بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الثاني‌عشر: تحقيق حول سلوك الافراد من الاديان المختلفه، محی‌الدین و الملّا الرومی کاملین و من الش...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يعتبر محيي‌ الدين‌ والملاّ الرومي‌ّ كاملين‌ ومن‌ الشيعة‌

 لقد كان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد قدّس‌ الله‌ روحه‌ يقول‌: كان‌ للمرحوم‌ السيّد (القاضي‌) اهتمام‌ كبير بمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ وكتابه‌ « الفتوحات‌ المكّيّة‌ »، وكان‌ يقول‌: إنّ محيي‌ الدين‌ من‌ الكاملين‌، وهناك‌ في‌ فتوحاته‌ شواهد وأدلّة‌ جمّة‌ علي‌ كونه‌ من‌ الشيعة‌، وهناك‌ مطالب‌ كثيرة‌ فيه‌ تُناقض‌ الاُصول‌ المسلّمة‌ لاهل‌ السنّة‌.

 لقد كتب‌ محيي‌ الدين‌ كتاب‌ « الفتوحات‌ » في‌ مكّة‌ المكرّمة‌، ثمّ بسط‌ جميع‌ أوراقه‌ علي‌ سقف‌ الكعبة‌ وتركها سنة‌ لتمحي‌ المطالب‌ الباطلة‌ منها ـ إن‌ وجدت‌ بهطول‌ الامطار، فيتشخّص‌ الحقّ منها عن‌ الباطل‌. وبعد سنة‌ من‌ هطول‌ الامطار المتعاقبة‌ جمع‌ تلك‌ الاوراق‌ المنشورة‌ فشاهد أنّ كلمة‌ واحدة‌ منها لم‌ تُمحَ ولم‌ تُغسلْ.

 كما كان‌ يعدّ الملاّ الرومي‌ّ أيضـاً عارفـاً رفيع‌ المرتبة‌، ويسـتشـهد بأشعاره‌؛ ويعتبره‌ من‌ الشيعة‌ المخلصين‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 وكان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يقول‌ بأنّ: من‌ المحال‌ أن‌ يصل‌ امرؤ إلي‌ مرحلة‌ الكمال‌ فلا تصبح‌ حقيقة‌ الولاية‌ مشهودة‌ لديه‌. وكان‌ يقول‌:

 إنّ الوصول‌ إلي‌ التوحيد ينحصر بالولاية‌؛ الولاية‌ والتوحيد هما حقيقة‌ واحدة‌.

 وعليه‌ فإنّ العظماء المعروفين‌ والمشهورين‌ من‌ عرفاء أهل‌ السنّة‌، إمّا أ نّهم‌ كانوا يعملون‌ بالتقيّة‌ ويخفون‌ تشيّعهم‌، أو أ نّهم‌ لم‌ يصلوا إلي‌ الكمال‌.

 وكان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ يقول‌: كان‌ للمرحوم‌ القاضي‌ كذلك‌ دورة‌ من‌ « الفتوحات‌ المكّيّة‌ » باللغة‌ التركيّة‌ يطالعها وينظر فيها أحياناً.

 وكان‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ عبّاس‌ القوجاني‌ّ يقول‌: كنت‌ أذهب‌ يوميّاً قبل‌ الظهر إلي‌ محضر المرحوم‌ القاضي‌ لساعتين‌، وهو الوقت‌ الذي‌ يتشرّف‌ فيه‌ جميع‌ تلامذته‌ والمشغوفون‌ به‌ بالحضور عنده‌. وكنت‌ في‌ هذه‌ السنوات‌ الاخيرة‌ أقرأ له‌ كتاب‌ « الفتوحات‌ » فكان‌ يستمع‌ لي‌، فإذا ورد علينا شخص‌ غريب‌ فقد كنتُ أقطع‌ قراءتي‌ فيتكلّم‌ المرحوم‌ القاضي‌ عن‌ مواضيع‌ أُخري‌.

 الرجوع الي الفهرس

مقارنة‌ بين‌ شعر حافظ‌ الشيرازي‌ّ وابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ

 ولقد كان‌ المرحوم‌ القاضي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ يعتبر حافظ‌ الشيرازي‌ّ عارفاً كامـلاً، ويفسّـر أشـعاره‌ المختلفة‌ علي‌ أ نّها شـرح‌ منازل‌ السـلوك‌ ومراحله‌، لكنّه‌ كان‌ يعتقد أنّ ابن‌ الفارض‌ تلميذ محيي‌ الدين‌ كان‌ أكمل‌ منه‌. وكان‌ يذكر لهذا الامر شواهد من‌ « ديوان‌ حافظ‌ » ومن‌ أشعار ابن‌ الفارض‌ في‌ «نظم‌ السلوك‌» (التائيّة‌ الكبري‌). وكان‌ يقول‌ في‌ جملتها:

 يقول‌ حافظ‌ في‌ تمثيل‌ وبيان‌ أصالة‌ عشق‌ ومحبّة‌ الله‌ والوَلَه‌ والتَّيَمان‌ به‌:

 عشق‌ تو در وجودم‌ و مهر تودر دلم                     ‌ با شير اندرون‌ شد و با جان‌ به‌ در شود [210]

 ويبيّن‌ ابن‌ الفارض‌ هذه‌ المحبّة‌ والعشق‌ بهذا التعبير:

 وَعِنْدِي‌ مِنْهَا نَشْوَةٌ قَبْلَ نَشْأَتِي‌                     مَعِي‌ أَبَداً تَبْقَي‌ وَإنْ بَلِي‌َ العَظْمُ [211]

 أي‌ أنّ عشقي‌ وسكري‌ من‌ شرابه‌ كان‌ قبل‌ خلقي‌ وإيجادي‌ وسيبقي‌ هكذا إلي‌ الابد ولو بليت‌ عظامي‌ ونخرت‌.

 فلقد جعل‌ حافظ‌ بدء العشق‌ مقترناً من‌ بدء الخلقة‌ المادّيّة‌ والطبيعيّة‌ وقرن‌ نهايته‌ بالموت‌ الطبيعي‌ّ، لكن‌ ابن‌ الفارض‌ يعتبر بدايته‌ قبل‌ الخلقة‌ بآلاف‌ السنين‌ وهو باق‌ ومستمرّ إلي‌ النهاية‌ بعد الخلقة‌.

 وحقّاً فقد ضمّن‌ ابن‌ الفارض‌ في‌ هذه‌ النكتة‌ الواردة‌ في‌ هذا البيت‌ معني‌ التجرّد عن‌ الزمان‌ والمكان‌ للنفس‌ الآدميّة‌، وعدّ لها الابديّة‌ والازليّة‌ في‌ سير مدارج‌ النزول‌ والصعود، بينما لم‌ يبلغ‌ شعر حافظ‌ هذه‌ الذروة‌.

 يقول‌ ابن‌ الفارض‌ في‌البيت‌ اللاحق‌:

 عَلَیكَ بِهَا صِرْفاً وَإنْ شِئْتَ مَزْجَهَا             فَعَدْلُكَ عَنْ ظَلْمِ الحَبِيبِ هُوَ الظُّلْمُ

 والظَّلْم‌ بالظاء المفتوحة‌ هو الريق‌ وماء الفم‌، فيكون‌ معني‌ البيت‌:

 عليك‌ بذات‌ المحبوبة‌ ونفسها (وعدم‌ التنازل‌ عنها إلي‌ غيرها) وإن‌ شئتَ أحياناً التنازل‌ عن‌ ذاتها ونفسها فأردت‌ مزج‌ تلك‌ الذات‌ الصرفة‌ والنفس‌ المجرّدة‌ النورانيّة‌ بشي‌ء آخر، فلا تتعدّ ريقها ورحيقها وامزجه‌ بذات‌ المحبوبة‌؛ ولا تلتفت‌ إلي‌ شي‌ء آخر غير رحيق‌ فمها، لانّ ذلك‌ ظلم‌، بل‌ هو الظلم‌ الاوحد.

 كان‌ يقول‌ المرحوم‌ القاضي‌: المراد من‌ «ظَلْم‌ الحَبيب‌» آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌، لانّ في‌ هذا البيت‌ دعوة‌ إلي‌ التوحيد المحض‌ والاستغراق‌ في‌ الذات‌ الاحديّة‌ وعدم‌ التنازل‌ عنها بأي‌ شي‌ء آخر يمكن‌ فرضه‌ وتصوّره‌. أمّا آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ في‌ هذا التعبير العرفاني‌ّ الراقي‌ والكناية‌ السلوكيّة‌ البديعة‌، فهم‌ بمنزلة‌ ظَلم‌ الحبيب‌، أي‌ ريق‌ الحبيب‌ الذي‌ هو أعذب‌ وألذّ من‌ أي‌ّ شي‌ء آخر، وأكثر بعثاً علي‌ الطمأنينة‌ والراحة‌، وبغضّ النظر عن‌ نفس‌ الحبيب‌؛ فليس‌ هناك‌ شي‌ء آخر بحلاوته‌.

 ومن‌ ثمّ ففي‌ مقام‌ الكثرة‌ والتنزّل‌ عن‌ تلك‌ الوحدة‌ الحقيقيّة‌، فاعدلْ فقط‌ إلي‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ وامزجهم‌ معها، فليس‌ في‌ أيّة‌ من‌ نشآت‌ عالم‌ الوجود من‌ الملك‌ والملكوت‌ بمثابتهم‌ موجود يبعث‌ علي‌ الطمأنينة‌، ولا كمثلهم‌ شي‌ء في‌ سعة‌ الولاية‌ وشمول‌ الآيتيّة‌ والاقربيّة‌ من‌ الذات‌ الاحديّة‌.

 إنّ ارتضاع‌ شفاه‌ الحبيب‌ وارتشاف‌ رحيق‌ فمه‌ هو ـ بلحاظ‌ القرب‌ والفناء والاندكاك‌ في‌ وجود ذات‌ الحبيب‌ ونفسه‌ من‌ أشدّ الاشياء وأكثرها إظهاراً للاتّحاد بنفس‌ الحبيب‌، وأكثرها حكاية‌ عن‌ نفس‌ الحبيب‌ عند مزجها بشي‌ء آخر. ولقد جعل‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ في‌ هذا التشبيه‌ والاستعارة‌ البديعة‌ العرفانيّة‌، متّحدين‌ ومتوحّدين‌ مع‌ الذات‌ الاحديّة‌ والفناء والاندكاك‌ في‌ ذات‌ مَا لاَ اسْمَ لَهُ وَلاَ رَسْمَ لهُ بالشكل‌ الذي‌ لا يتصوّر أقرب‌ منه‌.

 وعليه‌، فإنّ ظَلم‌ الحبيب‌ اللازم‌ في‌ مقام‌ البقاء بعد الفناء، والضروري‌ّ للسـالك‌ لن‌ يكون‌ شـيئاً غيـر عترة‌ خاتـم‌ الانبيـاء وغيـر آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌.

 والشاهد علي‌ هذا المدّعي‌ ما يقوله‌ هذا العارف‌ الجليل‌ في‌ يائيّته‌:

 ذَهَبَ العُمْرُ ضَيَاعاً وَانْقَضَي               ‌ بَاطِلاً إذْ لَمْ أَفُزْ مِنْكُمْ بِشَي‌

 غَيْرَ مَا أُولِيتُ مِنْ عِقْدِي‌ وَلاَ               عِتْرَةِ المَبْعُوثِ حَقَّاً مِنْ قُصَي‌[212]

 أي‌ أنّ حاصل‌ قضاء عمر في‌ السير والسلوك‌ إلي‌ الله‌ هو الوصول‌ إلي‌ ولاية‌ العترة‌ الطاهرة‌ وعقد الولاء لهم‌ الذي‌ وُهِبَ لي‌ وأُوليتُه‌ ففزت‌ بذلك‌ ونلت‌ مناي‌.

 ويستفاد من‌ ذلك‌ أوّلاً: أنّ السير والسلوك‌ الصحيح‌ المنزَّه‌ عن‌ الغشّ والخالص‌ من‌ شوائب‌ النفس‌ الامّارة‌، يوصل‌ السالك‌ آخر المطاف‌ إلي‌ العترة‌ الطيّبة‌، ويمتّعه‌ من‌ أنوارهم‌ الجماليّة‌ والجلاليّة‌ في‌ مرحلة‌ كشف‌ الحجب‌. وأنّ ابن‌ الفارض‌ الذي‌ كان‌ من‌ العامّة‌ ومتّبعاً لمذهب‌ السنّة‌ بشكل‌ مسلّم‌، حتّي‌ أنّ كنيته‌ واسمه‌ هما أبو حفص‌ عمر، قد ارتوي‌ آخر الامر والعمر من‌ شراب‌ مَعِين‌ الولاية‌، وأ نّه‌ سعد واستفاض‌ من‌ رحيق‌ فم‌ محبوب‌ الازل‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ القاضي‌ والحدّاد: الوصول‌ إلي‌ التوحيد بدون‌ الولاية‌ أمر محال‌

 وثانياً: وكما قال‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌، فإنّ الوصول‌ إلي‌ مقام‌ التوحيد والسير الصحيح‌ إلی اللَهِ وعرفان‌ ذات‌ أحديّته‌ عَزَّ اسمه‌ محال‌ بدون‌ ولاية‌ أئمّة‌ الشيعة‌ والخلفاء الحقيقيّين‌: علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ وأولاده‌ من‌ البتول‌ العذراء صلوات‌ الله‌ عليهم‌. وهذا الامر مشهود لابن‌ الفارض‌، وقد ثبت‌ وتحقّق‌ لكثير من‌ العرفاء الاجلاّء، كمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، والملاّ محمّد الرومي‌ّ، وفريد الدين‌ العطّار النيسابوري‌ّ وأمثالهم‌.

 وحاصل‌ الامر أ نّه‌ بواسطة‌ الارتباط‌ الدقيق‌ لمعاني‌ « الفتوحات‌ » مع‌ أشعار ابن‌ الفارض‌، وبالاخذ بنظر الاعتبار كون‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ أُستاذ ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ، وتناغم‌ وانسجام‌ أقوالهما في‌ السير والسلوك‌ بل‌ تشابهها واتّحادها، وباعتبار أنّ نتيجة‌ سلوك‌ ابن‌ الفارض‌ كانت‌ الوصول‌ إلي‌ ولاء أهل‌ بيت‌ العصمة‌، فإن‌ هذه‌ النتيجة‌ والثمرة‌ يمكن‌ مشاهدتها في‌ سلوك‌ وسير محيي‌ الدين‌ أيضاً.

 كان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يقول‌: قال‌ محيي‌ الدين‌ يوماً لابن‌ الفارض‌: من‌ الافضل‌ أن‌ تكتبوا شرحاً لديوانكم‌!

 فردّ ابن‌ الفارض‌: أيّها الاُستاذ! إنّ فتوحاتكم‌ المكّيّة‌ هي‌ شرح‌ لديواني‌!

 ينقل‌ فخر العلماء والمفسِّرين‌ ورأس‌ أهل‌ الرواية‌ والمحدِّثين‌ وعَلَم‌ الحكماء والعارفين‌ المرحوم‌ المحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ كتابه‌ « كلمات‌ مكنونة‌ » مطلباً عن‌ محيي‌ الدين‌ يسطع‌ ويتوهّج‌ كالشمس‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ ويشعّ متلالئاً إلي‌ الابد كخطوط‌ منقوشة‌ بالانوار الملكوتيّة‌ علي‌ طلعة‌ الاُفق‌ الزرقاء؛ يقول‌:

 وَقاَلَ صَاحِبُ «الفُتُوحَاتِ» بَعْدَ ذِكْرِ نَبِيِّنَا صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ، وَأَ نَّهُ أوَّلُ ظاهِرٍ في‌ الوُجُودِ؛ قَالَ:

 وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ عَلِي‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طاَلِبٍ، إمَامُ العَالَمِ وَسِرُّ الاَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ.[213]

 الرجوع الي الفهرس

 تحقيق‌ من‌ الحقير حول‌ سير وسلوك‌ الافراد من‌ الاديان‌ والمذاهب‌ المختلفة‌ من العامّة‌ وغيرهم‌ ونتيجته‌ السلبيّة‌ أو الإيجابيّة‌ في‌ الوصول‌ للتوحيد وعرفان‌ ذات‌ الحقّ المتعال‌

 الحقّ في‌ الخارج‌ واحد لا غير، لا نّه‌ بمعني‌ أصل‌ الوجود والتحقّق‌، ومعلوم‌ أنّ حقيقة‌ الوجود والموجود لا تتغيّر ولا تتبدّل‌؛ وفي‌ مقابله‌ الباطل‌ الذي‌ هو بمعني‌ غير الاصيل‌ والمعدوم‌ غير المتحقّق‌.

 والذين‌ يمتلكون‌ إرادة‌ السير والسلوك‌ إلي‌ الله‌ وحقيقة‌ الحقائق‌ وأصل‌ الوجود وعلّة‌ العلل‌ ومبدأ الوجود ومُنتهاه‌، سواء كانوا مسلمين‌ أم‌ غير مسلمين‌ من‌ يهود ونصاري‌ ومجوس‌ وأتباع‌ بوذا وكونفوشيوس‌، وسواء كان‌ المسلمون‌ منهم‌ شيعةً أم‌ غيرهم‌ من‌ أنواع‌ المذاهب‌ الحادثة‌ في‌ الإسلام‌، فهم‌ في‌ ذلك‌ لا يعدون‌ إحدي‌ حالتَينِ:

 الاُولي‌: أُولئك‌ الذين‌ يفتقدون‌ النزاهة‌ والإخلاص‌ في‌ النيّة‌، فهم‌ لا يسيرون‌ في‌ طريق‌ السلوك‌ إخلاصاً وتقرّباً، بل‌ يردون‌ في‌ السلوك‌ لدواعٍ نفسانيّة‌، وهؤلاء لا يبلغون‌ مقصدهم‌ وغايتهم‌ أبداً، ويقنعون‌ خلال‌ طي‌ّ الطريق‌ بكشفٍ أو كرامة‌، أو بتقوية‌ النفوس‌ والتأثير في‌ موادّ الكائنات‌، أو الإخبار عن‌ الضمائر والبواطن‌، أو تحصيل‌ الكيمياء وأمثالها، فيدفنون‌ في‌ النهاية‌ في‌ هذه‌ المراحل‌ المختلفة‌ كلاّ حسب‌ وضعه‌ ونفسه‌.

 والثانية‌: أُولئك‌ الذين‌ يتمثّل‌ هدفهم‌ في‌ الوصول‌ إلي‌ الحقيقة‌ فلا تشوب‌ نيّتهم‌ شائبة‌. فإن‌ كانوا ـ والحال‌ هذه‌ مسلمين‌ تابعين‌ لخاتم‌ الانبياء والمرسلين‌ ومن‌ شيعة‌ سيّد الاوصياء أمير المؤمنين‌ عليهما أفضل‌ صلوات‌ الله‌ وملائكته‌ المقرّبين‌ ومن‌ المتابعين‌ له‌، فإنّهم‌ سيسيرون‌ في‌ هذا الطريق‌ وينتهون‌ إلي‌ قصدهم‌ وهدفهم‌، لانّ هذا الطريق‌ أوحد لا طريق‌ سواه‌، كما أنّ باقي‌ الطرق‌ سلبيّة‌ ومرفوضة‌.

 أمّا لو لم‌ يكونوا مسلمين‌، أو لم‌ يكونوا من‌ الشيعة‌ فسيكونون‌ من‌ المستضعفين‌ حتماً، وذلك‌ لا نّهم‌ لا يحملون‌ ـ حسب‌ الفرض‌ غلاّ أو غشّاً، فهؤلاء هم‌ الذين‌ لم‌ يصل‌ سعيهم‌ وتحقيقهم‌ بشأن‌ الإسلام‌ والتشيّع‌ إلي‌ نتيجة‌ إيجابيّة‌، وإلاّ عدّوا ضمن‌ المجموعة‌ الاُولي‌ مع‌ وضعها المعلوم‌.

 والله‌ جلّ وعلا يمدّ يد الإعانة‌ لمثل‌ هؤلاء الافراد، فيجتازوا بمعونته‌ الدرجات‌ والمراتب‌ عن‌ طريق‌ نفس‌ الولاية‌ التكوينيّة‌ التي‌ يجهلونها، فيردون‌ أخيراً في‌ الحرم‌ الإلهي‌ّ والحريم‌ الكبريائي‌ّ، ويحصلون‌ علي‌ الفناء في‌ ذات‌ الحقّ تعالي‌.

 ولا نّنا نعلم‌ أنّ الحقّ واحد، وأنّ صراطه‌ وطريقه‌ مستقيم‌، وأنّ شريعته‌ صحيحة‌، فإنّ هؤلاء المستضعفين‌ الذين‌ لا يحملون‌ في‌ قلوبهم‌ غلاّ ولا مرضاً سيصلون‌ بأنفسهم‌ ـ خلال‌ الطريق‌ أو في‌ نهايته‌ إلي‌ حقيقة‌ التوحيد والإسلام‌ والتشيّع‌ وسيفهمونها ويدركونها، لانّ الوصول‌ إلي‌ التوحيد بدون‌ الإسلام‌ أمر محال‌، ولانّ الإسلام‌ بدون‌ التشيّع‌ ليس‌ إلاّ مفهوماً لا حقيقة‌ له‌.

 ومن‌ ثمّ فإنّ أُولئك‌ الذين‌ يدركون‌ بنور الكشف‌ والشهود أنّ الولاية‌ تمثّل‌ متن‌ النبوّة‌ وأصلها، وأنّ النبوّة‌ والولاية‌ هما طريق‌ التوحيد وسبيله‌، لو أُقسـم‌ لهم‌ ألف‌ مـرّة‌ ولو أُقيم‌ لهم‌ ألف‌ دليل‌ علي‌ أنّ عليّاً عليه‌ السـلام‌ لم‌ يكـن‌ خليفة‌ رسـول‌ الله‌، وأنّ النبـي‌ّ لم‌ يعـيّـن‌ بنفسـه‌ الخلـيـفـة‌ بـعـده‌ ولم‌ ينصِّب‌ وصيّاً يخلفه‌، لما قبلوا بذلك‌ ولما أمكنهم‌ قبوله‌؛ ذلك‌ لا نّهم‌ يدركون‌ الله‌ وجميـع‌ الحقائق‌ نصب‌ أعينهم‌ بِالشُّـهُودِ وَالعَـيَـانِ لاَ بِالخَبَـرِ وَالسَّمَاعِ، لانّ الشخص‌ الذي‌ وجد الله‌ وجد معه‌ جميع‌ الاشياء.

 أفيمكن‌ ـ يا تري‌ تصوّر أن‌ يصل‌ امرؤٌ ما إلي‌ التوحيد، فلا يجد النبوّة‌ والولاية‌ اللتين‌ هما حقيقة‌ التوحيد وعينه‌؟! كلاّ، ليس‌ ذلك‌ معقولاً أبداً.

 الرجوع الي الفهرس

العرفاء من‌ غير الشيعة‌ إمّا لم‌ يكونوا عرفاء حقّاً أو كانوا يستترون‌ بالتقيّة‌

 وحاصل‌ ذلك‌ أنّ جميع‌ العرفاء الذين‌ دوّن‌ التأريخ‌ أسماءهم‌، سواء كانوا من‌ غير المسلمين‌، أم‌ من‌ المسلمين‌ غير الشيعة‌، فإمّا أن‌ يكونوا في‌ باطن‌ الامر مسلمين‌ وشيعة‌، كلّ ما في‌ الامر أ نّهم‌ احترزوا عن‌ إظهار تلك‌ الحقيقة‌ لعدم‌ ملاءمة‌ ظروف‌ البيئة‌ الاجتماعيّة‌، وخوفاً من‌ الحكومات‌ والقضاة‌ الجائرين‌ ومن‌ عوامّ الناس‌ الذين‌ هم‌ كالانعام‌؛ إذ تعرّض‌ الكثير من‌ أجلاّء العرفاء لعدم‌ كتمان‌ السرّ ولإظهار المكنونات‌، إلي‌ الحُكم‌ عليهم‌ بالقتل‌ والإغارة‌ والنهب‌ والإحراق‌ والشنق‌.

 وليس‌ ثمّة‌ من‌ عاقل‌ يتّضح‌ لديه‌ هذا الامر فيرضي‌ أن‌ يفشي‌ سرّه‌، ليصبح‌ طعمة‌ للكلاب‌ المفترسة‌ والذئاب‌ المتعطّشة‌ لدماء البشر.

 وإمّا أن‌ يكون‌ هؤلاء لم‌ يصلوا قصدهم‌ وهدفهم‌، فهم‌ يدّعون‌ العرفان‌ والوصول‌ ثمّ يجعلون‌ أنفسهم‌ فراعنة‌ بمجرّد كشف‌ أمرٍ ما، فيدعون‌ الناس‌ إلي‌ السجود لهم‌.

 ولقد كان‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، و ابن‌ الفارض‌، و الملاّ محمّد البلخي‌ّ صاحب‌ « المثنوي‌ّ »، و العطّار وأمثالهم‌ ممّن‌ دُوّنت‌ أحوالهم‌ في‌ التراجم‌ في‌ ابتداء أمرهم‌ علي‌ مذهب‌ السنّة‌ بلا شكّ، ولقد نشأ هؤلاء وترعرعوا في‌ ظلّ حكومة‌ سنّيّة‌ المذهب‌ وفي‌ مدينة‌ يقطنها السنّة‌، كما أ نّهم‌ انحدروا من‌ عوائل‌ سنّيّة‌ وعاشوا في‌ مجتمع‌ حاكمه‌ ومفتيه‌ وقاضيه‌ وإمام‌ جماعته‌ ومؤذّنه‌، وصولاً إلي‌ بقّاله‌ وعطّاره‌ وجامع‌ نفاياته‌ بأجمعهم‌ من‌ السنّة‌، وكان‌ نهجهم‌ ومذهبهم‌ سنّيّاً، وكانت‌ مكتباتهم‌ مليئة‌ بكتب‌ العامّة‌، فلم‌ يكن‌ يوجد في‌ جميع‌ مدنهم‌ ولو كتاب‌ شيعي‌ّ واحد.

 لكنّ هؤلاء خطوا في‌ طريق‌ السير والتعالي‌ يوماً بعد آخر، وتطلّعوا إلي‌ عالم‌ الشريعة‌ بعين‌ منصفة‌ وقلب‌ سليم‌ منزّه‌، فاكتشفوا الحقائق‌ تدريجيّاً بالشهود والوجدان‌، ومزّقوا عنهم‌ ستار العصبيّة‌ والحميّة‌ الجاهليّة‌، وصاروا من‌ مخلصي‌ الموحّدين‌ ومن‌ الشيعة‌ الذين‌ يفدون‌ أرواحهم‌ في‌ محبّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌؛ كلّ ما في‌ الامر أنّ التسمّي‌ باسم‌ الشيعة‌ وإظهار البغض‌ والعداء للخلفاء الغاصبين‌ كان‌ أمراً محالاً، ولا يختصّ الامر بذلك‌ الزمان‌ وحده‌، بل‌ إنّكم‌ ترون‌ أ نّه‌ يصدق‌ أيضاً في‌ يومنا هذا بالنسبة‌ للكثير من‌ الدول‌ ذات‌ الغالبيّة‌ السنّيّة‌.

 اليوم‌ أيضاً لو وقف‌ امرؤ في‌ أيّة‌ زاوية‌ من‌ المدينة‌: بيت‌ رسول‌ الله‌ وبيت‌ فاطمة‌ ومحلّ انتشار جهاد وعلوم‌ أمير المؤمنين‌ عليهم‌ السلام‌ جميعاً، فنادي‌ في‌ الاذان‌ أو غيره‌: أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّاً أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَوَلِي‌ُّ اللَهِ! لسفكوا دمه‌ ولتناهبت‌ القبائل‌ والطوائف‌ دمه‌ ولحمه‌ تبرّكاً، فلا يدعون‌ له‌ جسداً فيدفن‌؛ لكنّه‌ لو وقف‌ ساعة‌ كاملة‌ يتحدّث‌ في‌ مدح‌ عائشة‌ ويثني‌ عليها مع‌ سوابقها المشؤومة‌ تلك‌ ومع‌ تأريخها الاسود الحالك‌، لتحلّقوا حوله‌ ونثروا عليه‌ الحلوي‌، ولاستقبلوه‌ بالزغاريد والاهاليل‌.

 ولذلك‌، فلا ينبغي‌ علينا أن‌ نقبل‌ كلّ ما أورده‌ هؤلاء العظماء في‌ كتبهم‌ بلا مناقشة‌، بل‌ علينا أن‌ نحكّم‌ فيه‌ العقل‌ والسنّة‌ الصحيحة‌ وأقوال‌ أئمّة‌ الحقّ؛ فما صحّ منه‌ قبلناه‌ واستفدنا منه‌؛ وإن‌ لاح‌ لنا في‌ كتبهم‌ أمر باطل‌ رفضناه‌ وحملنا صدوره‌ منهم‌ علي‌ التقيّة‌ وأمثالها، وهذا هو دأبنا وديدننا في‌ جميع‌ الكتب‌، حتّي‌ في‌ كتب‌ الشيعة‌ نفسها.

 وهناك‌ في‌ « محاضرات‌ » محيي‌ الدين‌ الكثير من‌ المطالب‌ المخالفة‌ لعقيدتنا والمرفوضة‌ من‌ قبلنا، لكنّنا نقبل‌ منها ما وافق‌ التأريخ‌ الصحيح‌ ولم‌ يتنافَ مع‌ أُصولنا. وهذا الامر ينطبق‌ علي‌ كتابه‌ « الفتوحات‌ » وسائر كتبه‌ الاُخري‌.

 والمطلب‌ الآخر هو أنّ العرفاء الاجلاّء الذين‌ وصلوا إلي‌ مقام‌ الفَناء في‌ الله‌، يتبعون‌ ـ بعد هذا المقام‌ وفي‌ مقام‌ البقاء بالله‌ سعتهم‌ وأعيانهم‌ الثابتة‌، فبعضهم‌ نوراني‌ّ ووسيع‌ جدّاً والبعض‌ الآخر في‌ مراحل‌ ودرجات‌ مختلفة‌، في‌ حين‌ يمتلك‌ البعض‌ الآخر من‌ العرفاء نوراً وسعة‌ وجوديّة‌ ضئيلة‌. وبشكل‌ عامّ فإنّ كلاّ منهم‌ يمتلك‌ نوراً خاصّاً وإحاطة‌ خاصّة‌ به‌. يقول‌ القاضي‌ نور الله‌ في‌ ترجمة‌ عبد الرزّاق‌ الكاشي‌ّ: « يقول‌ صاحب‌ « جامع‌ الاسرار » قدّس‌ الله‌ سرّه‌ (السيّد حيدر الآملي‌ّ) مع‌ مخالفته‌ للشيخ‌ محيي‌ الدين‌ في‌ عدّة‌ أُمور، وبعد الاستدلال‌ علي‌ مخالفته‌ للشيخ‌ عقلاً ونقلاً وكشفاً: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي‌ عِلْمٍ عَلِيمٌ. [214]

 كما أثني‌ علي‌ الشيخ‌ عبد الرزّاق‌ في‌ الكثير من‌ المواضع‌ واعترف‌ بصحّة‌ كشفه‌ وابتهل‌ إلي‌ الله‌ سبحانه‌ في‌ الوصول‌ إلي‌ مقامه‌ ».

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ سعد الدين‌ الحموي‌ّ في‌ شأن‌ محيي‌ الدين‌ وشهاب‌ الدين‌ السهروردي‌ّ

 كما يقول‌ القاضي‌ نور الله‌ أيضاً في‌ ترجمة‌ الشيخ‌ شهاب‌ الدين‌ السهروردي‌ّ: نُقل‌ في‌ الرسالة‌ « الإقباليّة‌ » عن‌ الشيخ‌ علاء الدولة‌ السمناني‌ّ أنّ الشيخ‌ سعد الدين‌ الحموي‌ّ سُئل‌: كيف‌ وجدت‌ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌؟!

 قال‌: بَحْرٌ مَوَّاجٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ.

 قيل‌: وكيف‌ وجدت‌ الشيخ‌ شهاب‌ الدين‌ السهروردي‌ّ؟!

 أجاب‌: نُورُ مُتَابَعَةِ النَّبِي‌ِّ فِي‌ جَبِينِ السُّهْرَوَرْدِي‌ِّ شَي‌ءٌ آخر.[215]

 وقد ذكر القاضي‌ نور الله‌ نسبه‌ وأوصله‌ إلي‌ القاسم‌ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر، فيقول‌: ومع‌ أنّ كنيته‌ أبا حَفْص‌ واسمه‌ عُمَر لكنّه‌ من‌ أحفاد محمّد بن‌ أبي‌ بكر، وسلسلة‌ نسبه‌ إلي‌ محمّد بهذه‌ الكيفيّة‌:

 شهاب‌ الدين‌ أبو حفص‌ عمر بن‌ محمّد بن‌ السَّهْرَوَرْدِي‌ّ بن‌ النضير ابن‌ القاسم‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ عبد الرحمن‌ بن‌ القاسم‌ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ بكر. [216]

 كما أنّ نسب‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ يصل‌ إلي‌ عَدِي‌ِّ بن‌ حاتم‌ الطائي‌ّ؛ ولعدي‌ّ في‌ ولائه‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ حكايات‌ وقصص‌.

 الرجوع الي الفهرس

المكاشفات‌ الواردة‌ في‌ «الفتوحات‌» والتي‌ لا تنطبق‌ علي‌ الواقع‌

 ومن‌ الجدير هنا بيان‌ عدّة‌ نكات‌:

 الاُولي‌: أنّ الوارد علي‌ « الفتوحات‌ المكّيّة‌ » لمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ يجد أ نّها ـ مع‌ احتوائها لنكات‌ دقيقة‌ وعميقة‌ ولاسرار عجيبة‌ وعلوم‌ بديعة‌ متنوّعة‌ تضمّ بعض‌ مكاشفاته‌ التي‌ لا تنطبق‌ مع‌ الواقع‌ ومع‌ عقائد الشيعة‌. ومثال‌ ذلك‌ قوله‌ في‌ الدعاء عند خاتمة‌ المجلس‌ في‌ آخر كتاب‌ وصاياه‌، وهو الباب‌ الاخير من‌ « الفتوحات‌ »:

 اللَهُمَّ أَسْمِعْنَا خَيْراً، وَأَطْلِعْنَا خَيْراً! وَرَزَقَنَا اللَهُ العَافِيَةَ وَأَدَامَهَا لَنَا، وَجَمَعَ اللَهُ قُلُوبَنَا عَلَي‌ التَّقْوَي‌، وَوَفَّقَنَا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضي‌! «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا´ إِن‌ نَّسِينَا´ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَتَحْمِلْ عَلَینَا´ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ و عَلَي‌ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَب'نَا فاٌنصُرْنَا عَلَي‌ الْقَوْمِ الْكَـ'فِرِينَ.[217]

 ثمّ يقول‌: هذا الدعاء سمعته‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ في‌ المنام‌ يدعو به‌ بعد فراغ‌ القاري‌ عليه‌ من‌ كتاب‌ « صحيح‌ البخاري‌ّ »؛ وذلك‌ سنة‌ تسع‌ وتسعين‌ وخمسمائة‌ بمكّة‌ بين‌ باب‌ الحزورة‌ وباب‌ أجياد، يقرأه‌ الرجل‌ الصالح‌ محمّد بن‌ خالد الصدفي‌ّ التلمساني‌ّ وهو الذي‌ كان‌ يقرأ علينا كتاب‌ « الإحياء » لابي‌ حامد الغزّالي‌ّ.

 وسألت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ في‌ تلك‌ الرؤيا عن‌ المطلّقة‌ بالثلاث‌ في‌ لفظ‌ واحد وهو أن‌ يقول‌ لها: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً؟

 فقال‌ لي‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: «هِي‌َ ثَلاَثٌ كَمَا قَالَ: ] فَـ [ لاَ تَحِلُّ لَهُ و ] مِن‌ بَعْدُ [ حَتَّي‌' تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ». [218]

 فكنت‌ أقول‌ له‌: يَا رَسُولَ اللَهِ! فإنّ قوماً من‌ أهل‌ العلم‌ يجعلون‌ ذلك‌ طلقة‌ واحدة‌؟

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: أُولئك‌ حكموا بما وصل‌ إليهم‌ وأصابوا.

 ففهمتُ من‌ هذا تقرير حكم‌ كلّ مجتهد، وأنّ كلّ مجتهد مصيب‌، فكنت‌ أقول‌ له‌: يا رَسولَ اللَهِ؛ فما أُريد في‌ هذه‌ المسألة‌ إلاّ ما تحكم‌ به‌ أنت‌ إذا استُفتيتَ، وما لو وقع‌ منك‌ ما كنت‌ تصنع‌؟

 فقال‌: هِي‌َ ثَلاَثٌ كَمَا قَالَ: «لاَ تَحِلُّ لَهُ و حَتَّي‌' تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ».

 فرأيت‌ شخصاً قد قام‌ من‌ آخر الناس‌ ورفع‌ صوته‌ وقال‌ بسوء أدب‌ يخاطب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقول‌ له‌:

 يَا هَذَا ـ بِهَذَا اللَفْظِ لاَ نُحَكِّمُكَ بِإمْضَاءِ الثَّلاَثِ وَلاَ بِتَصْوِيبِكَ حُكْمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَدُّوهَا إلی واحِدَةٍ!

 فاحمرّ وجه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ غضباً علي‌ ذلك‌ المتكلّم‌ ورفع‌ صوته‌ يصيح‌: هِي‌َ ثَلاَثٌ كَمَا قَالَ ] تَعَالَي‌ [: «لاَ تَحِلُّ لَهُ و حَتَّي‌' تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ». تَسْتَحِلُّونَ الفُرُوجَ؟!

 فما زال‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يصيح‌ بهذه‌ الكلمات‌ حتّي‌ أسمع‌ مَن‌ كان‌ في‌ الطواف‌ من‌ الناس‌ وذلك‌ المتكلّم‌ يذوب‌ ويضمحل‌ حتّي‌ ما بقي‌ منه‌ علي‌ الارض‌ شي‌ء.

 فكنت‌ أسأل‌ عنه‌: من‌ هو هذا الذي‌ أغضب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌؟ فيقال‌ لي‌: هو إبليس‌ لعنه‌ الله‌. فاستيقظت‌.[219]

 ومع‌ وجود هذا النحو من‌ الكشفيّات‌ والمطالب‌ في‌ « الفتوحات‌ »، فإن‌ قال‌ أحد: كيف‌ يصحّ إذاً كلام‌ المرحوم‌ القاضي‌ من‌ أنّ محيي‌ الدين‌ ـ بعد فراغه‌ من‌ تصنيف‌ كتاب‌ فتوحاته‌ المكّيّة‌ استظهاراً بدون‌ أن‌ يراجع‌ كتاباً وضعه‌ علي‌ سطح‌ الكعبة‌ فيبقي‌ هناك‌ سنة‌ ثمّ أنزله‌ بعد ذلك‌ فكان‌ باقياً كما كتبه‌ لم‌ تبتلّ منه‌ ورقة‌ ولم‌ تتناثر أوراقه‌ بالرياح‌ مع‌ كثرة‌ رياح‌ مكّة‌ وأمطارها، ولم‌ يأذن‌ للناس‌ في‌استنساخها إلاّ بعد ذلك‌؟!

 وَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَضَعَها فِي‌ سَطْحِ الكَعْبَةِ المُعَظَّمَةِ فَأَقَامَتْ فِيهِ سَنَةً ثُمَّ أَنْزَلَهَا فَوَجَدَهَا كَمَا وَضَعَها لَمْ يَبْتَلَّ مِنهَا وَرَقَةٌ وَلاَ لَعِبَتْ بِهَا الرِّيَاحُ مَعَ كَثْرَةِ أَمْطَارِ مَكَّةَ وَرِيَاحِهَا، وَمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي‌ كِتَابَتِهَا وَقِرَاءَتِهَا إلاَّ بَعْدَ ذلِكَ. [220]

 فالجواب‌ علي‌ ذلك‌ لاعتبارين‌:

 أوّلهما: أنّ محيي‌ الدين‌ قد كتب‌ بنفسه‌ نسختين‌ من‌ « الفتوحات‌ »، لكلّ واحد من‌ ولديه‌ نسخة‌ منهما، فهذه‌ النسخة‌ الفعليّة‌ من‌ « الفتوحات‌ » التي‌ في‌ أيدينا إنمّا هي‌ النسخة‌ الثانية‌ المكتوبة‌ في‌ دمشق‌، والتي‌ تشمل‌ مطالب‌ النسخة‌ المكتوبة‌ في‌ مكّة‌ مضافاً إليها الزيادات‌ التي‌ ألحقها بها بنفسه‌، وكان‌ تأريخ‌ ختم‌ كتابة‌ هذه‌ النسخة‌ قبل‌ وفاته‌ بعامين‌. فهو يقول‌ في‌ آخر الكتاب‌ بعد كتاب‌ وصاياه‌:

 « انتهي‌ الباب‌ بحمد الله‌ بانتهاء الكتاب‌ علي‌ أمكن‌ ما يكون‌ من‌ الإيجاز والاختصار علي‌ يدي‌ منشيه‌، وهو النسخة‌ الثانية‌ من‌ الكتاب‌ بخطّ يدي‌، وكان‌ الفراغ‌ من‌ هذا الباب‌ الذي‌ هو خاتمة‌ الكتاب‌ بكرة‌ يوم‌ الاربعاء، الرابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ سنة‌ ستّ وثلاثين‌ وستمائة‌. وكتب‌ منشيه‌ بخطّه‌ محمّد بن‌ علي‌ّ بن‌ محمّد بن‌ العربي‌ّ الطائي‌ّ الحاتمي‌ّ وفّقه‌ الله‌. هذه‌ النسخة‌ سبعة‌ وثلاثون‌ مجلداً وفيها زيادات‌ علي‌ النسخة‌ الاُولي‌ التي‌ وقفتها علي‌ ولدي‌ محمّد الكبير الذي‌ أُمّه‌ فاطمة‌ بنت‌ يونس‌ بن‌ يوسف‌ أمير الحرمين‌ وفّقه‌ الله‌، وعلي‌ عقبه‌ وعلي‌ المسلمين‌ بعد ذلك‌ شرقاً وغرباً، بَرّاً وبحراً، وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَي‌ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَي‌ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ [221]

 الرجوع الي الفهرس

حصول‌ التحريفات‌ الكثيرة‌ في‌ «الفتوحات‌ المكّيّة‌»

 وثانيهما: أنّ هناك‌ تلاعباً كثيراً قد وقع‌ في‌ هذه‌ النسـخة‌ المطبوعة‌ من‌ « الفتوحات‌ » فأُدخلت‌ فيها إضافات‌ وحذفت‌ منها أُمور.

 وقد ذكـر عبد الوهّاب‌ الشـعراني‌ّ ـ وهـو مـن‌ أكثـر العلمـاء اطّـلاعاً علي‌ كتب‌ محيي‌ الديـن‌ شـرحاً مفصّـلاً للتحـريفـات‌ الـواردة‌ في‌ كتب‌ محيي‌ الدين‌. [222]

 كما أورد محمّد قطّة‌ العدوي‌ّ ابن‌ الشيخ‌ عبد الرحمن‌ مصحّح‌ دار الطباعة‌ المصريّة‌ في‌ خاتمة‌ « الفتوحات‌ » صورة‌ لترجمة‌ حال‌ محيي‌ الدين‌ وفتوحاته‌ كانت‌ موجودة‌ في‌ الطبعة‌ الاُولي‌، فورد فيها:

 ] وله‌ تآليف‌ [ وكتب‌ أُخري‌ عديدة‌ كـ « الفصوص‌ » و « الفتوحات‌ المدنيّة‌ » وهي‌ مختصرة‌ في‌ قدر عشر ورقات‌، وكهذا الكتاب‌ أعني‌ « الفتوحات‌ المكّيّة‌ » الذي‌ اختصره‌ سيّدي‌ عبد الوهّاب‌ بن‌ أحمد الشعراني‌ّ، المتوفّي‌ سنة‌ 973 ه. ق‌، وسمّي‌ ذلك‌ المختصر «لَوَاقِحُ الاَنْوَارِ القُدْسِيَّةِ المُنْتَقَاةُ مِنَ الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» ثمّ اختصر هذا المختصر وسمّاه‌ «الكِبْرِيتُ الاَحْمَرُ مِنْ عُلُومِ الشَّيخِ الاَكْبَرِ».

 وذكر ] الشعراني‌ّ [ في‌ « مختصر الفتوحات‌ » ما نصّه‌:

 وقد توقّفت‌ حال‌ الاختصار لكتاب‌ « الفتوحات‌ » في‌ مواضع‌ كثيرة‌ منه‌ لم‌ يظهر لي‌ موافقتها لما عليه‌ أهل‌ السنّة‌ والجماعة‌ فحذفتها من‌ هذا المختصر، وربما سهوت‌ فتبعت‌ ما في‌ الكتاب‌ كما وقع‌ للبيضاوي‌ّ مع‌ الزمخشري‌ّ.[223]

 ثمّ لم‌ أزل‌ كذلك‌ أظنّ أنّ المواضع‌ التي‌ حذفت‌ ثابتة‌ عن‌ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ وقد حذفتها لعدم‌ موافقتها مع‌ العامّة‌، حتّي‌ قدم‌ علينا الاخ‌ العالم‌ الشريف‌ شمس‌ الدين‌ السيّد محمّد بن‌ السيّد أبي‌ الطيب‌ المدني‌ّ، المتوفّي‌ سنة‌ 955، فذاكرته‌ في‌ ذلك‌، فأخرج‌ إليّ نسخة‌ من‌ « الفتوحات‌ » التي‌ قابلها علي‌ النسخة‌ التي‌ عليها خطّ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ نفسه‌ بقونية‌، فلم‌ أر فيها شيئاً ممّا توقّفت‌ فيه‌ وحذفته‌، فعلمت‌ أنّ النُّسَخَ التي‌ في‌ مصر الآن‌ كلّها كتبت‌ من‌ النسخة‌ التي‌ دسّوا علي‌ الشيخ‌ فيها ما يخالف‌ عقائد أهل‌ السنّة‌ والجماعة‌ كما وقع‌ له‌ ذلك‌ في‌ كتاب‌ « الفصوص‌ » وغيره‌. [224]

 يشهد علي‌ هذا الكلام‌ أ نّه‌ قد ذكر في‌ هذه‌ الطبعة‌ من‌ « الفتوحات‌ » أنّ إمام‌ العصر هو من‌ وُلْد الحسن‌ بن‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليهما السلام‌. مضافاً إلي‌ ذلك‌ أنّ المحقّق‌ الفيض‌ قد أورد في‌ كتابه‌ « كلمات‌ مكنونة‌ » في‌ شأن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ نقلاً عن‌ « الفتوحات‌ »: إنَّهُ ذَكَرَ نَبِيَّنا صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وآلِهِ وأ نَّهُ أَوَّلُ ظَاهِرٍ فِي‌ الوُجُودِ. قَالَ: وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ عَلِي‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ إمَامُ العَالَمِ وَسِرُّ الاَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ.[225] بينما لا يوجد هذا المطلب‌ في‌ النسخة‌ الحاليّة‌ من‌ « الفتوحات‌ ».

 بَيدَ أنّ الشعراني‌ّ قد ذكرها في‌ « اليواقيت‌ » بهذه‌ العبارة‌:

 وَإيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ لَمَّا أَرَادَ بَدْءَ ظُهُورِ العَالَمِ عَلَي‌ حَدِّ مَا سَبَقَ فِي‌ عِلْمِهِ، انْفَعَلَ العَالَمُ عَنْ تِلْكَ الإرَادَةِ المُقَدَّسَةِ بِضَرْبٍ مِنْ تَجَلِّيَاتِ التَّنْزِيهِ إلی الحَقِيقَةِ الكُلِّيَّةِ.

 فَحَدَثَ الهَبَاءُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ طَرْحِ البَنّاءِ الجَِصَّ لِيَفْتَتِحَ فِيهِ مِنَ الاَشْكَالِ وَالصُّوَرِ مَا شَاءَ. وَهَذَا أَوَّلُ مَوجُودٍ فِي‌ العَالَمِ.

 ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَي‌ تَجَلَّي‌ بِنُورِهِ إلی ذَلِكَ الهَبَاءِ وَالعَالَمُ كُلُّهُ فِيهِ بِالقُوَّةِ؛ فَقَبِلَ مِنهُ كُلُّ شَي‌ءٍ فِي‌ ذَلِكَ الهَبَاءِ عَلَي‌ حَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ النُّورِ كَقَبُولِ زَوَايَا البَيْتِ نُورَ السِّرَاجِ فَعَلَي‌ حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ يَشْتَدُّ ضَوْءُهُ وَقَبُولُهُ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ حَقِيقَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ (وَآلِهِ) وسَلَّمَ؛ فَكَانَ أَقْرَبَ قَبُولاً مِنْ جَمِيعِ مَا فِي‌ ذَلِكَ الهَبَاءِ. فَكَانَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ (وَآلِهِ) وسَلَّمَ مَبْدَأَ ظُهُورِ العَالَمِ وَأَوَّلَ مَوْجُودٍ. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيي‌ الدِّينِ: وَكَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ فِي‌ ذَلِكَ الهَبَاءِ عَلِي‌ُّ ابْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ رَضِي‌َ اللَهُ تَعَالَي‌ عَنْهُ الجَامِعُ لاِسْرَارِ الاَنْبُيَاءِ أَجْمَعِينَ انتهي‌.[226]

 الرجوع الي الفهرس

تهمة‌ نسبة‌: «لم‌ يقتل‌ يزيدُ الحسينَ إلاّ بسيف‌ جدّه‌» إلي‌ محيي‌ الدين‌

 النكتة‌ الثانية‌:

 يقول‌ الحاجّ الميرزا أبو الفضل‌ الطهراني‌ّ في‌ كتاب‌ « شفاء الصدور في‌ شرح‌ زيارة‌ العاشور »: ليس‌ هناك‌ من‌ علماء الإسلام‌ من‌ يتمسّك‌ بهذا الامر إلاّ عبد المغيـث‌ البغدادي‌ّ الذي‌ كتب‌ رسـالة‌ في‌ منـع‌ لعـن‌ يـزيـد، ومحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، وعبد القادر الجيلاني‌ّ، وعامّة‌ النواصب‌ الذين‌ ليس‌ أحد منهم‌ من‌ المسلمين‌.[227]

 ويقول‌ أيضاً: ونقل‌ في‌ « الصواعق‌ » عن‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ تصريحه‌ بجميع‌ ما قلناه‌ مجملاً، وَعِبَارَتُهُ هَكَذَا:لَمْ يَقْتُلْ يَزِيدُ الحُسَيْنَ إلاَّ بِسَيْفِ جَدِّهِ، أَي‌ بِحَسَبِ اعْتِقادِهِ البَاطِلِ أَ نَّهُ الخَلِيفَةُ، وَالحُسَيْنَ بَاغٍ عَلَيهِ، وَالبَيْعَةُ سَبَقَتْ لِيَزِيدَ وَيَكْفِي‌ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ. وَبَيْعَتُهُ كَذَلِكَ، لاِنَّ كَثِيرِينَ أَقْدَمُوا عَلَیهَا مُخْتَارِينَ لَهَا. هَذَا مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ إلی اسْتِخْلاَفِ أَبِيهِ لَهُ، أَمَّا مَعَ النَّظَرِ لِذَلِكَ، فَلاَ تُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ عَلَي‌ ذَلِكَ.[228]

 وقد تفحّص‌ الحقير مرّة‌ بدقّة‌ كاملة‌ كتاب‌ « الصواعق‌ المحرقة‌ » في‌ الابواب‌ المناسبة‌ لهذا المطلب‌ فلم‌ أعثر فيه‌ علي‌ عبارة‌ كهذه‌ عن‌ محيي‌ الدين‌. ثمّ تفحّص‌ اثنان‌ من‌ أولادي‌: الحاجّ السيّد محمّد محسن‌ والحاجّ السيّد علي‌ جميع‌ كتاب‌ « الصواعق‌ » من‌ أوّله‌ إلي‌ آخره‌ كما ورد في‌ طبعتين‌ مختلفتين‌، فلم‌ يعثرا علي‌ شي‌ء من‌ ذلك‌، حتّي‌ أنّ هذا الفحص‌ شمل‌ كتاب‌ « تطهير الجنان‌ » المطبوع‌ في‌ هامش‌ « الصواعق‌ » فلم‌ يكن‌ هناك‌ أيضاً شي‌ء من‌ ذلك‌.

 وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ مِنَ المُؤَلِّفِ، أَعْنِي‌ مُؤَلِّفَ «شِفَاءِ الصُّدُورِ»، لاِ نَّهُ مَعَ دِقّتِهِ وضَبْطِهِ وَحُسْنِ كَمَالِهِ كَيْفَ أَسْنَدَ هَذَا الكَلاَمَ إلی مُحْيِي‌ الدِّينِ عن‌ طَرِيقِ «الصَّوَاعِق‌»؟!

 وقد حالفني‌ التوفيق‌ بعد سنتين‌ من‌ ذلك‌ لحلّ هذه‌ المشكلة‌، وذلك‌ أنّ تلك‌ العبارة‌ لم‌ تصدر عن‌ محيي‌ الدين‌ أبداً، بل‌ من‌ القاضي‌ أبي‌ بكر ابن‌ عربي‌ المالكي‌ّ، فنسبها صاحب‌ « شفاء الصدور » اشتباهاً وخطأً إلي‌ محيي‌ الدين‌، ولعلّه‌ رأي‌ في‌ مكان‌ أ نّها نُقلت‌ عن‌ ابن‌ عربي‌، فتخيّل‌ بدون‌ الفحص‌ عن‌ مصدرها أ نّها عن‌ محيي‌ الدين‌. ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فإنّ عبارة‌ القاضي‌ أبي‌ بكر بن‌ عربي‌ ـ بدورها لم‌ ترد في‌ كتاب‌ « الصواعق‌ »؛ فهذا خطأ في‌ خطأ.

 هذا وقد أورد آية‌ الله‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ّ عبارته‌ في‌ هامش‌ كتاب‌ « الفصول‌ المهمّة‌ »: وَنَقَلَ ابْنُ خَلْدُونٍ فِي‌ صَفٌحةِ 241، أَثْنَاءَ الفَصْلِ الَّذِي‌ عَقَدَهُ فِي‌ مُقَدِّمَتِهِ لِوِلاَيَةِ العَهْدِ عَنِ القَاضِي‌ أَبِي‌ بَكْرِ بْنِ العَرَبِي‌ِّ المَالِكي‌ِّ؛ أَ نَّهُ قَالَ فِي‌ كِتَابِهِ الَّذِي‌ سَمَّاهُ بِـ «العَوَاصِمِ وَالقَوَاصِمِ» مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ الحُسَيْنَ قُتِلَ بِشَرْعِ جَدِّهِ صَلَّي‌ اللهُ عَلَيٌهِ ] وَآلِهِ [ وسَلَّمَ.[229]

 وقد حكي‌ صاحب‌ « الروضات‌ » في‌ ترجمة‌ محيي‌ الدين‌ عن‌ المحدِّث‌ النيسابوري‌ّ في‌ كتاب‌ رجاله‌ الكبير أ نّه‌ قال‌: وَمَا نَسَبَ إلَيهِ بَعْضُ الغَاغَةِ[230] أَ نَّهُ قَالَ: لَمْ يَقْتُلْ يَزِيدُ الحُسَيْنَ إلاَّ بِسَيْفِ جَدِّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ القَاضِي‌ أَبِي‌ بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ بْنِ العَرَبي‌ِّ المَعَافِرِي‌ِّ تِلْمِيذِ الغَزَّالِي‌ِّ في‌ شَرحِ قَصيدَتِهِ الهَمْزِيَّةِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: أَي‌ْ لاِ نَّهُ الخَلِيفَةُ وَالحُسَيْنَ عَلَيهِ السَّلاَمُ بَاغٍ عَلَیهِ. [231]

 وينبغي‌ أن‌ يُعلم‌ هنا، مدي‌ الظلم‌ والحيف‌ الذي‌ لحق‌ بمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ بهذه‌ الاتّهامات‌ الباطلة‌! فقد عُدّ أوّلاً ممّن‌ منع‌ من‌ لعن‌ يزيد، وعُدّ ثانياً من‌ نواصب‌ العامّة‌، واتُّهم‌ ثالثاً بهذا الكلام‌ القبيح‌، ورابعاً فإنّه‌ لم‌ يُعدّ من‌ المسلمين‌ أصلاً.

 النكتة‌ الثالثة‌:

 أورد السيّد محمّد باقر الخوانساري‌ّ الإصفهاني‌ّ في‌ كتاب‌ « روضات‌ الجنّات‌ » ترجمة‌ حال‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ بهذه‌ الكيفيّة‌: «قُدْوَةُ العارِفِينَ وَأُسْوَةُ العَاسِفِينَ[232] أَبُو عَبْدِ اللَهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ المَغْرِبِيُّ الحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ الإشْبِيلِيُّ الاَنْدُلُسِيُّ ثُمَّ المَكِّيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّامِيُّ المُلَقَّبُ  ]بـ  [ مُحْيِي‌ الدِّينِ ابْنِ العَرَبي‌ِّ».

 ومضافاً إلي‌ أ نّه‌ عدّه‌ منحرفاً مخطئاً ضالاّ، فإنّه‌ كذلك‌ قد اعتبر جميع‌ العارفين‌ ـ بعطفه‌ هذه‌ الجملة‌ علي‌ قدوة‌ العارفين‌ ضالّين‌ مثله‌ ومتحيّرين‌ وتائهين‌.

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌: «وَفِي‌ هَذَا الكِتَابِ مَوَاضِعٌ مِنَ الدِّلاَلَةِ عَلَي‌ تَسَنُّنِهِ وَاعْوِجَاجِهِ أَوْ تَحَيُّرِهِ فِي‌ سَبِيلِهِ وَمِنْهَاجِهِ أَوْ وُقُوعِ تَصَرُّفٍ مِنَ الاَبَالِسَةِ فِي‌ مِزاجِهِ».

 ثمّ يقول‌ بعد ذكر مكاشفتينِ له‌:

 فَهَلْ هَذَا مِنْهُ إلاَّ خُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الشَّرْعِ وَالدِّينِ أَوْ دُخُولٌ فِي‌ أَهْلِ السَّفْسَطَةِ وَالخَيْلِ المَجَانِينَ؟!

 بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ نَطَقَاتِ الرَّجُلِ مِنْ بَابِ الوَسْوَسَةِ وَالخَيَالِ، وَكَلِمَاتِهِ مِنْ قَبِيلِ كَلِمَاتِ أَرْبَابِ الحَيْرَةِ وَالضَّلاَلِ...».

 كما يقول‌ بعد نقل‌ قضيّتينِ أُخريَين‌ عن‌ الدميري‌ّ في‌ « حياة‌ الحيوان‌ » بشأن‌ نكاح‌ محيي‌ الدين‌ لامرأة‌ جنّيّة‌: قال‌ الشيخ‌ عزّ الدين‌ بن‌ عبد السلام‌:

 ابْنُ عَرَبِيِّ شَيْخُ سَوْءٍ كَذَّابٌ. فَقِيلَ لَهُ: وَكَذَّابٌ أَيْضاً؟! قَالَ: نَعَمْ!

 ثمّ يقول‌ في‌ بيان‌ هذه‌ القضيّة‌: قال‌ الإمام‌ الذهبي‌ّ: وَمَا أَظُنُّ ابْنَ عَرَبِي‌ّ تَعَمَّدَ هَذِهِ الكِذْبَةَ، وَإنَّمَا هِي‌َ مِنْ خُرَافَةِ الرِّيَاضَةِ.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ آقا محمّد علي‌ البهبهاني‌ّ في‌ شأن‌ القائلين‌ بوحدة‌ الوجود ومحيي‌ الدين‌

 ثمّ ينقل‌ صاحب‌ « الروضات‌ » هنا كلاماً عن‌ آقا محمّد علي‌ البهبهاني‌ّ نجل‌ آية‌ الله‌ آقا محمّد باقر البهبهاني‌ّ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ « مقامع‌ الفضل‌ » في‌ جواب‌ مَن‌ سأله‌ عن‌ أدلّة‌ القائلين‌ بوحدة‌ الوجود؛ حيث‌ يقول‌ آقا محمّد علي‌ في‌ هذا الجواب‌ بعد بيان‌ المير سيّد شريف‌ في‌ حواشي‌ « شرح‌ التجريد »:

 إنّ الشيخ‌ العارف‌ علاء الدين‌ السمناني‌ّ مع‌ نهاية‌ اعتقاده‌ وغلوّه‌ بشأن‌ الشيخ‌ العارف‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، حتّي‌ أ نّه‌ خاطبه‌ في‌ حواشيه‌ علي‌ « الفتوحات‌ » بقوله‌: أَيُّهَا الصَّدِيقُ، وَأَيُّهَا المُقَرَّبُ، وَأَيُّهَا الوَلِي‌ُّ، وَأَيُّهَا العَارِفُ الحَقَّانِي‌ُّ؛ قد كتب‌ في‌ حاشيته‌ علي‌ قول‌ محيي‌ الدين‌ في‌ أوّل‌ « الفتوحات‌ »: سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ الاَشْيَاءَ وَهُوَ عَيْنُهَا! ما لفظه‌:

 إنَّ اللَهَ لاَ يَسْتَحْيي‌ مِنَ الحَقِّ؛ أَيُّهَا الشَّيْخُ! لُوْ سَمِعْتَ مِنْ أَحَدٍ أَ نَّهُ يَقُولُ: فَضْلَةُ الشَّيْخِ عَيْنُ وُجُودِ الشَّيْخِ، لاَ تُسَامِحُهُ البَتَّةَ بَلْ تَغْضِبُ عَلَیهِ؛ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَكَ أَنْ تَنْسِبَ هَذَا الهَذَيَانَ إلی المَلِكِ الدَّيَّانِ؟!

 تُبْ إلی اللَهِ تَوْبَةً نَصُوحاً لِتَنْجُوَ مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ الوَعِرَةِ الَّتِي‌ يَسْتَنكِفُ مِنْهَا الدَّهْرِيُّونَ وَالطَّبِيعِيُّونَ وَاليُونَانِيُّونَ؛ وَالسَّلاَمُ عَلَي‌ مَنِ اتَّبَعَ الهُدَي‌!

 ثمّ قال‌ آقا محمّد علي‌ بالفارسيّة‌ ما معناه‌: إنّ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ يقول‌ في‌ « الفصوص‌ » و « الفتوحات‌ » بأنّ مَن‌ عبد صنماً فقد عبد الله‌ بذلك‌، وإنّ السامري‌ّ حين‌ صنع‌ عجلاً ودعا الناس‌ إلي‌ عبادته‌ فإنّ الحقّ تعالي‌ لم‌ يُعن‌ هارون‌ علي‌ السامري‌ّ لا نه‌ أراد أن‌ يُعبد علي‌ أيّة‌ صورة‌ كانت‌، وإنّ الحقّ تعالي‌ لم‌ يكفّر النصاري‌ لقولهم‌ بأُلوهيّة‌ عيسي‌،بل‌ لاعتبارهم‌ الاُلوهيّة‌ منحصرة‌ بعيسي‌، كما قال‌: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُو´ا إِنَّ اللَهَ هُوَ الْمَسِيحُ [233]، وقد عدّ نفسه‌ خاتم‌ الاولياء وقال‌ إنّ الولاية‌ قد خُتمت‌ به‌، وإنّ الانبياء حضروا عنده‌ لتهنئته‌ بختم‌ الولاية‌.

 وقال‌ أيضاً بأنّ جميع‌ الانبياء يقتبسون‌ العلم‌ من‌ مشكاة‌ خاتم‌ الانبياء، وإنّ جميع‌ الاولياء يقتبسون‌ العلم‌ من‌ مشكاة‌ خاتم‌ الاولياء.

 وقال‌ بأنّ خاتم‌ الاولياء أفضل‌ من‌ خاتم‌ الانبياء في‌ الولاية‌، كما أنّ خاتم‌ الانبياء أفضل‌ من‌ سائر الانبياء في‌ الرسالة‌.

 وقال‌ أيضاً بأنّ أهل‌ النار والجحيم‌ يتنعّمون‌ ويرتاحون‌ إلي‌ النار ويلتذّون‌ بها، وإنّ عذاب‌ الكافر سينقطع‌، وإنّ « العذاب‌ » مشتقّ من‌ « عذب‌ » أي‌ اللذّة‌ والحلاوة‌.

 وكذلك‌ فقد نسب‌ محيي‌ الدين‌ جميع‌ العرفاء إلي‌ مذهب‌ الجبريّة‌، وقد قال‌ الشبستري‌ّ أيضاً في‌ « گلشن‌ راز »:

 هر آن‌ كس‌ را كه‌ مذهب‌ غير جَبر است            ‌ نبي‌ گفتا كه‌ او مانند گبر است‌[234]

 الرجوع الي الفهرس

صاحب‌ «الروضات‌» يصف‌ بالعَوَر، العلماءَ الذين‌ عدّوا محيي‌ الدين‌ شيعيّاً

 ثمّ ينقل‌ صاحب‌ « الروضات‌ » هنا عن‌ المحدِّث‌ النيسابوري‌ّ أدلّته‌ علي‌ تشيّع‌ محيي‌ الدين‌، حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قول‌ المحدِّث‌:

 أَشَارَ فِي‌ الفَصِّ الهَارُونِيِّ إلی حَدِيثِ المَنْزِلَةِ وَقَالَ فِي‌ «الفُتُوحَاتِ»: إنَّ بَيْنَ الفَلَكِ الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ قَصْراً لَهُ اثْنَا عَشَرَ بُرْجاً عَلَي‌ مِثالِ النَّبِيِّ وَالاَئِمَّةِ الاِثْنَي‌ عَشَرَ. ـ إلی آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ عِبَارَاتِ فُصُوصِهِ وَفُتُوحَاتِهِ الظَّاهِرَةِ فِي‌ صَفَاءِ طَوِيَّتِهِ وَحُسْنِ اعْتِقَادَاتِهِ، مَعَ أَ نَّهَا أَعَمُّ مِنَ المُدَّعَي‌ عِنْدَ مَنْ وَجَدَ أَضْعَافَ هَذِهِ العِبَارَاتِ فِي‌ كُتُبِ العَامَّةِ العَمْيَاءِ؛ لاِعْتِرَافِ جَمِيعِ الاُمَّةِ بِالاَئِمَّةِ الاِثْنَي‌ عَشَرَ مِن‌ ذَوِي‌ القُرْبَي‌، وَكَذَا يَكُونُ المَهْدِيُّ المُنْتَظَرُ مِنْ أَوْلاَدِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَنَسْلِ عَلِيٍّ المُرْتَضَي‌، فَكَيْفَ بِمِثْلِ هَذَا الفَهِمِ العَارِفِ الحَاذِقِ المُدَّعِي‌ لِلْمَرْتَبَةِ العُلْيَا وَالمُتَحَيِّرِ فِي‌ أَمْرِهِ عُقُولُ أَبْنَاءِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؟

 ويذكر هنا أدّلة‌ المحدِّث‌ ثمّ يقول‌: ولقد نقل‌ هذا المحدِّث‌ وغيره‌ في‌ الباب‌ الثلاثمائة‌ والستّة‌ والستّين‌ من‌ « الفتوحات‌ »: إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً يَخْرُجُ مِنْ عِتْرَةِ رَسُولِ اللَهِ ـ إلي‌ آخر المطلب‌ الذي‌ ذكرناه‌ سابقاً.

 وبعد نقله‌ هذا المطلب‌ عن‌ السيّد نعمة‌ الله‌ الجزائري‌ّ يقول‌:

 وَأَقُولُ: بَلْ لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ هَذَا الكَلاَمُ لَدَلَّ عَلَي‌ كَوْنِهِ عَلاَوَةً عَلَي‌ الفَضِيلَةِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ الصَّابِئَةِ [235]، النَّابِئَةِ [236] عَنِ الطَّرِيقَةِ، العَائِبَةِ بِمَرَاسِمِ الشَّرِيعَةِ؛ وَعَلَي‌ ذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِيمَا يَنْطِقُ وَيَلُوكُ[237]، وَمَخْذُولٌ مِنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ فِي‌ هَذَا السَّيْرِ وَالسُّلُوكَ.

 ثمّ ينقل‌ صاحب‌ « الروضات‌ » إشكالاً عن‌ المولي‌ إسماعيل‌ الخاجوئيّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ تعليقته‌ علي‌ قول‌ محيي‌ الدين‌، عقب‌ نقل‌ قول‌ عن‌ سيّدنا المعظم‌ عليه‌ [238] في‌ كتاب‌ شرحه‌ علي‌ أسماء الله‌ الحسني‌ فيحكي‌ عن‌ قول‌ ذلك‌ السيّد أن‌:

 وَأَمَّا الصَّلاَةُ وَالعِبَادَاتُ فَمَشَايِخُهُمْ يَتْرُكُونَهَا اسْتِنَاداً إلی أَ نَّهَا وَسَائِطُ بَيْنَ الرَّبِّ وَالعَبْدِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَارِفِينَ حِجَابٌ. وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَي‌: «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّي‌' يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»[239]؛ وَشُيُوخُ الصُّوفِيَّةِ تَرَقَّوْا إلی دَرَجَةِ اليَقِينِ.

 أَقُولُ: ويَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَ نَّهُمْ أَكْمَلُ مِنَ الاَنْبِيَاءِ وَأَوْصِيَائِهِمْ، وَلَعَلَّ الصُّوفِيَّةَ يَلْتَزِمُونَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِ مُحْيِي‌ الدِّينِ الاَعْرَابِي‌ّ انتهي‌.

 ويقول‌ صاحب‌ « الروضات‌ » أيضاً: وَلِذَا سَمَّاهُ بَعْضُ مَشَايِخِ عُرَفَائِنَا المُتَأَخِّرِينَ بِمُمِيتِ الدِّينِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ مَوْلاَنَا الوَالِدُ المَرْحُومُ المُحْتَرَمُ أَعْلَي‌ اللَهُ مَقَامَهُ فِي‌ عِلِّيِّينَ بِلَقَبٍ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ اللَقَبِ، هُوَ مَاحِي‌ الدِّينِ.

 ويتابع‌ صاحب‌ « الروضات‌ » كلامه‌ فيقول‌:

 نَعَمْ، فِي‌ هَذِهِ الطَّائِفَةِ جَمَاعَةٌ عَلَي‌ حِدَةٍ يَنْظُرُونَ دَائِماً إلی أَمْثَالِ هَؤُلاَءِ المَلاَحِدَةِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ؛ مِثْلُ ابْنِ فَهْدٍ الحِلِّيِّ، وَشَيْخِنَا البَهَائِي‌ِّ، وَمَوْلاَنَا مُحْسِنِ الكَاشِيِّ، وَالمَوْلَي‌ مُحَمِّد تَقِيٍّ المَجْلِسِيِّ، وَالقِاضِي‌ نُورِ اللَهِ التُّسْتَرِي‌ِّ، وَلاَ سِيَّمَا المُتَأَخِّرِ مِنْهُمُ المُتَلَقِّبِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِـ «شيعه‌ تراش‌».

 ثمّ يذكر صاحب‌ « الروضات‌ » تفصيلاً لبيان‌ القاضي‌ نور الله‌ في‌ إثبات‌ تشيّع‌ محيي‌ الدين‌، ثمّ ينتهي‌ المطلب‌ بإشارته‌ إلي‌ أنّ القاضي‌ نور الله‌ قد أخذ في‌ تأويل‌ كلمات‌ محيي‌ الدين‌ الكفريّة‌ والإلحاديّة‌ المنبعثة‌ عن‌ الزندقة‌ وأ نّي‌ له‌ ذلك‌؟! [240]

 ولقد أوردنا هنا بشمول‌ نسبي‌ّ، المطالب‌ التي‌ ذكرها صاحب‌ « الروضات‌ » بشأن‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ بجميع‌ جهات‌ الضعف‌ ونقاط‌ الإشكال‌ التي‌ أوردها فيها، ليقوم‌ المطالعون‌ الكرام‌ وأصحاب‌ النظر ـ بدقّة‌ وتفحّص‌ تامّين‌ بملاحظة‌ جميع‌ جوانبها من‌ المدح‌ والذمّ، والاستحسان‌ والاستقباح‌، والتسليم‌ والتكفير، والتعديل‌ والتفسيق‌، واعتباره‌ من‌ السنّة‌ أو الشيعة‌، لئلاّ نكون‌ قد نظرنا إليه‌ لا سمح‌ الله‌ بعين‌ واحدة‌ كأُولئك‌ الذين‌ وصفهم‌ المصنِّف‌.[241]

 ولقد استنتجتُ من‌ جميع‌ الإشكالات‌ التي‌ وردت‌ عليه‌، والتي‌ وجّهها إليه‌ الاعلام‌ والكبار من‌ أمثال‌ المصنِّف‌ نفسه‌ ووالده‌ المحترم‌ والمولي‌ إسماعيل‌ الخاجوئي‌ّ وعلاء الدولة‌ السمناني‌ّ وآقا محمّد علي‌ الكرمانشاهي‌ّ البهبهاني‌ّ وأمثالهم‌، أنّ منشأ وأساس‌ ذلك‌ كلّه‌ قوله‌ بـ « وحدة‌ الوجود »، ذلك‌ القول‌ الذي‌ إذا اكتفي‌ بلفظه‌ وعبارته‌ دون‌ فهمه‌ وإدراكه‌ حقّ الفهم‌، فإنّه‌ سيستلزم‌ هذه‌ الإشكالات‌، بل‌ وأشدّ منها.

 أمّا ولعمر الحبيب‌ فإنّ قصده‌ وهدفه‌ من‌ الوحدة‌ ليس‌ هذا المعني‌ البسيط‌ المتهالك‌، فليست‌ الوحدة‌ بمعني‌ اتّحاد وحلول‌ ذات‌ الخالق‌ مع‌ المخلوق‌ وحلولها فيه‌، وليست‌ بمعني‌ عينيّة‌ ذات‌ ما لا يتناهي‌ وما لا اسم‌ له‌ ولا رسم‌ مع‌ هذه‌ الوجودات‌ المتعيّنة‌ الكثيفة‌ المتقيّدة‌ المحدودة‌ بألف‌ عيب‌ وعلّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[210] ـ «ديوان‌ حافظ‌» تصحيح‌ الدكتور رشيد عيوضي‌ والدكتور أكبر بهروز، ص‌ 235، طبعة‌ انتشارات‌ أمير كبير، سنة‌ 1363.

 يقول‌: «ورد عشقك‌ في‌ وجودي‌ وحبّك‌ في‌ قلبي‌ مع‌ اللبن‌ الذي‌ رضعتُه‌، ولن‌ يخرج‌ إلاّ مع‌ روحي‌».

[211] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 143، السطر 35، القصيدة‌ الميميّة‌، طبعة‌ دار صادر، بيروت‌، سنة‌ 1382 ه. ق‌.

[212] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» القصيدة‌ اليائيّة‌ التي‌ مطلعها * سَائِقُ الاَظْعانِ يَطْوِي‌ البَيْدَ طَي‌ * ص‌ 25. وقد كتب‌ العالم‌ العزيز والمحقّق‌ الجليل‌ صديقنا القديم‌ الحاجّ السيّد جلال‌ الدين‌ الآشتياني‌ّ دامت‌ بركاته‌ في‌ مقدِّمة‌ كتاب‌ «مشارق‌ الدراري‌ّ» لسعيد فرغاني‌، ص‌ 11:

 يعتقد ابن‌ الفارض‌ في‌ هذا الاثر حسب‌ نهج‌ التحقيق‌ والاختيار بأنّ جهة‌ ولاية‌ خاتم‌ الانبياء لا تنقطع‌، وأنّ الولي‌ّ الكامل‌ في‌ كل‌ عصر والقائم‌ بمقام‌ النبوّة‌ ووارث‌ هذا المقام‌ هم‌ العترة‌ وأهل‌ بيت‌ النبوّة‌، لذا فهو يقول‌:

 بِعِتْرَتِهِ اسْتَغْنَتْ عَنِ الرُّسُلِ الوَرَي‌ وَأَوْلاَدِهِ الطَّاهِرِينَ الاَئِمَّةِ

 وقد ورد في‌ بعض‌ النسخ‌ المطبوعة‌ والخطّيّة‌ للتائيّة‌ عبارة‌ «وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِينَ»؛ وباعتبار أنّ بعض‌ النسّاخ‌ من‌ أهل‌ السنّة‌، فقد أبدلوا «أَوْلاَدِهِ» إلي‌ «أَصْحَابِهِ».

[213] ـ «كلمات‌ مكنونة‌» ص‌ 181، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«اليواقيت‌ والجواهر» للشعراني‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 20، المبحث‌ 32، باختلاف‌ يسير في‌ اللفظ‌.

[214] ـ ذيل‌ الآية‌ 76، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[215] «مجالس‌ المؤمنين‌» ص‌ 285، المجلس‌ السادس‌

[216] «مجالس‌ المؤمنين‌» ص‌ 285، المجلس‌ السادس‌

[217] قسم من الآیه286، من السوره2: البقره

[218] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 230، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[219] ـ «الفتوحات‌ المكّيّة‌» ج‌ 4، ص‌ 552، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌.

 وهو مذكور أيضاً في‌ ص‌ 274 و 275 من‌ كتاب‌ «وصايا» محيي‌ الدين‌ الذي‌ أعادت‌ مكتبة‌ قصيباتي‌ طبعه‌ مجدّداً

[220] ـ «اليواقيت‌ والجواهر» لعبد الوهّاب‌ الشعراني‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 10، ضمن‌ الفصل‌ الاوّل‌.

[221] ـ «الفتوحات‌» ج‌ 4، ص‌ 553 و 554.

[222] ـ «اليواقيت‌ والجواهر» ج‌ 1، ص‌ 7 إلي‌ 13.

[223] ـ يقول‌ الشعراني‌ّ في‌ مقدِّمة‌ «اليواقيت‌ والجواهر» ص‌ 3: ثمّ اعلم‌ يا أخي‌: أ نّني‌ طالعت‌ من‌ كلام‌ أهل‌ الكشف‌ ما لا يحصي‌ من‌ الرسائل‌، وما رأيت‌ في‌ عباراتهم‌ أوسع‌ من‌ عبارة‌ الشيخ‌ الكامل‌ المحقّق‌ مربّي‌ العارفين‌ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ العربي‌ّ رحمه‌ الله‌، فلذلك‌ شيّدت‌ هذا الكتاب‌ (اليواقيت‌ والجواهر) بكلامه‌ من‌ «الفتوحات‌» وغيرها. لكنّي‌ رأيت‌ في‌ «الفتوحات‌» مواضع‌ لم‌ أفهمها فذكرتها لينظر فيها علماء الاءسلام‌ ويحقّوا الحقّ ويبطلوا الباطل‌ إن‌ وجدوه‌. فلا تظنّ يا أخي‌ أ نّي‌ ذكرتها لكوني‌ أعتقد بصحّتها وأرضاها في‌ عقيدتي‌ كما يقع‌ فيه‌ المتهوّرون‌ في‌ أعراض‌ الناس‌ فيقولون‌: لولا أ نّه‌ ارتضي‌ ذلك‌ الكلام‌ واعتقد بصحّته‌ ما ذكره‌ في‌ مؤلّفه‌؛ مَعاذَ اللَهِ أن‌ أُخالف‌ جمهور المتكلِّمين‌ وأعتقد صحّة‌ كلام‌ من‌ خالفهم‌ من‌ بعض‌ أهل‌ الكشف‌ غير المعصوم‌، فإنّ في‌ الحديث‌: يَدُ اللَهِ مَعَ الجَماعَةِ. ولذلك‌ أقول‌ غالباً عقب‌ كلام‌ أهل‌ الكشف‌: «انتهي‌» ليشخص‌ كلامه‌ فلا يمتزج‌ مع‌ بياني‌ وعقيدتي‌.

[224] ـ «الفتوحات‌» ج‌ 4، ص‌ 555.

[225] ـ «الروح‌ المجرّد» ص‌ 333 (في‌ الطبعة‌ الاُولي‌، وفي‌ هذه‌ الطبعة‌ ص‌ 346)، نقلاً عن‌ «كلمات‌ مكنونة‌» للفيض‌، ص‌ 181، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[226] ـ «اليواقيت‌ والجواهر» ج‌ 2،ص‌ 20، المبحث‌ 32.

[227] ـ «شفاء الصدور» ص‌ 302، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[228] ـ «شفاء الصدور» ص‌ 310 و 311،الطبعة‌ الحجريّة‌.

[229] ـ «الفصول‌ المهمّة‌ في‌ تأليف‌ الاُمّة‌» ص‌ 119، الطبعة‌ الثانية‌.

[230] ـ السفلة‌ من‌ الناس‌، تستعمل‌ الغوغاء للجلبة‌ واللغط‌. (م‌)

[231] ـ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 2، ص‌ 195، الطبعة‌ الحجريّة‌. ورد في‌ كتاب‌ «ذخائر الاعلاق‌ في‌ شرح‌ ترجمان‌ الاشواق‌» الذي‌ متنه‌ وشرحه‌ كلاهما لمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، في‌ مقدِّمة‌ محقّق‌ الكتاب‌ والمعلِّق‌ عليه‌: عبد الرحمن‌ كردي‌، مدرِّس‌ اللغة‌ العربيّة‌ في‌ جامعة‌ الازهر، في‌ الصفحة‌ «ط‌» من‌ المقدِّمة‌:

 «نسبه‌: أبو بكر محيي‌ الدين‌ محمّد بن‌ علي‌ّ بن‌ محمّد بن‌ أحمد بن‌ عبد الله‌ الحاتمي‌ّ الطائي‌ّ، ويقال‌ له‌ في‌ بلاد الاندلس‌ ابن‌ العربي‌ّ بألف‌ ولام‌؛ أمّا في‌ بلاد الشرق‌ فيُدعي‌ ابن‌ عربي‌ بدون‌ ألف‌ ولام‌، وذلك‌ من‌ أجل‌ التفريق‌ بينه‌ وبين‌ القاضي‌ أبي‌ بكر بن‌ العربي‌ّ المعافري‌ّ الذي‌ كان‌ قاضي‌ قضاة‌ إشبيلية‌، ثمّ هاجر إلي‌ الشرق‌ وتوفّي‌ سنة‌ خمسمائة‌ وثلاث‌ وأربعين‌ (543) ه ».

 واعلم‌ أ نّه‌ كان‌ تلميذ الغزّالي‌ّ، وعصره‌ يسبق‌ عصر محيي‌ الدين‌ بما يقرب‌ من‌ قرن‌ واحد، وذلك‌ لانّ ولادة‌ محيي‌ الدين‌ في‌ سنة‌ خمسمائة‌ وستيّن‌(560) هجريّة‌ ووفاته‌ في‌ سنة‌ ستمائة‌ وثمان‌ وثلاثين‌(638) ه. ق‌. ولذلك‌ فإنّ محيي‌ الدين‌ كان‌ بعد القاضي‌ المعافري‌ّ بمدّة‌ خمس‌ وتسعين‌ سنة‌، أي‌ قريباً من‌ قرن‌ كامل‌.

 وقد اشتهر محيي‌ الدين‌ ـ مضافاً إلي‌ شهرته‌ بابن‌ عربي‌ بالحاتمي‌ّ الطائي‌ّ العدوي‌ّ أيضاً؛ الحاتمي‌ّ لكونه‌ من‌ أولاد حاتم‌، والطائي‌ّ لانّ حاتم‌ كان‌ من‌ قبيلة‌ طي‌ّ، والعدوي‌ّ لا نّه‌ من‌ أولاد عدي‌ّ بن‌ حاتم‌. وجلالة‌ وعظمة‌ مقام‌ عدي‌ّ بن‌ حاتم‌ وإخلاصه‌ وولاؤه‌ لساحة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ المقدّسة‌ وتشيّعه‌ أمر لا يتطرّق‌ إليه‌ الشكّ، فالصحف‌ والتواريخ‌ والسير مشحونة‌ وحافلة‌ بهذه‌ المعاني‌ التي‌ ازدانت‌ بها صحائف‌ الدهر. وكان‌ انتسابه‌ لعدي‌ّ وجوهره‌ وكونه‌ حفيده‌ الوجودي‌ّ قد أوجب‌ بنفسه‌ فناءه‌ واندكاكه‌ في‌ ولاء أهل‌ البيت‌.

[232] ـ عَسَفَ الطريقَ و ـ عنه‌ (من‌ باب‌ ضرب‌ يضرب‌) عسفاً: مالَ عنه‌ وعدل‌. وقيلَ: خَبَطَه‌ علي‌ غير هداية‌. و ـ المفازة‌: قطعها بغير قصد ولا هداية‌ ولا توخّي‌ طريقٍ مسلوك‌. («أقرب‌ الموارد» ج‌ 2، ص‌ 781).

[233] ـ صدر الآية‌ 17 وصدر الآية‌ 72، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[234] ـ يقول‌: «قال‌ النبيّ بأنّ مَن‌ يعتقد بغير مذهب‌ الجبر، فإنّ شأنه‌ شأن‌ الزرادشتيّة‌ (المجوس‌)».

[235] ـ صَبَأَ: خَرج‌ من‌ دينٍ إلي‌ آخر.

[236] ـ نَبَأَ: تَجافي‌ وتَباعد. (نَبَأَ بهذا المعني‌ لغةٌ في‌ نَبا من‌ الناقص‌ م‌).

[237] ـ لاكَ يَلوكُ اللُّقمةَ: مَضَغَها أهونَ المَضْغِ وأدارَها في‌ فَمِه‌، أوْ هوَ مَضْغُ صُلبٍ.

[238] ـ المراد: السيّد الجزائري‌ّ، فقد كتب‌ حسب‌ نقل‌ «الذريعة‌» ج‌ 13، ص‌ 90، كتاباً في‌ شرح‌ الاسماء الحسني‌ ومنعه‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ من‌ إتمامه‌.

[239] ـ الآية‌ 99، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[240] ـ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 4، ص‌ 193 إلي‌ 196، الطبعة‌ الحجريّة‌.

كلام‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ والمولي‌ إسماعيل‌ الخاجوئي‌ّ في‌ شأن‌ محيي‌ الدين‌ (ت)

[241] ـ من‌ جملة‌ المعترضين‌ علي‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌، الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ؛ فقد قام‌ في‌ كتابه‌ «بشارة‌ الشيعة‌» «المطبوع‌ بالطبعة‌ الحجريّة‌ مع‌ كتبه‌ الخمسة‌ الاُخري‌، في‌ مجلّد واحد» بالردّ علي‌ محيي‌ الدين‌ بشكل‌ مفصّل‌ في‌ الاُصول‌ والفروع‌. وهذه‌ الاءشكالات‌ بأجمعها واردة‌ عليه‌ فيما لو عددناه‌ شـيعيّاً، إذ سـترد عليه‌ آنذاك‌ إشكالات‌ سواء في‌ الاُصول‌ أم‌ في‌ الفروع‌. أمّا علي‌ أساس‌ كونه‌ سنيّاً ومالكيّاً فإنّ تلك‌ الاءشكالات‌ لن‌ ترد عليه‌ بأيّ وجه‌؛ وسيبقي‌ الاءشكال‌ الوحيد عليه‌ هو أمر تشيّعه‌ هو بدوره‌ يزول‌ لو عددناه‌ من‌ المستضعفين‌. وقد جاء في‌ ص‌ 150 أحد الاءشكالات‌ المهمّة‌ الواردة‌ عليه‌ من‌ قبل‌ المرحوم‌ الفيض‌، وهو إشكال‌ ينبغي‌ مناقشته‌، وعين‌ عبارته‌ هي‌:

 وَهَذَا شَيْخُهُمُ الاَكْبَرُ مُحِيي‌ الدِّينِ بْنِ العَرَبِيِّ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ صُوفِيَّتِهِمْ وَرُؤسَاءِ أَهْلِ مَعْرِفِتِهِمْ يَقُولُ فِي‌ فُتُوحَاتِهِ: «إنِّي‌ لَمْ أَسْأَلِ اللَهَ أَنْ يُعَرِّفَنِي‌ إمَامَ زَمَانِي‌؛ وَلَو كُنْتُ سَأَلْتُهُ لَعَرَّفَنِي‌» فَاَعْتَبِرُوا يَا أُولِي‌ الاَبْصَارِ! فَإنَّهُ لَمَّا اسْتَغْنَي‌ عَنْ هَذِهِ المَعْرِفَةِ مَعَ سَمَاعِهِ حَدِيثَ «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» المَشْهُورَةَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كَافَّةً؛ كَيْفَ خَذَلَهُ اللَهُ وَتَرَكَهُ وَنَفْسَهُ فَاسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي‌ أَرْضِ العُلُومِ حَيْرَانَ، فَصَارَ مَعَ وُفُورِ عِلْمِهِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِ وَسَيْرِهِ فِي‌ أَرِضِ الحَقَائِقِ وَفَهْمِهِ لِلاْسْرَارِ وَالدَّقَائِقِ لَمْ يَسْتَقِمْ فِي‌ شَي‌ءٍ مِنْ عُلُومِ الشَّرَائِعِ وَلَمْ يَعَضَّ عَلَي‌ حُدُودِهَا بِضِرْسٍ قَاطِعٍ - الكلام‌.

 وقد اقتبس‌ المولي‌ إسماعيل‌ الخاجوئي‌ّ نظير هذا الاءشكال‌ من‌ الفيض‌ وأورده‌ علي‌ ابن‌ عربي‌، فقد قال‌ حسب‌ نقل‌ صاحب‌ «الروضات‌» ج‌ 2، أواخر ص‌ 195، الطبعة‌ الحجريّة‌: قَوْلُهُ: إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً ـ إلي‌ آخره‌، هَذَا يُنَاقِضُ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَ نَّهُ قَالَ فِي‌ فُتُوحَاتِهِ:

 «إنِّي‌ لَمْ أَسْأَلِ اللَهَ أَنْ يُعَرِّفَنِي‌ إمَامَ زَمَانِي‌؛ وَلَو كُنْتُ سَأَلْتُهُ لَعَرَّفَنِي‌» فَانْظُرْ كَيْفَ خَذَلَهُ اللَهُ وَتَرَكَهُ وَنَفْسَهُ، فَإنَّهُ مَعَ سَمَاعِهِ حَدِيثَ «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» المَشْهُورَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كَافَّةً كَيْفَ يَسَعَهُ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذِهِ المَعْرِفَةِ وَكَيْفَ يَسُوغُهُ عَدَمُ السُّؤَالِ عَنْهَا؟!

 وهذا الاءيراد علي‌ محيي‌ الدين‌ من‌ هذين‌ الجليلين‌ اللذين‌ كانا من‌ أهل‌ الحكمة‌ والمعقول‌ يستدعي‌ العجب‌، لانّ محيي‌ الدين‌ قد صرّح‌ تكراراً في‌ «الفتوحات‌» بأ نّه‌ قد تخطّي‌ مراتب‌ الرغبة‌ والطلب‌، فليس‌ لديه‌ وجود لرغبة‌ أو طلب‌، وأنّ كلّ ما يقوله‌ ويعمله‌ هو إرادة‌ الله‌ عزّ شأنه‌. ولذا فإنّه‌ فانٍ أمام‌ عظمة‌ الحقّ وليس‌ له‌ في‌ نفسه‌ كيان‌ ووجود وإرادة‌ واختيار؛ فما أراده‌ الله‌ هو إرادته‌ وليس‌ هناك‌ في‌ البين‌ إرادتين‌ ومشيئتين‌.

 هذا من‌ جهة‌، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فإنّ ابن‌ عربي‌ نفسه‌ قد ادّعي‌: لقد نلتُ مقام‌ زيارة‌ الانبياء والاولياء وأوصيائهم‌ بحقّ المعرفة‌، وشاهدتهم‌ وأدركتهم‌ بالحقيقة‌ والنورانيّة‌ والولاية‌ الكلّيّة‌. وأساس‌ معرفة‌ إمام‌ زمان‌ معرفته‌ بالنورانيّة‌، لا مجرّد التشرّف‌ الخارجي‌ّ والمعرفة‌ بشخصه‌، وجميع‌ روايات‌ الشيعة‌ في‌ شأن‌ معرفة‌ تلك‌ الذوات‌ المقدّسة‌ بالنورانيّة‌ ترجع‌ إلي‌ هذه‌ المسألة‌، وهي‌ أهمّ من‌ جميع‌ الاُمور بحيث‌ تستحقّ أن‌ يفدي‌ الاءنسان‌ نفسه‌ وجميع‌ أقاربه‌ لمشاهدتهم‌ بالنورانيّة‌ وبالولاية‌ المطلقة‌ الكلّيّة‌. ولمّا حصلت‌ تلك‌ المعرفة‌ ـ وفرضنا أنّ السالك‌ تخطّي‌ أمر الاختيار فلم‌ يقدّر الله‌ المتعال‌ لديه‌ في‌ الخارج‌ زيارة‌ الوجود الجسميّ والبدني‌ّ لاءمامه‌، فأيّة‌ حسرة‌ وندامة‌ ستبقي‌ لديه‌؟ هذا هو مراد ابن‌ عربي‌ ومرامه‌ الذي‌ يظهر من‌ كلّ واحدة‌ من‌ جملاته‌ وحالاته‌، وهذا هو الذي‌ يدفع‌ الملاّ صدرا، ذلك‌ الحكيم‌ البصير الحاذق‌، إلي‌ التواضع‌ أمامه‌ وإلي‌ الخضوع‌ مقابله‌، فتبدر منه‌ تلك‌ العبارة‌ المتينة‌ الموزونة‌ أمام‌ عظمة‌ ابن‌ عربي‌، ومن‌ هنا ندرك‌ أ نّه‌ لا المرحوم‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ الذي‌ كان‌ نفسه‌ تلميذاً وصهراً للملاّ صدرا، ولا الملاّ إسماعيل‌ الخاجوئي‌ّ قد فهم‌ روح‌ كلمات‌ محيي‌ الدين‌ ومعانيها، وأ نّهما قد مرّا مروراً سطحيّاً علي‌ تلك‌ الظرائف‌ والدقائق‌، أمّا الحكيم‌ الملاّ هادي‌ السبزواري‌ّ فلم‌ يكن‌ كذلك‌ ـ فتأمّل‌ وافهم‌ لانّ هذا من‌ مزالّ الاقدام‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com