  المقام‌ ، وكلام‌ للمؤرّخين‌ من‌ علمإ الهيئة‌ والنجوم‌ أمثال‌  أبي‌ ريحان‌ البيروني‌ّ  ، و أبي‌ معشر البلخي‌ّ  ، وكذلك‌ كلام‌ الرحّالة‌ الكبير والمؤرّخ‌ الجليل‌  علی بن‌ الحسين‌ المسعودي‌ّ  المتوفّي‌ سنة‌  346  ه في‌ كتابه‌  « مروج‌ الذهب‌ »[64]    وكتابه‌ النفيس‌ :  «التنبيه‌ والإشراف‌»  هو أنّ أُصول‌ الشهور القمريّة‌ قد تغيّرت‌ بين‌ عرب‌ الجاهليّة‌ لسببين‌ :

 الاوّل‌ :  تأخير الاشهر الحرم‌ من‌ وقتها كما في‌ شهر محرّم‌ الذي‌ كانوا يؤخّرونه‌ وينسئون‌ حرمته‌ ، ويسمّونه‌ صفراً ، ولم‌ يبالوا بالحرب‌ والقتال‌ والنهب‌ والغارة‌ فيه‌ . وكانوا يكفّون‌ عن‌ القتال‌ خلال‌ أربعة‌ أشهر في‌ السنة‌ من‌ حيث‌ الكميّة‌ لا من‌ حيث‌ النوعيّة‌ حفظاً لحرمة‌ الاشهر الاربعة‌ المحترمة‌ (ذي‌ القعدة‌ ، وذي‌ الحجّة‌ ، ومحرّم‌ ، ورجب‌) و لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَهُ .

 الثاني‌ :  تأخير أيّام‌ الحجّ أو أيّام‌ الصوم‌ وبعض‌ العبادات‌ والمناسك‌ إلي‌ وقت‌ آخر ، لملائمة‌ المناخ‌ ، ومن‌ أجل‌ بيع‌ البضائع‌ التجاريّة‌ ، وجذب‌ القبائل‌ لادإ الحجّ . ولذلك‌ كان‌ الحجّ يقام‌ في‌ فصل‌ خاصّ من‌ حيث‌ اعتدال‌ الجوّ ، ويدور في‌ الشهور القمريّة‌ ، حتّي‌ يعود إلي‌ زمنه‌ الاصلي‌ّ كلّ ثلاث‌ وثلاثين‌ سنة‌ حسب‌ السنة‌ الكبيسة‌ الدقيقة‌ ، وكلّ ستّ وعشرين‌ سنة‌ حسب‌ الكبيسة‌ التقريبيّة‌ ، كما مرّ بنا في‌ رواية‌ عمرو بن‌ شعيب‌ ، عن‌ أبيه‌ ، عن‌ جدّه‌ ، وقد رجع‌ إلي‌ وقته‌ الاصلي‌ّ في‌ حجّة‌ الوداع‌ التي‌ حجّها  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  ، ولذلك‌ قال‌ رسول‌ الله‌ في‌ خطبته‌ :  إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ .  ونحن‌ لا نصرّ علی أن‌ ننظر إلي‌ الآية‌ القرآنيّة‌ في‌  عدّة‌ الشهور  و النسي‌ء  متعلّقة‌ بتأخير الاشهر الحرم‌ ، أو تأخير الحجّ عن‌ وقته‌ المعيّن‌ ، بل‌ إنّ الآية‌ المباركة‌ ـ عامّة‌ ومطلقة‌ تشمل‌ كلا النوعين‌ من‌ النسي‌ء ، ونقل‌ الروايات‌ المشهورة‌ بل‌ المستفيضة‌ يعضد هذا المعني‌ أيضاً .

 الرجوع الي الفهرس

عدم‌ شرعيّة‌ استبدال‌ الشهور الشمسيّة‌ بالقمريّة‌

وفي‌ ضوء ذلك‌ ، فإنّ تأخير حرمة‌ الاشهر الحرم‌ عن‌ وقتها حرام‌ في‌ الشريعة‌ الإسلاميّة‌ النيّرة‌ ، وكذلك‌ تأخير الآداب‌ والاحكام‌ والتعاليم‌ المقرّرة‌ في‌ أوقات‌ معيّنة‌ كالصوم‌ في‌ شهر رمضان‌ ، والحجّ في‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ . لذلك‌ فإنّ استبدال‌ الشهور الشمسيّة‌ بالشهور القمريّة‌ ، واستبدال‌ السنين‌ الشمسيّة‌ بالسنين‌ القمريّة‌ لا يجوز بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ .

 وليس‌ للمسلم‌ أن‌ يصوم‌ في‌ شوّال‌ أو في‌ غيره‌ من‌ الشهور المعتدلة‌ . أو يصوم‌ في‌ فصل‌ الشتاء لملائمة‌ الجوّ وقصر النهار . أي‌ : ليس‌ له‌ أن‌ يجعل‌ صومه‌ وفقاً لحساب‌ السنين‌ والشهور الشمسيّة‌ .

 وليس‌ له‌ أن‌ يحجّ في‌ المحرّم‌ أو في‌ غيره‌ من‌ الشهور المعتدلة‌ بسبب‌ ملائمة‌ الجوّ وتبعاً لبيع‌ البضائع‌ والاُمور الاعتباريّة‌ والمصالح‌ المادّيّة‌ والدنيويّة‌ . فيجعل‌ حجّه‌ في‌ فصل‌ الربيع‌ أو الخريف‌ . أي‌ : لا يحقّ له‌ أن‌ يحجّ طبقاً لحساب‌ السنين‌ والشهور الشمسيّة‌ .

 وكذلك‌ الامر بالنسبة‌ إلي‌ التكاليف‌ الاُخري‌ من‌ واجبات‌ ومستحبّات‌ ومحرّمات‌ ومكروهات‌ . وكذلك‌ بالنسبة‌ إلي‌ الاحكام‌ الاجتماعيّة‌ والسنن‌ الاعتباريّة‌ والآداب‌ والتقاليد والعادات‌ التي‌ يواجهها في‌ المجتمع‌ .

 الرجوع الي الفهرس

تأريخ‌ الإسلام‌ تأريخ‌ قمري‌ّ

وليس‌ للمسلم‌ أن‌ يجعل‌ السنة‌ الشمسيّة‌ ملاكاً وميزاناً لاعماله‌ وتأريخه‌ ، ذلك‌ لانّ القرآن‌ المجيد جعل‌ السنة‌ القمريّة‌ سنة‌ المسلم‌ بكلّ صراحة‌ ، فقال‌ : عزّ من‌ قائل‌ :  إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [65].

 تصرّح‌ هذه‌ الآية‌ بأنّ السنين‌ والشهور الإسلاميّة‌ الرسميّة‌ هي‌ السنون‌ والشهور القمريّة‌ من‌ جهات‌ متعدّدة‌ :

 الاُولي‌ :  قوله‌ :  مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ .  لانّ من‌ الضروريّات‌ أنّ الإسلام‌ لم‌ يجعل‌ شهراً ما  من‌ الاشهر الحرم‌ ، إلاّ هذه‌ الاشهر الاربعة‌ من‌ الشهور القمريّة‌ ، وهي‌ ذو القعدة‌ ، وذو الحجّة‌ ، ومحرّم‌ ، ورجب‌ . وهذه‌ الاشهر هي‌ من‌ الشهور القمريّة‌ ، لا الشمسيّة‌ . وجإ في‌ روايات‌ عديدة‌ ، وفي‌ خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أنّ ثلاثة‌ منها متوالية‌ وواحداً فرد :  ثَلاَثَةٌ مِنْهَا سَرْدٌ ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا فَرْدٌ .[66]   والمتوالية‌ هي‌:  ذو القعدة‌  ، و ذو الحجّة‌  ، و محرّم‌ ، والفرد هو  شهر رجب‌  .

 الثانية‌ :  قوله‌ :  عِندَ اللَهِ  .

 والثالثة‌ :  قوله‌ :  فِي‌ كِتَابِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضَ . فهذان‌ القيدان‌ يدلاّن‌ علی أنّ الشهور غير قابلة‌ للتغيير والاختلاف‌ أبداً . ولا تأثّر بالوَضْع‌ والجعل‌ وغيرهما من‌ الاُمور الوضعيّة‌ لانـّها عند الله‌ الذي‌ لا يتغيّر علمه‌ وإحاطته‌ ، وفي‌ كتابه‌ يوم‌ خلق‌ السماوات‌ والارض‌ .

 فقد كانت‌ هكذا في‌ الحكم‌ المكتوب‌ في‌ كتاب‌ التكوين‌ ، وفي‌ القانون‌ المدوّن‌ في‌ لوح‌ الخلق‌ ،  وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ تَعلی  . ومعلوم‌ أنّ الشهور الشمسيّة‌ مهما كان‌ وضعها وعنوانها وتأريخها شهور عرفيّة‌ وضعيّة‌ تبلورت‌ علی أساس‌ حساب‌ المنجّم‌ والزيادة‌ والقلّة‌ الاعتباريّة‌ والوضعيّة‌ .

 أمّا الشهور القمريّة‌ فإنّها كانت‌ كما هي‌ عليه‌ الآن‌ منذ خلق‌ الله‌ السماوات‌ والارض‌ . تبدأ برؤية‌ الهلال‌ عند خروجه‌ من‌ المحاق‌ ومن‌ تحت‌ الشعاع‌ ، وتنتهي‌ بالمحاق‌ والدخول‌ تحت‌ الشعاع‌ .  وَالشَّمْسُ تَجْرِي‌ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَ   لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَـ'هُ مَنَازِلَ حَتَّي‌' عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي‌ لَهَآ أَن‌ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي‌ فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .[67]

 والشهور القمريّة‌ حسيّة‌ ووجدانيّة‌ ولها بداية‌ ونهاية‌ معيّنتان‌ في‌ عالم‌ التكوين‌ . فهي‌ علی عكس‌ الشهور الشمسيّة‌ التي‌ تمثّل‌ شهوراً عرفيّة‌ واصطلاحيّة‌ . وعلی الرغم‌ من‌ أنّ الفصول‌ الاربعة‌ والسنين‌ الشمسيّة‌ حسيّة‌ تقريباً ، إلاّ أنّ الشهور الاثني‌ عشر التي‌ لها أصل‌ ثابت‌ هي‌ الشهور القمريّة‌ .

 وفي‌ ضوء هذا  المعني‌ ، فإنّ معني‌ الآية‌ سيكون‌ علی النحو التالي‌ :

 أنّ الشهور الاثنا عشر التي‌ تتألّف‌ منها السنة‌ هي‌ الشهور الثابتة‌ في‌ علم‌ الله‌ سبحانه‌ وتعلی . وهي‌ الشهور التي‌ عيّنها في‌ كتاب‌ التكوين‌ يوم‌ خلق‌ السماوات‌ والارض‌ . وقرّر الحركات‌ العامّة‌ لعالم‌ الخلق‌ ، ومنها حركات‌ الشمس‌ والقمر . وأصبحت‌ تلك‌ الحركة‌ الحقيقيّة‌ والثابتة‌ أساساً وأصلاً لتعيين‌ مقدار هذه‌ الشهور الاثني‌ عشر .

  ومن‌ الآيات‌ التي‌ تنصّ علی لزوم‌ التأريخ‌ القمري‌ّ هي‌ الآية‌ الخامسة‌ من‌ سورة‌ يونس‌ التي‌ مرّ ذكرها :  هُوَ الَّذِي‌ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَإ وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ و  مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .

 ومن‌ الواضح‌ أنّ الناس‌ في‌ أي‌ّ بقعة‌ كانوا من‌ البرّ والبحر والجبال‌ والصحاري‌ يستطيعون‌ أن‌ يضبطوا حسابهم‌ علی امتداد الشهر القمري‌ّ دون‌ الحاجة‌ إلي‌ المنجّمين‌ وأهل‌ الحساب‌ ، وذلك‌ من‌ خلال‌ رؤية‌ الاشكال‌ المختلفة‌ للقمر في‌ السمإ كالهلال‌ ، والتربيع‌ والتثليث‌ ، والتسديس‌ حتّي‌ الليلة‌ الرابعة‌ عشرة‌ حيث‌ يظهر فيها بدراً . وهي‌ ممّا يختصّ بها الشهر القمري‌ّ لا الشمسي‌ّ . وعلی الرغم‌ من‌ ذكر الشمس‌ في‌ الآية‌ السابقة‌ ، إلاّ أنـّها جعلت‌ منازل‌ القمر سبباً للحساب‌ والتقويم‌ .

 ومن‌ هذه‌ الآيات‌ :  يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ   قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ .[68]

 إنّ استبدال‌ الشهور القمريّة‌ بالشمسيّة‌ هو النسي‌ء الذي‌ يعني‌ تأخير الاعمال‌ عن‌ موعدها المقرّر . وهذا هو الذي‌ اعتبره‌ القرآن‌ الكريم‌ زيادة‌ في‌ الكفر . وهو ما جإ في‌ الكلمات‌ البيّنة‌ الرائعة‌ التي‌ وردت‌ في‌ خطبة‌  رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  التي‌ ألقاها بمني‌ وأعاد فيها الشهور القمريّة‌ إلي‌ وضعها الطبيعي‌ّ بعد أن‌ استبدلت‌ الشهور الشمسيّة‌ بها في‌ العصر الجاهلي‌ّ ، وكانت‌ قد جعلت‌ علی أساس‌ سنّة‌  إبراهيم‌ الخليل‌ وإسماعيل‌ الذبيح‌ عليهما السلام‌  . وأعلن‌ علی رؤوس‌ الاشهاد أنّ هذا الحجّ هو الحجّ الصحيح‌ الذي‌ وقع‌ في‌ وقته‌ ، وحان‌ أوانه‌ إثر استدارة‌ الزمان‌ . ويطلق‌ علی هذا الحجّ :  حِجَّة‌ الإسلاَم‌ لانـّه‌ استقرّ في‌ موضعه‌ وفقاً للقانون‌ الإسلامي‌ّ ، ووقع‌ في‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ ، وهو شهر الحجّ الحقيقي‌ّ .

 وجاء في‌  « السيرة‌ الحلبيّة‌ »  :  يُقَالُ لَهَا : حِجَّةُ الإسْلاَمِ ، قِيلَ لإخْرَاجِ الكُفَّارِ الْحَجَّ عَنْ وَقْتِهِ لاِنَّ أهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْحَجَّ فِي‌ كُلِّ عَامٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً حَتَّي‌ يَدُورَ الزَّمَانُ إلَي‌ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً فَيَعُودُ إلَي‌ وَقْتِهِ . ولِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌ هَذِهِ الْحِجَّةِ : إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ، فَإنَّ هَذِهِ الْحِجَّةَ كَانَتْ فِي‌ السَّنَةِ الَّتِي‌ عَادَ فِيهَا الْحَجُّ إلَي‌ وَقْتِهِ ، وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرَ . [69]

 ونصّ علی ذلك‌ كلّ من‌  اليعقوبي‌ّ  ، و المسعودي‌ّ  ، و ابن‌ الاثير[70]  بل‌ إنّ المسعودي‌ّ عندما ذكر حوادث‌ السنة‌ العاشرة‌ للهجرة‌ ، نقل‌ كلام‌ النبي‌ّ :  إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ  ، مكتفياً به‌ دون‌ التعرّض‌ إلي‌ ما حصل‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ من‌ أُمور .

 وهذه‌ المعاني‌ كلّها صورة‌ معبّرة‌ ناطقة‌ وشاهد صدق‌ علی أنّ استبدال‌ السنين‌ الشمسيّة‌ بالقمريّة‌ لا يجوز . وعلی المسلم‌ أن‌ يولي‌ غاية‌ اهتمامه‌ لحفظ‌ الاوقات‌ علی أساس‌ التأريخ‌ الذي‌ قرّره‌ رسول‌ الله‌ مرتكزاً علی سنّة‌ إبراهيم‌ الخليل‌ ، وجعله‌ القرآن‌ الكريم‌ حتماً ولازماً .

 لقد منّ الله‌ عزّ وجلّ علی بتوفيقه‌ وعنايته‌ فأعددت‌ رسالة‌ حول‌ لزوم‌ التعويل‌ علی بداية‌ الشهور القمريّة‌ برؤية‌ الهلال‌ في‌ الخارج‌ . وهذه‌ الرسالة‌ موسوعة‌ علميّة‌ وفقهيّة‌ في‌ لزوم‌ اشتراك‌ الآفاق‌ في‌ رؤية‌ الهلال‌ لدخول‌ الشهور القمريّة‌ . وقد اشتملت‌ علی بحوث‌ فنيّة‌ ذات‌ أُسلوب‌ رسائلي‌ّ تتكفّل‌ بعلاج‌ كلّ إشكال‌ ، وقطع‌ دابر كلّ خلاف‌ .

 تفيد هذه‌ الرسالة‌ ، بالبرهان‌ العلمي‌ّ والدليل‌ الشرعي‌ّ ، أنّ الشهور القمريّة‌ يجب‌ أن‌ تبدأ برؤية‌ الهلال‌ في‌ الليلة‌ الاُولي‌ . وأنّ قول‌ المنجّمين‌ علی أساس‌ الحساب‌ والرَّصَد ليس‌ له‌ حجّة‌ شرعيّة‌ . وبنإ علی ضرورة‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ ، وإجماع‌ أهل‌ الإسلام‌ ، وسنّة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إذ قال‌ :  صُومُوا لِرؤيَتِهِ ، وَافْطَرُوا لِرُؤْيَتِهِ ! فإنّ الشهور القمريّة‌ جميعها ينبغي‌ أن‌ تتحقّق‌ بمشاهدة‌ الهلال‌ فوق‌ الاُفق‌ . وأينما رُئي‌ الهلال‌ ، بدأ الشهر . وفي‌ الاماكن‌ التي‌ يتعذّر فيها رؤية‌ الهلال‌ في‌ تلك‌ الليلة‌ ، ويُري‌ في‌ الليلة‌ التي‌ تليها ، فإنّ بداية‌ الشهر تكون‌ من‌ هذه‌ الليلة‌ . لذلك‌ صحّت‌ الفتوي‌ المشهورة‌ القائلة‌ بأنّ دخول‌ الشهر القمري‌ّ تابع‌ للرؤية‌ ، وإنّ كلّ نقطة‌ في‌ العالم‌ تابعة‌ لاُفقها . وقول‌ بعض‌ العلمإ والاساطين‌ الذين‌ يعتبرون‌ خروج‌ الهلال‌ من‌ تحت‌ الشعاع‌ كاف‌ لجميع‌ العالم‌ أو لنصف‌ الكرة‌ الارضيّة‌ ، ويحكمون‌ بدخول‌ الشهر في‌ أرجإ العالم‌ خلال‌ ليلة‌ واحدة‌ ، ليس‌ له‌ اعتبار ، بل‌ إنّ الادلّة‌ المتقنة‌ تقضي‌ بخلافه‌ ، والبراهين‌ المنتهية‌ بضرورة‌ ردّه‌ ودحضه‌ قائمة‌ .

 هذه‌ الرسالة‌ العلميّة‌ والفقهيّة‌ باللغة‌ العربيّة‌ ، وعنوانها :  رِسَالَةٌ حَوْلَ مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ  . وقد صدرت‌ في‌ سياق‌ الكتب‌ المطبوعة‌ تحت‌ الرقم‌(6   ) من‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

 يجب‌ أن‌ يكون‌ تأريخ‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ هجري‌ّ قمري‌ّ

فإن‌ قال‌ شخص‌ :

 ما ضرّ لو أنّ المسلمين‌ قاموا بأعمالهم‌ وتكاليفهم‌ العباديّة‌ ، من‌ صوم‌ وحجّ وفقاً للشهور القمريّة‌ ، ومارسوا آدابهم‌ وشؤونهم‌ الاجتماعيّة‌ والسياسيّة‌ الاُخري‌ وفقاً للشهور الشمسيّة‌ ، وحينئدٍ لا يلزم‌ النسي‌ء الذي‌ يمثّل‌ زيادة‌ في‌ الكفر ، إذ إنّهم‌ يقومون‌ بأعمالهم‌ التي‌ لا علاقة‌ لها بالشرع‌ علی أساس‌ تأريخ‌ آخر كالتأريخ‌ الرومي‌ّ أو الروسي‌ّ أو الفرنسي‌ّ أو الفارسي‌ّ القديم‌ من‌ حيث‌ تعداد أيّام‌ الشهور ، حسب‌ عقود اعتباريّة‌ يضعونها . وعلی فرض‌ أنـّهم‌ يجعلون‌ هجرة‌  النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌  بداية‌ للتأريخ‌ في‌ هذه‌ التواريخ‌ المذكورة‌ ، فإنّ تأريخهم‌ الرسمي‌ّ فقط‌ هو التأريخ‌ الشمسي‌ّ تبعاً للمصالح‌ الدنيويّة‌ .

 فإنّنا نقول‌ في‌ إجابته‌ :

 إنّ جميع‌ الإشكالات‌ تنبع‌ من‌ هذا الاُسلوب‌ في‌ التفكير ، وذلك‌ :

 أوّلاً :  أنّ جعل‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ تأريخاً رسميّاً خلاف‌ لنصّ القرآن‌ والسنّة‌ النبويّة‌ وسيرة‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ وعلمإ الإسلام‌ ، بل‌ خلاف‌ لمنهج‌ المسلمين‌ جميعهم‌ .

 ثانياً :  هذا العمل‌ يؤدّي‌ إلي‌ فصل‌ الدين‌ عن‌ السياسة‌ ، إذ إنّ القيام‌ بالاعمال‌ العباديّة‌ وفقاً للتأريخ‌ القمري‌ّ ، وممارسة‌ الاحكام‌ الاجتماعيّة‌ والشؤون‌ السياسيّة‌ طبقاً للتأريخ‌ الشمسي‌ّ من‌ المصاديق‌ الواضحة‌ لفصل‌ الدين‌ عن‌ السياسة‌ . وينتهي‌ بعزل‌ الدين‌ عن‌ شؤون‌ الحياة‌ المهمّة‌ وحصره‌ في‌ الشؤون‌ الشخصيّة‌ والفرديّة‌ .

 ثالثا :  ويؤدّي‌ إلي‌ تعطيل‌ الكتب‌ والتواريخ‌ المدوّنة‌ ، وقطع‌ الصلة‌ بين‌ الخَلَف‌ والسلف‌ الصالح‌ ، لانـّنا نري‌ ـ منذ عصر صدر الإسلام‌ حتّي‌ الآن‌ ـ أنّ جميع‌ كتب‌ التفسير ، والحديث‌ ، والتأريخ‌ والتراجم‌ ، وحتّي‌ الكتب‌ العلميّة‌ كالنجوم‌ ، والرياضيّات‌ ، والهيئة‌ والفقه‌ ، وغيرها قد دوّنت‌ علی أساس‌ السنين‌ القمريّة‌ والشهور القمريّة‌ . ونجد أنّ آلاف‌ بل‌ ملايين‌ الكتب‌ المؤلّفة‌ في‌ النطاق‌ الذي‌ كان‌ يحكمه‌ المسلمون‌ سوإ باللغة‌ العربيّة‌ ، أو الفارسيّة‌ ، أو التركيّة‌ أو الهنديّة‌ ، أو الإفريقيّة‌، أو الاُوروبيّة‌ الشرقيّة‌ ، كلّها تستند إلي‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ والسنوات‌ والشهور القمريّة‌ . فلو جعلنا التأريخ‌ الشمسي‌ّ هو الاساس‌ في‌ التأريخ‌ ، أفلا يعني‌ هذا إقصإ تلك‌ الكتب‌ عنّا ، وقطع‌ الصلة‌ بين‌ هذا الجيل‌ ، وبين‌ الثقافة‌ الإسلاميّة‌ الاصيلة‌ في‌ القرون‌ والاعصار الماضية‌ ؟

 إنّ استبدال‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ بالتأريخ‌ القمري‌ّ يماثل‌ استبدال‌ الخطّ الإسلامي‌ّ بالخطوط‌ الاجنبيّة‌ ، بل‌ هو من‌ متفرّعات‌ ذلك‌ الاصل‌ ومن‌ الفروع‌ الناميّة‌ لذلك‌ الجذر .

 رابعاً :  ويحول‌ هذا العمل‌ دون‌ اتّحاد المسلمين‌ في‌ العالم‌ ، ذلك‌ لانّ تأريخ‌ المسلمين‌ جميعهم‌ هو التأريخ‌ القمري‌ّ ، فإذا استعملنا التأريخ‌ الشمسي‌ّ ، فإنّنا سنختلف‌ معهم‌ في‌ التأريخ‌ . وكذلك‌ إذا أختار المسلمون‌ أيضاً لانفسهم‌ تأريخاً آخر كالتأريخ‌ الميلادي‌ّ أو الزردشتي‌ّ أو الكورشي‌ّ أو غيرها من‌ التواريخ‌ . فإنّهم‌ بهذه‌ الطريقة‌ ـ ويا للاسف‌  سيسيرون‌ في‌ اتّجاه‌ معاكس‌ لإتّجاه‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ممّا يؤدّي‌ إلي‌ تفرّق‌ كلمتهم‌ وتشرذمهم‌ وشقّ عصاهم‌ وانفصام‌ عقدهم‌ .

 إنّ التأريخ‌ من‌ الاُمور الاُصوليّة‌ للاحكام‌ الإسلاميّة‌ . واتّحاد المسلمين‌ في‌ التأريخ‌ يفضي‌ إلي‌ اتّحادهم‌ في‌ الثقافة‌ النبويّة‌ واختلافهم‌ فيه‌ يؤدّي‌ إلي‌ تفرّقهم‌ وتشتّتهم‌ .

 والإسلام‌ الذي‌ جمع‌ الناس‌ كلّهم‌ من‌ عرب‌ ، وعجم‌ ، وأتراك‌ وأكراد ، وهنود ، وشرقيّين‌ وغربيّين‌ ، وسود وبيض‌ ، وصفر وحمر تحت‌ راية‌ واحدة‌ هي‌ راية‌ التوحيد، علی الرغم‌ من‌ اختلاف‌ آدابهم‌ وعاداتهم‌ القوميّة‌ حري‌ّ بالتعظيم‌ . وما أسوأ ما نفعل‌ إذا تركنا المسلمين‌ وشأنهم‌ في‌ التأريخ‌ الذي‌ يعتبر من‌ أهمّ البواعث‌ علی الاتّحاد والوفاق‌ ، وأهمّ الدعائم‌ لتوطيد علاقاتهم‌ وتعزيزها  ! وليس‌ من‌ الإنصاف‌ أن‌ نجعل‌ كلّ جماعة‌ منهم‌ تسير في‌ الاتّجاه‌ الذي‌ اختارته‌ لنفسها !

 وتوحيد التأريخ‌ كتوحيد اللغة‌ الملحوظ‌ في‌ العبادات‌ والمناسك‌ ، كالقرآن‌ ، والصلاة‌ ، والدعإ ، والذكر ، يجعل‌ المسلمين‌ صفّاً واحداً . والاختلاف‌ في‌ التأريخ‌ كالاختلاف‌ في‌ اللغة‌ يشتّتهم‌ ويفرّق‌ كلمتهم‌ .

 وبينما نري‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ يحتاجون‌ إلي‌ الاتّحاد والوفاق‌ أكثر من‌ أي‌ّ شي‌ء آخر ، وأنّ نبيّهم‌ أمرهم‌ بالاتّحاد ، وأنّ كتابهم‌ ناداهم‌ بقوله‌ :  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا  ، وأنّ القرآن‌ والنبي‌ّ أعلنا أنّ التأريخ‌ هو القمري‌ّ ، فلماذا نمزّق‌ رسالة‌ سعادتنا بأيدينا ، ونسير في‌ الاتّجاه‌ المعاكس‌ ؟

 وقد تنبّه‌ أعدإ الإسلام‌ في‌ القرون‌ الاخيرة‌ جيّداً إلي‌ أنّ السبيل‌ الوحيد للسيطرة‌ علی المسلمين‌ ، والقضإ علی كيانهم‌ العقيدي‌ّ والثقافي‌ّ هو إيجاد التفرقة‌ بينهم‌ في‌ الآداب‌ والتقاليد وتقسيم‌ أقطارهم‌ ، وتدمير الاركان‌ التي‌ تقوم‌ عليها وحدتهم‌ ، وذلك‌ تحقيقاً لمصالحهم‌ المادّيّة‌ ، وإمعاناً في‌ استغلالهم‌ . لذلك‌ استخدموا كلّ قواهم‌ من‌ أجل‌ تقويض‌ كيان‌ المسلمين‌ ، وعملوا كلّ ما في‌ وسعهم‌ لتمزيق‌ أوصالهم‌ علی امتداد السنين‌ الخالية‌ . وأفلحوا في‌ ذلك‌ من‌ خلال‌ خطط‌ مزوّرة‌ فجعلوهم‌ طرائق‌ قدداً ، وزعزعوا دعائم‌ حضارتهم‌ وآدابهم‌ وأخلاقهم‌ وعلومهم‌ واحدة‌ تلو الاُخري‌ .

 وكان‌ المرحوم‌ والدي‌ آية‌ الله‌ السيّد محمّد صادق‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ يقول‌ : عندما سيطر الإسكندر علی الشرق‌ وفتح‌ الاقطار كلّها ، وسار حتّي‌ الهند ، كتب‌ إلي‌ أُستاذه‌  أرسطو  يخبره‌ أنـّه‌ استولي‌ علی أقطار الشرق‌ جميعها . وطلب‌ منه‌ أن‌ يرشده‌ ماذا يفعل‌ لكي‌ تبقي‌ تلك‌ الاقطار تحت‌ سيطرته‌ .

 فأجابه‌  أرسطو  أن‌ يقسّم‌ تلك‌ الاقطار المفتوحة‌ إلي‌ أقطار صغيرة‌ ، ويجعل‌ علی كلّ قطر حاكماً ، ويعلن‌ نفسه‌ حاكماً علی الجميع‌  ! وحينئذٍ تنقاد الشعوب‌ كلّها إلي‌ طاعته‌ والعمل‌ بأوامره‌ ، ولا يتمرّد حاكم‌ منهم‌ ولا يرفع‌ لوإ المعارضة‌ خوفاً علی عرشه‌ . وعندئذٍ تعمر تلك‌ الاقطار ويجدّ حكّامها لحفظ‌ مصالحه‌ . ولو قدّر لاحد أن‌ يقوم‌ ضدّه‌ ، فإنّه‌ يبادر إلي‌ قمعه‌ وإخماد نار فتنته‌  بما أُوتي‌ من‌ قدرة‌ كبيرة‌ !

 بَيدَ أنـّه‌ إذا حكم‌ تلك‌ الاقطار وحده‌ ، أو فوّض‌ أُمورها إلي‌ شخص‌ واحد غيره‌ . فإنّه‌ يُخشي‌ من‌ أن‌ يستفحل‌ أمرها شيئاً فشيئاً وتتوحدّ فيما بينها وتتمرّد ضدّه‌ . وذلك‌ الشخص‌ حتّي‌ لو كان‌ من‌ أخصّ الخواصّ ، فإنّه‌ يتمرّد ويطغي‌ أيضاً ، ويطالب‌ بالحكومة‌ والسلطنة‌ ، وحينَئذٍ يندحر ويأفل‌ نجمه‌ ، وتفلت‌ تلك‌ الاقطار كلّها من‌ قبضته‌  !

 الرجوع الي الفهرس

 اليد الاجنبيّة‌ في‌ تغيير التأريخ‌ الإسلامي‌ّ

وقد انتهج‌ الإنجليز نفس‌ الخطّة‌ في‌ تعاملهم‌ مع‌ المسلمين‌ . وساروا عليها بعد اندحار الإمبراطوريّة‌ العثمانيّة‌ المترامية‌ الاطراف‌ التي‌ حكمت‌ قسماً عظيماً من‌ آسيا ، وأُوروبا ، وإفريقيا تحت‌ عنوان‌ الخلافة‌ الإسلاميّة‌ أكثر من‌ ستّة‌ قرون‌ (من‌ سنة‌ 1299 إلي‌ سنة‌ 1923 م‌) . تعاقب‌ علی حكومتها ثمانية‌ وثلاثون‌ سلطاناً علی التوالي‌ أوّلهم‌ السلطان‌ عثمان‌ خان‌ الغازي‌ الذي‌ تسلّم‌ زمام‌ الاُمور سنة‌ 699ه وآخرهم‌ السلطان‌ عبد العزيز الثاني‌ الذي‌ حكم‌ حتّي‌ سنة‌ 1342 ه وقد قسّم‌ الإنجليز الدولة‌ العثمانيّة‌ عدّة‌ أقسام‌ ، جعلوا علی كلّ قسم‌ عميلاً من‌ عملائهم‌ .

 فالقسم‌ الاُوروبي‌ الشامل‌ لاقطار شبه‌ جزيرة‌  البلقان‌  و هنغاريا وقسم‌ من‌  رومانيا  الذي‌ يضمّ  بوخارست‌  ، قسّموه‌ إلي‌ دول‌ : يوغسلافيا  (صربيا) ، و ألبانيا  ، و اليونان‌  ، و بلغاريا  ، وقسم‌ من‌  تركيا الاُوروبيّة‌  ، و هنغاريا  (المجر) ، و رومانيا  الشاملة‌ ل بوخارست‌  .

 والقسم‌ الآسيوي‌ّ قسّموه‌ إلي‌  تركيا  ، و سورية‌  ، و لبنان‌  و الاردن‌ و فلسطين‌  ، و الحجاز  ، و عدن‌  ، و اليمن‌  ، و العراق‌  ، و الكويت‌  .

 والقسم‌ الإفريقي‌ّ قسّموه‌ إلي‌  مصر  ، و طرابلس‌  التي‌ تمثّل‌ القطر ال ليبي‌ّ  ، وكما يلاحظ‌ ، فإنّهم‌ جزّءوا الدولة‌ العثمانيّة‌ إلي‌ تسعة‌ عشر جزءاً .

 لقد بذل‌ الكفّار قصاري‌ جهودهم‌ بعد تقسيم‌ هذه‌ الاقطار وقبله‌ أيضاً من‌ أجل‌ القضإ علی وحدة‌ المسلمين‌ الذين‌ يحملون‌  القرآن‌ المجيد  رمزاً لها ، وذلك‌ بعد تغلغلهم‌ في‌ الاقطار الإسلاميّة‌ الاُخري‌ قدراً ما وسيطرتهم‌ عليها تحقيقاً لاهدافهم‌ المشؤومة‌ . وعملوا كلّ ما في‌ وسعهم‌ لزرع‌ الافكار القوميّة‌ وتعاهدها بالرعاية‌ ، وجعل‌ كلّ شعب‌ متمسّكاً بقوميّته‌ وآدابه‌ وتقاليده‌ ، ومحبّاً لوطنه‌ الذي‌ يمثّل‌ الحدود المعيّنة‌ التي‌ وضعوها في‌ اجتماعاتهم‌ . وشغلوا الناس‌ بالصحف‌، والإذاعات‌ ، والسينمات‌ ، وهيمنوا علی معارفهم‌ وثقافتهم‌ بواسطة‌ المدارس‌ والجامعات‌ ، وتأسيس‌ الجامعات‌ المستقلّة‌ بذريعة‌ الحفاظ‌ علی قوميّتهم‌ وآدابهم‌ التي‌ لا تمثّل‌ إلاّ ألفاظاً جوفاء ، وهراء لا طائل‌ تحته‌ . وليس‌ فيها إلاّ الفخر بالعظام‌ البالية‌ النخرة‌ لاسلافهم‌ ، والتهافت‌ علی مقدار من‌ الكؤوس‌ والكيزان‌ المحطّمة‌ بوصفها آثاراً قوميّة‌ ، وجمعها في‌ متاحف‌ فخمة‌ .

 فحرّضوا الفرس‌ علی التمسّك‌ بالآداب‌ والتقاليد الزرادشتيّة‌ وإحياء الزَّند  ] كتاب‌ زرادشت‌ [  والاوِسْتا  ] كتابه‌ المقدّس‌ أيضاً [ والمدح‌ المفرط‌ بملحمة‌ الشاهنامة‌ التي‌ نظهما الفردوسي‌ّ ، وعرض‌ الاساطير الخاصّة‌ بكورش‌ ، وداريوش‌ ، وسيروس‌ ، ورستم‌ ، وزال‌ ] والد رستم‌ [  .

 وقد رأينا بأعيننا كيف‌ كانوا يقفزون‌ من‌ فوق‌ النار في‌ آخر أربعاء من‌ السنة‌ الشمسيّة‌ ، وكيف‌ يحترمون‌ النوروز والمهرجان‌ ] وهو عيد قديم‌ للفرس‌ ، يعتبر أكبر عيد بعد عيد النوروز [  ويخرجون‌ من‌ البيوت‌ في‌ اليوم‌ الثالث‌ عشر من‌ فروردين‌  ] يصادف‌ الثاني‌ من‌ نيسان‌ [  ، وآلاف‌ الحكايات‌ والاساطير المخدّرة‌ التي‌ كانت‌ تمثّل‌ التعاليم‌ السياسيّة‌ للطبقة‌ الحاكمة‌ المتسلّطة‌ علی رقاب‌ الناس‌ وينبغي‌ أن‌ تطبّق‌ في‌ هذا البلد مع‌ ما تتطلبّه‌ من‌ تكاليف‌ باهظة‌ .

 واعتبروا لغة‌  القرآن‌  لغة‌ أجنبيّة‌ ، وهي‌ اللغة‌ الاُولي‌ لكلّ مسلم‌ ولم‌ يعد لتدريسها في‌ المدارس‌ قيمة‌ تذكر ، إذ امتهنوها امتهاناً حتّي‌ كادت‌ أن‌ تعدم‌ . وكانوا يستبدلون‌ المفردات‌ العربيّة‌ العذبة‌ بالمفردات‌ الاجنبيّة‌ والغربيّة‌ التي‌ يأخذونها من‌  كتاب‌ «أوِسْتا»  متذرّعين‌ بذرائع‌ واهيّة‌ ، وأنشأوا مجمعاً لغويّاً لوزارة‌ التربيّة‌ والتعليم‌ لا يشمّ منه‌ إلاّ توجّه‌ محموم‌ يقضي‌ بمحو الإسلام‌ ، والاهتمام‌ بالتغريب‌ .

 وقد طبّق‌ المستعمرون‌ أعدإ الإسلام‌ هذا المنهج‌ في‌ البلدان‌ الإسلاميّة‌ الاُخري‌ من‌ خلال‌ الاهتمام‌ بالجذور التأريخيّة‌ لكلّ بلد قبل‌ الإسلام‌ . ففي‌ إيران‌ ركّزوا علی  النعرة‌ الفارسيّة‌  ، وفي‌ الاقطار العربيّة‌ علی  نعرة‌ العروبة‌  ، وفي‌ تركيا علی  النعرة‌ التركيّة‌  ، وفي‌ شبه‌ القارّة‌ الهنديّة‌ ، علی  النعرة‌ الهندوسيّة‌  ، وهكذا في‌ بقيّة‌ الاقطار حتّي‌ لو كانت‌ صغيرة‌ ، كما في‌ الإمارات‌ الواقعة‌ علی سواحل‌ الخليج‌ الفارسي‌ّ نحو قَطَر  ، و القطيف‌  ، و أبو ظبي‌  ، وغيرها ، إذ منحوا تلك‌ الاقطار استقلالاً ظاهريّاً ، وضربوا علی وتر  النعرة‌ القوميّة‌  .

 فهذه‌ الاقطار التي‌ قسّموها ومنحوها الاستقلال‌ ، لم‌ تستقلّ بحقيقة‌ الاستقلال‌ ، بل‌ ظلّت‌ تعيش‌ في‌ بقعتها الهزيلة‌ شبه‌ ميّتة‌ ، تحت‌ وصاية‌ المستعمرين‌ وانتدابهم‌ .

 ومن‌ أهمّ الاشيإ التي‌ أفلحوا في‌ طمس‌ معالمها هو التأريخ‌ الإسلامي‌ّ القمري‌ّ الذي‌ أبطلوا مفعوله‌ في‌ كافّة‌ الاقطار الإسلاميّة‌ إلاّ في‌ المملكة‌ العربيّة‌ السعوديّة‌ كما يبدو . ونسخوا ذلك‌ التأريخ‌ ، واستبدلوا التأريخ‌ الشمسي‌ّ به‌ ، وذلك‌ بحجّة‌ أنـّه‌ ندإ للاتّحاد العالمي‌ّ ، وضرورة‌ للارتباط‌ بتأريخ‌ الاقطار الصناعيّة‌ والتجاريّة‌ ، وأنـّه‌ لابدّ منه‌ في‌ العلاقات‌ السياسيّة‌ علی الصعيد العالمي‌ّ . وأصبح‌ التأريخ‌ القمري‌ّ الإسلامي‌ّ منسوخاً بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ متّخذين‌ ميلاد السيّد المسيح‌ بداية‌ له‌ . فأضحي‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ هو التأريخ‌ الرسمي‌ّ للبلدان‌ الإسلاميّة‌ ، وبذلك‌ لا يعرف‌ الناس‌ شيئاً عن‌ الهجرة‌ النبويّة‌ ، ولا عن‌ محرّم‌ وصفر .

 وجعلوا بداية‌ السنة‌ في‌ العراق‌ وبين‌ النهرين‌ :  كانون‌ الثاني‌ والشهور شهوراً روميّة‌ ، وهكذا بدأوا بالتقويم‌ وفقاً للشهور الميلاديّة‌ التي‌ تبدأ بكانون‌ الثاني‌ ، ويقع‌ الشتإ في‌ الشهر الاوّل‌ والثاني‌ منها . وهذه‌ الشهور هي‌ :  كانون‌ الثاني‌ ، شباط‌ ، آذار ، نيسان‌ أيار ، حزيران‌ ، تمّوز ، آب‌ ، أيلول‌ ، تشرين‌ الاوّل‌ ، تشرين‌ الثاني‌ كانون‌ الاوّل‌[71]  ،  وهو الشهر الاوّل‌ في‌ الشتإ ، وجعلوا ميلاد السيّد المسيح‌ بداية‌ للتقويم‌ ، وأطلقوا علی السنين‌ : اسم‌ السنين‌ المسيحيّة‌ أو الميلاديّة‌ .

 وفعلوا مثل‌ ذلك‌ في‌ أقطار بلاد الشام‌ (سوريا ـ لبنان‌ ـ فلسطين‌) ومصر وغيرها مستعملين‌ تأريخ‌ الإفرنج‌ نفسه‌ وبأسمإ إفرنجيّة‌ أجنبيّة‌ مثل‌ : نوفمبر ، وديسمير وأمثالهما . وجعلوا تقويمهم‌ ميلاديّاً أيضاً . وهكذا فعلوا في‌ شبه‌ القارّة‌ الهنديّة‌ (الهند ، والباكستان‌) .

 وقد وجدوا أنّ من‌ غير الصالح‌ أن‌ يجعلوا التأريخ‌ ميلاديّاً في‌ إيران‌ دفعة‌ واحدة‌ لانّ شعبها يتشرّف‌ بتشيّعة‌ واتّباعه‌ العلمإ الابرار ولعدم‌ استسلامه‌ وخضوعه‌ لحكّام‌ الجور ، علی عكس‌ الشعوب‌ الاُخري‌ التي‌ تعتنق‌ المذهب‌ السنّي‌ّ فإنّها تنظر إلي‌ الحكّام‌ علی أنـّهم‌ أولو الامر وأنّ طاعتهم‌ واجبة‌ مهما كانوا . فإذا حكموا بتبنّي‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ ، فالجميع‌ سامعون‌ طائعون‌ .

 الرجوع الي الفهرس

استبدال‌ السنين‌ الشمسيّة‌ بالقمريّة‌ في‌ الدورة‌ الثانية‌ لمجلس‌ النوّاب

 وكان‌ استبدال‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ الشمسي‌ّ بالهجري‌ّ القمري‌ّ عسيراً جدّاً ، بل‌ ممتنعاً ، وذلك‌ بسبب‌ وجود العلمإ المتنفّذين‌ في‌ هذا البلد الشيعي‌ّ .

 لذلك‌ نري‌ أنّ المستعمرين‌ قاموا بتحقيق‌ أهدافهم‌ في‌ هذا المجال‌ مرحليّاً ، لكي‌ يعتاد الناس‌ علی المراحل‌ السابقة‌ ويألفوها شيئاً فشيئاً ، حتّي‌ لا يجدوا مانعاً من‌ تنفيذ المراحل‌ اللاحقة‌ .

 فطبّقوا مرحلة‌ واحدة‌ من‌ تلك‌ المراحل‌ قبل‌ ثمانين‌ سنة‌ ، وذلك‌ في‌ الدورة‌ الثانية‌ لمجلس‌ النوّاب‌ ، وهذه‌ المرحلة‌ هي‌ استبدال‌ الشهور الشمسيّة‌ بالشهور القمريّة‌ ، وفي‌ الدوائر الحكوميّة‌ فقط‌ دون‌ حدوث‌ تغيير في‌ رأس‌ السنين‌ الشمسيّة‌ ، أو في‌ أسمإ الشهور الشمسيّة‌ ، فرأس‌ السنين‌ هو هجرة‌ النبي‌ّ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ مكّة‌ إلي‌ المدينة‌ المنّورة‌ .[72]   وأسمإ الشهور هي‌ الاسمإ العربيّة‌ المتداولة‌ ، وفقاً لحركة‌ الشمس‌ في‌ البروج‌ الاثني‌ عشر ، أي‌ : من‌ أوّل‌ الربيع‌ بالترتيب‌ ، وهذه‌ البروج‌ هي‌ :

 الحَمَل‌ ، والثَـوْر ، والجَـوْزإ ، والسَّـرَطان‌ ، والاسـد    ، والسُّنْبُلَة‌    ، والميزان‌ ، والعَقْرَب‌ ، والقَوْس‌ ، والجَدْي‌ ، والدَّلْو    ، والحوت‌    .

 وقد طرحوا المسوّغ‌ لهذا التغيير في‌المجلس‌ ، وهو تنظيم‌ الشؤون‌ الماليّة‌ ، وذكروا أنّ السنة‌ الشمسيّة‌ من‌ مصلحة‌ الحكومة‌ ، ذلك‌ لانّ السنة‌ الشمسيّة‌ تزيد علی السنة‌ القمريّة‌ أحد عشر يوماً وحينئذٍ تصبّ ميزانيّة‌ الحكومة‌ ودفع‌ رواتب‌ الموضّفين‌ وفقاً لهذه‌ الشهور في‌ مصلحة‌ الحكومة‌ ونفعها .

 وعلی سبيل‌ المثال‌ ، لو كانت‌ نفقات‌ الحكومة‌ حسب‌ السنين‌ الشمسيّة‌ أربعة‌ وعشرين‌ مليوناً سنويّاً ، فإذا أرادت‌ أن‌ تنفق‌ ذلك‌ المبلغ‌ حسب‌ الشهور القمريّة‌ فإنّ عليها أن‌ تزيد النفقات‌ مليونين‌ في‌ كلّ ثلاث‌ سنوات‌ ، وذلك‌ لزيادة‌ شهر في‌ كلّ ثلاث‌ سنوات‌ ، فتتضرّر الحكومة‌ مليونين‌ . [73]

 وكذلك‌ عندما بدأت‌ دائرة‌ الجمارك‌ أعمالها في‌ إيران‌، تصوّروا أنّ التأريخ‌ الشمسي‌ّ ضروري‌ّ في‌ الشؤون‌ الحكوميّة‌ . فسألوا الناس‌ : أي‌ّ سنة‌ شمسيّة‌ هذه‌ ؟ فلم‌ يحصلوا علی شي‌ء . قالوا : ثمّة‌ حَمَل‌ وثور في‌ سنين‌ المنجّمين‌ ، وهم‌ يعلمون‌ ذلك‌ ، وهو ما أخذه‌ البلجيك‌ وطبّقوه‌ .

 وكلّما فكّرتُ في‌ هذه‌ الادلّة‌ لاعرف‌ كيف‌ تكون‌ كافية‌ لاستبدال‌ الشهور والسنين‌ القمريّة‌ الإسلاميّة‌ بالشهور والسنين‌ الشمسيّة‌ ، فلم‌ أهتدِ إلي‌ شي‌ء . وهل‌ يكون‌ الدليل‌ علی هذه‌ الدرجة‌ من‌ الضعف‌ ، إذ يغيّرون‌ السنة‌ المتداولة‌ في‌ بلد ما إلي‌ سنة‌ شمسيّة‌ بسبب‌ حاجة‌ التعرفة‌ الجمركيّة‌ إلي‌ ذلك‌ ، ويبدّلون‌ جميع‌ الآداب‌ والتقاليد والعطل‌ والإجرإات‌ الإداريّة‌ والمراسيم‌ في‌ كافّة‌ الداوئر كدائرة‌ العدل‌ ، والتربية‌ والتعليم‌ وغيرهما ، وحتّي‌ وزارة‌ الماليّة‌ ويتلاعبون‌ بشؤون‌ البلد كلّها من‌ خلال‌ هذه‌ الممارسات‌ ؟ فأي‌ّ حساب‌ هذا ؟! وأي‌ّ كتاب‌ هو ؟!

 وأمّا الميزانيّة‌ ونفقات‌ الحكومة‌ التي‌ تتضرّر حسب‌ الشهور القمريّة‌ ، فإنّ دليلها باهت‌ واهٍ إلي‌ درجة‌ أنّ الإنسان‌ يندهش‌ من‌ عقول‌ الذين‌ اقترحوا تغيير التأريخ‌ ودرايتهم‌ .

 فمن‌ قال‌ بأنَّ تجعل‌ الحكومة‌ ميزانيّتها من‌ الضرائب‌ التي‌ تجمعها من‌ الشعب‌ حسب‌ الشهر والسنة‌ القمريّة‌ ، ثمّ تصرفها حسب‌ الشهر والسنة‌ الشمسيّة‌ ، وتدفعها لموظّفيها ؟ فلو جمعتها الحكومة‌ حسب‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ ، فإنّها تدفعها وفقاً لذلك‌ التأريخ‌ . ولو جمعتها حسب‌ التأريخ‌ القمري‌ّ ، فإنّها تدفعها وفقاً له‌ أيضاً . وهكذا تبقي‌ النسبة‌ متعادلة‌ ومحفوظة‌ في‌ كلا الحالين‌ ، ولا يمكن‌ أن‌ يُتَصَوَّر ربح‌ وخسارة‌ أبداً .

 فلو كانت‌ ميزانيّة‌ البلاد أربعة‌ وعشرين‌ مليوناً في‌ السنة‌ الشمسيّة‌ ، وأراد ذوو الامر صرفها حسب‌ السنة‌ القمريّة‌ ، فلن‌ تبقي‌ علی المبلغ‌ نفسه‌ ، بل‌ تقلّ طبعاً ، وما يضرّ دفع‌ المقدار الاقلّ حسب‌ شهور وسنين‌ أقصر ؟

 إنّ تعيين‌ الميزانيّة‌ وعائدات‌ الحكومة‌ ومصاريفها ، وكذلك‌ إنفاقها وجمعها ، كلّ ذلك‌ سوإ كان‌ حسب‌ السنين‌ الشمسيّة‌ أو القمريّة‌ ، فإنّه‌ يعود إلي‌ الحكومة‌ ، وهي‌ صاحبة‌ التصرّف‌ ، والتناسب‌ محفوظ‌ علی أي‌ّ حال‌ ، لا ينقص‌ أو يزيد ريالاً واحداً .

 لو دعوتم‌ عشرة‌ ضيوف‌ إلي‌ بيتكم‌ مثلاً ، فإنّكم‌ تضعون‌ أمام‌ كلّ واحد إنإ أو صحناً لطعامه‌ ! ولو دعوتم‌ عشرين‌ ضيفاً ! فعليكم‌ أن‌ تهيّئوا عشرين‌ إنإ ! والضيوف‌ في‌ كلا الحالين‌ يأكلون‌ من‌ أوانيهم‌ المعدّة‌ لهم‌ ويشبعون‌ ! بَيدَ أنـّكم‌ لو دعوتم‌ عشرين‌ ضيفاً ، ووضعتم‌ أمامهم‌ طعاماً يكفي‌ لعشرة‌ ضيوف‌ فقط‌ ! فإنّ الجميع‌ يبقون‌ جياعاً  !

 ولا ضرورة‌ تلزمكم‌ أن‌ تدعوا عشرين‌ ضيفاً ، وتقدّموا لهم‌ طعاماً يكفي‌ لعشرة‌ ! فإمّا أن‌ تدعوا عشرين‌ ، تقدّموا لهم‌ طعاماً لعشرين‌ ، أو تدعوا عشرة‌ ، وتقدّموا طعاماً لعشرة‌ . وفي‌ كلتا الحالتين‌ يشبع‌ ضيوفكم‌ جميعهم‌ ، ولا تخجلون‌ بسبب‌ قلّة‌ الطعام‌ ، وتؤدّون‌ ما عليكم‌  !

 إنّ كلّ ما أتي‌ به‌ أُولئك‌ الاشخاص‌ تبريرات‌ وذرائع‌ واهية‌ . فهم‌ يريدون‌ إلغإ محرّم‌ ، وصفر ، ورمضان‌ ، وذي‌ الحجّة‌ وطمس‌ معالمها . ليخطوا خطوتهم‌ الاُولي‌ ، ويطووا مرحلة‌ من‌ المراحل‌ ليمهّدوا الطريق‌ لخطوات‌ قادمة‌ ومراحل‌ لم‌ تطو بعد .

 قام‌ المجلس‌ الثاني‌ بإلغإ السنين‌ والشهور القمريّة‌ من‌ التقويم‌ الرسمي‌ّ . واستبدل‌ الحَمَل‌ والثَوْر والجوزإ بمحرّم‌ وصفر . وعندما اعترضت‌ عليهم‌ الفئة‌ المؤمنة‌ الواعية‌ الملتزمة‌ بأنّ هذه‌ الخطوة‌ تعني‌ إلغإ الشعائر الإسلاميّة‌ ! وتغيير محرّم‌ وصفر ! أجابوا :

 لا دخل‌ لنا بمحرّمكم‌ وصفركم‌ ! أقيموا مجالس‌ العزإ في‌ هذين‌ الشهرين‌ ! وصوموا في‌ شهر رمضان‌ ! وأدّوا مناسك‌ الحجّ في‌ ذي‌ الحجّة‌ !

 لا يعنينا أبداً ممارسة‌ أعمالكم‌ العباديّة‌ في‌ أوقاتها المقرّرة‌ في‌ الشرع‌ ! إنّه‌ شي‌ء يخصّكم‌ ! فنحن‌ نجعل‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ تأريخاً رسميّاً للبلاد بسبب‌ الاعمال‌ الحكوميّة‌ ، والعلاقات‌ الدبلوماسيّة‌ وتنظيم‌ شؤون‌ الحكومة‌ وتنسيقها ، والانظمة‌ الإداريّة‌ والوزارات‌ ! وليس‌ في‌ هذا ضرر لاي‌ّ شخص‌ أو لاي‌ّ مرفق‌ حيوي‌ّ !

 ومتي‌ طلبنا منكم‌ أن‌ تصوموا في‌ الحَمَل‌ ! أو تحجّوا في‌ السرطان‌ ! فالحقّ ـ حينئذٍ ـ معكم‌ ! ولكم‌ أن‌ تعترضوا علينا  !

 ولم‌ يقل‌ أحد لهؤلإ : إنّ الإسلام‌ لا يفرّق‌ بين‌ الشؤون‌ العباديّة‌ والسياسيّة‌ ، وإنّ الانظمة‌ الإداريّة‌ لا تنفصل‌ عن‌ الصلاة‌ والصوم‌ ، وإنّ عمل‌ الوزارات‌ يصبّ في‌ خدمة‌ الثقافة‌ الإسلاميّة‌ الاصيلة‌ ، والحجّ والزيارة‌ ، وصوم‌ شهر رمضان‌ ، وإقامة‌ العزإ علی سيّد الشهدإ عليه‌ السلام‌ . وليس‌ عندنا : نحن‌ وأنتم‌ ! فالحكومة‌ الإسلاميّة‌ واحدة‌ ، والاُمّة‌ الإسلاميّة‌ واحدة‌ !

 إنّ استبدال‌ التأريخ‌ القمري‌ّ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ يؤدّي‌ إلي‌ فصل‌ الشعب‌ المسلم‌ عن‌ الحكومة‌ ، ويستلزم‌ عزل‌ الإسلام‌ عن‌ الحقل‌ الاجتماعي‌ّ والرسمي‌ّ . ويؤول‌ ـ في‌ الحقيقة‌ ـ إلي‌ نسْخِ الإسلام‌ وإقرار النظام‌ الغربي‌ّ والتغريب‌ .

 فهذه‌ هي‌ المرحلة‌ الاُولي‌ من‌ التغيير التي‌ كانت‌ جارية‌ وسارية‌ المفعول‌ في‌ البلاد علی امتداد عشرين‌ سنة‌ ، إلي‌ أن‌ حان‌ الوقت‌ لتنفيذ المرحلة‌ الثانية‌ لهذه‌ الخطّة‌ ، وكانت‌ الارضيّة‌ ممهّدة‌ من‌ كلّ الجهات‌ ، وأعدإ الإسلام‌ يتربّصون‌ وينتهزون‌ الفرصة‌ لتنفيذ تلك‌ المرحلة‌ .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[53] ـ  أبو ريحان‌ محمّد بن‌ أحمد البيروني‌ّ الخوارزمي‌ّ  من‌ كبار علمإ الإسلام‌ . عاش‌ في‌ القرن‌ الرابع‌ والخامس‌ ، ولد بخوارزم‌ . سنة‌  360  ه ، وتوفّي‌ بغزنة‌ ، سنة‌ 440  ه  .

[54] وذكر في‌ ذلك‌ الكتاب‌ أسمإ أُخري‌ للشهور العربيّة‌ قبل‌ الإسلام‌ ووجه‌ تسميتها بتلك‌ الاسمإ ، وذلك‌ ص‌  60  إلي‌  62  . ثمّ قال‌ : هذه‌ الاسمإ تعود إلي‌ عصر قديم‌ ثمّ بدّلت‌ الاسمإ الحاضرة‌ بها في‌ العصر الجاهلي‌ّ . وهذه‌ الاسمإ هي‌ :  المُؤْتَمِر خَوَّانٌ ـ حُنْتَمٌ ـ نَاجِرٌ  صُوانٌ ـ زَبَّإ ـ الاْصَمُّ ـ نَافِقٌ ـ هُوَاعٌ ـ عَادِلٌ- وَاغِلٌ  بُرَكٌ  . وهناك‌ اختلاف‌ في‌ التواريخ‌ حول‌ بعض‌ هذه‌ الاسمإ وترتيبها . وأحسن‌ نظم‌ في‌ هذا المجال‌ هو ما قاله‌ الصاحب‌ إسماعيل‌ بن‌ عبّاد :

 أَردْتُ شُهُورَ الْعُرْبِ فِي‌ الجَاهِلِيَّةِ فَخُذْهَا علی سَرْدِ الْمُحَرَّمِ تَشْتَرِكْ

 فَمُؤتَمِرٌ يَأْتِي‌ وَمِنْ بَعْدُ ناجِرٌ وَخُوّانُ مَعْ صُوَانَ يُجْمَعُ فِي‌ شَرَكْ

 حَنِينٌ وَزَبَّا وَالاْصَمُّ وَعَادِلٌ وَنَافِقُ مَعْ وَغْلٍ وَرَنَّةُ مَعْ بُرَكْ

[55] القَلاَمِس‌ جمع‌ القَلَمَّس‌ ، وهو البحر الزاخر . والقلمّس‌ لقب‌ لاحد نَسَأَة‌ الشهور علی العرب‌ في‌ الجاهليّة‌ ، وهو من‌ بني‌ كنانة‌ . وأوّل‌ النَّسَأَة‌ هو حذيفة‌ بن‌ عبد فقيم‌ الكناني‌ّ . وكانوا يتوارثون‌ منصبه‌ واحداً بعد الآخر . وآخرهم‌ ، وهو سابعهم‌ : أبو ثمامة‌ جُنادة‌ بن‌ عوف‌ (أبو ثمامة‌ جنادة‌ بن‌ عوف‌ بن‌ أُميّة‌ بن‌ قَلَع‌ بن‌ عبّاد بن‌ قَلَع‌ بن‌ حذيفة‌) ولو اعتبرنا متوسّط‌ السنّ لكلّ جيل‌ ثلاثين‌ سنة‌ ، فالمجموع‌ هو مائتان‌ وعشر سنوات‌ . ولو أنقصنا من‌ هذه‌ المدّة‌ سنوات‌ الهجرة‌ العشر، فإنّ أوّلهم‌ كان‌ يعيش‌ قبل‌ الهجرة‌ بمائتي‌ عام‌ . وقد نصّ المقريزي‌ّ علی هذا الزمان‌ في‌ خططه‌ ، ج‌  2  ، ص‌  54  .

[56] أي‌ : كانوا يصحّحون‌ المقدار المهمل‌ من‌ جمع‌ الفروق‌ الذي‌ يحصل‌ من‌ الكبس‌ مع‌ مقدار السنة‌ الشمسيّة‌ أثنإ السنة‌ القمريّة‌ المحسوبة‌ ، وذلك‌ مع‌ كبيسة‌ أُخري‌ ذات‌ حساب‌ أدقّ . وذكر المقريزي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌  845  ه هذه‌ الطريقة‌ من‌ الكبس‌ عند العرب‌ في‌ الجاهليّة‌ ، وذلك‌ في‌ كتاب‌ «المواعظ‌ والاعتبار بذكر الخطط‌ والآثار» ج‌  2  ، ص‌  56  ، طبعة‌ مصر .

[57] «الآثار الباقية‌» ص‌  62  و  63 

[58] «الآثار الباقية‌» ص‌  332  .

[59] أبو معشر الفلكي‌ّ هذا من‌ أصحاب‌ علم‌ النجوم‌ والهيئة‌ . وهو غير  أبي‌ معشر نجيح‌ بن‌ عبد الرحمن‌ السندي‌ّ  ، من‌ المحدّثين‌ المشهورين‌ صاحب‌ كتاب‌ «المغازي‌» المتوفّي‌ سنة‌  170  ه .

[60] فقد هذا الكتاب‌ ولكنّ كلامه‌ هذا في‌ النسي‌ء نقله‌ عبد الجبّار بن‌ عبد الجبّار  بن‌ محمّد الخرقّي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌  553  ه بمدينة‌ مَرْو في‌ كتابه‌ الموسوم‌ بـ «منتهي‌ الإدراك‌ في‌ تقاسيم‌ الافلاك‌» . واستخرج‌ هذا النصّ من‌ مخطوطة‌ في‌ باريس‌ : محمود أفندي‌ الملقّب‌ فيما بعد محمود باشا الفلكي‌ّ في‌ مجلّة‌ (جورنال‌ اسياتيك‌)  .

[61] هذا المقدار مسلّم‌ به‌ عند أصحاب‌ علم‌ الهيئة‌ . وينبغي‌ أن‌ نعلم‌ أنّ كلّ شهر قمري‌ّ نجومي‌ّ يمثّل‌ فترة‌ مقارنتين‌ متواليتين‌ للشمس‌ والقمر ، وهو عبارة‌ عن‌ تسعة‌ وعشرين‌ يوماً واثنتي‌ عشرة‌ ساعة‌ وأربع‌ وأربعين‌ دقيقة‌ ( 29 يوم‌  12  ساعة‌  44  دقيقه‌) وإذا ضربنا هذا المقدار في‌ العدد  12  فالناتج‌ هو ثلاثمائة‌ وأربعة‌ وخمسون‌ يوماً وثماني‌ ساعات‌ وثماني‌ وأربعين‌ دقيقة‌ ، فالسنة‌ القمريّة‌ عبارة‌ عن‌ ( 354  يوم‌  8  ساعة‌  48  دقيقة‌) ولمّا كانت‌ كلّ سنة‌ شمسيّة‌ عبارة‌ عن‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وستّ ساعات‌ تقريباً ( 365 يوم‌  6  ساعة‌) ، فلهذا يكون‌ تفاضل‌ السنة‌ الشمسيّة‌ من‌ القمريّة‌ عشرة‌ أيّام‌ وإحدي‌ وعشرين‌ ساعة‌ واثنتي‌ عشرة‌ دقيقة‌ ( 10  أيّام‌  21  ساعة‌  12  دقيقة‌) تقريباً ، وهو المقدار الذي‌ ذكره‌ أبو معشر .

[62] «علم‌ الفلك‌ ، تاريخه‌ عند العرب‌ في‌ القرون‌ الوسطي‌» تأليف‌ الفلكي‌ّ الإيطالي‌ّ السينور كرلو نلّينو ، الطبعة‌ الثانية‌  1911  م‌ ، ص‌  87  إلي‌  89  .

[63] ـ «علم‌ الفلك‌» المحاضرة‌ الثانية‌ عشرة‌ إلي‌ المحاضرة‌ الرابعة‌ عشرة‌ ، ص‌ 83  إلي‌   99   .

[64] جإ في‌ «مروج‌ الذهب‌» ج‌  2  ، ص‌  188  و  189  ، طبعة‌ دار الاندلس‌ : أسمإ الشهور: شهور الاهلّة‌ : أوّلها المحرّم‌ ، وأيّامها ثلاثمائة‌ وأربعة‌ وخمسون‌ يوماً تنقص‌ عن‌ السرياني‌ّ أحد عشر يوماً وربع‌ يوم‌ . فتفرق‌ في‌ كلّ ثلاث‌ وثلاثين‌ سنة‌ ، فتنسلخ‌ تلك‌ السنة‌ العربيّة‌، ولا يكون‌ فيها نيروز . وقد كانت‌ العرب‌ في‌ الجاهليّة‌ تكبس‌ في‌ كلّ ثلاث‌ سنين‌ شهراً وتسمّية‌  النسي‌ء  ، وهو  التأخير  . وقد ذمّ الله‌ تبارك‌ وتعلی فعلهم‌ بقوله‌ :  إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ .  ورسـمت‌ العرب‌ الشـهور فبدأت‌ ب المحرّم‌ ، لانـّه‌ أوّل‌ السنة‌ . وإنّما سمّته‌  المحرّم‌  لتحريمها الحرب‌ ، والغارات‌ فيه‌. و صفر  بالاسواق‌ التي‌ كانت‌ باليمن‌ تسمّي‌ الصفريّة‌ ، وكانوا يمتارون‌ منها . ومن‌ تخلّف‌ عنها ، هلك‌ جوعاً .

 وقيل‌ : إنّما سمّي‌ الصفر ، لانّ المدن‌ كانت‌ تخلو فيه‌ من‌ أهلها بخروجهم‌ إلي‌ الحرب‌. وهو مأخوذ من‌ قولهم‌ :  صَفِرَتِ الدَّارُ مِنْهُمْ  ، إذا خلت‌ . و ربيع‌  ، و ربيع‌  لارتباع‌ الناس‌ والدوابّ فيهما . فان‌ قيل‌ : قد توجد الدوابّ ترتبع‌ في‌ غير هذا الوقت‌، قيل‌: قد يمكن‌ أن‌ يكون‌ هذا الاسم‌ لزمهما في‌ ذلك‌ الوقت‌ ، فاستمرّ تعريفهما بذلك‌ مع‌ انتقال‌ الزمان‌ واختلافه‌ . و جُمادي‌  ، و جُمادي‌  ، لجمود المإ فيهما في‌ الزمان‌  ï ïالذي‌ سمّيت‌ به‌ هذه‌ الشهور ، لانـّهم‌ لم‌ يعلموا أنّ الحرّ والبرد يدوران‌ فتنتقل‌ أوقات‌ ذلك‌. و رجب‌  ، لخوفهم‌ إيّاه‌ . يقال‌ :  رَجبْتُ الشي‌ء  ، إذا خفته‌ . و شعبان‌ ، لتشعّبهم‌ إلي‌ مياههم‌ وطلب‌ الغارات‌ . و رمضان‌  ، لشدّة‌ حرّ الرمضإ فيه‌ ذلك‌ الوقت‌. والوجه‌ الآخر أنـّه‌ اسم‌ من‌ أسمإ الله‌ تعلی ذكره‌ . ولا يجوز أن‌ يقال‌:  رمضان‌ ، وإنّما يقال‌: شهر رمضان‌  . و شوّال‌  ، لانّ الإبل‌ كانت‌ تشول‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ بأذنابها من‌ شهوة‌ الضراب‌، تشإمت‌ به‌ العرب‌ ، ولذلك‌ كرهَت‌ التزويج‌ فيه‌ . و ذوالقعدة‌ ، لقعودهم‌ فيه‌ عن‌ الحرب‌ والغارات‌ . و ذو الحجّة‌  ، لانّ الحجّ فيه‌ ـ انتهي‌ .

 يتّضح‌ لنا ممّا تقدّم‌ وممّا قاله‌  أبو ريحان‌ البيروني‌ّ  في‌  «الآثار الباقية‌»  حول‌ سبب‌ تسمية‌ الاشهر القمريّة‌ أنـّهم‌ كانوا يضعون‌ هذه‌ الاسمإ للفصول‌ الشمسيّة‌ وفقاً للشهور الشمسيّة‌ مدّة‌ من‌ حياتهم‌ . ثمّ عادوا من‌ الشهور الشمسيّة‌ إلي‌ الشهور القمريّة‌ التي‌ لا تنطبق‌ علی الفصول‌ ثانية‌ بسبب‌ قانون‌ الإسلام‌ . وهذا هو  النسي‌ء  الذي‌ اعتبره‌الله‌ زيادة‌ في‌ الكفر بسبب‌ تأخير الاحكام‌ والواجبات‌ عن‌ وقتها إلي‌ وقت‌ آخر يليها رعاية‌ للمصالح‌ الدنيويّة‌

[65] الآية‌  36  ، من‌ السورة‌  9  : التوبة‌ .

[66] جإ في‌ تفسير الإمام‌ الفخر الرازي‌ّ ، ج‌  4  ، ص‌  634  ، من‌ الطبعة‌ ذات‌ الاجزإ الثمانية‌ قوله‌ : قد أجمعوا علی أنّ هذه‌ الاربعة‌ ثلاثة‌ منها سرد ، وهي‌ : ذو القعدة‌ ، وذو الحجّة‌ ، والمحرّم‌ ، وواحد فرد ، وهو رجب‌ . وقال‌ في‌ ص‌ 635  : قوله‌ :  ذَ لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ  إشارة‌ إلي‌ الشهور الاثني‌ عشر ، لانّ الكفّار كانوا يجعلون‌ السنة‌ ثلاثة‌ عشر شهراً .

[67] الآيات‌  38  إلي‌  40  ، من‌ السورة‌  36  : يس‌ .

[68] الآية‌  189  من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[69] «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌  3  ، ص‌  289  .

[70] «تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ» ج‌  2  ، ص‌  110  ، طبعة‌ بيروت‌ ؛ و «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2 ، ص‌ 302 ، طبعة‌ بيروت‌ .

[71] جاء في‌ «النصاب‌» :

 دو تشرين و ‌ دو كانون‌ و پس‌ آنكه‌          شباط‌ و آذر و نيسان‌ أيّار است‌

 حزيران‌ و تموز آب‌ و أيلول‌                     نگهدارش‌ كه‌ از من‌ يادگار است‌

 وتعريبها :

 تشرينان‌ وكانونان‌ يتلوهما شباط‌ ، وآذار ، ونيسان‌ ، وأيّار

 حزيران‌ ، وتمّوز ، وآب‌ ، وأيلول‌ فاحفظها فهي‌ منّي‌ لك‌ تذكار

 وأمّا أيّام‌ هذه‌ الشهور فهي‌ : تشرين‌ الاوّل‌  31  يوماً ، تشرين‌ الثاني‌  30  يوماً    ï ï  كانون‌ الاوّل‌  31  يوماً ، كانون‌ الثاني‌  31  يوماً ، شباط‌  28  يوماً وفي‌ الكبيسة‌  29 يوماً ، آذار  31  يوماً ، نيسان‌  30  يوماً ، أيّار  31  ، حزيزان‌  30  يوماً ، آب‌  31  يوماً ، أيلول‌  30  يوماً («التنبيه‌ والإشراف‌» للمسعودي‌ّ ص‌  183 ) .

 وأمّا شعر «نصاب‌» المعروف‌ فهو قوله‌ :

 لاَ وَلاَلَبْ لاَ وَلاَ شش‌ مه‌ است‌ لَلْ كطْ وَكطُ لَلْ شهور كوته‌ است‌

 لا ولا لب‌ لا ولا لا فهذه‌ ستّة‌ أشهر لل‌ كط‌ وكط‌ لل‌ فهذة‌ ستّة‌ قصيرة‌

 فإنّه‌ يعود إلي‌ الشهور الروميّة‌ علی الحمل‌ والثور والجوزاء باللغة‌ العربيّة‌ . أي‌ : أنّ عدد أيّام‌ الشهور الروميّة‌ من‌ الحمل‌ هي‌ بالترتيب‌ :  31  ،  31  ،  32  ،  31 ،  31    31  ، الشهور الستّة‌ الاولي‌ حتّي‌ آخر السنبلة‌ ، و  30  ،  30  ،  29  ،  29  ،  30  ،  30  ، الشهور الستّة‌ الاخيرة‌ حتّي‌ آخر الحوت‌ ،  ومجموعها :  365  يوماً .

 من‌ الطبيعي‌ّ ، لمّا كانت‌ السنة‌ الشمسيّة‌  365  يوماً و  5  ساعات‌ و  48  دقيقة‌ و 45  ثانية‌ ، وأرادوا أن‌ لا تتأخّر السنة‌ ، لذلك‌ عليهم‌ أنّ يجمعوا هذه‌ الكسور في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ مرّة‌ واحدة‌ ، فتكون‌ يوماً واحداً ، يضيفونه‌ إلي‌ تلك‌ السنة‌ . ويطلق‌ علی هذه‌ السنة‌ : الكبيسة‌ .

[72] لمّا كانت‌ بعثة‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌  27  رجب‌ ، وأنـّه‌ مكث‌ في‌ مكّة‌  13  سنة‌ ، ثمّ هاجر منها في‌  12  ربيع‌ الاوّل‌ ؛ فإنّ لبثه‌ في‌ مكّة‌ علی    ï ïنحو التحقيق‌  12  سنة‌ و  7  شهور ونصف‌ الشهر . وأنّ مدّة‌ مكوثه‌ في‌ المدينة‌  10  سنين‌ إلاّ أربعة‌ عشر يوماً ، أي‌ : من‌  12  ربيع‌ الاوّل‌ ، السنة‌ الاُولي‌ للهجرة‌ حتّي‌ الثامن‌ والعشرين‌ من‌ صفر سنة‌  11  ه . وكانت‌ هجرته‌ سنة‌  622  م‌ . وصادف‌ الاوّل‌ من‌ المحرّم‌ في‌ تلك‌ السنة‌ ، وهو بداية‌ السنة‌ عند المسلمين‌ ، السادس‌ عشر من‌ تمّوز سنة‌  622  حسب‌ التعديل‌ في‌ تقويم‌ جولين‌ ، والتاسع‌ عشر منه‌ حسب‌ التعديل‌ في‌التقويم‌ الغريغوري‌ّ الميلادي‌ّ الحالي‌ .

[73] وتنبّه‌ العثمانيّون‌ إلي‌ هذا الموضوع‌ أيضاً قبل‌ سبعين‌ سنة‌ ، فغيّروا التأريخ‌ الرسمي‌ّ إلي‌ تأريخ‌ شمسي‌ّ . أي‌ : بدّلوا تأريخهم‌ في‌ سنة‌  1256  ه ، إلاّ أنّ السهو الذي‌ ارتكبوه‌ آنذاك‌ هو جعلهم‌ التأريخ‌ شمسيّاً منذ ذلك‌ الحين‌ فما تلاه‌ ، وبقاؤهم‌ علی التأريخ‌ القمري‌ّ في‌ المدّة‌ التي‌ سبقت‌ ذلك‌ الحين‌ ، فتأريخهم‌ منذ اليوم‌ الاوّل‌ للهجرة‌ لا يدلّ علی القمري‌ّ ، ولا علی الشمسي‌ّ . إذ إنّ سبعين‌ سنة‌ منه‌ شمسيّة‌ بأسماء روميّة‌ كشباط‌ وتشرين‌ وغيرهما ، وما سبق‌ ظلّ قمريّاً وشهوره‌ محرّم‌ وصفر وغيرهما من‌ الشهور .

 لذلك‌ نري‌ حتّي‌ هذا التأريخ‌ الذي‌ نؤلّف‌ فيه‌ كتابنا هذا ، وهو ربيع‌ الاوّل‌ سنة‌ 1405  ه ، أنـّه‌ مضي‌ علی ذلك‌ التأريخ‌  150  سنة‌ ، وأنّ النقص‌ في‌ هذا المقدار أربع‌ سنوات‌ ونصف‌ ، فيجب‌ أن‌ يكون‌ تأريخ‌ السنوات‌ العثمانيّة‌1400  سنة‌ . غير أنّ مصطفي‌ كمال‌ باشا عندما تسلّم‌ مقاليد الاُمور لم‌ يغّير التأريخ‌ الهجري‌ّ ، ويجعله‌ ميلاديّاً فحسب‌ ، بل‌ جهد علی جعل‌ جميع‌ الآداب‌ والتقاليد والنهج‌ أجنبيّة‌ ، وعطّل‌ المساجد ، واستبدل‌ الجمعة‌ بالاحد كعطلة‌ رسميّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com