|
|
الصفحة السابقةبسط الزمان وطيِّه لاحد رفقاء الحاجّ السيّد هاشم الحدّادولا يخفي أنّ جميع هذه الاشعار التي قُرئت مسجّلة ومحفوظة علي أشرطة التسجيل.وإجمالاً فقد حصل في الاوقات التي تشرّفت فيها بالذهاب إلي النجف الاشرف في معيّة السيّد: أن رافقتُ يوماً أحد تلامذة السيّد ومريديه النجفيّين إلي الحرم المطهّر لامير المؤمنين عليه السلام، فقال للحقير ضمن بيانه لحالاته الخاصّة: لقد حدثت لي قضيّتان خلال حالات التحيّر وشدّة الواردات الروحيّة التي كانت تحصل لي، لم أدرك أنّها كانت غير عاديّة إلاّ فيما بعد. الاُولي: أنّني عزمت يوماً مع زوجتي وأولادي الذكور والإناث بأجمعهم علي الذهاب إلي المدينة المنوّرة للزيارة لعدّة أيّام عبر الطريق البرّيّ. فتحرّكنا من النجف إلي الحدود السعوديّة المتّصلة بالاراضي العراقيّة عن طريق الصحراء الرمليّة، واستغرق الامر أيّاماً عديدة لحين وصولنا إلي هناك. وقد اعترضنا حرس الحدود ومنعونا من العبور لعدم حملنا جوازات سفر، وقاموا باعتقالنا عدّة أيّام، ثمّ أطلقوا سراحنا فلم نجد بدّاً من العودة للنجف الاشرف.واستغرقت عودتنا عدّة أيّام لحين وصولنا إلي منزلنا في النجف، حيث قارب مجموع هذه الايّام عدّة أسابيع؛ بَيدَ أ نّنا رأينا حين وصلنا إلي النجف أ نّه قد مرّ علي زمن شروعنا في السفر يوم واحد فقط، كانت حركتنا من النجف في اليوم الفلانيّ وكانت عودتنا ـ حسب التأريخ والتقويم في اليوم الذي يليه. والثانية: أنّ الفاقة وضيق المعيشة غلبت عَلَيَّ مدّة، وكانت الواردات شـديدة بحيث لم تدع لي أيّة قـدرة علي الحـركة وتنظيـم أُمـور المنزل، ولم يكن في المنزل شيء من اللوازم الضروريّة، وكانت زوجتي في ذلك اليوم تضع ماءً سـاخناً علي الموقد فتؤمّل الاطفال وتسـعي في إسـكاتهم.وكنت أحسّ أنّ هذا الامر يعدّ مشكلة لهم وأنّ استمراره غير محتمل، حتّي حصلت إفاقة من تلك الحال فصحوتُ وخرجت من البيت لتهيئة طعام.فعلمتُ آنذاك أنّ هذه المدّة دامت شهراً كاملاً. ويتّضح من الواقعة الثانية أ نّها كانت طيّاً للزمن، أي طيّ وتراكم زمن شهر أو عدّة أسابيع في يوم واحد، ولم يجد الحقير أنّ هذا الامر قد جري بحث كيفيّته وخصوصيّته في موضع ما، ولم أبحث بنفسي في مدي انطباقه علي موازين القوانين الطبيعيّة أم لا؟ أمّا الواقعة الاُولي فتتضـمّن علي العكـس من الثانية ـ بسـطاً للزمـن أي بسـط ومدّ زمن قصـير إلي زمن أطول، كبسـط يومٍ واحد إلي عـدّة أيّام، ولم يبحث الحقير في هذه المسـألة أيضاً، لكن مـن المسـلّم أ نّها لا تتّفق والقوانين الطبيعيّة، وينبغي تأويلها في النهاية بسـيطرة تجرّد النفـس علي الزمان. كلام سعيد الدين الفرغانيّ في «مشارق الدراريّ» في شأن بسط الزمانوهناك حكاية شيّقة في هذا الشأن نقلها سعيد الدين الفرغانيّ [467] في كتاب « مشارق الدراريّ » وهو شرح « تائيّة ابن الفارض » في شرح أحد الابيات: وَفِي سَاعَةٍ أَوْ دُونَ ذَلِكَ مَنْ تَلاَ بِمَجْمُوعِهِ جَمْعِي تَلاَ أَلْفَ خَتْمَةِ أي أنّ من الاولياء من يتابع حضرة الاحديّة بمجموعه من نفس وقوي وأعضاء، وذلك بإزالة أحكام الجزئيّة عن كلّ واحد من نفسه وقواه وأعضائه، وعدم إضافة حكم وأثر من أوصاف النفس والقوي وآثارها إلي نفسه، فيقوم في ساعة واحدة أو أقلّ بتلاوة ألف ختمة قرآن، أي تلاوة مجموع القرآن من الفاتحة إلي الخاتمة.فوجود حسن المتابعة وكمالها يحرّر من قيد الزمن، فيصدر منه في زمن قصير ما يصدر من غيره في زمن متطاول. قَالَ العَبْدُ الشَّارِحُ أَصْلَحَهُ اللَهُ: وأحد نوادر هذه الحال المذكورة ما سمعته أنا كاتب هذه الحروف من الشيخ الجليل طَلْحَةَ اللُّشْتَرِيِّ العِرَاقِيِّ رحمه الله، قال: سمعتُ من الشيخ: شيخ زاده عماد الدين ابن شيخ الشيوخ جنيد وقته: الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدِيِّ رضي الله عنهما قال: شاهدتُ يوماً ـ حين ذهبتُ للحجّ في خدمة أبي، شيخ الشيوخ رضي الله عنه أثناء الطواف شيخاً يتقرّب إليه الخلق حال طوافهم ويتبرّكون به ويزورونه. فقدّمني أصحابنا إليه علي أ نّي ابن شيخ الشيوخ، فرحّب بي ذلك الشيخ وقبّل رأسي قبلة لا أزال أجد أثرها في نفسي حتّي الآن وأعقد عليها عظيم الرجاء في الآخرة.وحين عدنا بعد إتمام السبع والفراغ من ركعتي الطواف إلي خدمة الشيخ رضي الله عنه، فقال أصحابنا: لقد قدّمنا ابن الشيخ إلي الشيخ عيسي المغربيّ فرحّب به ترحيباً عظيماً وقبّل رأسه.فأظهر شيخ الشيوخ عظيم الاستبشار والبشاشة. ثمّ انشغل جماعة من أصحابنا بذكر شمائل الشيخ عيسي هذا رضي الله عنه وقالوا في جملتها: سمعنا أنّ ورده في اليوم والليلة سبعون ألف ختمة. فقال أحد أصحاب الشيخ: أجل والله! لقد سمعتُ هذا الكلام فوقع في قلبي منه ريب حتّي رأيت الشيخ عيسي في الطواف ليلة فشاهدتُ أ نّه قرأ ختمة كاملة بالقراءة المعهودة من بعد تقبيله الحجر الاسود إلي وصوله باب الكعبة ملتزماً، سمعتها منه حرفاً حرفاً مبيّنة واضحة، ومن الجليّ أنّ المسافة للملتزم ليست أكثر من ثلاث خطوات أو أربع، فتيقّنتُ حينئذٍ أنّ ورد السبعين ألف ختمة أمر صادق وصحيح. فصدَّق شيخ الشيوخ رضي الله عنه وجملة أصحابنا ذلك الناقل في إخباره ذلك ـ وكان عظيماً صادق القول وتيقّنوا بوقوعه. ثمّ سألوا شيخ الشيوخ رضي الله عنه: ممّ هذا؟ أجاب الشيخ: من باب بسط الزمان.فكما أنّ الحقّ تعالي يقبض المكان لبعض أوليائه من أصحاب الخطوة فيسيرون مسافة سنة بيوم واحد، فإنّه كذلك يبسط الزمان للبعض من أصحاب اللحظة واللمحة، فيظهر لديهم عين الزمن الذي هو عند الخلق الآخرين ساعة واحدة مبسوطاً في خمس سنين أو عشرة. ثمّ أورد شيخ الشيوخ رضي الله عنه ـ كشاهد علي صدق القضيّة الحكاية المشهورة للصائغ الصوفيّ وهو من مريدي الشيخ ابن سُكَيْنَة، وقصّة طيّه سجّادات الصوفيّين يوم الجمعة في ميزر ليذهب إلي الجامع، وذهابه إلي شاطي دجلة للقيام بغسل الجمعة ووضعه ملابسه علي حافّة النهر وسباحته في دجلة وظهوره في مصر، وخطبته لبنت صائغ في مصر وزواجه منها وإنجابه الاولاد منها، ثمّ سباحته في النيل بعد سبع سنين وظهوره في بغداد عند ملابسه وعثوره عليها في مكانها، ثمّ ذهابه إلي محلّ عبادة الصوفيّين (الخانقاه) ومشاهداته أنّ السجّادات لا تزال كما طواها بنفسه، وقول الصوفيّة له: أسرع بأخذ السجّادات إلي الجامع وأفرشها، فقد جلسنا في انتظارك. ثمّ قال الشيخ: لقد طرأت هذه الحال علي هذا الصائغ، فظهرت الساعة الواحدة لديه ولدي أهل بيته في زمن سبع سنين، ثمّ ظهر بعد الفحص والتدقيق، وبعد نقله أولاده الذين ولدوا له في تلك السنين السبع إلي بغداد، أنّ إشكالاً كان قد وقع في قلب ذلك الصوفيّ الصائغ في معني آية: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ و خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [468]، فأظهر الحقّ تعالي له هذه الحال لرفع ذلك الإشكال ليقوي إيمانه بحقيقة هذه الآية، وَاللَهُ الهَادِي.[469] وعلي أيّة حال فلم أسمع من السيّد طوال المدّة المديدة التي كنتُ فيها من مريديه نظير هذه الاُمور التي وقعت من تلامذته.كما لم أسمع أحداً ينقل عنه شيئاً منها، أو أ نّه قام بعمل خارق للعادة أو إخبار عن الغيب، فقد كان يقول: إنّ أعمالاً كهذه تُشغل العبد عن الله، وهي ممّا يخالف السير والسلوك. أجل، اللهمّ إلاّ في موارد ضئيلة وقليلة جدّاً كقوله ـ مثلاً بعد انتهاء دراسة الحقير في النجف الاشرف وحين تقرّرت عودتي إلي طهران: ها هو السيّد محمّد الحسين يذهب إلي طهران، فكم من المشكلات سيواجه! وكان يدور في خلدي أ نّني سأرتاح بمجيئي إلي طهران من مشكلات النجف في التقيّة ـ حيث النهج الغالب علي الحوزة مخالفة العرفان والسير والسلوك وأ نّه سيمكننا الانشغال بأُمورنا في محيط منفتح رحب، لكنّ الامر كان كما قال، فقد كنّا في طهران في حال عسرة وشدّة واضطراب من جوانب عديدة جعلتنا نتمنّي أحياناً نسائم الجنّة تلك التي كانت تهبّ علينا في النجف.وجعلت التفكير في العودة إلي هناك لا يبرح من ذهننا في جميع الاوقات. وكان يقول مثلاً: لم أنظر طوال مدّة السلوك في خدمة المرحوم السيّد (القاضي) أيّة امرأة أجنبيّة، فلم يكن بصري ليسقط علي امرأة أجنبيّة.وقد قالت لي أُمِّي يوماً: إنّ زوجتك أجمل من أُختها بكثير.فقلت: إنّني لم أر أُختها حتّي الآن. فقالت: كيف لم ترها وهي تتردّد علي غرفتنا منذ أكثر من سنتين، ونحن نتناول طعامنا غالباً علي مائدة واحدة؟! (من الشائع عند العرب الذين لا تمتلك نساؤهم حجاباً صحيحاً، أ نّهم غالباً ما يعيشون في المنزل محشورين مع بعضهم البعض في منتهي العصمة وتمام العفّة) فقلت: والله لم تسقط عيني عليها ولو مرّة واحدة. ولم يكن عدم النظر هذا ناجماً من تحفّظه وغضّه من بصره، بل كانت حاله هكذا طبعاً. وقد نقل المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ عن نفسه نظير هذا الامر، فقد كان المرحوم القاضي قد أعطاه أوراداً وأذكاراً لمدّة أربعين يوماً أو أكثر، كان من جملة آثارها (حسب كلام المرحوم الشيخ): كنت أسير في الشارع أو السوق فإذا وقع بصري علي امرأة أجنبيّة، فإنّ أجفان عيني كانت تنطبق بلا اختيار منِّي.وكان مشهوداً أنّ ذلك الامر يقع بلا تعمّد واختيار منّي. وقد نقل المرحوم آية الله القوجانيّ يوماً نظير هذا المعني عن المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الانصاريّ أعلي الله درجته، قال: قال لي: لا تصدر من سالك طريق الله معصية.أي أنّ أفعاله هي عين الطاعة. تفسير آية: «إِنْ هِيَ إِلاَّ ´ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم» في حرم سامرّاءوعلي أيّة حال، فقد جئت في معيّة سماحة السيّد مع بعض الرفقاء النجفيّين إلي الكاظميّة في طريقي للعودة إلي إيران، ثمّ تشرّفت بالذهاب من هناك إلي سامرّاء بصحبة الرفقاء من أهالي الكاظميّة.وحصل يوماً في الصحن المطهّر ـ بعد إقامة صلاة فريضة الظهر جماعة، وكان السيّد يجلس في الصف الاخير المتّصل بالضلع الشماليّ للرواق المطهّر والحقير إلي جانبه أن حمل السيّد في يده تربة للصلاة من الارض وقال لاحد الذين رافقونا في السفر ـ وكان قد سأله عن التوحيد ما هذا؟ قال: هذه تربة للصلاة. فقال السيّد: لقد وضعتَ اسم التربة عليها، وتخيّلتها وجوداً مستقلاّ ذا أثر، فأزل هذا الاسم جانباً فلن يبق هناك شيء غير أصل الوجود. إِنْ هِيَ الآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مِن سُلْطَـ'نٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَ هُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَي'´.[470] أنتم تقولون: تربة صلاة، فتعطونها ـ باسم التربة وتعيّنها استقلالاً وانفصالاً وتطلبون الاثر منها، لانّ الطلب إنّما يعتمد علي أصل وأساس الاستقلال؛ بينما الاستقلال والعزّة مختصّان بذات الله سبحانه، أي أنّ هذه الاسماء والرسوم عاطلة لا أثر لها، وأنّ الفعل بيده جلّ وعزّ. ومن هنا فإنّ الامر جليّ في أنّ علّة شرك الناس هذه الازدواجيّة في النظر التي ألبست هذه الاعتبارات الواهية بلا أساس لباس العزّة، وخلطت هذه الحدود والقيود والماهيّات مع أصل الوجود، وسرقت العزّة من الوجود ونسبتها إلي هذه الاشياء. فإن أنت أزلت اسم التربة عن هذا الشيء فلن يكون إذ ذاك وجود لتربة ولا لتعيّن ولا لفقر وفاقة، فهي تابعة بأجمعها لهذه الحدود العدميّة، فإن أُزيلت فإنّ وجوداً بحتاً بسيطاً ووسيعاً سيبقي وهو ما يُدعي بالوجود المنبسـط.وسـيصبح ذلك الوجـود أيضاً ـ بعد رفـع حـدوده الماهـويّـة الإمكانيّة فانياً في وجود الحيّ القيّوم الازليّ والابديّ.هذه هي حقيقة التوحيد التي تدعونها بوحدة الوجود. إنّك تعقّد الامر وتجعله معضلة، علي الرغم من وضوح الامر وبساطته، أي أ نّك كلّما نظرت إلي شيء فعليك أن تري الله أوّلاً لا ذلك الشيء.أمّا ذلك الذي تدعوه وتسمّيه، فليس إلاّ ما أعمي عينيك فلم يدعك تري الله.فإن أسقطت اسمه عنه فسيبقي الله وحده لا سواه! هذا وقد عدنا من سامرّاء فبقينا عدّة أيّام في الكاظميّة لإتمام زيارة ذينك الإمامين الهمامين، وحللنا في منزل الحاجّ عبد الزهراء الگرعاويّ الواقع في الگريعات في الجانب الآخر من دجلة. تمرّد أحد تلامذة الحاجّ السيّد هاشم، وعفوه عنه وسرورهوقد اتّفق عصر أحد الايّام أن حضر أحد تلامذة الحاجّ السيّد هاشم قرب الغروب، وكان علي الرغم من علاقته المتينة بالسيّد ووجود المكاشفات الروحيّة لديه يسبّب الاذي والالم للسيّد لتمرّده وعدم طاعته.فكان كثيراً ما يصحبه في الاسفار بلا إذن منه، وكان يدع زوجته وأطفاله بلا معيل وكافل متعلّلاً بتأويلات واهية، وكان السيّد قد أبعده مرّات عديدة ووبّخه بشدّة، ولكن بلا جدوي.وكان ـ من جهة أُخري من المحبّين وأصحاب السابقة وممّن أبصر مقام السيّد ومنزلته بعينيه الملكوتيّتين، لذا فلم يكن لينصرف عنه أو يتخلّي عنه.بَيدَ أ نّه كان قد أعرض عن حديث العقل والطاعة، وكان يصرّح بقوله: هذه أحكام أُجراء لا أحكام عشّاق! وفي النهاية فإنّ تمرّده هذا قد أنهي أمره فأبعده السيّد عنه إلي الابد ولم يعد يستقبله في منزله. نعم، لقد كان هذا الرجل موجوداً ذلك اليوم، حيث أدّي بكثير توقّعاته وتمنّياته الفارغة، وبتمرّده وعدم انقياده إلي أن يصبح السيّد منزعجاً جدّاً، وكاد الامر أن ينجرّ إلي أُمور لا تحمد عقباها، وإلي أن يحرمه سماحة السيّد كلّيّاً من الرحمة الإلهيّة والربّانيّة.وكان ـ بدوره ـ في اضطراب وقلق، فلم يكن لديه مفرّ من جهة، كما كان بعد السيّد وهجرانه ـ من جهة أُخري أمراً غير محتمل بالنسبة له. ومن ثمّ فقد تدخّل الحقير في ذلك الموقف الدقيق والخطير وبذل وساطته في الامر، فقد شقّ عَلَيَّ انزعاج السيّد من جهة، ورأيتُ ـ من جهة أُخري أنّ حرمان رفيق الطريق والسالك ذي القلب المضنّي هذا سيكون أمراً مشكلاً، لذا فقد طلبتُ من السيّد أن يعفو عنه، وقطعت عهداً عن ذلك الرفيق بعدم التمرّد وبالطاعة في المستقبل.وكانت حالي قد تغيّرت هي الاُخري فانحدرت دموعي غزاراً. وقد قَبِل السيّد بذلك، وسُرّ بهذا النمط من إصلاح الامر واستغرق فجأة في الوجد والسرور، فأدخل علي الفور يده في جيبه فأخرج مبراة للاقلام خضراء اللون وقدّمها هديّة لي، ولا تزال تلك المبراة محفوظة عند الحقير.
القسم الحادی عشر:السفران التاسع والعاشر للحقير إلي العتبات المقدّسة: سنة 1395 وسنة 1396 هجريّة قمريّة
كان الحقير يمتلك تصريحاً معتبراً بالاءقامة في النجف الاشرف في الدوائر الرسميّة الإيرانيّة والعراقيّة علي السواء، فكان أمر عودتي إلي العتبات المقدّسة وإلي النجف الاشرف سهل يسير، وكان لا يتطلّب سوي مراجعة للحصول علي تأشيرة جواز السفر. وكانت دولة إيران قد أعلنت مؤخّراً أنّ علي المقيمين في العراق أن يغادروا الحدود مرّةً قبل نهاية كلّ سنة، ثمّ رأينا أ نّها أعلنت وجوب المغادرة مرّة قبل نهاية كلّ ستّة أشهر، فصار هذا الإعلان سبباً لنيل التوفيق بلثم أعتاب تلك الاماكن المباركة مرّتين كلّ سنة. ومن ثمّ فقد ذهبتُ مرّة أواخر سنة 1395 هجريّة قمريّة، ثمّ وُفِّقت للزيارة مرّة أُخري في شهر شعبان لسنة 1396 ه. ق، لكنّ مدّة السفر استغرقت في كلا السفرين شهراً واحداً ولم يكن في الإمكان التأخير أكثر من ذلك. هذا وكانت حالة السيّد في هذين السفرين في منتهي الطمأنينة والهدوء، وكانت تلك الحرارة والحرقة قد تحوّلت إلي سكون. وكانت حكومة البعث قد أخرجت الرفقاء من سكنة الكاظميّة من ذوي الاصل الإيرانيّ فذهبوا إلي الشام والكويت، أمّا ذلك الرفيق المجدّ والمصرّ المفرط في التمرّد فقد ساقه تمرّده إلي حيث أبعده السيّد عنه ولم يعد يستقبله إلي آخر عمره. وقد اعتلّ مزاج السيّد في غيابي، فصحبه أحد الرفقاء المحبّين (وكان من أهل المزاح) للمعالجة في بغداد عند أحد أطبّاء القلب المعروفين، فقال له ذلك الطبيب بعد فحوصات دقيقة وكثيرة: إنّ قلب هذا السيّد قد خضع لضغط شديد لمدّة طويلة، فما علّة ذلك؟ فيقول له ذلك الرفيق الذي صحب السيّد: أيّها الطبيب! إنّ هذا السيّد من التجّار والملاّكين المعروفين وكانت له أموال ومدّخرات كثيرة بلا حصر، لكنّ هؤلاء الشيوعيّين صادروها منه حين جاؤوا إلي السلطة، فآل أمره إلي هذه الحال حزناً وغمّاً علي تلك الاموال الضائعة! فيقول الطبيب: لا تغتمّ أيّها السيّد! فليس للدنيا كلّ هذه الاهمّيّة ليعرّض الإنسان سلامته للخطر ويجعل قلبه في مثل هذه الحال من أجل ضياع أمواله، فأنت بحمد الله سيّد وقد أعطاك الله عمراً طويلاً، فإن ضاع مالك أيّاماً فإنّ الامر لا يستدعي الغمّ والهمّ! وكان ذلك الشخص الذي رافق السيّد وأخذه إلي الطبيب هو الصديق العزيز الحاجّ عبد الجليل محيي، وقد قال للرفقاء فيما بعد: لقد قلت هذا الكلام والسيّد الحدّاد راقد للمعاينة، فقال الطبيب كذا وكذا، وكان السيّد الحدّاد يسمع ذلك كلّه ولا ينبس ببنت شفة، لكنّه قال للطبيب عند العودة: أشكرك علي نصائحك الشفيقة. كلام الحدّاد: الاستدراج هو عذاب إفشاء السرّلقد كان للحاجّ السيّد هاشم إصرار دائم علي كتمان السرّ وعدم إظهار واقعة أو مطلب ما، لكنّه ازداد كتماناً من ذلك في الاسفار الاخيرة وكان يصرِّح: أنّ كشف المطالب الغيبيّة لمن لا خبرة له بالامر يعدّ من أقبح القبائح عند الله، لا نّها من الاسرار الإلهيّة، والله سبحانه غيور لا يحب أن يفشي سرّه. فالسرّ الموجود داخل الحرم ينبغي أن يبقي داخل الحرم، ويقبح إخراجه خارج الحرم. ولاجل هذه الغيرة الإلهيّة فإنّ من يفشي سرّ الله يجد الله سبحانه في مقام معارضته ومواجهته ليسقطه ويخرجه من الحرم. وهذا الإخراج من الحرم يمثّل أشدّ عذاب متصوّر للسالك. وهكذا يفقد السالك بهذا الجرم حالاته تدريجيّاً، ثمّ تخبو حالاته المعنويّة ومكاشفاته الروحيّة وتخمد حتّي تزول تماماً، وتبقي صورها العلميّة فقط في دائرة خواطره. وبسبب تدّرج هذا الخمود من جهة، ولبقاء الصور العلميّة لدي السالك من جهة أُخري، فكثيراً ما يحصل أن لا يلتفت السالك إلي هذا السقوط التدريجيّ غير الدفعيّ، فيعدّ نفسه ـ كما في السابق - صاحب أسرار خفيّة وعلوم ملكوتيّة؛ مع أنّ شيئاً لم يبق لهذا المسكين، فهو يبهج نفسه بالخواطر والصور العلميّة. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَيَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ.[471] إن إفشاء سرّ الله من جملة التكذيب بالآيات، ذلك لانّ الله سبحانه يفتح ـ بإخفاء أسراره طريق السلوك للجميع، في حين أنّ إفشاءها سيغلق الطريق أمام الكثير. لانّ الذين لا يمتلكون قابليةً لتحمّلها سيرفضونها وسيكذّبونها، فيغلقون بهذا الرفض الطريق علي أنفسهم وعلي الآخرين، وهذا الإغلاق في الحقيقة هو إلاّ تكذيب لا´يات الله، وسببه إفشاء الاسرار الإلهيّة. خلافاً لاولياء الله الذين يفتحون سبيل الله وطريقه أمام الخلق، ويهدون الناس إلي الحقّ من خلال علاقتهم بعالم الامر وغيب الملكوت. ويتحتّم علي هؤلاء كتمان السرّ ليمكنهم هداية جميع الخلق إلي الحقّ. ومن هنا فقد جاء في الآية التي سبقتها: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا´ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.[472] ولقد قال الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله في شأن سعد بن عبادة: إنَّهُ لَغَيُورٌ؛ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ؛ وَاللَهُ أَغْيَرُ مِنِّي. وجاء عنه أيضاً فيالحديث: لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَلاَ أَحَبَّ إلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَهِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَلاَ أَحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَهِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الجَنَّةَ لِيُكْثِرَ سُؤَالَ العِبَادِ إيَّاهَا وَالثَّنَاءَ مِنْهُمْ عَلَیهِ.[473] وكان السيّد الحدّاد يقول: المراد بـ « مَا بَطَنَ » كشف الاسرار الإلهيّة، أي كلّ حرام وقُبحٍ مُنع بواسطة الغيرة الإلهيّة، سواء ما ظهر من الفواحش أو ما بطن. فالفواحش الظاهرة هي جميع القبائح الظاهريّة؛ أمّا الفواحش الباطنة فعبارة عن جميع القبائح الباطنيّة في الاخلاق والعقائد وملكات السوء، ومن جملتها بل من أعظمها كشف سرّ الله تعالي. نقل الحدّاد قول رسول الله: إنّي أُحِبُّ مِنَ الصِّبْيَانِ خَمْسَةَ خِصَالٍوكان يقول: لشدَّ ما يفرحني كلام رسول الله صلّي الله عليه وآله هذا، فهو يبهجني ويبعث فيّ السرور كلّما تذكّرته، فقد قال: إنِّي أُحِبُّ مِنَ الصِّبْيَانِ خَمْسَةَ خِصَالٍ: الاَوَّلُ أَنَّهُمْ البَاكُونَ، الثَّانِي: عَلَي التُّرَابِ يَجْتَمِعُونَ، الثَّالِثُ: يَخْتَصِمُونَ مِنْ غَيْرِ حِقْدٍ، الرَّابِـعُ: لاَ يَدَّخِرُونَ لِغَدٍ، الخَامِسُ: يَعْمُرُونَ ثُمَّ يُخْرِبُونَ.[474] والمراد بذلك أنّ الاطفال ـ باعتبار قربهم من الفطرة، أي قربهم من التوحيد خالون من الانانيّة الجوفاء والاستكبار الواهيّ والشخصيّة المجازيّة؛ لذا فلا يوجد لديهم الضحك الباعث علي الغفلة، والعمارة الباعثة علي البهجة، والاحقاد المستحكمة بالرغم من كونها بلا داع، وينعدم لديهم حبّ اكتناز الاموال وادّخارها علي أساس من الوهم والتخيّل، والاعتماد علي الدنيا والتعلّق بها، أي أ نّهـم بأجمعهـم من أهل التوحيد بالفطرة، كما أنّ فناءهم في ذات الله سبحانه أشدّ، فصاروا بذلك مورد اهتمام النبيّ وحبّه الشديد. أمّا حين يصل هؤلاء إلي فترة غرور الشباب والكهولة وإلي زمن الهرم فسيكتنفهم غرور الشهوة والغضب والاوهام والاعتباريّات، وسيملا عقولهم حبّ المال والجاه والاعتبار، فيفقدون جميع تلك الغرائز النقيّة والفطرة السليمة البكر، ويعشقون الباطل في مقابل الحقّ ويبيعون عمرهم وحياتهم وثروتهم العلميّة وقدرتهم وأمنهم مجّاناً بل مقابل خسائر عظيمة. وهذا ما يوجب البعد عن رحمة الله، والإقصاء والنأي عن وادي المحبّة، إلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَهُ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وكما ذكرنا فقد جري خلال هذه الاسفار إبعاد بعض الرفقاء وإخراج بعضهم من العراق، وبقي البعض في الكاظميّة، فكانوا يقلّلون تردّدهم علي كربلاء حتّي صار مجيئهم إلي محضر السيّد نادراً خوفاً من أن تعتقلهم حكومة البعث أو تخرجهم من العراق. لذا فقد بقي هذا السيّد المحترم يعيش أكثر الاوقات في وحدة وغربة طيلة هذه السنوات؛ وكما قال مراراً: إنّ العالم وسكّانه جميعاً في مقام مخاصمة العرفاء بالله ومنازعتهم. معاملة الرفقاء للحدّاد وأدبهم معه لم يكن لائقاً بمقامهوعلي وجه العموم، فإنّ جميع الرفقاء ـ إلاّ القليل منهم لم يكونوا يعرفون قدر السيّد ومقامه، ولم يكونوا يعرفون عنه شيئاً إلاّ أ نّه سيّد محترم ومنزوٍ عن الدنيا يمتلك أخلاقاً حسنة وسجايا حميدة، ولعلّ له بعض الحالات الروحانيّة والمكاشفات الملكوتيّة، ومن ثمّ فقد كانوا يستخدمونه في الكثير من الاُمور، كتسيير أُمور الكسب وحلّ النزاعات وأداء الديون وأمثال ذلك. وكانوا ـ علي سبيل المثال ـ يأتون من الكاظميّة وبغداد إلي كربلاء، فيأخذونه بسيّارتهم إلي الكاظميّة لإصلاح هذه الاُمور ويُبقونه هناك أُسبوعاً أو أُسبوعين، ويضيّفونه ـ حسب ظنّهم ـ في بيوتهم فيبسطون الموائد الفاخرة الشهيّة من أنواع الاطعمة من الدجاج والسمك، ويجلسون جميع الرفقاء حول تلك الموائد، مع علمهم أنّ السيّد هاشم لم يتناول طيلة مدّة الرفقة لقمة واحدة من السمك أو الدجاج، وعلمهم باجتنابه تناول الاغذية المتعدّدة وأنواع اللذائذ الصوريّة؛ فقد كان يكتفي دوماً من هذه الموائد بتناول ما يحاذيه من الخبز والخضروات (الفجل) أو الاغذية البسيطة الاُخري. بَيدَ أ نّهم كانوا يتصوّرون أ نّه لا يمتلك حاسّتي الذوق والشمّ أبداً، وأ نّه لا يدرك ما يقومون بتقديمه في تلك الموائد من أنواع الاغذية اللذيذة، وأنّ تناول الخبز وورق الفجل قد صار من طبعه الثانويّ. نقل المرحوم الحاجّ آقا معين الشيرازيّ تغمّده الله برحمته أنّه: دعا ذات ليلة أحد التجّار المعروفين والمشهورين في الكاظميّة إلي بيته أمثاله وأضرابه من التجّار لمناسبةٍ ما، وكان من جملة المدعوّين السادة التجّار من أهالي الكاظميّة من رفقاء الحاجّ السيّد هاشم، فلبّي هؤلاء الدعوة واصطحبوا معهم الحاجّ السيّد هاشم. فلمّا دخلنا البيت شاهدنا مائدة ممدودة حوت كلَّ ما يتصوّر من أنواع الاغذية، وكلّ نوع من أنواع الاشربة المحلّلة، وكانت مائدة مترامية الاطراف بحيث توجّب علي الحاجّ السيّد هاشم أن يسير مسافة كي يجلس إلي زاويتها. وكان يسير ونحن خلفه، فلمّا وقع نظره علي تلك المائدة قال: لِمِثْلِ هَـ'ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَـ'مِلُونَ.[475] ثمّ توافد المدعوّون وجلسوا جميعاً وانهمكوا بتناول الطعام، أمّا السيّد هاشم فلم يتعدّ الخبز والجبن والفجل الموضوع أمامه ليأكلَ ممّا عداها. وكان ذلك يحصل بينما تقضي عائلته الكبيرة أغلب أيّامها في كربلاء تصارع المشاكل والمحن في أشدّ عسرٍ وضيق وفاقة. وكان يخيّل للرفقاء أنّ إكرام السيّد يتمثّل في إبقائه في بساتين الكاظميّة وبغداد بتلك الكيفيّة! قضايا شيّقة من فتوّة الحاجّ السيّد هاشم رحمة الله عليهوالعجيب أنّ هذا السيّد لم يكن لينبس ببنت شفة لئلاّ تتسرّب أخبار أُموره الداخليّة إلي الخارج فيسبّب ذلك إزعاجه؛ ومع هذه الحال التي وصفناها فقد كان يلبّي دعوتهم باستمرار دون أن يبدي تضايقاً من الذهاب، وذلك لشدّة المحبّة التي كان يكنّها لسالكي طريق الله. وكان ينظر إلي جميع الافراد الذين يدّعون السلوك بعين الاحترام، ولو تغافلوا أو غفلوا عن شروط السلوك وواجباته، وكان يسعي بنفسه في قضاء حوائجهم. كان هؤلاء يأتون من الكاظميّة إلي كربلاء للزيارة بسيّاراتهم الشخصيّة فيصطحبونه معهم عند عودتهم بتلك السيّارات، بينما يتوجّب علي بعض عائلته من النساء أن تسافر إلي بغداد في نفس الوقت لمراجعة الطبيب بواسطة سيّارات السفر العامّة، علي الرغم من أ نّها امرأة، والاعجب أ نّه كان يتوجّب علي أهله أن تسكن في بيت آخر حتّي انتهاء مهمّتها تلك. فما الذي كان يفعله السيّد فيتلك الحالات؟ أَوَ هناك سبيل آخر لاولياء الله غير الكرامة والصبر الجميل والتحمّل؟ وممّا يثير العجب أنّ هؤلاء الرفقاء كانوا مطّلعين علي مرافقة تلك المرأة له، لكنّهم ـ مع ذلك ـ لم يكونوا يعدّون عملهم هذا أمراً غير مستحسن. وقد دام ذلك حتّي تشرّف الحقير بالذهاب إلي كربلاء، فأراد صاحب السيّارة وبصحبته شخصان آخران أن يصطحبا السيّد مع الحقير من كربلاء إلي الحمزة والقاسم ثمّ إلي الكاظميّة. واتّفق ذلك حين توجّب علي زوجته أُمّ مهدي وزوجة السيّد قاسم الذهاب لمراجعة الطبيب في الكاظميّة وبغداد فقال الحقير للسائق وكان من الرفقاء المخلصين: أمِنَ الصحيح أن تذهب هؤلاء المخدّرات والعائلة المحترمة في وضع كهذا بدون وليّ أمرهم ونذهب نحن بصحبته؟! من الافضل أن أجلب سيّارة أُخري ويأتي هؤلاء مع السيّد. فلم يوافقوا علي ذلك، ثمّ تقرّر أن يذهب رفيقا السائق في سيّارة أُخري وأن يجلس السيّد مع تلكما المخدّرتين في مؤخّرة السيّارة ويجلس الحقير لوحده في مقدّمتها. وهكذا حصل، وعلي هذه الصورة تشرّفنا بالذهاب إلي الكاظمين عليهما السلام؛ ومع ذلك فلم يكن هذا الامر مرضيّاً لذينك الرفيقين اللذين كانا يرغبان في مرافقة السيّد. أفتصدِّقون أنّ بعض الصحابة كانوا يقومون بمثل هذه الاعمال مع أهل بيت رسول الله وأمير المؤمنين والائمّة عليهم السلام فيتصوّرونهم بلا حرمة، بينما يحسب أُولئك الصحابة لانفسهم من الاهمّيّة بحيث ينبغي أن يكونوا مع رسول الله وفي ركابه وفي معيّة سائر الائمّة وفي ركابهم؛ فكانوا يقومون بأمثال هذه التصرّفات ويحرمون قرّة العين الحقيقيّة للنبوّة والولاية من التمتّع بأبْدَهِ المواهب الإلهيّة والضروريّة والفطريّة. وهذه الصفات الحميدة والملكوتيّة هي ما يدعونها بالفتوّة، وهي أفضل من الشجاعة والكرم، ولقد خاطب مولانا، أميرَ المؤمنين عليه السلام بقوله: در شجاعت شير ربّانيستي در فتوّت خود كه داند كيستي؟! [476] ونقول في خطاب الروح المقدس لهذا السيّد الجليل بعد ثمان سنوات من رحيله: اي آفتاب آينهدار جمال تو مشگ سياه مجمره گردان خال تو صحن سراي ديده بشستم ولي چه سود كاين گوشه نيست در خور خيل خيال تو در اوج ناز و نعمتي اي پادشاه حسن يا رب مباد تا به قيامت زوال تو مطبوعتر ز نقش تو صورت نبست باز طغرا نويس ابروي مشكين مثال تو در چين زلفش اي دل مسكين چگونهاي كاشفته گفت باد صبا شرح حال تو[477] برخاست بوي گل ز دَرِ آشتي در آي اي نو بهار ما رخ فرخنده فال تو تا آسمان ز حلقه بگوشان ما شود كو عشوهاي ز ابروي همچون هلال تو تا پيش بخت باز روم تهنيت كنان كو مژدهاي ز مقدم عيد وصال تو اين نقطة سياه كه آمد مدار نور عكسي است در حديقة بينش ز خال تو در پيش شاه عرض كدامين جفا كنم شرح نيازمندي خود يا ملال تو؟ حافظ در اين كمند سرسركشان بسي است سوداي كج مپز كه نباشد مجال تو [478] * * * وَاللَهِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلاَ غَرُبَتْ إلاَّ وَذِكْرُكَ مَقْرِونٌ بِأَنْفَاسِي وَلاَ جَلَسْتُ إلی قَوْمٍ أُحَدِّثُهُمْ إلاَّ وَأَنْتَ حَدِيثِي بَيْنَ جُلاَّسِي وَلاَ هَمَمْتُ بِشُرْبِ المَاءِ مِنْ عَطَشٍ إلاَّ رَأَيْتُ خَيَالاً مِنْكَ فِي كَاسِي [479] مجيء سماحة الحدّاد إلي سامرّاء ومطار بغداد لتوديعيوعموماً فقد تشـرّفت في هذين السـفرين بعد إتمام مراسـم الزيارة بالسـفر في معيّة سـماحة السـيّد من كربلاء إلي الكاظميّة للعـودة منها إلي إيران. وكان يندر أن يتردّد الرفقاء من أهالي الكاظميّة (عدا أُولئك الذين عادوا منها إلي الشام والكويت) علي منزل السيّد الحدّاد لئلاّ يُعرفوا أو يلاحقوا من قبل حكومة البعث لتردّدهم علي السيّد أو لمجيء السيّد إلي بيوتهم، (حيث كان منظر السيّد بالعمامة والجبّة والعباءة ملفتاً للنظر) فتقوم بإخراجهم من العراق، حتّي وصل الامر في سفري الاخير إلي أنّ واحداً منهم فقط كان قد جاء إلي كربلاء للزيارة فعرّج علي منزل السيّد لملاقاته لساعة واحدة فقط في وقت غير عاديّ. كما أنّ هذا الشخص لم يقدم إلي كربلاء عندما حان موعد رجوع الحقير. وقد انتظر السيّد وروده بصبر إلي اليوم الاخير لحركتي، حيث كان مقرّراً أن أغادر مطار بغداد في الليلة التالية بعد بدء الليل بخمس ساعات متوجّهاً إلي طهران. ومن ثمّ فقد تشرّفت بالمجيء إلي الكاظمين عليهما السلام صباح ذلك اليوم في معيّة السيّد مع السيّد برهان الدين وهو أحد أولاد السيّد، (وكان يمتلك سيّارة) فأدّيت زيارة مختصرة بصحبة سماحة السيّد وولده وتشرّفنا بعدها بالذهاب إلي سامرّاء ووفّقنا لزيارة حرم الإمامين العسكريّين عليهما السلام (الإمام عليّ النقيّ والإمام الحسن العسكريّ) لمرّة واحدة، ثمّ أدّينا صـلاتي الظهر والعصر في ذلـك المكان المقدّس. زرنا بعـدها صـاحب الامـر أرواحنـا فـداه وأدّينـا الاعمال المخصـوصـة بالسـرداب المطهّـر ثمّ قمنا بتناول الطعام في أحد المطاعـم العامّة هناك وعدنا إلي الكاظميّة فوصـلناهـا قبل الغروب بسـاعة. وقمنـا باسـتئجار غرفة صغيرة في فندق الجواد عليه السلام القريب من الصحن المطهّر، وذهبنا إلي الحـرم المطهّـر لزيـارة الإماميـن الكاظـمين عليهما السـلام وتوديعهما وأداء صلاتي المغرب والعشاء، وذلك في معيّة سماحة السيّد الحدّاد وابنه الكريم. ثمّ عدنا إلي الفندق بعد أداء هذه العبادات بعد مرور ساعتين من الليل، فتناولنا طعام العشاء هناك وتحرّكنا بعد ساعة إلي مطار بغداد، وكانوا قد غيّروا موقعه فصار في منطقة أبعد تقع خارج بغداد بأربعة أو خمسة فراسخ، لذا فقد استغرق طيّ المسافة من الفندق إلي المطار أكثر من ساعة كاملة. وكان السيّد قد شرّفنا بالحضور مع كهولة سنّه وضعفه، وكان راغباً في المجيء بإصرار بحيث لم يتمكّن الحقير من توديعه في نفس الفندق علي أن يرجع إلي كربلاء بعد عودة ابنه من المطار. ولهذا فقد تفضّل بالحضور إلي المطار، وبعد التوديع الذي انهمرت فيه دموعه فقد دخل الحقير اليائس ذو القلب القاسي إلي داخل المنطقة المسيّجة، وظلّ السيّد واقفاً مع ولده العزيز إلي ما بعد إتمام الإجراءات وإلي حين تحليق الطائرة. (سيأتي فيما بعد شرح حالاته عند انفصالي عنه، من التغيير الباطنيّ العميق، وتوهّج الطلعة، وبروز العيون من أحداقها، والدموع المنهمرة كالميازيب، ثمّ سقوطه مريضاً في الفراش بلا حراك لمدّة أُسبوع، ذلك التغيير الذي كان جزءاً من البرنامج الدائميّ والطبيعيّ عند عودة الحقير من جميع أسفاره). مفاد أشعار الشبستريّ مماثل لحالي مع سماحة السيّد الحدّادلقد صوّر عارفنا الجليل الشيخ محمود الشبستريّ أعلي الله درجته في خاتمة كتابه « گلشن راز » تحت عنوان « إشاره به تَرْسَا بَچه » شمّة من حالات الحقير الفقير مع سماحة السيّد في تلك الليلة: اشاره به تَرْسَا بَچه [480] بت و ترسا بچه نور است ظاهر كه از روي بتان دارد مظاهر كند او جمله دلها را وثاقي گهي گرد مُغنّي گاه ساقي زهي مطرب كه از يك نغمة خوش زند در خرمن صد زاهد آتش [481] زهي ساقي كه او از يك پياله كند بيخود دو صد هفتاد ساله رود در خانقه مست شبانه كند افسوس صوفي را فسانه و گر در مسجد آيد در سحرگاه نبگذارد در او يك مرد آگاه رود در مدرسه چون مست مستور فقيه از وي شود بيچاره مخمور ز عشقش زاهدان بيچاره گشته زخان و مان خود آواره گشته يكي مؤمن دگر را كافر او كرد همه عالم پر از شور وشر او كرد خرابات از لبش معمور گشته مساجد از رخش پر نور گشته [482] همه كار من از وي شد ميسّر بدو ديدم خلاص از نفس كافر دلم از دانش خود صد حجب داشت ز عُجب و نخوت و تلبيس و پنداشت در آمد از درم آن بت سحرگاه مرا از خواب غفلت كرد آگاه ز رويش خلوت جان گشت روشن بدو ديدم كه تا خود كيستم من چو كردم در رخ خوبش نگاهي بر آمد از ميان جانم آهي مرا گفتا كه اي شيّاد سالوس بسر شد عمرت اندر نام و ناموس ببين تا علم و كبر و زهد و پنداشت ترا اي نارسيده از كه واداشت نظر كردن به رويم نيم ساعت همي ارزد هزاران ساله طاعت [483] علي الجمله رخ آن عالم آرا مرا با من نمود آن دم سراپا سيه شد روي جانم از خجالت ز فوت عمر و أيّام بطالت چو ديد آن ماه كز روي چه خورشيد كه ببريدم من از جان خود اميّد يكي پيمانه پر كرد و به من داد كه از آب وي آتش در من افتاد كنون گفت: از مي بيرنگ و بيبو نقوش تختة هستي فرو شو چه آشاميدم آن پيمانه را پاك در افتادم ز مستي بر سر خاك كنون نه نيستم در خود نه هستم نه هشيارم نه مخمورم نه مستم [484] گهي چون چشم او دارم سر خوش گهي چون زلف او باشم مشوّش گهي از خوي خود در گلخنم من گهي از روي او در گلشنم من [485] القسم الثانی عشر:سفر الحقير إلي الشام وزيارة السيّدة زينب عليها السلام ولقاء الحاجّ السيّد هاشم في عاشوراء سنة 1400 هجريّة قمريّةبعد سفري الاخير إلي العتبات المقدّسة قامت الحكومة العراقيّة بإغلاق الحدود في وجه القادمين، ومنعت ورود الإيرانيّين بشكل عامّ حتّي الذين يمتلكون تصريحاً بالإقامة، وها قد انقضت ستّ عشرة سنة منذ آخر زيارة دون أن يكتب للحقير التوفيق لزيارة قبور الائمّة عليهم السلام. وبالطبع فقد كان سفر أمثال الحاجّ السيّد هاشم إلي إيران ممنوعاً، فعلي الرغم من أنّ جنسيّته لم تكن إيرانيّة، بل كانت تبعيّته هنديّة ومع ذلك فإنّ الحصول علي تأشيرة دخول إلي إيران كان أمراً غير ممكن. بَيدَ أنّ السيّد قام باصطحاب زوجته وأحد أبنائه وسافر إلي الشام لزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها، فوردوا دمشق في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام لسنة 1399 هجريّة قمريّة، وتوجّهوا مباشرة إلي الزينبيّة فحطّوا رحالهم عند صديقه العزيز وتلميذه القديم المحبّ: الحاجّ أبي موسي جعفر محيي دام توفيقه. وكان الحاجّ أبو موسي وهو من الرفقاء القدماء من أهالي الكاظميّة، قد ذهب إلي الشام بعد أن أبعدته حكومة البعث، وبسبب إخلاصه وأمانته فقد أُسند إليه من قبل هيئة إدارة الصحن المطهّر مهمّة إدارة الحرم الشريف وتنظيم أُموره، وأُوكلت إليه إدارة الاُمور الماليّة واستلام الاموال والتبرّعات وأُمور مصارف تلك البقعة الشريفة، فصار يجلس من الصبح إلي الليل في الغرفة اليمني المجاورة لمدخل الصحن مباشرة، والتي عليها لافتة كبيرة تحمل عنوان: «مكتبُ اسْتِلام النُّذوراتِ والتَّبرُّعاتِ لِلسَّيِّدةِ زينبَ سلامُ الله علَيها»، فيقوم باستلام المبالغ النقديّة والنذورات وغيرها لينفقها في مواردها الضروريّة، كما أ نّه يمتلك غرفة خاصّة له في الصحن المطهّر، وكان قد استأجر غرفة لعائلته قريبة من الصحن، فعاش هناك علي هذا المنوال سنينَ طوالاً. وحين تشرّف السيّد بالذهاب إلي الزينبيّة فقد جعل محلّ إقامته في الصحن الشريف في غرفة الحاجّ تلك، وكانوا يذهبون إلي منزله أحياناً، وباختصار فقد كان الحاجّ أبو موسي مضيّفه الوحيد طيلة إقامته في دمشق. وعند ورود السيّد فإنّه يقول للحاجّ: أخْبِر السيّد محمّد الحسين ليتشرّف بالمجيء للزيارة هذه الايّام إن استطاع ذلك. وباعتبار صعوبة الاتّصال الهاتفيّ في ذلك الوقت، فقد قام الحاجّ بكتابة رسالة للحقير وصلت إلي يدي في اليوم الثاني من محرّم الحرام لسنة الف وأربعمائة هجريّة قمريّة كتب فيها: أخبرنا إن كنت ستأتي أو لا. وقد رأيتُ أنّ إرسال رسالة بريديّة سيستغرق عشرّة أيّام علي الاقلّ، وأ نّني ـ وقد عزمتُ علي الذهاب سأصل بحول الله وقوّته قبل الرسالة، فقد جعلت نفس ذهابي جواب رسالتهم، وسعيت فوراً لإصدار جواز السفر فاستغرق ذلك ثلاثة أيّام، ثمّ لتهيئة بطاقة سفر بالطائرة واستغرق ذلك ثلاثة أيّام أيضاً، فكان مجموع ذلك ستّة أيّام. وهكذا فقد ورد الحقير الزينبيّة صباح اليوم الثامن من المحرّم ليلة التاسع منه وزرت السيّد في حجرة مكتب الاستلام المذكورة، ثمّ تشرّفنا جميعاً بزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها. ولا يخفي أ نّني حيث احتملتُ عودة السيّد من الشام إلي العراق قبل وصول نبأ قدومي إليهم (الذي كان نفس وصولي) فقد أرسلتُ ولدي الاكبر الحاجّ السيّد محمّد صادق إلي الشام ليتشرّف بزيارة السيّدة زينب أوّلاً، وليحظي بزيارة السيّد ثانياً، حيث يُعدّ ـ بدوره ـ من تلامذته المخلصين، ولينبي بحركتي للسفر باعتبار أ نّه يصل قبلي. وقد ورد دمشق صباح اليوم السادس من المحرّم، فالتقي السيّد في نفس اليوم وظلّ ينهل ويغنم من فيوضاته وبركاته عند السيّدة زينب سلام الله عليها حتّي اليوم الاخير الذي عاد فيه إلي طهران. الاسئلة السلوكيّة للرفقاء والاجوبة التوحيديّة لسماحة السيّد في الزينبيّةأمّا الفوائد التي اغتنمها من السيّد حين كان في محضره قبل وصول الحقير، والمشكلات التي حلّها له، وما أُجيب له عن استفساراته، فهي ممّا يطول شرحه. وعلي أيّة حال، فقد قدم أيضاً في الايّام الاوائل لوصولي، الصديق العزيز الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل محيي من الكويت، والحاجّ محسن شركت من إصفهان. وكان اجتماعنا مع السيّد يحصل بمعيّة هؤلاء الاجلاّء دوماً، فكنّا نلازم بعضنا ليلاً ونهاراً في حركتنا وسكوننا، في أوقات الزيارة وفي الذهاب إلي الشام لزيارة قبر السيّدة رقيّة سلام الله عليها وسائر الاماكن المباركة كزيارة أهل القبور في مقبرة بني هاشم، ولم نكن نفترق عن بعضنا أبداً. وكانت أغلب أسئلة الاصدقاء تدور حول مسائل السلوك، بينما كان كلام السيّد يدور حول مسألة توحيد الحقّ جلّ وعزّ. وكانت زوجة السيّد قد صمّمت علي العودة إلي العراق بعد حوالي عشرة أيّام من وصول السيّد إلي دمشق، وقبل وصول الحقير إلي هناك، لعدم إمكان ترك العائلة الباقية في كربلاء أكثر من ذلك بدون شخص يرعي أُمورها، وكان في نيّتها اصطحاب السيّد معها لكنّه امتنع عن العودة لاحتمال كوني في الطريق إليهم، ومن ثمّ فقد تحرّكت أُمّ مهدي مع ولدها إلي بغداد يوم الرابع من المحرّم، وبقي السيّد لوحده إلي اليوم السادس حيث وصل ولدي. وقد قال السيّد: لو لم يكن السيّد محمّد صادق قد وصل، أو كان وصوله قد تأخّر لنويتُ العودة. وهكذا فقد أخّر السيّد موعد عودته إلي اليوم السابع عشر من المحرّم، حيث أدرك الحقير محضره بعد ورودي إلي الزينبيّة لمدّة تسعة أيّام، بل عشرة أيّام علي وجه الدقّة. الحدّاد: غموض معاني الاسرار الإ لهيّة وأدعية الائمّة بدون التوحيدوكان السيّد يقول في هذا السفر: لا يمكن إدراك أغلب مسائل المعارف الإلهيّة ـ بل جميعها ـ بدون إدراك التوحيد الشهوديّ. فمسألة الجبر والتفويض والامر بين الامرين، مسألة الطينة والخلقة، مسألة السعادة والشقاء، مسألة القضاء والقدر، مسألة اللوح والقلم والعرش والكرسي، مسألة الازل والابد والسرمد، مسألة ربط الحادث بالقديم، مسألة الدعاء وإجابته؛ وأمثال ذلك من المسائل الكثيرة المذكورة في هذا الباب قد حلّت بتوحيد الحقّ جلّ وعلا، أمّا بدونه فهي مستعصية مغلقة. كلام الحدّاد في شأن بعض أدعية «الصحيفة السجّاديّة»فمثلاً يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في « الصحيفة السجّاديّة »: وَلاَ تَـرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَـةً إلاَّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِـي مِثْلَهَـا، وَلاَ تُحْدِثْ لِي عِزَّاً ظَاهِراً إلاَّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدْرِهَا[486]. فهذا الطلب هو عين تمنّي التوحيد. أي: يا إلهي! افتح عينَيَّ للقياك حتّي أراك ولا أري نفسي وتشخيصي، فأدرك شهوداً ووجداناً أن لا عزّ إلاّ لك، وأنّ عِزّي وذلّي منك لا منّي. ويقول أيضاً في « الصحيفة »: وَأَلْهِمْنَا الاِنْقِيَادَ لِمَا أَوْرَدْتَ عَلَینَا مِنْ مَشِيَّتِكَ حَتَّي لاَ نُحِبَّ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلاَ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلاَ نَكْرَهَ مَا أَحْبَبْتَ، وَلاَ نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ الدعاء.[487] ومن الجليّ أنّ هذه الطلبات لا تتجاوز لقلقة اللسان ما لم يحصل للإنسـان الشـهود العينيّ للتوحيد؛ كما أنّ هـذه الحـالات لن ترسـخ لدي الإنسـان إلاّ بانكشـاف التوحيد الافعاليّ والاسـمائيّ الذي سـيُظهِر هذه المعاني، ومن هنا فإنّ طلب هذه المعاني هو طلب للتوحيد. ويقول كذلك في « الصحيفة »: وَلاَ تَشْغَلْنِي بِمَا لاَ أُدْرِكُهُ إلاَّ بِكَ، عَمَّا لاَ يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ[488] أي: عرّفني نفسك بمعونتك ومساعدتك ليمكنني الاشتغال بما يرضيك، وأن لا أشتغل حال الغفلة والنسيان بأعمال أُخري؛ وهو أمر لا يحصل إلاّ بانكشاف التوحيد للإنسان. ويخاطب في « الصحيفة » ساحة العزّ الربوبيّ: لَكَ يَا إلَهِي وَحْدَانِيَّةُ العَدَدِ، وَمَلَكَةُ القُدْرَةِ الصَّمَدِ. [489] حيث إنّ وحدانيّة الله، واسم القادر الصمد، وصفة القدرة والصمدانيّة لا تتّضح للإنسان إلاّ بطلوع نور التوحيد. ويقول أيضاً في فناء القدس الإلهيّ: اللَهُمَّ يَا ذَا المُلْكِ المُتَأَبَّدِ بِالخُلُودِ... حتّي يصل إلي قوله: ضَلَّتْ فِيكَ الصِّفَاتُ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَحَارَتْ فِي كِبْرِيَائِكَ لَطَائِفُ الاوْهَامِ. [490] ومن الجليّ أنّ وصفاً كهذا للّه سبحانه متعذّر بدون المشاهدة العينيّة والرؤية القلبيّة. كما يقول أيضاً: أَنْتَ الَّذِي لاَ تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً [491]. حتّي يصل إلي قوله: سُـبْحَانَـكَ لاَ تُحَـسُّ وَلاَ تُجَـسُّ وَلاَ تُمَـسُّ، وَلاَ تُكَـادُ وَلاَ تُمَـاطُ وَلاَ تُنَازَعُ وَلاَ تُجَارَي وَلاَ تُمَارَي وَلاَ تُخَادَعُ وَلاَ تُمَاكَرُ. [492] فمثل هذا الخطاب للّه سبحانه بطور الجدّ واليقين يصدر حين يكون التوحيد قد انكشف للقائل. وقد ورد مثلاً هذا الدعاء في «الصحيفة العلويّة الثانية» عن أمير المؤمنين عليه السلام: يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَي، يَا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ خَالِقٌ يُخْشَي، يَا مَنْ لَيْـسَ دُونَهُ إلَهٌ يُتَّقَي، يَا مَنْ لَيْـسَ لَهُ وَزِيرٌ يُرْشَـي، يَا مَنْ لَيْـسَ لَهُ نَدِيمٌ يُغْشَي، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجِبٌ يُنَادَي، يَا مَنْ لاَ يَزْدَادُ عَلَي كَثْرَةِ السُّؤَالِ إلاَّ كَرَماً وَجُوداً، يَا مَنْ لاَ يَزْدَادُ عَلَي عَظِيمِ الذَّنْبِ إلاَّ رَحْمَةً وَعَفْواً، وَأَسَأَ لُهُ مَا أَحْبَبْتُ فَإنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.[493] وليس هناك إمكان أبداً لمثل هذا الوصف إلاّ لمن يشاهد اللهَ سبحانه بالوجدان في جميع العوالم وَاحِداً أَحَداً فَرْداً صَمَداً «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ و كُفُوًا أَحَدٌ»، ليس في يد موجود غيره قدرة ولا اختيار ولا علم بقدر ذرّة خردل، ألا هو المَلِكُ الحَيُّ القَيُّومُ. وفي خاتمة دعاء أبي حمزة الثماليّ المرويّ عن الإمام عليّ بن الحسين سيّد الساجدين عليه السلام من جملة أدعية أسحار شهر رمضان المبارك نرغبُ إلي الله قائلين: اللَهُمَّ إنِّي أَسْأَ لُكَ إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي، وَيَقِيناً حَتَّي أَعْلَمَ أَ نَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي، وَرَضِّنِي مِنَ العَيْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي؛ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. [494] [467] ـ سعيد الدين سعيد الفرغانيّ المتوفّي سنة 700 هجريّة قمريّة من أعاظم تلامذة الشيخ صدر الدين القونويّ المتوفّي سنة 673 هجريّة قمريّة. [468] ـ الآية 4، من السورة 70: المعارج. [469] ـ «مشارق الدراريّ» ص 513 إلي 515، طبعة انتشارات لجنة الفلسفة والعرفان الاءسلاميّة، سنة 1398 ه.ق. [470] ـ الآية 23، من السورة 53: النجم. [471] ـ الآيتان 182 و 183، من السورة 7: الاعراف. [472] ـ الآية 181، من السورة 7: الاعراف. [473] ـ «السيرة الحلبيّة» ج 3، ص 169. [474] ـ كتاب «زهر الربيع» للسيّد نعمة الله الجزائريّ، ص 295، الطبعة الحجريّة. [475] ـ الآية 61، من السورة 37: الصافّات. [476] ـ كتاب «مثنوي» الدفتر الاوّل، ص 97، طبعة ميرزا محمود الحجريّة؛ وفي طبعة ميرخاني: ص 96. يقول:«أنت في الشجاعة أسد الله، ولكن مَن يعلم من تكون في فتوّتك؟». [477] ـ «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» ص 189 و 190، الغزل 416، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة 1318 ه.ق.يقول: «يا من كانت الشمس مرآة جمالك، ولم يعدُ العنبر الاسود أن يكون إلاّ مجمرةً لخالك! غسلتُ بالدمع فِناءَ عيني عبثاً، فقد جلّ خيالك أن تكون عيني محطّاً له! فيا ملك الحسن الغارق في التَّيه والنعمة، رعاك الله عن الزوال حتّي القيامة. لم يصوّر كاتب طغرا حاجبك الاسود أبدع من مثال طلعتك. وكيف حالك أيّها القلب المسكين مع طيّات زلفه؟ أجاب نسيم الصبا: مشوشاً كما هي». [478] ـ يقول: «تضوّع الوَرد فتعال نصطلح يا مَن أطلّ بطلعته الميمونة بشائرُ ربيعنا. أين غنج حاجبك الهلاليّ حتّي تصبح السماء خاضعة وعبداً لنا. وأين بشارة قدوم عيد وصالك لاهرع مرّة أُخري في استقباله مُهنِّئاً طالعي؟ هذه النقطة السوداء التي صارت مدار النور، ما هي إلاّ صورة من خالك انعكست في حديقة الرؤية. فأيّ الجفاءينِ سأشرح للملك: فاقتي أم بَرَمك؟ يا حافظ! ما أكثر رؤوس المتمرّدين التي وقعت في هذا الحبل، فلا تحاول الاماني المعوجّة فليس فيه مجالك». [479] ـ نقل هذه الابيات في «ريحانة الادب» في تراجم المعروفين بالكني واللقب، ج 2، ص 62، الطبعة الثالثة، مطبعة شفق، تبريز، عن الحسين بن منصور الحلاّج. [480] ـ «گلشن راز» بخطّ المرحوم عماد الاردبيليّ، ص 88 إلي 90. في الاءشارة إلي الصبي الراهب [481] ـ يقول: «إنّ الصنم المعبود والصبي الراهب (الاءنسان الكامل) نور ظاهر، له مظاهر في طلعة الاصنام (أي الكاملين في كلّ عصر). فقد أوثق القلوب جميعاً، فصار له المغنّي (غناء العشق) حيناً والساقي (شراب المحبّة) حيناً آخر. فأكرِمْ به مطرباً أشعل بنغمة رائعة واحدة النار في بيادر مائة زاهد». [482] ـ يقول: «وأكرِمْ به ساقياً أسكر بكأسٍ واحدة مائتي شيخ في السبعين من العمر. فهو يذهب إلي معبد السالكين ليلاً ثملاً، فيجعل أُمنيات الصوفيّة أساطير وخرافات. وإذا ما جاء سَحَراً إلي المسجد، فإنّه لا يدع فيه رجلاً صاحياً واحداً. يذهب إلي المدرسة ثملاً مستوراً يتخفّي، فيصبح الفقيه منه بائساً مخموراً. صار الزهّاد بائسين وعاجزين من عشقه، فهاموا علي وجوههم في طلبه واغتربوا عن البيت والمال. قد جعل أحدهم مؤمناً (بإقراره به) والآخر كافراً (بإنكاره له)، فملا العالم بذلك بالحماس والشرّ. لقد عُمّرت معابد العرفاء من شفاهه، وأنارت المساجد من طلعته». [483] ـ يقول: «وتيسّر به أمري أجمع، ورأيت فيه نجاتي من النفس الكافرة. لقد كان علي قلبي ألف حجاب من العلم، والعُجب والنخوة والتلبيس والتخيّل. فدخل بابي ذلك المعبود سَحَراً، فأيقظني من نومة الغافلين. وأضاء بطلعته فراغ روحي، وعرفتُ فيه من أكون أنا. وحين لاحت نظرة منّي إلي طلعته، تصاعدت من قلبي آه حرّي. قال لي: أيّها الماكر الخادع، لقد تصرّم عمرك في طلب الجاه والشهرة والشرف. فانظر إلي العلم والكبر، والزهد والخيال عمّن حجبتك أنت الجاهل الذي لم ينضج بعد؟ انظر إلي وجهي نصف ساعة، فإنّها تعدل آلافاً من سنين الطاعة». [484] ـ يقول: «وإجمالاً فإنّ الطلعة التي تزيّن العالم، أعادتني تماماً إلي نفسي تلك اللحظة. فاسودّ وجهي خجلاً من ضياع العمر ومن أيّام البطالة. وحين رآني ذلك البدر آيساً من روحي، حين نظرتُ طلعته المضيئة كالشمس. فقد أترع لي كأساً وناولنيها، فاشتعلت من مائها النارُ في كياني. وقال اغسل الآن رسومَ لوحة وجودك، بشرابٍ لا لون له ولا ريح. وحين شربتُ تلك الكأس حتّي الثمالة، سقطتُ مخموراً علي التراب. فصرتُ لا معدوماً في نفسي ولا موجوداً، لا صاحياً ولا ثملاً». [485] ـ يقول: «أمتلك ـ تارة ـ رأساً نشواناً كعينه، وأغدو ـ تارة ـ مضطرباً كخصلات زلفه. أكون ـ تارة ـ من خلقي وطبيعتي في المزبلة، وأكون ـ تارة ـ بطلعته في الروض». [486] ـ الدعاء العشرون، وهو دعاء مكارم الاخلاق، الفقرة 4. [487] ـ الدعاء الثالث والثلاثون، وهو دعاء الاستخارة، الفقرة 5 [488] ـ «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» الدعاء 47، الفقرة 108. [489] ـ «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» الدعاء 28، صدر الفقرة 10، عدّ السيّد عبد الله شبّر في كتاب «مصابيح الانوار في حلّ مشكلات الاخبار» ج 1، ص 191 إلي 194، طبعة مطبعة الزهراء، بغداد، الحديث رقم 27؛ هذه الفقرة من الاحاديث المشكلة فقال: وظاهر الحديث مناف لما اتّفق عليه أهل التوحيد من نفيالوحدة العدديّة عنه تعالي ودلّ عليه العقل والنقل، لان حقيقة الوحدة العدديّة ومعروضها إنّما هو هويّات عالم الاءمكان، فهي قصاري الممكن بالذات، وإنما الذي يطلق عليه تعالي هو الوحدة الحقيقيّة. وأما النقل فقول أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبة: الوَاحِدُ بِلاَ تَأْوِيلِ عَدَدٍ؛ وفي بعضها: وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ، قَائِمٌ لاَ بِعَمَدٍ. وما رواه الصدوق في «التوحيد» و«الخصال» و«معاني الاخبار» بإسناده عن شريح بن هاني قال: إنّ أعرابيّاً قام يوم الجمل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! أتقول إنّ الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابيّ! أما تري ما فيه أمير المؤمنين عليه السلام من تقسيم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه! فإنّ الذي يريده الاعرابيّ هو الذي نريده من القوم. ثمّ قال: يا أعرابيُّ! إنّ القول في أنّ الله واحد علي أربعة أقسام؛ فوجهان منها لا يجوزان علي الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه. فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الاعداد، فهذا ما لا يجوز لانّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد؛ أما تري أ نّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز لا نّه تشبيه؛ وجلّ ربُّنا وتعالي عن ذلك. وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الاشياء شبه، كذلك ربّنا عزّ وجلّ. وقول القائل إنّه أحديّ المعني يعني به أ نّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، وكذلك ربّنا عزّوجلّ. والمعني الاوّل الذي نفاه عليه السلام هو الوحدة العدديّة بمعني أن يكون له ثان من نوعه. والمعني الثاني أن يكون المراد صنفاً من نوع، فإنّ النوع يطلق في اللغة علي الصنف، وكذا الجنس علي النوع كما يقال لروميّ مثلاً: هذا واحد من الناس، أي صنف من أصنافهم. والمعنيان المثبتان الاوّل منهما إلي نفي الشريك والثاني إلي نفي التركيب. وعلي كلّ حال فقد ذكر علماؤنا وجوهاً في توجيه هذه الفقرة الشريفة؛ ثمّ يذكر المرحوم شبّر هنا وجوهاً ثمانية يصحّ بكلّ منها معني وحدانيّة العدد. وفي نظر الحقير فإنّ أحسن تلك الوجوه هو الوجه السابع الذي نقله عن الفاضل الشريف السيّد علي خان المدنيّ مع توضيح مفصّل من أنّ حاصل المعني: أَ نَّهُ لاَ كَثْرَةَ فِيكَ، أَيْ لاَ جُزْءَ لَكَ وَلاَ صِفَةَ لَكَ تَزِيدَانِ عَلَي ذَلِكَ. [490] ـ الدعاء 32، الفقرتان 1 و 7. [491] ـ «الصحيفة السجّاديّة» الدعاء 47، في يوم عرفة، صدر الفقرة 19. يقول المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ في تعليقته ص 170 إلي 173، في شرح الفقرة 19: وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكونَ مَوْجوداً، الدعاء السابع والاربعين من «الصحيفة السجّاديّة»، طبعة الاءسلاميّة، سنة 1378 ه. ق: «موجود» اسم مفعول من وجد يجد بمعني الاءدراك والاءحساس، وإطلاق «موجود» بهذا المعني علي الله تعالي غير جائز. أمّا في الاصطلاح بمعني الكائن؛ فإنّ الله سبحانه بهذا المعني موجود ومقابله معدوم. وتعدّ طوائف الاءسلام أسماء الله تعالي توقيفيّة، أي أ نّهم لا يطلقون كلّ اسم علي الله سبحانه بلا رخصة، حتّي لو كانت صفته ومبدؤه في الله سبحانه، كما في: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ لَهُمْ، حيث لا يمكن تسميته في هذه الحال بالمشتري إلا لبيان الفعل لا للتسمية، أي أ نّه لا يمكن أن يكون «المشتري» من أسماء الله. وكذلك في قوله ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ و´ أَمْ نَحْنُ الزَّ رِعُونَ، حيث سمّي الله تعالي نفسه زارعاً في مقام بيان الفعل، لكنّه لا يمكن في مقام التسمية أن يُدعي «زارعاً». وقد قام في هذا الدعاء المبارك بعد عدّة سطور بوصف الله تبارك وتعالي بقوله: حَكِيمٌ مَا أَعْرَفَكَ،لكنّه تعالي لا يمكن أن يُدعي «عارفاً». وذلك لانّ كلّ لفظ، له دلالة في مقام التسمية علي مقام الذات وتعيينها مستقلاّ مع النظر غير المستقلّ إلي الصفة؛ ولكنّه في مقام الوصف وبيان الافعال يدلّ علي الفعل والصفة بنظر مستقلّ، ويدلّ علي الذات بنظر غير مستقلّ. ولهذا فإنّ هناك فارقاً كبيراً بين التسمية والوصف. كما لو كان هناك وزير أو تاجر ما يغسل يده كثيراً، فيمكن أن نقول عنه: هُوَ يَغسِلُ يَدَهُ كَثِيراً، ولكنّنا لا يمكن أن نقول: هو غَسَّالٌ. وقد قال المرحوم الفيض عليه الرحمة بعد عبارة لَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً: لاِنَّ مَا يَقْبَلُ التَّمَثُّلَ يَقْبَلُ الاءيجَادَ، لكأ نّه أخذ التمثّل بمعني الامتلاك. والموجود بمعني المُوجَد اسم مفعول من باب الاءفعال، بمعني امتلك وجوداً وصار موجوداً. وحاصل المعني أ نّك لا نظير لك فضلاً عن أن تكون موجوداً. وقد أورد السيّد الشارح عليه الرحمة الوجود ـ كما ذكرنا بمعني الاءدراك، أمّا التمثّل فقد عدّه ـ شأنه شأن الفيض رحمه الله بمعني الامتلاك، وهو عجيب منه؛ وَالجَوَادُ قَدْ يَكْبُو! والمُمَثَّل بمعني القائم، والتمثال من هذه المادّة؛ يقول ابن الاثير في «النهاية»: في الحديث: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ مُمَثِّلاً، يروي بكسر الثاء وفتحها؛ أي منتصباً قائماً. وفيه: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً مُمَثِّلٌ، أَيْ: مُصَوِّرٌ. وَيُقَالُ: مَثَّلْتُ ـ بالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ إذَا صَوَّرْتَ مِثَالاً. وَالتِّمْثَالُ: الاِسْمُ مِنْهُ. كما أ نّنا لم نجد في حواشي الداماد عليه الرحمة شيئاً في تفسير هذه الكلمة. [492] ـ «الصحيفة السجّاديّة» الدعاء 47، في يوم عرفة، الفقرة 19. [493] ـ «الصحيفة الثانية العلويّة» للمحدِّث النوريّ، ص 115 إلي 117، الطبعة الحجريّة؛ يقول: هذا دعـاءٌ دعا به أميـر المؤمنين عليه السـلام ليلة المبيت حين بات علي فراش رسول الله صلّي الله عليه وآله، أرويه عن مجموعة منقولة بأجمعها بخطّ شمس الفقهاء شيخنا الشهيد الاوّل نقلاً عن كتاب «الاسـتدراك» لبعض أصـحابنا القدماء، عن جعفر بن قُوْلَوَيْه. الحدّاد: إنّ طلب معرفة التوحيد يمثّل حقيقة مضمون كثير من الادعية (ت)يقول الشهيد رحمه الله: رويت بإسناد مؤلّف كتاب «الاستدراك» عن الاعمش أنّ المنصور حيث طلبه، فتطهّر وتكفّن وتحنّط. قال له: حدِّثني بحديثٍ سمعته أنا وأنت من جعفر بن محمّدٍ في بني حمان. قال: قلت له: أيّ الاحاديث؟ قال: حديث أركان جهنّم. قال: قلت: أوَ تعفيني؟ قال: ليس إلي ذلك سبيل! قال: قلت: حدّثنا جعفر بن محمّدٍ عن آبائه عليهم السـلام أنّ رسـول الله صـلّي الله عليه وآله قال: لِجَهَنَّـمَ سَـبْعَةُ أَبْـوَابٍ، وَهِيَ الاَرْكَانُ، لِسَبْعَةِ فَرَاعِنَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الاَعْمَشُ: نَمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ: فِرْعَوْنَ الخَلِيلَ، وَمُصْعَبَ بْنَ الوَلِيدِ: فِرْعَونَ مُوسَي، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَ«أ» ـ «ب» *، وَالسَّادِسَ: يَزِيدَ قَاتِلَ وَلَدِي؛ ثُمَّ سَكَتَ. فَقَالَ لِي، الفِرْعَوْنُ السَّابِعُ؟! قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ يَلِي الخِلاَفَةَ، يُلَقَّبُ بِالدَّوَانِيقِي اسْـمُهُ المَنْصُـورُ. قَالَ: فَقَالَ لِي: صَـدَقْتَ هَكَذَا حَدَّثَنَـا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَإذَا عَلَي رَأْسِهِ غُلاَمٌ أَمْرَدُ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْهُ. فَقَالَ: إنْ كُنْتُ أَحَدَ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَلِمَ أَسْتَبْقِ هَذَا؟ وَكَانَ الغُلاَمُ عَلَوِيَّاً حُسَيْنِيَّاً. فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: سَأَلْتُكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِحَقِّ آبَائِي إلاَّ عَفَوْتَ عَنِّي! فَأَبَي ذَلِكَ، وَأَمَرَ المَرْزُبَانَ بِهِ؛ فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ، حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِكَلاَمٍ لَمْ أَعْلَمْهُ، فَإذَا هُوَ كَأَ نَّهُ طَيْرٌ قَدْ طَارَ مِنْهُ. قَالَ الاَعْمَشُ: فَمَّرَ عَلَيَّ بَعْدَ أَيَّامٍ فَقُلْتُ: أَقْسَمْتُ عَلَیكَ بِحَقِّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ لَمَّا عَلَّمْتَنِي الكَلاَمَ. فَقَالَ: ذَاكَ دُعَاءُ المِحْنَةِ، لَنَا أَهْلَ البَيْتِ، وَهُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ لَمَّا نَامَ عَلَي فِرَاشِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ. وَهُوَ هَذَا الدُّعَاءُ: يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَي إلي آخر الدعاء. وقد نقل الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 415 إلي 417، الطبعة الحجريّة، دعاءً لاسـحار شـهر رمضـان المبارك باسـم دعاء إدريـس عليه السـلام، وفي آخره الفقرات التالية: وَيَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَي، وَيَا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ خَالِقٌ يُخْشَي، وَيَا مَنْ لَيْسَ دُونَهُ إلَهٌ يُتَّقَي، وَيَا مَنْ لَيْـسَ لَهُ وَزِيـرٌ يُؤْتَي، وَيَا مَنْ لَيْـسَ لَهُ حَاجِبٌ يُرْشَـي، وَيَا مَنْ لَيْـسَ لَهُ بَوَّابٌ يُنَادَي، وَيَا مَنْ لاَ يَزْدَادُ عَلَي كَثْرَةِ العَطَاءِ إلاَّ كَرَماً وَجُوداً، وَلاَ عَلَي تَتَابُعِ الذَّنُوبِ إلاَّ مَغْفِرَةً وَعَفْواً؛ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَافْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، إنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَي وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ. * ـ نقل العلاّمة المجلسيّ رحمة الله عليه هذه الرواية في «بحار الانوار» ج 47، ص 309، الحديث 29، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة، عن كتاب «الاستدراك»، وأورد هناك: «الاوّل» و«الثاني» بدلاً من «أ» و«ب». [494] ـ «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسيّ، ص 401 إلي 413، الطبعة الحجريّة، وهذه الفقرة في خاتمة الدعاء؛ وأورده المجلسيّ في «زاد المعاد»، الطبعة الحجريّة، بخطّ أحمد التبريزيّ، ص 47 إلي 53. وقال عنه: روي الشيخ الطوسيّ والآخرون هذا الدعاء؛ وروي هذا الدعاء أيضاً المحدِّث القمّيّ في «مفاتيح الجنان» طبعة انتشارات الاءسلاميّة، بخطّ طاهر خوشنويس عام 1379 ه. ق، ص 186 إلي 198، عن مصباح الشيخ. |
|
|