|
|
هو العليم الحكيم أيّها النور المطلق ! وأيّها الروح المجرّد ! أيّها الحدّاد ! لقد كنتَ دوماً بحراً طافحاً فيّاضاً متدفّقاً علي طلاّب الحقيقة ونُشّاد سـبل السـلام بحراً خضمّاً زاخراً لا تُدرك ضفافه. أمواجه التوحيد والمعرفة، ونتاج مياهه الوفيرة الحجّة والبرهان والسطوع والاءيقان والكشف والشهود، والبصيرة والاءتقان. فلقد كُنت كالبحر هادراً بأمواج العلم، ساطعاً بنور البصيرة، متجليّاً بشعاع العرفان، وهكذا كنت كاشفاً الحقيقة لطلاّب الصراط الحقّ وسالكي سبيل الفَناء والاندكاك في الذات الاحديّة المقدّسة. ولقد كان الحلم والصبر، والاستقامة والتحمّل، والجَلَد والتمكّن في الشدائد والمصائب، بمثابة ضفاف هذا الشطّ الواسع والبحر العريض وسواحله التي تحفظ مياه هذا البحر الموّاج المتلاطم الطافح بالعلم، وتحرسه من فيضان كثرة العلم وطغيانه وانفلات زمامه، لئلاّ يُحمَّل أهل العالم كلاماً أو قولاً فوق طاقتهم فتثقل كواهلهم. أمّا كنوز هذا البحر العميق ونفائسه، ولؤلؤه ومرجانه، وجواهره الثمينة الغائرة في أعماقه؛ فهي التقوي والطهارة والنور والعرفان، التي تقدّم كأرقي وأغلي هديّة ملكوتيّة إلي عالم الاءنسانيّة. فالسلامُ عليكَ يوم وُلدتَ ويوم مُتَّ ويوم تُبعثُ حيّاً.
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ * اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَتِ وَالاْرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَو'ةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـ'رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي´ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَي' نُورٍ يَهْدِي اللَهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَهُ الاْمْثَـ'لَ لِلنَّاسِ وَاللَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و يُسَبِّحُ لَهُ و فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـ'رَةٌ وَلاَبَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَهِ وَإِقَامِ الصَّلَو'ةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَو'ةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَـ'رُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. (الا´يات 35 إلي 38، من السورة 24 : النور) هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَي حَقِيقَةِ البَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَعْوَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاَعْلَي؛ أُولَئِكَ خُلَفَاءُاللَهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إلَي دِينِهِ. آهِ آهِ ! شَوقاً إلَي رُؤْيَتِهِمْ. (أمير المؤمنين عليه السلام، الحكمة 147 من «نهج البلاغة») بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـ'هَدُوا اللَهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَي' نَحْبَهُ و وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. (الا´ية 23، من السورة 33 : الاحزاب) ذكري ارتحال إنسان العين وعين الاءنسان، الذي لم يأت الزمان بمثله، العارف الكامل المتحقّق بحقيقة العبوديّة، نقطة الوحدة بين قوسَي الاحديّة والواحديّة: الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد، في الثاني عشر من شهر رمضان المبارك لسنة 1404 هجريّة قمريّة. تأريخ الكتابة: الاوّل من محرّم الحرام لسنة 1405 هجريّة قمريّة[1] بسم الله الرحمن الرحيم
ولم يزلْ سيّدي بالحمدِ مَعروفا ولم يزلْ سيّدي بالجودِ مَوصوفا وكانَ إذْ ليس نورٌ يُستضاءُ به ولا ظلامٌ علي الا´فاقِ مَعكوفا فربُّنا بخلافِ الخلقِ كلّهم وكلّ ما كانَ في الاوهامِ مَوصوفا ومَن يُرِدْهُ علي التشبيهِ ممتثلاً يَرجع أخا حَصَرٍ بالعجزِ مَكتوفا وفي المعارجِ يلقي مَوْجُ قدرته موجاً يعارضُ طرفَ الروحِ مَكفوفا فاتركْ أخا جَدَلٍ في الدين مُنْعَمِقاً قد باشرَ الشكَّ فيه الرأيُ مَأْووفا واصحبْ أخا ثقةٍ حُبَّاً لسيِّدهِ وبالكرامات من مولاه مَحفوفا أمسي دليلُ الهدي فيالارضِ مُبتسماً وفي السماءِ جميلُ الحالِ مَعروفا[2]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين من الا´ن إلي قيام يوم الدين ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولي ونعم النصير
أحد تلامذة المدرسة الاخلاقيّة والعرفانيّة لفريد العصر وحسنة الدهر، العارف الذي لا بديل له والموحِّد الذي لا نظير له، سيّد العلماء العاملين، وأفضل الفقهـاء والمجتهـدين: المرحوم آية الله العظمي الحاجّ السيّد الميـرزا علي القاضي قـدّس الله تربته المنيفة، هو المرحـوم السـيّد الجليل والعارف النبيل، والموحِّد بحقيقة معني الكلمة : الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد أنار الله شآبيب قبره الشريف من أنواره الباهرة القدسيّة حيث يُعدّ من أقدم تلامذة تلك الا´ية الاءلهيّة، وأكثرهم قدرة وتمكّناً في سلوك درب التجرّد، وفي طَيِّ عالم الملك والملكوت وتخطّي نشئات التعيّن، والورود في عالم الجبروت واللاهوت، والاندكاك المحض والفَناء الصِّرف في الذات الاحديّة للحقّ جلَّ وعلا. الحدّاد وما أدراك ما الحدّاد !وكان الحقير قبل التشرّف بالذهاب إلي النجف الاشرف ولثم العتبة المقدّسة لمولي الموحّدين أمير المؤمنين عليه صلوات الله وملائكته أجمعين، وفي الاوقات التي كنت أستفيد فيها من المحضر الفيّاض للاُستاذ العلاّمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله نفسه في بلدة قم الطيّبة، كنت أسمعه أحياناً يذكر اسم السيّد هاشم وهو من تلامذة المرحوم القاضي القدماء؛ من الذين يملوُهم العشق والهيجان، ويلفّهم التحرّر والتمرّد علي القيود، وكان ساكناً في كربلاء؛ وكان المرحوم القاضي قد اعتاد الحلول عليه في بيته كلّما تشرّف بالذهاب إلي كربلاء. ودام ذلك حتّي مَنّ الباري بتوفيق الحقير للتشرّف بالذهاب إلي تلك العتبة، حيث كان خلال تواجده في النجف الاشرف يختصّ في الاُمور العرفانيّة والاءلهيّة ـحسب توصية الاُستاذ العلاّمة بآية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ أفاض الله علي تربته من أنواره، وكان لي معه خاصّةً علاقات حميمة. وكان الشيخ يذكر أحياناً اسم السيّد الحدّاد، كما كان بعض الرفقاء الذين كانوا من تلامذة المرحوم القاضي، وخاصّة بعض المسافرين والزائرين يذكرونه أحياناً في محضر آية الله القوجانيّ ويستفسرون عن أحواله، فكان يجيبهم: هو في كربلاء، وحاله بحمد الله جيّدة. وباعتبار وجودي في النجف وانشغالي بالدرس والمباحثة، فلميكن لي مجال لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام إلاّ في بعض ليالي الجمعة أو في أوقات الزيارة؛ حيث كنت أذهب إلي كربلاء ثمّ أعود في نفس الليلة أو في اليوم التالي، فلم تسنح لي الفرصة للبحث عن السيّد الحدّاد والالتقاء به. ودام ذلك ما يقرب من سبع سنين، حتّي التقي يوماً وسط الصحن المطهّر أحدُ تلامذة المرحـوم القاضي واسـمه العلاّمة اللاهيجي الانصاري بآيةالله الشيخ عبّاس، فقبّلا نواظر بعضهما، فتطرّق الاخير خلال حديثهما واستفسارهما عن أحوال بعض إلي ذكر اسم السيّد هاشم واستُفسِر عن أحواله، ثمّ قال في كلامه: « لقد كان للمرحوم القاضي اهتمام خاصّ به، وكان لا يعرّفه لاصحابه في السلوك ويضنّ به لئلاّ يضايقه أحد منهم، وكان هو التلميذ الوحيد الذي كان يحصل له الموت الاختياريّ زمن حياة المرحوم القاضي، وكانت ساعات موته تطول أحياناً إلي خمس ساعات أو ستّ. وكان المرحوم القاضي يقول: إنّ السيّد هاشم في التوحيد أشبه بالسنّة المتعصِّبين لمذهبهم؛ فقد كان متعصِّباً في توحيد ذات الحقّ تعالي، ولقد ذاق طعم التوحيد ولمسه بشكل استحال معه لايّ شيء أن يوجد خللاً فيه ». ولم ينقضِ علي هذه المحادثة وقت طويل حتّي حان وقت زيارة أبيعبدالله عليه السلام، وكانت زيارة النصف من شعبان لسنة 1376 هجريّة قمريّة، فوُفِّق الحقير للتشرّف بالذهاب إلي كربلاء للزيارة. وحصل في ذلك السفر أن وُفِّقْتُ لزيارة السيّد هاشم وتقبيل يديه، وانعقدت بيننا الاواصر الحميمة علي أكمل صورها، ودامت ثمان وعشرين سنة كاملة لحين رحيله عن دار الفَناء، أي في سنة ألف وأربعمائة وأربعة هجريّة قمريّة، وبقي ذكره منذ ذلك الحين ـحيث ينقضي علي رحيله ثمان سنين لايبرح عنّي، مجسّماً في أُفق خاطري يزيد بمرّات علي ذكري لوالدي، رحمة الله عليه رحمة واسعة. عجز المصنّف عن شرح أحوال الحدّاد وبيان مدارجه ومعارجهولقد كان هذا الرجل ذا مغزيً عظيماً، جمّ الفضل والعلم يقصر عنه لفظ العظمة، وكان واسع الاُفق رحبه إلي درجة لا سبيل للتعبير عن سعة إدراكه. وكان متوغّلاً في التوحيد، مندكّاً فانياً في ذات الحقّ تعالي إلي الحدّ الذي يبقي ما نقوله ونكتبه عنه اسماً ورسماً؛ فهو خارج عن التعيّن، متخطٍّ للاسم والرسم. نعم، كان السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه حقّاً وواقعاً رجلاً تقصر أيدينا عن نيل أذيال أثوابه المتطاولة. وغالباً ما كنتُ ألتقي به أثناء هذه المدّة المديدة في أسفاري التي كانت تحصل مرّة أو مرّتين في السنة وتدوم شهرين أو ثلاثة، فأرد منزله في كربلاء وأُعَدُّ من عياله وأولاده؛ لكنّه مع ذلك رحل، وبعد رحيله فقد بَقِيتُ حتّي يومي هذا تلفّني الحيرة ويكتنفني الحياء، خاضعاً مطأطئاً أمام ذلك الشموخ والرفعة وذلك المقام وتلك الجلالة. لقد عَجَزَتِ الالفاظ عن وصفه؛ فماذا أقول في رجلٍ وقفتْ أمامه الكلمات حيري وأكلَّ الواصفين عن وصفه ناهيك عن إدراكه ؟! لذا، لميُشهد اسمه في كُتُب الحقير ولم يجرِ فيها التطرّق إلي شرح حاله، حتّي في كتاب « الشمس الساطعة » الذي أُلِّفَ في ذكري الاُستاذ الكبير سماحة آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه، وقد تطرّق الحديث فيه مفصّلاً عن حالات سماحة القاضي وأحوال بعض تلامذته، بل ذُكِرَ فيه أسماء تلامذته بالترتيب دون اسم السيّد هاشم ! فلِمَ يا تري ؟! ولايّ سبب ؟! ذلك لانّه كان يستعصي علي القلم فلا يحيط به؛ فقد كان صقراً محلِّقاً بعيد المدي لا ترقي إليه الافكار والعقول في أوج تحليقها. ومهما جَهَدَتْ في اللحاق به رأته أسـمي وأعلي وأفضـل وأرقي؛ فيرجـع الفكر خاسـئاً والبصر ذليلاً والبصيـرة كليلة، وتبقي حيـري لا تعـرف يمنة عن يسـرة ولافوقاً من تحت ولاأماماً من خلف. فكيف ـيا تري يمكن للمحدود بالجهات والتعيّنات وصفَ روحٍ مجرّد يحاول إخضاعه لقالب معيّن، فيدور حوله ليصفه ويبيِّن حاله ؟! ونلحظ هنا روعة ووضوح كلام الملاّ الروميّ الذي يتربّع علي منصّة الحقيقة ويجد مصداقه في الخارج: من به هر جمعيّتي نالان شدم جُفت بدحالان و خوشحالان شدم هر كسي از ظنّ خود شد يار من وز درون من نجست أسرار من سِرِّ من از نالة من دور نيست ليك چشم و گوش را آن نور نيست تن زجان و جان زتن مستور نيست ليك كس را ديد جان دستور نيست[3] أو حين يقول: گرچه تفسير زبان روشنگر است ليك عشقِ بي زبان روشنتر است چون قلم اندر نوشتن ميشتافت چون به عشق آمد قلم بر خود شكافت چون سخن در وصف اين حالت رسيد هم قلم بشكست و هم كاغذ دريد عقل در شرحش چو خَر در گل بخفت شرح عشق و عاشقي هم عشق گفت آفتاب آمد دليل آفتاب گر دليلت بايد از وي رو متاب از وي ار سايه نشاني ميدهد شمس هر دم نور جاني ميدهد سايه خواب آرد ترا همچون سَمَر چون برآيد شمس، انْشَقَّ القَمَر خود غريبي در جهان چون شمس نيست شمس جانِ باقئي كش أمْسْ نيست شمس در خارج اگر چه هست فرد مثل او هم ميتوان تصوير كرد ليك شمسي كه از او شد هست أثير نبودش در ذهن و در خارج نظير در تصوّر ذات او را كُنج كو تا در آيد در تصوّر مثل او[4] وكم هو رائع وبليغ قول مولي الموالي أمير المؤمنين عليه السلام في تبيانه لمحلّه ومقامه، حيث يقول: صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاَعْلَي؛ أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إلَي دِينِهِ. آهِ آهِ ! شَوْقاً إلَي رُؤْيَتِهِمْ. سبب تأليف الكتابلكنّ الابن الارشد والافضل والاعلم لا´ية الله المعظّم وحجّةالله المكرّم الحاجّ السيّد الميرزا علي القاضي أعلي الله مقامه المنيف، سماحة السيّد المحترم فخر الفضلاء العظام وعماد العشيرة الفخام وسيّد البررة الكرام، الابن الجسميّ والروحيّ لذلك الفقيد: السيّد محمّدحسن القاضي الطباطبائيّ التبريزيّ أدام الله أيّام ظلاله وبركاته قد شرع بتأليف كتاب علي قدر من التفصيل والشرح لاحوال والده المعظّم المرحوم القاضي، ربّما يجد طريقه سريعاً إلي الطبع والنشر بحمد الله ومنّه؛ جاء في جزئه الثاني شرح أحوال تلامذة هذا الرجل الاءلهيّ الكبير وترجمة أحوالهم، وقد أوصاني هذا السيّد العزيز المكرّم عبر رسائل شفويّة وخطّيّة بالكتابة عن سماحة السيّد هاشم الحدّاد رضوان الله تعالي عليه بما علمتُ عنه كي أُقدِّمها لمحضره. لذا، فقد عقدتُ العزم امتثالاً لامره الذي هو في الحقيقة امتثال أمر والده المرحوم، علي كتابة رسالة ـولو مختصرة في مدي فهم الحقير وإدراكه؛ وها أنا أُقدِّمها لسماحته ولارباب السلوك والمعرفة مع الاعتراف بالعجز والاءقرار بالقصور. وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب وهو خير هادٍ إلي سواء السبيل. وكان الشروع في هذه الرسالة ضحي يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رجب المرجَّب لسنة ألف وأربعمائة واثني عشر هجريّة قمريّة، في البلدة الطيِّبة للمشهد الرضويّ المقدَّس علي شاهده آلاف التحيّة والاءكرام والسلام والاءنعام؛ وسمّيتها «الروح المجرّد: في ذكري الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قُدّس سرّه». وأنا العبد الحقير الفقير المسكين المستكين السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ عفي الله عن جرائمه
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّي اللَهُ عَلَي سَيِّدِنَا ونَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِالطَّيِّبِينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَي أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ، نِعْمَ المَولَي وَنِعْمَ النَّصِيرُ
تَحَصَّنْتُ بِالمَلِكِ الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَاعْتَصَمْتُ بِذِي العِزَّةِ وَالعَدْلِ وَالجَبَرُوتِ، وَاسْتَعَنْتُ بِذِي العَظَمَةِ وَالقُدْرَةِ وَالمَلَكُوتِ؛ عَنْ كُلِّ مَا أَخَافُهُ وَأَحْذَرُهُ.[5] اللهمّ صلِّ وسلّم وزد وبارك علي صاحب الدعوة النبويّة، والصولة الحيدريّة، والعصمة الفاطميّة، والحلم الحسنيّة، والشجاعة الحسينيّة، والعبادة السجّاديّة، والمآثر الباقريّة، والا´ثار الجعفريّة، والعلوم الكاظميّة، والحجج الرضويّة، والجود التقَويّة، والنقاوة النقويّة، والهيبة العسكريّة، والغيبة الاءلهيّة. اللهمَّ عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، واجعلنا من شيعته وأعوانه وأنصاره.[6] صلِّ اللهمَّ علي التجلِّي الاعظم، وكمال بهائك الاقدم، شجرة الطور، والكتاب المسطور، والنور علي النور في طخياء[7] الدَّيْجور، علم الهدي، ومجلي العمي، ونور أقطار الوري، وبابك الذي منه تُؤتَي، الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. مقدِّمة التشرّف لمحضر سماحة الحدّاد كان متعارفاً بين طلبة النجف الاشرف وفضلائها وعلمائها في أيّام الزيارات المخصوصة لمولي الكونَينِ أبي عبد الله الحسين سيّدالشهداء عليه وعلي أبيه وأُمّه وجدّه وأخيه والتسعة الطاهرة من أبنائه صلوات الله وسلام ملائكته المقرّبين والانبياء والمرسلين، كزيارة عرفة وزيارة الاربعين وزيارة النصف من شعبان، أن يذهبوا من النجف الاشرف إلي كربلاء المقدّسة سيراً علي الاقدام، إمّا عن الطريق الصحراويّ المُعَبَّد المستقيم، وطوله ثلاثة عشر فرسخاً، أو عن الطريق المحاذي لشطّ الفرات، وطوله ثمانية عشر فرسخاً. وكان الطريق الصحراويّ قاحلاً يخلو من الماء والخضرة، لكنّه قصير يمكن للمسافرين أن يطوونه بسرعة خلال يوم أو يومين، علي العكس من الطريق المحاذي لشطّ الفرات الذي كان يتعذّر السفر فيه بالسيّارة، فكان ينبغي السير خلاله علي الاقدام أو بامتطاء الحيوانات. وكان هذا الطريق منحرفاً غير مستقيم، لكنّه ـفي المقابل يتميّز بالخُضرة وتتخلّله بساتين الاشجار والنخيل اليانعة وبين كلّ عدّة فراسخ ثمّة أماكن لاستضافة المسافرين ( وهي مضائف مصنوعة من الحصير تعود لشيوخ العرب يستقبلون فيها القادمين فيضيّفونهم مجّاناً مهما شاؤوا الاءقامة عندهم ) . وكان الطلبة يسيرون نهاراً ثمّ يأوون إلي هذه المضائف ليلاً فيبيتون فيها، وكان سفرهم في هذا الطريق المحاذي للنهر يستغرق في الغالب يومين أو ثلاثة. الذهاب إلي كربلاء مشياً علي الاقدام في النصف من شعبان 1376 هجريّةولم يوفَّق الحقير خلال مدّة إقامتي في النجف الاشرف، التي دامت سبع سنين، للسفر إلي كربلاء مشياً علي الاقدام إلاّ مرّتين فقط؛ ذلك لانّ الوالدة المرحومة كانت علي قيد الحياة وبالرغم من عدم ممانعتها للسفر، إلاّ أنّ الحقير كان يري آثار الاضطراب عليها، لذا لم أتقدّم للانضمام إلي مواكب المشاة لغاية السنة أو السنتين الاخيرتين من إقامتنا في النجف، حيث رأيت تناقص ذلك الاضطراب عندها من خلال إقامة العلاقات مع العوائل النجفيّة، لذا فقد أرسلتها إلي كربلاء مع بعض المسافرين والزوّار الاءيرانيّين الذين كانوا قد وفدوا علينا، وصحبتُ الرفقاء في المسير إلي كربلاء. وكان الحقير في هذين السفرين في معيّة سماحة آية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ أفاض الله علينا من رحماته وبركاته، وكان هناك أيضاً سماحة آية الله المرحوم الشيخ حسن علي نجابت الشيرازيّ، وسماحة حجّةالاءسلام والمسلمين السيّد محمّد مهدي دستغيب الشيرازيّ الاخ الاصغر للمرحوم الشهيد دستغيب، وقد صحبنا في السفر الثاني أحد الطلبة ممّن له معرفة بآية الله القوجانيّ واسمه السيّد عبّاس ينگجي، وشخص آخرمن مريديه وكان من رجالات طهران المعروفين. وكان هذا الاخير يمتلك بحقّ صفاءً ونزاهة وعشقاً لاهل بيت الولاية، ولايزال بحمد الله علي قيد الحياة. وكان قد قَدِم إلي النجف الاشرف للتشرّف بالزيارة، فقال للفقيد السعيد آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس: أرغب أن أرتدي يوماً ملابس العمل وأندسُّ بين العمّال الذين يعملون في إصلاح وتبييض جدران أروقة الصحن وتزيينها بالمرايا فأعمل معهم من الصبح إلي غروب الشمس. فردعه آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس ـوكان الوصيّ الرسميّ للمرحوم القاضي في أمر الطريقة والاخلاق والسلوك إلي الله عن هذا العمل وقال له: أنت رجل معروف ومشهور، ومهما أخفيت هذا العمل الجميل الحسن فسينكشف أمره في النهاية ويصبح حديث الالسن، ولربّما كان الغرور والعجب الذي سيتداخلك من هذا العمل أكثر ضرراً عليك ممّا يعود عليك منه. وأري أنّه من الانسب، بدلاً من نيّتك الخيِّرة الحسنة هذه، أن تأتي معنا إلي كربلاء ماشياً في أيّام الزيارة المخصوصة للنصف من شعبان ! فلنيعرف أحد بهذا الامر، وإذا ما عرف به فلن يكون مدعاة لاءثارة الضجّة كذاك، ولنتصحبه العواقب الروحيّة الوخيمة لكم. فاقتنع ذلك الرجل المحترم بهذا الكلام واستعدّ للسفر ماشياً، حيث بدأ هذا السفر صباح اليوم الثاني عشر من شهر شعبان المعظّم لسنة ألف وثلاثمائة وستّ وسبعين هجريّة قمريّة، واستغرق أيّاماً ثلاثةً وليلتين؛ وردنا بعدها كربلاء المقدّسة عصر يوم الرابع عشر. ومع أنّ هذا السفر مشياً علي الاقدام كان أمراً كثير الصعوبة لشخص متنعِّم مُرَفَّه لا عهد له بحياة الطلبة الشاقّة، لكنّ هذا الرجل كان من المحبّين والموالين لاهل البيت حقيقةً؛ فلم يواكب سائر الرفقاء في هذا الطريق الشاقّ فقط، بل تميّز أيضاً بعشق وولهٍ خاصّ، وكان خلال السفر يبكي بدموع غزيرة ويتمتم مع نفسه بهذا الشعر الغزليّ لحافظ عليه الرحمة: صَبا به لطف بگو آن غزال رعنا را كه عشق كوه و بيابان تو دادهاي ما را شكر فروش كه عمرش دراز باد چرا تفقّدي نكند طوطي شكر خارا غرور حسن اجازت مگر نداد اي گل كه پرسشي نكني عندليب شيدا را به خُلق و لطف توان كرد صيد أهل نظر ببند و دام نگيرند مرغ دانا را ندانم از چه سبب رنگ آشنائي نيست سهي قدان سيه چشم ماه سيما را چو با حبيب نشيني و باده پيمائي بياد دار محبّان باد پيما را جز اين قدر نتوان گفت در جمال تو عيب كه وضع مهر و وفا نيست روي زيبا را در آسمان چه عجب گر بگفتة حافظ سماع زُهره به رقص آورد مسيحا را [8] وكان يبتعد أحياناً عن الرفقاء لينشغل بنفسه أكثر وليعرض ـعلي انفراد مناجاته ولوعته ولهفته. وصادف أن هطل المطر من منتصف الطريق فما بعد، فاستحال الطريق الترابيّ وحلاً، لكنّ هذا الرجل لميكن ليأبه حين تنغرز قدماه في الوحل، وهكذا فقد سار حتّي لاحت طلائع مدينة كربلاء من علي بُعد فرسخ تقريباً، فخلع نعليه من قدميه وشدّهما ببعضهما ثمّ علّقهما حول عنقه. ولقد توجّهنا وسائر الرفقاء ومَن كان معنا، وآثار التراب والطين تلوح علينا، بلا غسل الزيارة، إلي الحرم الانور فتشرّفنا بزيارته، وقد استغرقت هذه الزيارة أقلّ من ساعة، وتوجّهنا بعدها نحو قبر أبيالفضل العبّاس عليه السلام فزرناه علي تلك الحال والهيئة. وكان أحد الرفقاء من أهـل الكاظميّة، واسـمه الحاجّ عبدالزهراء الگرعاويّ، قد دعانا للعشـاء تلك الليلة في الفندق والمسـجد اللذين حلّ فيهما، لذا فقد توجّه جميع الرفقاء حين حلّ الليل إلي حمّام المخيّم للقيام بغسل زيارة النصف من شعبان، ثمّ توجّهنا جميعاً لزيارة الحرمين المطهّرين الشريفين، واجتمعنا بعدها عند الحاجّ عبدالزهراء، وانشغلنا بإحياء تلك الليلة بقراءة القرآن والدعاء حتّي طلوع الفجر، ثمّ صلّينا صلاة الفجر في الحرم المطهّر وعدنا بعد طلوع الشمس للاستراحة واسترخاء الاعصاب، وتهيّأنا بعدها جميعاً للقيام بغسل زيارة يوم النصف من شعبان والتشرّف بزيارة الحرمين الشريفين. عودة آية الله الشيخ عبّاس إلي النجف وتشرّف الحقير بلقاء الحدّادوكان من المقرّر بعد أداء الزيارة الكاملة أن يعود آية الله القوجانيّ إلي النجف وأنا في معيّته فقط؛ أمّا الحاجّ الشيخ حسن علي نجابت والحاجّ السيّد محمّد مهدي دستغيب ـاللذان كانا قد قَدِما من إيران للزيارة فكان من المقرّر أن يعودا برفقة ذلك الشخص المحترم إلي شيراز وطهران قبل حلول شهر رمضان؛ كما عزم السيّد عبّاس علي العودة إلي النجف عصر ذلك اليوم أو غده. وهكذا فقد ذهبتُ مع سماحة الحاجّ الشيخ عبّاس إلي موقف سيّارات النجف للعودة إليها. ثمّ إنّ الحقير سأله في الطريق: أترغبون أن نذهب لرؤية السيّد هاشم النعلجيّ ؟! ( وذلك لانّه لم يكن قد تشرّف بعدُ بحجّ بيت الله الحرام؛ وكان عمله صناعة حدوات الخيول وتثبيتها في أرجلها، فاشتهر بين الرفقاء بالسيّد هاشم النعلجيّ. ثمّ سمعنا أنّ أحد مريديه من سكنة كربلاء ـوهو الحاجّ محمّد علي خلف زاده، وكان حذّاءً يصنع الاحذية، وله علاقة حميمة بالسيّد قد غيّر هذا اللقب بنفسه إلي الحدّاد احتراماً؛ فصار الرفقاء بعد ذلك يدعونه بالحدّاد. أجاب سماحته: لقد كان دكّانه لصنع الحدوات يقع سابقاً في العَلْوَة ( ميدان الخضار ) جنب البلديّة، وفي وسط المدينة وهو مكان قريب جدّاً، وكنت أعرف عنوانه وأذهب إليه، ثمّ إنّه غيّره فصار بعيداً جداً، وصرت أجهل عنوانه؛ مضافاً إلي ضرورة عودتي سريعاً إلي النجف، لذا فلامجال لديّ الا´ن لذلك؛ فلنَدَعْ ذلك إلي فرصة أُخري ! قلت: لست في عجلة للعودة الا´ن، أفتسمحون لي بالبقاء لزيارته ؟! أجاب: نعم، لا بأس بذلك. فقام الحقير بتوديع سماحته، المرّة الاُولي لتشرّف المصنِّف في محضر سماحة الحدّادثمّ عدتُ فاستفسرت ممّن في العَلْوَة وميدان الخضار المعروف في كربلاء عن عنوان السيّد الجديد. فقيل لي: إنّه يقع خارج المدينة خلف مركز الشرطة، وهو يعمل في دكّان له في إصطبل مديريّة الشرطة. وهكذا فقد قطع الحقير شارع العبّاسيّ المنتهي بمديريّة الشرطة وسألت في آخره عن الاءصطبل فدلّوني عليه، فدخلت ساحة كبيرة مُسَيَّجة تقرب مساحتها من ألف متر مربّع انتظمت محيطها حظائر الخيول المنهمكة في تناول العلف. فسألت هناك: أين يقع محلّ السيّد هاشم ؟ قيل: في تلك الزاوية ! توجّهتُ إلي تلك الزاوية، فشاهدت: دكّة صغيرة تقرب أبعادها من 3*3 متراً، يقف فيها سيّد شريف خلف سندان حديديّ وقد غطس نصف جسده في الارض، بشكل يجعل في متناول يديه الفرن الواقع إلي اليمين والسندان الذي يقابله، وكان منهمكاً بطرق الحديد لصناعة الحدوات، وإلي جانبه مساعده. كان وجهه متوهّجاً كوردة حمراء تلتمع فيه عيناه أشبه بياقوتتَينِ حمراوين، وقد اكتنف الغبار وذرّات الفحم ودخان الفرن رأسه ووجهه، كان حقّاً وحقيقةً عالَماً عجيباً، يمدّ يده بالمقبض إلي الفرن فيُخرج الحديد المبيضّ ويضعه علي السندان فينهال عليه طرقاً بالمطرقة بِيَدِه الاُخري. عجباً ! أيّ أمر هذا ؟! وأيّ حساب وكتاب ؟! وما الذي ينطوي عليه ؟! دخلت فسلّمتُ، ثمّ قلت: جئت لتسمِّروا في قدمي نعلاً ! فرفع سبّابته تجاه أنفه فوراً وقال: صه ! ثمّ صبّ قدحاً من الشاي المعطّر ذي المذاق اللطيف من إناء الشاي الموضوع علي جانب الفرن ووضعه أمامي وقال: باسم الله، تفضّل ! ولم تدم لحظات حتّي بعث بالمساعد بحجّة إنجاز عمل وشراء شيء ما، فلمّا غادر المساعد المحلّ، التفت السيّد إليّ فقال: أيّها السيّد العزيز ! هذا الكلام محترم جدّاً؛ فَلِم تلفظون كلاماً كهذا أمام معاوني الذي يجهل مثل هذه الاُمور ؟! ثمّ صبّ لي قدحاً آخر من الشاي وصبّ لنفسه آخر، وبينما كان يستمرّ في عمله فلا يغفل عن الفرن والمطرقة والمقبض لحظة واحدة، أنشد لي هذه الاشعار بلحن بديع وصوت رخيم يتفجّر عشقاً وهيجاناً وينثال جاذبيّة وروحانيّة. روستائي گاو در آخُر ببست شير گاوش خورد و بر جايش نشست روستائي شد در آخُر سوي گاو گاو را ميجست شب آن كنجكاو دست ميماليد بر أعضاي شير پشت و پهلو گاه بالا گاه زير گفت شير ار روشني افزون بدي زهرهاش بدريدي و دلخون شدي اين چنين گستاخ زان ميخاردم كو در اين شب گاو ميپنداردم حق همي گويد كه اي مغرور كور ني زنامم پاره پاره گشت طور [9] كه لو أنزلنا[10] كتاباً للجبل لانصدع ثم انقطع ثم ارتحل از من ار كوه اُحد واقف بدي پاره گشتيّ ودلش پر خون شدي از پدر و از مادر اين بشنيدهاي لاجرم غافل در اين پيچيدهاي گر تو بيتقليد زان واقف شوي بينشان بيجاي چون هاتف شوي [11] ثمّ عاد المساعد، فقال السيّد: موعدنا معكم في المنزل لاداء الصلاة. ثمّ أعطاني عنوان المنزل. إقامة صلاة الظهر ليوم النصف من شعبان في منزل الحدّاد وبإمامتهوهكذا فقد ذهبتُ قُبيل أذان الظهر إلي منزله في شارع العبّاسيّة، شارع البريد، جنب منزل الحاجّ صمد الدلاّل. وكان منزلاً بسيطاً، يضمّ عدّة غرف بسيطة مبنيّة علي الطراز العربيّ، وفي زاويته نخلة. وكان بيته ذا طابق واحد، لذا فقد قادونا إلي السطح حيث كان السيّد هناك وقد فرش سجّادته واستعدّ للصلاة؛ وكان هناك شخص واحد من مريديه وهو الحاجّ محمّد علي خلفزاده يريد الاقتداء به في الصلاة؛ واتّضح بعد ذلك أن الحاجّ محمّدعلي كان غالباً ما يصلّي الظهر في معيّته. فاقتديت به كذلك، وأُقيمتْ صلاة الجماعة بمأمومَينِ فقط. وقد أبدي السيّد منتهي اللطف والمحبّة، ثمّ قال: فلتذهبوا إلي النجف، ولقاؤنا في السفر القادم إن شاء الله تعالي. [12] فقبَّلتُ يديه وودّعته ذلك اليوم: النصف من شعبان، وعدتُ قافلاً إلي النجف. التشرّف بزيارة كربلاء المقدّسة في شهر رمضان المباركولمّا كانت حوزة النجف تعطِّل دروسها في شهر رمضان المبارك، فقد استثمر الطلبة ليالي هذا الشهر في دراسة الدروس الاستثنائيّة المختصرة والتي لاتعدّ من الدروس الرسميّة، كأُصول العقائد والرسائل الصغيرة؛ مثل « قاعدة لاضرر » و « مسألة إرث الزوجة » و « قاعدة الفراغ » و « قاعدة لاتعاد الصلاة » أو بحث « فروع العلم الاءجماليّ »، وكان الحقير، مضافاً إلي عدم مشاركتي في أشهر رمضان السابقة في هذه الدروس، وقضائي الليالي ـتبعاً لامر آيةالله الشيخ عبّاس ببعض الادعية والاوراد وقراءة سورة القدر أو سورة الدخان؛ قد وجدتُ لديّ رغبةً هذه السنة للتشرّف بزيارة كربلاء المقدّسة لزيارة الحرمين المباركين وللقيام بتلك الاعمال في كربلاء، وللاستفادة من محضر الحاجّ السيّد هاشم. وهكذا اصطحبت الوالدة والاهـل مـع طفلَيَّ الصغيرين: السـيّد محمّدصادق وكان له آنذاك أربع سنين، والسيّد محمّد محسن وكان له سنتان وخمسة أشهر، وتشرّفنا بالذهاب إلي كربلاء لقضاء الشهر المبارك. فاستأجرنا غرفة في الحسينيّة البحرانيّة في الزقاق المجاور للمخيّم الحسينيّ ( خيمه گاه ) بمبلغ بسيط، فبسطنا فيها أمتعتنا المتواضعة. وصادف ذلك الوقت في صيف قائظ، حيث الليالي قصيرة جدّاً، لذا فقد جرت العادة طوال الشهر علي أن أسهر في الليل وأنام في النهار إلي ما قبل الظهر بساعتين، أستعدّ بعدها للتشرّف بزيارة الحرم المطهّر والصلاة فيه، ثمّ التشرّف بالذهاب إلي الحرم المطهّر لابيالفضل العبّاس عليه السلام ثمّ أقوم بعد أداء الزيارة بتهيئة ما يحتاج إليه المنزل وأبقي في البيت إلي الغروب. ثم أتشرّف بعد أداء صلاتَي المغرب والعشاء وتناول الاءفطار وبعد انقضاء ساعتين من الليل بالذهاب إلي منزل السيّد فأعود إلي البيت قرب أذان الصبح لتناول السحور. وكان السيّد قد عيّن بنفسه أوقات اللقاء في الليل، إذ كان يذهب للعمل نهاراً. المبيت خلال شهر رمضان في محضر الحاجّ السيّد هاشم في دكّة المسجدوكان محلّ الاجتماع دكّة جنب المسجد الذي كان السيّد يتعاهد أمر تنظيفه، وهي دكّة بطول وعرض 2*2 متراً تقريباً وينخفض سقفها إلي الحدّ الذي يتعذّر الصلاة فيه من قيام، إذ كان الرأس يرتطم به آنذاك. وفي الحقيقة فإنّها لم تكن غرفة، بل محلاّ زائداً كان البنّاء قد أوجده هناك كمخزن أسفل الدرج المؤدّي إلي سطح المسجد[13]، لكنّ السيّد الحدّاد كان قد اختار ذلك المكان في المسجد لخلوته بنفسه وذلك لظلمته وعزلته، وكان مناسباً جدّاً للدعاء وقراءة القرآن والاوراد والاذكار التي يعطيها المرحوم القاضي، وخاصة للسجدات الطوال؛ أمّا الصلاة فكان السيّد يقيمها داخل المسجد، وكان يقتدي في الصلوات الواجبة بإمام جماعة ذلك المسجد واسمه الشيخ يوسف. وكان في تلك الدكّة « سماور »[14] وأدوات إعداد الشاي، وفي جانب الدكّة قدر من أثاث المسجد ملقي. فيا للّه من هذه الدكّة بهذا الوضع والكيفيّة التي لم يكن يعلم بها غير المرحوم القاضي نفسه، حيث كان يأتيها أثناء تشرّفه للقدوم إلي كربلاء المقدّسة ! ولم يكن أحد ليعلم بعظمتها وروحانيّتها إلاّ أمثال بعض أصدقاء الحدّاد، مثل الحاجّ حبيب السماويّ، والحاجّ عبد الزهراء الگرعـاويّ، والحاجّ أبي موسـي محيي، والحاجّ أبي أحمد عبد الجليل محيي، والبعض الا´خر ممّن شـاهدها أو بات فيها. وهكذا، فقد أضاف الحاجّ السيّد هاشم، في تلك الدكّة الحقير، جميع ليالي الشهر المبارك، ويا لها من ضيافة ! ولم يكن الحاجّ أبو موسي محيي والحاجّ حبيب السماويّ ورشيد الصفّار قد تعرّفوا عليه في ذلك الوقت، فقد تعرّفوا عليه بعد ذلك. فكان رفقاؤه وملازموه هم الحاجّ محمّد علي خلف زاده من كربلاء والحاجّ عبدالزهراء من الكاظميّة، ثمّ انضمّ أخيراً في الليالي الاخيرة الحاجّ أبوأحمد عبدالجليل محيي، وكان أعزباً آنذاك، وعُرف بعد ذلك بأبي نبيل ثمّ بأبي أحمد. بيان عشق المرحوم السيّد الحدّاد وشوقهكان الليل ينقضي إلي قرب الاذان في الحديث وقراءة القرآن والبكاء وقراءة أشعار ابن الفارض وتفسير النكات العرفانيّة العميقة ودقائق أسرار عالم التوحيد والعشق والهيام الذي لا يوصف لابي عبدالله الحسين عليه السلام. وكان باب المكاشفات مفتوحاً للرفقاء الحاضرين في تلك الجلسات، وخاصّة للحاجّ عبد الزهراء، وكان الحاجّ عبدالزهراء يبيِّن مطالب شيِّقة، ممّا جعل شهر رمضان ذاك مشحوناً بالهيجان والطلاقة والبساطة بشكل يبعث علي العَجب. وكان الحاجّ عبد الزهراء يبكي في تلك المجالس حتّي تتورّم عيناه، ويدوم ذلك منه ساعات، ثمّ يقوم إلي داخل المسجد فيديم البكاء ويهوي للسجود علي حصير مفروش هناك. كان طافحاً بالوَلَه واللوعة والشوق اللاهب، ذلك اللهب المحرق الذي كان يمتدّ إلي الا´خرين فيؤثِّر فيهم. قال لي سماحة السيّد الحدّاد ذات ليلة بعد ذهاب الحاجّ عبدالزهراء إلي المسجد بعد البكاء الطويل المقرح للعيون: يا سيّد محمدالحسين ! أتري هذا البكاء وهذه اللوعة ؟ إنّ لديّ ما يزيد عليها مائة « قاط » ( مائة ضعف ) لكنّ ظهورها وبروزها بشكل آخر. هذا وقد اعتاد الحقير علي العودة إلي المنزل قبل الاذان بثلاثة أرباع الساعة، وكان الطريق يستغرق عشر دقائق تقريباً؛ فقال لي السيّد ذات ليلة: لماذا تنهض كلّ ليلة وتذهب إلي البيت لتناول السحور ؟ إنّني أجلب معي بعض الطعام فأتسحّر به، فابق معي نتسحّر سويّاً ! وهكذا بقيت معه في الليلة التالية للسحور، فذهب قرب الاذان إلي منزله ـولم يكن يبعد عن المسجد كثيراً وعاد بخوان، وكان عبارة عن قميص عربيّ ( دشداشة ) لاحد أبنائه، وقد وُضع فيه قَدَرٌ من الفجل والتمر ورغيفان من الخبز؛ فوضعه علي الارض وقال: باسم الله ! ولقد أمضينا تلك الليلة بقدر من الخبز والفجل وبضع تميرات، ثمّ حلّ اليوم التالي فأحسست عصراً أنّ قدرتي قد تلاشت من شدّة الضعف والجوع، وكان النهار طويل جدّاً والهواء لافحاً من شدّة الحرارة، فقلت في نفسي: إنّ هذا الغذاء لا يلائمني، وإن دام الامر علي هذا الوضع فسأسقط مريضاً وأعجز عن الصيام. ومن ثمّ فقد كنت بعد ذلك أتناول السحور معه ثمّ أعود إلي البيت فوراً فأتناول قدراً من ماء اللحم المطبوخ أو الطبيخ الذي يعدّونه في البيت، أو آخذ السحور معي من المنزل فنتسحّر سويّاً به. أما نومه: فلم أره ينام خلال هذا الشهر الكامل، فقد كان يسهر الليل إلي طلوع الفجر بالتهجّد والدعاء والذِّكر والسجود والتأمّل والتفكّر، وكان يذهب صباحاً إلي عمله في محلّ مديريّة الشرطة بعد شراء الخبز واحتياجات المنزل، وكان يصلّي الظهر في البيت ثمّ يتشرّف بزيارة حضرة الاءمام؛ ويقال إنّه لم يكن ينام العصر مطلقاً. وكان أحياناً يحسّ بالتعب في بدنه صباحاً فيذهب إلي الحمام الواقع في نهاية الشارع فيعيد النشاط إلي جسمه بالاستحمام بالماء الحارّ، أو إنّه كان أحياناً يتمدّد صباحاً للاسترخاء ثمّ ينهض فيذهب للعمل، ذلك العمل الشاقّ المرهق. ولميكن ليصنع الحدوات فقط، بل كان عليه أيضاً أن يقوم بتسميرها في أقدام الخيول، لكنّ ذلك الوُجْد وتلك الحال وتلك الشعلة المتأجِّجة في أعماقه لمتكن لتدعه يستريح لحظة واحدة. وانقضي شهر رمضان علي هذه الحال. ولم يُشاهَد الهلال في الليلة التي احتُمل أنّها ليلة العيد، فاقترح بعض رفقاء الطريق ـكشُكر لاءتمام صيام شهر رمضان السفرَ إلي النجف للتشرّف بالسلام والزيارة؛ ولكي يفطروا هناك في اليوم التالي إن ظهر أنّه من شهر رمضان. وهكذا فقد تشرّفنا بالذهاب إلي النجف عصر يوم التاسع والعشرين بسيّارة الحاجّ عبد الزهراء التي يدعونها بـ « الحسينيّة السيّارة »[15] بصحبة السيّد والحاجّ محمّد علي والحاجّ عبد الجليل، وذهبنا فوراً إلي الصحن المطهّر، ثمّ ذهبنا بعد أداء السلام والزيارة إلي مسجد السَّهْلة للاءفطارهناك، فحللنا ضيوفاً علي المرحوم الشيخ جواد السَّهْلاويّ، وبتنا هناك إلي الصبح بالدعاء والذِّكـر والتأمّل والتوجّـه، ثمّ تحـرّكنا صـباحـاً للتشـرّف بزيارة الحمزة و القاسم[16] ( جاسم )، فبقينا من الظهر إلي العصر في مرقد الحمزة، وتحرّكنا لقضاء الليل عند القاسم[17] فبتنا تلك الليلة في ذلك المكان المقدّس. وقد بيّن السيّد تلك الليلة مطالب عن عظمة القاسم، وكيفيّة حركته واختفائه عن خصومه أعداء الدين؛ وقال: لقد تجلّت كثيراً جلالة وعظمة ولاية الاءمام موسي بن جعفر عليه السلام في ولده العزيز هذا، لذا فإنّ صحنه وقبره وحرمه وقبّته المنوّرة، وحتّي أراضي الاطراف المجاورة له تمتاز بمعنوية وجاذبيّة خاصّة. ثمّ تحرّكنا بعد ساعة أو ساعتين من طلوع الشمس في نفس الحسينيّة السيّارة نحو كربلاء راجعين فوصلناها قرب الظهر. التشرّف الاوّل للحقير في محضر آية الله الانصاريّ قدّس سرّه في النجفولقد حدث عصر يوم التاسع والعشرين حين كنّا مشغولين بالزيارة في الحضرة المقدّسة لامير المؤمنين عليه السلام أن قال السيّد: يبدو أنّ الاءمام جعل ثواب زيارتك هذه في العودة إلي إيران والاستفادة من محضر آيةالله الشيخ محمّد جواد الانصاريّ الهمدانيّ ؛ لذا فحين تذهب إلي إيران اذهب أوّلاً عنده وكن تحت تعليمه وتربيته ! قلت: لو أمرني بالبقاء في إيران، فإنّ فراقكم والبُعد عنكم سيكون أمراً عسيراً ! قال: أينما حللت في العالم فنحن معك؛ إنّ رفقتنا وميثاقنا قد أُحكما فلا انفصام لهما. فلا تخف ! ولا تخش ! فلو كنت في غرب الدنيا أو شرقها فستكون قربنا. ثمّ قال: گر در يَمَني چو با مني پيش مَني ور پيش مَني چو بي مَني در يَمَني[18] وهكذا فحين حلّ صيف ذلك العام، عزمتُ علي السفر إلي إيران لزيارة الاءمام الرضا عليه السلام وتجديد العهد بالارحام والاحبّة والاعزّة من الاصدقاء، ولم أكن قد قَدِمتُ إلي إيران منذ سبع سنوات، أي منذ ذهابي إلي النجف الاشرف حتّي ذلك الوقت، وكان ذلك يتضمّن في الجملة تغييراً للجوّ بالنسبة للوالدة المرحومة المبتلاة بضغط الدم وضعف القلب والربو الرئويّ وكانت العواصف الرمليّة وهبوب الرياح الشديدة في النجف تؤلم صدرها كثيراً؛ مضافاً إلي أمر مراجعة الطبيب حول انحراف صحّة الاهل، علي نيّة قضاء أيّام الصيف هناك والرجوع بعد ذلك إلي النجف الاشرف. لذا، فقد تحرّكتُ يوم الثامن من شوّال من النجف للقيام بدورة كاملة لزيارة الائمة عليهم السلام، فقصدت كربلاء و الكاظميّة و سامرّاء، ثمّ سافرتُ بسيّارات النقل الكبيرة ، فقضيت ليلة في قم أيضاً في زيارةأعتاب السيّدة المعصومة سلام الله عليها، ووصلنا يوم الثامن عشر إلي طهران. التشرّف بالذهاب إلي همدان وإدراك محضر آية الله الانصاريّ وملازمتهوقد تأخّر السفر إلي همدان إلي ما بعد العاشر من المحرّم بسبب الزيارات المتبادلة، ولحلول العشر الاُوَل من محرّم الحرام لسنة 1377ه والانشغال بمراسم العزاء في المسجد، وهكذا فقد تشرّفت بعد العاشر من المحرّم بالحضور في محضر آية الله الانصاريّ. ولا يخفي أنّ علاقتي بسماحته كانت قد بدأت قبل أربع سنين، وصحبتها لقاءات طويلة الامد؛ فقد تشرّف قبل أربع سنوات بالقدوم لزيارة العتبات المقدّسة وبقي هناك مدّة شهرين، قضي منهما شهراً كاملاً في النجف علي الخصوص؛ حلّ خلاله في منزل الحاجّ محمّدرضا الشيرازيّ ومنزل السيّد محمّد مهدي دستغيب. وكان الحقير يذهب بعد أداء صـلاة فريضـة المغرب وحضـور درس الاُصـول عند آية الله الحاجّ السيّد أبي القاسـم الخوئيّ أدام الله ظـلّه[19] وذلـك في معيّة الاُسـتاذ آيةالله الشيخ عبّاس القوجانيّ، فأتشرّف بالحضور عنده. وكان يحضر أيضاً حجّة الاءسلام السيّد محمّد رضا الخلخاليّ وشخص آخر من المسافرين الاءيرانيّين اسمه الحاجّ حسـن شركت الاءصفهانيّ . وصـادف ذلك أيّام شهر رجب، وكان الهواء آنذاك بارداً والليل طويلاً، لذا فقد كان المجلس يدوم إلي ساعتين تقريباً. وحقّاً لقد كانت مدّة الشهرين تلك حافلة بالاستفادات المهمّة، حتّي أنّ الحاجّ الشيخ عبّاس أُستاذ الحقير كان يقول لي: بَيِّنْ له حالاتك واطلب منه طريقة للعمل ! وقد استجزت سماحة الشيخ القوجانيّ رضوان الله عليه بعد ذلك بسنتين في السفر إلي همدان مباشرة فأذِنَ لي بذلك، فوردت عليه وحللت ضيفاً في منزله في شارع « سنگ شير » أربع عشرة ليلة؛ وكان من بين الضيوف الذين حلّوا عليه من داخل إيران آية الله الحاجّ السيّد عبدالحسين دستغيب وآية الله الشيخ حسن علي نجابت وحجّة الاءسلام الشيخ حسن نمكي البهلوانيّ الطهرانيّ. وقد استغرق ذلك السفر بأجمعه ستّة وعشرين يوماً. فقد كنت مقيّداً بعدم مغادرة العراق بدون زيارة العتبات المقدّسة، لذا فقد قضيت ليلة في كربلاء وليلتين في الكاظميّة وأربعاً في سامرّاء في منزل ابن خالي العزيز: المرحوم آية الله الميرزا نجم الدين الشريف العسكريّ رضوان الله عليه، ثمّ بقيت عند العودة ليلة في باختران ( كرمانشاهان ) في انتظار الحصول علي تأشيرة السفر من العراق، ومن ثمّ فقد استغرق السفر ما استغرق ولم أذهب إلي طهران؛ فقد كان ذلك سيؤثِّر سلباً علي الدروس. ولقد انتخبتُ أوقات السفر هذه بحيث تبدأ من منتصف شهر صفر إلي أوائل شهر ربيع لتنسجم مع فترة تعطيل الدروس. عزم الحقير علي التوقّف في طهران والارتباط العميق مع آية الله الانصاريّلقد كان آية اللهالانصاريّ رجلاً كاملاً ولائقاًومنوّراً بنورالتوحيدبما يفوق المعتاد، وكان مع الحقير في منتهي اللطف والمحبّة والاءكرام. ولقد أبلغه الحقير رسالة السيّد الحدّاد، وسألته: أيّهما أصلح لي بلحاظ المعنويّة والسلوك العرفانيّ، إيران أم النجف الاشرف ؟! قال: سأُجيب فيما بعد. ثمّ سأله الحقير بعد يوم بحضور جمع من الاحبّة والاعزّة: ماذا كان الجواب ؟! قال: النجف جيّدة، وطهران جيّدة أيضاً؛ لكنّكم لو بقيتم في النجف فسيكون كلّ ما تكسبونه لكم وحدكم، أمّا لو بقيتم في طهران فسنشارككم فيما تحصلون عليه ! وباعتبار دلالة الجواب علي أرجحيّة طهران، فقد صمّم الحقير علي العودة إليها فوراً مع أنّني لم أكن راغباً في ذلك قيد شعرة؛ فقد كنت اتّخذت النجف وطناً أصليّاً ودائميّاً، فاشتريت في الايّام الاخيرة بيتاً، ورتّبت أُموري للاءقامة هناك مادمت علي قيد الحياة، ولقد عانيت الكثير حتّي استقرت الاُمور بعض الشيء، وصمّمت علي البقاء بقلب مطمئنٍّ؛ لذا فقد كان رجحان طهران صعباً وثقيلاً عَلَيّ، بل كان أشدّ من انهيار الجبال علي رأسي ! ومن جانب آخر فقد كانت طهران وطني ومسقط رأسي، والمكان الذي هربتُ منه وبعت جميـع ما أملكه فيه، فلم يعد لـي فيه من أثاث البيتحتّي حبل الغسيل، فقد جمعتُ ذلك كلّه واتّجهت نحو أعتاب مولي الموالي؛ وكنت إذا شاهدت طهران في المنام أضطرب، ثمّ أقول وأنا أفتح عيني فزعاً: الحمد للّه فقد كان حلماً ! ولقد اتّخذ الحقير قراره علي الفور بالعودة إلي طهران، وعدت بعد شهر صفر إلي تلك الاعتاب المحروسة بالملائكة: النجف الاشرف، ومرّت ثلاثة شهور تقريباً حتّي بيع البيت، ثمّ عدت إلي طهران وانتظمت المكاتبة والملاقاة والتزاور بشكل متناوب مع آية الله الانصاريّ مرّة كلّ شهرين أو ثلاثة تقريباً، مع الطاعة التامّة والامتثال الكامل لاوامره وتعليماته. ولقد كان حقّاً آية جليلة من الا´يات الاءلهيّة، لم يتأبّ عن تقديم كلّ مساعدة ومعونة، بل كان يستقبل الواردين بكمال الخلوص فيضيفهم عنده. ثمّ قمتُ في نهاية تلك السنة مع بعض الاصدقاء في السلوك بالتشرّف بأداء فريضة الحجّ عن طريق العراق ذهاباً وإياباً، واستغرق كلّ ذلك شهرين؛ زرت خلالها السيّد الحدّاد في كربلاء المقدّسة تكراراً ومراراً واستفدت من حالاته ومعنويّاته. ثمّ تشرّف السيّد بالمجيء إلي الكاظميّة للتوديع وذهبنا سويّاً إلي سامرّاء لزيارة الاءمامين العسكريّينِ عليهما السلام، ثمّ عدت في معيّته إلي الكاظميّة وتحرّكت راجعاً إلي إيران بعد مراسم التوديع؛ حيث توقّفت عدّة أيّام في همدان في منزل سماحة الشيخ الانصاريّ، وعدت بعد ذلك إلي طهران. كانت روابط الطاعة والولاء لهذا الرجل الاءلهيّ الجليل وثيقة وقويّة ومؤثِّرة، حتّي التحق بدار الخلود يوم الجمعة الثاني من شهر ذيالقعدة الحرام لسنة 1379ه، بعد الظهر بساعتين علي أثر جُلطة في الدماغ وذلك في سنّ التاسعة والخمسين، وكنت حاضراً عنده حين احتضاره، إذ كنت قد ذهبتُ إلي همدان قبل ذلك بيومين. ثمّ حُمِلَتْ جنازته إلي قم فطيف بها حول قبر السيّدة المعصومة سلام الله عليها، ثمّ دفن منتصف الليل في مقبرة عليّبن جعفر . وقد نزل الحقير معه إلي قبـره وفتحـتُ الكفن عن وجهه فوضعته علي التراب، ثمّ قبّلت وجهه المنوّر القُبلة الاخيرة وخرجت من القبر. ارجاعات [1] كُتبت المطالب أعلاه علي صفحة كبيرة بطول 80 وعرض 60 سانتيمتراً بخطّ «النستعليق» الجميل للخطّاط المعاصر المعروف السيّد عبّاس أخويْن، حيث قام الصديق العزيز المهندس الحاجّ عبّاس هادي زاده الاءصفهانيّ زِيد توفيقه، الصهر الكبير للمرحوم آيةالله الشيخ مرتضي المطهّريّ قدّس الله روحه باختيار عباراتها، ثمّ زيّنها بإطار زجاجيّ شفّاف بحيث تبدو عباراتها من كلا الجانبَينِ، وأرسلها للحقير في مشهد المقدّسة من محلّ إقامته بطهران في ذكري رحيل الاُستاذ الجليل. [2] هذه الابيات لامير المؤمنين عليه السـلام أوردها في نهاية خطبته الغـرّاء في توحيد الذات المقدّسة للحقّ تعالي وصفاته وأسمائه، جواباً لذِعْلِب حين سأل: يَاأَمِيرَالمُؤْمِنِينَ! هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ ؟! فَقَالَ: وَيْلَك يَا ذِعْلِبْ؛ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبَّاً لَمْ أَرَهُ. الخطبة مفصّلة، أوردها المجلسيّ في «بحار الانوار» الطبعة الحروفيّة الحيدريّة، ج 4، ص 304 إلي 306، الحديث 34، الباب الرابع: جوامع التوحيد من أبواب أسمائه تعالي وحقائقها وصفاتها ومعانيها، عن «التوحيد» للصدوق بسنده المتّصل. وورد في خاتمتها: فخرّ ذعلب مغشياً عليه من صولة كلامه، ثمّ أفاق فقال: تالله ما سمعتُ بمثل هذا الجواب، والله لاعدت إلي مثلها. وقد كتب سماحة الاُستاذ العلمة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في هامشه علي «بحار الانوار»: وهذه الاشعار هي أفضل دليل علي أنّ خلقة العالم لمتكن منقطعة في أوّلها، بل كانت موجودة دوماً؛ كما أنّها دليل علي أنّ الخلقة ليست منقطعة في آخرها، بل هي مستمرّة دوماً. [3] «مثنوي» ص 1، السطر 3 و 4، طبعة آقا ميرزا محمود. يقول: «علا صوت أنيني في كلّ نادٍ وجمعٍ، ورافقت ذوي الاحوال السيّئة والحسنة. فخيّل لكلّ منهم أنّه صار رفيقي وصاحبي، بَيدَ أنّ أحداً لم يطّلع علي سرّي ومكنون ضميري. إنّ سرّي مودع في أنيني وشجوني لا ينفكّ عنهما، لكنّ أعين الا´خرين وآذانهم ينقصها ذلك النور فقصرت عن أن تري أو تسمع. لقد اقترن البدن بالروح فلم يغب أحدهما عن الا´خر أو يستتر عنه يوماً، إل أنّه لميُعهد من أحد أن يري الروح عياناً». [4] «مثنوي» ص 4، السطر 14 إلي 19. يقول: «مع أنّ اللسان هو المظهر للاحاسيس ببيانه وبلاغته، لكن العشق أبلغ في خرسه من أيّ بيان. وقد كان القلم مسرعاً في الكتابة، لكنّه تصدّع لمّا بلغ كلمة العشق». ـ يقول: «وما أن بلغ الكلام إلي وصف هذه الحال، حتّي تكسَّر القلم وتمزَّق الورق. لقد استحال العقل في بيان العشق كالحمار المتخبّط في الوحل، فشرح العشق وبيان حال العاشق لا يمكن أن يقوله إل من ذاق العشق بدوره. ولقد جاءت الشمس دليلاً علي الشمس، فإن أردتَ دليلاً فلا تشح بوجهك عنها. وصحيح أنّ الظلّ أيضاً يدلّ علي الشمس، لكن الشمس نفسها هي التي ترسل دائماً أنوارها علي الارواح. فالظلّ كالسَّمَر في الليل يجعلك تشعر بالنعاس، فإذا طلعت الشمس انشقّ لها القمر وأظْلَم. ومع ذلك ليس في العالم غريب كالشمس، وليس لشمس الروح المحيطة بالزمان من أمس أو غد. فهذه الشمس الموجودة في الخارج وإن كانت فريدة، ولكنّك تسـتطيع تصوير مثيل لها». ـ يقول: «أمّا تلك الشمس التي وجد الاثير والكائنات منها، فنظيرها يعزّ في الذهن وفي الخارج. وأنّي يكون هناك متّسع لتصوّر ذاتها، من أجل أن يتحقّق مثيلها في التصوّر!». [5] من أدعية «الصحيفة العلويّة الثانية» ص 75، الطبعة الحجريّة: وكان من دعائه عليه السلام عند كلّ نازلة أو شدّة. [6] ـ الصلوات المعروفة للخواجة نصير الدين الطوسيّ رحمة الله عليه. [7] ـ الطَّخْواءُ والطَّخْياءُ من الليالي: المظلمة. [8] ـ «ديوان الخواجة حافظ» ص 5، الغزل رقم 9، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة 1318 ه.ق.. يقول: «قولي بلطف ـيا ريح الصَّبا لذاك الغزال الفاتن المختال، هيّمتنا بين صحاري وقفارٍ وجبال. ولِمَ لا يتفقّد بائعُ السكّر ـطال عمره الببغاءَ المشغوف بحَبَّات السكّر المنثال! ربّما لم يُجْزكِ غرورك ـأيّتها الوردة أن تسألي العندليب المتيَّم أيّ سؤال. وبالخلق واللطف يمكن صيد أهل النظر، أمّا الطائر الحذر فلا يُصاد قطّ بشباكٍ وحبال. ولستُ أدري لِمَ لا يكون للصداقة لون، عند طوال القدّ، سوداوات العيون، ذوات الوجوه كالاقمار. فإذا جالستَ الحبيبَ وبدأت معه الشراب، فتذكّر العشّاق الذين سلكوا طريق الوصال. ولسـت أسـتطيع أن أعيب في جمالك شـيء، إل أنّ الحبّ والوفـاء لا يكون في أصحاب الوجوه الجميلة. ولا عجبَ لو غنّت بحديث حافظ «الزُّهرة» في السماء، فتمايل المسيح طرباً لذاك المقال!». [9] ـ «مثنوي»؛ ج 2، ص 116، السطر 8 إلي 12، طبعة آقا ميرزا محمود الحجريّة. يقول: «شدّ قرويٌّ ثوره في الحظيرة، فجاء أسد وافترسه وجلس مكانه. وفي الليل جاء القرويّ إلي الحظيرة ليتفحّص الثور ويتفقّده. فكان يمسح علي أعضاء الاسد بيده، يمسح علي ظهره وجنبه، أعلاه وأسفله. فقال الاسدُ: لو ازداد الضوء لمات الرجل فزعاً وتفطّر كبده هلعاً. فهو يحكّ جلدي ويلمس جسدي بهذه الوقاحة ويحسبني في ظلام الليل ثوراً. يقول الحقّ دوماً: أيّها الاعمي المغرور ! ألم يخرّ جبل الطور من اسمي مندكّاً؟!». [10] ـ يقول في هامش «المثنويّ»: لو أنزلنا إشارة إلي الا´ية في سورة المجادلة: لَوْ أَنزَلْنَا هَـ'ذَا الْقُرْءَانَ عَلَي' جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ و خَـ'شِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَهِ. أقول: بل إنّ هذه الا´ية هي الا´ية 21، من سورة 59 : الحشر. [11] ـ يقول: «فلو أنزلنا كتاباً علي الجبل، لتصدّع ثمّ لتقطّع ثمّ تناثر هباءً منثوراً. ولو وقف علي أمري جبل أُحُد، لانتسف وتخضّب قلبه دماً. لكنّك لُقِّنتَ هذا وسمعته سماعاً من أبيك وأُمّك، فكنتَ ـلا جَرَم غافلاً عنه. ولو وقفت علي هذا الامر يقيناً بلا تقليد، لصرتَ كالهاتف لا يُلمَس لك أثر ولايحتويك مكان». [12] ـ وما أشبه حالي أنا الهائم التعب بعد أن هدّتني السنين المتمادية، في وصولي إلي نبع الحياة ومركز عشق الذات السرمديّة هذا بغزل الخواجة رضوان الله عليه حيث يقول: هر چند پير و خسته دل و ناتوان شدم هرگه كه ياد روي تو كردم جوان شدم شكر خدا كه هر چه طلب كردم از خدا بر منتهاي مطلب خود كامران شدم در شاهراهِ دولت سرمَد به تخت بخت با جام مي به كام دل دوستان شدم اي گلبن جوان برِ دولت بخور كه من در ساية تو بلبل باغ جهان شدم از آن زمان كه فتنة چشمت به من رسيد ايمن ز شرّ فتنة آخر زمان شدم أوّل ز حرف لوح وجودم خبر نبود در مكتب غم تو چنين نكته دان شدم آن روز بر دلم در معني گشوده شد كز ساكنان درگه پير مغان شدم قسمت حوالتم به خرابات ميكند هر چندكاينچنين شدم و آنچنان شدم من پير سال و ماه نيم يار بي وفاست بر من چو عمر ميگذرد پير از آن شدم دوشم نويد داد عنايت كه حافظا بازآ كه من به عفو گناهت ضمان شدم * * ـ «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص 150 و 151، الغزل 335، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة 1318 ه.ق. يقول: «إنّي وإن أصبحت عجوزاً عاجزاً جريح القلب ولكنّني كلّما تذكّرت وجهك عدت شابّاً. فشكراً للّه علي ما سألته من دعوات، فوفقاً لمنتهي همّتي أصبحت نافذ الرغبات. وغدوت إلي عرش الحظّ السعيد في طريق السعادة السرمديّة وأنا هاني القلب أحمل كأس الشـراب مزوّداً بدعوات الاحبّة والاصحاب. ويا شجيرة الورد الرطيبة اهنئي واسعدي بثمار دولتك السعيدة فقد أضحيتُ في ظلالك البلبل الفريد في روضة العالم. ومنذ فتنني سحر طرفك الفتّان، فقد أصبحت آمناً من شرّ فتنة آخر الزمان. ولم يكن لي علم في البداية بالعالم الاسفل والاعلي وما بهما من حقائق، ولكنّني تعلّمت في مدرسة الحزن عليك كثيراً من النكات وأصبحت خبيراً بالدقائق. وتفتّحت أبواب المعاني أمام قلبي، حين أصبحت من المقيمين علي أعتاب شيخ العرفاء. وها هي «القسمة» الازليّة تحيلني إلي الخرابات، وإن كنتُ مصداقاً للانوار الجلاليّة أو مظهراً للانوار الجماليّة. ولستُ عجوزاً طاعناً في السنّ ولكنّ الحبيب ليس له وفاء، فأخذ يمرّ بي كما يمرّ العمر في غير تريّث، ولذلك أضحيت متقدّم السنّ قريب الفَناء. وليلة أمس زَفَّتْ إليّ العناية البشري بقولها: يا حافظ إرجع إليّ فإنّي ضامنة لك عفو ذنوبك كلّها». [13] ـ وبعد توسيع شارع العبّاسيّة الذي شمل قسماً من ذلك المسجد، من بينه الدرج وتلك الغرفة، فقد أُزيلت الدكّة ولم يبق منها أيّ أثر حاليّاً. [14] ـ وعاء معدنيّ في وسطه مكان لاءشعال النار ، يستعمل لغلي الماء وصنع الشاي.(م) [15] ـ كانوا يدعونها بالحسينيّة السيّارة، لانّه كان يجلس خلف المقود فيشرع بقراءة الاشعار المرتبطة بشهادة سيّد الشهداء والمستعملة في مراسم العزاء، وذلك باللهجة العامّيّة الدارجة (الحسچة)؛ فيبكي بحرقة ولوعة ويُبكي جميع الجالسين في السيّارة. [16] ـ الحمزة عليه السلام، يصل نسبه بخمس وسائط إلي أبي الفضل العبّاس عليهالسلام، فهو أبو يعلي حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة الاكبر بن الحسن بن عبيدالله ابنالعبّاسبن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام. ذكر المحدِّث القمّيّ أحواله في «منتهي الا´مال» ج 1، ص 357 إلي 359، الطبعة الحروفيّة، مؤسّسة انتشارات هجرت، في ترجمة أولاد أبي الفضل العبّاس عليه السلام؛ ويقول في جملتها (ما ترجمته): كان ثقةً جليل القدر، ذكره الشيخ النجاشيّ والا´خرون، وقبره قرب الحِلّة، وقال الشيخ النجاشيّ في رجاله: حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاسبن عليّبن أبي طالب عليه السلام، أبو يعلي؛ ثقة جليل القدر من أصحابنا، يروي كثيراً من الاحاديث، وله كتاب في ذِكر مَن روي عن جعفر بن محمّد عليه السلام من الرجال. ويتّضح من كلمات العلماء والاساتذة أنّه من علماء الغَيبة الصغري المعاصرين لوالد الصدوقعليّ ابنبابويه رضوان الله عليهم أجمعين. وجدّه حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس المكنّي بأبي القاسم، وكان شبيهاً بأمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي كتب المأمون بخطّ يده أن يعطي لحمزة بن الحسن الشبيه بأمير المؤمنين عليه السلام مائة ألف درهم. ولكن يبدو من مكاشفة نقلها آية الله السيّد مهدي القزوينيّ طاب ثراه عن والده، ورواها الحاجّ النوريّ في«النجم الثاقب» أنّ السيّدالمزبور يعتقد بأنّ الحمزة الواقع فيالحِلّة هو حمزة بن موسي بن جعفر عليهما السلام، وأنّ الحمزة المدفون جنب مقدم قبر عبدالعظيم الحسنيّ عليه السلام هو حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العبّاس؛ والله العالم. [17] و القاسم ويدعي بالعربيّة الدارجة: جاسم، هو الابن بلا فصل للاءمام موسيبن جعفر عليهما السلام. أورد المحدِّث القمّيّ في ترجمة أحواله في «منتهي الا´مال» ج 2، ص 414 و 415، من طبعة نشر هجرت في ترجمة أولاد الاءمام موسي بن جعفر عليه السلام: وأمّا القاسم بن موسي بن جعفر عليه السلام فقد كان سيّداً جليل القدر، يكفي في جلالة شأنه ما نقله ثقة الاءسلام الكلينيّ في «الكافي» في باب الاءشارة والنصّ علي الاءمام الرضا عليه السلام عن يزيد بن سليط، عن الاءمام الكاظم عليه السلام في طريق مكّة؛ وجاء في ذلك الخبر أنّ الاءمام قال له: أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ ! إنِّي خَرَجْتُ مِن مَنْزِلِي فَأَوْصَيْتُ إلَي ابْنِي فُلنٍ ـيَعْنِي: الرِّضَا عَلَيهِ السَّلمُ وَأَشْرَكْتُ مَعَهُ بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ وَأَوْصَيْتُهُ فِي البَاطِنِ، فَأَفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ؛ وَلَوْ كَانَ الاَمْرُ لِي لَجَعَلْتُهُ فِي القَاسِمِ ابْنِي، لِحُبِّي إيَّاهُ وَرَأْفَتِي عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ ذَلِكَ إلَي اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ إلي آخره. وروي الكلينيّ أيضاً أنّ أحد أبناء الاءمام موسي عليه السلام كان يحتضر، فقال الاءمام للقاسم: قُمْ فَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِ أَخِيكَ «وَالصَّـ'فَّـ'تِ صَفًّا» حَتَّي تَسْتَتِمَّهَا. فَقَرَأَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا» قَضَي الفَتَي. ومن ملاحظة هذين الخبرين يتّضح كثرة اهتمام الاءمام موسي عليه السلام بالقاسم. وقبر القاسم علي بُعد ثمانية فراسخ من الحِلّة، وتزور مقامه الشريف عامّة الناس؛ وللعلماء والاخيار اهتمام خاصّ بزيارته. وقد رغّب السيّد ابن طاووس بزيارته. وقال عنه صاحب «عمدة الطالب»: لم يعقب القاسم. [18] ـ يقول: «لو كنتَ في اليمن فأنت قربي مادمت معي، ولو كنتَ قربي لكنّك لست معي فأنت في اليمن». وهو نفس مراد ومفهوم بيت العارف الشهير المصريّ ابن الفارض: مَا لِلنَّوَي ذَنْبٌ وَمَنْ أَهْوَي مَعِي إنْ غَابَ عَنْ إنْسَانِ عَيْنِي فَهْوَ فِي «ديوان ابن الفارض» ص 155، طبعة بيروت، سنة 1384 |
|
|