|
|
الصفحة السابقةتحقيق من المصنف بشأن حقيقة وحدة الوجودالوحدة، تعني اسـتقلال ذات الحقّ تعالي شـأنه في الوجود، فليـس هناك مع وجود هذا الاستقلال والعِزّة، قدرةُ علي الاستقلال لايّ موجود آخر؛ بل سيكون وجوده وجوداً ظلّيّاً وتبعيّاً كظلّ الشاخص الذي يتبعه. كما أنّ وجود جميع الموجودات من الحقّ تعالي، فهي جميعاً آية وممثّل له، لذا فإنّها بأجمعها ظهوراته وتجلّيات ذاته القدسيّة. لكن الظاهر ليس منفصلاً عن المظهِر، والمتجلّي لا يمكن أن ينفكّ عن المتجلّي فيه، وإلاّ لما كان ظهوراً وتجلّياً، بل لصار ذلك وجوداً منفصلاً وهذا وجود منفصل. وسيزول عنوان المخلوق والربط والرابطة في هذه الحال، فتصبح جميع الكائنات مولوداً للّه، في حين أ نّه لَمْ يَلِدْ [242] تعالي شأنه. إنّ عينيّة الحقّ مع الاشياء ليست عينيّة الذات البسيطة ـ أي ما لا اسم له ولا رسم مع الاشياء، لانّ تلك ممّا لا يوصف وهذه الاشياء قابلة للوصف، وتلك لا تعيّن لها ولا حدّ، بينما هذه محدودة بأجمعها ومتعيّنة. بل إنّ العينيّة، بمعني عينيّة العلّة للمعلول والخالق للفعل والظاهر للظهور، بمعني أ نّه لو فُرض ارتفاع الحدود والتعيّنات فلن يبقي شيء ولا يمكن أن يبقي هناك شيء غير الوجود البحت البسيط المجرّد. ووحدة الوجود بمعني التعلّق والارتباط الحقيقيّ ـ لا الاعتباريّ والوهميّ والخياليّ لجميع الموجودات مع خالقها، ومن ثمّ فإنّ فرض وجود صدأ الاستقلال في الموجودات سيكون أمراً لا معني له، فالجميع مرتبط بالله سبحانه، بل إنّهم ليسوا إلاّ الارتباط المحض والعلاقة المحضة. كما أنّ الخالق المتعال الذي هو حقيقة الوجود وأصل الجود والوجود له معيّة مع جميع الاشياء، لا معيّة 1+1 التي تمثّل فرضاً مخطئاً هو عين الشرك، بل هي في المثل كمعيّة النفس الناطقة للبدن، ومعيّة العقل والإرادة للافعال الصادرة من الإنسان، فهي ـ علي وجه التحقيق ليست واحدة في المفهوم والمفاد والمعني لكنّها لا تنفكّ ولا تتميّز عن بعضها. الآيات القرآنيّة الدالّة علي وحدة الوجودأفلم نقرأ ـ أيّها العزيز! آيات القرآن القائلة: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ؟[243] أفهذه المعيّة حقيقيّة أم اعتباريّة ومجازيّة؟ لو قلتَ إنّها اعتباريّة، فلن تكون عند ذلك علاقة بيننا وبينه بأيّ وجه من الوجوه، وستصبح كلّ ذرّة من ذرّات العالم وكلّ موجود من الملك إلي الملكوت بأجمعهاً موجودات مستقلّة، وعلينا أن نقول بأن هناك قديماً وأزلاً ودائماً بعددها جميعاً؛ وسيصدق بشأننا آنذاك قول النبيّ المحترم يوسف علي نبيّنا وآله وعليه السلام لرفيقَيهِ وصاحبَيهِ في السجن: يَـ'صَـ'حِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَهُ الْوَ حِدُ الْقَهَّارُ.[244] ذلك الله الذي لم يدع بعزّته واستقلاله في الوجود وباسم قهّاريّته الذي هو من لوازم وحدته، مجالاً لربّ أو أرباب آخرين مستقلّين ومنفصلين، بل إنّ وحدة ذاته القدسيّة قد أحرقت جميع الوحدات الاعتباريّة والمجازيّة وأزالت هذا الهشيم عن الدرب. أو هل تأمّلنا في هذه الآية القرآنيّة المباركة: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَي' ثَلَـ'ثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ´ أَدْنَي' مِن ذَ لِكَ وَلاَ´ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا.[245] فكيف تري نتصوّر معيّة الله لنا إن نحن اعتبرناه منفصلاً عنّا وعددنا أنفسنا منفصلين عنه، كمثل رفيقين يسافران معاً أو كشخصَين لهما معيّة العمل في شركة معيّنة؟ إذ لن تكون المعيّة في هذه الحال معيّةً واقعيّة وحقيقيّة، بل ستكون معيّة اعتباريّة ومجازيّة وكاذبة. إنّ للّه سبحانه معنا معيّة حقيقيّة أي معيّة وجوديّة لكنّه كمثل الشمس ونحن كمثل الشعاع، أو حسب التعبير القرآنيّ الافضل كمثل الظلّ. فهو الاستقلال ونحن التبعيّة، وهو العزيز ونحن الاذلاّء، وهو الحقيقة ونحن الآية والمرآة. أُقسم بالله عليكم! أيمكن تصوّر أن يقوم القرآن ببيان وإيضاح معني المعيّة وإيضاحه أفضل ممّا فعل؟! أوَ هل فكرّنا في هذه الآية الكريمة الشريفة: هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّـ'هِرُ والْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.[246] لكنّ إدراك هذا المعني بالمشاهدة والوجدان والعيان ليس ميسوراً لكلّ أحد، فهذا هو مقام التوحيد العالي؛ حيث ينبغي أن يصل المسلم حقيقة إلي درجة يري الله سبحانه فيها ـ قلباً وسرّاً ـ إلهاً واحداً، ويدرك أن جميع الموجودات ليست إلاّ موجودات فانية مضمحلّة ومندكّة ومعدومة، بلا قدرة ولا حياة أمام ذلك الوجود العزيز المستقلّ والقادر والحيّ. هنا يصمت أهل التوحيد فلا ينبسون بكلمة، فلو تكلّموا وقالوا إنّ هناك في عالم الوجود وجوداً واحداً مستقلاّ مختاراً مريداً، وأن ليس هناك إلاّ وجود عليم سميع قدير بصير حيّ قيّوم، وإنّ جميع الموجودات هي فَناء محض أمام ذلك الوجود؛ لعدّهم الناس زنادقة وكفّاراً ولاستنكروا عليهم بقولهم: كيف تقولون عن هذه القدرات ومراكز العظمة والحياة والعلم في الدنيا إنّها بلا أثر وإنّها ليست إلاّ فَناءً محضاً؟! وكيف تعتبرون أمثال فرعون ونمرود والشيطان مقهورين مسخّرين لامر الحقّ؟ ليس هذا منكم إلاّ عين الكفر ونسبة القبح إلي الله تعالي. بَيدَ أنّ هؤلاء يجهلون أنّ هناك فارقاً بين التكوين والتشريع، فعالَم التكوين والوجود والإيجاد يتحرّك في طريقٍ له معيّن، كما أنّ مسائل عالم التشريع تمثّل مسائل أُخري مختلفة ينبغي عدم خلطها ومزجها مع بعضها، وإلاّ كانت العاقبة ظهور أمثال هذا التكفير والتفسيق. ومن العجيب أنّ محيي الدين بن عربي نفسه قد استشهد في مقدِّمة « الفتوحات » بكلام سيّد العابدين وإمام الساجدين عليه السلام ونقل عنه بيتين من الشعر. يقول محيي الدين: لو لم يكن كتمان السرّ واجباً، وكانت أسرار التوحيد قابلة لإدراك جميع الناس، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الرَّضِيِّ مِن حَفَدَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَسَلَّمَ مَعْنيً إذْ قَالَ: يَا رُبَّ جَوْهَرِ عِلْمٍ لَوْ أَبُوحُ بِهِ لَقِيلَ لِي أَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الوَثَنَا وَلاَسْتَحَلَّ رِجَالٌ مُسْلِمُونَ دَمِي يَرَوْنَ أَقْبَحَ مَا يَأْتُونَهُ حَسَنَا[247] فتأمّلوا جيّداً! أنّ الإمام يقول هنا: إنّ الحقائق التي فهمتها وأدركتها عن التوحيد هي عند الناس كعبادة الاصنام، أُولئك الناس الذين يرون أقبح أعمالهم (التي هي عين الشرك) عملاً حسناً؛ أي أنّ إيماني يغاير ويعاكس كلّ المغايرة والمعاكسة إيمان هؤلاء القوم، وكلّ ما أعرفه عن التوحيد فهو عندهم شـرك، وما يعدّه هؤلاء من الإسـلام وسـيرة المسـلمين فينجـزون أعمالهم ـ علي أساسه عن نيّة وعقيدة حسنة فيحجّون ويجاهدون ويقومون بسائر الاعمال الحسنة، ويحلّون سفك دمي ـ من ثمّ عن عصبيّة إسلاميّة، فإنّ جميع هذه الاعمال باعتبارها غير مقترنة برؤية جمال الحقّ وانكشاف وحدته، وباعتبار أ نّهم ينسبونها لانفسهم، ويتخيّلون أنفسهم أساس الفعل والعمل والاختيار، هي أقبح الاعمال، ولو بدت جميعها في الظاهر خيراً، ومهما اتّخذت شكل الدرس والبحث والتعليم والتعلّم، ذلك لا نّها لم تصطبغ بصبغة الوحدة ولم يُجلَ عنها صدأ الانانيّة والإنّيّة، فهي لذلك من أخبث الافعال والاعمال. فَتَأَمَّلْ يَا أَخِي وَأَرْسِلْ فِكْرَكَ حَتَّي يَخْطُرَ عَلَي بَالِكَ مَا لَمْ يَخْطُرْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ المَعَانِي عَلَیهَا! وبطبيعة الحال فإنّ مَن ينظر إلي جميع الموجودات بالنظر التوحيديّ سيراها بشكل آخر، ولولا ذلك لما قال عليه السلام إنّه يتكتّم علي علمه فلا يظهره ولا يجريه علي لسانه. وحيث إنّ السبيل الوحيد للعلاج منحصر في أن نخطو بقدم صدق علي صراط التوحيد من أجل نيل مشاهدة الإمام السجّاد عليه السلام، وحينذاك ستصدق مسألة إمامته لنا ومأموميّتنا له؛ لا أن نصرّ علي هذه الدرجة من إدراكنا ونتخبّط في مكاننا دون حركة للامام ولا نزيل عن قلوبنا صدأ الشرك الذي هو أَقْبَحُ مَا نَأْتِي، ولا نعالج رمد عيوننا كي نشاهد إشراق الشمس التي تسطع علي العالم كلّه، ثمّ نعدّ أنفسنا علي حقّ ونعدّ مدركاتنا الفعليّة حقّاً. ولا نّنا نقصر عن تكفير أو تفسيق الإمام السجّاد، كما ليس في وسعنا في زمننا هذا أن نريق دمه، فإنّنا نقوم بتكفير وتفسيق العرفاء بالله وأولياء الحقّ أمثال محيي الدين بن عربي؛ ونقتل كلّ بائس عاجز ووالهٍ منقلب، بحجّة التصوّف والقول بوحدة الوجود، فيصبح قتل الدراويش سنّتنا معنيً وظاهراً. إنّ كلامنا هنا بشأن القول بوحدة الوجود يختلف عن الردود التي قدّمها المرحوم شهيد الفضل والولاية والعلم والدراية القاضي السيّد نور الله التستريّ في « مجالس المؤمنين »[248] فإجابتنا أكثر وضوحاً وصراحة. ولقد اتّضح بهذا البيان الذي سبق أنّ إنكار وحدة الوجود يعني إنكار الاستقلال في ربوبيّة وخلاّقيّة الباري تعالي شأنه العزيز، فمنكر وحدة الوجود منكر للتوحيد، ومحارب ومعارض ومخاصم للا´يات المباركة المذكورة. دفاع القاضي نور الله عن محيي الدين في معني وحدة الوجودلقد بذل القاضي نور الله حشره ربّه مع شهداء الطفّ جهوداً كبيرة، وكان كتابه النفيس «إحقاق الحقّ» تاج فخر يزهو علي مفرق رأس الشيعة إلي يوم القيامة، ولكن وللاسف فلم يطبع متنه الكامل ولا ملحقاته حتّي الآن. ولقد تطرّق في « مجالس المؤمنين » في دفاعه عن محيي الدين حيث يقول: فيظهر أنّ منشأ الإشكال هو عدم فهم مراد الشيخ، إذ لم تتّضح لديهم معاني كلام الشيخ بكاملها، وكان التفاتهم إلي جانب آخر. صوفي اگر آن روي نبيند بگذارش كان مرغ ندانست كه انجير كدام است[249] كما أنّ اسـتناد الشـيخ في وحـدة الوجود عائد إلي الكشـف الصحيح والذوق الصريح لا إلي الدليل العقليّ أو المقدِّمات النقليّة. كلام المير سيّد شريف في حواشي «شرح التجريد» في وحدة الوجوديقول المير السيّد شريف في حواشي « شرح التجريد »: إنْ قُلْتَ: مَاذَا تَقُولُ في مَن يَرَي أَنَّ الوُجُودَ مَعَ كَوْنِهِ عَيْنَ الوَاجِبِ وَغَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّجَزِئَةِ وَالاِنْقِسَامِ قَدِ انْبَسَطَ عَلَي هَيَاكِلِ المَوْجُودَاتِ، يَظْهَرُ فِيهَا فَلاَ يَخْلُو عَنْهُ شَيءٌ مِنَ الاَشْيَاءِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهَا وَعَيْنُهَا؛ وَإنَّمَا امْتَازَتْ وَتَعَدَّدَتْ بِتَقَيُّداتٍ وَتَعَيُّنَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ، وَيُمَثَّلُ ذَلِكَ بِالبَحْرِ وَظُهُورِهِ فِي صُورَةِ الاَمْوَاجِ المُتَكَثِّرَةِ مَعَ أَ نَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلاَّ حَقِيقَةُ البَحْرِ فَقَطْ؟ قُلْتُ: هَذَا طَوْرٌ وَرَاءَ طَوْرِ العَقْلِ لاَ يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلاَّ بِالمُشَاهَدَاتِ الكَشْفِيَّةِ دُونَ المُنَاظَرَاتِ العَقْلِيَّةِ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.[250] وأمّا قول الشيخ علاء الدولة أخيراً من أ نّه إذا قال أحد بأنّ فضلة الشيخ هي عين وجود الشيخ فإنّه سيغضب ولا يسامحه، فهو تمثيل قبيح جدّاً، ملوَّث بفضلة غير الدراويش؛ وذلك لانّ أصحاب التوحيد لو اعتبروا معيّة الحقّ للاشياء كمعيّة جسم لجسم لاستلزم ذلك الفساد. أمّا المعيّة بزعمهم فهي كمعيّة الوجود للماهيّات، والماهيّات غير ملوَّثة، بخلاف معيّة الشخص للفضلة التي هي من قبيل معيّة جسم لجسم والتي يمكن التلوّث بها. وكان الكلام كذلك في نفي وجود الممكنات التي هي آثار وجود الحقّ، فأثر الشيء ليس فضلة ذلك الشيء ليصحّ التمثيل والتشبيه الذي أورده. ولهذا فلو قال أحد للشيخ علاء الدولة: إنّ كتاب « العروة » هو فضلتك! لغضب ولما سامحه وتجاوز عنه. وعموماً فإنّ أمثال هذه الكلمات المضطربة لا تليق بعلوّ شأنه، فما الذي سيقوله ويكتبه ـ بعدُ درويش الدراويش؟![251] أقول: حقّاً لقد أحسن المرحوم الشيخ القاضي الإجابة عن الشيخ، ولقد أوفي المطلب حقّه كما ينبغي. يقول الحقير: إنّ إشكال علاء الدولة علي الشيخ محيي الدين ليس إشكالاً برهانيّاً، بل هو خطابة وشعر، بل مغالطة؛ وهو أمر مستبعد من شخص يعدّ نفسه حكيماً. ولقد كان إشكاله أشبه بافتعال الضجّة والصخب بلا داعٍ وإثارة للشغب والقلاقل والاضطرابات. وسيقول الشيخ محيي الدين في جوابه: إن كان المراد بعينيّة الفضلة، العينيّة مع النفس الناطقة والروح فهو مثال مع الفارق؛ وإن كان العينيّة مع الجسم والبدن، فنعم، نحن نلتزم بهذه العينيّة. أفلستم تقومون في المختبر بتحليل مقدار من هذه الفضلة أو البول أو الدم النجس والمتلوّث، فتدركون بتحليلها جميع أحوال بدن الإنسان من السلامة والمرض والعنصر وأقسام جهات اختلاف الانواع؟! فإن كانت الفضلة لا تمتلك بأيّة حال نسبة إلي البدن فمن أين تكشف هذه العجائب؟! أزيلوا العنوان القبيح عن الفضلة ونجاسة الدم والبول، وعندئذٍ أيّ تفاوت سيكون بينها وبين سائر أجزاء وأعضاء وآثار البدن؟! لكنّ نجل آية الله البهبهانيّ: الشيخ محمّد علي الكرمانشاهيّ لم يُجب في « مقامع الفضل » عن وحدة الوجود بهذه الاجوبة التي شاهدتموها، لكنّه أضاف إلي محيي الدين البائس - مضافاً إلي التكفير ألف عيب وعيب آخر ينبغي له أن يجيب عنها في المواقف القادمة. فلقد اكتفي بذكر مقولة المير السيّد شريف في «حاشية التجريد» ثمّ شرع بانتقاد العرفاء ومحيي الدين بن عربي. ولقد كان قتل الدراويش شائعاً في زمنه، وكان العوامّ آنذاك كالانعام أينما رأوا مسكيناً والهاً يرفع شعار الدراويش أغاروا علي بيته ونهبوه ثمّ قتلوه. ولقد تفضّل آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الانصاريّ بالقول ضمن نصائحه ومواعظه وقضايا أُخري ذكرها، ليلة الجمعة، الليلة الثانية عشرة من شهر جمادي الآخرة لسنة ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجريّة قمريّة حين كان الحقير في همدان في منزل ومحضر سماحته؛ قال: أمر محمّد علي كرمانشاهيّ بقتل ثلاثة من الدراويشلقد قام محمّد علي البهبهانيّ [252] بقتل السيّد معصوم علي شاه [253] في كرمانشاه، وقتل محمّد علي ثلاثة من أولياء الله، وكان اسم ثالثهم بُدَلا، فأصدر أمره بقتله، فقال له بُدلا: إن قتلتني دفنت قبلي! فردّ عليه محمّد علي: أنّ مظفّر علي شاه والسيّد معصوم علي شاه الذين كانوا أهمّ منك لم تصدر منهم معجزة كهذه، أفتريد أن يصدر منك أنت ذلك؟! فقال بُدَلا: الامـر كذلك، فأُولئـك كانا كاملين لا فـرق لديهما بين الموت والحياة، لكنّي لم أصبح كاملاً حتّي الآن وكوني غير واصل، فإن قتلتني ظلمتني! فلم يُلقِ إليه آقا محمّد علي بالاً وقتله، وكانت جنازة بُدَلا لا تزال موضوعة علي الارض حين انهـار سـقف الممرّ علي آقـا محمّد علي بينما كان يجتـازه ففارق الحيـاة. وباعتبـار كونه العالـم المعـروف والمشـهور لكرمانشاه، وللاحترام الذي كان يحظي به لدي الناس، فقد شُيِّعت جنازته ودفنت، بينما لم يُلقِ أحد آنذاك بالاً إلي جنازة بُدَلا المطروحة في إحدي الزوايا التي لم تدفن. كما قال المرحوم آية الله الانصاريّ: بالرغم من أنّ مظفّر علي شاه والسيّد معصوم علي شاه وبُدَلا كان لهم مسلك الدراويش وهو مسلك غير مقبول، إلاّ أنّ إصدار أمر بقتل أولياء الله ليس بالامر الهيّن. وكان سماحة الاُستاذ آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه يقول: إنّ هذه النهضة الدستوريّة والحرّيّة والنزعة التقليديّة للغرب والإلحاديّة واللا أُباليّة التي جاءت هديّة لنا من الكفّار، قد أثمرت نسخ قتل الدراويش، ووجدت عندها الاقوال العرفانيّة والتوحيديّة حرّيّة نسبيّة، ولولا ذلك لرأيتم اليوم أيضاً نفس تلك الاتّهامات والقتل والنهب والشنق لسالكي طريق الله. وإجمالاً فقد تابع المرحوم الشهيد السيّد القاضي نور الله دفاعه عن محيي الدين في صواب قوله بوحدة الوجود وفي الردّ علي علاء الدولة السمنانيّ، فأورد هذه العبارات: أورد صاحب « النفحات » أنّ بعض المعاصرين ممّن له تتبُّع زائد لكِلاَ كلمات الشيخَين، وممّن له اعتقاد بهما وإخلاص تامّ لهما قد كتب في بعض رسائله: أ نّه لا خلاف في حقيقة التوحيد بينهما، ولقد كانت تخطئة وتكفير الشيخ علاء الدولة للشيخ (ابن عربي) قدّس سرّه ترجع إلي المعني الذي فهمه من كلامه، لا إلي المعني الذي أراده الشيخ ورمي إليه. حيث إنّ للوجود اعتبارات ثلاثةً: أوّلها: اعتباره بشرط شيء وهو المقيّد. والثاني: بشرط لا شيء وهو الوجود العامّ. والثالث: لا بشرط وهو الوجود المطلق. فقول الشيخ قدّس سرّه بأن ذات الحقّ سبحانه وجود مطلق إنّما هو بالمعني الاخير، لكنّ الشيخ علاء الدولة حمله علي الوجود العامّ فبالغ في نفيه وإنكاره. مع أ نّه قد أشار بنفسه إلي إطلاق الوجود علي الذات بالمعني الاخير، فقد قال في بعض رسائله: الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَي الإيمَانِ بِوُجُوبِ وُجُودِهِ ونَزَاهَتِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّداً مَحْدُوداً وَمُطْلَقاً لاَ يَكُونُ بِلاَ مُقَيَّدَاتِهِ. والوجود إن لم يكن مقيّداً محدوداً، ولا مطلقاً يتوقّف وجوده علي مقيّدات، فسيكون بلا ريب مطلقاً لا بشرط شيء، أي غير مشروط بأيٍّ من التقيّدات، إذ القيود والتعيّنات شرط ظهوره في المراتب، لا شرط وجوده في حدّ ذاته. ويمكن أن يكون النزاع بين الشيخ علاء الدولة والشيخ عبد الرزّاق الكاشانيّ من هذا القبيل.أدلّة القاضي نور الله، علي حقيقة التوحيد من كلمات الاعلام وأشعارهموبصورة مجملة فإنّ الطائفة الصوفيّة الموحِّدة حين يحكمون بعينيّة الاشياء فيسمّون الجميع بالوجود الحقّ والوجود المطلق، يحكمون كذلك بغيريّة الاشياء فيقولون بأنّ الاشياء هي غير الحقّ، لا عينه ولا غيره. كما قد وردت الإشارة في « الفصوص » إلي هذه العبارة والإطلاقات. وكذلك فقد قال الثمل بالشراب القيّوميّ: الملاّ الروميّ: گاه كوه قاف و گه عنقا شوي گاه خورشيد و گهي دريا شوي تو نه اين باشـي نه آن در ذات خويـش اي برون از وهمها در پيش پيش [254] كما أ نّهم يقولون إنّ طريقة الاعتدال في التوحيد هي: كه جهان پرتوي است از رخ دوست جملة كائنات ساية اوست[255] * * * هر آن چيزي كه در عالم عيان است چو عكسي ز آفتاب آن جهان است[256] * * * اي جلوهگر از جمال جانان همه تو مقصود دل و آرزوي جان همه تو اعيان همه آئينه و عكس رخ خويش بنموده در آئينة اعيان همه تو [257] «ليس في الكائنات غيرك شيء»علي أنّ كلاّ من هذه الإطلاقات هو باعتبار معيّن من التشبيه والتنزيه والجمع والتفصيل، والنظر إلي بعض الحيثيّات لا إلي جميعها، ولذلك يظهر في كلامهم ما يوهم التهافت كثيراً، كَمَا لاَ يَخْفَي عَلَي المُتَتَبِّعِ لِكَلاَمِهِمْ وَالمُتَفَطِّنِ لِمَرَامِهِمْ. ومن جملة ذلك هذا النظم الجميل المنسوب لبعض الموحِّدين الاجلاّء: شعر: يَا جَلِيَّ الظُّهُورِ وَالإشْرَاقْ كيست جز تو در أنفس وآفاق لَيْسَ فِي الكَائِنَاتِ غَيْرَكَ شَيء أَنْتَ شَمْسُ الضُّحَي وَغَيْرُكَ فَيْء دو جهان سايه است و نور توئي سايه را ماية ظهور توئي حرف ما و من از دلم بتراش محو كن غير را و جمله تو باش خود چه غير و كدام غير اينجا هم ز تو سوي توست سير اينجا در بدايت زتوست سير رجال در نهايت به سوي توست آمال[258] اللَهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ وَإلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلاَمُ! يقول اليافعيّ في « الإرشاد »: قال الشيخ عز الدين عبد السلام الدمشقيّ: إنّ الشيخ زنديق. ثمّ قال له بعض أصحابه يوماً: نريد أن نري القُطب. فأشار إلي الشيخ. فقالوا: إنك تطعن فيه! فقال: إنّ ذلك لحفظ ظاهر الشرع. گر پير مغان مُرشد من شد چه تفاوت در هيچ سري نيست كه سِرِّي ز خدا نيست در صومعة زاهد و در خلوت صوفي جز گوشة ابروي تو محراب دعا نيست أقول: إنّ محيي الدين نفسه يجيب علي جميع هذه الإشكالات وجميع هذه الاقوال المتعارضة فقط بتلك العبارة التي صارت مورداً للإشكال عليه: سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ الاَشْيَاءَ مِنَ العَدَمِ وَهُوَ عَيْنُهَا. « سُبحان » أي أ نّني أُنزّه تلك الذات العالية الراقية، العظيمة الرتبة، الجليلة المقام، التي لا توصف، عن شوائب الثنويّة والغيريّة والامتزاج بالاشياء التي أوجدتها من العدم وخلعت عليها خلعة الحياة، في حين أ نّها عينها. أي تلك الذات التي تفوق تصوّرنا وخيالنا، والتي هي أسمي من الوهم والوصف وأعلي من الاسم والرسم؛ وحقيقة الوجود وأصالته؛ فالاشياء التي أظهرتها ليست إلا ظلاّ لها وتبعاً، وعينيّة وارتباطها بالذات في عين حفظ مقام الكثرة ـ اندكاكها وفناؤها ـ لن يستوجب التركيب والحدوث والتجزئة والانقسام. دائماً او پادشاه مطلق است در كمال عزّ خود مستغرق است او به سَر نايد زخود آنجا كه اوست كي رسد عقل وجود آنجا كه اوست[259] صاحب «الروضات» يعتبر الاحسائيّ من «بعض مشايخ عرفائنا المتأخّرين»هذا وقد استظهر أيضاً صاحب « الروضات » لتحطيم ودحر صولة محيي الدين بكلمات الشيخ أحمد الاحسائيّ الذي كان يلقّبه بدل محيي الدين بـ « مُميت الدين » ويدعوه في كتبه ودروسه بمميت الدين؛ مُشيراً إلي الشيخ أحمد الاحسائيّ بعبارة بَعْضُ مَشَايِخِ عُرَفَائَنِا المُتَأَخِّرِيَنَ! [260] والشيخ أحمد الاحسائيّ لا تخفي ترجمة حاله اليوم علي أحد؛ فهو رجل زاهد عابد يمتاز بقدرة جيّدة علي الحفظ والاستظهار، لكنّه سعي إلي فهم مطالب الحكماء بدون الاستعانة بأُستاذ، وشرع بمطالعة كتب الحكمة فلم يُدرك حقيقة مطلبها فتحيّر. وبما عنده من اطّلاع كافٍ بالاخبار، فقد حاول موافقة حقائق المعاني الحكميّة مع ظواهر عبارات الاحاديث، فلم يوفّق في ذلك. ثمّ صار يعتقد بأصالة الوجود وكذلك بأصالة الماهيّة في مسألة توحيد الوجود والاصل القديم للعالم، وهو خطأ فادح يمثل عين الثنويّة ومذهب المجوس قد سجّله له التأريخ. وحين عجز عن إدراك مسائل الحكمة ولم يصل إلي مغزي ومفاد آراء الحكماء، فقد دعا جميع الحكماء زنادقة ومُلحدين، وأيضاً سمّي جميع أهل العرفان زنادقة وملحدين، لا نّه عدّ ظواهر كلامهم غير منطبقة ـ كما هي الحال لدي الاخباريّين مع ظواهر الكلمات الواردة في الاحاديث. ومن هنا فقد جرّد سيف الكلام القاطع في وجههم وأنكر أصل العرفان والمعرفة الإلهيّة فقال: إنّ طريق الوصول وعرفان الذات الاحديّة مسدود، وإنّ غاية سير البشر هي معرفة الواسطة والإمام. وقد بلغت خصومته ومعاندته لمحيي الدين أقصاها، فلقّبه بـ « مُميت الدين »، كما نصب الخصومة مع فخر الشيعة وفخر العلماء والمفسّرين والمحدِّثين والحكماء وعرفاء الإسلام: المحقّق الفيض الكاشانيّ، وكان اسمه الملاّ محسن فدعاه بـ « الملاّ مُسيء »، وكان يذكره بهذا اللقب في كتبه ودروسه. [261] أمّا تلامذته المتأخّرون الذين ربّاهم والذين دعاهم صاحب «الروضات» عرفاءنا المتأخّرين، فهم عبارة عن السيّد كاظم الرشتيّ وربيبه وتلميذ مدرسته السيّد علي محمّد الشيرازيّ مؤسّس مذهب البابيّة الذي ادّعي بابيّة إمام العصر، ثمّ ادّعي الإمامة؛ فهؤلاء هم الذين كانوا علي رأس مخالفي العرفان الإلهيّ، أُولئك الذين أفسدوا الارض والنسل البشريّ. الامتداح العظيم لصاحب «الروضات» للشيخ أحمد الاحسائيّ والسيّد كاظم الرشتيّيكتب صاحب « الروضات » في ترجمة الشيخ أحمد الاحسائيّ فيمتدحه بهذه العبارات: تَرْجُمَانُ الحُكَمَاءِ المُتَأَ لِّهِينَ، وَلِسَانُ العُرَفَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ، غُرَّةُ الدَّهْرِ، وفَيْلَسُوفُ العَصْرِ، العَالِمُ بِأَسْرَارِ المَبَانِي وَالمَعَانِي، شَيْخُنَا أَحْمَدُ ابْنُ الشَّيْخِ زَيْنُ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الاَحْسَائِيِّ البَحْرَانِيِّ، لَمْ يُعْهَدْ فِي هَذِهِ الاَوَاخِرِ مِثْلُهُ فِي المَعْرِفَةِ وَالفَهْمِ وَالمَكْرَمَةِ وَالحَزْمِ، وَجَوْدَةِ السَّلِيقَةِ وحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَصَفَاءِ الحَقِيقَةِ وَكَثْرَةِ المَعْنَوِيَّةِ وَالعِلْمِ بِالعَرَبِيَّةِ وَالاَخْلاَقِ السَّنِيَّةِ وَالشِّيَمِ المَرْضِيَّةِ وَالحِكَمِ العِلْمِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ وَحُسْنِ التَّعْبِيرِ وَالفَصَاحَةِ وَلُطْفِ التَّقْرِيرِ وَالمَلاَحَةِ وَخُلُوصِ المَحَبَّةِ وَالوَدَادِ لاِهْلِ بَيْتِ الرَّسُولِ الاَمْجَادِ؛ بِحَيْثُ يُرْمَي عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالإفْرَاطِ وَالغُلُوِّ، مَعَ أَ نَّهُ لاَ شَكَّ مِنْ أَهْلِ الجَلاَلَةِ وَالعُلُوِّ، وَقَدْ رَأَيْتُ صُورَةَ إجَازَةِ سَيِّدِنَا صَاحِبِ «الدُّرَّةِ» أَجْزَلَ اللَهُ تَعَالَي بِرَّهُ، لاِجْلِهِ مُفْصِحَةً عَنْ غَايَةِ جَلاَلَتِهِ وَفَضْلِهِ وَنُبْلِه. ثمّ يبيّن صاحب « الروضات » كتبه المصنَّفة فيقول: وَكَانَ رَحِمَهُ اللَهُ شَدِيدَ الإنْكَارِ عَلَي طَرِيقَةِ المُتَصَوِّفَةِ المَوْهُونَةِ، بَلْ عَلَي طَرِيقَةِ الفَيْضِ فِي العِرْفَانِ، بِحَيْثُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ أَ نَّهُ يُكَفِّرُهُ. حتّي يصل إلي قوله: وكان للشيخ أحمد ولدان فاضلان مجتهدان سُمّيا محمّداً وعليّاً، إلاّ أنّ الشيخ محمّد ولده الاكبر كان ينكر علي طريقة أبيه أشدّ الإنكار، ويقول عند ذكر ما كان لابيه: كَذَا فَهِمَ عَفَي اللَهُ تَعَالَي عَنْهُ. وَقَدْ يُحْكَي أَيْضاً أَنَّ الحَكِيمَ المُتَأَ لِّهَ المُحَقِّقَ النُّورِيَّ المُعَاصِرَ أَيضاً كَانَ يُنْكِرُ فَضْلَهُ بَلْ كَوْنَهُ فِي عِدَادِ الفُضَلاَءِ. إلاَّ أَنَّ تِلْمِيذَهُ العَزِيزَ، وَقُدْوَةَ أَرْبَابِ الفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ، بَلْ قُرَّةَ عَيْنِهِ الزَّاهِرَةِ وقُوَّةَ قَلْبِهِ البَاهِرَةَ الفَاخِرَةَ بَلْ حَلِيفُهُ فِي شَدَائِدِهِ وَمِحَنِهِ وَمَنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ القَمِيصِ عَلَي بَدَنِهِ؛ أَعْنِي السَّيِّدَ الفَاضِلَ الجَامِعَ البَارِعَ الجَلِيلَ الحَازِمَ سَلِيلَ الاَجِلَّةِ السَّادَةِ القَادَةِ الاَفَاخِمِ الاَعَاظِمِ، ابْنَ الاَمِيرِ سَيِّد قَاسِمِ الحُسَيْنِيِّ الجِيلاَنِيِّ الحَاجَّ، سَيِّد كَاظِمَ؛ النَّائِبَ فِي الاُمُورِ مَنَابَهُ وَإمَامَ أَصْحَابِهِ المُقْتَدِينَ بِهِ بِالحَائِرِ المُطَهَّرِ الشَّرِيفِ إلی زَمَانِنَا هَذَا! ثمّ يقول صاحب « الروضات » بعد ذكر مصنَّفاته بالتفصيل: لَقَدْ أَطْرَأَ وَأَفْرَطَ فِي الثَّنَاءِ عَلَي هَذَا الشَّيخِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَي مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنَ الاَفَاضِلِ المَشْهُورِينَ، وَادِّعَائِهِ الإجْمَاعَ مِنهُمْ عَلَي ثِقَتِهِ وَفَضلِهِ وَجَلاَلَةِ قَدْرِهِ وَنُبْلِهِ تَعْرِيضاً عَلَي مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقَتَهُ مِنَ القَوْمِ وَإلْحَاقاً لَهُ بِالمَعْدُوم. وَقَدْ ذَكَرَ فِي وَصْفِهِ أَ نَّهُ كَانَ فِي جَمِيعِ مَا يُتَخَيَّلُ مِنَ المَرَاتِبِ وَالاَفَانِينِ حَتَّي الفِقْهِ وَالاُصُولِ وَالرِّجَالِ وَالحَدِيثِ وَالعُلُومِ الغَرِيبَةِ بِأَسْرِهَا وَالعَرَبِيَّةِ بِرُمَّتِهَا، مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالجَمِيعِ وَأَبْدَعِهِمْ لِكُلِّ بَدِيعٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَ نَّهُ: لَمَّا وَصَلَ الشَّيْخُ المَرْحُومُ إلی بَلْدَةِ إصْفَهَانَ وَخُصَّ بِأَفَاضِلِ التَّحِيَّةِ وَالتَّكْرِيمِ مِنْ عُلَمَائِهَا الاَعْيَانِ، وَكُنْتُ إذْ ذَاكَ بِحَضْرَتِهِ العَالِيَةِ، سُئِلَ المَوْلَي الاَعْلَي المُلاَّ عَلِيُّ النُّورِيُّ عَنْ نِسْبَةِ مَقَامِهِ مَعَ مَقَامِ المَرْحُومِ الآقَا مُحَمَّدٍ البِيدْآبَادِيِّ، فَأَجَابَ المَرْحُومُ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا لاَ يَكُونُ إلاَّبَعْدَ بُلُوغِ المُمَيِّزِ مَقَامَهُمَا، وَأَيْنَ أَنَا مِنْ ذَاكَ؟! ثمّ يشرع السيّد الرشتيّ ببيان مخالفة علماء كربلاء والعتبات المقدّسة معه وسعايتهم عليه عند وزير بغداد: أ نّه غير مسلم، وإراءتهم له ورقة مزوّرة بأ نّه يعتقد أنّ مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام هو وحده الخالق والرازق والمُحيي والمميت؛ فتصاعدت الفتنة لذلك، لذا فقد سافر خوفاً من كربلاء إلي الحجاز مع أهله وعياله في سنٍّ تقرب علي التسعين عاماً مع ضعف بنيته، فلمّا بلغ منزل هَديّة وهي تبعد عن المدينة المنوّرة بثلاث مراحل، توفّي هناك ودُفنت جثّته في البقيع. يقول صاحب « الروضات »: وقد كان وقوع تلك الداهية العظمي والواقعة الكبري في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائتين بعد ألف هجريّة. [262] ويستلفتنا هنا مدح صاحب « الروضات » للشيخ أحمد الاحسائيّ وكَيله له أنواع الثناء والتكريم، ووضعه له ـ حسب نقل السيّد كاظم الرشتيّ في مصافّ آقا محمّد البيدآباديّ، والحقّ أنّ ذلك ممّا يستدعي عجب المرء. ولم ينقضِ وقت طويل حتّي ظهرت آثار عداوة الشيخ أحمد الاحسائيّ والسيّد كاظم الرشتيّ علي يد ربيبه السيّد علي محمّد باب الشيرازيّ، وظهرت جليّةً فيه نتائج عدم وجود أُستاذ للشيخ أحمد في الحكمة والسير والسلوك، وذلك في هالة من التخبّطات العقليّة والافكار الخاطئة والشيطانيّة، فظهرت منه ادّعاءات باطلة مخالفة للواقع ـ سواء كانت توافق معتقداته أم لا بالقدر الذي جعل في مدّة قصيرة أرضيّة التشيّع وبلاد إيران ملوّثة بالفساد، فعمّت الفتنة وتصاعد الاضطراب وسُفكت الدماء، فتبيّن بجلاء أنّ العرفان الحقيقيّ والتوحيد الواقعيّ هو غير الخيالات والخواطر النفسيّة والشيطانيّة، وأ نّه ينبغي عدم الانخداع بظواهر الرياضة والزهد والورع. فالعرفان الحقيقيّ يختلف عن تخيّل العرفان، كاختلاف الثريّا عن الثري، كما أنّ أمثال محيي الدين والملاّ محسن لم يقولوا جزافاً، بل كان الجزاف هو أقوال « مشايخ عرفائنا المتأخّرين » هؤلاء الذين عملوا مع « عرفائنا المتأخّرين » بآرائهم وأفكارهم علي سدّ طريق وصول البشر إلي الله وقاموا بإنكار المعرفة، أُولئك الذين لم تمثّل علومهم غير الخيالات والاوهام والتصوّرات، أُولئك الذين لم يرد العلم في قلوبهم ولم يرتووا من مَعِين حقيقة التوحيد والولاية، علي أنّ ادّعاء محبّة أهل البيت غير حقيقة الولاء لهم، كما أنّ التزهّد غير الزهد. لقد كان صاحب « الروضات » لا يزال بعدُ علي قيد الحياة حين ظهرت أثار عرفان الشيخ أحمد الاحسائيّ وعمّت في إيران فتنة البابيّة والبهائيّة، بحيث صرنا نري أنّ ذلك المدح والثناء قد تبدّل إلي تكذيب؛ فلقد وصف بنفسه عند ترجمته للشيخ حافظ رجب البُرسيّ، الشيخَ أحمد الاحسائيّ بأ نّه كان كالعُلوج الثلاثة الذين قاموا بعد عيسي عليه السلام بتبديل مذهبه وتغييره. ترجمة صاحب «الروضات» للحافظ رجب البرسيوينبغي أن ننظر الآن إلي قدر مختصر من ترجمة الحافظ البُرسيّ في كتاب « روضات الجنّات » لتصبح الحقيقة مشهودة جليّة؛ إذ يقول عنه: المَوْلَي العَالِمُ، وَالشَّيْخُ المُرْشِدُ الكَامِلُ، وَالقُطْبُ الوَاقِفُ الإنْسِيُّ وَالإنْسُ العَارِفُ القُدْسِيُّ، رَضِيُّ الدِّينِ رَجَبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَبٍ المَعْرُوفُ بِالحَافِظِ البُرْسِيّ. [263] حتّي يصل إلي القول: ومن جملة ما ذكره صاحب « رياض العلماء » في ترجمة أحوال حافظ رجب البرسيّ: وقال أُستاذ استنادنا في مقدّمة كتاب « بحار الانوار » عند عدّه الكتب التي نقل عنها في « البحار » يقول ضمنها: وكتاب «مشارق الانوار» وكتاب «الالفين» للحافظ رجب البُرسيّ، ولا أعتمد علي ما يتفرّد بنقله لاشتمال كتابَيهِ علي ما يُوهم الخبط والخلط والغلو. والمحتمل عندي لكون لفظ « الحافظ » تخلصّاً له لا بمعانيه المعروفة عند أهل القراءة والحديث والتجويد. وقال الشيخ المعاصر في « أمل الآمل »: الشيخ رجب الحافظ البرسيّ، كان فاضلاً محدِّثاً شاعراً منشياً أديباً، له كتاب «مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه السلام» ورسائل في التوحيد وغيره. وفي كتابه إفراط وربّما نسب إلي الغلوّ، وأورد لنفسه فيه أشعاراً جيّدة وذكر فيه أنّ بين ولادة المهديّ عليه السلام وبين تأليف ذلك الكتاب خمسمائة وثمانية عشر سنة. ومن شعره المذكور فيه: فَرْضِي وَنَفْلِي وَحَدِيثِي أَنْتُمُ وَكُلُّ كُلِّي مِنْكُمُ وَعَنْكُمُ وَأَنتُمُ عِنْدَ الصَّلاَةِ قِبْلَتِي إذَا وَقَفْتُ عِنْدَكُمُ أُيَمِّمُ خَيَالُكُمْ نَصْبٌ لِعَيْنِي أَبَداً وَحُبُّكُمْ فِي خَاطِرِي مُخَيَّمُ يَا سَادَتِي وَقَادَتِي أَعْتَابُكُمْ بِجَفْنِ عَيْنِي لِثَرَاهَا أَلْثَمُ وَقْفاً عَلَي حَدِيثِكُمْ وَمَدْحِكُمْ جَعَلْتُ عُمْرِي فَاقْبَلُوهُ وَارْحَمُوا مِنُّوا عَلَي الحَافِظِ مِنْ فَضْلِكُمُ وَاسْتَنْقِذُوهُ فِي غَدٍ وَأَنْعِمُوا[264] ثمّ يقول: ومن جملة أشعاره الفاخرة في مدح سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام حسب نقل السيّد نعمة الله الجزائريّ قدّس سرّه: العَقْلُ نُورٌ وَأَنْتَ مَعْنَاه ُ وَالكَوْنُ سِرٌّ وَأَنْتَ مَبْدَاهُ وَالخَلْقُ فِي جَمْعِهِمْ إذَا جُمِعُوا الكُلُّ عَبْدٌ وَأَنْتَ مَوْلاَهُ أَنْتَ الوَلِيُّ الَّذِي مَنَاقِبُهُ مَا لِعُلاَهَا فِي الخَلْقِ أَشْبَاهُ يَا آيَةَ اللَهِ فِي العِبَادِ وَيَا سِرَّ الَّذِي لاَ إلَه إلاَّ هُو فَقَالَ قَوْمٌ بِأَ نَّهُ بَشَرٌ وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ بَلْ هُوَ اللَهُ يَا صَاحِبَ الحَشْرِ وَالمَعَادِ وَمَنْ مَوْلاَهُ حُكْمَ العِبَادِ وَلاَّهُ يَا قَاسِمَ النَّارِ وَالجِنَانِ غَداً أَنْتَ مَلاَذُ الرَّاجِي وَمَنْجَاهُ كَيْفَ يَخَافُ «البُرْسِيُّ» حَرَّ لَظيَ وَأَنْتَ عِنْدَ الحِسَابِ غَوْثَاهُ لاَ يَخْتَشِي النَّارَ عَبْدُ حَيْدَرَةٍ إذْ لَيْسَ فِي النَّارِ مَنْ تَوَلاَّهُ انتقاد صاحب «الروضات» لعلماء الشيعة الذين نقلوا فضائل أهل البيتثمّ يشتطّ القلم في يد صاحب « الروضات » ويفلت زمامه فيشرع بانتقاد البُرسيّ ومؤاخذته ونسبة الغلوّ والارتفاع له وعدّه من المجدّدين لمراسم المبتدعين وأهل الضلالة. واعتبره صراحةً من مخالفي الشريعة وطريقة الفقهاء والمجتهدين؛ وأدناه نصّ كلامه: وَأَقُولُ: بَلْ أَمْرُ الرَّجُلِ فِي تَشْيِيدِهِ لِدَعَائِمِ المُرْتَفِعِينَ، وَتَجْدِيدِهِ لِمَرَاسِمِ المُبْتَدِعِينَ، وَخُرُوجِهِ عَنْ دَائِرَةِ ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ المُحْكَمَةِ أُصُولُهَا بِالفُرُوعِ، وَعُرُوجِهِ عَلَي قَوَاعِدِ الغَالِينَ وَالمُفَوِّضَةِ المُلْتَزِمِ وُصُولُهَا إلی غَيْرِ المَشْرُوعِ، وَالْتِزَامِهِ لِتَخْطِئَةِ كُبَرَاءِ أَهْلِ المِلَّةِ وَالدِّينِ، وَتَزكِيَةِ مَنْ يُخَالِفُ طَرِيقَةَ الفُقَهَاءِ وَالمُجْتَهِدِينَ، وَفَتْحِهِ بِكَلِمَاتِهِ الخِطَابِيَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ مَقَالاَتِ المُغِيرِيَّةِ وَالخَطَّابِيَّةِ أَبْوابَ المُسَامَحَةِ فِي أُمُورِ التَّكَالِيفِ العَظِيمَةِ عَلَي وُجُوهِ العَوَامِّ الَّذِينَ هُمْ أَضَلُّ مِنَ الاَنْعَامِ، وَاعْتِقَادِهِ لِعَدَمِ مُؤاخَذَةِ أَحَدٍ مِنْ أَحِبَّةِ أَهْلِ البَيْتِ المَعْصُومِينَ عَلَيِهُمُ السَّلاَمُ بِشَيءٍ مِنَ الجَرَائِمِ وَالآثَامِ، وبَنَائِهِ المَذْهَبَ عَلَي التَّأْوِيلاَتِ الهَوَائِيَّةِ الفَاسِدَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، مَعَ أَنَّ أَوَّلَ مَرَاتِبِ الإلْحَادِ ـ كَمَا اسْتَفَاضَتْ عَلَیهِ الكَلِمَةُ فَتْحُ بَابِ التَّأْوِيلِ؛ مِمَّا لَيْسَ لاِحَدٍ مِنَ المُتَدَرِّبِينَ لِكَلِمَاتِهِ عَلَیهِ نِقَابٌ وَلاَ لاِحَدٍ مِنَ المُتَأَمِّلِينَ فِي تَصْنِيفَاتِهِ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَارْتِيَابٍ. ثمّ يقول: إلاّ أ نّه سامحه الله تبارك وتعالي فيما أفاد، لمّا كان أوّل من جلب قلبه إلي تمشية هذا المراد، وسلب لبّه علي محبّة أهل بيت نبيّه الامجاد، ولم يكن من المقلّدة الذين يمشون علي أثر ما يسمعونه ويقبلون من المشايخ كلّما يدعونه، ولا يستكشفون عن حقيقة ما يشرعونه ويكونون بمنزلة عبدة الاصنام الذين اتّبعوا أسلافهم المستقبلين إليها في عبادتهم من غير بصيرة لهم بأنّ ذلك العمل من أُولئك إنّما كان لتذكّر عبادات مَن كان علي صور تلك الاصنام من قدمائهم المتعبّدين، كما ورد عليه نصّ المعصوم عليه السلام. من المحتمل الراجح إذاً في نظر مَن تأمّل أن يكون هو الناجي المهديّ إلي سبيل المعرفة بحقوق أهل البيت عليهم السلام؛ ومقلّدوه مقلّدون بسلاسل النقمة علي كلّ ما لهجوا به عليه في حقّ أُولئك من كيت وكيت. ثمّ يشتطّ الامر بصاحب « الروضات » فيوسّع كلامه ليشمل المُفَضِّل ابن عمر، وجابر بن يزيد الجعفيّ، والصفّار، والشيخ الطوسيّ، وعليّ بن عيسي الاربليّ، والراونديّ، وشاذان وولده، وسائر الافراد الذين صنّفوا كتباً في هذا الشأن ورووا حديثاً فيه: وَإنِ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ بُرُوزُ نَائِرَةِ هَذِهِ الفِتْنَةِ النَّائِمَةِ مِنْ لَدُنْ تَعَرُّضِ رَاوِيَي «التَّفْسِيرِ المَنْسُوبِ إلی الإمَامِ عَلَیهِ السَّلاَمُ» لِوَضْعِ ذَلِكَ مِنَ البَدْوِ إلی الخِتَامِ عَلَي حَسَبِ المَرَامِ، أَوْ مِنْ زَمَنِ شُيُوعِ «تَفْسِيرِ فُرَاتِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الكُوفِيِّ»، أَمْ وُقُوعِ «تَفْصِيلِ» ]تَفْضِيلِ [ فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ القَزْوِينِيِّ الصُّوفِيِّ عَلَي أَيْدِي الاَنَامِ، بَلْ مِنْ آوِنَةِ انْتِشَارِ أَخْبَارِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعفِيَّيْنِ بَيْنَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَتَدْوِينِ طَائِفَةٍ مِنْهَا فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ» وَ«مَجَالِسِ» الشَّيْخِ وَ«كَشْفِ الغُمَّةِ» وَ«خَرَائِجِ» الرَّاوَنْدِيِّ وَ«فَضَائِلِ» شَاذَانَ وَوُلْدِهِ وَسَائِرِ كُتُبِ المَنَاقِبِ وَالفَضَائِلِ العَرَبِيَّةِ وَالفَارِسِيَّةِ وَتَفَاسِيرِ المُرْتَفِعِينَ وَالاَخْبَارِيَّةِ. وَأَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَنَ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الخِطَابِيَّاتِ المُنْطَبِعَةِ فِي قُلُوبِ العَوَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلی أَهْلِ البَيْتِ عَلَيِهمُ السَّلاَمُ أَيْضاً هُمْ أَمْثَالُ أُولَئِكَ، أَوْ مَنْ كَانَ مِنْ نَظَائِرِ أَبِي الحُسَيْنِ بْنِ البِطْرِيقِ الاَسَدِيِّ فِي كِتَابِ عُمْدَتِهِ وَخَصَائِصِهِ وَالسَّيِّدِ الرَّضِيِّ وَرَضِيِّ الدِّينِ بْنِ طَاوُوسٍ وَبَعْضِ فُضَلاَءِ البَحْرَيْنِ وَقُمَّ المُطَهَّرِ فِي جُمْلَةِ مِنَ كُتُبِهِمْ. ثُمَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ جَاءَ عَلَي أَثَرِ هَذَا المَذْهَبِ وَأُشْرِبَ فِي قُلُوبِهِمُ المُلاَئَمَةُ لِهَذَا المَشْرَبِ، زَادَ فِي الطُّنْبُورِ نَغْمَةً وَهَتَكَ عِصْمَةً، وَرَفَعَ وَقْعاً وَأَبْدَعَ وَضْعاً وَجَمَعَ جَمْعاً وَأَسْمَعَ سَمْعاً وَأَرَاقَ عَاراً وَأَظْهَرَ شَنَاراً وَرَدَّ عَلَي فَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ وَهَدَّ سَدَّاً مِنْ سنُّونِ الشَّرِيعَةِ.[265] إلی أَنِ انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إلی هَذَا الرَّجُلِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ كِتَاباً وَفَتَحَ أَبْوَاباً وَكَشَفَ نِقَاباً وَخَلَّفَ أَصْحَاباً فَسُمِّيَ أَتْبَاعُهُمُ المُقَلِّدَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِالكَشْفِيَّةِ لِزَعْمِهِمُ الاِطِّلاَعَ عَلَي الاَسَارِيرِ المَخْفِيَّةِ. انتقاد صاحب «الروضات» لاتباع الاحسائيّ وعلي محمّد بابثُمَّ أَتْبَاعُ أَتْبَاعِهِمُ الَّذِينَ آلَتْ مُعَامَلَةُ التَّأْوِيلِ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الاَوَاخِرِ وَهُمْ فِي الحَقِيقَةِ أَعْمَهُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ غُلاَةِ زَمَنِ الصَّدُوقَيْنِ فِي قُمَّ، الَّذِينَ كَانُوا يَنْسِبُونَ الفُقَهَاءَ الاَجِلَّةَ إلی التَّقْصِيرِ، بِسِمَةِ الشَّيْخِيَّةِ وَ (الپُشْتِ سَرِيَّة) وَهِيَ مِنَ اللُغَاتِ الفَارِسِيَّةِ، لِنِسْبَتِهِمْ إلی الشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ زَيْنِ الدِّينِ الاَحْسَائِيِّ المُتَقَدَّم ذِكْرُهُ وَتَرْجَمَتُهُ. وَكَانَ هُوَ يُصَلِّي الجَمَاعَةَ بِقَوْمِهِ خَلْفَ الحَضْرَةِ المُقَدَّسَةِ الحُسَيْنِيَّةِ فِي الحَائِرِ الشَّرِيفِ؛ بِخِلاَفِ المُنْكِرِينَ عَلَي طَرِيقَتِهِ مِنْ فُقَهَاءِ تِلْكَ البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ فَإنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَهَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الإمَامِ عَلَیهِ السَّلاَمُ، وَلِهَذَا يُسَمُّونَ عِنْدَ أُولَئِكَ بِالـ (بَالاَ سَرِيَّة). وَلاَ يَذْهَبْ عَلَیكَ غِبَّ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ كُلَّهُ أَنَّ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ الشَّيْخِ المُقَدَّمِ مِنْ هَذِهِ المُقَلِّدَةِ الغَاوِيَةِ المُغْويَةِ، إنَّمَا هِيَ مَنْزِلَةُ العُلُوجِ[266] الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ ادَّعَوُا النَّصْرَانِيَّةَ وَأَفْسَدُوهَا بِإظْهَارِهِمُ البِدَعَ الثَّلاَثَ مِنْ بَعْدِ أَنْ عُرِجَ بِنَبِيِّهِمُ المَسِيحِ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ عَلَیهِ السَّلاَمُ. كَيْفَ لاَ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِهَذِهِ المُقَلِّدَةِ المُتَمَرِّدَةِ ـ وَاللَهِ الاَمَانُ فِي هَذِهِ الاَزْمَانِ وَوَهَنَتْ بِقُوَّتِهِمْ أَرْكَانُ الشَّرِيعَةِ وَالإيمَانِ، بَلْ حَدَاهُمْ خِذْلاَنُ اللَهِ وضَعْفُ سِلْسِلَةِ العُلَمَاءِ إلی أَنِ ادَّعَوُا البَابِيَّةَ وَالنِّيَابَةَ الخَاصَّةَ عَنْ مَوْلاَنَا الحُجَّةِ صَاحِبِ العَصْرِ وَالزَّمَانِ عَلَیهِ السَّلاَمُ، وظَهَرَ فِيهِمْ مَنْ أَظْهَرَ التَّحَدِّيَ فِيمَا أَتَي بِهِ مِنَ الكَلِمَاتِ المَلْحُونَةِ عَلَي أَهْلِ البَيَانِ، وَوَسَمَ أَقَاوِيلَهُ الكَاذِبَةَ وَمُزَخْـرَفَـاتِهِ البَاطِـلَةَ ـ وَالعَيَـاذُ بِاللَهِ تَبَـارَكَ وَتَعَالَي بِوَسْـمَةِ الصَّـحِيفَـةِ وَالقُرْآنِ، بَلْ لَمْ يَكْتَفِ بِكُلِّ ذَلِكَ حَتَّي أَ نَّهُ طَالَبَ المُجْتَهِدِينَ الاَجِلَّةَ بِأَنْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِ هَذَا الإتْيَانِ، وَيَظْهَرُوا مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ التِّبْيَانِ، وَيُبَارِزُوا مَعَهُ مَيْدَانَ المُبَارَزَةِ لَدَي جَمَاعَةِ الاَجَامِرَةِ وَالنِّسْوَانِ. مَعَ أَنَّ عَلَي كُلِّ مَا انْتَحَلَهُ مِنَ البَاطِلِ، أَمْ أَوْلَعَهُ مِنَ الفَاسِدِ العَاطِلِ، وَصْمَةٌ مِنْ وَصَمَاتِ المَلْعَنَةِ وَالخُرُوجِ عَنِ الإسْلاَمِ إلی دِينٍ جَدِيدٍ، مُضَافاً إلی مَا انْكَشَفَ مِنْ تَعَوُّمِهِ وَسَفَهِهِ عَنِ الحَقِّ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَا انْحَسَرَ عَنْهُ مِنْ أَكَاذِيبِهِ الوَاضِحَةِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ ظُهُورِ نُورِ الحَقِّ فِيمَا سَلَفَ عَنَّا مِنْ قُرْبِ هَذَا الزَّمَانِ. ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْهُ لَمَّا أَنْ ظَهَرَ كِذْبُهُ الصَّرِيحُ بِإمْكَانِ وُقُوعِ البَدَا فِيمَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّيْطَانِ. [267] اتّباع الطريق المعاكس للعرفان يستلزم طمس الآثار العظيمة للمذهبكانت هذه نظريّات أبداها صاحب « الروضات » عبّر فيها عن وجهة نظره، وهكذا فقد كان فساد طريقة وأُسلوب الشيخ أحمد الاحسائيّ في عدم إمكان الوصول إلي العرفان الإلهيّ وحقيقة معرفة أصل الجود ومبدأ الوجود، واعتبار الائمّة المعصومين عليهم السلام مستقلّين في الفيض، وقطع رابطة المخلوقات مع خالقها، وإغلاق باب معرفة الله في وجه الانام وجعله منحصراً بالائمّة، ولزوم الركن الرابع الذي تمثّل معرفته غاية سير البشر غير المعصوم؛ قد أثمر وأنتج كلّ هذه الاُمور التي أجبرت صاحب « الروضات » واضطرّته في النهاية ـ بعد كلّ المدح والثناء ليطلق عنان قلمه في تقبيح الشيخيّة وأتباعهم والتشنيع عليهم، ثمّ عاد إلي الشيخ الاحسائيّ فوصفه بأ نّه كالعلوج الثلاثة الذين قاموا بعد عروج المسيح بإفساد مذهبه وهدمه. هذه هي نتيجة محاربة العرفان والوقوف بوجهه، وعاقبة قطع علاقة البشر عن ذات الحقّ سبحانه وتعالي والنظر إلي الاسماء والصفات الكلّيّة والجزئيّة بصورة مستقلّة؛ وبشكل عامّ النظر إلي كلّ واحد من المخلوقات في مقامه ومنزلته بصورة مستقلّة. ولقد شاهدنا كيف يصبح المرء في طيّه مسيرة معاداة العرفان، أسير الاوهام والتخيّلات، حتّي يضطرّه ذلك التحيّر والضياع إلي الجسارة علي أعيان المذهب، كالمفضّل بن عمر، وجابر بن يزيد، والفضل بن شاذان، والشيخ الطوسيّ، والسيّد بن طاووس وأمثالهم، وإلي الطعن في الروايات الواردة في كتبهم بشأن فضائل أهل البيت عليهم السلام؛ وهكذا يهاجم بهذه الكلمات ا لوجيزة المختصرة أصل التشيّع وأساس بنائه بحيث ينتاب الإنسان الشكّ: أصَدَرَ هذا الكلام حقيقةً عن صديق أم عن أمثال ابن تيميّة الذي كان قد عقد العزم علي هدم أُصول التشيّع وفروعه، فكان يشير في كتابه « منهاج السنّة » إلي الروافض بلفظ « لعنهم الله » ويذكر رئيسَهم آية الله العلاّمة الحلّيّ بلفظ قَالَ الرَّافِضِيُّ خَذَلَهُ اللَهُ؟! لكنّنا سعداء بأنّ اليراع المقتدر لمحيي أساس المذهب: العلاّمة الامينيّ لم يَعْبُر في كتابه القيّم الثمين عن هذا الامر ويتجاوزه، بل توقّف عنده فأدّي المطلب حقّه في ترجمة الحافظ رجب البُرسيّ، جَزَاهُ الَلُه عَنِ الإسْلاَمِ وَالقُرْآنِ وَالَّنِبيِّ وَالعِتَرةِ خَيْراً. ارجاعات [242] ـ صدر الآية 3، من السورة 112: التوحيد. [243] ـ مقطع من الآية 4، من السورة 57: الحديد. [244] ـ الآية 39، من السورة 12: يوسف. [245] ـ مقطع من الآية 7، من السورة 58: المجادلة. [246] ـ الآية 3، من السورة 57: الحديد. [247] ـ «الفتوحات المكّيّة» ج 1، ص 32، طبعة المطبعة الاميريّة، مصر، في مقدِّمة الكتاب؛ أقول: مجموع هذه الاشعار أبيات أربعة: إنّي لاَكْتُمُ مِنْ عِلْمِي جَوَاهِرَهُ كَيْلاَ يَرَي الحَقَّ ذُو جَهْلٍ فَيَفْتَنِنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا أَبُو حَسَنٍ إلی الحُسَيْنِ وَأَوْصَي قَبْلَهُ الحَسَنَا مع البيتين اللذين ذكرهما محيي الدين. وقد نقل صاحب «الغدير» هذه الابيات في كتابه، ج 7، ص 35 و 36، الطبعة الاُولي، المطبعة الحيدريّة، طهران، سنة 1372، عنه عليه السلام، ويقول في الهامش: أوردها الآلوسيّ في تفسيره، ج 6، ص 190، عنه عليه السلام. وأقول: أوردها المرحوم المحقّق الفيض الكاشانيّ في مقدِّمة كتاب «الوافي» وفي «الاُصول الاصيلة» ص 167، عن الاءمام عليه السلام. ويقول المحدِّث الاُرمويّ في هامشه عليه: إنّ نسبة هذه الاشعار للاءمام زين العابدين عليه السلام مشهورة، وهي مأثورة عنه في أغلب كتب المصنّف رحمة الله عليه حتّي أنّ الغزّاليّ قد نقلها في كتبه ونسبها إلي الاءمام عليه السلام. وقد أورد عبد الوهّاب الشعرانيّ في مقدِّمة الجزء الاوّل ص 21 من «اليواقيت والجواهر» طبعة مكتبة الحلبيّ لسنة 1378، الفصل الثالث، في بيان إقامة العذر لاهل الطريق في تكلّمهم في العبارات المغلقة علي غيرهم، حكاية عن محيي الدين قَالَ: نَقَل الاءمَامُ الغَزَّالِيُّ فِي «الاءحْيَاء» وَغَيْرِهِ عَنِ الاءمَامِ زَيْنِ العَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ أَ نَّهُ كَانَ يَقُولُ:... يذكر هنا البيتين الواردين في «الفتوحات» ثمّ يقول بعدها: وَالمُرَادُ بِهَذَا العِلْمِ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَ بِهِ دَمَهُ هُوَ العِلْمُ اللَدُنِّيِّ الَّذِّي هُوَ عِلْمُ الاَسْرَارِ، لاَ مَنْ يَتَوَلَّي مِنَ الخُلَفَاءِ وَمَنْ يَعْزِلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، لاِنَّ ذَلِكَ لاَ يَسْتَحِلُّ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ دَمَ صَاحِبِهِ وَلاَ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الوَثَنَ انتهي. فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الفَصْلِ فَإنَّهُ نَافِعٌ لَكَ وَاللَهُ يَتَوَلَّي هُدَاكَ. [248] ـ «مجالس المؤمنين»، ص 283،المجلس السادس، الطبعة الحجريّة. [249] ـ يقول: «دع الصوفيّ الذي لا يري الباطن والوجه الآخر لحقيقة الاُمور، فهو كالطائر الذي لا يميّز التين عن غيره (إذ لم يره ولم يعرفه قبلاً). [250] ـ كلام المير السـيّد شـريف منقول في «الروضـات»، ج 4، ص 194، الطـبعة الحجريّة عن «مقامع الفضل». [251] ـ «مجالـس المؤمنين» ص 283، المجلـس السـادس في أحـوال محيي الدين بن عربي. [252] ـ ذكر آية الله الحاجّ السيّد محسن العامليّ ترجمته في «أعيان الشيعة» ج 46، ص 156، برقم 2586، الطبعة الثانية،سنة 1378، بهذه الكيفيّة: الآقا محمّد علي ابن الآقا محمّد باقر البهبهانيّ ولد سنة 1144 وتوفي سنة 1216 في كرمانشاه. هو ولد الوحيد البهبهانيّ المشهور؛ أصله من إصفهان ثمّ بهبهان، وسكن والده كربلاء وولد هو بها، وهو أفضل ولدي الوحيد البهبهانيّ. قرأ علي أبيه مدّة إقامته في بهبهان ثمّ بكربلاء ثمّ انتقل إلي الكاظميّة ثمّ إلي إيران. في «تكملة أمل الآمل»: كان من جبال العلم وأركان الدين وأعلام علماء المذهب، لم يكن في عصره أفضل منه ولا أطول باعاً؛ كان أعلم الناس بأُصول المذاهب الاربعة وفروعها فضلاً عن علوم مذهب الاءماميّة. [253] تفضّل سماحة الحاجّ الشيخ محمّد جواد بالقول في نفس الليلة: كان السيّد معصوم علي شاه تلميذ السيّد علي رضا الدكنيّ، وكان يعيش في دكن من بلاد الهند. ثمّ جاء من الهند إلي إيران ولم يكن يملك إلاّ ما يستر به عورته. وكان الحاجّ محمّد جعفر البروجرديّ والحاجّ محمّد رضا التبريزيّ من تلامذة السيّد علي رضا الدكنيّ، إلاّ أ نّهم كانوا يعدّون في نفس الوقت من المشغوفين بالسيّد معصوم علي شاه. وكان الحاجّ محمّد رضا والحاجّ محمّد جعفر رجلين جليلين لكنّهما ينتهجان نهج الدراويش. وكان للحاجّ محمّد رضا مقام علميّ، وله كتاب «الدرّ النظيم» و«مفاتيح الابواب» والكثير من الكتب الاُخري، وكان يسكن بروجرد فقام أهلها بنهب جميع أمواله وأخرجوه من بروجرد وحيداً بتهمة التصوّف. وقد ذهب الحاجّ محمّد رضا إلي مدينة تبريز فأصبح هناك محطّ اهتمام الناس وتقديرهم وصار يحضر عند منبره جمع كثير منهم، وكان يوماً يتكلّم علي المنبر والناس مجتمعون بأجمعهم يُنصتون وكان لذلك منظر عجيب، فخطر في قلبه أنّ استقبال أهل تبريز هو تعويض عن أذي أهل بروجرد. وفجأة دخل الباب درويش قد شدّ قدميه، فجاء من فوره إلي المنبر وهمس في أُذن الحاجّ محمّد رضا شيئاً. ويظهر أ نّه قال له: أأفعل ما ينبغي عَلَيّ فعله أم لا؟ فقال الحاجّ محمّد رضا: افعل! فألقي الدرويش عمامة الحاجّ محمّد رضا في عنقه وجرّه من المنبر إلي الاسفل، وأخرجه من المسـجد تَلاَفِياً لِهَذَا الخُطُورِ النفسـانيّ. وكان السـيّد علي رضا الدكنيّ قد أرسـل هذا الدرويش من دكن وقال له: اذهب إلي تبريز فوراً وأنقِذْ أحد محبّي الله المشرفين علي الهلاك. وهكذا فقد نجي الحاجّ محمّد رضا [254] ـ يقول:«تصبح أحياناً جبل القاف وأحياناً العنقاء نفسها، تصير الشمس تارةً والبحر تارةً أُخري. لكنّك في حقيقة الذات لا هذا ولا ذاك، يا من تخطّيتَ حدَّ الاوهام والوصف». [255] ـ يقول: «إنّما هذا العالم أشعّة من وجه الله، وكلّ الكائنات ظلّ وخيال له». [256] ـ يقول: «كلّ الاشياء التي تُري في هذا العالم بالعيان، ليست إلاّ صورة شمس ذلك العالم». [257] ـ يقول: «يا مَن تتجلّي الارواح كلّها من جمالك، أنتَ ـ لا سواك ـ الجمال المطلق، وأنت وحدك مقصود القلوب ومحطّ آمال الارواح. ليست الاعيان والموجودات إلاّ مَرايا، يا مَن أظهرتَ حقيقةَ وجودك للعالمين في مرايا الاعيان». [258] ـ يقول: «يا جليّ الظهور والاءشراق، مَن ـ تري ـ سواك في الانفس والآفاق؟ ليس في الكائنات غيرك شيء، أنت شمس الضحي وغيرك فيء. كِلا العالَمَينِ ظلّ، والنور أنت، فأنت السبب لظهور الظلّ. أزِلْ عن قلبي كلمات «أنا» و«نحن»، وامح ما سواك ليصبح الكلّ أنت. ليس غيرك مِن شيء، بل أيّ شيء سواك؟ كما أنّ السير يبدأ منك وإليك. منك في البدء كان سير الرجال، وإليك في الختام تطمح الآمال». ـ «مجالس المؤمنين» ص 283 و 284، المجلس السادس،الطبعة الحجريّة، ضمن ترجمة أحوال الشيخ العارف بالله محيي الدين بن عربي. يقول: «ما الفرق لو صار شيخ المجوس (المُرشد الكامل) مرشدي، فليس هناك من رأسٍ يخلو من سرّ الله. فلا محراب للدعاء في صومعة الزاهد، وفي خلوة الصوفي، غير زاوية حاجبك». [259] ـ من أشعار الشيخ العارف: فريد الدين العطّار النيسابوريّ في كتابه المشهور «منطق الطير»؛ يقول: «هو الملك المطلق دائماً، المستغرق في كمال عزّه. لم يزل قائماً بذاته حيثُ كان ولا يزال، فكيف يُدركه عقلُ الوجود حيثُ هو». [260] ـ «روضات الجنّات» ج 4، ص 196، الطبعة الحجريّة. [261] ـ أوردنا مطالب عديدة عن الشيخ أحمد الاحسائيّ في الجزء الخامس من سلسلة «معرفة الاءمام» من «دورة العلوم والمعارف الاءسلاميّة» الدرس 68 إلي 71. [262] ـ «روضات الجنّات» الطبعة الحجريّة: ج 1، ص 25 و 26؛ وفي الطبعة البيروتيّة (أُوفسيت طبعة إسماعيليّان ـ سنة 1390 ه. ق): ج 1، ص 88 إلي 94. [263] ـ يقول في «روضات الجنّات»: سكن الحلّة، وأصله من قرية بُرس الواقعة بينها وبين الكوفة كما في «القاموس»، وضبطه بضمّ الباء الموحّدة وإسكان الراء والسين المهملة، وهي قرية معروفة بالعراق، كما ذكره في «مجمع البحرين» في ذيل قوله في الخبر: أَحْلَي مِنْ مَاءِ بُرْسٍ إلي أن قال: ويريد بمائها ماء الفرات لا نّها واقعة علي شفيره. وحافظ رجب البُرسيّ من علماء أواخر المائة الثامنة للهجرة أو أوائل المائة بعدها، معاصراً لامثال صاحب «المطوّل» والسيّد شريف من علماء العامّة، ولاشباه الشيخ مقداد السيوريّ وابن المتوّج البحرانيّ من فقهاء أصحابنا المعروفين. ومن جملة ما ذكره صاحب «رياض العلماء» في ترجمته: أ نّه البُرسي مولداً والحلّيّ محتداً، الفقيه المحدِّث الصوفيّ المعروف، صاحب كتاب «مشارق الانوار» وغيره من المصنّفات الكثيرة علي ما يظهر من نقل الكفعميّ عنها. ومنها كتاب «مشارق الامان ولباب حقائق الاءيمان» رأيتُه بمازندران وغيرها، وهو غير «مشارق الانوار» المذكور وأخصر منه وتأريخ تأليفه سنة إحدي وثمانمائة. وله أيضاً صورة زيارة معروفة طويلة الذيل لسيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام في نهاية اللطف والفصاحة، ورسالة «اللمعة» كشف فيها أسرار الاسماء والصفات والحروف والآيات وما يناسبها من الدعوات أو يقاربها من الكلمات، رتّبها علي ترتيب الساعات وتعاقب الاوقات في الليالي والايّام، لاختلاف الاُمور والاحكام، وكتاب «الدرّ الثمين» في ذكر خمسمائة آية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، وكتاب «لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد» ورسالة في «تفسير سورة الاءخلاص» ورسالة أُخري في كيفيّة «إنشاء التوحيد والصلوات علي النبيّ وآله» مختصرة. («روضات الجنّات» الطبعة الحجريّة: ص 284 و 285؛ وفي الطبعة الحروفيّة البيروتيّة: ج 3، ص 337 و 338). [264] ـ هذه الابيات نظير أبيات ابن الفارض، ولربّما أنشدها بعد قراءة أشعار ابن الفارض، فلقد أنشد ابن الفارض (المولود سنة 576 والمتوفّي سنة 632 ه. ق) أشعاره بهذه الكلمات: أنتُم فُروضي ونَفْلي أنتُم حَديثي وشُغْلي يا قِبْلَتي في صَلاتي إذا وَقَفْتُُ اُصَلّي جَمالُكُم نَصْبُ عَيْني إليه وَجَّهتُ كُلّي وسِرُّكم في ضَميري والقَلبُ طورُ التَّجلّي آنَستُ في الحيّ ناراً لَيلاً فَبَشَّرتُ أهلي قُلتُ امْكُثوا فلَعَلّي أجِدْ هُدايَ لَعَلّي دَنَوتُ مِنها فَكانَتْ نارُ المُكَلَّمِ قبلي نوديتُ مِنها جِهاراً: رُدّوا لَياليَ وَصلي حتَّي إذا ما تَدانَي الـ ـميقاتُ في جَمْع شَمْلي صارَتْ جِباليَ دَكّاً مِن هَيْبَةِ المُتَجَلّي وَلاحَ سِـرٌّ خَفيٌّ يَـدْريـهِ مَن كـانَ مِـثْـلـي فالمَوتُ فيه حَياتي وفي حَياتيَ قَتلي («ديوان ابن الفارض» ص 175 و 176، طبعة بيروت، سنة 1382 هجريّة قمريّة). [265] ـ لم نجد معنيً مناسباً لكلمة «سنّون» التي وردت بهذا اللفظ في الطبعتين الحجريّة والحروفيّة لـ «الروضات»؛ ومن المحتمل أن يكون «ستّون» بالتاء، ولكنّ «ستّون» لم تأت بهذا المعني والوزن. [266] الِعلْج بالكسر: العَيْر، و ـ: الحمار، و ـ: حمار الوحش السمين القويّ، و: الرغيف، وقيل الرغيف الغليظ الحرف، و ـ: الرجل القويّ الضخم من كفّار العجم؛ وبعض العرب يطلق العِلج علي الكافر مطلقاً، ج: عُلُوج وأعلاج وعِلجَة واسم الجمع: مَعْلوجاء، وكلّ ذي لحية عِلجٌ ولا يُقال للامرد عِلْجٌ. («أقرب الموارد» ج 2، مادّة علج). [267] ـ «روضات الجنّات»: ج 1، ص 284 إلي 286؛ وفي الطبعة الحروفيّة ـ بيروت: ج 3، ص 337 إلي 343. |
|
|