بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم السادس عشر: ضرورة وجود الأستاذ، وصي الظاهر و وصي الباطن للاستاذ، الادعیة المنقولة عن سماحة الحداد...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كان‌ سلوك‌ سماحة‌ الحدّاد مبنيّاً علي‌ ضرورة‌ وجود الاُستاذ

 وعلي‌ كلّ حال‌، فقد جري‌ الحديث‌ في‌ هذا السفر عن‌ الاُستاذ وضرورته‌، وكان‌ للسيّد إصرار تامّ منذ البدء علي‌ ضرورة‌ وجود الاُستاذ. وكان‌ يبيّن‌ الاخطار الشديدة‌ التي‌ يواجهها التلميذ في‌ طريقه‌، ويذكّر بمطالب‌ من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ والاخبار والقصص‌ والحكايات‌ العربيّة‌ والفارسيّة‌ في‌ الاشعار وغيرها في‌ تأكيده‌ علي‌ ضرورة‌ هذا الامر، بَيدَ أ نّه‌ لم‌ يُلاحَظ‌ عنه‌ أبداً الإشارة‌ إلي‌ نفسه‌ كأُستاذ في‌ هذا الامر، فقد كان‌ يقول‌ باستمرار:

 إنّ الرفيق‌ ضروري‌ّ عند طيّ الطريق‌، فالمرء يحتاج‌ في‌ سفره‌ في‌ طريق‌ المعني‌ والمنازل‌ السلوكيّة‌ إلي‌ رفيق‌ يصحبه‌ في‌ هذا السفر، أكثر منه‌ في‌ سفره‌ في‌ طريق‌ الظاهر والطريق‌ الصحراوي‌ّ، لانّ منتهي‌ الخطر الذي‌ يتهدّده‌ من‌ الانفراد في‌ ذلك‌ السفر هو هلاك‌ بدنه‌ وجسمه‌، أمّا خطر الانفراد في‌ هذا السفر فيتضمّن‌ هلاك‌ نفسه‌ وروحه‌ الآدميّة‌ وانضمامه‌ إلي‌ زمرة‌ الاشقياء والابالسة‌.

 كان‌ السيّد يقول‌ في‌ صراحة‌ لا تشوبها مواربة‌: من‌ شاء المجي‌ء فليأت‌ فلن‌ يضير ذلك‌ شيئاً؛ ثمّ يشير إلي‌ صدره‌ ويقول‌: ألقوا ما تحملونه‌ هنا فأنا حمّال‌ للاثقال‌. إنّ هناك‌ أفراداً لا يطيقون‌ حمل‌ الاثقال‌؛ فهم‌ ينوؤون‌ بأثقالهم‌، بَيدَ أ نّهم‌ يجرّون‌ وراءهم‌ آخرين‌. إنّهم‌ يتصدّرون‌ المسيرة‌ مستتبعين‌ وراءهم‌ الكثير من‌ الاتباع‌ بينما تفوقهم‌ ـ بلحاظ‌ القوّة‌ واللطف‌ نفوس‌ الكثير من‌ تلامذتم‌!

 وكان‌ يقول‌: إنّ مسكيناً كهذا لم‌ يوصل‌ نفسه‌ إلي‌ المقصد ويتوجّب‌ عليه‌ أن‌ يلقي‌ بأحماله‌ في‌ أعتاب‌ أُخري‌، فقد جاء وأضاف‌ أثقالاً إلي‌ أثقاله‌، لذا فهو يجي‌ء ويشكو تلامذته‌ لي‌ أن‌ كذا وكذا.

 ولقد قلتُ له‌: ليس‌ العيب‌ في‌ تلامذتك‌، بل‌ العيب‌ فيك‌ حين‌ أريتهم‌ باب‌ جنّة‌ خضراء يانعة‌ ودعوتهم‌ إليك‌؛ وحين‌ دخلوها عجزتَ أن‌ توفّر لهم‌ الطعام‌ والغذاء، وها أنت‌ قد تركتهم‌ عطاشي‌ وجياعاً تعلّلهم‌ بالآمال‌ والوعود، ثمّ تنتظر منهم‌ الطاعة‌ المحضة‌! وهو أمر محال‌. علي‌ الاُستاذ أن‌ يحرّر نفسه‌ أوّلاً ويعتقها، في‌ حين‌ أ نّك‌ الآن‌ أسير مقيّد، فكيف‌ يمكنك‌ أن‌ تحرّر إمرءاً ما؟

 ينبغي‌ للحوائج‌ في‌ طريق‌ السير والسلوك‌ أن‌ تحطّ في‌ ساحة‌ الله‌ سبحانه‌، والإنسان‌ الكامل‌ هو الذي‌ قد تحرّر من‌ قيد نفسه‌ وارتبط‌ بالله‌ تعالي‌؛ أمّا الافراد الذين‌ لم‌ يصلوا إلي‌ مقام‌ التوحيد، والذين‌ تمسك‌ دغدغة‌ النفس‌ الامّارة‌ بتلابيبهم‌ باستمرار، فأ نّي‌ يتأتّي‌ لهم‌ إعانة‌ غيرهم‌ في‌ الوصول‌ إلي‌ المقصد والمقصود، ولهذا السبب‌ تري‌ هذا الفساد الذي‌ استشري‌ في‌ العالم‌ وتفاقم‌.

 وحصل‌ يوماً أن‌ جاء الحاجّ حبيب‌ السماوي‌ّ بشابّ معه‌ من‌ السماوة‌ يتمتّع‌ بلياقة‌ واستعداد رفيعين‌، وقد ظهرت‌ لديه‌ حالات‌ عرفانيّة‌ ومشاهدات‌ سلوكيّة‌ بواسطة‌ علاقته‌ بالحاجّ حبيب‌، وكان‌ الحاجّ قد قال‌ له‌: ليس‌ في‌ وسعي‌ أن‌ أفعل‌ لك‌ شيئاً بعد الآن‌، سا´خذك‌ معي‌ إلي‌ أُستاذي‌ حين‌ أتشرّف‌ هذه‌ المرّة‌ بالسفر لزيارة‌ كربلاء لتكون‌ ـ من‌ ثمّ تحت‌ إشرافه‌ وفي‌ تبعيّته‌.

 ومن‌ هذا المنطلق‌ فقد جاء به‌ الحاجّ حبيب‌ إلي‌ كربلاء ليمثل‌ في‌ محضر السيّد، وكان‌ ذلك‌ الشابّ يذكر مكاشفاته‌ القويّة‌ وحالاته‌ فيقول‌: إنّهم‌ يرقون‌ بي‌ في‌ مراحل‌ الصعود بحيث‌ يشقّ عَلَي‌َّ تحمّلها من‌ شدّة‌ الجلال‌، لذا فإنّ الخوف‌ يكتنفني‌؛ هذا الخوف‌ الذي‌ غالباً ما يؤدّي‌ إلي‌ الوقوف‌ وعدم‌ الحركة‌.

 فقال‌ له‌ سماحة‌ السيّد: لا تخف‌! فأينما شاؤوا أخذك‌ فسأكون‌ معك‌!

 وكان‌ السيّد يقول‌: ينبغي‌ أن‌ يكون‌ الاُستاذ ممتلكاً لمقام‌ التوحيد. كما أن‌ الإنسان‌ لا يمكنه‌ اتّخاذ أكثر من‌ أُستاذ واحد في‌ زمن‌ واحد، أمّا عند موت‌ الاُستاذ فيمكنه‌ الرجوع‌ إلي‌ غيره‌، علي‌ أن‌ يكون‌ الاُستاذ الجديد ـ بدوره‌ ممتلكاً لمقام‌ التوحيد.

 علي‌ أنّ شأن‌ الذين‌ ينتخبون‌ أُستاذين‌ فيأخذون‌ التعليمات‌ من‌ هذا وذاك‌، أو أن‌ يرتبطوا بهما سويّاً؛ كشأن‌ مريض‌ يراجع‌ طبيبين‌ معاً وفي‌ عرض‌ أحدهما الآخر، وهو عمل‌ لن‌ يعقب‌ إلاّ الهلاك‌ كما أ نّه‌ أمر مذموم‌ شرعاً وعقلاً وشهوداً.

 إنّ مَثَل‌ الافراد الذين‌ يختارون‌ أُستاذين‌، كمثل‌ طيور الحمام‌ التي‌ لها عشّان‌؛ فهذه‌ الطيور مهما امتازت‌ بطيران‌ سريع‌ وقوي‌ّ ومهما طارت‌ في‌الجوّ ساعات‌ متمادية‌ عطشي‌ وجائعة‌، إلاّ أ نّها لا تمتلك‌ أبداً أيّة‌ قيمة‌، لان‌ أحداً لا يشتريها لعلمه‌ أ نّه‌ مهما اشتراها بثمن‌ بخس‌ فإنّه‌ هو المغبون‌ في‌ الصفقة‌، لا نّها ستعود إلي‌ عشّها الآخر بمجرّد طيرانها فتذهب‌ معها جميع‌ أتعاب‌ ومشقّات‌ صاحبها أدراج‌ الرياح‌.

 أمّا طيور الحمام‌ التي‌ تمتلك‌ عشّاً واحداً فإنّها تمتلك‌ قيمة‌ وثمناً، يطمئنّ صاحبها إلي‌ أ نّها مهما حلّقت‌ وأينما صوّبت‌، فهي‌ عائدة‌ لابدّ إلي‌ عشّها هذا، باقية‌ في‌ ملكه‌ وحيازته‌. وإذا ما ألجأها أحياناً الجوع‌ والعطش‌ أو الاُنس‌ بالطيور الاُخري‌ إلي‌ الهبوط‌ في‌ مكان‌ ما، أو إذا وقعت‌ أسيرة‌ بِيَدِ شخص‌ ما من‌ محترفي‌ اللعب‌ بالطيور، فإنّها ستعود إلي‌ عشّها ذلك‌ بمجرّد تحليقها ولو مرّت‌ عليها أيّام‌ عديدة‌. ومثل‌ هذه‌ الطيور تمتلك‌ قيمة‌ وثمناً، وإذا ما رُبِّيت‌ ودُرِّبت‌ علي‌ أن‌ تطير في‌ الجوّ مثلاً يوماً كاملاً بشكل‌ متواصل‌ فلربّما بلغت‌ قيمتها مائة‌ دينار أو أكثر.

 ويُشاهد أحياناً أنّ بعض‌ محترفي‌ اللعب‌ بالطيور يحتاجون‌ مبلغاً بسيطاً من‌ المال‌، فيخرجون‌ طيورهم‌ هذه‌ ويعرضونها للبيع‌ بثمن‌ بخس‌، كمائة‌ فلس‌ مثلاً فيبيعونها لمن‌ لا خبرة‌ لهم‌ ولا اطّلاع‌، فيأخذها هؤُلاء إلي‌ بيوتهم‌ باطمئنان‌ كامل‌؛ فيشاهدون‌ أ نّها تتّجه‌ مباشرة‌ إلي‌ عشّها المعهود الاوّل‌ بمجرّد أن‌ يضعها المشتري‌ إلي‌ جنب‌ طيوره‌ الاُخري‌، أو بمجرّد أن‌ يدعها تحلّق‌ في‌ الجوّ.

 أمّا ذوي‌ الخبرة‌ فلا يشترون‌ مثل‌ هذه‌ الطيور، لعلمهم‌ أ نّها مهما كانت‌ زهيدة‌ الثمن‌ فإنّهم‌ سيكونون‌ هم‌ المغبونين‌ وأنّ هذا المبلغ‌ البسيط‌ الذي‌ دفعوه‌ بإزائها سيضيع‌ منهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

يعمد الاُستاذ أحياناً ـ لسببٍ ـ لوضع‌ تلميذه‌ تحت‌ إشراف‌ وتربية‌ أُستاذ آخر

 وعلي‌ ضوء هذا المبدأ يعمد أساتذة‌ العرفان‌ إلي‌ تربية‌ تلميذ ما سنين‌ طوالاً وإلي‌ إطلاعه‌ علي‌ الاسرار والرموز، ثمّ يرسلونه‌ ـ لغرض‌ ما مدّة‌ معيّنة‌ للتلمذة‌ علي‌ أُستاذ معروف‌ في‌ ذلك‌ الزمن‌؛ ويحصل‌ هذا لعدّة‌ أسباب‌:

 الاوّل‌: امتلاك‌ ذلك‌ الاُستاذ لاُسلوب‌ خاصّ في‌ التربية‌ أو لكمالات‌ خاصّة‌، فيضع‌ هؤُلاء تلميذهم‌ تحت‌ إشرافه‌ وتربيته‌ مدّة‌ معيّنة‌ أو إلي‌ الابد ليتمرّس‌ علي‌ ذلك‌ الاُسلوب‌ وليتكامل‌ بتلك‌ الكمالات‌. وفي‌ حال‌ أعلميّة‌ وأكمليّة‌ الاُستاذ الثاني‌، فمن‌ الجلي‌ّ أنّ هذا التلميذ ينبغي‌ أن‌ يبقي‌ هناك‌، أمّا في‌ حال‌ كونه‌ غير أعلم‌ فإنّ التلميذ يكتسب‌ كمالات‌ الاُستاذ الثاني‌ ثمّ يعود إلي‌ الاُستاذ الاوّل‌.

 الثاني‌: أن‌ يكون‌ للاُستاذ الثاني‌ كمالات‌ خاصّة‌ أو طريقة‌ خاصّة‌ في‌ التربية‌ لا يعلم‌ عنها هذا الاُستاذ شيئاً، لذا فإنّه‌ يضع‌ التلميذ مدّة‌ تحت‌ إشرافه‌ وتربيته‌، حتّي‌ إذا ما اكتسب‌ التلميذ تلك‌ الطريقة‌ أو اطّلع‌ علي‌ ذلك‌ الكمال‌ فإنّه‌ يعود إلي‌ أُستاذه‌ الاوّل‌ فيشرح‌ له‌ الامر، فيطّلع‌ ـ من‌ ثمّ علي‌ تلك‌ الطريقة‌ في‌ التربية‌ والتعليم‌.

 الثالث‌: أن‌ يكون‌ للاُستاذ الثاني‌ تلامذة‌ لديهم‌ قصور وأخطاء في‌ نحو سلوكهم‌، أو أن‌ يكون‌ للاُستاذ نفسه‌ قصور وخطأ، فيرسل‌ الاُستاذ الاوّل‌ تلميذاً بعنوان‌ التلمذة‌ إليه‌، ليقوم‌ بإصلاح‌ أخطاء أُولئك‌ الطلبة‌ أو ذلك‌ الاُستاذ من‌ حيث‌ لا يشعرون‌، ثمّ يعود تلقائيّاً إلي‌ أُستاذه‌ من‌ جديد.

 وإذا ما لوحظ‌ أحياناً أنّ بعض‌ الافراد لهم‌ أُستاذان‌ أو أكثر في‌ زمن‌ واحد، فهو أمر صائب‌ إن‌ كان‌ من‌ قبيل‌ هذه‌ الاحتمالات‌.

 وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ للتلميذ أُستاذاً واحداً، وهو الاُستاذ الذي‌ خضع‌ ذلك‌ التلميذ لولايته‌ الاصليّة‌ والاوليّة‌؛ ومن‌ هنا فإنّ ولاية‌ الاساتذة‌ الآخرين‌ ستكون‌ طوليّة‌ لا عرضيّة‌، وفرعيّة‌ وثانويّة‌ لا أصليّة‌. وعلي‌ هذا الاساس‌ فإنّ عمل‌ التلميذ بتعاليم‌ الاُستاذ الثاني‌ امتثال‌ في‌ الحقيقة‌ لامر الاُستاذ الاوّل‌ وتعاليمه‌، ومن‌ ثمّ فلا تنافي‌ ولا تنافر ولا اختلاف‌ في‌ الامر.

 الرجوع الي الفهرس

يمكن‌ أن‌ يكون‌ للاُستاذ وصي‌ّ ظاهري‌ّ وآخر باطني‌ّ

 وقد سئل‌ السيّد مرّات‌ عديدة‌: ما السبب‌ في‌ عدم‌ اختياركم‌ وصيّاً للمرحوم‌ القاضي‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ الاُمور العرفانيّة‌ والسلوكيّة‌ والتوحيديّة‌ واختياره‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ القوجاني‌ّ هاتف‌ ليكون‌ وصيّه‌ في‌ ذلك‌؟

 فكان‌ يجيب‌: الوصاية‌ قسمان‌: ظاهريّة‌ وباطنيّة‌.

 فالوصي‌ّ الظاهر هو الذي‌ يجعله‌ الاُستاذ وصيّه‌ أمام‌ الملا العامّ، فيكتب‌ بذلك‌ ويمُضيه‌ ويعلنه‌. وحسب‌ ذوق‌ المرحوم‌ القاضي‌ الذي‌ كان‌ عالماً جامعاً ومجتهداً وحائزاً للرياستين‌ في‌ العلوم‌ الظاهريّة‌ والباطنيّة‌، فإنّ علي‌ الوصي‌ّ حتماً أن‌ يحوز العلوم‌ الظاهريّة‌ من‌ الفقه‌ والاُصول‌ والتفسير والحديث‌ والحكمة‌ والعرفان‌ النظري‌ّ؛ منعاً لانكسار سدّ الشريعة‌ ولئلاّ يكون‌ هناك‌ خطّان‌ ومنهجان‌.

 وهذا هو المبدأ الذي‌ كان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يعتمد عليه‌ كثيراً؛ فكان‌ يحسب‌ للشريعة‌ الغرّاء حسابها بدقّة‌ كبيرة‌، وكان‌ بنفسه‌ رجلاً متشرّعاً بتمام‌ المعني‌، ومعتقداً بأنّ الشريعة‌ هي‌ السبيل‌ لإدراك‌ الحقائق‌ العرفانيّة‌ والتوحيديّة‌. وكان‌ جادّاً في‌ هذا الامر، بحيث‌ لم‌ يكن‌ ليفوته‌ أبسط‌ سُنّة‌ وعمل‌ مستحبّ، حتّي‌ قال‌ بعض‌ المعاندين‌: إنّ هذه‌ الدرجة‌ من‌ الزهد والإتيان‌ بالاعمال‌ المستحبّة‌ التي‌ يقوم‌ بها القاضي‌ لا تنبع‌ من‌ الإخلاص‌، بل‌ إنّه‌ يحاول‌ إظهار نفسه‌ بهذا الشكل‌ وبهذه‌ الشمائل‌ والاوصاف‌؛ فهو رجل‌ صوفي‌ّ محض‌ لا يعير لمثل‌ هذه‌ الاُمور اهتماماً!

 وعلي‌ هذا الاساس‌ فقد كان‌ للمرحوم‌ القاضي‌ التفات‌ إلي‌ العلوم‌ الظاهريّة‌، أمّا الامر الآخر فهو أنّ العالِم‌ الدارس‌ لا يمكن‌ لاحد خداعه‌.

 ولو صار أساس‌ تعيين‌ الوصي‌ّ من‌ غير العلماء أمراً رائجاً ومعهوداً، فما أحري‌ أن‌ يدّعي‌ المعرفة‌ كثيرٌ من‌ الشياطين‌ فيجرّون‌ الخلق‌ إلي‌ اتّباعهم‌ ويسقطون‌ البسطاء السذّج‌ في‌ حبائلهم‌ بحيث‌ يستحيل‌ إقناعهم‌ بعد ذلك‌ بخطئهم‌ بأي‌ّ دليلٍ أو منطق‌.

 ومن‌ ثمّ فقد اختار المرحوم‌ القاضي‌ من‌ بين‌ تلامذته‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌، الذي‌ كان‌ رجلاً عالماً مجرّداً عن‌ هوي‌ النفس‌، وقد عاني‌ الآلام‌ والمشاقّ والمحن‌؛ فحفظ‌ جلالَ ومقام‌ ومكانة‌ المرحوم‌ الاُستاذ القاضي‌ علي‌ أكمل‌ وجهٍ وأتمّه‌.

 أمّا وصي‌ّ الباطن‌ فهو الذي‌ أكمل‌ باطنه‌ بكمالات‌ الاُستاذ، فصار يمتلك‌ معرفة‌ شهوديّة‌ وقدرة‌ قياديّة‌، باطنيّة‌ وسرّيّة‌، علي‌ الرغم‌ من‌ أنّ الاُستاذ لم‌ يقدّمه‌ للا´خرين‌ ولم‌ يُذع‌ أمره‌، لا نّه‌ يمتلك‌ في‌ الباطن‌ السيطرة‌ علي‌ النفوس‌ ـ شاءت‌ أم‌ أبت‌ فهو يهدي‌ التلامذة‌ إلي‌ أمر الله‌، ويراقب‌ طريقهم‌ وسلوكهم‌ ويتولّي‌ رعايتهم‌.

 وصي‌ّ الظاهر يعمل‌ في‌ الظاهر بمقتضي‌ وصايته‌، أمّا وصي‌ّ الباطن‌ فيعمل‌ في‌ الباطن‌؛ فإن‌ عملا سويّاً كالتوأم‌، ظهرت‌ منافع‌ لا تعدّ ولا تحصي‌ وتفتّحت‌ ورود بديعة‌ رائعة‌ من‌ براعم‌ بستان‌ التوحيد.

 إنّ وصي‌ّ الظاهر يقبل‌ الافراد الطالبين‌ للسلوك‌، ووصي‌ّ الباطن‌ ينتقي‌ منهم‌ وينتخب‌؛ لذا فلو انكشف‌ نفاق‌ الافراد الذين‌ خضعوا لتربية‌ وصي‌ّ الظاهر مدّة‌، فإنّ وصي‌ّ الباطن‌ لن‌ يقبلهم‌ منذ البداية‌، ومن‌ ثمّ فإنّهم‌ سيفقدون‌ رغبتهم‌ وحماسهم‌ بعد حين‌ فيرجعون‌، أو أ نّهم‌ يلجؤون‌ إلي‌ العناد لا سمح‌ الله‌.

 أمّا التلامذة‌ الحقيقيّون‌ فسيقوم‌ بأمر هدايتهم‌ وإرشادهم‌ عن‌ طريق‌ الباطن‌، فيتعرّفون‌ ـ باعتبارهم‌ أهل‌ رغبة‌ صادقة‌ ونيّة‌ حسنة‌ علي‌ وصي‌ّ الباطن‌ وينهلون‌ من‌ تعاليمه‌.

 وعليه‌، وبهذا البيان‌ فإنّ أُستاذ الظاهر وأُستاذ الباطن‌ موجودان‌ معاً، يؤيِّد أحدهما الآخر ويدعمه‌. وهما يتحمّلان‌ جزءاً كبيراً من‌ مسؤوليّة‌ تقدّم‌ التلاميذ وإيصالهم‌ إلي‌ المقصد الاصلي‌ّ. وينبغي‌ حتماً في‌ هذه‌ الحال‌ أن‌ لا يقع‌ خلاف‌ بين‌ أُستاذَي‌ الظاهر والباطن‌، لانّ الاختلاف‌ دليل‌ علي‌ عدم‌ صحة‌ الطريق‌ انتهي‌ كلامه‌ مجملاً.

 ومن‌ المناسب‌ هنا أن‌ ننقل‌ مطلبينِ عن‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ يمكن‌ أن‌ تُستخرج‌ منهما أسرار خفيّة‌:

 الاوّل‌:

 وَالحَادِي‌ عَشَرَ سُورَةُ طَه‌، وَهَذَا القُطْبُ هُوَ نَائِبُ الحَقِّ تَعَالَي‌ كَمَا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ نَائِبَ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فِي‌ تِلاَوَةِ سُورَةِ بَرَاءَةَ عَلَي‌ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَدْ كَانَ بَعَثَ بِهَا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ يُبَلِّغُ عَنِّي‌ القُرْآنَ إلاَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي‌.

 فَدَعَا بِعَلِي‌ٍّ فَأَمَرَهُ فَلَحِقَ أَبَا بَكْرٍ. فَلَمَّا وَصَلَ إلی مَكَّةَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَبَـلَّـغَ عَلِي‌ٌّ إلی النَّاسِ سُـورَةَ بَـرَاءَةَ وَتَـلاَهَا عَلَیهِـمْ نِيَابَـةً عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّم‌. [340]

 أقول‌: خبر حجّ أبي‌ بكر بالناس‌ وفق‌ روايات‌ العامّة‌، ولكن‌ وفق‌ الروايات‌ الخاصّة‌ أنّ أبا بكر عاد إلي‌ المدينة‌ وأنّ عليّاً عليه‌ السلام‌ قام‌ بإبلاغ‌ سورة‌ براءة‌ وحجّ بالناس‌ أيضاً.

 الرجوع الي الفهرس

حكم‌ محيي‌ الدين‌ علي‌ فقهاء العامّة‌ الذين‌ لا يجيزون‌ الانتقال‌ من‌ مذهب‌ لا´خر

 الثاني‌:

 وَمَنِ انْتَمَي‌ إلی قَوْلِ إمَامٍ لاَ يُوَافِقُهَا فِي‌ الحُكْمِ هَذَا القُطْبَ [341] وَهُوَ الخَلِيفَةُ فِي‌ الظَّاهِـرِ، فَإذَا حَكَـمَ بِخِـلاَفِ مَا يَقْتَضِـيهِ أَدِلَّةُ هَؤُلاَءِ الاَئِمَّةِ؛ قَالَ أَتْبَاعُهُمْ بِتَخْطِـئَتِهِ فِي‌ حُكْمِهِ ذَلِـكَ وَأَثِمُـوا عِنْدَ اللَهِ بِلاَ شَـكٍّ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ.

 فَإنَّهُ لَيْـسَ لَهُمْ أَنْ يُخَطِّئُوا مُجْتَهِداً لاِنَّ المُصِـيبَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لاَ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ هَذِهِ حَالُهُ فَلاَ يُقْدِمْ عَلَي‌ تَخْطِئَةِ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ؛ كَمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي‌ إمَارَةِ أُسَامَةَ وَأَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حَتَّي‌ قَالَ فِي‌ ذَلِكَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهِ عَلَیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ مَا قَالَ.

 فَإذَا طُعِنَ فِي‌ مَنْ قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ، وَرَجَّحُوا نَظَرَهُمْ عَلَي‌ نَظَرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهِ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَمَا ظَنُّكَ بِأَحْوَالِهِمْ مَعَ القُطْبِ؟! وَأَيْنَ الشُّهْرَةُ مِنَ الشُّهْرَةِ؟! هَيْهَاتَ! فُزْنَا وَخَسِرَ المُبْطِلُونَ.

 فَوَ اللَهِ لاَ يَكُونُ دَاعِياً إلی اللَهِ إلاَّ مَنْ دَعَا عَلَي‌ بَصِيرَةٍ، لاَ مَنْ دَعَا عَلَي‌ ظَنٍّ وَحَكَمَ بِهِ.

 لاَ جَرَمَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ حَجَرَ عَلَي‌ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ مَا وَسَّعَ اللَهُ بِهِ عَلَیهِمْ.

 فَضَيَّقَ اللَهُ عَلَیهِمْ أَمْرَهُمْ فِي‌ الآخِرَةِ وَشَدَّدَ اللَهُ عَلَیهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ المُطَالَبَةَ وَالمُحَاسَبَةَ؛ لِكَوْنِهِمْ شَدَّدُوا عَلَي‌ عِبَادِ اللَهِ أَنْ لاَ يَنْتَقِلُوا مِنْ مَذْهَبٍ إلی مَذْهَبٍ فِي‌ نَازِلَةٍ طَلَباً لِرَفْعِ الحَرَجِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ تَلاَعُبْ بِالدِّينِ؛ وَمَا عَرَفُوا أَ نَّهُمْ بِهَذَا القَوْلِ قَدْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ.

 بَلْ شَرْعُ اللَهِ أَوْسَعُ، وَحُكْمُهُ أَجْمَعُ وَأَنْفَعُ «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم‌ مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ» [342] هَذَا حَالُ هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامِةِ؛ فَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. [343]

 الرجوع الي الفهرس

 

القسم‌ الثامن‌:

السفر السادس‌ للحقير إلي‌ العتبات‌ المقدّسة‌ أواخر سنة‌ 1390 و أوائل‌ سنة‌ 1391 هجريّة‌ قمريّة‌

 

 لقد منّ الله‌ سبحانه‌ عَلَيّ بالتوفيق‌ في‌ أواخر سنة‌ 1390 هجريّة‌ قمريّة‌ في‌ موسم‌ الحجّ للتشرّف‌ بالسفر لاداء مناسك‌ الحجّ وزيارة‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ وزيارة‌ قبر رسول‌ الله‌ وفاطمة‌ الزهراء وأئمّة‌ البقيع‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌ بصحبة‌ اثنين‌ من‌ أولادي‌ وهما الحاجّ السيّد محمّد صادق‌ وكان‌ عمره‌ آنذاك‌ سبع‌ عشرة‌ سنة‌، والحاجّ السيّد محمّد محسن‌ وكان‌ يزيد علي‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌ بقليل‌. حيث‌ سافرنا من‌ طهران‌ إلي‌ الكويت‌ ومن‌ هناك‌ إلي‌ مكّة‌ المكرّمة‌، ثـمّ عدنا من‌ جدّة‌ إلي‌ بغداد أوائل‌ العشـرة‌ الثانية‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ وبقينا في‌العتبات‌ المقدّسة‌ لمدّة‌ شهر تقريباً، ثمّ عدنا من‌ النجف‌ وكربلاء إلي‌ الكاظميّة‌ برفقة‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد، ثمّ قمنا بزيارة‌ الإمامين‌ العسكريّينِ عليهما السلام‌ وعدنا بعد ذلك‌ إلي‌ طهران‌ أوائل‌ العشرة‌ الثالثة‌ من‌ محرّم‌ الحرام‌.

 ولقد كنّا طيلة‌ هذا السفر عند العتبات‌ المقدّسة‌ في‌ معيّة‌ سماحة‌ السيّد فقد كنّا ـ بعد قيامنا بالزيارة‌ الاُولي‌ للكاظميّة‌ في‌ معيّته‌ الكريمة‌ طوال‌ أوقات‌ مكثنا في‌ كربلاء والنجف‌ ثمّ في‌ الكاظميّة‌ وسامرّاء.

 وكان‌ لهذا التشرّف‌ بزيارة‌ العتبات‌ المباركة‌ بعد أداء الحجّ التأثير البالغ‌ العجيب‌ بالنسبة‌ إلي‌ أولادي‌ إذ بعد القيام‌ بالحجّ، ووُفّق‌ هذان‌ البرعمان‌ اليافعان‌ من‌ طلبة‌ العلوم‌ الدينيّة‌ لزيارة‌ المراقد المطهّرة‌ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بعد مشاهدة‌ تلك‌ الاماكن‌ المباركة‌ المشرّفة‌ وزيارتها، وبعد الانهماك‌ بأداء مناسك‌ الحجّ الجميلة‌ المحبّبة‌ التي‌ لا تزال‌ ذكرياتها تموج‌ في‌ ذهنيهما؛ مضافاً إلي‌ أنّ مضيّفهما في‌ كربلاء وسائر الاماكن‌ الاُخري‌ كان‌ وليّاً من‌ أولياء الله‌ كسماحة‌ السيّد هاشم‌، وكان‌ ذلك‌ بالنسبة‌ لهما أمراً رائعاً ومحبّباً جدّاً يأخذ بمجامع‌ القلوب‌.

 وأساساً فإنّني‌ أعتقد بأنّ الاولاد ينبغي‌ إرسالهم‌ إلي‌ الحجّ في‌ أوائل‌ سنّ بلوغهم‌ بأي‌ّ طريق‌ ممكن‌، من‌ أجل‌ أن‌ تكتسب‌ أرواحهم‌ الطاهرة‌ ونفوسهم‌ النقيّة‌ غير الملوّثة‌ تلك‌ الحقائق‌ وتجذبها إليها كالمغناطيس‌، فتبقي‌ تلك‌ المطالب‌ إلي‌ آخر العمر الشغل‌ الشاغل‌ الذي‌ لا يفارق‌ أذهانهم‌، حيث‌ إنّها ستقوم‌ شيئاً فشيئاً بإظهار تلك‌ المكتسبات‌ وإبرازها إلي‌ النور وإخراجها إلي‌ حيّز الفعليّة‌؛ ولو استلزم‌ أمر إرسالهم‌ المشاقّ، أو استدعي‌ بيع‌ بعض‌ أثاث‌ البيت‌ ومتاعه‌، فليس‌ ذلك‌ بالامر المهمّ، سواءً عُوّض‌ هذا الاثاث‌ والمتاع‌ فيما بعد أم‌ لم‌ يعوّض‌، إذ إنّ المهمّ هو زيارة‌ هذه‌ النفوس‌ القابلة‌ والمستعدّة‌ وغير الملوّثة‌ بالآثام‌ والكثرات‌، ممّا سيؤدّي‌ إلي‌ تثبيت‌ الإيمان‌ والطهارة‌ والتقوي‌ لديهم‌ إلي‌ آخر أعمارهم‌.

 وعلي‌ الإنسان‌ أن‌ لا ينتظر الوجوب‌ الشرعي‌ّ كما هي‌ الحال‌ في‌ الحجّ الذي‌ يحصل‌ هذه‌ الايّام‌ في‌ أواسط‌ العمر بعد اللتيا واللتي‌، أو كما كان‌ يحصل‌ في‌ قديم‌ الايّام‌ في‌ أواخر عمر الإنسان‌. إذ ستنحصر استفادة‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ من‌ الحجّ والآثار الناجمة‌ منه‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الحالات‌ ببقيّة‌ عمر الفرد، التي‌ غالباً ما تكون‌ ضئيلة‌ وقليلة‌. أمّا الحجّ في‌ سنّ البلوغ‌ فإنّ آثاره‌ ستصاحب‌ الإنسان‌ من‌ أوّل‌ منزل‌ ومحطّة‌ للتكليف‌ والتشرّف‌ بالخطاب‌ الربوبي‌ّ إلي‌ آخر عمره‌، وستبعث‌ ـ من‌ ثمّ النشاط‌ في‌ الروح‌ وتحافظ‌ علي‌ النفس‌ حيّة‌ بالإيمان‌ والإيقان‌. وبالرغم‌ من‌ أنّ هذا التوفيق‌ لم‌ يحصل‌ للحقير نفسه‌ إلاّ في‌ سنّ الثالثة‌ والثلاثين‌، بَيدَ أنّ المساعي‌ قد بُذلت‌ بالنسبة‌ إلي‌ هذين‌ الولدين‌ وإلي‌ ولدَي‌ّ الآخرينِ أيضاً، كي‌ يكون‌ حجّهم‌ في‌ أوّل‌ فرصة‌ ممكنة‌ بعد البلوغ‌.

 وإنصافاً، فقد قام‌ المضيّفون‌ الحقيقيّون‌: الله‌ سبحانه‌ نفسه‌، والوجود المقدّس‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وفاطمة‌ الزهراء عليها السلام‌ وأئمّة‌ البقيع‌ وأئمّة‌ العتبات‌ المقدّسة‌ عليهم‌ السلام‌ بإضافتنا، كما استقبل‌ السيّد الحدّاد هذين‌ الولدين‌ وعاملهما كما لو كانا ولديه‌، بل‌ أكثر من‌ ذلك‌. وكان‌ هذا الشيخ‌ العارف‌ ذو السنين‌ التي‌ تربو علي‌ السبعين‌ يقوم‌ بنفسه‌ بمهام‌ الضيافة‌؛ يشتري‌ الخبز والخضروات‌ ويهيِّي‌ المستلزمات‌ المختلفة‌ ويبسط‌ المائدة‌ علي‌ الارض‌. وباعتبار ورودنا عليه‌ بعد عيد الغدير، فقد أعطي‌ لكلٍّ من‌ ولدَي‌ّ هديّة‌ العيد خمسة‌ دنانير. وقام‌ بنفسه‌ بإلباس‌ ولدِي‌ الاكبر الحاجّ السيّد محمّد صادق‌ بيده‌ المباركة‌ لباس‌ العلم‌ والمعرفة‌ والادب‌ وكسوة‌ رجال‌ الدين‌ وخلعة‌ رسول‌ الله‌، وعقد العمامة‌ علي‌ رأسه‌، ولم‌ يدّخر وسعاً في‌ بيان‌ شروط‌ ومستلزمات‌ الهداية‌ والإرشاد له‌، بل‌ قام‌ بذلك‌ علي‌ أكمل‌ وجه‌ وأتمّه‌، وأوصاه‌ كثيراً ـ من‌ أجل‌ أن‌ يصبح‌ عالماً عاملاً جامعاً بتعاهد دروسه‌ والتمعّن‌ والتحقيق‌ في‌ قراءته‌، والاستفسار عمّا يبهم‌ عليه‌، فلا يتعدّي‌ درساً إلي‌ غيره‌ حتّي‌ يفهمه‌.

 الرجوع الي الفهرس

نصائح‌ سماحة‌ الحدّاد وقراءته‌ الاشعار لولدَي‌ّ

 وكان‌ يقول‌: إنّ قيمة‌ العالِم‌ العامل‌ تزيد علي‌ الدنيا والآخرة‌ كليهما، وتفوق‌ كلّ ما يتصوّر.

 ويقول‌: لقد كان‌ المرحوم‌ السيّد (القاضي‌) عالماً لا مثيل‌ له‌ في‌ الفقاهة‌، ولا مثيل‌ له‌ في‌ فهم‌ الرواية‌ والحديث‌، ولا مثيل‌ له‌ في‌ التفسير والعلوم‌ القرآنيّة‌، وفي‌ الادب‌ العربي‌ّ واللغة‌ والفصاحة‌، وحتّي‌ في‌ التجويد والقراءات‌ القرآنيّة‌، وكان‌ يحضر أحياناً مجالس‌ الفاتحة‌ فلا يجرُؤ إلاّ القليل‌ من‌ قرّاء القرآن‌ علي‌ القراءة‌ في‌ حضوره‌، لا نّه‌ كان‌ يبيِّن‌ الإشكالات‌ في‌ تجويدهم‌ وأُسلوب‌ قراءتهم‌.

 وكان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يتشرّف‌ بالمجي‌ء إلي‌ كربلاء ويتفضّل‌ ـ مجلّلاً بالنزول‌ في‌ المنزل‌ المتواضع‌ للحقير. وبالرغم‌ من‌ كونه‌ غارقاً إلي‌ حدّ كبير في‌ بحر المعارف‌ الزاخر، إلا أ نّه‌ ـ مع‌ ذلك‌ كان‌ يقرأ لي‌ أحياناً من‌ الاشعار الفصيحة‌ والبليغة‌، من‌ جملتها هذه‌ الاشعار الواردة‌ في‌ استعمال‌ الكلمات‌ المشتركة‌ لفظاً المتعدّدة‌ معني‌:

 

 يَا خَلِي‌َّ البَالِ قَدْ بَلْبَلْتَ بِالبِلْبَالِ بَالْ                              بِالنَّوَي‌ زَلْزَلْتَنِي‌ وَالعَقْلُ فِي‌ الزِّلْزَالِ زَالْ

 يَا رَشِيقَ القَدِّ قَدْ قَوَّسْتَ قَدِّي‌ فَاسْتَقِمْ                       فِي‌ الهَوَي‌ فَافْرُغْ فَقَلْبِي‌ شَاغِلُ الاَشْغَالِ غَالْ

 يَا أَسِيلَ الخَدِّ خَدَّ الدَّمْعُ خَدِّي‌ فِي‌ النَّوَي‌                     عَبْرَتِي‌ وَدْقٌ وَعَيْنِي‌ مِنْكَ يَا ذَا الخَالِ خَالْ

 كَمْ تُسَقِّي‌ زُمْرَةَ العُشَّاقِ غَسَّاقَ الجَوَي                    ‌ كَمْ تَسُوقُ الحَتْفَ مِنْ سَاقٍ عَنِ الخَلْخالِ خَالْ

 إلي‌ آخر الابيات‌[344]. ويتّضح‌ من‌ ذلك‌ أنّ المرحوم‌ القاضي‌ كان‌ يحفظ‌ جميع‌ هذه‌ القصيدة‌ الرائعة‌.

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 يَا مَنْ بِمُحَيَّاهُ جَلَي‌ الكَوْنَ وَزَانَه‌                     العَالَمُ فِي‌ الحَيْرَةِ لاَ يُدْرِكُ شَانَهُ

 أَخْفَاكَ ظُهُورٌ لَكَ عَنْهُمْ وَأَبَانَهْ             اي‌ تير غمت‌ را دل‌ عشّاق‌ نشانه[345]

عالم‌ به‌ تو مشغول‌ و تو غايب‌ ز ميانه‌ [346]

 إيَّاكَ تَطَلَّبْتُ وَذِكْرَاكَ هَوَيْتُ                      مِنْ كُلِّ حَدِيثٍ بِأَسَانِيدَ رَوَيْتُ

 إنْ كَانَ إلی الكَعْبَةِ وَالبَيْتِ أَتَيْتُ مقصود من‌ از كعبه‌ وبتخانه‌ توئي‌ تو [347]

 مقصود توئي‌ كعبه‌ و بتخانه‌ بهانه‌[348]

 إنْ فِي‌ عَرَفَاتٍ وَمِنَاهَا جَسَدِي‌ دَارْ                      أَوْ مَشْعَرِهَا مَا لِسِوَاكَ خَلَدِي‌ دَارْ

 مَنْ مِثْلي‌َ مَنْ حَجَّ إلی الكَعْبَةِ وَالدَّارْ       حاجي‌ به‌ ره‌ كعبه‌ و من‌ طالب‌ ديدار[349]

 او خانه‌ همي‌ جويد و من‌ صاحب‌ خانه[350]

قَدْ كَلَّ لِسَانِي‌ صِفَةُ الدَّارِ بِتَجْرِيدْ                    فِي‌ فَضْلِ صِفَاتٍ وَلَقَدْ طَالَ بِتَحْمِيدْ

 مِنْ مُقْلَةِ قَلْبِي‌ فَأَرَي‌ نُورَكَ تَوْحِيدْ       چون‌ در همه‌جا عكس‌ رخ‌ يار توان‌ ديد [351]

    ديوانه‌ منم‌ من‌ كه‌ روم‌ خانه‌ به‌ خانه‌[352]

 لاَ مَطْـلَـبَ إلاَّ وَبِـأَيْـدِيـكَ مُـشَــيَّـدْ                   لاَ مُـفْـضِـلَ إلاَّ وَبِـنُـعْـمَـاكَ مُـقَـيَّـدْ

 لاَ مُفْضِـلَ إيَّـاكَ وَلاَ غَـيْـرَكَ ذُو اليَـدْ                 هركس‌ به‌ زباني‌ صفت‌ حمد تو [353]گويد

 بلبل‌ به‌ نوا خواني‌ و قمري‌ به‌ ترانه‌ [354]

 لاَ مَطْلَبَ لِي‌ غَيْرُكَ لاَ وَالَّذِي‌ يُوجِدْ                         إنْ أُتْهِمُ أَوْ أُشْئِمُ أَوْ أُعْرِقُ أُنْجِدْ

 لِلْفَوْزِ إلی وَصْلِكَ يَا مَنْ هُوَ مُنْجِدْ               گه‌ معتكف‌ ديرم‌ و گه‌ ساكن‌ مسجد [355]

 يعني‌ كه‌ تو را مي‌طلبم‌ خانه‌ به‌ خانه‌ [356]

 كما كان‌ يقرأ من‌ جملتها هذا الرباعي‌:

 أَقُول‌ زَيْدٌ وَزْيدٌ لَسْتُ أَعْرِفُهُ                وَإنَّمَا هُوَ قَوْلٌ أَنْتَ مَعْنَاهُ

 وَكَمْ ذَكَرْتُ حَدِيثاً لاَ اكْتِرَاثَ بِهِ            حَتَّي‌ يَجُرُّ إلی ذِكْرَاكَ ذِكْرَاهُ

 ومن‌ جملتها هذا البيت‌:

 كَبُرَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ طَمَعَتْ فِي‌ أَنْ يَرَاكَا                      أَوَ مَا حَسْبُ لِعَيْنِ أَنْ تَرَي‌ مَنْ قَدْ رَآكَا

 وكان‌ يقول‌: هذا البيت‌ في‌ المعني‌ والمفاد نظير بيت‌ ابن‌ الفارض‌ الذي‌ يقول‌:

 أَبْقِ لِي‌ مُقْلَةً لَعَلَّي‌َ يَوْماً                   قَبْلَ مَوْتِي‌ أَرَي‌ بِهَا مَنْ رَآكَا [357]

 ومن‌ جملتها هذه‌ الابيات‌:

 وَمَا فِي‌ الخَلْقِ أَشْقَي‌ مِنْ مُحِبٍّ       وَإنْ وَجَدَ الهَوَي‌ حُلْوَ المَذَاقِ

 تَرَاهُ بَاكِياً فِي‌ كُلِّ حِينٍ                                  مَخَافَةَ فُرْقَةٍ أَوْ لاِشْتِيَاقِ

 وَيَبْكِي‌ إنْ نَأَوْا شَوْقاً إلَيْهِ                               وَيَبْكِي‌ إنْ دَنَوْا خَوْفَ الفِرَاقِ

 هذه‌ هي‌ مجموعة‌ الاشعار التي‌ حكاها عن‌ المرحوم‌ القاضي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ طيلة‌ هذا السفر، وأمّا الاشعار والمطالب‌ التي‌ كان‌ يوردها بنفسه‌ في‌ تعريف‌ العشق‌ فهي‌:

 جَلِيسٌ مُمَنِّعٌ، وَصَاحِبٌ مَالِكٌ، مَذَاهِبُهُ غَامِضَةٌ، وَأَحْكَامُهُ جَارِيَةٌ. يَمْلِكُ الاَبْدَانَ وَأَرْوَاحَهَا، وَالقُلُوبَ وَخَوَاطِرَهَا، وَالعُقُولَ وَألْبَابَهَا؛ قَدْ أُعْطِيَ عِنَانَ طَاعَتِهَا، وَقُوَّةَ تَصْريِفِهَا.

 ويقول‌ أيضاً: جَلَّ أَنْ يَخْفَي‌، وَدَقَّ أَنْ يُرَي‌، فَهُوَ كَامِنٌ كَكُمُونِ النَّارِ فِي‌ الحَجَرِ؛ إنْ قَدَحْتَهُ أَوْرَي‌، وَإنْ تَرَكْتَهُ تُوَارَي‌.

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

بعض‌ الاشعار التي‌ كان‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ يردّدها

 روزي‌ كه‌ شود إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ                    وآنگه‌ كه‌ شود إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ

 من‌ دامن‌ تو بگيرم‌ اندر سُئِلَتْ                                       گويم‌ صنما بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت‌؟ [358]

 عشق‌ تو مرا أَلَسْتُ مِنكُمْ بِبَعيدْ                                   هجر تو مرا إنَّ عَذَابي‌ لَشَدِيدْ

 بر كنج‌ لبت‌ نوشته‌ يُحْيي‌ وَيُميتْ                                  مَنْ مَاتَ مِنَ العِشْقِ فَقَدْ مَاتَ شَهِيدْ [359]

 * * *

 با هيچ‌ كَس‌ نشاني‌ ز آن‌ دلستان‌ نديدم‌              يا من‌ خبر ندارم‌ يا او نشان‌ ندارد [360]

 * * *

 به‌ عقل‌ نازي‌ حكيم‌ تا كي‌؟                                           به‌ فكرت‌ اين‌ ره‌ نمي‌شود طِيّ

 به‌ كنه‌ ذاتش‌ خرد برد پي‌                                              اگر رسد خَس‌ به‌ قَعرِ دريا

 چو نيست‌ بينش‌ به‌ ديدة‌ دل‌                             رخ‌ ار نمايد تو را چه‌ حاصل‌؟

 كه‌ هست‌ يكسان‌ به‌ چشم‌ كوران‌                      چه‌ نقش‌ پنهان‌ چه‌ آشكارا[361]

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

الادعية‌ المنقولة‌ عن‌ سماحة‌ الحدّاد في‌ الصلوات‌ وسجدات‌ الصلاة‌

 وكان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد يقنت‌ في‌ خلال‌ هذا السفر بهذا الدعاء:

 يَا مَنْ أَظْهَرَ الجَمِيلَ، وَسَتَرَ القَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالجَرِيرَةِ، يَا مَنْ لَمْ يَهْتِكِ السِّـتْرَ، يَا عَظِيمَ العَفْوِ، يَا حَسَـنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِـعَ المَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ اليَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ.

 ارْحَمْنِي‌ يَا صَاحِبَ كُلِّ نَجْوَي‌، يَا مُنْتَهَي‌ كُلِّ شَكْوَي‌، يَا مُفَرِّجَ كُلِّ كُرْبَةٍ، يَا مُقِيلَ العَثَرَاتِ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا عَظِيمَ العَفْوِ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا.

 يَا رَبَّاهُ! يَا سَيِّدَاهُ! يَا غَايَةَ رَغْبَتَاهُ! أَسْأَلُكَ بِكَ وَبِمُحَمَّدٍ وَعَلِي‌ٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَالاَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ عَلَیهِمُ السَّلاَمُ أَنْ تُصَلِّي‌َ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَسْأَلُكَ يَا اللَهُ أَنْ لاَ تُشَوِّهَ خَلْقِي‌ بِالنَّارِ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي‌ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ. [362]

 لكنّ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ كان‌ يقول‌ بدل‌ عبارة‌ وَالاَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ: وَعَلِي‌ِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِي‌ٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَي‌ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلِي‌ِّ بْنِ مُوسَي‌، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِي‌ٍّ، وَعَلِي‌ِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بْنِ عَلِي‌ٍّ، والمَهْدِي‌ِّ صَاحِبِ الزَّمَانِ؛ ثمّ يقرأ بقيّة‌ الدعاء.

 وكان‌ يقرأ في‌ السجدة‌ الاخيرة‌ من‌ صلواته‌ الدعاء التالي‌:

 يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا اللَهُ، أَنْتَ اللَهُ الَّذِي‌ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ لاَ شَرِيكَ لَكَ.

 تَجَبَّرْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ وَلَدٌ، وَتَعَالَيْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ شَرِيكٌ، وَتَعَظَّمْتَ أَنْ يَكُوَنَ لَكَ مُشِيرٌ، وَتَقَهَّرْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ ضِدٌّ، وَتَكَبَّرْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ وَزِيرٌ.

 يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا اللَهُ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ إلاَّ فَرَّجْتَ عَنِّي‌.

 وكان‌ يُشاهَد وهو يُسَبِّح‌ التسبيحات‌ التالية‌ في‌ المواقع‌ المختلفة‌:

 سُبْحَانَ الدَّائِمِ القَائِمِ، سُبْحَانَ القَائِمِ الدَّائِمُ، سُبْحَانَ الحَي‌ِّ القَيُّومِ، سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ، سُبْحَانَ رَبِّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحَانَ اللَهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ العَلِي‌ِّ الاَعْلَي‌، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي‌.

 وكان‌ يهوي‌ إلي‌ السجود بين‌ الاذان‌ والإقامة‌ فيقرأ هذا الدعاء:

 سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِّ خَاضِعاً خَاشِعاً ذَلِيلاً.

 وكان‌ يقرأ الدعاء التالي‌ في‌ الاوقات‌ المختلفة‌:

 اللَهُمَّ يَا مُسَبِّبَ الاَسْبَابِ، يَا سَبَبَ كُلِّ ذِي‌ سَبَبٍ، يَا مُسَبِّبَ الاَسْبَابِ مِنْ غَيرِ سَبَبٍ، سَبِّبْ لِي‌ سَبَباً لَنْ أَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً. صَلِّ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَغْنِنِي‌ بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، يَا حَي‌ُّ يَا قَيُّومُ!

 وقال‌ السيّد: قيل‌ في‌ شأن‌ أحد الرجال‌ الإلهيّين‌ (شمس‌ التبريزي‌ّ): إنّه‌ قال‌ طيلة‌ مدّة‌ عمره‌ بيتاً واحداً من‌ الشعر:

 من‌ گُنگ‌ خواب‌ ديده‌ و عالم‌ تمام‌ كَر من‌ عاجزم‌ ز گفتن‌ و خلق‌ از شنيدنش‌ [363]

 كانت‌ هذه‌ مجموعة‌ الادعية‌ والاشعار التي‌ كان‌ السيّد يقرأها خلال‌ هذا السفر، أما أدعيته‌ المعهودة‌ التي‌ سمعتها منه‌ ودوّنتها فهي‌ عدّة‌:

 فقد كان‌ يقرأ في‌ السجدة‌ الاخيرة‌ من‌ صلاته‌:

 إلَهِي‌ عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ[364]، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ.

 وكان‌ الحقير أيضاً يقرأ هذا الدعاء في‌ السجدات‌ الاخيرة‌ من‌ الصلاة‌ متابعة‌ له‌ منذ ذلـك‌ الوقت‌، ولكن‌ كـان‌ يخطـر ببالي‌ أنّ عبـارة‌: سَـائِلُكَ بِفِنَائِكَ، لم‌ تكن‌ موجودة‌ في‌ تلك‌ العبارة‌ الاخيرة‌؛ فسجدت‌ يوماً فسمعني‌ لا أقولها، فآخـذني‌ عليها بعد الصـلاة‌ فقال‌: لِم‌ لَم‌ تقل‌ سَـائِلُكَ بِفِنَائِكَ؟ فقلت‌: سأقول‌ ذلك‌. ومن‌ ثمّ داومتُ علي‌ قولها.

 ثمّ اتَّضح‌ ضمن‌ المراجعة‌ أنّ لفظ‌ سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ موجود أيضاً في‌ بعض‌ الروايات‌[365].

 وكان‌ كثيراً ما يقرأ الدعاء التالي‌ في‌ قنوت‌ صلاته‌:

 أَعْدَدْتُ لِكُلِّ هَوْلٍ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَلِكُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ مَا شَاءَ اللَهُ، وَلِكُلِّ نِعْمَةٍ الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلِكُلِّ رَخَاءٍ وَشِدَّةٍ الشُّكْرُ لِلَّهِ، وَلِكُلِّ أُعْجُوبَةٍ سُبْحَانَ اللَه‌، وَلِكُلِّ ذَنْبٍ أَسْتَغْفِرُ اللَهَ، وَلِكُلِّ مُصِيبَةٍ إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلِكُلِّ ضِيقٍ حَسْبِي‌َ اللَهُ، وَلِكُلِّ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ تَوَكَّلْتُ عَلَي‌ اللَهِ، وَلِكُلِّ عَدُوٍّ اعْتَصَمْتُ بِاللَهِ، وَلِكُلِّ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ.[366]

 وشوهد كثيراً وهو يقرأ في‌ قنوت‌ صلاة‌ الليل‌ هذا الدعاء من‌ أوّله‌ إلي‌ آخره‌:

 اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ مِنْ بَهَائِكَ بِأَبْهَاهُ وَكُلُّ بَهَائِكَ بَهِي‌ٌّ، اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ بِبَهَائِكَ كُلِّهِ... [367]

 الرجوع الي الفهرس

دعاء الاحتجاب‌ كما نقله‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد قدّس‌ الله‌ روحه‌

 وكان‌ يقرأ هذا الدعاء عند الرقود، كما كان‌ يكثر قراءته‌ في‌ قنوت‌ صلاته‌:

 اللَهُمَّ يَا مَنِ احْتَجَبَ بِشُعَاعِ نُورِهِ عَنْ نَوَاظِرِ خَلْقِهِ، يَا مَنْ تَسَربَلَ بِالجَلاَلِ وَالعَظَمَةِ وَاشْتَهَرَ بِالتَّجَبُّرِ فِي‌ قُدْسِهِ، يَا مَنْ تَعَالَي‌ بِالجَلاَلِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ فِي‌ تَفَرُّدِ مَجْدِهِ، يَا مَنِ انْقَادَتْ لَهُ الاُمُورُ بِأَزِمَّتِهَا طَوْعاً لاِمْرِهِ، يَا مَنْ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ والاَرَضُونَ مُجِيبَاتٍ لِدَعْوَتِهِ، يَا مَنْ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالنُّجُومِ الطَّالِعَةِ وَجَعَلَهَا هَادِيَةً لِخَلْقِهِ، يَا مَنْ أَنَارَ القَمَرَ المُنِيرَ فِي‌ سَوَادِ اللَيْلِ المُظْلِمِ بِلُطْفِهِ، يَا مَنْ أَنَارَ الشَّمْسَ المُنِيرَةَ وَجَعَلَهَا مَعَاشاً لِخَلْقِهِ وَجَعَلَهَا مُفَرِّقَةً بَيْنَ اللَيْلِ والنَّهَارِ، يَا مَنِ اسْتَوْجَبَ الشُّكْرَ بِنَشْرِ سَحَائِبِ نِعَمِهِ!

 أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ العِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَمُنْتَهَي‌ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ، وَبِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ وَاسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي‌ عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ أَنْزَلْتَهُ فِي‌ كِتَابِكَ أَوْ أَبْثَثْتَهُ فِي‌ قُلُوبِ الصَّافِِّينَ الْحَافِّينَ حَوْلَ عَرْشِكَ، فَتَرَاجَعَتِ القُلُوبُ إلی الصُّدُورِ عَنِ البَيَانِ بِإخْلاَصِ الوَحْدَانِيَّةِ، وَتَحْقِيقِ الفَرْدَانِيَّةِ، مُقِرَّةً لَكَ بِالعُبُودِيَّةِ، وَإنَّكَ أَنْتَ اللَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ.

 وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي‌ تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْكَلِيمِ عَلَي‌ الجَبَلِ العَظِيمِ، فَلَمَّا بَدَا شُعَاعُ نُورِ الحُجُبِ مِنْ بَهَاءِ العَظَمَةِ خَرَّتِ الجِبَالِ مُتَدَكْدِكَةً لِعَظَمَتِكَ وَجَلاَلِكَ وَهَيْبَتِكَ وَخَوْفاً مِن‌ سَطْوَتِكَ رَاهِبَةً مِنْكَ. فَلاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ، فَلاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ، فَلاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ.

 وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي‌ فَتَقْتَ بِهِ رَتْقَ عَظِيمِ جُفُونِ عُيُونِ النَّاظِرِينَ، الَّذِي‌ بِهِ تَدْبِيـرُ حِكْمَتِـكَ، وَشَـوَاهِدُ حُجَجِ أَنْبِيَـائِكَ، يَعْرِفُـونَكَ بِفِطَـنِ القُلُوبِ، وَأَنْتَ فِي‌ غَوَامِضِ مَسَرَّاتِ سَرِيرَاتِ الغُيُوبِ.

 أَسْأَلُكَ بِعِزَّةِ ذَلِكَ الاِسْمِ أَنْ تُصَلِّي‌َ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَصْرِفَ عَنِّي‌ جَمِيعَ الآفَاتِ وَالعَاهَاتِ وَالاَعْرَاضِ وَالاَمْرَاضِ والخَطَايَا وَالذُّنُوبِ وَالشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالكُفْرِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَالغَضَبِ وَالجَهْلِ وَالمَقْتِ وَالضَّلاَلَةِ وَالعُسْرِ وَالضِّيقِ وَالفَسَادِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ وَشَمَاتَةِ الاَعْدَاءِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ؛ إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، لَطِيفٌ لِمَا تَشَاءُ، وَصَلّي‌ اللَهُ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.[368]

 ولقد سجّل‌ الحقير في‌ شـريط‌ صـوتيّ هذا الدعاء بعين‌ هذه‌ الالفاظ‌ علي‌ اللسان‌ المبارك‌ للمرحوم‌ الحاجّ السيّد هاشم‌؛ وباعتبار أ نّه‌ قد سُمع‌ أيضاً من‌ التلامذة‌ الآخرين‌ للمرحوم‌ القاضي‌، فيتّضح‌ أنّ أصله‌ كان‌ من‌ المرحوم‌ القاضي‌.

 وكان‌ يقول‌: إنّ قراءة‌ الدعاء التالي‌ لما يقرب‌ من‌ أربعين‌ ليلة‌ مرّة‌ واحدة‌ إلي‌ مائة‌ مرّة‌، مؤثِّر في‌ قضاء حوائج‌ السالكين‌:

 إلَهِي‌! كَيْفَ أَدْعُوكَ وَأَنَا أَنَا، وَكَيْفَ أَقْطَعُ رَجَائِي‌ مِنْكَ وَأَنْتَ أَنْتَ؟!

 إلَهِي‌! إذَا لَمْ أَسْأَلُكَ فَتُعْطِينِي‌، فَمَنْ ذَا الَّذِي‌ أَسْألُهُ فَيُعْطِينِي‌؟!

 إلَهِي‌! إذَا لَمْ أَدْعُوكَ ] أَدْعُكَ ـ خ‌ ل‌ [ فَتَسْتَجِيبَ لِي‌، فَمَنْ ذَا الَّذِي‌ أَدْعُوهُ فَيَسْتَجِيبَ لِي‌؟!

 إلَهِي‌! إذَا لَمْ أَتَضَرَّعْ إلَيْكَ فَتَرْحَمَنِي‌، فَمَنْ ذَا الَّذِي‌ أَتَضَرَّعُ إلَيْهِ فَيَرْحَمَنِي‌؟!

 إلَهِي‌! فَكَمَا فَلَقْتَ البَحْرَ لِمُوسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ وَنَجَّيْتَهُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي‌َ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَن‌ تُنَجِّيَنِي‌ مِمَّا أَنَا فِيهِ وَتُفَرِّجَ عَنِّي‌ فَرَجاً عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. [369]

 الرجوع الي الفهرس

آثار بعض‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ والادعية‌

 وكان‌ يقول‌: إنّ تكرار الاستغفار التالي‌ عند السحر مفيد لطريق‌ السالك‌، والإكثار من‌ تكراره‌ زيادة‌ في‌ فضله‌ وفائدته‌:

 أَسْتَغْفِرُ اللَهَ الَّذِي‌ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ؛ مِنْ جَمِيعِ ظُلْمِي‌ وَجُرْمِي‌ وَإسْرَافِي‌ عَلَي‌ نَفْسِي‌ وَأَتُوبُ إلَيْهِ.

 فمن‌ داوم‌ علي‌ هذا الاستغفار وفق‌ رغبته‌ وقابليّته‌ فإنّه‌ سينال‌ غايته‌، ولا ضيرَ في‌ قوله‌ حال‌ الحركة‌ والعمل‌.

 وكان‌ يقول‌: قال‌ المرحوم‌ السيّد (القاضي‌): إنّ قراءة‌ «ك´هيع´ص‌´[370]، حم‌´ ع´س´ق‌´ [371]، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[372] » مفيد لدفع‌ الاعداء.

 وكان‌ يقول‌: من‌ الحسن‌ أن‌ يُنقش‌ علي‌ عقيق‌: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ، وَعَنَتِ الْوُجُـوهُ لِلْحَـيِّ الْقَيُّـومِ وَقَـدْ خَـابَ مَـنْ حَمَلَ ظُـلْمًا، ك´هيع´ص‌´، حم‌´ ع´س´ق‌´، ثمّ يُصاغ‌ منه‌ خاتم‌ فيُتختّم‌ به‌.

 وكان‌ يقول‌: لو نُقش‌ علي‌ عقيق‌: إِنَّهُ و مِن‌ سُلَيْمَـ'نَ وَإِنَّهُ و بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ، ونقش‌ علي‌ وجهه‌ الآخر: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، ك´هيع´ص‌´، حم‌´ ع´س´ق‌´، ثمّ صيغ‌ منه‌ خاتم‌ فتختّم‌ به‌ لكان‌ حسناً.

 ويقول‌: قال‌ المرحوم‌ السيّد (القاضي‌): من‌ عقد أصابعه‌ واحداً بعد الآخر أمام‌ عدوّه‌، بحيث‌ يقرأ عند عقد كلّ إصبع‌ حرفاً من‌ حروف‌ «ك´هيع´ص‌´ حم‌´ ع´س´ق‌´» بحيث‌ يتمّ القراءة‌ عندما يتمّ عقد أصابعه‌، ثمّ يفتحها أمام‌ عدوّه‌ فإنّ شرّ عدوّه‌ سيُدفع‌ عنه‌.

 وكان‌ السيّد يجري‌ علي‌ لسانه‌ كثيراً قول‌ «يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ» بشكل‌ خاصّ، وذلك‌ في‌ قيامه‌ وقعوده‌، وبشكل‌ عامّ عند تغيير حاله‌ إلي‌ حالة‌ أُخري‌؛ سأله‌ أحدهم‌ يوماً: هل‌ تشرّفتم‌ برؤية‌ وليّ العصر أرواحنا فداه‌؟

 فقال‌: عَمِيَتْ عينٌ تُفتح‌ صباحاً من‌ نومها فلا يكون‌ أوّل‌ نظرها إليه‌!

 أقول‌: ما أشبه‌ هذه‌ الجملة‌ بكلام‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد جواد الانصاري‌ّ الهمداني‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ حين‌ سُئل‌: متي‌ يلاقي‌ الإنسان‌ صاحب‌ العصر والزمان‌؟

 قال‌: حين‌ لا يختلف‌ تأثير حضوره‌ وغيبته‌ لدي‌ الإنسان‌. [373]

 وكان‌ السيّد يقول‌: هناك‌ خواصّ وآثار ورموز عجيبة‌ لا يعلمها إلاّ الله‌ في‌ هذه‌ الحروف‌ المقطّعة‌ في‌ أوائل‌ سور القرآن‌، فهي‌ ليست‌ إلاّ رموزاً وأسراراً بين‌ المحبّ والمحبوب‌، بين‌ النفس‌ المقدّسة‌ لرسول‌ الله‌ وبين‌ الذات‌ الاحديّة‌ للّه‌ جلّ شأنه‌ واسمه‌؛ وهناك‌ رموز خاصّة‌ بين‌ كلّ حبيب‌ وحبيبه‌ وكلّ عاشق‌ ومعشوقه‌ لا يدركها ولا يفهمها أحد آخر.

 بَيْنَ المُحِبِّينَ سِرٌّ لَيْسَ يُفْشِيهِ             قَوْلٌ، وَلاَ قَلَمٌ لِلْخَلْقِ يَحْكِيهِ

 أقول‌: لقد ذكر كثير من‌ العلماء الحقيقيّين‌ الصادقين‌ مطالب‌ مدهشة‌ تثير العجب‌ في‌ باب‌ أسرار الحروف‌، وقاموا وباستخراجات‌ بديعة‌ منها، وبالإخبار عن‌ الغيب‌ والاطّلاع‌ علي‌ الضمائر. وكان‌ المرحوم‌ القاضي‌ المقدّم‌ والبارز في‌ هذا الفنّ في‌ زمانه‌، كما كان‌ ابنه‌ الاكبر المرحوم‌ السيّد مهدي‌ القاضي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ (الذي‌ حطّ رحاله‌ أخيراً في‌ بلدة‌ قم‌ الطيّبة‌ وانتقل‌ هناك‌ إلي‌ الرحمة‌ الابديّة‌) في‌ هذا العلم‌ أُستاذاً لا نظير له‌، كما كان‌ أُستاذاً عزّ مثيله‌ في‌ خطّ النسخ‌ أيضاً، حيث‌ إنّ الكتابات‌ علي‌ الحجر في‌ أطراف‌ محلّ إيداع‌ الاحذية‌ في‌ حرم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وفي‌ مدرسة‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ وغيرهما كانت‌ بخطّه‌. وقد ذهب‌ الحقير مرّات‌ عديدة‌ للقائه‌ بعد إبعاده‌ من‌ العراق‌ وتوطّنه‌ في‌ قم‌، حيث‌ ربطت‌ بيننا علاقات‌ المودّة‌ والصـفاء. وكانت‌ لديه‌ حكايات‌ شـيّقة‌ عن‌ اكتـشـافات‌ الحـروف‌ وأسرار الاعداد، حتّي‌ أ نّه‌ قال‌:

 إنّ لدي‌ّ ابتكارات‌ في‌ هذا الفنّ، وأبي‌ المرحوم‌ القاضي‌ أعلم‌ منّي‌، فقد كنت‌ أعجز عن‌ بعض‌ الاستخراجات‌ العسيرة‌ ثمّ أُوفّق‌ إلي‌ حلّها بالتوسّل‌ بأمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وبالاوراد والادعية‌، فأتشرّف‌ بالمثول‌ في‌ محضر أبي‌ راغباً في‌ إعلامه‌ بهذه‌ الاكتشافات‌ وطريقة‌ حلّها، فيتّضح‌ أنّ أبي‌ قد بحث‌ هذه‌ المشكلة‌ قبلي‌ وتوصّل‌ إلي‌ حلّها.

 ولقد كان‌ هذا المرحوم‌ مستعدّاً لتعليم‌ الحقير ما لديه‌ من‌ هذه‌ العلوم‌، لكنّني‌ لم‌ أرَ فيها نفعاً، فامتنعتُ عن‌ قبولها وعن‌ صرف‌ الوقت‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الاُمور. وعلي‌ الرغم‌ من‌ احتمال‌ كونها علوماً حقيقيّة‌ وواقعيّة‌، لكنّ انتفاء الضرورة‌ لتعلّمها والمَحمَدة‌ فيها، تجعل‌ صرف‌ الوقت‌ من‌ قِبل‌ الإنسان‌ في‌ تعلّمها مجانبةً للصواب‌. وسيمنع‌ قضاء الوقت‌ في‌ هذه‌ الاُمور من‌ تفريغ‌ الفكر والنفس‌ للاُمور الاهمّ، فنحن‌ نحتاج‌ قدراً كثيراً من‌ المعارف‌ الإلهيّة‌ ـ سواء في‌ القرآن‌ والتفسير ونهج‌ توحيد الحقّ المتعال‌ مهما جهدنا في‌ اكتسابه‌ فإنّنا لن‌ نصل‌ فيه‌ إلي‌ ما ينبغي‌، فضلاً عن‌ قضاء الوقت‌ في‌ اكتساب‌ أمر معيّن‌، مع‌ أنّ هناك‌ الكثير من‌ الاُمور التي‌ تفوقه‌ أهمّيّة‌ لم‌ تنلها أيدينا بعد.

 ولقد أُجبر الحقير بعد وفاة‌ المرحوم‌ الوالد وقبل‌ تشرّفي‌ بالذهاب‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف‌ علي‌ المكث‌ في‌ طهران‌ مدّة‌ يسيرة‌ عند أحد الاقارب‌ من‌ جهة‌ السبب‌ (المرحوم‌ آقا ميرزا أبو تراب‌ عرفان‌) من‌ أجل‌ إصلاح‌ أُموري‌ وتنظيمها. وكان‌ رجلاً عالماً محقّقاً في‌ الجفر والرمل‌ وله‌ تأليفات‌، وكان‌ يقول‌: كتبت‌ في‌ الجفر كتاباً بقدر شرح‌ اللمعة‌، وقرأت‌ علم‌ الرمل‌ لما يقرب‌ من‌ شهر وكتبت‌ فيه‌ كرّاسات‌.

 وقد توثّقت‌ العلاقة‌ الحميمة‌ بين‌ ذلك‌ المرحوم‌ وبين‌ الحقير، وبصفة‌ أ نّه‌ كان‌ في‌ آخر العمر ولم‌ يمتلك‌ أولاداً ذكوراً، فقد كان‌ يلحّ عَلَي‌ّ ليقوم‌ بتعليمي‌ علومه‌، لكنّي‌ أحسست‌ أنّ ذلك‌ سيؤدّي‌ ـ مضافاً إلي‌ إضاعة‌ الوقت‌ إلي‌ إيجاد كدورة‌ روحيّة‌ لي‌، لذا فقد تركت‌ ذلك‌ الدرس‌، وأسرعت‌ بإصلاح‌ ما تبقّي‌ من‌ الاُمور وتشرّفت‌ بالذهاب‌ للثم‌ أعتاب‌ باب‌ العلم‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌.

 وكان‌ لاُستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ اطّلاع‌ علي‌ هذه‌ العلوم‌، لكنّي‌ لم‌ أُشاهد أ نّه‌ كان‌ يستخدمها في‌ مورد ما.

 وكان‌ لسماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ مهارة‌ بالغة‌ في‌ ترتيب‌ الجداول‌، خاصّة‌ كيفيّة‌ ترتيب‌ جدول‌ مائة‌ في‌ مائة‌، أو سائر الجداول‌ التي‌ ابتداؤها خمسة‌ في‌ خمسة‌، فضلاً عن‌ جداول‌ أربعة‌ في‌ أربعة‌؛ وقد قام‌ بتعليم‌ الحقير كيفيّة‌ مل‌ء المربّعات‌ وأضاف‌: أنّ هذه‌ المربّعات‌ مؤثِّرة‌، ولكن‌ ينبغي‌ في‌ كلّ حال‌ أن‌ يعتبر الاثر من‌ الله‌ سبحانه‌ غير منقطع‌ عنه‌، وغاية‌ المطلوب‌ هو إيكال‌ الامر في‌ كلّ حال‌ بِيَدِ الحقّ تعالي‌، بحيث‌ يصبح‌ مدير أمر الإنسان‌ ومدبّره‌ وغاية‌ مطلوبه‌.

 الرجوع الي الفهرس

اكتشافات‌ محيي‌ الدين‌ بعض‌ الاُمور الغيبيّة‌ بواسطة‌ علم‌ الحروف‌

 ومن‌ الجدير بالذكر أنّ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ والمحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ والشيخ‌ بهاء الدين‌ العاملي‌ّ كانوا البارزين‌ في‌ زمانهم‌ في‌ هذا الفنّ.

 يقول‌ المحدِّث‌ النيسابوري‌ّ في‌ ترجمة‌ محيي‌ الدين‌: وكانت‌ له‌ يد طولي‌ في‌ علم‌ الحروف‌، ومن‌ جملة‌ استخراجاته‌ أ نّه‌: إذَا دَخَلَ السِّينُ فِي‌ الشِّينِ، ظَهَرَ قَبْرُ مُحْيِي‌ الدِّينِ. وقد ظلّ قبر محيي‌ الدين‌ مخفيّاً مجهولاً حتّي‌ دخل‌ السلطان‌ سليم‌ العثماني‌ّ الشامَ ففتّش‌ عن‌ قبره‌ وعمّره‌ بعد اندراسه‌ فانكشف‌ سرّ كلمة‌ السين‌ أ نّها تعني‌ السلطان‌ سليم‌، وكلمة‌ الشين‌ أ نّها تعني‌ الشام‌.

 ومن‌ جملة‌ اكتشافاته‌ واستخراجاته‌ في‌ شأن‌ ظهور القائم‌ عليه‌ السلام‌:

 إذَا دَارَ الزَّمَانُ عَلَي‌ حُرُوفٍ             بِبِسْمِ اللَهِ فَالمَهْدي‌ُّ قَامَا

 وَإذْ دَارَ الحُرُوفُ عَقِيبَ صَوْمٍ             فَاقْرَأوا الفَاطِمِي‌َّ مِنِّي‌ سَلاَمَا [374]

 وبطبيعة‌ الحال‌ ينبغي‌ العلم‌ أنّ معني‌ هذا الشعر لا يمكن‌ فهمه‌ إلاّ للراسـخين‌ في‌ العلم‌ وإلاّ كان‌ حلّه‌ ممكناً للجميع‌ بشـروط‌ خاصّـة‌ ولم‌ يعدّ رمزاً، كما هي‌ الحال‌ لمعني‌ السين‌ والشين‌ الذي‌ لم‌ يكن‌ لاحد ـ عدا الراسخين‌ في‌ العلم‌ من‌ الاطّلاع‌ عليه‌.

 يقول‌ في‌ تفسير «الصافي‌» في‌ باب‌ الحروف‌ المقطّعة‌ لفواتح‌ السور:

 التَّخَاطُبُ بِالحُرُوفِ المُفْرَدَةِ سُنَّةُ الاَحْبَابِ فِي‌ سُنَنِ المُحَابِّ. فَهُوَ سِرُّ الحَبِيبِ مَعَ الحَبِيبِ بِحَيْثُ لاَ يَطَّلِعُ عَلَیهِ الرَّقِيبُ.

 بَيْنَ المُحِبِّينَ سِرٌّ لَيْسَ يُفْشِيهِ قَوْلٌ، وَلاَ قَلَمٌ لِلْخَلْقِ يَحْكِيهِ [375]

 وعموماً، فإنّ كلمات‌ أولياء الله‌ والعرفاء بالله‌ تتضمّن‌ رموزاً وإشارات‌ وكنايات‌ يختصّ فهمها بهم‌ وبأمثالهم‌، فإشارات‌ ورموز العارف‌ الإسلامي‌ّ والجليل‌ الخواجة‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ يمكن‌ أن‌ يطّلع‌ عليها من‌ هو في‌ مقام‌ حافظ‌ ودرجته‌.

 ولكن‌ ويا للاسف‌ الشديد فإنّنا لا نعرف‌ قدر هؤلاء الاجلاّء ونجهل‌ قيمتهم‌، ونحمل‌ معاني‌ أشعارهم‌ علي‌ الاُمور المبتذلة‌، وإذا ما شئنا كتابة‌ ترجمة‌ لهم‌ فإنّنا نعجز عن‌ إيفائها حقّها وعن‌ بيان‌ تلك‌ المعاني‌ والاسرار وتجليتها؛ حتّي‌ جاء الكفّار والاجانب‌ ووضعوا لهم‌ عرفاناً وتخيّلوا أنّ العرفان‌ منفصل‌ عن‌ الإسلام‌، وعدّوا المقام‌ العظيم‌ الشامخ‌ للعرفان‌ والعرفاء الذي‌ يمثّل‌ مخّ وأُس‌ الإسلام‌ وأساسه‌، أمراً مغايراً للتعاليم‌ الدينيّة‌، وصاغوا لنا عرفاناً إيرانيّاً وهنديّاً وروميّاً، وجعلوه‌ بأجمعه‌ خطّاً يقابل‌ الخطّ الإسلامي‌ّ وسبيلاً غير سبيل‌ الدين‌، وهكذا فقد عدّوا أُصول‌ عرفان‌ المولوي‌ّ وحافظ‌ الشيرازي‌ّ والمغربي‌ّ وأمثالهم‌ عرفاناً إيرانيّاً لا ينسجم‌ وروح‌ الإسلام‌.

 لقد كانت‌ هذه‌ الاُمور بأجمعها وليدة‌ الجمود والتحجّر والنظر بعين‌ واحدة‌ إلي‌ مسائل‌ الدين‌، وفصل‌ مسألة‌ التوحيد عن‌ عالم‌ الامر والخلق‌، والنظر إلي‌ أئمّة‌ العـرفان‌ وحـاملي‌ ألويته‌ بوصـفهم‌ موجـودات‌ ابتدعت‌ فلم‌ يعهد لها تكليف‌ ولم‌ يسند إليها أيّة‌ مهمّة‌، حتّي‌ أُصبنا بهذه‌ المصيبة‌ العظمي‌ إلي‌ الحدّ الذي‌ صار لزاماً علينا ـ كي‌ لا نتخلّف‌ فنخسر في‌ هذه‌ اللعبة‌ ونخزي‌ أن‌ نُبرهن‌ بألف‌ دليل‌ ودليل‌ أنّ عرفان‌ حافظ‌ ومولانا مستنبط‌ من‌ روح‌ القرآن‌ وروح‌ النبوّة‌ والولاية‌.

 الرجوع الي الفهرس

عرفان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ والملاّ محمّد المولوي‌ّ هو مخّ الإسلام‌

 تمعّنوا في‌ أشعار حافظ‌ الغزليّة‌ واحداً واحداً وشاهدوا كيف‌ عبّأ تلك‌ اللطائف‌ والحقائق‌ المعنويّة‌ في‌ أردية‌ العبارات‌، وبأيّة‌ دقائق‌ وإيماءات‌ كان‌ يريد تجلية‌ حقيقة‌ مراده‌ وقصده‌ ذاك‌، رضوان‌ الله‌ عليه‌ رضواناً شاملاً.

 فهذا الغزل‌ ـ مثلاً أنشده‌ في‌ وصف‌ الإمام‌ صاحب‌ الزمان‌ عليه‌ السلام‌ وتحدّث‌ عن‌ غيبته‌ وانتظاره‌، وقدّم‌ نفسه‌ كأحد المشتاقين‌ للقائه‌ والمشغوفين‌ به‌؛ ولكن‌ بأيّة‌ عبارات‌ مليحة‌، وإشارات‌ بديعة‌، وكنايات‌ واستعارات‌ تجعل‌ هذه‌ العبارة‌ تجري‌ علي‌ لسان‌ الإنسان‌ بلا شعور: حقاً، أ نّه‌ لسان‌ الغيب‌:

 سَلاَمُ اللَهِ مَا كَرَّ اللَيَالِي‌ وَجَاوَبَتِ المَثَانِي‌ وَالمَثَالِي‌

 عَلَي‌ وَادِي‌ الاَرَاكِ وَمَنْ عَلَیهَا وَدَارٍ بِالْلِوَي[376]‌ فَوْقَ الرِّمَالِ

 دعاگوي‌ غريبان‌ جهانم‌             وَأَدْعُو بِالتَّوَاتُرِ وَالتَّوَالِي‌

 به‌ هر منزل‌ كه‌ رو آرد خدا          را نگه‌ دارش‌ به‌ لطف‌ لايزالي‌

 منال‌ اي‌ دل‌ كه‌ در زنجير زلفش‌              همه‌ جمعيت‌ است‌ آشفته‌ حالي‌

 ز خطّت‌ صد جمال‌ ديگر افزود                  كه‌ عمرت‌ باد صد سال‌ جلالي‌

 تو مي‌بايد كه‌ باشي‌ ورنه‌ سهل‌ است‌                 زيان‌ ماية‌ جانيّ و مالي‌

 بدان‌ نقّاش‌ قدرت‌ آفرين‌ با                     د كه‌ گِرد مَه‌ كشد خطّ هلالي‌

 فَحُبُّكَ رَاحَتِي‌ فِي‌ كُلِّ حِينٍ                    وَذِكْرُكَ مُونِسِي‌ فِي‌ كُلِّ حَالِ

 سويداي‌ دل‌ من‌ تا قيامت                     ‌ مباد از شور سوداي‌ تو خالي‌

 كجا يابم‌ وصال‌ چون‌ تو شاهي‌              من‌ بد نام‌ رند لا اُبالي‌

 خدا داند كه‌ حافظ‌ را غرض‌ چيست‌          وَعِلْمُ اللَهِ حَسْبِي‌ مِنْ سُؤَالِي‌

 ويقول‌ في‌ الهامش‌: وهذا البيت‌ أيضاً ضمن‌ ذلك‌ الغزل‌، ويبدو أ نّه‌ للخواجة‌ أيضاً:

 أَمُوتُ صَبَابَةً يَا لَيْتَ شِعْرِي                    ‌ مَتَي‌ نَطَقَ البَشِيرُ عَنِ الوِصَالِ[377]

 الرجوع الي الفهرس

تفسير الغزل‌ الرائع‌ لحافظ‌ الشيرازي‌ّ في‌ شأن‌ صاحب‌ العصر أرواحنا فداه‌

 يقول‌ في‌ البيت‌ الاوّل‌ والثاني‌: سلام‌ الله‌ الدائم‌ المتواصل‌ مادامت‌ الليالي‌ تأتي‌ وتتوالي‌، ومادام‌ الطلوع‌ والغروب‌ يواليها، ومادامت‌ الارض‌ والشمس‌ والقمر والنجوم‌ باقية‌، وما تجاوبت‌ وتردّدت‌ أنغام‌ الاوتار وأطاقت‌ عزف‌ هذا النشيد. فالمثاني‌ هي‌ تردّد أصوات‌ أوتار الكنّارة‌ مرّتين‌، والمثالي‌ (المثالث‌ في‌ الاصل‌) هي‌ أصوات‌ تردّدها مرّات‌ ثلاث‌.

 علي‌ وادي‌ الاراك‌، أي‌ منزل‌ الحجّة‌ عليه‌ السلام‌، لانّ أرض‌ الاراك‌ هي‌ أرض‌ الحجاز التي‌ تتفرّد بوجود شجر الاراك‌ فيها؛ وعلي‌ مَن‌ علي‌ وادي‌ الاراك‌ يسكن‌ في‌ دار بُنيت‌ علي‌ أعالي‌ الرمال‌.

 ثمّ يقول‌ في‌ البيت‌ الثالث‌: أنا الداعي‌ لغُرباء العالم‌، أدعو بالتواتر والتوالي‌ دعاء غير منقطع‌. ومن‌ الجلي‌ّ أنّ غريب‌ العالم‌ الذي‌ لا يظهر من‌ شدّة‌ الغربة‌ والوحدة‌ ليس‌ إلاّ الحجّة‌ عليه‌ السلام‌.

 ويقول‌ في‌ البيت‌ الرابع‌: فهو لا يمتلك‌ مكاناً ثابتاً بالرغم‌ من‌ أنّ أصله‌ من‌ مكّة‌ ومن‌ وادي‌ الاراك‌، فهو في‌ حال‌ تنقّلٍ دائم‌ في‌ العالم‌. فأسألك‌ أيّها الربّ العطوف‌ أن‌ تحفظه‌ بلطفك‌ الذي‌ لم‌ يزل‌ ولا يزال‌ في‌ كلّ منزل‌ حطّ رحاله‌ فيه‌ واختاره‌ لسكناه‌.

 ويقول‌ في‌ البيت‌ الخامس‌: لا تئنّ أيّها القلب‌ لفراقه‌! فمع‌ أ نّه‌ في‌ غيبة‌ تخفي‌ فيها طلعته‌ المشرقة‌ عن‌ الانظار، ولكن‌ بواسطة‌ ذؤابتيه‌ السوداوين‌ (كناية‌ عن‌ الهجران‌ والغَيبة‌) يمكن‌ للمحزونين‌ أن‌ يكتسبوا مقام‌ الجمع‌ وينالوا مقصودهم‌.

 ثمّ يقول‌ في‌ البيت‌ السادس‌: الآن‌ وقد زاد الرشد وظهور الجمال‌ فيك‌ أضعافاً، مدّ اللهُ في‌ عمرك‌ وصانك‌ من‌ نوائب‌ الحدثان‌.

 ويقول‌ في‌ السابع‌: أنت‌ ولي‌ الولاية‌ الذي‌ يقوم‌ بك‌ قوام‌ الكون‌ والمكان‌، أنت‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ تبقي‌ وتعافي‌ وتسلم‌ لا نّك‌ رأس‌ الاُمور والحاكم‌ علينا جميعاً؛ وما أتفه‌ وأسهل‌ الخسائر في‌ الاموال‌ والارواح‌ التي‌ تصيبني‌ والعالَم‌ من‌ أجل‌ هذا الامر الجليل‌ الخطير.

 ثمّ يقول‌ في‌ البيت‌ الثامن‌: تباركت‌ يد قدرة‌ الخلاّق‌ التي‌ حفظتك‌ ورعتك‌ طوال‌ القرون‌، تلك‌ القدرة‌ التي‌ رسمت‌ حول‌ القمر في‌ قمّة‌ السماء خطّاً هلاليّاً، لكي‌ لا يري‌ الناس‌ تمام‌ القمر ومع‌ أ نّه‌ موجود بلا ريب‌، فهو في‌ غَيبة‌ وخفاء، وما يظهر من‌ هذه‌ الكرة‌ السماويّة‌ بقدر هلال‌ يخال‌ الناظر إليه‌ أ نّه‌ هلالٌ في‌ السماء وليس‌ كرة‌.

 فإمام‌ العصر والزمان‌ موجود هو الآخر، كالبدر التامّ الكامل‌، لكنّ أحداً لا يراه‌ ولا يدركه‌، وما هو مشهود من‌ آثاره‌ في‌ العالم‌ وما ينتفع‌ الناس‌ منه‌ إنّما هو بقدر سُمك‌ الهلال‌، لكنّه‌ ينبغي‌ أن‌ يظهر فيزيل‌ أستار الخفاء ويسطع‌ علي‌ العالم‌ فينيره‌ بأجمعه‌ كالبدر في‌ ليلة‌ تمامه‌.

 فلاحظوا جيّداً: إن‌ لم‌ نفسِّر هذا البيت‌ علي‌ هذا النحو، فماذا سيكون‌ معناه‌ إذاً؟ ما الذي‌ يتضمّنه‌ تعريف‌ القمر بالغَيبة‌ والخطّ الهلالي‌ّ الذي‌ يُرسم‌ حوله‌ في‌ أوّل‌ ليالي‌ طلوعه‌ من‌ مدح‌ وثناء؟!

 وحتّي‌ إذا افترضنا أنّ المراد بالقمر طلعة‌ الحبيب‌، واعتبرنا الخطّ الهلالي‌ّ كريمته‌ التي‌ نمت‌ حول‌ طلعته‌ ـ مع‌ أنّ هذه‌ الاستعارة‌ تتضمّن‌ مفاداً يخالف‌ مفاد استعارة‌ قرص‌ القمر السماوي‌ّ واختفائه‌ في‌ الليالي‌ الاُولي‌ إلاّ بقدر هلال‌ ظاهر فإنّ هذه‌ الاستعارة‌ أيضاً لا تنافي‌ وجود صاحب‌ العصر عليه‌ السلام‌، ذلك‌ الإنسان‌ في‌ الخارج‌ الذي‌ نمت‌ كريمته‌ حول‌ طلعته‌ الشبيهة‌ بالقمر مع‌ أوصاف‌ الغربة‌ والولاية‌ والمُلك‌ والصدارة‌ وسائر الاوصاف‌ الواردة‌ في‌ هذا الغزل‌ الذي‌ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ قد قُصد به‌ غير الإمام‌ عليه‌ السلام‌.

 ويقول‌ في‌ البيت‌ التاسع‌: أنا دائماً معك‌، في‌ حبّك‌ طمأنينة‌ قلبي‌ في‌ كلّ حال‌، وذكرك‌ مؤنسي‌ دوماً.

 وبالرغم‌ من‌ وجود نظير هذا المضمون‌ في‌ سائر أشعار حافظ‌ الغزليّة‌، وعودته‌ هناك‌ إلي‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعالي‌، لكن‌ الخطاب‌ في‌ هذا الغزل‌ ـ بقرينة‌ سائر الابيات‌ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ لغير الحجّة‌ سلام‌ الله‌ عليه‌، ومن‌ ثمّ فإنّ ضمير المخاطب‌ في‌ ذِكْرُكَ و حُبُّكَ عائد إليه‌ عليه‌ السلام‌.

 والبيت‌ العاشر بهذا المعني‌ أيضاً، حيث‌ يقول‌ في‌ دعائه‌: ينبغي‌ ألاّ يخلو سويداء قلبي‌ المملوء بدماء حياتي‌ الفوّارة‌ المتدفّقة‌ باستمرار من‌ العلاقة‌ بك‌ والكون‌ معك‌ دائماً والسعي‌ لنيل‌ حبّك‌ ورضاك‌.

 ثمّ يخاطب‌ في‌ البيت‌ الحادي‌ عشر، المَلِك‌ نفسه‌، عادّاً نفسه‌ مستهتراً وشحّاذاً لا أُباليّاً؛ معتبراً أنّ وصال‌ أحد بهذه‌ الدرجة‌ من‌ الدناءة‌ والوضاعة‌ مع‌ ذلك‌ الملك‌ في‌ عظمته‌ وتقواه‌ وعصمته‌ وطهارته‌ أمر بعيد المنال‌. ويتّضح‌ في‌ هذا البيت‌ أيضاً أنّ مراده‌ من‌ « چون‌ تو شاهي‌ »: (مَلكاً مثلك‌) ليس‌ غير صاحب‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌.

 ثمّ يزيح‌ الستار في‌ البيت‌ الثاني‌ عشر عن‌ كلامه‌ وخطابه‌ الرمزيّ السابق‌ فيقول‌: إنّ كلّ ما قلتُه‌ كان‌ إشارة‌ وكناية‌ واستعارة‌ ورمزاً لما أُريد قوله‌ وليس‌ صريحاً في‌ ذلك‌، فلم‌ أكن‌ أُريد أو لاقدر أن‌ أصف‌ ذلك‌ الوجود المقدّس‌ كما هو أهله‌، لذا فقد صببتُ عشقي‌ اللاهب‌ للقائه‌ والنظر إليه‌ في‌ قالب‌ الغزل‌، لكنّ الله‌ العليم‌ الخبير يعلم‌ ما كان‌ مرادي‌ في‌ قلبي‌، وهو حسبي‌ من‌ سؤالي‌ وكلامي‌ الذي‌ أُريد إجراءه‌ علي‌ لساني‌.

 ويقول‌ في‌ البيت‌ الملحق‌: سأموت‌ صبابة‌ ووجداً وعشقاً، وسألفظ‌ أنفاسي‌ في‌ انتظار فرجه‌، وستبيضّ عيناي‌ كيعقوب‌ في‌ فراق‌ يوسف‌. فأنا أتطلّع‌ دوماً متي‌ سيرد البشير فينطق‌ ببشارة‌ الوصول‌ ويبشّرني‌ بلقاء يوسف‌ المفقود في‌ الصحراء، الملقي‌ في‌ بئر الغربة‌، الوحيد الغريب‌ المتحيّر، فيرتدّ بفرج‌ لقائه‌ بصري‌، وأُبعث‌ حيّاً من‌ جديد كميّت‌ يُنشر من‌ قبره‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[340] ـ «الفتوحات‌ المكّيّة‌»، ج‌ 4، ص‌ 77 و 78، الباب‌ 463، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌ الكبري‌، مصر: في‌ معرفة‌ الاقطاب‌ الاثني‌ عشر الذين‌ يدور عليهم‌ عالم‌ زمانهم‌. ثمّ يقول‌ محيي‌ الدين‌ بعد بيان‌ وتفصيل‌:

 فَأَقْطَابُ هَذِهِ الاُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ قُطْباً عَلَیهِمْ مَدَارُ هَذِهِ الاُمَّةِ كَمَا أَنَّ مَدَارَ العَالَمِ الجِسْمِي‌ِّ وَالجِسْمَانِيِّ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَلَي‌ اثَنَي‌ عَشَرَ بُرْجاً، قَدْ وَكَّلَهُمُ اللَهُ بِظُهورِ مَا يَكُونُ فِي‌ الدَّارَيْنِ مِنَ الكَوْنِ وَالفَسَادِ المُعْتَادِ وَغَيْرِ المُعْتَادِ.

 ثمّ خصّص‌ محيي‌ الدين‌ بعد ذلك‌ سورة‌ لكلّ واحد من‌ الاقطاب‌ الاثني‌ عشر، وعيّن‌ سورة‌ طه‌ للقطب‌ الحادي‌ عشر منهم‌.

[341] ـ في‌ هذه‌ العبارة‌ تعقيد لا ينحلّ، فإنّ علينا إمّا أن‌ نحذف‌ ضمير التأنيث‌ في‌ لاَ يُوافِقُهَا؛ وستتحقّق‌ في‌ هذه‌ الحال‌ علاقة‌ لفظ‌ إمام‌ مع‌ جملته‌ الوصفيّة‌، ويصبح‌ لفظ‌ هَذَا القُطْبَ مفعولاً إلي‌ لاَ يُوَافِقُهَا كما قد أوردناه‌ في‌ الترجمة‌ الفارسيّة‌.

 أو أن‌ نُرجعِ ضمير التأنيث‌ إلي‌ الائمّة‌ الاربعة‌ للجماعة‌ الذين‌ ورد ذكرهم‌ في‌ الجملة‌ السابقة‌: (وربَّما يَقَعُ فيه‌ مَن‌ خالفَ حكمُه‌ مِن‌ أهلِ المَذاهبِ مثلَ الشَّافِعيَّةِ والمالِكيَّةِ والحنَفيَّةِ والحَنابلَة‌)، وفي‌ هذه‌ الحال‌ يجب‌ أن‌ نعتبر لفظ‌ هذا القطب‌ فاعلاً إلي‌ لا يوافقها، أي‌: قول‌ الاءمام‌ الذي‌ هو هذا القطب‌ لا يوافق‌ في‌ الحكم‌ أقوال‌ أئمّة‌ المذاهب‌ الاربعة‌؛ وفي‌ هذه‌ الحالة‌ ستفقد رابطة‌ الصفة‌ والموصوف‌ في‌ جملة‌ إمام‌ لا يوافقها لفقدان‌ ضمير رابط‌ بينهما.

[342] ـ الآيات‌ 24 إلي‌ 26، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[343] ـ «الفتوحات‌ المكّيّة‌» ج‌ 4، ص‌ 79، الباب‌ 463: في‌ معرفة‌ أحوال‌ الاقطاب‌.

 والآية‌ 36، من‌ السورة‌ 77: المرسلات‌، هي‌: وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُنَ. (م‌)

[344] ـ من‌ القصيدة‌ المعروفة‌ بالطيطرانيّة‌، أنشدها رشيد الوطواط‌ في‌ مدح‌ الصدر، وهي‌ موجودة‌ في‌ مجلّد ضمن‌ مجموعة‌ طبعت‌ بالطباعة‌ الحجريّة‌ مع‌ المعلّقات‌ السبع‌ وأشعار أُخري‌.

[345] ـ يقول‌: «يا من‌ أصاب‌ حبّك‌ قلوب‌ العشاق‌ بسهم‌ الحزن‌».

[346] ـ يقول‌: «كلّ العالم‌ مشغول‌ بك‌ وأنت‌ غائب‌ عنهم‌».

[347] ـ يقول‌: «مقصودي‌ من‌ الكعبة‌ ومعبد الاصنام‌ أنت‌، أنت‌».

[348] ـ يقول‌: «المقصود أنت‌، والكعبة‌ ومعبد الاصنام‌ ليست‌ إلاّ عُذراً».

[349] ـ يقول‌: «الحاجّ يقصد الكعبة‌، وأنا أقصد اللقاء».

[350] ـ يقول‌: «فهو يبحث‌ عن‌ الدار، أمّا أنا فعن‌ صاحبها أبحث‌».

[351] ـ يقول‌: «لانّ طلعة‌ الحبيب‌ يمكن‌ رؤيتها في‌ كلّ مكان‌».

[352] ـ يقول‌: «فقد كنت‌ مجنوناً حين‌ أطوف‌ لاجله‌ من‌ بيتٍ لا´خر».

[353] ـ يقول‌: «الكلّ يذكر بلغته‌ صفة‌ حمدك‌ ومدحك‌».

[354] ـ يقول‌: «البلبل‌ في‌ لحنه‌ والقمريّة‌ في‌ شَدْوها».

[355] ـ يقول‌: «أعتكف‌ في‌ الدير أحياناً، وأحياناً أسكن‌ في‌ المسجد».

[356] ـ يقول‌: «أي‌ أ نّني‌ أبحث‌ عنك‌ بيتاً بيتاً».

 وما تقدّم‌ هو من‌ جملة‌ أشعار الهلالي‌ّ في‌ استقباله‌ لقصيدة‌ للشيخ‌ بهاء الدين‌ العاملي‌ّ المشهورة‌.

[357] ـ وهذا البيت‌ ضمن‌ غزل‌ لابن‌ الفارض‌، مطلعه‌:

 تِهْ دَلاَلاً فَأَنْتَ أَهْلٌ لِذَاكَا وَتَحَكَّمْ فَالحُسْنُ قَدْ أَعْطَاكَا

 «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 156 إلي‌ 161، طبعة‌ بيروت‌، دار صادر، سنة‌ 1382 هجريّة‌.

[358] ـ يقول‌: «في‌ يوم‌ يتحقّق‌ فيه‌ إِذَا السَّمَا´ءُ انْفَطَرَتْ وعندما يحدث‌ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ.

 سأتعلّق‌ بأذيالك‌ بدعوي‌ سُئِلَتْ، فأقول‌: يا معبودي‌ بِأَي‌ِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ؟».

[359] ـ يقول‌: «قد دلّني‌ علي‌ عشقك‌ أَلَسْتُ مِنكُم‌ بِبَعِيدْ، وعلي‌ هجرك‌ إِنَّ عَذَابِي‌ لَشَدِيدْ.

 مكتوبٌ علي‌ زاوية‌ شفتك‌ يُحْيي‌ وَيُمِيت‌، من‌ مات‌ من‌ العشق‌ فقد مات‌ شهيد».

[360] ـ يقول‌: «لم‌ أر عنواناً لذلك‌ المعشوق‌ عند أحد، فإمّا أ نّني‌ لا أعلم‌ أو أ نّه‌ بلا عنوان‌».

[361] يقول‌: «إلي‌ متي‌ تتباهي‌ بعقلك‌ أيّها الحكيم‌؟ فهذا الدرب‌ لا يمكن‌ طيّه‌ بفكرك‌.

 وسيصل‌ العقل‌ إلي‌ إدراك‌ كنه‌ ذاته‌، إذا ما وصلت‌ قشّةٌ من‌ التبن‌ قعرَ البحر.

 وحين‌ تنعدم‌ البصيرة‌ في‌ القلب‌، فماذا ستكون‌ الفائدة‌ لو تجلّت‌ الطلعة‌ عياناً؟

 فسيّان‌ في‌ أعين‌ العميان‌، إن‌ كان‌ الامر خافياً أو جليّاً».

[362] ـ ورد هذا الدعاء بهذه‌ الكيفيّة‌ في‌ ص‌ 319، من‌ كتاب‌ «ضياء الصالحين‌».

[363] ـ يقول‌: «أنا أخرس‌ رأي‌ حلماً والناس‌ كلّهم‌ صمّ، فلا أنا قادر علي‌ بيانه‌ ولا هُم‌ قادرون‌ علي‌ سماعه‌».

[364] ـ يقول‌ في‌ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 2، ص‌ 8، طبعة‌ العلميّة‌ الاءسلاميّة‌، القطع‌ الرحلي‌ّ، في‌ أحوال‌ الاءمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌، الفصل‌ الثالث‌: في‌ عبادته‌ عليه‌ السلام‌، وفي‌ كتاب‌ «حديقة‌ الشيعة‌»: قال‌ طاووس‌ اليماني‌ّ:

 دخلتُ حجر إسماعيل‌ منتصف‌ الليل‌ فرأيت‌ علي‌ّ بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ ساجداً في‌ الحجر، فأصغيت‌ إليه‌ فسمعته‌ يقول‌: إلَهِي‌! عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. فما دعوتُ بهنّ في‌ كرب‌ إلاّ فُرِّج‌ عنِّي‌.

 والفِناء في‌ اللغة‌: ساحة‌ البيت‌. فمن‌ قال‌ هذه‌ الكلمات‌ عن‌ إخلاص‌ فإنّها ستوثِّر البتّة‌ وستقضي‌ حاجته‌ انتهي‌

[365] ـ يقول‌ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 200، الطبعة‌ الحجريّة‌، ضمن‌ بيان‌ أحوال‌ الاءمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌:

 وَقَالَ طَاوُوسُ: رَأَيْتُ عَلِي‌َّ بْنَ الحُسَيْنِ عَلَیهِ السَّلاَمُ سَاجِداً فِي‌ الحِجْرِ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ طَيِّبٍ، لاَسْمَعَنَّ مَا يَقُولُ، فَأَصْغَيْتُ إلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَبْدُكَ ] عُبَيْدُكَ خ‌ ل‌ [ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. فَوَ اللَهِ مَا دَعَوْتُ بِهِنَّ في‌ كَرْبٍ إلاَّ كَشَفَ عَنِّي‌.

 ويقول‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ العاملي‌ّ في‌ الصحيفة‌ الخامسة‌ السجّاديّة‌، ص‌ 330 و 331، طبعة‌ مطبعة‌ الفيحاء، دمشق‌، بعد بيان‌ المطالب‌ السابقة‌ من‌ «كشف‌ الغمّة‌» و«مطالب‌ السئول‌» مرسلاً: وروي‌ في‌ «الفصول‌ المهمّة‌ في‌ معرفة‌ الائمّة‌» مرسلاً عن‌ طاووس‌ اليماني‌ّ أ نّه‌ قال‌: دخلت‌ الحجر في‌ الليل‌ فإذا علي‌ّ بن‌ الحسين‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ قد دخل‌ فقام‌ يصلّي‌ ما شاء الله‌، ثمّ سجد سجدة‌ فأطال‌ فيها، فقلت‌: رجل‌ صالح‌ من‌ بيت‌ النبوّة‌ لاصغينّ إليه‌، فسمعته‌ يقول‌... وذكر الدعاء بعينه‌. ثمّ قال‌ طاووس‌: فو الله‌ ما صلّيت‌ ودعوت‌ بهنّ في‌ كرب‌ إلاّ فُرِّج‌ به‌ عنّي‌.

 وفي‌ «تذكرة‌ الخواصّ» مرسلاً عن‌ الزهري‌ّ عن‌ عائشة‌ قالت‌:

 رأيت‌ علي‌ّ بن‌ الحسين‌ ساجداً في‌ الحجر وهو يقول‌... وذكر الدعاء إلا أ نّه‌ قال‌: عُبَيْدُكَ بالتصغير، ولم‌ يذكر فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. قالت‌ عائشة‌: فما دعوت‌ بها في‌ كرب‌ إلاّ وفُرِّج‌ عنّي‌.

 وفي‌ «الاءرشاد» للمفيد: أخبرني‌ أبو محمّد الحسن‌ بن‌ محمّد، عن‌ جدّه‌، عن‌ سَلَمة‌ بن‌ شبيب‌، عن‌ عبيد الله‌ بن‌ محمّد التيمي‌ّ ] التميمي‌ّ ـ خ‌ ل‌ [ قال‌: سمعت‌ شيخاً من‌ عبد القيس‌ يقول‌: قال‌ طاووس‌: دخلتُ الحجر في‌ الليل‌ فإذا علي‌ّ بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ قد دخل‌ فقام‌ يصلّي‌ فصلّي‌ ما شاء الله‌ ثمّ سجد. فقلتُ: رجل‌ صالح‌ من‌ أهل‌ بيت‌ لاستمعنّ إلي‌ دعائه‌، فسمعته‌ يقول‌ في‌ سجوده‌: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ. (إلي‌ آخر ص‌ 332، التي‌ أوردها المرحوم‌ الامين‌ في‌ هذا الموضوع‌).

 أمّا في‌ النسخة‌ الخطّيّة‌ للحقير التي‌ يرجع‌ تأريخ‌ كتابتها إلي‌ سنة‌ 1091 والمشتملة‌ علي‌ حواشي‌ المحقّق‌ الفيض‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌، فقد ورد في‌ ملحقاتها؛ من‌ تأليف‌ الملاّ تقي‌ الصوفي‌ّ الزيابادي‌ّ القزويني‌ّ ـ وهو من‌ تلامذة‌ الشيخ‌ البهائي‌ّ وقد قرأ الصحيفة‌ عليه‌ واستجازه‌ في‌ روايتها عنه‌، ضمن‌ الدعاء الثاني‌ من‌ تلك‌ الملحقات‌، والذي‌ مطلعه‌: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ تَجَلَّي‌ لِلْقُلُوبِ بِالعَظَمَةِ، وَاحْتَجَبَ عَنِ الاَبْصَارِ بِالعِزَّةِ، ثمّ يذكر الدعاء حتّي‌ يصل‌ إلي‌ الفقرات‌ التالية‌: هُوَ الاءلَهُ الحَي‌ُّ القَيُّومُ الدَّائِمُ القَدِيمُ القَادِرُ الحَكِيمُ، ثمّ أورد هنا: إلَهِي‌! عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، ثلاثاً، ثمّ يذكر بقيّة‌ الدعاء: إلَهِي‌! لَكَ يَرْهَبُ المُتَرَهِّبُونَ، وَإلَيْكَ أَخْلَصَ المُبْتَهِلُونَ، مع‌ عدّة‌ فقرات‌ مشابهة‌.

 لكنّ الميرزا عبد الله‌ الاءصفهاني‌ّ الافندي‌ لم‌ يورد عبارة‌ عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ في‌ صحيفته‌ الثالثة‌، طبعة‌ مطبعة‌ الثقلين‌، حين‌ أورد هذا الدعاء تحت‌ عنوان‌ الدعاء الثاني‌ من‌ الملحقات‌، ص‌ 28 إلي‌ 30، ولا أوردها السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ في‌ صحيفته‌ الخامسة‌ تحت‌ عنوان‌ الدعاء الاوّل‌ من‌ الملحقات‌ وممّا أُسقط‌ من‌ الصحيفة‌، ص‌ 20 إلي‌ 22.

[366] ـ كان‌ السيّد يقرأ هذا الدعاء علي‌ هذا النحو، لكنّ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ نقله‌ في‌ كتاب‌ «الباقيات‌ الصالحات‌» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 197، الباب‌ الاوّل‌، طبعة‌ الاءسـلاميّة‌ بخـطّ طاهر خوشـنويـس‌، سـنة‌ 1379، عن‌ كتاب‌ دعـاء «البلد الامين‌» للكفعمي‌ّ، ولم‌ يورد فيه‌ لفظ‌ وَشِدَّةٍ فقط‌.

[367] ـ هذا دعاء مفصّل‌ أورد فيه‌ بعض‌ أسماء الله‌ تعالي‌، وقد رواه‌ في‌ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 184، ضمن‌ أدعية‌ أسحار شهر رمضان‌ المبارك‌، عن‌ الاءمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌: أنّ الاءمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ كان‌ يقرأه‌.

[368] ـ هذا الدعاء موجود باختلاف‌ يسير في‌ اللفظ‌ في‌ «مهج‌ الدعوات‌» للمرحوم‌ السيّد ابن‌ طاووس‌، ص‌ 108، الطبعة‌ الحجـريّة‌، رواه‌ عن‌ محمّد ابن‌ الحنفيّة‌ عن‌ رسـول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، ونقل‌ له‌ آثاراً وخواصّاً عجيبة‌. ورواه‌ كذلك‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 19، ص‌ 183، طبعة‌ الكمباني‌ّ، عن‌ محمّد ابن‌ الحنفيّة‌، عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليه‌. وأورده‌ كذلك‌ الشيخ‌ بهاء الدين‌ العاملي‌ّ في‌ «الكشكول‌» ص‌ 303 و 304، الطبعة‌ الحجريّة‌.

 ودعاء علّمه‌ إيّاه‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌، أنّ الاءنسان‌ إذا شاء الاستيقاظ‌ ساعة‌ يشاء فقرأه‌ قبل‌ النوم‌ لاستيقظ‌ تلك‌ الساعة‌:

 اللَهُمَّ نَبِّهْنِي‌ لاِحَبِّ السَّاعَاتِ إلَيْكَ أَدْعُوكَ فَتُجِيبَنِي‌، وَأَسْأَلُكَ فَتُعْطِيَنِي‌، وَأَسْتَغْفِرُكَ فَتَغْفِرَ لِي‌؛ اللَهُمَّ أَقِمْنِي‌ عَنْ مَضْجَعِي‌ لِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَصَلاَتِكَ وَتَسْبِيحِكَ وَتِلاَوَةِ كِتابِكَ وَحُسْنِ عَِبادَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

[369] ـ يقول‌ في‌ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 113، الفصل‌ السابع‌ من‌ الباب‌ الاوّل‌، في‌ ذكر بعض‌ الآيات‌ والادعية‌ النافعة‌ المختصرة‌: روي‌ الشيخ‌ الكفعمي‌ّ في‌ كتاب‌ «البلد الامين‌» دعاء عن‌ الاءمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌، وقال‌: روي‌ عنه‌ عليه‌ السلام‌ هذا الدعاء مقاتل‌ بن‌ سليمان‌ وقال‌: من‌ دعا به‌ مائة‌ مرّة‌ فلم‌ يجب‌ له‌ فليلعن‌ مقاتلاً.

[370] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[371] ـ الآيتان‌ 1 و 2، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[372] ـ الآية‌ 111، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[373] ـ ومن‌ قبيل‌ هذا المعني‌ ما رواه‌ النعماني‌ّ في‌ كتاب‌ «الغيبة‌» ص‌ 329 و 330، الباب‌ 25، في‌ الحديث‌ الاوّل‌ والثاني‌، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌: مَا جَاءَ فِي‌ أَنَّ مَنْ عَرَفَ إمَامَهُ لَمْ يَضُرُّهُ تَقَدُّمُ هَذَا الاَمْرِ أَوْ تَأَخُّرُهُ، بسند صحيح‌ أو كالصحيح‌ عن‌ زرارة‌ قال‌: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ: اعْرِفْ إمَامَكَ، فَإِنَّكَ إذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرُّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الاَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ.

 وبسند آخر عن‌ الفضيل‌ بن‌ يسار قال‌:

 سَألْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ» (صدر الآية‌ 71، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء). فَقَالَ: يَا فُضَيْلُ! اعِْرفْ إمَامَكَ، فَإنَّكَ إذَا عَرَفْتَ إمَامَكَ لَمْ يَضُرُّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الاَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ وَمَنْ عَرَفَ إمَامَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ صَاحِبُ هَذَا الاَمْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَاعِداً فِي‌ عَسْكَرِهِ، لاَ بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوَائِهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

 [374] ـ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 4، ص‌ 195، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«شرح‌ مناقب‌ محيي‌ الدين‌» للملاّ صالح‌ الخلخالي‌ّ، ص‌ 26 و 27، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[375] ـ «شرح‌ مناقب‌ محيي‌ الدين‌» ص‌ 28، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«النجم‌ الثاقب‌» ص‌ 147، الباب‌ 7، الطبعة‌ الحجريّة‌ الرحليّة‌.

[376] ـ اللِوي‌ علي‌ وزن‌ إلي‌ بالكسر والقصر: منقطع‌ الرمل‌، وهو ما التوي‌ من‌ الرمل‌. وألْوَي‌ القومُ: صاروا إلي‌ لِوي‌ الرمل‌.

[377] ـ «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازيّ» ص‌ 212، الغزل‌ 463، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318.

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com