بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة جديدة / القسم الرابع: فوائد و منافع الشهور القمریة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

نماذج‌ من‌ التواريخ‌ الشمسيّة‌ المختلفة‌

ناهيك‌ عن‌ أنّ هذه‌ المناسبات‌ ، والاحتفالات‌ والاستشهادات‌ ، والتأبينات‌ لمّا كانت‌ قد جرت‌ علی أساس‌ النهضة‌ الدينيّة‌ الإسلاميّة‌ ، فمن‌ الانسب‌ أن‌ يحتفل‌ بذكراها باعتماد الشهور القمريّة‌ وذلك‌ لترسيخها وتخليدها في‌ أذهان‌ أبنإ الجيل‌ المعاصر والقادم‌ ، فاستشهاد العالم‌ المظلوم‌ الغريب‌ المجاهد السيّد حسن‌ المدرّس‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ بكاشْمَر في‌ السابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ ، وهو صائم‌ . وحيث‌ كان‌ قائماً بالصلاة‌ عند غروب‌ الشمس‌ . فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ ذكراه‌ في‌ هذا التأريخ‌ أو في‌ العاشر من‌ آذر ؟[96]   واستشهاد المرحوم‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ شهيد طريق‌ الحقّ والعدالة‌ الذي‌ شنقوه‌ يوم‌ الثالث‌ عشر من‌ رجب‌ ،[97]   وهو يوم‌ ميلاد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فأيّهما أفضل‌ إحياء ذكراه‌ في‌ هذا التأريخ‌ أو في‌ الشهر الشمسي‌ّ الفلاني‌ّ ؟

 وعندما ثار الشعب‌ بعد العاشر من‌ المحرّم‌ ، وأقام‌ مجالس‌ العزاء عشرة‌ أيّام‌ بتمامها ، وأحيي‌ ذكر سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ المجالس‌ والمحافل‌ من‌ خلال‌ الخطب‌ والكلمات‌ والمحاضرات‌ التي‌ ختمت‌ بالخطاب‌ التأريخي‌ّ الذي‌ ألقاه‌ قائد الثورة‌ في‌ المدرسة‌ الفيضيّة‌ عصر العاشر من‌ المحرّم‌ ، ممّا أدّي‌ إلی اعتقال‌ كثير من‌ العلماء والفضلاء في‌ طهران‌ والمدن‌ الاُخري‌ ، حيث‌ نُقِلَ قائد الثورة‌ إلی طهران‌ لإعدامه‌ ، ووثبة‌ الشعب‌ المسلم‌ في‌ طهران‌ وقم‌ ، فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ هذه‌ الذكري‌ في‌ اليوم‌ الثاني‌ عشر من‌ المحرّم‌ أو في‌ الخامس‌ عشر من‌ خرداد ؟

 ولمّا نهض‌ أهإلی طهران‌ في‌ الليلة‌ الاُولي‌ من‌ المحرّم‌ واليوم‌ الاوّل‌ منه‌ وكانوا قد لبسوا الاكفان‌ وهم‌ يردّدون‌ شعار : الله‌ أكبر ، إحياءً لذكري‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وقام‌ النظام‌ البهلوي‌ّ السفّاح‌ بقمع‌ هذه‌ الوثبة‌ قمعاً دمويّاً ، فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ هذه‌ الذكري‌ في‌ الاوّل‌ من‌ المحرّم‌ ، أو في‌ الخامس‌ من‌ مِهر ؟

 أجل‌ ، فإنّ الشهور القمريّة‌ هي‌ ملاك‌ التقويم‌ للامّة‌ الإسلاميّة‌ ، لا غيرها ، وذلك‌ وفقاً للادلّة‌ الشرعيّة‌ والتجربة‌ التأريخيّة‌ .

 وتعقد الندوات‌ والجلسات‌ هذه‌ الايّام‌ في‌ أقطار العالم‌ الإسلامي‌ّ حسب‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ ، والإيرانيّون‌ يؤاخذون‌ تلك‌ الاقطار علی استعمال‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ . ولو تساءلت‌ تلك‌ الاقطار عن‌ التأريخ‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ تتبنّاه‌ وتشترك‌ فيه‌ مع‌ الاقطار الاُخري‌ ، فهل‌ هناك‌ تأريخ‌ يوحّدها مع‌ غيرها سوي‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ القمري‌ّ ؟ وتؤاخذنا تلك‌ الاقطار أيضاً أنّ السنين‌ الشمسيّة‌ غير إسلاميّة‌ ، وأنّ فروردين‌ وبهمن‌ وغيرهما من‌ الشهور الفارسيّة‌ هي‌ غير إسلاميّة‌ أيضاً ، إذَنْ ينبغي‌ أن‌ نتلاحم‌ ونتكاتف‌ لإصلاح‌ شؤوننا علی أساس‌ قاعدة‌ قرآنيّة‌ صحيحة‌ ، وذلك‌ لتتضافر جهودنا ونساهم‌ جميعنا في‌ أوّل‌ شي‌ء يمثّل‌ شرطاً لوحدة‌ المسلمين‌ .

 ونقول‌ مرّة‌ أُخري‌ أيضاً : كيف‌ لا يصحّ أن‌ نؤرّخ‌ ذكري‌ استشهاد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ شوّال‌ يوماً ، وفي‌ ربيع‌ الاوّل‌ يوماً آخر ؟ وكيف‌ لا يصحّ أن‌ نجعل‌ عاشوراء بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ رجب‌ مرّة‌ ، وفي‌ شوّال‌ مرّة‌ أُخري‌ ؟ وكيف‌ لا يصحّ أن‌ نجعل‌ النصف‌ من‌ شعبان‌ حيث‌ ولادة‌ الامام‌ صاحب‌ الزمان‌ عليه‌ السلام‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ محرّم‌ يوماً ، وفي‌ صفر يوماً آخر ؟ وبصورة‌ عامّة‌ تدور في‌ السنة‌ كلّها ، وكذلك‌ لا تصحّ في‌ سائر المناسبات‌ السنويّة‌ .[98]

 وهذا هو النسي‌ء الذي‌ نهانا عنه‌ القرآن‌ ، وحذّرتنا منه‌ السنّة‌ النبويّة‌ بشدّة‌ من‌ خلال‌ خطبة‌ حجّة‌ الوداع‌ . ذلك‌ لانّ السنين‌ الشمسيّة‌ تتأخّر عن‌ السنين‌ القمريّة‌ . ولو قدّر أن‌ نجعل‌ التقويم‌ علی أساس‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ ، فقد أخّرنا أحد عشر يوماً كلّ سنة‌ عن‌ أوقات‌ السنة‌ السابقة‌ ؛ إذَنْ لا سبيل‌ لنا إلاّ تبنّي‌ الشهور القمريّة‌ ، وذلك‌ لكي‌ لا نبتلي‌ بالنسي‌ء ، ولنجعل‌ كلّ فعل‌ في‌ موضعه‌ وزمانه‌ الخاصّ به‌ .

 ولمّا ورد ذكر النسي‌ء في‌ خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بمني‌ ، ممّا اضطرّنا إلی شرحه‌ وتفسيره‌ ، جرّنا الحديث‌ حول‌ النسي‌ء إلی بحث‌ كامل‌ وشامل‌ حول‌ الشهور القمريّة‌ والسنوات‌ الشمسيّة‌ .

 فللّه‌ الحمد وله‌ المنّة‌ علی تقديم‌ هذا البحث‌ النزيه‌ لمطالعته‌ من‌ قبل‌ القرّاء المحترمين‌ لهذه‌ الرسالة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

فوائد ومنافع‌ الشهور القمريّة‌

تَذييل‌ :  السنة‌ الشمسيّة‌ عبارة‌ عن‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ الشمس‌ . أي‌ : من‌ بداية‌ وصول‌ الارض‌ إلی أوّل‌ برج‌ الحمل‌ ، إلی وصولها ثانية‌ في‌ تلك‌ النقطة‌ ، وهو عبارة‌ عن‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وخمس‌ ساعات‌ وثماني‌ وأربعين‌ دقيقة‌ وخمس‌ وأربعين‌ ثانية‌ . ولمّا كان‌ تقسيم‌ هذا المقدار علی اثني‌ عشر شهراً غير محسوس‌ ، ويبقي‌ كسراً ، لذلك‌ كما أنّ محاسبة‌ المنجّم‌ ضروريّة‌ لاصل‌ تعيين‌ هذا المقدار ، فهي‌ من‌ الاُمور الضروريّة‌ والحتميّة‌ أيضاً لكيفيّة‌ تقسيم‌ هذا المقدار علی الشهور الاثني‌ عشر . ولمّا اختلف‌ المنجّمون‌ في‌ كيفيّة‌ التقسيم‌ ، لذلك‌ تتباين‌ الشهور الشمسيّة‌ علی أساس‌ التواريخ‌ المختلفة‌ : الرومي‌ّ  و الميلادي‌ّ القيصري‌ّ  المعروف‌ بتأريخ‌  جولين‌  ، و الميلادي‌ّ الغريغوري‌ّ  ، و الهجري‌ّ الشمسي‌ّ  ، و الشمسي‌ّ اليزدجردي‌ّ  ، و الجلإلی الملكشاهي‌ّ  ، و الشمسي‌ّ القديم‌  .[99]

   ويختلف‌ عدد أيّام‌ الشهر في‌ كلّ واحد من‌ هذه‌ التواريخ‌ .

 وأمّا السنون‌ القمريّة‌  فلمّا كانت‌ اثني‌ عشر شهراً قمريّاً ، والشهر القمري‌ّ محسوس‌ ومشهود   ، وهو عبارة‌ عن‌ الفترة‌ بين‌ مقابلتين‌ متواليتين‌ للشمس‌ والقمر ، وبدايته‌ ينبغي‌ أن‌ تتحقّق‌ برؤية‌ الهلال‌ ، فلا حاجة‌ إلی محاسبة‌ المنجّم‌ ، والتعديلات‌ ، وضبط‌ الكبائس‌ ، وعلی الرغم‌ من‌ أنّ المنجّمين‌ نظّموا لهم‌ كبائس‌ ، إلاّ أنـّها تعود إلی الشهور القمريّة‌ النجوميّة‌ ،   لا  إلی الشهور القمريّة‌ الشرعيّة‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تتمّ برؤية‌ الهلال‌ بعد خروجه‌ من‌ المحاق‌ .

 ولمّا كان‌ الدين‌ الإسلامي‌ّ المقدّس‌ هو دين‌ الفطرة‌  : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ   لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ .[100]   فلهذا ترتكز أحكامه‌ وقوانينه‌ كلّها علی قاعدة‌ الفطرة‌ والطبيعة‌ والمشاهدة‌ والرؤية‌ وأمثالها . يقول‌ :

 متي‌ رأيت‌ الهلال‌ في‌ أُفق‌ السماء بعد المحاق‌ فاجعله‌ أوّل‌ الشهر ! واستمرّ بهذا الشهر حتّي‌ الرؤية‌ الاُخري‌ !

 هذا تعليم‌ بسيط‌ ويسير وعامّ ولا يقبل‌ التغيير والتحريف‌ والزيادة‌ والنقصان‌ .

 وهذه‌ الكيفيّة‌ من‌ محاسبة‌ الشهر ، ورؤيته‌ في‌ أوّله‌ ، ومشاهدة‌ سيره‌ في‌ السماء ، لتعيين‌ الوقت‌ قضيّة‌ عامّة‌ يتساوي‌ فيها العالم‌ والجاهل‌ ، والرياضي‌ّ والاُمّي‌ّ ، والمنجّم‌ وغير المنجّم‌ ، والحضري‌ّ والبدوي‌ّ ، والحاضر والمسافر ، ولا يختلف‌ فيها هؤلاء ، ولا يُشْتَبَه‌ بها في‌ الحساب‌ .

 ولو بقي‌ شخص‌ علی ظهر السفينة‌ الرأسيّة‌ في‌ الماء أعواماً كثيرة‌ ، مثلاً خمسين‌ سنة‌ أو أكثر ، أو عاش‌ علی سفوح‌ الجبال‌ وحده‌ بعيداً عن‌ أنظار الناس‌ ، أو قضي‌ عمره‌ في‌ القري‌ والارياف‌ منعزلاً عن‌ مجتمعه‌ ، أو أنقطع‌ عن‌ القافلة‌ ، وظلّ في‌ البوادي‌ والفلوات‌ سنيناً من‌ عمره‌ ، فإنّه‌ يعرف‌ شهره‌ ، ويعرف‌ اليوم‌ الذي‌ يعيش‌ فيه‌ .

 والإسلام‌ الذي‌ هو دين‌ عامّ وعالَمي‌ّ وفطري‌ّ قد قرّر لجميع‌ الناس‌ في‌ العالم‌ تنظيم‌ السنين‌ والشهور علی أساس‌ رؤية‌ الاهلّة‌ والشهور القمريّة‌ . وهذا الامر في‌ غاية‌ من‌ الدقّة‌ بحيث‌ لو افترق‌ شخصان‌ من‌ المجاهدين‌ في‌ سبيل‌ الله‌ ، أحدهما في‌ شرق‌ الكرة‌ الارضيّة‌ ، والآخر في‌ غربها ، وظلاّ علی ذلك‌ الافتراق‌ أعواماً مديدة‌ ليس‌ معهما تقويم‌ ، ولا منجّم‌ ولا حاسب‌ ، ثمّ التقيا ، فإنّهما يعلمان‌ في‌ أي‌ّ يوم‌ من‌ أيّام‌ السنة‌ ، وفي‌ أي‌ّ شهر من‌ شهورها يعيشان‌ . ذلك‌ لانّ عندهما حساب‌ الشهور بواسطة‌ رؤية‌ الهلال‌ ، وحساب‌ السنين‌ باثني‌ عشر شهراً لكلّ سنة‌ ، وكذلك‌ عندهم‌ حساب‌ الايّام‌ .

 وهذا قانون‌ لا يعتريه‌ النقصان‌ والزيادة‌ ، وهو غني‌ّ عن‌ محاسبة‌ المنجّم‌ . ولا خلاف‌ بين‌ القائلين‌ به‌ وأتباعهم‌ . ولا يحتاج‌ إلی الجَعْل‌ والحَدْس‌ والتقريب‌ والتخمين‌ والوضع‌ العرفي‌ّ .

 وهذا قانون‌ يتيسّر له‌ توجيه‌ الناس‌ وإدارة‌ شؤونهم‌ . ويبثّ حكمه‌ إلی شتّي‌ أرجاء العالم‌ مهما كانت‌ الظروف‌ والاحوال‌ ، ويوحّد الجميع‌ تحت‌ راية‌ واحدة‌ وتأريخ‌ واحد وتقويم‌ واحد . وهذه‌ هي‌ الشريعة‌ السهلة‌ العامّة‌ التي‌ تحدّث‌ عنها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، إذ قال‌ :  بُعِثْتُ علی شَرِيعَةٍ سَمْحَةٍ سَهْلَةٍ .

 أمّا لو قدّر أن‌ يكون‌ التقويم‌ الشرعي‌ّ والإسلامي‌ّ هو التقويم‌ الشمسي‌ّ ، فالله‌ أعلم‌ بالإشكالات‌ التي‌ ستحصل‌ جرّاء ذلك‌ .

 أوّلاً :  الحاجة‌ إلی الرَّصَد ، والمنجّم‌ ، وتعيين‌ نقطة‌ الاعتدال‌ الربيعي‌ّ ، أو الخريفي‌ّ ، والإسلام‌ لا يقيّد أحكامه‌ أبداً بالحاجة‌ إلی أمر خارجي‌ّ مجعول‌ .

 ثانياً :  أي‌ّ شهر من‌ الشهور الشمسيّة‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ معتبراً ؟ ذلك‌ لانـّنا عرفنا أنّ مقدار الشهور الشمسيّة‌ يتفاوت‌ حسب‌ التقاويم‌ المختلفة‌ .

 ثالثاً :  لو خُوّل‌ المنجّم‌ صلاحيّة‌ تعيين‌ الشهور ، فإنّ كلّ واحد من‌ المنجّمين‌ ينظّم‌ الشهور بشكل‌ خاصّ حسبما يراه‌ . ممّا يبعث‌ علی نشوب‌ الخلاف‌ والاختلاف‌ بين‌ أبناء الاُمّة‌ في‌ التقويم‌ والاحكام‌ . ونحن‌ نعلم‌ أنّ المنجّمين‌ لو لم‌ يخطأوا في‌ أصل‌ حساب‌ الكبيسة‌ وتعيين‌ مقدارها ، فإنّ الصلاحيّة‌ في‌ تعيين‌ مقدار الشهور أمر مجعول‌ وخاضع‌ لنفوذهم‌ . ولا يمكن‌ تقديم‌ رأي‌ لمنجّم‌ خاصّ علی رأي‌ منجّم‌ آخر مع‌ حفظ‌ أُصول‌ الحساب‌ .

 ورابعاً :  يؤدّي‌ هذا الامر إلی اختلاف‌ المسلمين‌ في‌ بقاع‌ مختلفة‌ من‌ العالم‌ لتعذّر الحصول‌ علی تقويم‌ وتأريخ‌ معيّنين‌ . ويضيع‌ أهل‌ القري‌ والارياف‌ ، والقوافل‌، والمسافرون‌ عبر البحر والجوّ ـ لو طال‌ سفرهم‌  حسابهم‌ . وحينئذٍ لا يبقي‌ مفهوم‌ ومصداق‌ لخلود الشريعة‌ ، وَحَلاَلُ مُحَمَّدٍ حَلاَلٌّ إلَيَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرَامُّ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلی يَوْمِ الْقِيَامَةِ . [101]

 ولـذا نـري‌ كيف‌ اعتبرت‌ الآيـة‌ الكريمـة‌ :  إِنَّ عِـدَّةَ الشُّـهُورِ عِندَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ :

 أوّلاً :  ترتيب‌ الشهور القمريّة‌ منوطاً بالخلق‌ ، وعددها الاثنا عشر مرتبطاً بأصل‌ التكوين‌ والفطرة‌ ، وخلق‌ السماوات‌ والارض‌ . مضافاً إلی أنـّها عرضت‌ ذلك‌ بوصفه‌ الدين‌ القيّم‌ ، أي‌ : الثابت‌ . وبعبارة‌ أُخري‌ ، أنّ السنين‌ القمريّة‌ والشهور القمريّة‌ هي‌ دين‌ الله‌ القيّم‌ الثابت‌ وحكمه‌ الذي‌ لا يتغيّر ولا يقبل‌ التحريف‌ ما دامت‌ السماوات‌ والارض‌ .[102]

 مرحباً بهذا  الدين‌ ذي‌ التأريخ‌ الدقيق‌ والمنظّم‌ إلی درجة‌ أنّ هذا اليوم‌ الذي‌ نحن‌ فيه‌ ، وهو الرابع‌ من‌ ربيع‌ الثاني‌ سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وخمس‌ للهجرة‌ ، هو نفسه‌ في‌ أرجاء العالم‌ كافّة‌ ، وبين‌ المسلمين‌ جميعهم‌ بلا خلاف‌ ، فاليوم‌ هو نفسه‌ ، وكذلك‌ الشهر والسنة‌ .

 والآن‌ ندرك‌ كيف‌ حاول‌ الاستعمار أن‌ يخلخل‌ هذا التأريخ‌ القويم‌ ، ويقطع‌ وشائج‌ الوحدة‌ بين‌ المسلمين‌ ، ويقصّ هذا  الحبل‌ المتين‌ علی أساس‌ الشهور والسنين‌ الشمسيّة‌ ، مع‌ أنّ بداية‌ الهجرة‌ محفوظة‌ ، أو علی أساس‌ استبدال‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ بالتأريخ‌ الميلادي‌ّ أو الشاهنشاهي‌ّ .  قَطَعَ اللَهُ أَيْدِيَهُمْ ، وَتَبَّتْ كَلِمَتَهُمْ ، وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا وَبِمَا عَمِلُوا ، وَثَبَّتَ اللَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِدِينِهِمُ الْقَوِيمِ وَصِرَاطِهِمُ الْمُسْتَقِيمِ ، وَعلی كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَهِي‌َ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا .

 ثانياً :  من‌ المنافع‌ التي‌ تدرّها السنون‌ والشهور القمريّة‌ ـ كما يبدو  تطوّر أعمال‌ المسلمين‌ في‌ جميع‌ الفصول‌ والاوقات‌ المختلفة‌ من‌ السنة‌ . مثلاً صيام‌ شهر رمضان‌ يدور في‌ الفصول‌ المختلفة‌ . ويصوم‌ المسلم‌ في‌ الشتاء ، والربيع‌ ، والصيف‌ ، والخريف‌ دون‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ أي‌ّ تخلّف‌ . وفي‌ ضوء ذلك‌ ، مضافاً إلی أنّ طبيعته‌ في‌ الفصول‌ الاربعة‌ تحتاج‌ إلی الصوم‌ في‌ الفصول‌ الاربعة‌ ـ حسب‌ فهم‌ الاحكام‌ والقوانين‌ من‌ أصل‌ الفطرة‌ ـ وأنّ الفوائد الصحيّة‌ للصوم‌ تعود إليه‌ بنحو تامّ . فإنّه‌ يهيّي‌ طبيعته‌ وإرادته‌ للجوع‌ في‌ أوقات‌ طويلة‌ وحارّة‌ أيضاً . وفي‌ ضوء ذلك‌ يتيسّر علی المسلم‌ الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ ، وهو الفريضة‌ الواجبة‌ والعامّة‌ علی الشيوخ‌ والشباب‌ ولا تختصّ بفصل‌ الشتاء واعتدال‌ الجوّ . وربّما تقع‌ في‌ الصيف‌ القائظ‌ . إذ يلزم‌ علی الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ أن‌ تنهض‌ للجهاد ضدّ خصومها وتدافع‌ عن‌ حقوقها الحقّة‌ سواء في‌ الجوّ الحارّ الشديد والنهار الطويل‌ أو في‌ البرد القارص‌ وشدّته‌ . وكذلك‌ الحجّ الذي‌ يقام‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌ ويدور في‌ الفصول‌ الاربعة‌ فإنّه‌ يعدّ الإنسان‌ للجهاد ، والسفر في‌ طرق‌ نائية‌ مهما كانت‌ الظروف‌ مضافاً إلی ما يقتطفه‌ المسلم‌ من‌ ثمار الحجّ حتّي‌ في‌ البرد القارص‌ والحرّ الشديد .

 وحصيلة‌ القول‌ : إنّه‌ لمّا كانت‌ طبيعة‌ الإنسان‌ تتغيّر في‌ الفصول‌ الاربعة‌ علی امتداد السنة‌ ، فإنّ الإسلام‌ المرتكز علی قاعدة‌ الفطرة‌ البشريّة‌ قد وضع‌ أحكامه‌ وتعاليمه‌ لتلائم‌ طبيعة‌ الإنسان‌ في‌ دورة‌ الفصول‌ الاربعة‌ .

 وأمّا ما تناقلته‌ الالسن‌ ولاكته‌ الافواه‌ عن‌ عيد النوروز ، وأنّ الإسلام‌ أيّده‌ ، ورغّب‌ في‌ الغسل‌ والصلاة‌ والدعاء عند تحويل‌ الشمس‌ في‌ برج‌ الحمل‌ ، فهو كلام‌ عار عن‌ الصحّة‌ ومجرّد من‌ الحقيقة‌ .

 فلم‌ يرغّب‌ الإسلام‌ في‌ هذا المجال‌ قطّ ، بل‌ رفضه‌ واعتبر الاحتفال‌ بهذا العيد كتقليد قومي‌ّ بدعة‌ من‌ البدع‌ . والرواية‌ الواردة‌ في‌ هذا  الباب‌ عن‌ المُعلی بْنِ خُنَيْس‌ ضعيفة‌ السند . والروايات‌ والاحاديث‌ الاُخري‌ علی هذا المنوال‌ . والغسل‌ والدعاء أيضاً علی أساس‌ أدلّة‌ التسامح‌ في‌ السنن‌ في‌ ضوء روايات‌ :  مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ علی شَي‌ْءٍ فَأَتَي‌ بِهِ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَهُ وَإن‌ لَمْ يَكُنْ كَمَا بَلَغَ  ، فليس‌ مشرّعاً للحكم‌ ، ولا أساس‌ للتمّسك‌ بتلك‌ الروايات‌ في‌ هذا المجال‌ . وفي‌ نيّتنا تأليف‌ رسالة‌ شاملة‌ وكاملة‌ حول‌ عيد النوروز وعدم‌ جواز التمسّك‌ بأدلّة‌ التسامح‌ في‌ السنن‌ في‌ هذا المجال‌  بحول‌ الله‌ وقوّته‌ ، ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاَّ بالله‌ العلی العظيم‌ .

 وكذلك‌ ورد النهي‌ عن‌ المهرجان‌ وهو (عيد مهركان‌) . واعتبر الشارع‌ أنّ التمسّك‌ بالنوروز والمهرجان‌ من‌ آداب‌ الجاهليّة‌ . ونأمل‌ أن‌ تظهر حقائق‌ أكثر من‌ خلال‌ تأليف‌ هذه‌ الرسالة‌  إن‌ شاء الله‌ تعإلی .

 إلی هنا ننهي‌ حديثنا عن‌ الشهور والسنوات‌ القمريّة‌ والشمسيّة‌ ، وعن‌ تفسير النسي‌ء الوارد في‌ الآية‌ الكريمة‌ ، وفي‌ الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌ المأثور في‌ حِجَّة‌ الوداع‌ ؛ سائلاً الله‌ أن‌ يوفّقني‌ وجميع‌ المؤمنين‌ والمؤمنات‌ ويمنّ علينا بالعلم‌ والعمل‌ .

 السيّد محمّد الحسين‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[96] استشهد المرحوم‌ المدرّس‌ في‌ السابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ سنة‌ 1356 ، الموافق‌  10 آذر  1316 

[97] استشهد المرحوم‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوريّ في‌  13  رجب‌  1327  شنقاً في‌ ميدان‌ سبه‌  ] ساحة‌ الجيش‌ [  بطهران‌ .

[98] جاء في‌ «فروع‌ الكافي‌» طبعة‌ مطبعة‌ حيدري‌ ، ج‌  4  ، ص‌  149  حول‌ عيد الغدير : أنّ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ روي‌ عن‌ سهل‌ بن‌ زياد ، عن‌ عبد الرحمن‌ ابن‌ سالم‌ ، عن‌ أبيه‌ ، قال‌ : سألت‌ جعفر بن‌ محمّد عليهما السلام‌ : هل‌ للمسلمين‌ عيد غير يوم‌ الجمعة‌ والاضحي‌ والفطر ؟ قال‌ : نعم‌ ، أعظمها حرمة‌ ! قلت‌ : وأي‌ّ عيد هو جعلت‌ فداك‌ ؟ قال‌ : اليوم‌ الذي‌ نصب‌ فيه‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أميرَ المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وقال‌ :  مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ !  قلتُ : وأي‌ّ يوم‌ هو  ؟! قال‌ : وما تصنع‌ باليوم‌ ؟ إنَّ السَّنَةَ تدور ؛ ولكنّه‌ يوم‌ ثمانية‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ ... إلی آخر الرواية‌ التي‌ تحدّثت‌ عن‌ أعمال‌ يوم‌ العيد من‌ ذكر الله‌ ، والصوم‌ ، والعبادة‌ ، وذكر محمّد وآل‌ محمّد . ولمّا أراد السائل‌ أن‌ يعرف‌ يوم‌ الغدير حسب‌ الفصول‌ والشهور الشمسيّة‌ ، منعه‌ الإمام‌ وقال‌ : إنّ المدار في‌ تعيين‌ الايّام‌ والاعياد وغيرهما هو الشهور القمريّة‌ لا الشمسيّة‌ . وعيد الغدير هو في‌ اليوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ . وهو غير معروف‌ حسب‌ الشهور الشمسيّة‌ ، لانّ الايّام‌ تدور في‌ السنّة‌ ، وكلّ يوم‌ من‌ الشهر القمري‌ّ لا يوافق‌ يوماً خاصّاً من‌ الشهر الشمسي‌ّ ، بل‌ هو يدور باستمرار . علی سبيل‌ المثال‌ ، يقع‌ عيد الغدير في‌ الربيع‌ وبرج‌ الحمل‌ مرّة‌ ، وفي‌ الصيف‌ وبرج‌ السرطان‌ مرّة‌ أُخري‌  ، وفي‌ الخزيف‌ وبـرج‌ القوس‌ مـرّة‌ ثالثة‌ ، وهكـذا . ولمّا كان‌ المـدار في الاُمور الشرعيّة‌ والحساب‌ هو الشهور القمريّة‌ ، فلا جدوي‌ من‌ معرفة‌ الشهور الشمسيّة‌ وانطباق‌ الاُمور والحساب‌ عليها . ولذلك‌ قال‌ للسائل‌ : وما تصنع‌ باليوم‌ ؟! إنّ السَّنة‌ تدور ، ولكنّه‌ يوم‌ ثمانية‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ .

[99] تتألّف‌  السنون‌ الروميّة‌  من‌ اثني‌ عشر شهراً هي‌ : تشرين‌ الاوّل‌  31  يوماً ، تشرين‌ الثاني‌  30  يوماً ، كانون‌ الاوّل‌  31  يوماً ، كانون‌ الثاني‌  31  يوماً ، شباط‌  28  يوماً وفي‌ الكبيسة‌  29  يوماً ، آذار  31  يوماً ، نيسان‌  30  يوماً ، أيّار  31  يوماً ، حزيران‌  30 يوماً ، تمّوز  31  يوماً ، آب‌  31  يوماً ، أيلول‌  30  يوماً .

 تعديل‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ بتعديل‌ تأريخ‌ جولين‌ ، وكبيسته‌ أيضاً مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنين‌ تضاف‌ في‌ آخر شباط‌ . ولذلك‌ فإنّ السنين‌ الكبائس‌ تتألّف‌ من‌  366 يوماً .

 والسنون‌  الميلاديّة‌ القيصريّة‌  تشبه‌ السنين‌ الروميّة‌ تماماً من‌ حيث‌ مقدار الشهور والكبائس‌ ، إلاّ أنـّها تفترق‌ عنها في‌ أنّ بداية‌ السنة‌ فيها هي‌ الاوّل‌ من‌ كانون‌ الثاني‌ سنة‌  754  من‌ بناء مدينة‌ روما ، وأنّ ولادة‌ السيّد المسيح‌ في‌ الخامس‌ والعشرين‌ من‌ كانون‌ الاوّل‌ .  وتجري‌ سنون‌ هذا التأريخ‌ كسنين‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ ، ويعرف‌ هذا التأريخ‌ بتأريخ‌ جولين‌ . وشهوره‌ هي‌ : يناير  31  يوماً ، فبراير  28  يوماً وفي‌   الكبيسة‌  29  يوماً ، مارس‌ 31  يوماً ، أبريل‌  30  يوماً ، مايو  31  يوماً ، يونيو  30  يوماً ، يوليو  31  يوماً ، آغسطس‌ 31  يوماً ، سبتمبر  30  يوماً ، أُكتوبر  31  يوماً ، نوفمبر  30  يوماً ، ديسمبر  31  يوماً .

 وكما يلاحظ‌ هنا فإنّ أسماء الشهور تختلف‌ عن‌ أسماء الشهور الروميّة‌ فقط‌ وأمّا مقدارها فهو متساو ، لانّ يناير الواقع‌ بين‌ الشهر الاوّل‌ والشهر الثاني‌ من‌ الشتاء ، يطابق‌ كانون‌ الثاني‌ . وفبراير هو شباط‌ نفسه‌ ، وهكذا بقيّة‌ الشهور . في‌ هذا التأريخ‌ المعروف‌ بتأريخ‌ جولين‌ تتألّف‌ السنة‌ ـ كما في‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ ، من‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وستّ ساعات‌  25/365  . فلهذا تكون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ .

 أمّا التأريخ‌ الميلادي‌  الغريغوري‌ّ  ، فلمّا كانت‌ السنة‌ الحقيقيّة‌ فيه‌ شمسيّة‌ فإنّه‌ يفترق‌ عن‌ السنة‌ الشمسيّة‌ في‌ تأريخ‌ جولين‌ . لذلك‌ فإنّ التأريخ‌ فيه‌ يتأخّر يوماً واحداً في‌ كلّ  120  سنة‌ . فلهذا صحّحه‌  البابا غريغوريوس‌  بمساعدة‌ المنجّم‌ الإيطإلی ليليو ، فمضافاً إلی أنـّهم‌ يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ ، كانوا ينقصون‌ ثلاثة‌ أيّام‌ في‌ كلّ أربعمائة‌ سنة‌ . وذلك‌ علی النحو التالی : يفترض‌ أنـّهم‌    يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ في‌ رأس‌ كلّ مائة‌ سنة‌ ، إلاّ أنـّهم‌ لا يفعلون‌ ذلك‌ ، ولا يكبسون‌ ثلاث‌ مرّات‌ ، أي‌ : في‌ رأس‌ ثلاثمائة‌ سنة‌ ، ويكبسون‌ عادة‌ في‌ رأس‌ القرن‌ الرابع‌ . وكان‌ التأريخ‌ قد تأخّر عشرة‌ أيّام‌ حتّي‌ عصر غريغوريوس‌ ، فكان‌ الناس‌ يظنّون‌ أنّ التأريخ‌ هو ( 5 ) أُكتوبر فأمر أن‌ يجعلوه‌ ( 15 ) أُكتوبر ، فاشتهر التأريخ‌ الغريغوري‌ّ منذ ذلك‌ الحين‌ ، ونسخ‌ تأريخ‌ جولين‌ . ويستعمل‌ النصاري‌ كلّهم‌ هذا اليوم‌ التأريخ‌ الغريغوري‌ّ ويتعاملون‌ به‌ . وأمّا  التأريخ‌ الهجري‌ّ الشمسي‌ّ  الذي‌ يبدأ بهجرة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وسنونه‌ شمسيّة‌ حقيقيّة‌ ، وشهوره‌ المتمثّلة‌ بالبروج‌ الشمسيّة‌ قد نظّمت‌ مطابقة‌ لحركة‌ الارض‌ في‌ البروج‌ الاثني‌ عشر بحيث‌ لا تزيد علی  32  يوماً ، ولا تنقص‌ عن‌ 29 يوماً ، فشهوره‌ علی النحو التالی :

 الحَمَل‌ 31يوماً ، الثَوْر  31  يوماً ، الجَوزاء  32  يوماً ، السَرَطان‌  31  يوماً ، الاسَد 31  يوماً ، السُنْبَلَة‌  31  يوماً ، الميزان‌  30  يوماً ، العَقْرَب‌  30  يوماً ، القَوْس‌  29  يوماً ، الجَدْي‌  29  يوماً ، الدَّلْو  30  يوماً ، الحوت‌  30  يوماً . وأوّل‌ السنة‌ الهجريّة‌ الشمسيّة‌ هو أوّل‌ الاعتدال‌ الربيعي‌ّ دائماً .

 وتعديل‌ هذا التأريخ‌ لضبط‌ الكبائس‌ هو تعديل‌ التقويم‌ الملكشاهي‌ّ نفسه‌ الذي‌ سيأتي‌ فيما بعد .

 وأمّا  التأريخ‌ الشمسي‌ّ اليزدجردي‌ّ  فإنّه‌ يبدأ بجلوس‌ يزدجرد الثالث‌ آخر الملوك‌ الساسانيّين‌ علی العرش‌ ، وكان‌ ذلك‌ في‌ سنة‌  11  ه . وسنون‌ هذا التقويم‌ تقريبيّة‌ . لانّ السنة‌ حسبت‌ ( 365 ) يوماً ، فلهذا يتأخّر التأريخ‌ يوماً واحداً في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ علی النحو التالی :

 فروردين‌30  يوماً ، أُرديبهشت‌  30  يوماً ، خُرداد  30  يوماً ، تِير  30  يوماً ، مُرداد 30  يوماً ، شَهريور  30  يوماً ، مِهر  30  يوماً ، آبان‌  30  يوماً ، آذر  30  يوماً ، دي‌  30  يوماً ، بهمن‌  30  يوماً ، إسفند  30  يوماً .

 وكانوا يضيفون‌ خمسة‌ أيّام‌ باسم‌ (اندركاه‌) إلی آخر إسفند أو آبان‌ ، وهي‌ الخمسة‌ المسترقّة‌ نفسها .

 وأمّا  التأريخ‌ الجلإلی الملكشاهي‌ّ  فهو التقويم‌ الذي‌ تمّ تنظيمه‌ بمساعدة‌     الحكيم‌ عمر الخيّام‌ . والسبب‌ في‌ ذلك‌ هو أنّ التأريخ‌ الشمسي‌ّ اليزدجردي‌ّ كان‌ متداولاً حتّي‌ ذلك‌ الحين‌ وهو عصر حكومة‌ ملكشاه‌ . ولمّا كان‌ التأريخ‌ يتأخّر يوماً واحداً في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ بواسطة‌ النقص‌ في‌ الحساب‌ ، فلهذا جعلوا عدد الشهور مثل‌ التأريخ‌ اليزدجردي‌ّ ، وأضافوا خمسة‌ أيّام‌ في‌ آخر إسفند . وقالوا بدور  33  سنة‌ لنقص‌ الكبائس‌ وضبطها ، إذ يكبسون‌ ثماني‌ سنوات‌ في‌ كلّ  33  سنة‌ ، أي‌ ، مرّة‌ واحدة‌ في‌ رأس‌ كلّ سنة‌ رابعة‌ ، وأربع‌ سنوات‌ متوالية‌ بسيطة‌ ، ويكبسون‌ في‌ رأس‌ السنة‌ الخامسة‌ . وبهذا التقويم‌ لا يرد نقص‌ حتّي‌ ستّة‌ آلاف‌ سنة‌ .

 وأمّا  التأريخ‌ الشمسي‌ّ القديم‌  الذي‌ أصبح‌ رسميّاً في‌ الدورة‌ الخامسة‌ لمجلس‌ النوّاب‌ ، فشهوره‌ الستّة‌ الاُولي‌ التي‌ تبدأ بشهر فروردين‌ كلّ واحد منها  31  يوماً ، والخمسة‌ التي‌ تليها  30  يوماً ، والشهر الاخير ، إسفند  29  يوماً ، وجعلوه‌ في‌ الكبيسة‌30  يوماً .

[100] الآية‌  30  ، من‌ السورة‌  30  : الروم‌ .

[101] حديث‌ نبوي‌ّ رواه‌ الشيعة‌ والسنّة‌ .

[102] في‌ ضوء ذلك‌ يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» طبعة‌ صيدا ج‌  3  ، ص‌  28  بعد تفسير هذه‌ الآية‌ المباركة‌ : وفي‌ هذه‌ الآية‌ دلالة‌ علی أنّ الاعتبار في‌ السنين‌ بالشهور القمريّة‌ لا بالشمسيّة‌ ، والاحكام‌ الشرعيّة‌ مُعَلَّقَةٌ بها . وذلك‌ لِمَا علم‌ الله‌ سبحانه‌ فيه‌ من‌ المصلحة‌ ، ولسهولة‌ معرفة‌ ذلك‌ علی الخاصّ والعامّ .

 الرجوع الي الفهرس

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com