بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الرابع عشر: هويّة حافظ رجب البرسيّ، الشيخية و الحشويّة، اختلاف العرفاء مع اهل الظاهر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كلام‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ ترجمة‌ شاعر الغدير: الحافظ‌ رجب‌ البرسيّ

 يقول‌ الاميني‌ّ بعد ذكر قصيدة‌ غديريّة‌ له‌ في‌ مقام‌ التعريف‌ به‌ وترجمة‌ أحواله‌:

 شـاعرنا: الحافـظ‌ الشـيخ‌ رضـي‌ الدين‌ رجب‌ بن‌ محمّد بن‌ رجب‌ البُرسي‌ّ الحلّي‌ّ، من‌ عرفاء علماء الإماميّة‌ وفقهائها المشاركين‌ في‌ العلوم‌، علي‌ فضله‌ الواضح‌ في‌ فنّ الحديث‌، وتقدّمه‌ في‌ الادب‌ وقرض‌ الشعر وإجادته‌، وتضلّعه‌ في‌ علوم‌ الحروف‌ وأسرارها واستخراج‌ فوائدها.

 وبذلك‌ كلّه‌ تجد كتبه‌ طافحة‌ بالتحقيق‌ ودقّة‌ النظر، وله‌ في‌ علم‌ العرفان‌ وعلم‌ الحروف‌ مسالك‌ خاصّة‌، كما أنّ له‌ في‌ ولاء أئمّة‌ الدين‌ عليهم‌ السلام‌ آراء ونظريّات‌ لا يرتضيها صنف‌ من‌ الناس‌، ولذلك‌ رموه‌ بالغلوّ والارتفاع‌؛ غير أنّ الحقّ أنّ جميع‌ ما يثبته‌ المترجَم‌ لهم‌ عليهم‌ السلام‌ من‌ الشؤون‌ هي‌ دون‌ مرتبة‌ الغلوّ وغير درجة‌ النبوّة‌، وقد جاء عن‌ مولانا أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قوله‌: إيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِينَا؛ قُولُوا: إنَّا عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ، وَقُولُوا فِي‌ فَضْلِنَا مَا شِئْتُمْ.

 وقال‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌:

 اجْعَلْ لَنَا رَبَّاً نَؤُوبُ إلَيْهِ، وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ.[268]

 وَقَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ: اجْعَلُونَا مَخْلُوقِينَ وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ، فَلَنْ تَبْلُغُوا. [269]

 وأ نّي‌ لنا البلاغ‌ مدي‌ ما منحهم‌ المولي‌ سبحانه‌ من‌ فضائل‌ ومآثر؟ وأ نّي‌ لنا الوقوف‌ علي‌ غاية‌ ما شرّفهم‌ الله‌ به‌ من‌ ملكات‌ فاضلة‌ ونفسيّات‌ نفيسة‌ وروحيّات‌ قدسيّة‌ وخلائق‌ كريمة‌ ومكارم‌ ومحامد؟

 فَمَنْ ذَا الَّذِي‌ يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الإمَامِ؟ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟

 هَيْهَاتَ! هَيْهَاتَ! ضَلَّتِ العُقُولُ، وَتَاهَتِ الحُلُومُ، وَحَارَتِ الاَلْبَابُ وَخَسَأَتِ [270] العُيُونُ، وَتَصَاغَرَتِ العُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الحُلَمَاءُ، وَحَصَرَتِ الخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الاَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الاُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ البُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، وَفَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَأَقَرَّتْ بِالعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ.

 وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ؟ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ؟ أَوْ يُفْهَمُ شَي‌ءٌ مِنْ أَمْرِهِ؟ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي‌ غِنَاهُ؟ لاَ.

 كَيْفَ؟ وَأَ نَّي‌؟ فَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلِينَ وَوَصْفِ الوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الاِخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ العُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟ [271]

 ولذلك‌ تجد كثيراً من‌ علمائنا المحقّقين‌ في‌ المعرفة‌ بالاسرار يُثبتون‌ لائمّة‌ الهدي‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ كلّ هاتيك‌ الشـؤون‌ وغيرها ممّا لا يتحمّله‌ غيرهم‌. وكان‌ في‌ علماء قُم‌ مَن‌ يرمي‌ بالغلوّ كلّ مَن‌ روي‌ شيئاً من‌ تلكم‌ الاسرار، حتّي‌ قال‌ قائلهم‌:

 إنَّ أَوَّلَ مَرَاتِبِ الغُلُوِّ نَفْي‌ُ السَّهْوِ عَنِ النَّبي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. إلي‌ أن‌ جاء بعدهم‌ المحقّقون‌ وعرفوا الحقيقة‌، فلم‌ يقيموا لكثير من‌ تلكم‌ التضعيفات‌ وزناً.

 وهذه‌ بليّة‌ مُنِـي‌َ بها كثيـرون‌ مـن‌ أهـل‌ الحقائـق‌ والعـرفـان‌ ومنهـم‌ المترجَم‌، ولم‌ تزل‌ الفئتان‌ علي‌ طرَفَي‌ نقيض‌، وقد تقوم‌ الحرب‌ بينهما علي‌ أشدّها؛ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. [272]

 الرجوع الي الفهرس

اختلاف‌ العرفاء مع‌ أهل‌ الظاهر، ناشي‌ء من‌ اختلاف‌ النفوس‌

 وفذلكة‌ المقام‌ أنّ النفوس‌ تتفاوت‌ علي‌ حسب‌ جبلاّتها واستعداداتها في‌ تلقّي‌ الحقائق‌ الراهنة‌؛ فمنها ما تبهظه‌ المعضلات‌ والاسرار، ومنها ما ينبسط‌ لها فيبسط‌ لها ذراعاً ويمدّ لها باعا [273]. وبطبع‌ الحال‌ فإن‌ الفئة‌ الاُولي‌ لا يسعها الرضوخ‌ لما لا يعلمون‌، كما أنّ الآخرين‌ لا تبيح‌ لهم‌ المعرفة‌ أن‌ يذروا ما حقّقوه‌ في‌ مِدْحرة‌ البطلان‌؛ فهنالك‌ تثور المنافرة‌ وتحتدم‌ الضغائن‌، ونحن‌ نقدّر للفريقَينِ مسعاهم‌ لما نعلم‌ من‌ نواياهم‌ الحسنة‌ وسلوكهم‌ جدد السبيل‌ في‌ طلب‌ الحقّ، ونقول‌:

 عَلَي‌ المَرْءِ أَنْ يَسْعَي‌ بِمِقْدَارِ جُهْدِهِ وَلَيْسَ عَلَیهِ أَنْ يَكُونَ مُوَفَّقَا

 ونعلم‌: إنَّ النَّاسَ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.[274]

 وقد تواتر عن‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌:

 إنَّ أَمْرَنَا ـ أَوْ حَدِيثَنَا ـ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ؛ لاَ يَتَحَمَّلُهُ إلاَّ نَبِي‌ٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أَوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ بِالإيمَانِ. [275]

 إذاً فلا نتحرّي‌ وقيعةً في‌ علماء الدين‌ ولا نمسّ كرامة‌ العارفين‌ ولا ننقم‌ من‌ أحد عدم‌ بلوغه‌ إلي‌ مرتبة‌ من‌ هو أرقي‌ منه‌، إذ:

 لاَ يُكَلِّفُ اللَهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا. [276]

 وقال‌ مولانا أميرُ المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:

 لَوْ جَلَسْتُ أُحَدِّثُكُمْ مَا سَمِعْتُ مِنْ فَمِ أَبِي‌ القَاسِمِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وآلِهِ لَخَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي‌ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ عَلِيَّاً مِنْ أَكْذَبِ الكَاذِبِينَ.[277]

 وقال‌ إمامنا السجّاد:

 لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِي‌ قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ، وَلَقَدْ آخَي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ بَيْنَهُمَا؛ فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الخَلْقِ؟ [278]

 وَكُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسْنَي‌' وَفَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ عَلَي‌ الْقَـ'عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. [279]

 وإلي‌ هذا يشير سيّدنا الإمام‌ السجّاد زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ بقوله‌:

 إنِّي‌ لاَكْتُمُ مِنْ عِلْمِي‌ جَوَاهِرَهُ كَيْلاَ يَرَي‌ الحَقَّ ذُو جَهْلٍ فَيُفْتَنَنَا

 ويورد العلاّمة‌ الاميني‌ّ هنا الابيات‌ الاربعة‌ التي‌ أوردناها عنه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذا الكتاب‌ (الروح‌ المجرّد).

 الرجوع الي الفهرس

ردّ الامينيّ علي‌ صاحب‌ «أعيان‌ الشيعة‌» في‌ نسبة‌ الغلوّ إلي‌ الحافظ‌ رجب‌

 ثمّ يقول‌: لسيّدنا الامين‌ في‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » ج‌ 31، ص‌ 193 إلي‌ 205، في‌ ترجمة‌ الرجل‌ (الحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ) كلمات‌ لا تخرج‌ عن‌ حدود ما ذكرناه‌، وممّا نَقَمَ عليه‌ به‌ اعتماده‌ علي‌ علم‌ الحروف‌ والاعداد الذي‌ لا تتمّ به‌ برهنة‌ ولا تقوم‌ به‌ حجّة‌.

 ونحن‌ وإن‌ صافقناه[280]‌ علي‌ ذلك‌، إلا أن‌ للمترجَم‌ ومن‌ حذا حذوه‌ من‌ العلماء كابن‌ شهرآشوب‌ ومن‌ بعده‌ عذراً في‌ سرد هاتيك‌ المسائل‌، فإنّها أشبه‌ شي‌ء بالجدل‌ تجاه‌ من‌ ارتكن‌ إلي‌ أمثالها في‌ أبواب‌ أُخري‌ من‌ علماء الحروف‌ من‌ العامّة‌، كقول‌ العبيدي‌ّ المالكي‌ّ في‌ « عمدة‌ التحقيق‌ » ص‌ 155: يؤخذ دوام‌ ناموس‌ آل‌ الصدّيق‌ (أبو بكر) وقيام‌ عزّته‌ إلي‌ انتهاء الدنيا أي‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وعشر سنوات‌، من‌ سرّ قوله‌ تعالي‌: فِي‌ ذُرِّيَّتِي‌. ثمّ يذكر المرحوم‌ الاميني‌ّ طريق‌ حسابها، ثمّ يقول‌:

 ونحن‌ لا ندري‌ ما ذا يعني‌ سيّدنا الامين‌ بقوله‌: « وفي‌ طبعه‌ شذوذ وفي‌ مؤلّفاته‌ خبط‌ وخلط‌ وشي‌ء من‌ المغالاة‌ لا موجب‌ له‌ ولا داعي‌ إليه‌، وفيه‌ شي‌ء من‌ الضرر وإن‌ أمكن‌ أن‌ يكون‌ له‌ محلّ صحيح‌ »؟!

 ليت‌ السيّد يوعز إلي‌ شي‌ء من‌ شذوذ طبع‌ شاعرنا الفحل‌، حتّي‌ لا يبقي‌ قوله‌ دعوي‌ مجرّدة‌. وبعد اعترافه‌ بإمكان‌ محمل‌ صحيح‌ لما أتي‌ به‌ المترجَم‌، فأي‌ّ داع‌ إلي‌ حمله‌ علي‌ الخبط‌ والخلط‌؛ ونسيان‌ حديث‌: ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَي‌ أَحْسَنِهِ! وأي‌ّ ضرر فيه‌ علي‌ ذلك‌ التقدير؟ علي‌ أ نّا سبرنا غير واحد من‌ مؤلّفات‌ البُرسي‌ّ فلم‌ نجد فيه‌ شاهداً علي‌ ما يقول‌، وستوافيك‌ نُبذ ممتعة‌ من‌ شعره‌ الرائق‌ في‌ مدائح‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ ومراثيهم‌ وليس‌ فيها إلاّ إشارة‌ إلي‌ فضائلهم‌ المسلّمة‌ بين‌ الفريقين‌ أو ثناء جميل‌ عليهم‌ هو دون‌ مقامهم‌ الاسمي‌، فأين‌ يقع‌ الارتفاع‌ الذي‌ رماه‌ به‌ بعضهم‌؟ وأين‌ المغالاة‌ التي‌ رآها السيّد؟ والبرسي‌ّ لا يحذو في‌ كتبه‌ إلاّ حذو شعره‌ المقبول‌، فأين‌ مقيل‌ الخبط‌ والضرر والغلوّ التي‌ حسبها سيّد الاعيان‌؟!

 وأمّا ما نقم‌ به‌ عليه‌ من‌ اختراع‌ الصلوات‌ والزيارة‌ بقوله‌: « واختراع‌ صلاة‌ عليهم‌ وزيارة‌ لهم‌ لا حاجة‌ إليه‌ بعدما ورد ما يغني‌ عنه‌ »، ولو سلّم‌ أ نّه‌ في‌ غاية‌ الفصاحة‌ كما يقول‌ صاحب‌ « الرياض‌ »، فإنّه‌ لا مانع‌ منه‌ إلاّ ما يوهم‌ المخترع‌ أ نّها مأثورة‌، وأي‌ّ وازع‌ من‌ إبداء كلّ أحد تحيّته‌ بما يجريه‌ الله‌ تعالي‌ علي‌ لسانه‌ وهو لا يقصد وروداً ولا يريد تشريعاً؟ وقد فعله‌ فطاحل‌ العلماء من‌ الفريقين‌ ممّن‌ هو قبل‌ المترجَم‌ وبعده‌، ولا تسمع‌ أُذن‌ الدنيا الغمز عليهم‌ بذلك‌ من‌ أي‌ّ أحد من‌ أعلام‌ الاُمّة‌.

 وَأَمَّا قَوْلُ سَيِّدِنَا: «وَإنَّ مُؤَلَّفاتِهِ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ نَفْعٍ وَفِي‌ بَعْضِهَا ضَرَرٌ وَلِلَّهِ فِي‌ خَلْقِهِ شُؤُونٌ؛ سَامَحَهُ اللَهُ وَإيَّانَا» فَإنَّهُ مِنْ شَطْفَةِ[281] القَلَمِ صَدَرَ عَنِ المِشْظَفِ[282]؛ سامَحَهُ اللَهُ وَإيَّانَا.

 الرجوع الي الفهرس

أشعار البرسي‌ّ في‌ مدائح‌ الرسول‌ الاكرم‌ وأهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌

 ثمّ يعدِّد العلاّمة‌ الاميني‌ّ ثلاثة‌ عشر كتاباً من‌ مصنَّفاته‌، ويقول‌ بعدها:

 شِعْرُهُ الرَّائِقُ:

للحافظ‌ البرسي‌ّ شعر رائق‌، وجلّه‌ بل‌ كلّه‌ في‌ مدائح‌ النبي‌ّ الاقدس‌ وأهل‌ بيته‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌، ويتخلّص‌ في‌ شعره‌ بالحافظ‌، ومن‌ شعره‌ يمدح‌ به‌ النبي‌ّ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قوله‌:

 أَضَاءَ بِكَ الاُفُقُ المُشْرِقُ وَدَانَ لِمَنْطِقِكَ المَنْطِقُ

 وَكُنْتَ وَلاَ آدَمٌ كَائِناً لاِ نَّكَ مِنْ كَونِهِ أَسْبَقُ

 أشار بهذا البيت‌ الاخير إلي‌ ما جاء عنه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ قوله‌: كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ فِي‌ الخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي‌ البَعْثِ.

 أخرجه‌ ابن‌ سعد في‌ « الطبقات‌ » والطبري‌ّ في‌ تفسيره‌ ج‌ 21، ص‌ 79، وأبو نعيم‌ في‌ « الدلائل‌ » ج‌ 1، ص‌ 6، وذكره‌ ابن‌ كثير في‌ تأريخه‌، ج‌ 2، ص‌ 307، والغزّالي‌ّ في‌ « المضنون‌ الصغير » هامش‌ « الإنسان‌ الكامل‌ » ج‌ 2، ص‌ 97، والسيوطي‌ّ في‌ « الخصائص‌ الكبري‌ » ج‌ 1، ص‌ 3، والزرقاني‌ّ في‌ « شرح‌ المواهب‌ » ج‌ 3، ص‌ 164.

 وفي‌ حديث‌ الإسراء: إنَّكَ عَبْدِي‌ وَرَسُولِي‌، وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقاً وَآخِرَهُمْ بَعْثاً.[283]

 وجاء عنه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ نُورِي‌.[284]

 وتواتر عنه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ طرق‌ صحيحة‌:

 كُنْتُ نَبِيَّاً وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّينِ. أو: بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ. أو: بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.

 وَلَوْلاَكَ لَمْ تُخْلَقِ الكَائِنَاتُ وَلاَ بَانَ غَرْبٌ وَلاَ مَشْرِقُ

 أشـار بهذا البيت‌ إلي‌ ما أخـرجه‌ الحاكـم‌ في‌ « المسـتدرك‌ » ج‌ 2، ص‌ 615، والبيهقي‌ّ، والطبراني‌ّ، والسبكي‌ّ، والقسطلاني‌ّ، والعزامي‌ّ، والبُلْقيني‌ّ، والزرقاني‌ّ وغيرهم‌ من‌ طريق‌ ابن‌ عبّاس‌؛ قال‌:

 أَوْحَي‌ اللَهُ إلی عِيسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ: يَا عِيسَي‌! آمِنْ بِمُحَمَّدٍ وَأْمُرْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أُمَّتِكَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ؛ فَلَوْلاَ مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ آدَمَ، وَلَوْلاَ مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ وَلاَ النَّارَ.

 ومن‌ طريق‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌:

 لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَّا غَفَرْتَ لِي‌! فَقَالَ اللَهُ: يَا آدَمُ! وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّداً وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟

 قَالَ: يَا رَبِّ لاِ نَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي‌ بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِي‌َّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي‌ فَرَأَيْتُ عَلَي‌ قَوَائِمِ العَرْشِ مَكْتُوباً: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ فَعَلِمْتُ أَ نَّكَ لَمْ تُضِفْ إلی اسْمِكَ إلاَّ أَحَبَّ الخَلْقِ إلَيْكَ!

 فَقَالَ اللَهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ! إنَّهُ لاَحَبُّ الخَلْقِ إلَي‌َّ، ادْعُنِي‌ بِحَقِّهِ قَدْ غَفَرْتُ لَكَ. وَلَوْلاَ مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ!

 فَمِيمُكَ مِفْتَاحُ كُلِّ الوُجُودِ وَمِيمُكَ بِالمُنْتَهَي‌ يُغْلَقُ

 تَجَلَّيْتَ يَا خَاتَمَ المُرْسَلِينَ بِشَأْوٍ[285] مِنَ الفَضْلِ لاَ يُلْحَقُ

 فَأَنْتَ لَنَا أَوَّلٌ آخِرٌ وَباطِنُ ظاهِرِكَ الاَسْبَقُ

 في‌ هذه‌ الابيات‌ إشارة‌ إلي‌ أسمائه‌ الشريفة‌: الفاتح‌، الخاتم‌، الاوّل‌، الآخر، الظاهر، الباطن‌. راجع‌ « المواهب‌ » للزرقاني‌ّ ج‌ 3، ص‌ 163 و164.

 تَعَالَيْتَ عَنْ صِفَةِ المَادِحِينَ                وَإنْ أَطْنَبُوا فِيكَ أَوْ أَعْمَقُوا

 فَمَعْنَاكَ حَوْلَ الوَرَي‌ دَارَةٌ                   عَلَي‌ غَيْبِ أَسْرَارِهَا تَحْدِقُ

 وَرُوحُكَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ                تَنَزَّلُ بِالاَمْرِ مَا يُخْلَقُ

 وَنَشْرُكَ يَسْرِي‌ عَلَي‌ الكَائِنَاتِ            فَكُلٌّ عَلَي‌ قَدْرِهِ يَعْبَقُ

 إلَيْكَ قُلُوبُ جَمِيعِ الاَنَامِ                      تَحِنُّ وَأَعْنَاقُهَا تَعْنَقُ

 وَفَيْضُ أَيَادِيكَ فِي‌ العَالَمِينَ               بِأَنْهَارِ أَسْرَارِهَا يَدْفُقُ

 وَآثَارُ آيَاتِكَ البَيِّنَاتِ                                         عَلَي‌ جَبَهَاتِ الوَرَي‌ تَشْرُقُ

 فَمُوسَي‌ الكَلِيمُ وَتَوْرَاتُهُ                    يَدُلاَّنِ عَنْكَ إذَا اسْتُنْطِقُوا

 وَعِيسَي‌ وَإنْجِيلُهُ بَشَّرَا                     بِأَ نَّكَ أَحْمَدُ مَنْ يُخْلَقُ

 فَيَا رَحْمَةَ اللَهِ فِي‌ العَالَمِينَ               وَمَنْ كَانَ لَوْلاَهُ لَمْ يُخْلَقُوا

 لاِ نَّكَ وَجْهُ الجَلاَلِ المُنِيرِ                    وَوَجْهُ الجَمَالِ الَّذِي‌ يَشْرُقُ

 وَأَنْتَ الاَمِينُ وَأَنْتَ الاَمَانُ                   وَأَنْتَ تُرَتِّقُ مَا يُفْتَقُ

 أَتَي‌ رَجَبٌ لَكَ فِي‌ عَاتِقٍ                    ثَقِيلُ الذُّنُوبِ فَهَلْ تَعْتِقُ

 ثمّ ينقل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ عدّة‌ قصائد جميلة‌ له‌ في‌ مدح‌ المولي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، يمكن‌ عدّها لسلاستها وعذوبة‌ ألفاظها وعمق‌ معانيها ونظمها البديع‌ وقوافيها الرائعة‌ من‌ الاشعار الممتازة‌ الراقية‌ الواردة‌ بالعربيّة‌، كان‌ من‌ جملتها أبياته‌ التي‌ أوردناها في‌ هذا الكتاب‌ عن‌ « الروضات‌ » ومطلعها:

 * فَرْضِي‌ وَنَفْلِي‌ وَحَدِيثِي‌ أَنْتُمُ *

 وينقل‌ أيضاً مرثيّةً لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وغزلاً جميلاً وهي‌ بأجمعها أشعار جميلة‌ وبديعة‌. ثمّ يقول‌ في‌ الخاتمة‌:

 هذه‌ جملة‌ ما وقفنا عليه‌ من‌ شعر شيخنا الحافظ‌ البرسي‌ّ وهي‌ 540 بيتاً، ولا يوجد فيها ـ كما تري‌ ـ شي‌ء ممّا يُرمي‌ به‌ من‌ الارتفاع‌ والغلوّ، أمّا حقيقة‌ الامر، كما قال‌ هو:

 وَظَنُّوا وَبَعْضُ الظَّنِّ إثْمٌ وَشَنَّعُوا بِأَنَّ امْتِدَاحِي‌ جَاوَزَ الحَدَّ وَالعَدَّا

 فَوَ اللَهِ مَا وَصْفِي‌ لَهَا جَازَ حَدَّهُ وَلَكِنَّهَا فِي‌ الحُسْنِ قَدْ جَازَتِ الحَدَّا

 توجد ترجمته‌ في‌ « أمل‌ الآمل‌ » و « رياض‌ العلماء » و « رياض‌ الجنّة‌ » في‌ الروضة‌ الرابعة‌ و « روضات‌ الجنّات‌ » و « تتميم‌ أمل‌ الآمل‌ » للسيّد ابن‌ أبي‌ شبانة‌، و « الكني‌ والالقاب‌ » و « أعيان‌ الشيعة‌ » و « الطليعة‌ » و « البابليّات‌ ».

 ولم‌ نقف‌ علي‌ تأريخ‌ ولادة‌ شاعرنا الحافظ‌ ووفاته‌، غير أ نّه‌ أرّخ‌ بعض‌ تآليفه‌ بقوله‌: إنّ بين‌ ولادة‌ المهدي‌ّ عليه‌ السلام‌ وبين‌ تأليف‌ هذا الكتاب‌ خمسمائة‌ وثمانية‌ عشر سنة‌، فيوافق‌ 773 ه. ق‌، أخذاً برواية‌ 255 ه. ق‌ في‌ ولادة‌ الإمام‌ المنصور صلوات‌ الله‌ عليه‌، ومرّ في‌ تأريخ‌ بعض‌ كتبه‌ أ نّه‌ أرّخه‌ بسنة‌ 813، ولعلّه‌ توفّي‌ في‌ حدود هذا التأريخ‌؛ والله‌ العالم‌.[286]

 الرجوع الي الفهرس

 محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ وجميع‌ العرفاء يقفون‌ في‌ قطب‌ معاكس‌ لقطب‌ الشيخيّة‌ والحشويّة‌ وبعض‌ الاخباريّين‌

 يقول‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ والعرفاء بالله‌: إنّ معرفة‌ الله‌ ممكنة‌ للإنسان‌، وإنّ مقام‌ الإنسان‌ ودرجته‌ وشخصيّته‌ هي‌ التي‌ تستطيع‌ طي‌ّ هذا الدرب‌ ونيل‌ لقاء المحبوب‌. كما أنّ لقاءه‌ تعالي‌ هو الفناء في‌ ذاته‌، لانّ عدم‌ الفناء والمحو فيه‌ يعني‌ عدم‌ حصول‌ معرفته‌؛ أمّا في‌ حال‌ تحقّق‌ الفناء فليس‌ هناك‌ ـ غير الله‌ من‌ شي‌ء باقٍ ليعرف‌ الله‌، ومن‌ ثمّ فإنّ الله‌ سبحانه‌ هو الذي‌ يعرف‌ نفسه‌.

 الرجوع الي الفهرس

قول‌ الشيخيّة‌: «إنّ معرفة‌ الحقّ تعالي‌ أمر محال‌» والإشكالات‌ الواردة‌ عليه‌

 ويقول‌ الشيخيّة‌: إنّ معرفة‌ الحقّ تعالي‌ أمر محال‌، فالممكن‌ هو معرفة‌ أسمائه‌ وصفاته‌، وذاك‌ أمر لا يشمل‌ عامّة‌ الناس‌، بل‌ يختصّ بالكاملين‌ منهم‌ فحسب‌، لذا فإنّ اسم‌ الرازق‌، والخالق‌، والمحيي‌ والمميت‌، والسميع‌، والبصير، والعليم‌، والقادر، والحي‌، وما ينشأ منها يمثّل‌ حقيقة‌ الائمة‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ والذين‌ هم‌ في‌ مقام‌ غير مقام‌ الذات‌. كما أنّ غاية‌ سير كلّ فرد من‌ أفراد البشر هو الفناء في‌ ذلك‌ الاسم‌ الذي‌ يفضّله‌ ويسمو عليه‌. ومن‌ هنا، فإنّ مقام‌ ودرجات‌ الناس‌ تختلف‌ بحسب‌ اختلاف‌ استعدادهم‌ في‌ الفناء في‌ الاسماء الكلّيّة‌ أو الجزئيّة‌، فهم‌ في‌ النهاية‌ فانون‌ بأجمعهم‌ في‌ الاسماء والصفات‌، كما أنّ حقيقة‌ الاسماء والصفات‌ الإلهيّة‌ في‌ المراتب‌ العالية‌ تتجسّد في‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ المتحقّقة‌ في‌ المعصومين‌، والإنسـان‌ الكامل‌ هـو الـذي‌ يسـتطيع‌ أن‌ يـجـد الطريـق‌ إليها ويكتـسـب‌ معرفتها.

 وتوجد في‌ هذه‌ النظريّة‌ إشكالات‌ مهمّة‌ هي‌:

 أوّلاً: أ نّها توصد سبيل‌ المعرفة‌ بالخالق‌، حيث‌ إنّ الله‌ تعالي‌ خلق‌ السماء والارض‌ والافلاك‌ تمهيداً لمعرفة‌ البشر.

 وثانياً: أنّ هذه‌ النظريّة‌ تجسّد حقيقة‌ معني‌ التفويض‌[287]، أي‌ أ نّها تمثّل‌ أجلي‌ صوره‌. فالمفوّضة‌ يعتقدون‌ بأنّ الله‌ سبحانه‌ خلق‌ العالم‌ فأوكل‌ تدبيره‌ إلي‌ الائمّة‌، أمّا هؤلاء الشيخيّة‌ فيقولون‌: ليس‌ تدبير العالم‌ وحده‌ في‌ يدهم‌ فحسب‌، بل‌ إنّ خلق‌ العالم‌ وابتداعه‌ والرزق‌ والإحياء والإماتة‌ والسلامة‌ والمرض‌ هي‌ بأجمعها في‌ أيديهم‌.

 وهذا الوجه‌ هو أقبح‌ ما يمكن‌ تصوّره‌ في‌ التفويض‌، حيث‌ إنّه‌ يمثّل‌ عزلاً للّه‌ سبحانه‌ من‌ جميع‌ الاُمور والجهات‌ وتخليته‌ في‌ زاوية‌ من‌ العالم‌ بدون‌ أثر ولا مسمّي‌، وإبطالاً لفعله‌ وهيمنته‌. وَتَعَالَي‌ اللَهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً. [288]

 وثالثاً: أ نّه‌ من‌ أجلي‌ أقسام‌ الشرك‌ وأظهرها، فقد اعتبر أنّ هناك‌ مؤثّراً غير الله‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌.

 ورابعاً: أ نّه‌ من‌ أظهر أقسام‌ الارتفاع‌ والغلوّ، لا نّه‌ لا يكتفي‌ باعتبار المعصومين‌ المصدر الوحيد للاُمور، بل‌ إنّه‌ لم‌ يشرك‌ الله‌ معهم‌ في‌ ذلك‌، فقد أوكل‌ هؤلاء أمر العالم‌ بشكل‌ مطلق‌ إلي‌ الائمّة‌ واكتفوا بذكر الله‌ علي‌ ألسنتهم‌؛ فهم‌ في‌ الحقيقة‌ يعدّون‌ الله‌ سبحانه‌ أجوفَ بلا معني‌ ولا مغزي‌.

 وخامساً: أنّ عبادتهم‌ انصبّت‌ علي‌ هذه‌ الذوات‌ المقدّسة‌ فقط‌، فهم‌ يسألون‌ منهم‌ حاجاتهم‌ ويتوسّلون‌ إليهم‌ ويأملون‌ بهم‌ وحدهم‌، غافلين‌ بل‌ متناسين‌ ورافضين‌ الله‌ الواحد القهّار الذي‌ خلقهم‌ والآخرين‌، والذي‌ له‌ الولاية‌ عليهم‌ كلّ آن‌.

 وسادساً: أي‌ّ دليل‌ قائم‌ علي‌ أنّ معرفة‌ الله‌ مختصّة‌ بالائمّة‌ المعصومين‌ لا تتعدّاهم‌؟ فهؤلاء بشر وسائر الناس‌ بشر أيضاً، وما أمكن‌ لهؤلاء عقلاً فهو ممكن‌ لغيرهم‌ أيضاً؛ كما ينبغي‌ شرعاً ـ باعتبارهم‌ أئمّة‌ تمكّن‌ المأموم‌ من‌ إدراكهم‌ في‌ العمل‌ والوصـول‌، وإلاّ لما كان‌ للإمامة‌ من‌ معني‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ القاضي‌: الشيخ‌ الاحسائي‌ّ يعرّف‌ الله‌ علي‌ أ نّه‌ أجوف‌ ولا أثر له‌

 وكان‌ سماحة‌ وصي‌ّ المرحوم‌ القاضي‌: المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ القوجاني‌ّ أعلي‌ الله‌ درجته‌ يقول‌: قلتُ يوماً لسماحة‌ السيّد (الاُستاذ القاضي‌): ما هو الإشكال‌ في‌ عقيدة‌ الشيخيّة‌؟! فهم‌ من‌ أهل‌ العبادة‌ وأهل‌ الولاية‌ أيضاً، ناهيك‌ عن‌ أمر إظهارهم‌ المحبّة‌ والإخلاص‌ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ كما نفعل‌، كما أنّ فقههم‌ فقه‌ الشيعة‌؛ يضاف‌ إلي‌ ذلك‌ عدّهم‌ كتب‌ الاخبار معتبرة‌ وعملهم‌ برواياتنا، وإجمالاً فإنّنا مهما بحثنا عن‌ إشكال‌ في‌ نهجهم‌ الاخلاقي‌ّ والعمليّ لم‌ نجد ما يقدح‌ فيهم‌.

 أجاب‌ المرحوم‌ القاضي‌: اجلب‌ « شرح‌ الزيارة‌ » للشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ غداً!

 فأحضرتُ له‌ « شرح‌ الزيارة‌ » للشيخ‌ الاحسائي‌ّ في‌ اليوم‌ التالي‌، فقال‌: اقرأ! فقرأتُ فيها ما يقرب‌ من‌ ساعة‌ كاملة‌. ثمّ قال‌: يكفي‌ هذا! أتَبَيَّنَ لك‌ الآن‌ ما هو الإشكال‌ فيهم‌؟ إنّ الإشكال‌ يكمن‌ في‌ عقيدتهم‌.

 إنّ هذا الشيخ‌ يحاول‌ في‌ كتابه‌ هذا إثبات‌ أنّ ذات‌ الله‌ سبحانه‌ ليس‌ لها اسم‌ ولا رسم‌، فهي‌ فوق‌ صفاته‌ وأسمائه‌، وأنّ ما يتحقّق‌ في‌ العالم‌ إنّما يتحقّق‌ بالاسماء والصفات‌، وأ نّها هي‌ المبدِئة‌ لخلق‌ العالم‌ وخلق‌ آدم‌ والمؤثِّرة‌ في‌ تدبير شؤون‌ هذا العالم‌ في‌ بقاء الحياة‌ ودوامها.

 فذلك‌ الله‌ ليس‌ له‌ اتّحاد مع‌ الصفات‌ والاسماء، بل‌ إنّها تعمل‌ بصورة‌ مستقلّة‌، لذا فإن‌ عبادة‌ الإنسان‌ ستكون‌ موجّهة‌ لاسماء الله‌ وصفاته‌، لا إلي‌ ذاته‌ التي‌ لا توصف‌ ولا يتّسع‌ لها الوهم‌ والخيال‌.

 ومن‌ ثمّ فإنّ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ يعتبر الله‌ سبحانه‌ مفهوماً فارغاً بلا تأثير وخارجاً عن‌ الاسماء والصفات‌، وهذا عين‌ الشرك‌.

 أمّا العارف‌ فيقول‌ بأنّ ذات‌ الله‌ أسمي‌ من‌ الوصف‌ وأعلي‌ من‌ الخيال‌ والوهم‌، وإنّ لها السيطرة‌ والهيمنة‌ علي‌ الاسماء والصفات‌؛ وإنّ جميع‌ الاسماء والصفات‌ موجودة‌ في‌ ذاته‌ القدسيّة‌ دون‌ أن‌ يكون‌ لها حدود وجوديّة‌ ولا تعيّنات‌ وتقيّدات‌، كما أنّ جميع‌ الصفات‌ والاسماء ترجع‌ إلي‌ الذات‌، وأنّ المقصد والمبدأ والمنتهي‌ هي‌ ذاته‌، كلّ ما في‌ الامر أنّ ذلك‌ يتمّ عن‌ طريق‌ الاسماء والصفات‌.

 ولذا فإنّنا نشير إلي‌ تلك‌ الذات‌ بقولنا: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي‌ فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ [289]، ولو لم‌ يكن‌ ذلك‌ معلوماً لدينا انتهي‌ كلام‌ سماحة‌ السيّد القاضي‌.

 ومن‌ هنا، فإنّ الشيخيّة‌ والحشويّة‌ الذين‌ يرأسهم‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ يقفون‌ في‌ قطب‌ مخالف‌ للعرفاء، لذا نراهم‌ يكِنّون‌ للعرفاء كلّ هذا العداء ويقسون‌ في‌ معاملتهم‌، باعتبارهم‌ يسيرون‌ في‌ نهجين‌ مختلفين‌.

 الرجوع الي الفهرس

ارتاض‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ بغير أُستاذ فابتلي‌ بالسقوط‌ في‌ وادٍ خطير

 ويلزم‌ هنا ذكر نكتة‌ مهمّة‌، وهي‌ أنّ علي‌ سالكي‌ طريق‌ الله‌ أن‌ يطووا طريقهم‌ تحت‌ تربية‌ وإشراف‌ أُستاذ كامل‌ يمتلك‌ مقام‌ التوحيد والعرفان‌ الإلهي‌ّ؛ وممّن‌ وصل‌ بعد الفناء في‌ الله‌ إلي‌ مرحلة‌ البقاء بالله‌، وممّن‌ انتهت‌ أسفاره‌ الاربعة‌؛ وإلاّ ابتلوا بهذا المرض‌ الذي‌ ابتُلي‌ به‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ.

 وفائدة‌ الاُستاذ هي‌ أن‌ يجتاز بهم‌ المراحل‌ والمنازل‌ الخطرة‌ في‌ هذا الوادي‌، وهي‌ عبارة‌ عن‌ الابالسة‌ وطغيان‌ النفس‌ الامّارة‌، وأخيراً الاستقلال‌ الوجودي‌ّ والذاتي‌ّ لنفس‌ السالك‌، والنظر إلي‌ الاسماء والصفات‌ علي‌ أ نّها مستقلّة‌.

 إنّ الاسماء والصفات‌ الكلّيّة‌ لذات‌ الحقّ تعالي‌ ستتجلّي‌ لسالك‌ الطريق‌ بعد عبوره‌ لمراحل‌ المثال‌ والملكوت‌ الاسفل‌ والتحقّق‌ بالمعاني‌ الكلّيّة‌ العقليّة‌، أي‌ أ نّه‌ سيشاهد عياناً العلمُّ المحيط‌ والقدرة‌ المحيطة‌ والحياة‌ المحيطة‌ بالعوالم‌، التي‌ تمثّل‌ في‌ الحقيقة‌ ذلك‌ الوجود الباطني‌ّ والحقيقي‌ّ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌. ويتحتّم‌ علي‌ السالك‌ أن‌ يعبر هذه‌ المرحلة‌ من‌ أجل‌ الكمال‌ والوصول‌ لمنبع‌ الحقائق‌ ولذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، وإلاّ تسمّر فيها إلي‌ الابد.

 كما أنّ عبور هذه‌ المرحلة‌ وتخطّيها غير ممكن‌ بدون‌ فداء حقيقة‌ الوجود وبدون‌ الجهاد الاكبر بجميع‌ مراتبه‌، إذ مادامت‌ هناك‌ شائبة‌ من‌ الوجود ولو بقدر ذرّة‌ واحدة‌، فإنّ تجلّي‌ تلك‌ الحقيقة‌ أمر محال‌ والفناء الذاتي‌ّ أمر غير ممكن‌.

 إنّ سالكي‌ طريق‌ الله‌ الذين‌ فازوا بهذه‌ المرحلة‌ بَيدَ أ نّهم‌ لم‌ يصلوا إلي‌ الفناء الذاتيّ إنّما يعبرون‌ هذه‌ المرحلة‌ علي‌ أثر تعليم‌ الاُستاذ وسيطرته‌ وإشرافه‌ باعتباره‌ خبيراً بهذه‌ المرتفعات‌ والقمم‌ الخطرة‌ المنيعة‌، ونظراً لاطّلاعه‌ علي‌ حال‌ التلميذ، فإنّه‌ يقوم‌ بذبح‌ نفس‌ تلميذه‌ والتضحية‌ به‌ للاجتياز به‌ من‌ هذه‌ المرحلة‌؛ وينبغي‌ أن‌ تكون‌ عمليّة‌ التضحية‌ وتقديم‌ القربان‌ علي‌ يد الغير، إذ من‌ غير المعقول‌ أن‌ يكون‌ تقديم‌ القربان‌ علي‌ يد الشخص‌ نفسه‌.

 أما أُولئك‌ الذين‌ وضعوا أقدامهم‌ بتهوّر علي‌ طريق‌ الرياضة‌ بلا قائد ولا دليل‌ فاتّخذوا سبيل‌ النوافل‌ والصيام‌ المستمرّ والاعتزال‌ والانشغال‌ بالاذكار والاوراد والافكار الطائشة‌، اعتماداً علي‌ مطالعة‌ الكتب‌ أو متابعة‌ أُستاذ غير كامل‌ أو وفق‌ هواهم‌ واختيارهم‌ الشخصي‌ّ؛ فإنّهم‌ سيعجزون‌ عن‌ الارتحال‌ عن‌ هذا المنزل‌ إلي‌ الابد.

 وذلك‌ لا نّه‌ أوّلاً منزل‌ جميل‌ ورائع‌ جدّاً يصعب‌ تزهيد النفس‌ فيه‌ ويعسر تخطّيه‌، ولانّ العبور منه‌ ـ ثانياً يستلزم‌ تقديم‌ النفس‌ قرباناً في‌ سبيله‌؛ وأ نّي‌ للنفس‌ أن‌ تقبل‌ التضحية‌ بنفسها؟!

 هذه‌ النفس‌ التي‌ اكتسبت‌ حتّي‌ الآن‌ هذه‌ الكمالات‌ والحالات‌، يتوجّب‌ عليها الآن‌ التضحية‌ بها جميعاً، ناهيك‌ عن‌ أ نّها ينبغي‌ أن‌ تضحّي‌ بنفسها هي‌ الاُخري‌. ومن‌ هنا، فإنّ هذا الطلب‌ سيتعذّر علي‌ النفس‌ وسيبقي‌ السالك‌ ـ لاجل‌ ذلك‌ في‌ هذا المنزل‌ إلي‌ الابد، وستكون‌ فيه‌ مقبرته‌ الابديّة‌ ومن‌ هنا سيُقرع‌ طبل‌ الانانيّة‌ والفرعونيّة‌ التي‌ هي‌ التجلّي‌ الاعظم‌ للنفس‌، ومن‌ هنا سيصبح‌ له‌ استقلال‌ الاسماء والصفات‌ مشهوداً، وسينشأ الغلوّ والارتفاع‌ وادّعاء الاُلوهيّة‌ واعتبار الذوات‌ المقدّسة‌ رازقة‌ وخالقة‌. ولا نّه‌ يدرك‌ ذلك‌ ويراه‌ بالحسّ والعيان‌ وبالمشاهدة‌ والوجدان‌، فلن‌ يكون‌ أمامه‌ من‌ سبيل‌ لتغيير الفكر والتعقّل‌ والمشاهدة‌.

 وسواء كان‌ السالك‌ عالماً بالاخبار والروايات‌ متضلّعاً بالعلوم‌ المتداولة‌ أم‌ لا، فذلك‌ لن‌ يأخذ بيده‌ أو يعينه‌ في‌ أمره‌، شأنه‌ كشأن‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ الذي‌ تردّي‌ في‌ هذا الوادي‌ العميق‌ مع‌ تضلّعه‌ في‌ العربيّة‌ والادب‌، ومهارته‌ في‌ مجال‌ الاخبار والروايات‌، حيث‌ قام‌ بتكفير أُولئك‌ الذين‌ تخطّوا هذه‌ المرحلة‌ ووصلوا إلي‌ مرحلة‌ الفناء في‌ الذات‌ التي‌ يُصطلح‌ علي‌ تسـمية‌ صاحبها بالعارف‌. كما كفّر الذيـن‌ اعتبـروا أُسـلوبه‌ ونهجه‌ خاطئاً، ثمّ تجلّت‌ روح‌ عظمة‌ النفس‌ وسيطرة‌ وحدانيّتها في‌ كلمات‌ من‌ ربّاهم‌، فعدّ أحدهم‌ نفسه‌ إمام‌ العصر والزمان‌، وجاء بكتاب‌ « البيان‌ » لدحر القرآن‌، وفعلوا ما فعلوا...

 الرجوع الي الفهرس

اختلاف‌ أقوال‌ المؤلّفين‌ في‌ شأن‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌

 ولقد كان‌ مؤرِّخونا وكتّاب‌ السير والتراجم‌ لدينا بعيدين‌ عن‌ حقيقة‌ العرفان‌، يدعون‌ كلّ من‌ تكلّم‌ عن‌ الحكمة‌ حكيماً، باطلاً كان‌ قوله‌ أم‌ حقّاً، ويسمّون‌ كلّ من‌ ادّعي‌ الشهود وسمّي‌ نفسه‌ صاحب‌ مكاشفة‌ عارفاً ووليّاً، فلم‌ يفرّقوا عند ذلك‌ بين‌ الاحسائي‌ّ وبين‌ الآقا محمّد البيدآبادي‌ّ في‌ العرفان‌، أو بينه‌ وبين‌ الملاّ علي‌ّ النوري‌ّ في‌ الحكمة‌، ولم‌ يسعهم‌ أن‌ يفرّقوا بينهم‌، لانّ ذلك‌ ممّا يتعدّي‌ دائرة‌ علومهم‌ وشؤونهم‌.

 ولهذا السبب‌ فقد اغلقوا طريق‌ العرفان‌ أمام‌ الناس‌، ودعوا أمثال‌ محيي‌ الدين‌ كافراً وزنديقاً وكالوا للفيض‌ الكاشاني‌ّ الشتائم‌ وجاوزوا في‌ التراجم‌ الحدّ فخلطوا الحقائق‌ بأوهامهم‌ وتصوّراتهم‌، وبدلاً من‌ أن‌ يقدّموا محيي‌ الدين‌ ويعرّفونه‌ علي‌ أ نّه‌ عارف‌ سنّيّ علي‌ المذهب‌ المالكي‌ّ، فإنّهم‌ لم‌ يتورّعوا عن‌ كيل‌ آلاف‌ التهم‌ له‌.

 لقد كان‌ المرحوم‌ جدّنا العلاّمة‌ المجلسي‌ّ، في‌ أغلب‌ الموارد يرفض‌ جميع‌ العرفاء علي‌ حدّ سواء، المُحقّ منهم‌ والمُبطل‌، وكان‌ ـ باختصار يتّهمهم‌ جميعـاً، وهكـذا كان‌ شـأن‌ المرحـوم‌ الحـاجّ النـوري‌ّ وصـاحب‌ « الروضات‌ ».

 بَيدَ أنّ المرحوم‌ أُسـتاذنا الاكرم‌ الحاجّ الشـيخ‌ آقا بزرگ‌ الطهراني‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ كان‌ لا يحيد عن‌ سبيل‌ الإنصاف‌ في‌ كتاباته‌، ولا يتطرّف‌ في‌ الذمّ أو المدح‌، وهكذا كان‌ ديدنه‌ في‌ المطالب‌ التي‌ يذكرها شفاهاً، وأشبهه‌ في‌ ذلك‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّيّ: الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌.

 كما سلك‌ المرحوم‌ الميرزا محمّد علي‌ المدرّس‌ سبيل‌ الإنصاف‌ في‌ « ريحانة‌ الادب‌ » فكان‌ يدوّن‌ ما ثبت‌ لديه‌ لا يتعدّي‌ ذلك‌ النهج‌ خطوة‌ واحدة‌. وقد ضمّن‌ الجزء الخامس‌ من‌ كتابه‌ هذا شرحاً جيّداً عن‌ محيي‌ الدين‌ وعرّفه‌ بمذهبه‌ المالكي‌ّ؛ فقال‌ بعد شرح‌ أحواله‌: إنّ مسألة‌ كون‌ ابن‌ العربيّ شيعيّاً أو سنّيّاً وانتمائه‌ إلي‌ مذهب‌ العدليّة‌ أو الجبريّة‌، وعقائده‌ الاُخري‌ محلّ خلاف‌ بين‌ أصحاب‌ السير. فقد كفّره‌ الملاّ سعد التفتازاني‌ّ والعلاّمة‌ السخاوي‌ّ وجمع‌ آخر لمحض‌ مخالفة‌ ظاهر بعض‌ كلماته‌ للشرع‌، وكان‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ يلقّبه‌ بـ مميت‌ الدين‌ بدلاً من‌ محيي‌ الدين‌، بينما عدّه‌ عبد الوهّاب‌ الشعراني‌ّ وصاحب‌ « القاموس‌ » وجماعة‌ آخرون‌ من‌ أكابر العرفاء والاولياء. وقد حرّم‌ جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ وبعض‌ آخر شرعاً مطالعةَ كتبه‌ مع‌ إذعانهم‌ لمقام‌ ولايته‌. والحكم‌ في‌ هذه‌ الاُمور خارج‌ عن‌ موضوع‌ الكتاب‌، وموكول‌ إلي‌ الكتب‌ المبسوطة‌. [290]

 الرجوع الي الفهرس

تعظيم‌ الملاّ صدرا وعبد الوهّاب‌ الشعراني‌ّ لمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌

 ولقد دأب‌ حكيمنا العظيم‌ الشأن‌ وفيلسوفنا المفكِّر المتعبِّد: الملاّ صدر الدين‌ الشيرازي‌ّ أعلي‌ الله‌ درجته‌ كلّما نقل‌ في‌ كتبه‌ مطلباً عن‌ محيي‌ الدين‌، وخاصّة‌ في‌ « الاسفار الاربعة‌ » علي‌ ذكر اسمه‌ بمنتهي‌ الإعظام‌ والإجلال‌، أمّا إذا نقل‌ مطلباً عن‌ ابن‌ سينا فكأ نّه‌ كان‌ لا يعدّه‌ فيلسوفاً، ويذكره‌ بتعبير: قال‌ بعض‌ الفلاسفة‌ وأمثالها. [291]

 لقد كان‌ عبد الوهّاب‌ الشعراني‌ّ من‌ العامّة‌، لكنّ علمه‌ ووثاقته‌ لا يشكّ بهما أحد من‌ الخاصّة‌ والعامّة‌، وكتابه‌ النفيس‌ « اليواقيت‌ والجواهر » هو جوهرة‌ « الفتوحات‌ المكّيّة‌ »، وكتاب‌ طبقاته‌ المسمّي‌ « لواقح‌ الانوار في‌ طبقات‌ الاخيار » هو مختصر وجوهرة‌ « الفتوحات‌ » أيضاً، ومختصر مختصره‌ المسمّي‌ « الانوار القدسيّة‌ في‌ بيان‌ آداب‌ العبوديّة‌ » وكتاب‌ « الكبريت‌ الاحمر » تضمّ بأجمعها مطالبَ شيّقة‌ وعالية‌ قائمة‌ علي‌ مطالب‌ محيي‌ الدين‌؛ وقد امتدح‌ الشعراني‌ّ في‌ طبقاته‌ محيي‌ الدين‌ امتداحاً يستدعي‌ العجب‌ حقّاً، بالرغم‌ من‌ أنّ الفاصلة‌ بينه‌ وبين‌ محيي‌ الدين‌ تزيد علي‌ ثلاثمائة‌ سنة‌، حيث‌ يقول‌: الشَّيْخُ العَارِفُ الكَامِلُ المُحَقِّقُ المُدَقِّقُ، أَحَدُ أَكَابِرِ العَارِفِينَ بِاللَهِ، سَيِّدِي‌ مُحْيِي‌ الدِّينِ ابْنِ العَرَبِيِّ رَضِي‌َ اللَهُ عَنْهُ، أجمع‌ المحقّقون‌ من‌ أهل‌ الله‌ علي‌ جلالته‌ في‌ جميع‌ العلوم‌، يشهد لهذا المدّعي‌ كتبه‌ المصنّفة‌. وعلّة‌ إنكار من‌ أنكر عليه‌ أمر واحد وهو دقّة‌ كلامه‌، لذا فقد منعوا من‌ لم‌ يسلك‌ طريق‌ الرياضة‌ من‌ مطالعة‌ كتبه‌ خوفاً من‌ أن‌ تحصل‌ لديه‌ شبهة‌ في‌ معتقداته‌ قبل‌ موته‌، فلا يكون‌ لديه‌ سبيل‌ لتأويل‌ مراد الشيخ‌ وفهمه‌.

 أورد ترجمته‌ الشيخ‌ صفي‌ّ الدين‌ بن‌ أبي‌ المنصور وغيره‌، وذكره‌ بالولاية‌ الكبري‌ والصلاح‌ والعرفان‌، وقال‌: هُوَ الشَّيْخُ الإمَامُ المُحَقِّقُ، رَأْسُ أَجِلاَّءِ العَارِفِينَ وَالمُقَرَّبِينَ، صَاحِبُ الإشَارَاتِ المَلَكُوتِيَّةِ، وَالنَّفَحَاتِ القُدْسِيَّةِ، وَالاَنْفَاسِ الرَّوْحَانِيَّةِ، وَالفَتْحِ المُونِقِ، وَالكَشْفِ المُشْرِقِ، وَالبَصَائِرِ الخَارِقَةِ، وَالسَّرَائِرِ الصَّادِقَةِ، وَالمَعَارِفِ البَاهِرَةِ، وَالحَقَائِقِ الزَّاهِرَةِ، لَهُ المَحَلُّ الاَرْفَعُ مِنْ مَرَاتِبِ القُرْبِ فِي‌ مَنَازِلِ الاُنْسِ، وَالمَوْرِدُ العَذْبُ فِي‌ مَنَاهِلِ الوَصْلِ، وَالطَّوْلُ الاَعْلَي‌ مِنْ مَعَارِجِ الدُّنُوِّ، وَالقَدَمُ الرَّاسِخُ فِي‌ التَّمْكِينِ مِنْ أَحْوَالِ النِّهَايَةِ، وَالبَاعُ الطَّوِيلُ فِي‌ التَّصَرُّفِ فِي‌ أَحْكَامِ الآيَةِ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ هَذِهِ الطَّرِيقِ؛ رَضِي‌َ اللَهُ عَنْهُ.

 كما وصفه‌ الشيخ‌ العارف‌ بالله‌ محمّد بن‌ أسعد اليافعي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌، وذكره‌ بالعرفان‌ والولاية‌. وأطلق‌ عليه‌ الشيخ‌ أبو مَدْيَن‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ لقب‌ سلطان‌ العارفين‌. [292]

 الرجوع الي الفهرس

وصف‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ لجلالة‌ الشعراني‌ّ نقلاً عن‌ لسان‌ المير حامد حسين‌

 أمّا في‌ جـلالة‌ ووثاقـة‌ الشـعراني‌ّ الـذي‌ نقلنا هـذه‌ المطـالب‌ بشـأن‌ محيي‌ الدين‌ عن‌ طبقاته‌، فيكفي‌ ما وصفه‌ به‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌، حيث‌ قال‌: إنّ سماحة‌ سيف‌ الشيعة‌ وبرهان‌ الشريعة‌، حامي‌ الدين‌، وقامع‌ بدع‌ الملحدين‌، العالم‌ المؤيَّد المسدَّد، المولوي‌ّ مير حامد حسين‌، ساكن‌ « لكنهو » من‌ بلاد الهند أيَّده‌ الله‌ تعالي‌، لم‌ يُعرف‌ له‌ مثيل‌ في‌ تَتبّعه‌ واطّلاعه‌ علي‌ كتب‌ المخالفين‌ ونقض‌ شبهاتهم‌ ودفع‌ هفواتهم‌، خاصّة‌ في‌ مبحث‌ الإمامة‌، وقد نقل‌ الحقير في‌ هذا المقام‌ كثيراً من‌ كتابه‌ « استقصاء الإفحام‌ »، حيث‌ قال‌ في‌ حاشية‌ ذلك‌ الكتاب‌:

مدح‌ أكابر علماء السنّة‌ للشعراني‌ّ

 ينبغي‌ العلم‌ أنّ أكابر علماء السنّة‌ من‌ الحنفيّة‌ والشافعيّة‌ والحنبليّة‌ من‌ معاصري‌ الشعراني‌ّ قد امتدحوا وأطروا كتاب‌ « اليواقيت‌ والجواهر » وأكثروا الثناء عليه‌. فقد صرّح‌ شهاب‌ الدين‌ بن‌ شلبي‌ الحنفي‌ّ: لقد رأيت‌ حلقات‌ كثيرة‌ من‌ أهل‌ الطريق‌، لكنّ أحداً لم‌ يتطرّق‌ إلي‌ معاني‌ هذا المؤلَّف‌، وينبغي‌ علي‌ كلّ مسلم‌ الاعتقاد بها وترك‌ التعصُّب‌ واللداد.

 وقال‌ شهاب‌ الدين‌ الرملي‌ّ الشافعي‌ّ: هذا كتاب‌ لا يمكن‌ إنكار فضله‌، ولا يختلف‌ اثنان‌ في‌ أ نّه‌ لم‌ يُصنّف‌ مثله‌.

 ويقول‌ شهاب‌ الدين‌ عميرة‌ الشافعي‌ّ بعد مدحه‌ لهذا الكتاب‌: لا أظنّ أنّ مثيلاً لهذا التأليف‌ العظيم‌ الشأن‌ سيظهر في‌ هذا العصر إلي‌ آخره‌.

 وقال‌ شيخ‌ الإسلام‌ فتوحي‌ الحنبلي‌ّ: لا يقدح‌ في‌ معاني‌ هذا الكتاب‌ إلاّ عدوٌّ مرتاب‌ أو جاحد كذّاب‌.

 كما أغرق‌ الشيخ‌ محمّد البرهمتوشي‌ّ الحنفي‌ّ وبالغ‌ في‌ مدح‌ هذا الكتاب‌ بعبارات‌ بليغة‌، فقال‌ بعد الحمد والصلاة‌:

 وَبَعْدُ، فَقَدْ وَقَفَ العَبْدُ الفَقِيرُ إلی اللَهِ تَعَالَي‌ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَرَهْمُتوشِي‌ُّ الحَنَفِي‌ُّ عَلَي‌ «اليَوَاقِيتِ وَالجَوَاهِرِ فِي‌ عَقَائِدِ الاَكابِرِ» لِسَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا الإمَامِ العَالِمِ العَامِلِ العَلاَّمَةِ المُحَقِّقِ المُدَقِّقِ الفَهَّامَةِ، خَاتِمَةِ المُحَقِّقِينَ، وَارِثِ عُلُومِ الاَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، شَيْخِ الحَقِيقَةِ وَالشَّرِيعَةِ، مَعْدِنِ السُّلُوكِ وَالطَّرِيقَةِ، مَنْ تَوَّجَهُ اللَهُ تَاجَ العِرْفَانِ، وَرَفَعَهُ عَلَي‌ أَهْلِ الزَّمَانِ، مَوْلاَنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَدَامَ اللَهُ النَّفْعَ بِهِ عَلَي‌ الاَنَامِ، وَأَبْقَاهُ اللَهُ تَعَالَي‌ لِنَفْعِ العِبَادِ مَدَي‌ الاَيَّامِ؛ فَإذَا هُوَ كِتَابٌ جَلَّ مِقْدَارُهُ، وَلَمَحَتْ أَسْرَارُهُ، وَسَمَحَتْ مِنْ سُحُبِ الفَضْلِ أَمْطَارُهُ، وَتَاحَتْ فِي‌ رِيَاضِ الفَضْلِ أَزْهارُهُ. [293]

 ومع‌ أنّ هذا الثناء الذي‌ كالوه‌ كان‌ لكتاب‌ يواقيته‌، إلاّ أنّ له‌ دلالة‌ علي‌ عظمة‌ المؤلّف‌ وسائر كتبه‌ التي‌ من‌ جملتها كتاب‌ « الطبقات‌ ».

 وبالجملة‌ ينبغي‌ العلم‌: أنّ الصلح‌ الذي‌ أقرّه‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ بين‌ الطائفتينِ المختلفتين‌ مستشهداً بآية‌ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسْنَي‌'[294] سيصحّ لو كان‌ غير أهل‌ التوحيد الشهودي‌ّ والعرفان‌ الوجداني‌ّ في‌ صدد البحث‌ عن‌ المطلوب‌، ولو كانوا في‌ مقام‌ تهذيب‌ النفس‌ وتزكيتها، وقد خطوا خطوات‌ علي‌ طريق‌ السلوك‌ بصدق‌ واستقامة‌ وخضعوا للتربية‌ الصحيحة‌ في‌ الجهاد الاكبر (وهو مجاهدة‌ النفس‌) ونجحوا في‌ تحمّل‌ هذه‌ المسؤوليّة‌؛ كلّ ما في‌ الامر أنّ التوحيد لم‌ ينكشف‌ بعدُ لديهم‌؛ شأنهم‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ الذي‌ تخطّي‌ الدرجات‌ والمقامات‌ التوحيديّة‌ لكنّه‌ لم‌ يرقَ إلي‌ مستوي‌ سلمان‌ ودرجته‌.

 أمّا لو لم‌ يكن‌ أُولئكم‌ في‌ مقام‌ تزكية‌ النفس‌ ولم‌ يضعوا أقدامهم‌ في‌ طريق‌ لقاء الله‌، ولم‌ يكن‌ الفناء في‌ ذات‌ الله‌ هو الهدف‌ الرئيسي‌ّ لهم‌ في‌ حياتهم‌ الدنيويّة‌ والطبيعيّة‌، ولم‌ يكونوا قد جعلوا الجهاد الاكبر في‌ برنامج‌ حياتهم‌، وأخيراً لو اكتفوا واقتنعوا من‌ الله‌ باللفظ‌، ومن‌ الإيمان‌ بالعبارة‌، ومن‌ اللقاء والعرفـان‌ بمفهوم‌ ما ـ مهما كانـوا من‌ أهل‌ العلم‌ والتقـوي‌ فإنّ أمرهم‌ سـيكون‌ معلّقـاً، وسـيُسـتوقَفـون‌ في‌ المواقف‌ والمراحـل‌ التي‌ تلي‌ الموت‌، فيُهـاب‌ بـهـم‌ بخـطـاب‌: وَقِفُـوهُـمْ إِنَّهُـم‌ مَّسْــُـولُـونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ.[295]

 فقد سُبقت‌ هذه‌ الآيات‌ بأُخري‌ تقول‌:

 احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَ جَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَي‌' صِرَاطِ الْجَحِيمِ.

 ونسأل‌: ألا يشمل‌ إطلاق‌ وعموم‌ هذه‌ الآيات‌ الكريمة‌ المباركة‌ أُولئك‌ الذين‌ لا يمثّل‌ لقاء الله‌ ورضاه‌ في‌ السرّ والعلن‌ هدفهم‌ الاساس‌، والذين‌ اتّخذوا الدين‌ ملهاة‌ الدنيا، والذين‌ طغي‌ حبّ الرئاسة‌ علي‌ نفوسهم‌ وتملّكتهم‌ الرغبة‌ فـي‌ الازديـاد فـي‌ الجـاه‌ والمقام‌، ولو فـي‌ لباس‌ الديـن‌ وصورته‌؟!

 نعم‌! إنّ موقف‌ أُولئك‌ صعب‌ وشاقّ، وحسابهم‌ عسير، لانّ الله‌ العادل‌ لا يجامل‌ أحداً وليس‌ بينه‌ وبين‌ أحد قرابة‌!.

 وأ نّي‌ للظَّلَمة‌ المعتدين‌ أن‌ يدخلوا الجنّة‌، ولو لم‌ يعتدوا في‌ الخارج‌ علي‌ أموال‌ الناس‌ ونواميسهم‌ ولو أ نّهم‌ ـ إذ ظلموا ظلموا أنفسهم‌ وعرّضـوها للهجـر والحجب‌ ولم‌ يتخطّـوا النفـس‌ الامّـارة‌ خـارجاً! وأين‌ وُعِدوا الحسني‌؟!

 الرجوع الي الفهرس

علي‌ الجميع‌ أن‌ يضعوا أقدامهم‌ علي‌ الطريق‌ والسير والسلوك‌ إلي‌ الله‌

 إنّ مجالسنا ومحافلنا ينبغي‌ أن‌ تدور علي‌ أساس‌ التوحيد، وأن‌ يُتلي‌ فيها القرآن‌، وأن‌ يجري‌ فيها ذكر الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ وتبيان‌ فضائلهم‌ في‌ مسيرة‌ التوحيد والعرفان‌ الإلهي‌ّ؛ لا أن‌ ينحصر الامر بذكر الائمّة‌ مع‌ تناسي‌ الله‌ سبحانه‌، لانّ ذكر الائمّة‌ بدون‌ عنوان‌ المرآتيّة‌ سيتّخذ لنفسه‌ شكلاً استقلاليّاً وسينتهي‌ إلي‌ الغلوّ والارتفاع‌، وسنكون‌ قد عبدنا الإمام‌ إن‌ نحن‌ طلبنا منه‌ غافلين‌ في‌ تلك‌ الحال‌ عن‌ الله‌ سبحانه‌ فالإمام‌ طريق‌ ووسيلة‌، والله‌ سبحانه‌ هو المقصد والمطلب‌؛ وينبغي‌ ألاّ يختلط‌ الطريق‌ والوسيلة‌ مع‌ الهدف‌ والقصد فيخرج‌ الامر إذ ذاك‌ عن‌ صبغة‌ التوحيد.

 وحين‌ نواجه‌ الضريح‌ المقدّس‌ (للإمام‌) فإنّ كلّ ما ندعو به‌ ونطلبه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ الله‌ سبحانه‌، وينبغي‌ أن‌ يكون‌ ما نطلبه‌ من‌ الإمام‌ بعنوان‌ الوساطة‌ والوكالة‌، ليتوسّط‌ الإمام‌ في‌ نيلنا حاجاتنا من‌ الله‌ سبحانه‌. فإن‌ طلبنا من‌ الإمام‌ شيئاً ونسينا الله‌ سبحانه‌ فإنّنا سنكون‌ قد سلكنا سبيل‌ الضلال‌ الذي‌ لا يرتضيه‌ الإمام‌ نفسه‌، ولن‌ يستجاب‌ لنا دعاءنا، إذ سنكون‌ قد وضعنا صنماً أمام‌ الله‌، ذلك‌ المعني‌ الذي‌ نفاه‌ أئمّتنا وينفونه‌.

 لكنّنا لو رغبنا إلي‌ الله‌ في‌ شي‌ءٍ بوسيلتهم‌، عارفين‌ بأن‌ الله‌ تعالي‌ هو المعطي‌ وهو المؤثِّر الحقيقيّ، فإنّ دعاءنا سيستجاب‌ وحاجتنا ستقضي‌، وسنكون‌ قد سرنا علي‌ صراط‌ التوحيد فلم‌ نتخطّاه‌ بقدم‌ واحدة‌، ولم‌ نلوّث‌ أنفسنا بالغلوّ والشرك‌.

 إنّ كلّ ما نطلبه‌ من‌ نفس‌ الإمام‌ غلوّ وشرك‌، وكلّ ما نطلبه‌ من‌ الله‌ بواسطة‌ الإمام‌ توحيد ومعرفة‌.

 ولقد نشأ الإشكال‌ في‌ أمر الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ وأتباعه‌ من‌ هذا الجانب‌، كما أنّ عرفان‌ عرفائنا الحقيقيّين‌ كان‌ منصبّاً علي‌ هذه‌ النكتة‌ الدقيقة‌، وعلينا لذلك‌ أن‌ نتسلّح‌ باليقظة‌ التامّة‌ لئلاّ تصبح‌ عبادتنا ودعاؤنا وتوسّلنا وزيارتنا تابعة‌ لمذهب‌ الشيخيّة‌، وحتّي‌ لا تكون‌ في‌ صورتها العقائديّة‌ الصحيحة‌ منسجمة‌ في‌ باطنها لذلك‌ النسق‌ من‌ الآداب‌ التي‌ لا تمثِّل‌ في‌ حقيقتها إلاّ الغلوّ والارتفاع‌ المنهي‌ّ عنه‌ في‌ الروايات‌. علينا أن‌ لا نغفل‌ لئلاّ نكون‌ قد قضينا عمراً في‌ البحث‌ عن‌ صحّة‌ ومتانة‌ أَمْرٌ بَيْنَ الاَمْرَينِ لكنّنا تردّينا ـ عملاً في‌ فخّ المفوّضة‌!

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ ونقل‌ خبر «الرجبيّون‌» عن‌ محيي‌ الدين‌

 النكتة‌ الرابعة‌:

 قال‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌:

 ابن‌ العربي‌ّ المالكي‌ّ مع‌ غاية‌ نصبه‌ وعداوته‌ للإماميّة‌، حتّي‌ أ نّه‌ يقول‌ في‌ مسامرته‌: الرجبيّون‌ جمع‌ من‌ أهل‌ الرياضة‌ في‌ شهر رجب‌، أكثر كشفهم‌ أن‌ يرون‌ الرافضة‌ في‌ صورة‌ الخنازير.[296]

 يقول‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ في‌ « المحاضرات‌ والمسامرات‌ »: خبر الاربعين‌ الرجبيّين‌ والابدال‌:

 اعلم‌ أنّ للّه‌ أربعين‌ رجلاً من‌ خلقه‌، ينظر إليهم‌ فيأخذهم‌ عن‌ حركاتهم‌ فيقعدهم‌ لا يستطيعون‌ حراكاً في‌ شهر رجب‌ كلّه‌، من‌ أوّله‌ إلي‌ آخره‌. وما عندهم‌ خبر من‌ حالهم‌ ولا ممّا يرد عليهم‌ غير ما عرّفهم‌ الحقّ به‌ في‌ تلك‌ الاخذة‌، وذلك‌ في‌ كلّ سنة‌. فإذا انقضي‌ الشهر لم‌ يبق‌ عند الرجل‌ منهم‌ خبر من‌ حال‌ غير ما كان‌ عرفه‌، ولا يبقي‌ له‌ كشف‌ ولا اطّلاع‌ ولا نداء من‌ ذلك‌ العالم‌ ولا شي‌ء، إلي‌ أن‌ يستهلّ رجب‌ فيرجع‌ عليهم‌ تلك‌ الحال‌. فلا يزال‌ بهم‌ إلي‌ انقضاء الشهر، فيرون‌ من‌ العجائب‌ في‌ تلك‌ الحال‌ من‌ الكوائن‌ إلي‌ ما شاء الله‌. غير أنّ بعضهم‌ قد يبقي‌ معه‌ في‌ طوال‌ السنة‌ علامة‌ مقصورة‌ علي‌ إدراك‌ أمرٍ ما، لا غير.

 وَقَدِ اجْتَمَعْنا بِرَجُلٍ مِنهُمْ فِي‌ شَهْرِ رَجَبٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي‌ بَيْتِهِ قَدْ حَبِسَتْهُ هَذِهِ الحَالَةُ وَهُوَ بَائِعٌ لِلْجَزَرِ وَالخُضَرِ العَامَّةِ، غَيْرَ أَ نِّي‌ سَأَلْتُهُ عَنْ حَالَتِهِ فَأَخْبَرَنِي‌ بِكَيْفِيَّتِهَا عَلَي‌ مَا كَانَ عِلْمِي‌ فِيهَا؛ وَكَانَ يُخْبِرُ بِعَجَائِبَ.

 فَسَأَلْتُهُ: هَلْ يَبْقَي‌ لَكَ عَلاَمَةٌ فِي‌ شَي‌ءٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ! لِي‌ عَلاَمَةٌ مِنَ اللَهِ فِي‌ الرَّافِضَةِ خَاصَّةً؛ أَرَاهُمْ فِي‌ صُورَةِ الكِلاَبِ لاَ يَسْتَتِرُونَ عَنِّي‌ أَبَداً». وَقَدْ رَجَعَ مِنْهُمْ عَلَي‌ يَدِهِ جَمَاعَةٌ مَسْتُورُونَ لاَ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ إلاَّ أَ نَّهُمْ مِنْهُمْ عُدُولٌ فَدَخَلُوا عَلَیهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَرَجَعُوا وَتَابُوا وَشَهِدُوا عَلَي‌ أَنْفُسِهِمْ بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِمَّا لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ خَبَرُهُ.[297]

 وحريٌّ بنا قبل‌ خوض‌ البحث‌ في‌ أنّ المراد بالروافض‌ في‌ هذه‌ الحكاية‌ هم‌ الخوارج‌ لا الشيعة‌ الإماميّة‌ أن‌ نبحث‌ في‌ عبارة‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ التي‌ ظهر في‌ عباراتها القصار خمسة‌ أخطاء واشتباهات‌.

 الاُولي‌: أ نّه‌ عدّ محيي‌ الدين‌ من‌ أهل‌ النصب‌، والنصب‌ بمعني‌ العداء لاهل‌ البيت‌ وذرّيّة‌ رسول‌ الله‌ والائمّة‌ المعصومين‌ عليهم‌ الصلاة‌ والسلام‌. فالناصبي‌ّ يقال‌ لمن‌ نصب‌ العداوة‌ للا´ل‌، كمروان‌ بن‌ الحكم‌، وعبد الله‌ بن‌ الزبير، وأغلب‌ بني‌ أُميّة‌، وجميع‌ الخوارج‌.

 أفليست‌ هذه‌ التهمة‌ لمحيي‌ الدين‌ ظالمة‌ وغير مُستساغة‌ مع‌ درجته‌ تلك‌ من‌ الودّ والحبّ للائمّة‌ المعصومين‌ وأهل‌ بيت‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌؟! هذه‌ الحقيقة‌ المشهودة‌ في‌ جميع‌ كتبه‌ إلي‌ الدرجة‌ التي‌ عدّه‌ معها الكثير من‌ أعاظم‌ المذهب‌ وأساطينه‌ فرداً شيعيّاً. وكما مرّ سابقاً فقد أنشد هذين‌ البيتين‌ في‌ الولاء لا´ل‌ طه‌:

 رَأَيْتُ وَلاَئِي‌ آلَ طَه‌ وَسِيلَةً             لاِرْغِمَ أَهْلَ البُعْدِ يُورِثُنِي‌ القُرْبَي‌

 فَمَا طَلَبَ المَبْعُوثُ أَجْراً عَلَي‌ الهُدَي                   بِتَبْلِيغِهِ إلاَّ المَوَدَّةَ فِي‌ القُرْبَي‌ [298]

 فأيّة‌ عبارة‌ أو إشارة‌ شاهدها المرحوم‌ النوري‌ّ في‌ كتبه‌ فجعلها دلالة‌ أو إشارة‌ علي‌ نصبه‌؟!

 الثانية‌: أ نّه‌ عدّه‌ من‌ أهل‌ العداء للإماميّة‌، وهو أمر لا يتعدّي‌ بدوره‌ كونه‌ اتّهاماً فحسب‌. فقد كان‌ الإماميّة‌ وهم‌ أتباع‌ وشيعة‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر موضع‌ احترامه‌ وتقديره‌، ولقد نوّه‌ كثيراً بأئمّة‌ الشيعة‌ في‌ الموارد المختلفة‌، سواء في‌ « الفتوحات‌ » أو في‌ « المحاضرات‌ »؛ ومن‌ هنا فإنّ نسبة‌ العداء للإماميّة‌ إليه‌ نسبة‌ غير مستساغة‌، وعلي‌ المحدِّث‌ النوريّ أن‌ يورد أدلّة‌ وشواهد عليها من‌ تلك‌ الكتب‌، وَأَ نَّي‌ لَهُ ذَلِكَ! [299]

ومن‌ الواضح‌ أنّ نسبة‌ النصب‌ ومعاداة‌ الإماميّة‌ هذه‌ لا شأن‌ لها بعبارته‌ بشأن‌ الرجبيّين‌ ورؤية‌ ذلك‌ الرجل‌ الرجبي‌ّ لهم‌ بصورة‌ الكلاب‌، وذلك‌ لا نّه‌ يقول‌: محيي‌ الدين‌ العربي‌ّ المالكي‌ّ مع‌ غاية‌ نصبه‌ وعداوته‌ للإماميّة‌، حتّي‌ أ نّه‌ يقول‌ في‌ مسامرته‌:... ونُعرض‌ الآن‌ عن‌ عبارة‌ « المسامرة‌ » علي‌ أن‌ نناقشها فيما بعد.

 ففي‌ أيّة‌ عبارة‌، وفي‌ أيّ بيت‌ من‌ الشِّعر، وفي‌ أي‌ّ كتاب‌ من‌ كتب‌ محيي‌ الدين‌ العديدة‌ يلوح‌ العداء للإماميّة‌؟ ومن‌ ثمّ فإنّ هذه‌ النسبة‌ ـ بدورها غير صحيحة‌.

 الثالثة‌ والرابعة‌: قوله‌: « الرجبيّون‌ جماعة‌ من‌ أهل‌ الرياضة‌ في‌ شهر رجب‌، أكثر كشفهم‌ أن‌ يرون‌ الرافضة‌ في‌ صورة‌ الخنازير ».

 ومشهود في‌ هذه‌ العبارة‌ تعبير « أكثر كشفهم‌ »، وثانياً تعبير «كشفهم‌» بالجمع‌، مع‌ أ نّنا رأينا في‌ العبارة‌ المنقولة‌ عن‌ محيي‌ الدين‌ قوله‌:

 « وقد اجتمعنا برجل‌ منهم‌... وهو بائع‌ للجزر والخُضر العامّة‌... »، أي‌ أ نّه‌ قد رأي‌ لمرّة‌ واحدة‌ من‌ بين‌ الرجبيّين‌ الاربعين‌ واحداً منهم‌ فقط‌؛ فحُرّف‌ ذلك‌ في‌ عبارة‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ فتبدّل‌ لفظ‌ « الرؤية‌ الواحدة‌ » إلي‌ لفظ‌ « أكثر »، و « ذلك‌ الرجل‌ الواحد » إلي‌ « جماعة‌ ».

 الخامسة‌: أنّ عبارة‌ ذلك‌ الرجل‌ الرجبي‌ّ في‌ مكاشفته‌ كانت‌ مشاهدة‌ الروافض‌ في‌ صورة‌ الكلاب‌، فغيّرها المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ نقله‌ إلي‌ صورة‌ الخنازير. ومعلوم‌ أنّ الخنزير أسوأ وأقبح‌، لانّ الكلب‌ يمتلك‌ صفة‌ الافتراس‌ بينما يمتلك‌ الخنزير صفة‌ عدم‌ الغيرة‌ وعبادة‌ الشهوة‌، ولم‌ نجد أحداً سبق‌ أن‌ ترجم‌ الكلاب‌ إلي‌ الخنازير.[300]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[268] ـ «الخصال‌» للشيخ‌ الصدوق‌.

[269] ـ «بصائر الدرجات‌» للصفّار.

[270] ـ خَسَـأَ البصرُ (ع‌) خَسْـأً وخُسُـوءاً: كَلَّ وأعْيا، ومنه‌ في‌ القرآن‌: يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ. («أقرب‌ الموارد» ج‌ 1، مادّة‌ خَسَأَ).

[271] ـ يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ: من‌ قولنا: «فمن‌ ذا الذي‌ يبلغ‌» إلي‌ هنا مأخوذ من‌ حديث‌ رواه‌ شيخنا الكليني‌ّ ثقة‌ الاءسلام‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ص‌ 99، عن‌ الاءمام‌ الرضا صلوات‌ الله‌ عليه‌.

[272] ـ الآية‌ 128، من‌ السـورة‌ 4: النسـاء: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَـافَتْ مِن‌ بَعْلِهَا نُشُـوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَجُنَاحَ عَلَیهِمَآ أَن‌ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الاْنفُسُ الشُّحَّ وَإِن‌ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا.

[273] ـ الباع‌: مسافة‌ ما بين‌ الكفيّن‌ إذا انبسطت‌ الذراعان‌ يميناً وشمالاً، أي‌ المسافة‌ بين‌ رؤوس‌ الاصابع‌ في‌ تلك‌ الحال‌.

[274] ـ حديثٌ ثابت‌ عند الفريقين‌.

[275] ـ «بصائر الدرجات‌» للصفّار، ص‌ 6؛ «أُصول‌ الكافي‌» ص‌ 216، «التعليقة‌».

[276] ـ صدر الآية‌ 286، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[277] ـ «منح‌ المنّة‌» للشعراني‌ّ، ص‌ 14، (هامش‌ «الغدير»).

[278] ـ «بصائر الدرجات‌» للصفّار، ص‌ 7، آخر الباب‌ الحادي‌ عشر من‌ الجزء الاوّل‌؛ «أُصول‌ الكافي‌» لثقة‌ الاءسلام‌ الكليني‌ّ، ص‌ 216.

[279] ـ ذيل‌ الآية‌ 95، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[280] ـ صافقناه‌: أي‌ بايعناه‌.

[281] ـ رَمْيَةٌ شاطِفَةٌ: أي‌ زَلَّتْ عَن‌ المَقْتَل‌، نيَّةٌ شَطوفٌ: أي‌ بعيدةٌ ـ «أقرب‌ الموارد».

[282] ـ المِشْظَف‌ كَمِنبر: مَن‌ يُعَرِّض‌ بالكلامِ علي‌ غير القَصد. (التعليقة‌).

[283] ـ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 1، ص‌ 71، (التعليقة‌).

[284] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 159، (التعليقة‌).

[285] ـ شأي‌ القَومَ (من‌ باب‌ نَصَرَ يَنْصُرُ) يَشئُوهم‌ شَأْواً: سَبَقَهُم‌، كشاءَهم‌ يَشوءُهم‌ علَي‌ القَلب‌. و ـ الترابَ مِن‌ البِئْر: نزَعَه‌.

[286] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 33 إلي‌ ص‌ 68، الطبعة‌ الاُولي‌، الحيـدريّة‌ ـ طهران‌، سنة‌ 1372 ه. ق‌.

[287] ـ ما أجمل‌ أن‌ ننقل‌ هنا نصّ عبارة‌ مجلّي‌ المعضلات‌ والمبهمات‌ أُستاذنا المحقّق‌ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌، فقد ذكر مطالب‌ بشأن‌ القضاء والقدر والامر بين‌ الامرين‌ في‌ تعليقاته‌ علي‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 155 فما بعد، الطبعة‌ الاُولي‌، مكتبة‌ الصدوق‌، سنة‌ 1381، نكتفي‌ بذكر عدّة‌ جملات‌ منها:

 «المُجبِّرةُ أثْبتوا تعلُّقَ الاءرادةِ الحَتْميَّة‌ الاءلَهيّةِ بالافعال‌ كسائرِ الاشياءِ؛ وهُو القَدَر، وقالوا: بكَونِ الاءنْسان‌ مَجبوراً غَيرَ مُختارٍ في‌ أفعالِهِ، والافعالُ مخلوقةٌ للَّه‌ تعالَي‌ وكذا أفعالُ سائر الاسباب‌ التكوينيَّةِ مخلوقةٌ له‌.

 والمُفوِّضةُ أثْبتوا اخْتياريّةَ الافعالِ، ونَفَوْا تعلُّقَ الاءرادة‌ الاءلهيّةِ بالافعالِ الاءنسانيَّةِ فَاسْتَنتجوا كَونَها مَخلوقةً للاءنسان‌». حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 «واعْلَمْ أنّ البَحثَ عَن‌ القضاءِ والقَدَر كانتْ في‌ أوّل‌ الامْر مَسألةً واحِدةٌ، ثمّ تحوَّلَت‌ ثلاثَ مسائلَ أصليّةِ، الاُولي‌: مَسألةُ القَضاء، وهو تعلُّقُ الاءرادةِ الاءلهيّةِ الحَتميَّةِ بكلِّ شي‌ءٍ، وَالاخبارُ تَقضي‌ فيها بالاءثباتِ كما مرَّ في‌ الابوابِ السَّابقةِ.

 الثانية‌: مَسألَةُ القَدَر وَهُو ثُبوتُ تأثيرِ ما لَهُ تعالَي‌ في‌ الافعال‌، والاخبارُ تدلُّ فيها أيضاً علَي‌ الاءثباتِ.

 الثالثة‌: مَسألةُ الجَبر والتَّفويضِ، والاخبار تُشيرُ فيها إلي‌ نَفْي‌ كِلا القَولين‌ وتُثْبِتُ قَولاً ثالثاً وهو الامر بَين‌ الامرَين‌: لا مِلكاً للّه‌ فقط‌ مِن‌ غَير مِلْكِ الاءنسان‌ ولا بِالعكْس‌، بل‌ مِلكاً في‌ طولِ مِلكٍ، وسَلطنَةً في‌ طُولِ سَلطنةٍ.

 واعْلمَ أيضاً أنّ تسميةَ هَؤلاَءِ بالقَدَريّةِ مأخوذةٌ ممّا صَحَّ عنِ النبيّ صلَّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلَّم‌: إنَّ القَدَرِيَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الاُمَّةِ الحديثَ. فَأَخذتِ المُجبِّرةُ تُسَمّي‌ المُفَوِّضةَ بِالقدريَّةِ لا نَّهُم‌ يُنكرونَ القَدَرَ ويتكلَّمون‌ علَيها، والمُفَوِّضةُ تُسَمِّي‌ المُجَبِّرةَ بالقَدَريَّةِ لا نَّهم‌ يُثبتونَ القَدَر. والَّذِي‌ يتَحصَّلُ مِن‌ أخبارِ أئمَّةِ أهل‌ البَيتِ عليهمُ السلام‌ أ نَّهم‌ يُسَمُّون‌ كِلتا الفرقتَين‌ بالقدريَّةِ ويُطَبِّقونَ الحديثَ النَّبَوِي‌َّ علَيِهما:

 أمّا المُجبِّرةُ فلا نّهم‌ يَنسِبون‌ الخَيرَ والشَّرَّ والطاعةَ والمَعصيةَ جميعاً إلی غَير الاءنسان‌، كما أنَّ المَجوسَ قائلونَ بكَون‌ فاعلِ الخيرِ والشَّرِّ جميعاً غَيرَ الاءنسان‌؛ وقولُه‌ عليه‌ السَّلام‌ في‌ هذا الخبرِ مبني‌ٌّ علَي‌ هذا النَّظَرِ.

 وأمّا المفوِّضةُ فلا نّهم‌ قائلونَ بخالقَين‌ في‌ العالَم‌: هما الاءنسانُ بالنِّسْبَةِ إلی أفعالهِ واللَهُ سبحانَه‌ بالنسبةِ إلي‌ غيرها؛ كما أنَّ المجوسَ قائلونَ بإلهِ الخيرِ وإلهِ الشَّرِّ؛ وقولُه‌ عليه‌ السَّلام‌ في‌ الرواياتِ التاليةِ: لا جَبْر وَلا قَدَر، ناظِرٌ إلي‌ هذا الاِعْتبارِ».

[288] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء: سُبْحَـ'نَهُ و وَتَعَـ'لَي‌' عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

[289] ـ الآية‌ 79، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌: إِنِّي‌ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي‌ فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

[290] ـ «ريحانه‌ الادب‌» ج‌ 5، ص‌ 255 إلي‌ 259.

[291] فيقـول‌ مثـلاً في‌ باب‌ الوجـود الذهني‌ّ مـن‌ «الاسـفار» ج‌ 1، ص‌ 266، الطـبعة‌ الحروفيّة‌، المطبعة‌ الحيدريّة‌، سـنة‌ 1379 ه. ق‌: وَيُؤَيِّـدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّـيْخُ الجَلِيلُ مُحْيِي‌ الدِّينِ العَرَبِيُّ الاَنْدَلُسِيُّ قَدَّسَ اللَهُ سِرَّهُ فِي‌ كِتَابِ «فُصُوصُ الحِكَم‌» إلي‌ آخره‌. ويقول‌ في‌ مبحث‌ كيفيّة‌ علمه‌ تعالي‌، ج‌ 6، ص‌ 286:

 قَالَ العَارِفُ المُحَقِّقُ مُحْيِي‌ الدِّينِ العَرَبِيُّ فِي‌ البَابِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ وَثَلاَث‌ مِائَةٍ مِنَ «الفُتُوحَات‌ المَكِّيَّةِ» اعْلَمْ ـ إلي‌ آخره‌. ويقول‌ في‌ بحث‌ أصالة‌ الوجود، ج‌ 1، ص‌ 48: وَمَا أَكْثَرَ مَا زَلَّتْ أَقْدَامُ المُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ حَمَلُوا هَذِهِ العِبَارَاتِ وَأَمْثَالَهَا المَوْرُوثَة‌ مِنَ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ وَأَتَرَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ عَلَي‌ اعْتِبَارِيَّةِ الوُجُودِ ـ إلي‌ آخره‌. وفي‌ بحث‌ ثبوت‌ البرزخين‌ للارواح‌، ج‌ 9، ص‌ 45، يقول‌: هُوَ مَا قَالَهُ قُدْوَةُ المُكَاشِفِينَ مُحْيِي‌ الدِّينِ العَرَبِي‌ّ: عَلَیكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ البَرْزَخَ....

 ثمّ يختم‌ الملاّ صدرا كتابه‌ «الاسفار» بكلام‌ من‌ محيي‌ الدين‌، وباعتبار روعة‌ هذا المطلب‌ وإجماله‌ فنحن‌ نورده‌ هنا. يقول‌ في‌ ج‌ 9، ص‌ 382، في‌ نهاية‌ بحث‌ المعاد:

 قَالَ العَارِفُ المُحَقِّقُ فِي‌ «الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» فِي‌ البَابِ السَّابِعِ وَالاَرْبَعِينَ مِنْهَا: فَلاَ تَزَالُ الآخِرَةُ دَائِمَةَ التَّكْوِينِ فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي‌ الجِنَانِ لِلشَّي‌ءِ الَّذِي‌ يُرِيدُونُهُ: كُنْ فَيَكُونُ، فَلاَ يَتَمَنَّونَ فِيهَا أَمْراً وَلاَ يَخْطُرُ لَهُمْ خَاطِرٌ فِي‌ تَكْوِينِ أَمْرٍ إلاَّ وَيَتَكَوَّنُ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ لاَ يَخْطُرُ لَهُمْ خَاطِرٌ خُوْفاً مِنْ عَذَابٍ أَكْبَر مِمَّا هُمْ عَلَیهِ إلاَّ وَيَكُونُ فِيهِمْ ذَلِكَ العَذَابُ وَهُوَ خُطُورُ الخَاطِر. فَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ تَقْتَضِي‌ تَكْوِينَ الاَشْيَاءِ حِسَّاً بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الخَاطِرِ وَالهَمِّ وَالاءرَادَةِ وَالشَّهْوَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي‌ الدُّنْيَا أَعْنِي‌ الفِعْلَ بِمُجَرَّدِ الهِمَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ. انتهي‌ كلامه‌.

 ثمّ يقول‌ الملاّ صدرا: وَمَنْ عَرَفَ كَيْفِيَّةَ قُدْرَةِ اللَهِ فِي‌ صُنْعِ الخَيَالِ وَمَا تَجِدُهُ النَّفْسُ بَلْ تُوجِدُهُ بِإذْنِ اللَهِ مِنْ صُوَرِ الاَجْرَامِ العَظِيمَةِ وَالاَفْلاَكِ الجِسْمِيَّةِ السَّاكِنَةِ وَالمُتَحَرِّكَةِ وَالبِلاَدِ الكَثِيرَةِ وَخَلاَئِقِهَا وَأَحْوَالِهَا وَصِفَاتِهَا فِي‌ طَرْفَةِ عَيْنٍ، هَانَ عَلَیهِ التَّصْدِيقُ.

إشكال‌ واعتراض‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ والمحدِّث‌ النوري‌ّ علي‌ ابن‌ عربي‌ (ت)

[292] ـ «الطـبقـات‌ الكبـري‌» ج‌ 1، ص‌ 188، تحت‌ الرقـم‌ 288، طـبـعـة‌ دار العـلـم‌ للجميع‌.

 من‌ بين‌ مخالفي‌ محيي‌ الدين‌، المرحوم‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ، فقد ذكر في‌ ص‌ 124 و 125 من‌ كتابه‌ «بشارة‌ الشيعة‌» المطبوع‌ بالطبعة‌ الحجريّة‌ في‌ مجلّد يتضمّن‌ خمسة‌ كتب‌ أُخري‌، أسماؤها: «منهاج‌ النجاة‌»، «خلاصة‌ الاذكار»، «مرآة‌ الآخرة‌»، «ضياء القلب‌» و«الاءنصاف‌»، ضمن‌ ردّ مسألة‌ عدالة‌ الصحابة‌ قوله‌:

 قالوا: وقد نصّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ علي‌ عشرة‌ منهم‌ بأ نّهم‌ من‌ أهل‌ الجنّة‌ وذكرهم‌ بأسمائهم‌، وعدّوا منهم‌ العُمرين‌ والطلحتين‌ وعثمان‌ وراوي‌ النصّ من‌ ذويهم‌ ومن‌ هو فيهم‌، وعدّوا من‌ جملتهم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ اعترافهم‌ وعلمهم‌ بأ نّه‌ كان‌ هو المقاتل‌ للطلحتين‌ في‌ وقعة‌ الجمل‌ فقتلا باغيين‌ عليه‌. وذكر ابن‌ العربي‌ّ الذي‌ قلنا إنّه‌ كان‌ من‌ عظمائهم‌، في‌ الباب‌ الثالث‌ والسبعين‌ من‌ فتوحاته‌ الذي‌ يذكر فيه‌ رجال‌ الله‌ وأهله‌ بزعمه‌، قال‌: ومنهم‌ من‌ يكون‌ له‌ ظاهر الحكم‌ ويحوز الخلافة‌ الباطنة‌ من‌ جهة‌ المقام‌ كأبي‌ بكر وعمر وعثمان‌ وعلي‌ّ والحسن‌ ومعاوية‌ بن‌ يزيد وعمر بن‌ عبد العزيز والمتوكِّل‌. وقال‌ ابن‌ العربي‌ّ، ومنهم‌ الحواريّون‌ وهم‌ واحد في‌ كلّ زمان‌ لا يكون‌ فيه‌ اثنان‌، فإذا مات‌ ذلك‌ الواحد أُقيم‌ غيره‌. وكان‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ الزبير بن‌ العوّام‌، كان‌ هو صاحب‌ هذا المقام‌، لا نّه‌ جمع‌ بين‌ نصرة‌ الدين‌ بالسيف‌ والحجّة‌ فأُعطي‌ العِلم‌ والعبادة‌ والحجّة‌، وأُعطي‌ السيف‌ والشجاعة‌ والاءقدام‌ انتهي‌ كلامه‌.

 يقول‌ الفيض‌: وليت‌ شعري‌ كيف‌ يجوز للخليفة‌ الحقّ الذي‌ له‌ الخلافة‌ الظاهرة‌ والباطنة‌، الذي‌ بشّره‌ رسول‌ الله‌ بالجنّة‌ قتل‌ هذا الحواري‌ الذي‌ بشّره‌ أيضاً بالجنّة‌؟ وكيف‌ يجوز لهذا الحواري‌ أن‌ يقاتل‌ ذلك‌ الخليفة‌ مع‌ أ نّهم‌ رووا عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: إذَا التَقَي‌ المُسْلِمَانِ بِسَيْفِهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي‌ النَّارِ. قيل‌: فما بال‌ المقتول‌؟ قال‌: لا نّه‌ أراد قتل‌ صاحبه‌.

 وقد أورد هذا الاعتراض‌ أيضاً علي‌ محيي‌ الدين‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ «المستدرك‌» ج‌ 3، ص‌ 422، الفائدة‌ الثالثة‌ من‌ الخاتمة‌، الطبعة‌ الرحليّة‌ ضمن‌ اعتراضاته‌ عليه‌ فقال‌: كيف‌ قال‌ في‌ فتوحاته‌ عند ذكر بعض‌ حالات‌ الاقطاب‌: وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ظَاهِرَ الحُكْمِ وَيَحُوزُ الخِلاَفَةَ الظَّاهِرَةَ كَمَا حَازَ الخِلاَفَةَ البَاطِنَةَ مِنْ جِهَةِ المَقَامِ؛ كَأَبِي‌ بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِي‌ٍّ وَالحَسَنِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَالمُتَوَكِّلِ. وهذا المتوكّل‌ الذي‌ عدّه‌ من‌ الاقطاب‌ ومن‌ الحائزين‌ للخلافة‌ الظاهرة‌ والباطنة‌ هو الذي‌ ذكره‌ السيوطي‌ّ ـ الذي‌ هو من‌ المتعصّبين‌ أيضاً في‌ كتاب‌ «تاريخ‌ الخلفاء» أ نّه‌ أمر في‌ سنة‌ 236 ه. ق‌ بهدم‌ قبر الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وهدم‌ البيوت‌ في‌ أطرافه‌ وأمر بزراعتها ومنع‌ الناس‌ عن‌ زيارته‌، فخُرِّبت‌ وصارت‌ أرضاً يباباً. وقد عُرِفَ المتوكّل‌ بالتعصّب‌، وكان‌ قد آلم‌ المسلمين‌ عملُه‌ هذا فكان‌ أهل‌ بغداد يكتبون‌ شتمه‌ علي‌ الجدران‌ والشعراء يهجونه‌. وممّا قيل‌ فيه‌:

 بِاللَه‌ إنْ كانت‌ أُمَيَّةُ قد أتَتْ قتلَ ابنِ بنتِ نَبيِّها مَظلوماً

 فلَقد أتاهُ بنو أبيهِ بِمثلِها هذا لَعَمري‌ قبرُه‌ مَهْدوماً

 أسَفوا علَي‌ أن‌ لا يكونوا شارَكوا في‌ قَتْلهِ فَتَتَبَّعُوهُ رَمِيمَا

 ويقول‌ المرحوم‌ الفيض‌ أيضاً في‌ كتابه‌ المذكور «بشارة‌ الشيعة‌» ص‌ 150: وهذا شيخهم‌ الاكبر محيي‌ الدين‌ بن‌ العربي‌ّ وهو من‌ أئمّة‌ صوفيّتهم‌ ورؤساء أهل‌ معرفتهم‌ يقول‌ في‌ فتوحاته‌: «إنّي‌ لم‌ أسأل‌ الله‌ أن‌ يعرّفني‌ إمام‌ زماني‌ ولو كنتُ سألته‌ لعرّفني‌». فَاعْتَبِرُوا يَ'´أُولِي‌ الاْبْصَارِ، فإنه‌ لما استغني‌ عن‌ هذه‌ المعرفة‌ مع‌ سماعه‌ حديث‌ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. المشهور بين‌ العلماء كافّة‌، كيف‌ خذله‌ الله‌ وتركه‌ ونفسه‌ فاستهوته‌ الشياطين‌ في‌ أرض‌ العلوم‌ حيران‌، فصار مع‌ وفور علمه‌ ودقّة‌ نظره‌ وسيره‌ في‌ أرض‌ الحقائق‌ وفهمه‌ للاسرار والدقائق‌، لم‌ يستقم‌ في‌ شي‌ء من‌ علوم‌ الشرائع‌ ولم‌ يعضّ علي‌ حدودها بضرس‌ قاطع‌، وفي‌ كلماته‌ من‌ مخالفات‌ الشرع‌ الفاضحة‌ ومناقضات‌ العقل‌ الواضحة‌ ما يضحك‌ منه‌ الصبيان‌ وتستهزي‌ به‌ النسوان‌. ثمّ يذكر المرحوم‌ الفيض‌ فرعين‌ فقهيّينِ من‌ فتوحاته‌ فيردّ عليها.

 نعم‌، لقد كان‌ ما نُقل‌ عنه‌ بشأن‌ الاقطاب‌ الحائزين‌ للخلافة‌ الظاهرة‌ والباطنة‌ ومن‌ ضمنهم‌ المتوكّل‌ وهذا النقل‌ هو عين‌ الحقّ، فلقد ذكره‌ محيي‌ الدين‌ في‌ ص‌ 6، من‌ الجزء الثاني‌، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌ الكبري‌ ـ مصر، الباب‌ 73 من‌ «الفتوحات‌»، وأورد مسألة‌ كون‌ الزبير من‌ الحواريّين‌ في‌ ص‌ 8، لكنّ الكلام‌ هنا في‌ الامر الآتي‌: هل‌ يُنتظر أكثر من‌ هذا الدين‌ من‌ عالم‌ سنّيّ المذهب‌ مالكي‌ّ النزعة‌، عاش‌ وترعرع‌ منذ بداية‌ أمره‌ في‌ بيئة‌ العامّة‌ ومدارسهم‌ ومكتباتهم‌ لا في‌ الكوفة‌ والمدينة‌، ولم‌ يكن‌ له‌ لقاء ولا مكاتبة‌ مع‌ علماء الشيعة‌؟! لقد تميّز هذا الرجل‌ بالاءنصاف‌ بالقدر الذي‌ عُرف‌ من‌ آرائه‌ وأفكاره‌ الخاصّة‌ المخالفة‌ للعامّة‌ بأ نّه‌ من‌ الشيعة‌، وكان‌ البعض‌ يصرّ علي‌ إثبات‌ أمر تشيّعه‌. ومع‌ أنّ هذا الامر لدينا غير تامّ لكنّنا نسأل‌: لماذا تدعونه‌ ناصبيّاً؟! ولِم‌ تعدّونه‌ من‌ أعداء أهل‌ البيت‌؟! إنّ عليكم‌ أن‌ تشكروا له‌ رفضه‌ لمعاوية‌ وعدم‌ قبوله‌ لخلفاء بني‌ أُميّة‌ والحكّام‌ الجائرين‌ من‌ بني‌ العبّاس‌، وعلي‌ الاقلّ وضعه‌ لمعاوية‌ بن‌ يزيد وعمر بن‌ عبد العزيز في‌ مصاف‌ أمير المؤمنين‌ والاءمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليهما السلام‌. وعليكم‌ أن‌ تدعوا له‌ ليتمزّق‌ عنه‌ ستار جهله‌ كلّيّاً، ليعلم‌ أنّ الشيخين‌ من‌ الخلفاء الغاصبين‌، وأنّ الطلحتينِ ظالمان‌ متعدّيان‌ علي‌ حقّ الاءمام‌ المفترض‌ الطاعة‌. لقد افترضتموه‌ كالشيخ‌ المفيد من‌ الشيعة‌ الخالصين‌ والعلماء المتربّين‌ في‌ مدرسة‌ التشيّع‌، ثمّ بدأتم‌ بالاعتراض‌ والاءشكال‌ عليه‌، فلِمَ هذا؟ ولِمَ ذاك‌؟ أمّا الحقير فيعتبر كلامه‌ بشأن‌ المتوكّل‌ الملعون‌ الخبيث‌ ناشئاً من‌ عدم‌ وصوله‌ إلي‌ الحقيقة‌، ولو وصل‌ إليها كما ينبغي‌ لما حكم‌ بمثل‌ هذا.

 لقد انجرّ بحثنا يوماً مع‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ العلاّمة‌ الفقيد الطباطبائي‌ّ إلي‌ نفس‌ هذا الامر، فتفضّل‌ بالقول‌: كيف‌ يمكن‌ عدّ محيي‌ الدين‌ من‌ أهل‌ الطريقة‌ مع‌ أ نّه‌ يعدّ المتوكّل‌ من‌ أولياء الله‌؟

 قلتُ: إن‌ ثبت‌ هذا الكلام‌ عنه‌ دون‌ تحريف‌ في‌ نقله‌ ـ لانّ الشعراني‌ّ يدّعي‌ أنّ هناك‌ تحريفات‌ كثيرة‌ حصلت‌ في‌ «فتوحات‌» ابن‌ العربي‌ّ ومع‌ افتراض‌ علمنا بأ نّه‌ كان‌ شخصاً منصفاً لا ينكر الحقّ إن‌ ثبت‌ لديه‌، فإنّ علينا في‌ أمثال‌ هذا النمط‌ من‌ المطالب‌ أن‌ نعدّه‌ في‌ زمرة‌ المستضعفين‌. فضحك‌ العلاّمة‌ مستنكراً وقال‌: أمحيي‌ الدين‌ من‌ المستضعفين‌؟!

 قلتُ: ما المانع‌ من‌ ذلك‌؟ فحين‌ يكون‌ مناط‌ الاستضعاف‌ عدم‌ الوصول‌ إلي‌ متن‌ الحقيقة‌ وواقع‌ الامر مع‌ كون‌ الطالب‌ في‌ صدد الوصول‌ إليها، فلا فرق‌ بين‌ عالم‌ كبير كمحيي‌ الدين‌ وعامِّي‌ٍّ صغير كأحد أفراد الجيش‌ السنّيّ، فهؤلاء جميعاً مستضعفون‌ ما لم‌ ينطووا علي‌ الاءنكار والجحود، كما أنّ أبا بكر وعمر وعثمان‌ لم‌ يكونوا أقلّ من‌ المتوكّل‌ في‌ تحريف‌ سير التأريخ‌ الحقيقي‌ّ، فلقد خرّب‌ أُولئكم‌ الاساس‌ ليقوم‌ المتوكّل‌ وأمثال‌ المتوكّل‌ بالتسلّط‌ ظلماً علي‌ رقاب‌ المسلمين‌. وإذا شئتم‌ أن‌ تعتبروا جميع‌ السنّة‌ القائلين‌ بحقّانيّة‌ الشيخين‌ من‌ زمرة‌ الجاحدين‌ والمنكرين‌ فلن‌ يكون‌ من‌ وجود حينئذٍ لفئة‌ مستضعفة‌، مع‌ أ نّنا نعلم‌ أنّ الكثير منهم‌ من‌ أُولي‌ الاءنصاف‌، لكن‌ الحقّ لم‌ يصلهم‌، ولو وصلهم‌ لقبلوه‌، كالشيخ‌ سليم‌ البشري‌ّ الرئيس‌ الاكبر لجامع‌ الازهر والشخصيّة‌ العلميّة‌ الاُولي‌ في‌ عالم‌ العامّة‌ الذي‌ تنصّل‌ من‌ الباطل‌ والتحق‌ بالحقّ بعد مكاتباته‌ مع‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ العاملي‌ّ: السيّد عبد الحسين‌ شرف‌ الدين‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌. (وكان‌ هذا هو البحث‌ الذي‌ حصل‌ يوماً مع‌ سماحة‌ الاُستاذ).

 وباعتبار أنّ المرحوم‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ قد عدّ الملاّ جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ من‌ المتعصّبين‌ المعاندين‌ ـ كما رأينا فإنّ من‌ المناسب‌ أن‌ نضيف‌: أوّلاً: أنّ السيوطي‌ّ ليس‌ من‌ المعاندين‌ بل‌ من‌ المنصفين‌، فكتابه‌ تفسير «الدرّ المنثور» وسائر كتبه‌ طافحة‌ بولاء أهل‌ البيت‌. غاية‌ الامر أ نّه‌ رجل‌ سنّيّ شافعي‌ّ، فبيّنوا لنا أين‌ تخطّي‌ مذهبه‌ ونهجه‌ فنسب‌ إلي‌ أهل‌ البيت‌ أو إلي‌ شيعتهم‌ التهَم‌ والاُمور غير المقبولة‌؟ وهذه‌ هي‌ علامة‌ استضعافه‌، فقد ثبت‌ لديه‌ أواخر عمره‌ أنّ الحقّ مع‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ فعدل‌ عن‌ المذهب‌ الشافعي‌ّ إلي‌ مذهب‌ أهل‌ البيت‌.

 يقول‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّيّ في‌ كتاب‌ «هديّة‌ الاحباب‌» ص‌ 157 و 158، الطبعة‌ الحجريّة‌: وقد نقل‌ عن‌ الامير بهاء الدين‌ المختاري‌ّ أ نّه‌ نقل‌ عن‌ السيّد علي‌ خان‌ الشيرازي‌ّ أنّ السيوطي‌ّ قد انتقل‌ من‌ المذهب‌ الشافعي‌ّ إلي‌ مذهب‌ الاءماميّة‌، وقال‌: لقد رأيت‌ كتاباً للسيوطي‌ّ يذكر فيه‌ عدوله‌ إلي‌ الحقّ ويستدلّ فيه‌ علي‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بلا فصل‌. ثمّ ذكر ذلك‌ بشكل‌ أكثر تفصيلاً في‌ «الكني‌ والالقاب‌» ج‌ 2، ص‌ 309 و 310، طبعة‌ مطبعة‌ العرفان‌، صيدا، فيقول‌:

 أبو الفضل‌ جلال‌ الدين‌ عبد الرحمن‌ بن‌ أبي‌ بكر بن‌ ناصر الدين‌ محمّد السيوطي‌ّ الشافعي‌ّ، الفاضل‌ المعروف‌ صاحب‌ المصنّفات‌ المشهورة‌ في‌ فنون‌ شتّي‌، قيل‌ إنّها تزيد علي‌ خمسمائة‌ مصنَّف‌. حتّي‌ يصل‌ إلي‌ القول‌: وأمّا دينه‌ ومذهبه‌، فالظاهر أ نّه‌ في‌ الاُصول‌ سنّيّ أشعريّ، وفي‌ الفروع‌ علي‌ نحلة‌ الشافعي‌ّ المطّلبي‌ّ. إلاّ أنّ المنقول‌ عن‌ السيّد الفقيه‌ العالم‌ المحدِّث‌ الامير بهاء الدين‌ محمّد الحسيني‌ّ المختاري‌ّ في‌ حاشيته‌ علي‌ كتاب‌ «الاشباه‌ والنظائر» للسيوطي‌ّ، قال‌: وسمعت‌ عن‌ السيّد السند الفاضل‌ الكامل‌ العالم‌ العامل‌ الاءمام‌ العلاّمة‌ السيّد علي‌ خان‌ المدني‌ّ أطال‌ الله‌ بقاءه‌ سنة‌ 1116 بإصفهان‌ أنّ السيوطيّ مصنِّف‌ الكتاب‌ كان‌ شافعيّاً لكنّه‌ رجع‌ عن‌ التسنّن‌ واستبصر وقال‌ بإمامة‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر عليهم‌ السلام‌، فصار شيعيّاً إماميّاً وختم‌ الله‌ أمره‌ بالحسني‌.

 وقال‌ السيّد طوّل‌ الله‌ عمره‌: رأيت‌ كتاباً من‌ مصنّفات‌ السيوطي‌ّ ذكر فيه‌ رجوعه‌ إلي‌ الحقّ واستدلّ علي‌ إمامة‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌ رَزَقَنِي‌ اللَهُ الفَوْزَ بِهِ. (انتهي‌ كلام‌ الناقل‌ والمنقول‌ عنه‌).

 ولا يبعد كون‌ تأليفه‌ في‌ مناقب‌ أُولي‌ القربي‌ مشعراً بصحّة‌ هذه‌ النسبة‌ الجليلة‌ إليه‌، مضافاً إلي‌ ما نقلناه‌ من‌ كلامه‌ المتين‌ في‌ تقوية‌ حديث‌ ردّ الشمس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. (انتهي‌ ما نقلناه‌ من‌ «روضات‌ الجنّات‌» وذلك‌ لانّ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّيّ أورد جميع‌ هذه‌ المطالب‌ في‌ كتابه‌ «الكني‌» نقلاً عن‌ كتاب‌ «روضات‌ الجنّات‌». ويقول‌ صاحب‌ «الروضات‌»: ومن‌ جملة‌ كتبه‌ كتاب‌: «ذخائر العقبي‌ في‌ مناقب‌ أُولي‌ القربي‌»).

[293] ـ «النجم‌ الثاقب‌ في‌ أحوال‌ الاءمام‌ الغائب‌ عليه‌ السلام‌» ص‌ 127، الباب‌ 7، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[294] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 95، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[295] ـ الآيات‌ 24 إلي‌ 26، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[296] ـ «النجم‌ الثاقب‌» ص‌ 128 و 129 الباب‌ 7، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ ونظير هذا النقل‌ ما ذكره‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ «المستدرك‌»، ج‌ 3، ص‌ 422، في‌ الفائدة‌ الثالثة‌، الطبعة‌ الرحليّة‌ حيث‌ يتصدّي‌ بحزم‌ للردّ علي‌ الحكيم‌ الاءلهي‌ّ صدر المتأ لّهين‌ الشيرازي‌ّ فيُثير ضجّة‌ فارغة‌ بلا محتوي‌، فيقول‌:

 لماذا يمتدح‌ الملاّ صدرا محيي‌ الدين‌ مَعَ أَ نَّهُ لَمْ يَرَ فِي‌ عُلَمَاءِ العَامَّةِ وَنَوَاصِبِهِمْ أَشَدَّ نَصْباً مِنْهُ؟ حتّي‌ يصل‌ إلي‌ القول‌:

 وقد صرّح‌ محيي‌ الدين‌ أيضاً بأنّ أصل‌ الضلالات‌ من‌ الشيعة‌، وصرّح‌ في‌ كتاب‌ «مسامرة‌ الابرار» بأنّ الرجبيّين‌ جماعة‌ مشغولون‌ برياضةٍ من‌ آثارها أ نّهم‌ يرون‌ الروافض‌ بصورة‌ الخنزير.

 وسيتّضح‌ بما نورد من‌ مسامراته‌ في‌ هذا الباب‌ أنّ هذه‌ النسبة‌ له‌ غير صحيحة‌ وأنّ تغييراً قد حصل‌ في‌ كلامه‌ في‌ جهات‌ خمس‌.

 فلقد أورد محيي‌ الدين‌ في‌ فتوحاته‌، ج‌ 2، ص‌ 8، ضمن‌ الباب‌ 73، عين‌ كلامه‌ الذي‌ أورده‌ في‌ «المسامرات‌» مع‌ فارق‌ أنّ شخصاً من‌ أهل‌ الكشف‌ صادفه‌ فقال‌ له‌: إنّني‌ أري‌ الروافض‌ من‌ أهل‌ الشيعة‌ في‌ جميع‌ السنة‌ علي‌ صورة‌ الخنازير. ومع‌ أ نّنا ذكرنا بأنّ المراد بالروافض‌ هم‌ الخوارج‌، وخاصّة‌ أ نّه‌ لا يقول‌ هنا «الشيعة‌ والروافض‌» فيعطف‌ الروافض‌ علي‌ الشيعة‌، بل‌ يقول‌: «الروافض‌ من‌ الشيعة‌»، فيتّضح‌ أنّ مراده‌ بالروافض‌ من‌ الشيعة‌ طائفة‌ انفصلت‌ من‌ الشيعة‌ واتّبعت‌ مذهب‌ النصب‌ والانحراف‌، وهو ممّا ينطبق‌ بشكل‌ تامّ علي‌ الخوارج‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ مناطق‌ المغرب‌.

[297] ـ «محاضرة‌ الابرار ومسامرة‌ الاخيار» ج‌ 1، ص‌ 245 و 246، الطبعة‌ الاُولي‌، سنة‌ 1324 هجريّة‌، مطبعة‌ السعادة‌، مصر.

[298] ـ وقد مرّ البيتان‌، نقلاً عن‌ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 4، ص‌ 195، وأصلها في‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» المجلس‌ السادس‌، ج‌ 2، ص‌ 281؛ حيث‌ أوردها القاضي‌ نور الله‌ وقال‌:

 ومن‌ أشعار الشيخ‌ في‌ مدائح‌ آل‌ طه‌، هذان‌ البيتان‌ المسطوران‌ في‌ «الاءحياء».

 قال‌ بعض‌ الاصدقاء: أذكر أنّ هناك‌ قصيدة‌ كانت‌ موضوعة‌ في‌ إطار زجاجي‌ّ ومثبّتة‌ علي‌ الحائط‌ المجاور لقبر محيي‌ الدين‌، وكان‌ هذان‌ البيتان‌ من‌ ضمن‌ تلك‌ القصيدة‌.

[299] ـ بيان‌ محيي‌ الدين‌ في‌ آية‌ التطهير

مودّة‌ وولاء محيي‌ الدين‌ لاهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ «الفتوحات‌»(ت)

نورد هنا ـ دفاعاً عن‌ محيي‌ الدين‌ لكثرة‌ مودّته‌ وولائه‌ لاهل‌ البيت‌ مختصراً ممّا ذكره‌ في‌ الباب‌ التاسع‌ والعشرين‌ من‌ «الفتوحات‌» ج‌ 1، ص‌ 195 إلي‌ 199، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌، مصر، لتتّضح‌ درجة‌ عشقه‌ وولهه‌ بأهل‌ البيت‌. وكان‌ هذا المطلب‌ بالشكل‌ الذي‌ قال‌ عنه‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ كتاب‌ «بشارة‌ الشيعة‌» ص‌ 152،الطبعة‌ الحجريّة‌، في‌ معرض‌ ردّه‌ وتخطئته‌ لابن‌ العربي‌ّ في‌ تفسير آية‌ التطهير لاهل‌ البيت‌ بأ نّه‌ ممّا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَي‌، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُطْوَي‌ وَلاَ يُرْوَي‌. أمّا خلاصة‌ وإجمال‌ مطلب‌ محيي‌ الدين‌ فهو: في‌ معرفة‌ سرّ سلمان‌ الذي‌ ألحقه‌ النبي‌ّ بأهل‌ البيت‌، يقول‌:

 اعلم‌ أيّدك‌ الله‌ أ نّا روينا من‌ حديث‌ جعفر بن‌ محمّد الصادق‌، عن‌ أبيه‌ محمّد بن‌ علي‌ّ، عن‌ أبيه‌ علي‌ّ بن‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌ الحسين‌ بن‌ علي‌ّ، عن‌ أبيه‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌: مَوْلَي‌ القَوْمِ مِنْهُمْ.وخرّج‌ الترمذي‌ّ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌: أَهْلُ القُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَهِ وَخَاصَّتُهُ. حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 ولمّا كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ عبداً محضاً، قد طهّره‌ الله‌ وأهل‌ بيته‌ تطهيراً وأذهب‌ عنهم‌ الرجس‌ ـ وهو كلّ ما يُشينهم‌ فإنّ الرجس‌ هو القذر عند العرب‌، هكذا حكي‌ الفرّاء؛ قال‌ الله‌ تعالي‌: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. فلا يُضاف‌ إليهم‌ إلا مطهّر ولابدّ، فإنّ المضاف‌ إليهم‌ هو الذي‌ يشبههم‌، فما يضيفون‌ لانفسهم‌ إلاّ من‌ له‌ حكم‌ الطهارة‌ والتقديس‌.

 فهذه‌ الشهادة‌ من‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ لسلمان‌ الفارسي‌ّ بالطهارة‌ والحفظ‌ الاءلهي‌ّ والعصمة‌، حيث‌ قال‌ فيه‌ رسول‌ الله‌: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ. وشهد الله‌ لهم‌ بالتطهير وذهاب‌ الرجس‌ عنهم‌. وإذا كان‌ لا يضاف‌ لهم‌ إلاّ مطهّر مقدّس‌ وحصلت‌ له‌ العناية‌ الربّانيّة‌ الاءلهيّة‌ بمجرّد الاءضافة‌، فما ظنّك‌ بأهل‌ البيت‌ في‌ نفوسهم‌! فهم‌ المطهّرون‌، بل‌ هم‌ عين‌ الطهارة‌، فهذه‌ الآية‌ تدلّ علي‌ أنّ الله‌ تعالي‌ قد شرك‌ أهل‌ البيت‌ مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن‌ ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. وأي‌ّ وسخٍ وقذر أقذر من‌ الذنوب‌ وأوسخ‌؟! فطهّر الله‌ سبحانه‌ نبيّه‌ بالمغفرة‌ ممّا هو ذنب‌ بالنسبة‌ إلينا.

 حتّي‌ يقول‌: فدخل‌ الشرفاءُ أولادُ فاطمة‌ كلّهم‌ ومن‌ هو من‌ أهل‌ البيت‌ مثل‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ في‌ حكم‌ هذه‌ الآية‌ من‌ الغفران‌، فهم‌ المطهّرون‌ اختصاصاً من‌ الله‌ وعناية‌ بهم‌ لشرف‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ وعناية‌ الله‌ به‌. ولا يظهر حكم‌ هذا الشرف‌ لاهل‌ البيت‌ إلاّ في‌ الدار الآخرة‌ فإنّهم‌ يُحشرون‌ مغفوراً لهم‌، وأمّا في‌ الدنيا فمن‌ أتي‌ منهم‌ حدّاً أُقيم‌ عليه‌، كالتائب‌ إذا بلغ‌ الحاكم‌ أمره‌ وقد زني‌ أو سرق‌ أو شرب‌ أُقيم‌ عليه‌ الحدّ مع‌ تحقّق‌ المغفرة‌، كماعز ] هو ماعز بن‌ مالك‌ الاسلميّ: وقد تواتر عن‌ المسلمين‌ أنّ النبيّ صليّ الله‌ عليه‌ وآله‌ رجمه‌ م‌ [ وأمثاله‌ ولا يجوز ذمّه‌.

 وينبغي‌ لكلّ مسلم‌ يؤمن‌ بالله‌ وما أنزله‌ أن‌ يصدِّق‌ الله‌ تعالي‌ في‌ قوله‌: لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، فيعتقد في‌ جميع‌ ما يصدر من‌ أهل‌ البيت‌ أنّ الله‌ تعالي‌ قد عفا عنهم‌ فيه‌. فلا ينبغي‌ لمسلم‌ أن‌ يلحق‌ المذمّة‌ بهم‌، ولا ما يشنأ أعراض‌ مَن‌ قد شهد الله‌ بتطهيرهم‌ وذهاب‌ الرجس‌ عنهم‌؛ لا بعملٍ عملوه‌ ولا بخيرٍ قدّموه‌، بل‌ بسابق‌ عنايةٍ من‌ الله‌ بهم‌. ذَ لِكَ فَضْلُ اللَهِ يُؤْتِيهِ مَن‌ يَشَآءُ وَاللَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

 وإذا صحّ الخبر الوارد في‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ فله‌ هذه‌ الدرجة‌. فإنّه‌ لو كان‌ سلمان‌ علي‌ أمر يشنؤه‌ ظاهر الشرع‌ وتلحق‌ المذمّة‌ بعامله‌، لكان‌ مضافاً إلي‌ أهل‌ البيت‌ مَنْ لم‌ يذهب‌ عنه‌ الرجس‌، فيكون‌ لاهل‌ البيت‌ من‌ ذلك‌ بقدر ما أُضيف‌ لهم‌ وهم‌ المطهّرون‌ بالنصّ. فسلمان‌ منهم‌ بلا شكّ فأرجو أن‌ يكون‌ عقب‌ علي‌ّ وسلمان‌ تلحقهم‌ هذه‌ العناية‌ كما لحقت‌ أولاد الحسن‌ والحسين‌ وعقبهم‌ وموالي‌ أهل‌ البيت‌، فإنّ رحمة‌ الله‌ واسعة‌ يا ولي‌ّ.

 وإذا كانت‌ منزلة‌ مخلوق‌ عند الله‌ بهذه‌ المثابة‌، وهي‌ أن‌ يشرّف‌ المضاف‌ إليهم‌ بشرفهم‌، وشرفهم‌ ليس‌ لانفسهم‌ وإنّما الله‌ تعالي‌ هو الذي‌ اجتباهم‌ وكساهم‌ حلّة‌ الشرف‌. فكيف‌ يا ولي‌ّ الله‌ بمن‌ أُضيف‌ إلي‌ من‌ له‌ العناية‌ والمجد والشرف‌ لنفسه‌ وذاته‌، فهو المجيد سبحانه‌ وتعالي‌، فالمضاف‌ إليه‌ من‌ عباده‌ الذين‌ هم‌ عباده‌ وهم‌ الذين‌ لا سلطان‌ لمخلوق‌ عليهم‌ في‌ الآخرة‌. قال‌ تعالي‌ لاءبليس‌: إِنَّ عِبَادِي‌ فأضافهم‌ لنفسه‌، لَيْسَ لَكَ عَلَیهِمْ سُلْطَـ'نٌ. وما نجد في‌ القرآن‌ عباداً مضافين‌ إليه‌ سبحانه‌ إلا السُّعداء خاصّة‌، وجاء اللفظ‌ في‌ غيرهم‌ بالعباد، فما ظنّك‌ بالمعصومين‌ المحفوظين‌ منهم‌ القائمين‌ بحدود سيّدهم‌، الواقفين‌ عند مراسمه‌؛ فشرفهم‌ أعلي‌ وأتمّ، وهؤلاء هم‌ أقطاب‌ هذا المقام‌، ومن‌ هؤلاء الاقطاب‌ ورث‌ سلمان‌ شرف‌ مقام‌ أهل‌ البيت‌، فكان‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ من‌ أعلم‌ الناس‌ بما للّه‌ علي‌ عباده‌ من‌ الحقوق‌، وما لانفسهم‌ والخلق‌ عليهم‌ من‌ الحقوق‌، وأقواهم‌ علي‌ أدائها. وفيه‌ قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: لَوْ كَانَ الاءيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ فارْسٍ. (وأشار إلي‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ).

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌: وبعد أن‌ تبيّن‌ لك‌ منزلة‌ أهل‌ البيت‌ عند الله‌ وأ نّه‌ لا ينبغي‌ لمسلم‌ أن‌ يذمّهم‌ بما يقع‌ منهم‌ أصلاً فإنّ الله‌ طهّرهم‌، فليعلم‌ الذامّ لهم‌ أنّ ذلك‌ راجع‌ إليه‌، ولو ظلموه‌، فذلك‌ الظلم‌ هو في‌ زعمه‌ ظلم‌ لا في‌ نفس‌ الامر وإنْ حكم‌ عليه‌ ظاهر الشرع‌ بأدائه‌، بل‌ حكم‌ ظلمهم‌ إيّانا في‌ نفس‌ الامر يشبه‌ جري‌ المقادير علينا وعلي‌ من‌ جرت‌ عليه‌ في‌ ماله‌ ونفسه‌ بغرق‌ أو بحرق‌ أو غير ذلك‌ من‌ الاُمور المهلكة‌، فيحترق‌ أو يموت‌ له‌ أحد أحبّائه‌ أو يصاب‌ في‌ نفسه‌، وهذا كلّه‌ ممّا لا يوافق‌ غرضه‌ ولا يجوز له‌ أن‌ يذمّ قدر الله‌ ولا قضاءه‌، بل‌ ينبغي‌ له‌ أن‌ يقابل‌ ذلك‌ كلّه‌ بالتسليم‌ والرضا؛ وإن‌ نزل‌ عن‌ هذه‌ المرتبة‌ فبالصبر، وإن‌ ارتفع‌ عن‌ تلك‌ المرتبة‌ فبالشكر، فإنّ في‌ طيّ ذلك‌ نعماً من‌ الله‌ لهذا المصاب‌، وليس‌ وراء ما ذكرناه‌ خير فإنّ ما وراءه‌ ليس‌ إلاّ الضجر والسخط‌ وعدم‌ الرضا وسوء الادب‌ مع‌ الله‌. فكذا ينبغي‌ أن‌ يقابل‌ المسلم‌ جميع‌ ما يطرأ عليه‌ من‌ أهل‌ البيت‌ في‌ ماله‌ ونفسه‌ وعرضه‌ وذويه‌، فيقابل‌ ذلك‌ كلّه‌ بالرضا والتسليم‌ والصبر ولا يلحق‌ المذمّة‌ بهم‌ أصلاً وإن‌ توجّهت‌ عليه‌ الاحكام‌ المقرّرة‌ شرعاً، فذلك‌ لا يقدح‌ في‌ هذا بل‌ يجريه‌ مجري‌ القدر.

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ القول‌: قال‌ المحبّ الصادق‌: وكلّ ما يفعله‌ المحبوب‌ محبوب‌؛ وجاء باسم‌ الحبّ فكيف‌ حال‌ المودّة‌! ومن‌ البشري‌ ورود اسم‌ الودود للّه‌ تعالي‌ ولا معني‌ لثبوته‌ إلاّ حصول‌ أثره‌ بالفعل‌ في‌ الدار الآخرة‌ وفي‌ النار لكلّ طائفة‌ بما تقتضيه‌ حكمة‌ الله‌ فيهم‌.

 وقال‌ الآخر في‌ هذا المعني‌:

 أُحِبُّ لِحُبِّها السُّودانَ حتَّي‌ أُحِبُّ لِحُبِّها سودَ الكِلابِ

 وقال‌:

 أُحِبُّ لِحبِّك‌ الحُبْشانَ طُرَّاً وأعْشِقُ لاِسْمك‌ البَدْرَ المُنيرا

 حتّي‌ يقول‌: وإذا رأيناك‌ علي‌ ضدّ هذه‌ الحالة‌ مع‌ أهل‌ البيت‌ الذين‌ أنت‌ محتاج‌ إليهم‌ ولرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ حيث‌ هداك‌ الله‌ به‌، فكيف‌ أثق‌ أنا بودّك‌ الذي‌ تزعم‌ أ نّك‌ شديد الحبّ في‌َّ وفي‌ رعايتي‌ لحقوقي‌ أو جانبي‌، وأنت‌ في‌ حقّ أهل‌ بيت‌ نبيّك‌ بهذه‌ المثابة‌ من‌ الوقوع‌ فيهم‌؟ والله‌ ما ذاك‌ إلاّ من‌ نقص‌ إيمانك‌ ومن‌ مكر الله‌ بك‌ واستدراجه‌ إيّاك‌ من‌ حيث‌ لا تعلم‌! وصورة‌ المكر أن‌ تقول‌ وتعتقد أ نّك‌ في‌ ذلك‌ تذبّ عن‌ دين‌ الله‌ وشرعه‌ وتقول‌ في‌ طلب‌ حقّك‌ إنّك‌ ما طلبتَ إلاّ ما أباح‌ الله‌ لك‌ طلبه‌، ويندرج‌ الذمّ في‌ ذلك‌ الطلب‌ المشروع‌ والبغض‌ والمقت‌ وإيثارك‌ لنفسك‌ علي‌ أهل‌ البيت‌ وأنت‌ لا تشعر بذلك‌.

 والدواء الشافي‌ من‌ هذا الداء العضال‌ أن‌ لا تري‌ لنفسك‌ معهم‌ حقّاً وتنزل‌ عن‌ حقك‌ لئلاّ يندرج‌ في‌ طلبه‌ ما ذكرتُه‌ لك‌، وما أنت‌ من‌ حكّام‌ المسلمين‌ حتّي‌ يتعيّن‌ عليك‌ إقامة‌ حدّ أو إنصاف‌ مظلوم‌ أو ردّ حقّ إلي‌ أهله‌، وإن‌ كنت‌ حاكماً ولابدّ فاسعَ في‌ استنزال‌ صاحب‌ الحقّ عن‌ حقّه‌ إذا كان‌ المحكوم‌ عليه‌ من‌ أهل‌ البيت‌، فإن‌ أبي‌ فحينئذٍ يتعيّن‌ عليك‌ إمضاء الشرع‌ فيه‌. فلو كشف‌ الله‌ لك‌ يا وليّ عن‌ منازلهم‌ عند الله‌ في‌ الدار الآخرة‌ لوددت‌ أن‌ تكون‌ موليً من‌ مواليهم‌. فالله‌ يلهمنا رشد أنفسنا فانظر ما أشرف‌ منزلة‌ سلمان‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ وعلي‌ جميع‌ الصحابة‌!

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌: ومن‌ أسرار الاقطاب‌ علم‌ المكر الذي‌ مكر الله‌ بعباده‌ في‌ بعضهم‌ مع‌ دعواهم‌ حبّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ وفرض‌ سؤاله‌ المودّة‌ في‌ القربي‌، وهو صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ من‌ جملة‌ أهل‌ البيت‌، فما فعل‌ أكثر الناس‌ ما سألهم‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ عن‌ أمر الله‌، فعصوا الله‌ ورسوله‌، وما أحبّوا من‌ قرابته‌ إلاّ من‌ رأوا منه‌ الاءحسان‌؛ فبأغراضهم‌ أحبّوا وبأنفسهم‌ تعشّقوا. (وهذا من‌ جملة‌ المكر الذي‌ ابتلي‌ به‌ الناس‌).

 نعم‌! إنّ عقيدتنا هي‌ أنّ المراد بأهل‌ البيت‌ خصوص‌ المعصومين‌ الاربعة‌ عشر عليهم‌ السلام‌ الذين‌ نزلت‌ آية‌ التطهير في‌ شأنهم‌؛ ومن‌ هنا فلا داعي‌ لهذه‌ التفصيلات‌ الواردة‌ في‌ كلام‌ محيي‌ الدين‌، ولكن‌ نظراً لا نّه‌ يعتبر مصطلح‌ «أهل‌ البيت‌» شاملاً لجميع‌ أولاد ونسل‌ الحسنين‌ وأمير المؤمنين‌ عليهم‌ السلام‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌، فقد أُجبر علي‌ إيراد بحث‌ مفصّل‌ كهذا.

 فانظروا الآن‌: أمِنَ اللائق‌ أن‌ تُلصق‌ التهمة‌ بالنصب‌ والعداء لاهل‌ البيت‌ بمن‌ يدّعي‌ وجوب‌ مراعاة‌ جميع‌ الاُمّة‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ لحقوق‌ السادات‌ إلي‌ هذه‌ الدرجة‌، وأنّ عليهم‌ التنازل‌ عن‌ حقوقهم‌ بشكل‌ كامل‌ أمامهم‌، وأن‌ يكون‌ فخرهم‌ أن‌ يعدّوا أنفسهم‌ موالي‌ وأرقّاء للسادات‌؟! سُبْحَـ'نَكَ هَـ'ذَا بُهْتَـ'نٌ عَظِيمٌ!

[300] ـ جاء في‌ «الفتوحات‌» أنّ ذلك‌ الرجل‌ قد شاهد الروافض‌ في‌ رجب‌ علي‌ هيئة‌ الخنازير، وأنّ هذا الحال‌ قد ظلّ باقياً له‌ طيلة‌ السنة‌. وبين‌ هذا الكلام‌ والكلام‌ الذي‌ حكيناه‌ عن‌ «المحاضرات‌» اختلاف‌. ومحطّ إشكالنا علي‌ الحاجّ النوري‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ عبارته‌ المنقولة‌ عن‌ «المحاضرات‌»، لا نّه‌ لم‌ ينقل‌ عبارته‌ عن‌ «الفتوحات‌». وهذا الاءشكال‌ لا يرد علي‌ عبارة‌ «الفتوحات‌» التي‌ ورد التعبير فيها بالخنازير والتي‌ لم‌ تكن‌ لدفعة‌ واحدة‌. ولكن‌ بناء علي‌ نقله‌ من‌ «المسامرات‌» ـ مع‌ كونه‌ خرِّيت‌ فنّ الحديث‌ والنقل‌ والتأريخ‌ ـ فإنّ الاءشكالات‌ الخمسة‌ ترد عليه‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com