بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الثامن عشر: الفساد و الخلل فی عمل اولیاء الله یعقب الخسران، انفاق السید هاشم ،جريان السید الحسنی ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

جواب‌ سماحة‌ الحدّاد عن‌ الدعايات‌ غير الصحيحة‌

 ولقد عطّلت‌ مجالس‌ ليالي‌ الجمعة‌ تلك‌، فكان‌ السيّد يعمد إلي‌ التشرّف‌ بالذهاب‌ إلي‌ الحرم‌ المطهَّر فيتأخّر إلي‌ منتصف‌ الليل‌ تقريباً، ثمّ يعود إلي‌ البيت‌ بعد انقضاء وقت‌ ورود الواردين‌، من‌ أجل‌ أن‌ لا يأتي‌ أحد فيشغل‌ وقته‌.

 وكان‌ يقول‌: ليس‌ لدي‌ّ الرغبة‌ في‌ لقاء أحد ولا الحال‌ الملائمة‌ لذلك‌؛ إنّهم‌ يتخيّلون‌ أ نّني‌ فتحت‌ دكّاناً لاجمع‌ الناس‌ حولي‌، فليسعدوا الآن‌ ولتكن‌ هذه‌ المجالس‌ لهم‌.

 وكان‌ يقول‌: إنّ ذكرنا الدائم‌ هو عن‌ التوحيد، فوحدة‌ الوجود أمر عال‌ وراق‌ لا يمتلك‌ أحد القدرة‌ علي‌ إدراكه‌.أي‌ أنّ الوجود المستقلّ وبالذات‌ هو واحد في‌ العالم‌، أمّا باقي‌ الوجودات‌ فهي‌ ظلّيّة‌ وتبعيّة‌ ومجازيّة‌ ومتعلّقة‌ به‌.

 لم‌ أقل‌ قطّ: إنّ هذا الكلب‌ هو الله‌؛ بل‌ قلتُ: ليس‌ من‌ شي‌ء سوي‌ الله‌.إنّ مقولة‌ « هذا الكلب‌ هو الله‌ » تعني‌ أنّ هذا الوجود المقيّد المتعيّن‌ بهذا التعيّن‌ والحدود هو الله‌! نعوذ بالله‌ من‌ هذا الكلام‌.أمّا قول‌ « ليس‌ من‌ شي‌ء سوي‌ الله‌ » فمعناه‌ أنّ الوجود بالاصالة‌، وحقيقة‌ الوجود في‌ جميع‌ العوالم‌، والذات‌ المستقلّة‌ والقائمة‌ بالذات‌ هو وجوده‌ تبارك‌ وتعالي‌، وأنّ باقي‌ الموجودات‌ لا وجود لها وليست‌ إلاّ تمثيلاً للوجود، وأنّ وجودها ربطي‌ّ وتعلّقي‌ّ وظلّي‌ّ كظلّ الشاخص‌ نسـبة‌ إلي‌ نور الشـمـس‌، فهو يتحـرّك‌ تبعاً للشاخص‌.

 وتمثّل‌ هذه‌ المقولة‌ عين‌ الحقيقة‌، كما أنّ وجود الائمّة‌ ليس‌ وجوداً استقلاليّاً، فهم‌ أيضاً آيات‌ من‌ الآيات‌ الإلهيّة‌، كلّ ما في‌ الامر أ نّهم‌ الآيات‌ الكبري‌ لتلك‌ الذات‌ القدسيّة‌؛ فإذا اعتبرناهم‌ منشأ الاثر فقد سقطنا في‌ أُحبولة‌ التفويض‌.

 أمّا في‌ قضيّة‌ الولاية‌، فنحن‌ الذين‌ نعرف‌ الولاية‌، لا هؤلاء القطيع‌ من‌ الاغنام‌ الذين‌ يجرونها علي‌ ألسنتهم‌.ونحن‌ الذين‌ نقوم‌ بالعزاء الحقيقي‌ّ، ونحن‌ الذين‌ نؤدّي‌ الزيارة‌ الحقيقيّة‌.كما أنّ معرفة‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ وجداناً وشهوداً وعقلاً وعلماً مختصّة‌ بنا، لا بأُولئك‌ الذين‌ يعتبرون‌ الولاية‌ أمراً منفصلاً.الولاية‌ عين‌ التوحيد، والتوحيد عين‌ الولاية‌.

 إنّ دموعنا علي‌ أبي‌ عبد الله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ تجري‌ من‌ أعماق‌ قلوبنا وسويدائها، فنحن‌ نريد إفراغ‌ قوالبنا بتلك‌ الدموع‌، لانّ تلك‌ الدموع‌ تنساب‌ خارجاً ممزوجة‌ بنفوسنا وأرواحنا؛ لا هذه‌ الدموع‌ التي‌ تنبع‌ من‌ تخيّلاتهم‌ وتصوّراتهم‌، فهؤلاء هم‌ الذين‌ يقتلون‌ سيّد الشهداء ثمّ يجلسون‌ فيقيمون‌ عليه‌ العزاء ويلطمون‌ في‌ مأتمه‌ الصدور.

 متي‌ ذهبتُ إلي‌ زيارة‌ قبر أبي‌ حنيفة‌؟! لعن‌ الله‌ أبا حنيفة‌ فقد كان‌ منحرفاً عن‌ الولاية‌.لقد ذهبتُ يوماً مع‌ الرفقاء من‌ أهل‌ الكاظميّة‌ بعد زيارة‌ النوّاب‌ الاربعة‌ في‌ بغداد، لزيارة‌ قبر معروف‌ الكرخي‌ّ، ولم‌ أذهب‌ إلي‌ قبر الجنيد علي‌ الرغم‌ من‌ أ نّه‌ من‌ أعاظم‌ هذه‌ الطائفة‌، وهو القائل‌:

 « إنّ شيخنا في‌ الاُصول‌ والفروع‌ وتحمّل‌ البلوي‌ علي‌ّ المرتضي‌ » وكان‌ ابن‌ أُخت‌ سري‌ السقطي‌ّ وهو من‌ الشيعة‌ علي‌ وجه‌ التحقيق‌ ومن‌ أعاظم‌ أهل‌ التشيّع‌ والولاية‌ ومن‌ مشايخ‌ هذا النهج‌.

 أمّا معروف‌ الكرخي‌ّ فهو ـ بلا شكّ ولا ريب‌ من‌ أعاظم‌ الشيعة‌ وكانت‌ له‌ ولاية‌ رفيعة‌.فمن‌ ـ تري‌ يشكّ في‌ معروف‌ الكرخي‌ّ؟! إنّ جميع‌ العلماء قد ذكروه‌ بالعظمة‌ والجلال‌ وعدّوه‌ من‌ الشيعة‌ المخلصين‌ ممّن‌ تربّوا علي‌ يد الإمام‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ [435]؛ ثمّ جاء هؤلاء المساكين‌ وحرّفوا زيارة‌ قبر معروف‌ الكرخي‌ّ بزيارة‌ قبر أبي‌ حنيفة‌.

 أمّا محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ فإنّ الكثير من‌ وجهاء الشيعة‌ يذكرون‌ اسمه‌ ويؤيّدون‌ عباراته‌ في‌ نهج‌ العرفان‌ والسلوك‌، فلا اختصاص‌ في‌ هذا الامر بي‌.

 الرجوع الي الفهرس

مدح‌ المولوي‌ّ في‌ «المثنوي‌ّ» لامير المؤمنين‌

 وأمّا الملاّ الرومي‌ّ فقد كان‌ شيعيّاً خالصاً ومحضاً.ولماذا نبتعد كثيراً، فها هو « المثنوي‌ّ » في‌ أيدينا، فتأمّلوا الدرجة‌ التي‌ امتدح‌ بها أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وذمّ أعداءه‌؛ كما أ نه‌ يذمّ غاصبي‌ الخلافة‌ تلويحاً وكناية‌ ويذمّهم‌ صراحة‌ في‌ بعض‌ المواضع‌، لكنّه‌ يُدينهم‌ ويهاجمهم‌ بعنوان‌ كلّي‌ّ لا بخصوص‌ اللفظ‌ والعبارة‌.

 أمّا المواضع‌ التي‌ ذكرهم‌ فيها فقد أورد قبلها وبعدها مطالبَ مفصّلة‌ في‌ سيّئات‌ الاخلاق‌ وفساد العقيدة‌ وسوء الادب‌ وأمثالها، بحيث‌ يمكن‌ ـ بالتأمّل‌ والدقّة‌ إدراك‌ أنّ المراد بذلك‌ غاصبو الخلافة‌ أنفسهم‌.[436]

 علي‌ أنّ قراءة‌ كتاب‌ « المثنوي‌ّ » لا تنفي‌ ما عداه‌، فإنّ لدينا في‌ البيت‌ كلّ هذه‌ الكتب‌ في‌ الاخلاق‌ وروايات‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ نقوم‌ بقراءتها، كما أنّ قراءة‌ القرآن‌ ودعاء الجوشن‌ وأدعية‌ المناجاة‌ الإلهيّة‌ كدعاء عرفة‌ والمناجاة‌ الخمسة‌ عشر لا تنفي‌ الولاية‌ ولا تجعل‌ الإنسان‌ سنّيّاً.

 الرجوع الي الفهرس

البكاء للّه‌ لا يسدّ طريق‌ البكاء علي‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌

 أمّا البكاء للّه‌ أو من‌ شدّة‌ الشوق‌ أو خوف‌ الفراق‌ والهجران‌ فهو من‌ أشدّ الطاعات‌ والمثوبات‌.إنّ البكاء للّه‌ لا يسدّ طريق‌ البكاء علي‌ الائمّة‌، فماذا يضير الإنسان‌ لو بكي‌ للّه‌ وبكي‌ للائمّة‌ أيضاً؟!

 أمّا جعل‌ البكاء منحصراً للائمّة‌، والغفلة‌ عن‌ الله‌ وهجرانه‌، وجمود العين‌ عن‌ ذرف‌ الدموع‌ للّه‌ فليس‌ أمراً مستحسناً.

 كان‌ السيّد يقول‌: لقد عشنا كلّ هذه‌ السنين‌ وهرمنا ولم‌ نسمع‌ بمقولة‌ « ولايتي‌ّ » و « توحيدي‌ّ »، فلم‌ نتصوّر الولاية‌ في‌ مقابل‌ التوحيد.لكنّ هؤلاء جاؤوا فصنعوا فرقتين‌: توحيديّة‌ وولايتيّة‌، تماماً كما جري‌ قبل‌ قرنين‌ من‌ الزمن‌ في‌ كربلاء حين‌ ابتدعوا جماعة‌ الـ « پشت‌ سريّة‌ » مقابل‌ الـ « بالا سريّة‌ »، فقام‌ الشيخيّة‌ وهم‌ أتباع‌ الاحسائي‌ّ بالاعتزال‌ عن‌ المؤمنين‌ وصاروا فرقة‌ خاصّة‌ منعزلة‌.

 لقد قام‌ هؤلاء بفصل‌ الولاية‌ عن‌ التوحيد، وتكتّلوا مقابل‌ صفّ المؤمنين‌، وإنّه‌ لخطرٌ عظيم‌ أن‌ يعدّ الإنسان‌ الولاية‌ أمراً منفصلاً عن‌ التوحيد.

 علي‌ أنّ هناك‌ في‌ كربلاء اليوم‌ جماعة‌ من‌ بقايا الشيخيّة‌، كما أنّ هناك‌ عدّة‌ في‌ مشهد المقدّسة‌ علي‌ مذهب‌ الشيخيّة‌ يدافعون‌ عن‌ مرام‌ الشيخيّة‌ وعقيدتهم‌ دون‌ إظهار الانتماء إليهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الفساد والخلل‌ في‌ عمل‌ أولياء الله‌ يعقب‌ الخسران‌ في‌ الدنيا والآخرة‌

 وكان‌ من‌ بين‌ محبّي‌ السيّد الحدّاد وتلامذته‌ الحاجّ حبيب‌ السماوي‌ّ، وهو رجل‌ واعٍ ذو معرفة‌ بالتوحيد ويمتلك‌ حالات‌ حسنة‌ ومكاشفات‌ عالية‌، وكان‌ رجلاً وقوراً مدركاً وكهلاً خبر الاُمور وتبصّر بها، فقال‌ حين‌ جاء من‌ السماوة‌ إلي‌ كربلاء للزيارة‌ واطّلع‌ علي‌ الاُمور: ما أعجب‌ شعوذة‌ الشيطان‌ ومهارته‌ في‌ فنّه‌ وعمله‌! إنّ هذه‌ جميعاً من‌ دسائسه‌ التي‌ يريد بها إغلاق‌ سبيل‌ الله‌ في‌ وجوه‌ المريدين‌.وهكذا فلم‌ يدّخر الحاجّ السماوي‌ّ وسعاً في‌ هداية‌ الرفقاء وكشف‌ الحقائق‌ لهم‌.كما قام‌ بعض‌ الرفقاء الآخرين‌ من‌ ذوي‌ الحالات‌ الروحيّة‌ الحسنة‌ ومن‌ ذوي‌ السوابق‌ في‌ المكاشفات‌ الإلهيّة‌ بالتباحث‌ مفصّلاً مع‌ هذين‌ الشخصين‌ وأقنعوهما باشتباههما، ففهما أ نّهما ضلاّ السبيل‌ وأنّ إدانة‌ السيّد بمثل‌ هذه‌ العجلة‌ والحماس‌ والعنفوان‌ لم‌ يكن‌ عملاً صائباً.وقد أُثبت‌ لهما بالشواهد والقرائن‌ الكثيرة‌ أنّ النفس‌ الامّارة‌ وتسويلات‌ الشيطان‌ كانت‌ قد فعلت‌ فيهما فعلها وجرّتهما إلي‌ كلّ هذا.

 ولهذا فقد أظهر هذان‌ الشخصان‌ توبتهما مع‌ كمال‌ تأسّفهما علي‌ ما حدث‌، وأرادا التشرّف‌ بالمثول‌ عند السيّد والاستفادة‌ من‌ محضره‌ كالسابق‌ فسمح‌ السيّد لاحدهما بذلك‌ ومنع‌ الآخر الذي‌ نفر منه‌ بشدّة‌، فكان‌ لا يذكره‌ بخير إلي‌ آخر عمره‌.

 أمّا ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ قبله‌ السيّد فقد صار يشترك‌ في‌ مجالسه‌ قليلاً أو كثيراً، ولكن‌ ما الفائدة‌؟ فلقد كان‌ أشبه‌ بإناء خزفي‌ّ مكسور جري‌ إصلاحه‌ وضمّه‌ إلي‌ بعضه‌، فلا رنين‌ له‌ بعد.وكان‌ يذهب‌ أحياناً إلي‌ الحاجّ محمّد علي‌ خلف‌ زاده‌ في‌ النجف‌ فلا يفسح‌ له‌ الاخير مجالاً في‌ بيته‌، حتّي‌ أ نّه‌ قال‌ يوماً: إنّ فلاناً يتردّد علي‌ باب‌ منزلي‌ كثيراً فيسبّب‌ لي‌ الإزعاج‌، ولقد وضعت‌ في‌ المنزل‌ مسحاة‌ لانهال‌ بها علي‌ رأسه‌ لو جاء مرّة‌ أُخري‌؛ وَمَا فَعَلْتُهُ و عَنْ أَمْرِي‌.[437]

 ولقد صار الرفقاء المخلصون‌ للسيّد الحدّاد يعاملون‌ هذين‌ الشخصين‌ كما عاملهما السيّد، أي‌ أ نّهم‌ قطعوا علاقتهم‌ بأحدهما ولم‌ يفسحوا له‌ مجالاً في‌ مجالسهم‌، ونهجوا مع‌ الآخر سبيل‌ المداراة‌.

 وكان‌ سماحة‌ السيّد يقول‌: لقد كانت‌ توبة‌ ذلك‌ الشخص‌ صوريّة‌، ومن‌ أجل‌ اجتذاب‌ الرفقاء والحصول‌ علي‌ المتع‌ الدنيويّة‌، لذا فقد كانت‌ بلا نتيجة‌.

 أمّا توبة‌ هذا فعلي‌ الرغم‌ من‌ أنّ لها صبغة‌ حقيقيّة‌، إلاّ أ نّها كانت‌ ستصبح‌ تامّة‌ لو عاد إلي‌ البسطاء الذين‌ سبق‌ أن‌ كدّر صفاء قلوبهم‌ البسيطة‌ الصافية‌ وأصابها بالصدأ، فقام‌ بتجليتها وصقلها من‌ جديد، ولو سعي‌ لإخراجهم‌ من‌ الشكّ والشبهة‌.لكنّه‌ لم‌ يفعل‌ ذلك‌ لا نّه‌ ليس‌ بالامر الهيّن‌، وعليه‌ فستلازمه‌ تبعة‌ هذا الانحراف‌ والخطأ إلي‌ آخر عمره‌، أشبه‌ بغلام‌ قتل‌ ابن‌ مولاه‌ ثمّ اعترف‌ بخطيئته‌ فعفي‌ عنه‌ مولاه‌ وأبقاه‌ في‌ بيته‌، بَيدَ أنّ صورة‌ قتل‌ ولده‌ ستبقي‌ مجسّمة‌ باستمرار أمام‌ ناظريه‌ مع‌ أ نّه‌ عفي‌ عنه‌ بكرمه‌ وسامحه‌ بروحه‌ الكبيرة‌.

 وكان‌ يقول‌: إنّ توبة‌ أُولئك‌ ستكون‌ توبةً نصوحاً حين‌ يكون‌ لديهم‌ الاستعداد ليُعاد صهرهم‌ وقولبتهم‌ من‌ جديد كما يُفعل‌ بالإناء الخزفي‌ّ المكسور، وعند ذاك‌ لن‌ يتبقّي‌ أثر من‌ الجرم‌ والخيانة‌ في‌ نفوسهم‌، وسيتقبّل‌ المولي‌ آنذاك‌ غلامه‌ الآبق‌ القاتل‌ لولده‌ كما لو كان‌ ولده‌ وفلذّة‌ كبده‌.

 الرجوع الي الفهرس

 إنفاق‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد كان‌ بلا حدود

وحصل‌ خلال‌ هذا السفر أن‌ عاد يوماً من‌ حجّ بيت‌ الله‌ الحرام‌ أحد الحجّاج‌ من‌ المنسوبين‌ إلينا بالسبب‌ وورد علي‌ السيّد، وكانت‌ مكواته‌ الكهربائيّة‌ قد تعطّلت‌ عن‌ العمل‌ فأرسلها للتصليح‌، فجاء بها هذا الحاجّ إلي‌ المنزل‌ وقال‌ في‌ حضور السيّد: أعطيت‌ المكواة‌ لإصلاحها، فقال‌ المُصَلِّح‌: إنّ فيها خللاً يكلّف‌ إصلاحه‌ ثلاثة‌ أرباع‌ الدينار، فتعال‌ عصراً لاخذها.فذهبتُ إليه‌ عصراً وهو يظنّ أ نّي‌ سأدفع‌ له‌ ثلاثة‌ أرباع‌ الدينار، فقلتُ له‌: لقد خنتَ في‌ المعاملة‌، فالجزء الفلاني‌ لم‌ يُعَطّل‌ في‌ المكواة‌ كما زعمتَ، بل‌ كان‌ السلك‌ الفلاني‌ مقطوعاً وأُجرة‌ إصلاحه‌ عشرة‌ فلوس‌! ثمّ فتحت‌ المكواة‌ وأريته‌ النقطة‌ التي‌ قام‌ بتلحيمها.فخجل‌ الرجل‌ من‌ اطّلاعي‌ علي‌ الامر، ثمّ أعطيته‌ عشرة‌ فلوس‌ وأخذت‌ المكواة‌.وكان‌ هذا الشخص‌ يقصّ الامر وكأ نّه‌ دليلاً علي‌ فطنته‌ وذكائه‌، فلم‌ يعقّب‌ السيّد علي‌ كلامه‌ شيئاً، ثمّ قال‌ لنا: لو كنتُ مكانه‌ لدفعت‌ ثلاثة‌ أرباع‌ الدينار ولم‌ أتظاهر أمامه‌ بشي‌ء.

 وقد نقل‌ نظير هذه‌ السماحة‌ والكرم‌ الاخلاقي‌ّ عن‌ الآخوند الملاّ حسين‌ قلي‌ الهمداني‌ّ، فقد نقل‌ حفيده‌[438] للحقير في‌ النجف‌ الاشرف‌ أنّ المرحوم‌ الآخوند كان‌ يسافر مع‌ أصحابه‌ إلي‌ كربلاء للزيارة‌ مشياً علي‌ الاقدام‌، فخرج‌ عليهم‌ أعراب‌ البادية‌ في‌ الطريق‌ وقاموا بسلبهم‌ ونهب‌ كلّ ما يملكون‌.وعندما عرفوه‌ عادوا وقدّموا إليه‌ ما سلبوه‌ واعتذروا منه‌، فقام‌ المرحوم‌ باسترجاع‌ كتب‌ الوقف‌ التي‌ نهبوها منه‌ ولم‌ يسترجع‌ بقيّة‌ الكتب‌ والاموال‌، وقال‌: لقد جعلتهم‌ في‌ حلّ منّي‌ بمجرّد وقوع‌ السرقة‌، فلستُ أرضي‌ أن‌ يحرق‌ الله‌ لاجلي‌ أحداً بنار جهنّم‌.

 وهناك‌ الكثير من‌ الروايات‌ في‌ أمثال‌ هذا العفو والمسامحة‌ عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وعن‌ سائر الائمّة‌، الذين‌ يمثّلون‌ ـ بطبيعة‌ الحال‌ النموذج‌ المحتذي‌ والاُسوة‌ الحسنة‌ لجميع‌ الاُمّة‌.[439]

 الرجوع الي الفهرس

كرم‌ المرحوم‌ الحدادّ وَجوده‌ وإنفاقه‌ كان‌ بغير حدود

 وكان‌ من‌ دأب‌ المرحوم‌ الحدّاد حين‌ يصل‌ إلي‌ فقير ومحتاج‌ أن‌ يضع‌ يده‌ في‌ جيبه‌ فيعطيه‌ بلا عدّ أو حساب‌، وكان‌ يُعطي‌ أحياناً كلّ ما يملك‌.ولم‌ نشاهده‌ طوال‌ مدّة‌ عمره‌ وهو يعدّ نقوداً.

 وقد حدث‌ يوماً في‌كربلاء، أن‌ ذهب‌ إلي‌ منزل‌ والد العروس‌ المراد خطبتها إلي‌ ولده‌ السيّد برهان‌ الدين‌ لطلب‌ يدها، فصحبه‌ إلي‌ ذلك‌ المجلس‌ جمع‌ من‌ الرفقاء من‌ بينهم‌ الحاجّ عبد الجليل‌ والحاجّ آقا معين‌ والحاجّ أبو موسي‌.فجلس‌ السيّد في‌ الزاوية‌ غارقاً في‌ خواطره‌، وأحسّ فجأة‌ أ نّهم‌ يتبادلون‌ بينهم‌ كلمات‌ ما، فسأل‌: ماذا تقولون‌؟

 قالوا: نتحدّث‌ عن‌ المهر فنحن‌ نقول‌ إنّه‌ سبعون‌ ديناراً وعائلة‌ العروس‌ يقولون‌: ثمانون‌ ديناراً.

 فقال‌: اجعلوه‌ مائة‌ وخمسين‌ ديناراً!

 فصمت‌ الجميع‌ إذ سمعوا منه‌ هذا الكلام‌، وعيّنوا المهر مائة‌ وخمسين‌ ديناراً.

 وقد مرّ سابقاً أ نّه‌ لم‌ يكن‌ يعيّن‌ لمعاونه‌ في‌ الدكّان‌ راتباً معيّناً، بل‌ كان‌ معاونه‌ يأخذ من‌ واردات‌ الدكّان‌ ما يحتاجه‌، فكان‌ يتبقّي‌ للسيّد أحياناً مائة‌ فلس‌ أو مائة‌ وخمسون‌ فلساً أو لا يتبقّي‌ شي‌ء له‌ أبداً، فيعود بهذا المبلغ‌ البسيط‌ إلي‌ المنزل‌ الغاصّ بعائلته‌ الكبيرة‌.

 ولقد ذكرنا سابقاً أنّ عمله‌ كان‌ الحدادة‌ وصناعة‌ النعل‌، فكان‌ يبيع‌ ما لديه‌ إلي‌ المشتري‌ بقيمة‌ أقلّ من‌ جميع‌ الحدّادين‌ الآخرين‌، وكان‌ يوفي‌ الكيل‌ عند الوزن‌، ثمّ يضيف‌ قدراً من‌ النعال‌ الحديديّة‌ إلي‌ ما سبق‌ أن‌ وزنه‌.ولم‌ يكن‌ ليستثني‌ أحداً من‌ بيعه‌ نسيئةً، فكان‌ يبيع‌ بالنسيئة‌ كلّ من‌ شاء، لذلك‌ صارت‌ طريقته‌ هذه‌ في‌ الكسب‌ سبيلاً لارتزاق‌ البعض‌.فكان‌ بعضهم‌ يجي‌ء أحياناً فيشتري‌ منه‌ بالنسيئة‌ بضاعة‌ بهذه‌ الكيفيّة‌، ثمّ يُعيده‌ كلّه‌ أو بعضه‌ بعد مدّة‌ ويقول‌ للسيّد: استرجع‌ هذه‌ البضاعة‌ بقيمة‌ السوق‌ ـ لا بالقيمة‌ التي‌ بعتَ لنا بها وكان‌ السيّد يوافق‌ علي‌ ذلك‌.وكان‌ يُشاهد كثيراً أ نّه‌ لم‌ يكن‌ ليحصل‌ علي‌ شي‌ء مقابل‌ بيعه‌، فقد كان‌ اختلاف‌ قيمة‌ السـوق‌ والقيمة‌ التـي‌ بـاع‌ بها سـبباً لربـح‌ المشـتري‌ في‌ جمـع‌ العـوض‌ والمعوّض‌.

 والعجيب‌ في‌ الامر أنّ السيّد كان‌ له‌ اطّلاع‌ كامل‌ علي‌ نيّة‌ المشتري‌ وأُسلوب‌ عمله‌، لكنّه‌ لم‌ يكن‌ ليرفض‌ له‌ طلباً.ولم‌ يكن‌ المرحوم‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ رجلاً بسيطاً وساذجاً، بل‌ كان‌ ذكيّاً وفطناً فهماً سريع‌ الانتقال‌، لكنّ معاملته‌ مع‌ الجميع‌ ـ المحتاجين‌ منهم‌ وغير المحتاجين‌ كانت‌ علي‌ هذه‌ الصورة‌.

 وكان‌ السيّد يهب‌ كلّ ما لديه‌ لرفقائه‌، من‌ السجّادة‌ والمسبحة‌ والخاتم‌ والثوب‌.وكان‌ يشتري‌ من‌ الخواتم‌ القبضة‌ بعد القبضة‌ فيهديها، وكان‌ غالباً ما يذهب‌ إلي‌ باعة‌ الخواتم‌ الفقراء الذين‌ يجلسون‌ إلي‌ جانب‌ الصحن‌ في‌ كربلاء والكاظميّة‌ فيشتري‌ منهم‌، فكان‌ هؤلاء يعرفونه‌ جيّداً وينادونه‌ حالما يرونه‌ يعبر من‌ الصحن‌: أيّها السيّد هاشم‌! تعال‌ فقد جئنا بخواتم‌ للبيع‌.

 وحصل‌ يوماً أن‌ احتاج‌ الحقير إلي‌ مقصّ لقصّ الاظافر، وكان‌ هناك‌ مقصّ في‌ الغرفة‌ الواقعة‌ في‌ المنزل‌ الآخر الذي‌ يقيم‌ فيه‌ السيّد، فأخرج‌ علي‌ الفور ربع‌ دينار من‌ جيبه‌ وأعطاه‌ للحاجّ محمّد علي‌ ليشتري‌ مقصّاً علي‌ الفور.وكنتُ أعلم‌ أ نّه‌ لم‌ يكن‌ يمتلك‌ آنذاك‌ غير ربع‌ الدينار هذا.

 أي‌ أنّ ابتياع‌ مقصّ جديد بهذه‌ الكيفيّة‌ كان‌ أسهل‌ لديه‌ من‌ إرساله‌ أحداً إلي‌ المنزل‌ الآخر لجلب‌ مقصّ منه‌، مع‌ أنّ الفاصلة‌ بين‌ المنزلين‌ لم‌ تكن‌ تزيد عن‌ عدّة‌ أقدام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الحالات‌ التوحيديّة‌ الجيّدة‌ للحاجّ السيّد هاشم‌ وبعض‌ كراماته‌

 ولقد كان‌ السيّد قادراً ـ بامتلاكه‌ ثروات‌ معنويّة‌ إلهيّة‌ وبتحقّقه‌ بالولاية‌ علي‌ فعل‌ كلّ شي‌ء، حتّي‌ اجتراح‌ الكرامات‌ العجيبة‌ والغريبة‌، لكنّه‌ لم‌ يشاهد عنه‌ طيلة‌ عمره‌ أ نّه‌ كان‌ يرتزق‌ عن‌ هذا الطريق‌ أو يسدّ احتياجاته‌ عن‌ سبيله‌.

 وكان‌ يقول‌: إنّ الله‌ تعالي‌ يحبّ أن‌ يكون‌ عبده‌ مسلماً خاضعاً، وأن‌ يختار هو لعبده‌ لا أن‌ يختار العبد لنفسه‌ شيئاً.فاختيار العبد ليس‌ مستحسناً، ومهما استجيب‌ له‌ ويُستجاب‌، فإنّ ذلك‌ أمر مغاير لنهج‌ المحبّة‌ والعبوديّة‌، لانّ الله‌ سبحانه‌ يحبّ أن‌ يتمثّل‌ عبده‌ بالعبوديّة‌، أي‌ أن‌ يتنصّل‌ ويخرج‌ من‌ دائرة‌ الإرادة‌ والاختيار.

 وكان‌ يوصي‌ تلامذته‌: لا تسعوا وراء الكشف‌ والكرامات‌! فأمثال‌ هذه‌ الطلبات‌ تُبعد السالك‌ عن‌ الله‌ ولو تحقّق‌ طلبه‌ ونال‌ غايته‌؛ أنّ الكرامة‌ والكشف‌ الذي‌ يأتي‌ به‌ الله‌ هي‌ الكرامة‌ المحمودة‌ لا التي‌ يسعي‌ إليها العبد.

 ولم‌ نسمع‌ من‌ السيّد طيلة‌ عمره‌ كلاماً يحكي‌ عن‌ مقام‌ ما أو بيان‌ لكشف‌ أو كرامة‌، فكان‌ كلامه‌ يدور بأجمعه‌ حول‌ المقامات‌ التوحيديّة‌ والسير في‌ عوالم‌ المعني‌.بَيدَ أ نّه‌ قال‌ يوماً بمناسبة‌ ما: حصل‌ عندما كنت‌ أمتلك‌ دكّاناً في‌ سوق‌ الخضار أنّ شخصاً كان‌ له‌ عَلَي‌َّ خمسة‌ دنانير، وقد طالبني‌ بها مراراً فلم‌ يكن‌ لدي‌ّ ما أُعطيه‌، فوعدته‌ بتسديدها له‌ في‌ أقرب‌ فرصة‌.وكنتُ يوماً منشغلاً بالعمل‌ خلف‌ الموقد، فشاهدتُ فجأة‌ أنّ ذلك‌ الشخص‌ قد جاءني‌ من‌ الجانب‌ الايمن‌ ليطالبني‌ بدَيْنه‌، وأحسستُ بهزّة‌ تعتريني‌ بلا اختيار، ثمّ رأيتُ علي‌ الفور شخصاً أتاني‌ من‌ الجانب‌ الايسر وأعطاني‌ خمسة‌ دنانير، فتسلّمتُها منه‌ بهذه‌ اليد وسلّمتها للدائن‌ بتلك‌.

 وقال‌: كانت‌ حرارة‌ بدني‌ بدرجة‌ يتحتّم‌ عَلَي‌َّ معها أن‌ أشرب‌ الماء البارد المثلّج[440]‌ حتّي‌ في‌ الشتاء القارس‌، وكنت‌ حينذاك‌ أسكن‌ في‌ منزل‌ والد زوجتي‌، فحدث‌ في‌ إحدي‌ ليالي‌ الشتاء أن‌ كنت‌ راقداً بالقرب‌ من‌ زوجتي‌، فنهضتُ للتهجّد فوضعتُ قدمي‌ فجأة‌ علي‌ إناء خزفي‌ّ مملوء بالماء البارد فانكسر وأُريق‌ ماؤه‌.فعرتني‌ هزّة‌ آنذاك‌ أيضاً أن‌: يا للويل‌! أيّة‌ مصيبة‌ ستصبّها حماتي‌ علي‌ رأسي‌ غداً؟!

 فشاهدت‌ فجأة‌ ـ بمجرّد هذا الخطور القلبي‌ّ أنّ الإناء الخزفي‌ّ موضوع‌ في‌ مكانه‌ سالماً مليئاً بمائه‌.

 وكان‌ السيّد يعبّر عن‌ الافراد الذين‌ يمتلكون‌ إمكانية‌ كبيرة‌ علي‌ تحمّل‌ المشـاقّ والواردات‌ فيقول‌: إنّ فلاناً له‌ قدرة‌ كبيـرة‌ لتحمّل‌ الطرق‌ بالمطرقة‌! وهو اصطلاح‌ خاصّ بالحدّادين‌؛ ذلك‌ لانّ بعض‌ أقسام‌ الحديد ليّن‌ ومطاوع‌ وخالٍ من‌ الموادّ الفولاذيّة‌ فهو يتبدّد سريعاً بمجرّد صهره‌ في‌ الفرن‌ ويصبح‌ غير قابل‌ للطرق‌، بَيدَ أنّ البعض‌ الآخر من‌ أقسام‌ الحديد له‌ تركيبات‌ فولاذيّة‌ تجعل‌ استحكامه‌ ومتانته‌ عالية‌، فهم‌ يضعونه‌ في‌ الموقد تكراراً ثمّ يضعونه‌ علي‌ السندان‌ فيطرقونه‌ مع‌ احتفاظه‌ باستحكامه‌ ومتانته‌، حتّي‌ يجعلونه‌ أخيراً في‌ أي‌ّ شكل‌ يشاؤون‌.

 الرجوع الي الفهرس

منّا الاستجداء، ومن‌ الله‌ الإ حسان‌ والكرم‌ والعطاء

 وحصل‌ أن‌ سأله‌ يوماً أحد الرفقاء شيئاً، وكان‌ ذلك‌ الرفيق‌ طافحاً بالوجد ومن‌ ذوي‌ الواردات‌ المعنويّة‌ العالية‌ والممتازة‌، فتبسّم‌ السيّد تبسّماً مليحاً وقال‌ له‌:

 يك‌ كاسة‌ حليمي‌ در دست‌ يك‌ يتيمي‌ مي‌خورد و ناله‌ ميكرد: اي‌ واي‌ روغنش‌ كو؟![441]

 وكان‌ يقول‌: ينبغي‌ لنا ألاّ نحرم‌ أحداً من‌ رحمة‌ الله‌، ذلك‌ لانّ الامر ليس‌ في‌ أيدينا بل‌ هو في‌ يده‌ سبحانه‌ وتعالي‌.فإن‌ سألكم‌ أحد أن‌ تدعوا له‌ فقولوا: سندعو، ولو قال‌: أيغفر الله‌ الذنب‌؟! فقولوا: يغفر، وقس‌ عليه‌ فَعْلَلَ وتَفَعْلَلَ!

 لماذا يبخل‌ الإنسان‌ بالدعاء مع‌ أنّ الامر بيده‌ سبحانه‌؟! لماذا لا يلهج‌ لسانه‌ بالخير والسعة‌؟ لماذا يُقنِّت‌ الناس‌ من‌ رحمة‌ الله‌؟

 علي‌ الإنسان‌ أن‌ يكون‌ دوماً كذلك‌ الاب‌ الذي‌ يهب‌ لاطفاله‌ الجياع‌ المحزونين‌ أملاً جديداً، وليس‌ كتلك‌ الاُمّ التي‌ تبخل‌ حتّي‌ بالوعد والتأميل‌.

 كان‌ لرجل‌ في‌ كربلاء أطفالاً كثيرين‌ ويعيش‌ معهم‌ في‌ شدّة‌ الفقر المدقع‌ والاضطراب‌، ولم‌ يكن‌ في‌ غرفتهم‌ غير حصير من‌ سعف‌ النخيل‌ ولم‌ يكن‌ لديهم‌ لحاف‌ أو مخدّة‌، ولا فراش‌، فكانوا يقضون‌ أيّامهم‌ في‌ عُسر وفاقة‌ وجوع‌، ولم‌ يكن‌ بإمكانهم‌ أن‌ يتناولوا الحساء باللحم‌ ولو مرّة‌ كلّ عدّة‌ أشهر.

 عاد هذا الاب‌ ذات‌ ليلة‌ إلي‌ المنزل‌ فوجد أطفاله‌ جياعاً يتضوّرون‌، فأخذ يمنّيهم‌ ويؤمّلهم‌ ويعدهم‌ أن‌: لا تغتمّوا يا أطفالي‌! اصبروا حتّي‌ يأتي‌ الصيف‌ فيمكنني‌ الذهاب‌ للعمل‌ والحصول‌ علي‌ نقود كثيرة‌، وآنذاك‌ سأُركّبكم‌ في‌ عربة‌ تجرّها الخيول‌، وسأستأجر لاُمّكم‌ ولباقي‌ أهل‌ المنزل‌ عربة‌ علي‌ حدة‌، وسآخذكم‌ أوّلاً لزيارة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌، ثمّ آخذكم‌ بتلك‌ العربة‌ لزيارة‌ أبي‌ الفضل‌ العبّاس‌ عليه‌ السلام‌، ثمّ نركب‌ من‌ جديد ونذهب‌ إلي‌ الفندق‌ الفلاني‌ فأشتري‌ لكلّ منكم‌ طبقاً من‌ الرز والكباب‌ وأُوصي‌ لكلٍّ منكم‌ كاسة‌ من‌ المخلّلات‌.وبعد أن‌ تأكلوا ذلك‌ كلّه‌ فسآخذكم‌ بالعربة‌ أيضاً إلي‌ محلّ بيع‌ البرتقال‌ فأشتري‌ لكم‌ ما شئتم‌ من‌ البرتقال‌، ثمّ نضع‌ البرتقال‌ في‌ العربة‌ ونعود سويّاً إلي‌ المنزل‌.

 وهنا صاحت‌ امرأته‌ به‌: ماذا دهاك‌؟! لقد أنهيتَ نقودك‌، فلِمَ هذا التبذير؟!

 فقال‌ الرجل‌: وما شأنك‌ أنت‌؟ دعي‌ أطفالي‌ يأكلون‌!

 إنّ أمرنا وإنفاقنا عيناً كمثل‌ إنفاق‌ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ لم‌ يكن‌ في‌ حقيقته‌ شيئاً بل‌ كان‌ أجوفاً فارغاً، لكنّ تلك‌ المرأة‌ كانت‌ تبخل‌ حتّي‌ عن‌ هذا الإنفاق‌ والوعد، بينما كان‌ الرجل‌ يُبقي‌ أطفاله‌ سعداء مبتهجين‌ بتلك‌ الوعود.

 حين‌ يصبح‌ من‌ المسلَّم‌ للإنسان‌ أن‌: لاَ نَافِعَ وَلاَ ضَارَّ وَلاَ رَازِقَ إلاَّ اللَهُ، فلماذا لا ننفق‌ من‌ جيوبنا؟ ولِمَ نبخل‌ في‌ إنفاق‌ الله‌ ورحمته‌ الواسعة‌؟ نحن‌ أيضاً نقطع‌ الوعود، والله‌ رحيم‌ وكريم‌، وهو المعطي‌ والمحسن‌.

 الرجوع الي الفهرس

 

القسم العاشر:

السفر الثامن‌ للحقير إلي‌ العتبات‌ المقدّسة‌، سنة‌ 1394 ه.ق

 

جري‌ هذا السفر في‌ أواخر شهر ذي‌ القعدة‌ واستمرّ إلي‌ ما بعد العشرة‌ الاُولي‌ من‌ محرّم‌ الحرام‌ لسنة‌ 1395، كلّ ما في‌ الامر أنّ السيّد كان‌ قد تشرّف‌ بالذهاب‌ إلي‌ الكاظمين‌ عليهما السلام‌ للزيارة‌، فكان‌ هناك‌ وقت‌ وصول‌ الحقير إليها.وقد بقي‌ الحقير في‌ معيّة‌ السيّد عدّة‌ أيّام‌ في‌ منزل‌ الاخوين‌ العزيزين‌: الحاجّ أبي‌ أحمد عبد الجليل‌ محيي‌ والحاجّ أبي‌ موسي‌ جعفر محيي‌ سلّمهما الله‌ تعالي‌، ثمّ عدتُ بعد زيارة‌ تلك‌ البقعة‌ المباركة‌ وقضاء عدّة‌ ليالٍ في‌ سامرّاء في‌ معيّته‌ وبصحبة‌ ذينك‌ الرفيقين‌ الجليلين‌، إلي‌ كربلاء المشرّفة‌ في‌ أواسط‌ العشرة‌ الاُولي‌ لذي‌ الحجّة‌ وحططت‌ الرحال‌ في‌ مستقرّي‌ الدائمي‌ّ في‌ منزل‌ السيّد، وبقيتُ في‌ معيّته‌ إلي‌ حين‌ العودة‌، حتّي‌ في‌ زيارة‌ النجف‌ الاشرف‌ وعند العودة‌ إلي‌ الكاظميّة‌، والحمد للّه‌ وله‌ المنّة‌ علي‌ جميع‌ الاحوال‌.

 الرجوع الي الفهرس

سيّد متحجّر الفكر يدّعي‌ أ نّه‌ السيّد الحسني‌ّ

 ولقد كان‌ الامر المهمّ الذي‌ اتّفق‌ حدوثه‌ في‌ هذا السفر ـ والذي‌ كان‌ سفري‌ إلي‌ هناك‌ مواكباً لنهايته‌ وختامه‌ قصّة‌ رجل‌ أثار فتنة‌ وهرجاً في‌ العتبات‌ المقدّسة‌ بدعوي‌ أ نّه‌ السيّد الحسني‌ّ.ولو لم‌ يكن‌ السيّد الحدّاد موجوداً ليقمع‌ تلك‌ الفتنة‌، فإنّها لا سمح‌ الله‌ كانت‌ ستصبح‌ نظير قضيّة‌ الشيخيّة‌ والـ « پشت‌ سريّة‌ » وانتهاءً بالبابيّة‌ والازليّة‌ والبهائيّة‌.

 وبيان‌ ذلك‌: أنّ هناك‌ سيّداً شابّاً اسمه‌... جاء من‌ مشهد المقدّسة‌ إلي‌ العراق‌ زاعماً أنّ له‌ مهمّة‌ باطنيّة‌ عن‌ طريق‌ المكاشفة‌، فسكن‌ في‌ سامرّاء في‌ مدرسة‌ المرحوم‌ المجدِّد آية‌ الله‌ الحاجّ الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ قدّس‌ سرّه‌، وادّعي‌ أ نّه‌ السيّد الحسني‌ّ، وأنّ علي‌ الناس‌ أن‌ يتأهّبوا لظهور الإمام‌، فصاحب‌ الامر سيظهر قريباً بعد أشهر معدودات‌.

 وقد تقبّل‌ الناس‌ في‌ الكاظميّة‌ والنجف‌ هذا الامر وعلي‌ الاخصّ المتديّنون‌ والمتطرّفون‌ منهم‌، فشرعوا ـ حسب‌ أمر هذا الشابّ بجمع‌ الاموال‌ من‌ التجّار والكسبة‌ المعتبرين‌ لشراء الاسلحة‌ الحربيّة‌ والمعدّات‌ وسائر المستلزمات‌، وبتحريك‌ الناس‌ وإعدادهم‌ للظهور.

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ حدّة‌ هذه‌ الفتنة‌ كانت‌ أقلّ في‌ كربلاء نظراً لوجود سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ وممانعته‌، بَيدَ أنّ رأس‌ الفتنة‌ في‌ كربلاء كان‌ نفس‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ قاد عن‌ قريب‌ الفتنة‌ التوحيديّة‌ والولايتيّة‌، والذي‌ عمد بعد ارتحال‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ إلي‌ الإعلان‌ والدعوة‌ في‌ مجالس‌ طهران‌ بعدم‌ الحاجة‌ إلي‌ أُستاذ وبكفاية‌ وجود إمام‌ العصر، الامر الذي‌ تطرّقنا إلي‌ ذكره‌ أوائل‌ الكتاب‌.

 وقد قام‌ هذا الشخص‌ بتوسيع‌ رقعة‌ الامر من‌ خلال‌ إرسال‌ الرسائل‌ وبعث‌ الافراد إلي‌ التجّار والمحترمين‌ وجمع‌ الاموال‌ الطائلة‌؛ وها هو علي‌ قيد الحياة‌ لا يتحدّث‌ إلاّ عن‌ إمام‌ العصر وعن‌ الجزيرة‌ الخضراء وأولاد الإمام‌ وأحفاده‌، ولكن‌ أي‌ّ إمام‌ عصر؟ أهو الإمام‌ الحقيقي‌ّ والواقعي‌ّ، أم‌ إمام‌ خيالي‌ّ ووهمي‌ّ؟!

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌ فإنّ إمام‌ العصر ليس‌ منفصلاً عن‌ الله‌ سبحانه‌ فهو يعمل‌ بأمره‌ ومشيئته‌، كما أنّ أوّل‌ من‌ يعلم‌ بتحرّكه‌، ولي‌ّ الله‌ الذي‌ يرتبط‌ بالله‌ ويقيم‌ في‌ حرم‌ الله‌، لا ذاك‌ الذي‌ لم‌ يتنشّق‌ التوحيد، والذي‌ يوجّه‌ مسألة‌ ظهور الإمام‌ وفرجه‌ تبعاً لخيالاته‌ ومصالحه‌ ومفاسده‌ الشخصيّة‌؛ نَعُوذُ بِاللَهِ مِنْ شُرُورِ هَؤُلاَءِ وَمِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا.

 وكان‌ سبب‌ انجذاب‌ هذا الرجل‌ إلي‌ ذلك‌ السيّد الحسني‌ّ المزعوم‌ هو قوله‌ عنه‌: إنّه‌ رجل‌ صادق‌ يمتلك‌ مكاشفات‌، وقد صار مسلّماً لنا بالقرائن‌ الحاصلة‌ من‌ مشاهداته‌ الباطنيّة‌ أ نّه‌ هو السيّد الحسني‌ّ، وقد جاء من‌ خراسان‌ إلي‌ العراق‌ ليعبّي‌ الناس‌ ويحرّكهم‌ لاستقبال‌ ظهور الإمام‌.

 وكان‌ ذلك‌ السيّد يقول‌: لقد شرعتُ في‌ مشهد المقدّسة‌ بالرياضة‌ وفق‌ نظري‌ الشخصي‌ّ، فانفتحت‌ لي‌ نافذة‌ علي‌ الغيب‌، وصار لي‌ علاقة‌ وارتباط‌ مع‌ الارواح‌ وإطّـلاع‌ علي‌ الملكوت‌.وقد قيل‌ لي‌ من‌ هناك‌: أنت‌ السيّد الحسني‌ّ، فتحرّكْ إلي‌ الكوفة‌ وأعدّ الناس‌ لظهور بقيّة‌ الله‌ الذي‌ سيظهر بعد عدّة‌ شهور علي‌ رأس‌... الفلاني‌ّ.

 ولم‌ يكن‌ مجيئي‌ عاديّاً، فلم‌ آتِ بجواز سفر.وقد اعتُقلتُ ثلاثة‌ أيّام‌ عند عبوري‌ الحدود، فكانت‌ لي‌ فيها حالات‌ حسنة‌.ثمّ جمعوني‌ مع‌ الشاه‌ وتقرّر أن‌ يكون‌ معنا، فإن‌ تخلّف‌ عنّا حاربناه‌.ثمّ جئتُ بعد إطلاق‌ سراحي‌ من‌ التوقيف‌ إلي‌ هذه‌ الاماكن‌ وذلك‌ بطريق‌ غير عادي‌ّ أيضاً.

 كان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ يقول‌: لقد علمتُ قبل‌ أن‌ أري‌ هذا الرجل‌ أنّ الامر لا يعدو أن‌ يكون‌ فتنة‌، وأنّ هذا الامر لا حقيقة‌ له‌.فهذا الرجل‌ سيّد متحجّر الفكر يُخبر عمّا يرده‌ من‌ الشياطين‌ ومردة‌ الجنّ، حيث‌ إنّ نفسه‌ تتقبّل‌ ذلك‌ ولو لم‌ يكن‌ بذاته‌ كاذباً.

 لذا فقد أرسلتُ رفقائي‌ في‌ النجف‌ وكربلاء والكاظميَّة‌ ليقفوا في‌ وجه‌ هذا الامر ويجهروا ببطلانه‌.بَيدَ أنّ هؤلاء كانوا قد جمعوا أموالاً وتاجروا بها، وصرفها بعضهم‌ في‌ أُموره‌ الشخصيّة‌ بدلاً من‌ شراء الاسلحة‌.

 ومع‌ ذلك‌ فقد جلست‌ معه‌ لوحده‌ في‌ غرفة‌ ساعة‌ كاملة‌ في‌ السفر الذي‌ قمت‌ به‌ لزيارة‌ أئمّة‌ تلك‌ البقاع‌ المباركة‌، فتحادثنا في‌ عدّة‌ أُمور.

 فسأله‌ الحقير: كيف‌ وجدتموه‌؟ أجاب‌ السيّد: حماراً!

 ولم‌ يكن‌ الحقير قد سمع‌ من‌ سماحة‌ السيّد تعبيراً كهذا في‌ حقّ أحد قبل‌ ذلك‌ الزمان‌ وبعده‌؛ فقد كان‌ السيّد هاشم‌ في‌ منتهي‌ الادب‌، وكان‌ في‌ حديثه‌ وصدقه‌ وأمانته‌ وحكاياته‌ ميزاناً ينبغي‌ أن‌ توزن‌ به‌ جميع‌ الاقوال‌.

 ولقد فهمتُ من‌ تعبيره‌ هذا أ نّه‌ يريد القول‌ بأنّ هذا الرجل‌ لا فهم‌ له‌، وأنّ ذهنه‌ بالنسبة‌ إلي‌ الواردات‌ الشيطانيّة‌ والخياليّة‌ التي‌ لا حقيقة‌ لها أشبه‌ بذهن‌ الحمار الخالي‌ من‌ المحتوي‌ المعنوي‌ّ والقيم‌ التوحيديّة‌ والعلائق‌ الحقيقيّة‌.

 وقد صادف‌ يوماً أن‌ شاهد الحقير في‌ سفره‌ هذا خلال‌ انشغاله‌ بالزيارة‌ في‌ الحرم‌ المطهّر لسامرّاء رجلاً يصلّي‌ في‌ الزاوية‌ الغربيّة‌ للحرم‌ المطهّر وقد ألصق‌ نفسه‌ بالجدار من‌ الخلف‌ واليمين‌، وكانت‌ سحنته‌ تبدو غاضبة‌ ومتجهّمة‌، وكان‌ هو نفسه‌ ذلك‌ الرجل‌.

 نعم‌، لقد بذل‌ السيّد الحدّاد جميع‌ جهوده‌ ومساعيه‌ الجميلة‌ في‌ إطفاء هذه‌ النائرة‌، فاقتنع‌ بكلامه‌ أهالي‌ كربلاء والكاظميّة‌ المحترمون‌ الذين‌ كان‌ لهم‌ معرفة‌ برفقته‌ وسابقته‌، فوُضع‌ حدّاً لتلك‌ القضيّة‌ وبقي‌ ذلك‌ السيّد في‌ سامرّاء وحيداً.ثمّ انقضت‌ الشهور ولم‌ يحدث‌ الظهور، فبدأ الناس‌ بإثارة‌ الضجّة‌ ضدّه‌.واعترض‌ التجّار المحترمون‌ الذين‌ قدّموا مبالغ‌ نقديّة‌ فطالبوا بإصرار علي‌ استرجاعها، وكانت‌ تلك‌ المبالغ‌ قد أُنفقت‌، فأدّي‌ ذلك‌ إلي‌ إهدار سمعة‌ أُولئك‌ وكرامتهم‌.حتّي‌ تجمّع‌ البعض‌ في‌ كربلاء في‌ منزل‌ ذلك‌ الشخص‌ المطالب‌ بإمام‌ العصر والمنادي‌ بعدم‌ الحاجة‌ للاُستاذ، فأعاد إليهم‌ ـ منعاً لتفاقم‌ الامـر بعض‌ الصكوك‌ التي‌ لم‌ يحن‌ موعـدها بعدُ، ولولا ذلك‌ فقد كاد الامر ينجرّ إلي‌ إقامة‌ الشكوي‌ عند الحكومة‌ لاسترداد الاموال‌ التي‌ جُمعت‌ منهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الحاجّ السيّد هاشم‌ يمنع‌ نشوب‌ فتنة‌ من‌ قِبَل‌ المدّعي‌ بأ نّه‌ السيّد الحسني‌ّ

 كان‌ سماحة‌ السيّد يقول‌: الامان‌ من‌ أعمال‌ هؤلاء المدّعين‌ أ نّهم‌ إمام‌ العصر، ومن‌ هؤلاء المتسمّين‌ باسم‌ السيّد الحسنيّ، الذين‌ يظهرون‌ مرّة‌ كلّ فترة‌ من‌ السنين‌ فلا يهدأون‌ حتّي‌ يثيروا الفتنة‌ والفساد.إنّ هذه‌ الاُمور بأجمعها تَحدُث‌ إثر التمرّد في‌ السلوك‌، والانشغال‌ بالرياضات‌ والاعمال‌ المستحبّة‌ الكثيرة‌ بدون‌ أُستاذ ماهر واصل‌ ومنتم‌ إلي‌ الحقيقة‌، ونتيجة‌ سهر الليالي‌ بلا نهج‌ صحيح‌، واجتناب‌ الاغذية‌ المحلَّلة‌ بدون‌ إذن‌ الاُستاذ وإجازته‌.

 ولقد شوهد سماحة‌ السيّد تكراراً وهو يقرأ للرفقاء رواية‌ عبد العزيز القَراطيسي‌ّ في‌ أنّ هذا الطريق‌ ينبغي‌ طيّه‌ بمداراة‌ ورفق‌، وأنّ الاعمال‌ الشاقّة‌ الثقيلة‌ تقتل‌ السالك‌ وتصيب‌ نفسه‌ بالانكسار فلا يستطيع‌ حراكاً، كمسافر كُسرت‌ رجله‌ فكيف‌ سيمكنه‌ طي‌ّ الصحراء بها؟

 وقد نقل‌ الكليني‌ّ هذه‌ الرواية‌ في‌ « أُصول‌ الكافي‌ » بهذا النصّ الحرفي‌ّ أ نّه‌ روي‌ عبد العزيز القراطيسي‌ّ قال‌:

 قَالَ لِي‌ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ: يَا عَبْدَ العَزِيزِ! إنَّ الإيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ، وَلاَ يَقُولَنَّ صَاحِبُ الاِثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الوَاحِدِ: لَسْتَ عَلَي‌ شَي‌ءٍ؛ حَتَّي‌ يَنْتَهِي‌َ إلی العَاشِرِ.

 فَلاَ تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطْكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ.وَإذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إلَيْكَ بِرِفْقٍ وَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَیهِ مَا لاَ يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤمِناً فَعَلَیهِ جَبْرُهُ.[442]

 والجَبْر هو تضميد الكسور، ويقال‌ لمن‌ يضمد الكسور جابر وجبّار.أي‌ أنّ في‌ عهدة‌ ومسؤوليّة‌ من‌ سبَّب‌ إضعاف‌ إيمان‌ مؤمن‌ ما، وأوجب‌ كسره‌ وإلقاء الشكّ والتردّد لديه‌ بواسطة‌ طرح‌ المطالب‌ التوحيديّة‌ والاسرار الإلهيّة‌ التي‌ لا طاقة‌ لهذا المؤمن‌ بحملها وإدراكها، أن‌ يجبره‌ وأن‌ يتحمّل‌ الكثير من‌ المتاعب‌ والمشاقّ إلي‌ أن‌ يرفع‌ تلك‌ الشبهة‌، وإلاّ فإنّه‌ يؤتي‌ به‌ يوم‌ الجزاء فيُحاسب‌ كقاتل‌ أو جارح‌ ويُطالَب‌ بالدية‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الحدّاد: العالم‌ بأرجائه‌ ملي‌ء بالعشق‌؛ العشق‌ الهابط‌ والعشق‌ الصاعد

 وقد سأل‌ الحقير يوماً سؤالاً من‌ السيّد علي‌ هيئة‌ شكوي‌:

 ألسنا نقرأ في‌ الدعاء: بِكُمْ يُجْبَرُ المَهِيضُ وَيُشْفَي‌ المَرِيضُ؟ فحين‌ يصدق‌ هذا الخطاب‌ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌، فلِمَ لا يجبر أولياء الله‌ ـ أعني‌ بذلك‌ السيّد عظامنا المكسورة‌ ويشفون‌ أمراضنا الروحيّة‌؟! وخلاصة‌ الامر:

 صد ملكِ دل‌ به‌ نيم‌ نظر ميتوان‌ خريد خوبان‌ در اين‌ معامله‌ تقصير مي‌كنند [443]

 وكان‌ السيّد آنذاك‌ مُتعباً قد عاد لتوّه‌ من‌ الزيارة‌، ففوجي‌ بسؤالي‌، ثمّ أطرق‌ برأسه‌ مدّة‌ متأمّلاً ثمّ قال‌:

 إنّ عمل‌ أولياء الله‌ ليس‌ إلاّ جبر الكسور المهيضة‌ وشفاء الامراض‌؛ ولكن‌ ينبغي‌ العلم‌ أنّ كسر العظام‌ ذلك‌ وأنّ مرض‌ المريض‌ ذاك‌ بيدهم‌ أيضاً، لا نّها من‌ جانب‌ الله‌ سبحانه‌؛ والحقّ جلّ وعلا يكسر بنفسه‌ ويجبر بنفسه، ويُمرض‌ بنفسه‌ ويشفي‌ بنفسه‌.فهذه‌ بأجمعها تمثّل‌ حالات‌ التعشّق‌ في‌ أطواره‌ وشؤونه‌ هو، وكلّها نابعة‌ عن‌ حكمة‌ ومصلحة‌.وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ الكسر والجبر والإمراض‌ والشفاء، شكلان‌ وصورتان‌ مختلفتان‌ تحكيان‌ عن‌ مبدأ ومنشأ واحد، وكلاهما ليسا إلاّ المحبّة‌؛ إذ لا يأتي‌ من‌ جانب‌ الله‌ عزّ وجلّ إلاّ المحبّة‌.

 عاشقم‌ بر لطف‌ و بر قهرش‌ به‌ جدّ اي‌ عجب‌ من‌ عاشقِ اين‌ هر دو ضدّ! [444]

 إنّ العالم‌ بأرجائه‌ عشق‌، عشق‌ المظاهر للمظاهر، وفي‌ الحقيقة‌ عشق‌ النفس‌ للنفس‌.وقد سمعتُ أنّ ابن‌ سينا قد كتب‌ رسالة‌ في‌ العشق‌، وقد بحثتُ عنها كثيراً هنا فلم‌ أعثر عليها، وحين‌ تذهب‌ إلي‌ إيران‌ اسعَ في‌ الحصول‌ عليها وابعث‌ بها إلي‌ّ؛ وينبغي‌ أن‌ تكون‌ رسالة‌ جيّدة‌ إن‌ كان‌ قد بيّن‌ هذا الامر وفق‌ هذه‌ القاعدة‌، وإن‌ اعتبر أنّ العشق‌ الإلهي‌ّ لاسمائه‌ وصفاته‌ وأفعاله‌ أوجب‌ خلقة‌ العالـم‌ وآدم‌ والمـوت‌ والحيـاة‌ انتهـي‌ كلام‌ سـماحة‌ السيّد.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: وَمَا تَغِيضُ الاْ رْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ

 روي‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ، عن‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ، عن‌ أبي‌ القاسم‌ الحسين‌ ابن‌ روح‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ ـ النائب‌ الخاصّ لصاحب‌ الامر عليه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌:

 زُرْ أَي‌َّ المَشَاهِدَ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا فِي‌ رَجَبٍ ثُمَّ تَقُولُ عِنْدَمَا تَدْخُلُ:

 الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي‌ رَجَبٍ وَأَوْجَبَ عَلَینَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ.حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 أَنَا سَائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيمَا إلَيْكُمُ التَّفْوِيضُ وَعَلَیكُمُ التَّعْوِيضُ؛ فَبِكُمْ يُجْبَرُ المَهِيضُ وَيُشْفَي‌ المَرِيضُ وَمَا تَزدَادُ الاَرْحَامُ وَمَا تَغِيضُ الزيارة‌.[445]

 يقول‌ في‌ الفقرة‌ الاخيرة‌: وَمَا تَزْدَادُ الاَرْحَامُ وَمَا تَغِيضُ، وهذه‌ الجملة‌ مُنتزعة‌ من‌ الآية‌ القرآنيّة‌ المباركة‌:

 اللَهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَي‌' وَمَا تَغِيضُ الاْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ و بِمِقْدَارٍ. [446]

 ومن‌ هنا نعلم‌ أنّ ما جاء في‌ بعض‌ نسخ‌ القرآن‌ في‌ ترجمة‌ هذه‌ الآية‌ من‌ أنّ: « تنها خدا ميداند كه‌ بار حمل‌ آبستنان‌ عالم‌ چيست‌ و رحمها چه‌ نقصان‌ و چه‌ زيادت‌ خواهد يافت‌، و مقدار همه‌ چيز در علم‌ ازلي‌ خدا معيّن‌ است‌ » (الله‌ وحده‌ يعلم‌ حمل‌ الحوامل‌ وما تزداد الارحام‌ وما تنقص‌ وكلّ شـي‌ء معيّن‌ ومقـدّر في‌ علـم‌ الله‌ الازلـي‌ّ) ليـس‌ صـحيحـاً؛ لان‌ زادَ و ازدادَ هنا أجوف‌ واوي‌، لا أجوف‌ يائي‌ّ. زادَ يَزودُ زَوْداً: جَهَّزَ الزَّادَ وَاتَّخَذَهُ.إزْدَادَ وَاسْتَزَادَ الرَّجُلُ: طَلَبَ زَاداً.ومعني‌ ذلك‌ هنا أنّ أرحام‌ النساء تتّخذ من‌ نطفة‌ الرجل‌ زاداً.ومقابل‌ ذلك‌، غَاضَ يَغِيضُ غَيْضاً وَمَغَاضاً وَتَغَيَّضَ وَانْغَاضَ المَاءُ: نَقَصَ أَوْ غَارَ أَوْ نَضَبَ؛ أي‌ أنّ النطف‌ تغور في‌ الرحم‌ وتنضب‌ وتفسد.

 وخلاصة‌ المعني‌ أنّ الله‌ عالم‌ خبير بالارحام‌ العقيمة‌ والارحام‌ الولودة‌، لكنّ المفسّر المحترم‌ قد أخذ في‌ هذه‌ الترجمة‌ التفسيريّة‌ « زاد » و « ازداد » من‌ باب‌ الاجوف‌ اليائي‌ّ بمعني‌ الزيادة‌. زادَ يَزيدُ زَيْداً وَزَيَداً وَزَيَداً وزِيادَةً وَمَزيداً وزَيْداناً: نَمَا، ــ الشَّي‌ءَ: أَنْمَاهُ؛ ــ فُلاَنٌ: أُعْطِي‌َ الزِّيَادَةَ؛ وَاسْتَزادَ: طَلَبَ مِنْهُ الزِّيَادَةَ؛ وَازْدَادَ بِمَعْنَي‌ زَادَ لاَزِماً وَمُتَعَدِّياً: طَلَبَ الزِّيَادَةَ.

 وفي‌ مقابل‌ هذا المعني‌ للزيادة‌ فقد أورد معني‌ النقصان‌ علي‌ نحو الإطلاق‌ فقال‌: «و رحِمها چه‌ نقصان‌ و چه‌ زيادت‌ خواهد يافت‌» (وما تنقص‌ الارحام‌ وما تزداد)، وهو معني‌ غريب‌ وغير صائب‌.

 ويلزم‌ هنا بيان‌ نكات‌ ثلاث‌:

 الاُولي‌: أنّ المراد من‌ التفويض‌ الوارد في‌ هذه‌ الزيارة‌ الرجبيّة‌ ليس‌ التفويض‌ الاصطلاحي‌ّ مقابل‌ الجبر ومقابل‌ مذهب‌ أمرٌ بينَ أمريْن‌، بل‌ هو بمعني‌ كون‌ تلك‌ الذوات‌ المقدّسة‌ آية‌ تامّة‌ وكاملة‌ مقابل‌ أشعّة‌ شمس‌ الذات‌ الاحديّة‌ التي‌ هي‌ فرد لا ثاني‌ له‌.فهذه‌ الارواح‌ المطهّرة‌ التي‌ غدت‌ مُخلَصة‌ في‌ طريق‌ توحيده‌، وصلت‌ إلي‌ مقام‌ الفناء في‌ الله‌ ثمّ تكاملت‌ إلي‌ مقام‌ البقاء بالله‌ وصارت‌ مظهراً تامّاً للصفات‌ والاسماء الإلهيّة‌.

 ومن‌ هنا، فإنّ ما يوجد ويصدر من‌ الحي‌ّ القيّوم‌ العليم‌ القدير، إنّما هو من‌ خلال‌ نوافذ وشبكات‌ ومرايا هذه‌ الذوات‌ العالية‌ لا من‌ غيرها.وليست‌ هذه‌ الذوات‌ إلاّ مرايا حاكية‌ عن‌ نور شمس‌ الذات‌ الاحديّة‌، وليس‌ لها أساساً نور ووجود علي‌ الإطلاق‌، لا ابتداءً ولا تفويضاً، لا نّها ستكتسب‌ في‌ كِلاَ الفرضينِ جانباً استقلاليّاً، بينما نفي‌ الائمّة‌ أنفسهم‌ بأشدّ الوجوه‌ الجانب‌ الاستقلالي‌ّ المستلزم‌ للشرك‌.

 الثانية‌: لا يظنّنّ أحد أ نّه‌ يستفاد من‌ ضميمة‌ هذه‌ الرواية‌ مع‌ الآية‌ الكريمة‌ أنّ مقامهم‌ أعلي‌ من‌ مقام‌ الله‌ العِيَاذُ بِاللَهِ، أي‌ لقوله‌ في‌ هذه‌ الزيارة‌: «إليكـم‌ التفـويـض‌ وعليكـم‌ التعـويـض‌ وما تـزداد الارحـام‌ ومـا تغيض‌»، في‌ حين‌ أ نّه‌ يقول‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌: « اللَهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَي‌' وَمَا تَغِيضُ الاْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ »، فقد يخال‌ المرء أنّ أساس‌ التكوين‌ بيدهم‌، وأنّ علم‌ الله‌ إنّما يتعلّق‌ بهذا الامر التكويني‌ّ، وهو كلام‌ باطل‌.

 ذلك‌ لا نّه‌ بعد أن‌ بُيّن‌ وبُرهن‌ علي‌ أنّ تلك‌ الذوات‌ المقدّسة‌ وجودات‌ فانية‌ ومفتقرة‌ وممكنة‌ الوجود بالذات‌، فإنّهم‌ علي‌ هذا النحو في‌ التكوين‌ وفي‌ دائرة‌ العلم‌ أيضاً؛ والله‌ سبحانه‌ مستقلّ في‌ التكوين‌ ومستقلّ في‌ مرحلة‌ العلم‌.كلّ ما في‌الامر أنّ قسم‌ العلم‌ قد ذكر لوحده‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌ بينما ذكر قسما الإيجاد والتكوين‌ في‌ الزيارة‌، فالاختلاف‌ إنّما هو في‌ البيان‌ لا في‌ حقيقة‌ الامر وواقعه‌.

 الثالثة‌: لا تعدّد في‌ عالم‌ الولاية‌، ولا اختلاف‌ في‌ طريقها، إذ ليس‌ هناك‌ من‌ معنيً للتعيّن‌ والتقيّد، بل‌ هناك‌ ولاية‌ فقط‌ مختصّة‌ بذات‌ الله‌ فقط‌ لا لسواه‌؛ هُنَالِكَ الْوَلَـ'يَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.[447]

 وفي‌ هذه‌ الحال‌ فإنّ وجود الرسول‌ الاكرم‌ والائمّة‌ الطاهرين‌ الذين‌ هم‌ مبدأ الاثر، ليس‌ بجهات‌ تعيّنهم‌ وافتراقهم‌ وحدود ماهيّتهم‌ وهويّتهم‌، بل‌ بأساس‌ تحقّق‌ معني‌ العبوديّة‌ والفناء المعبّر عنه‌ بالولاية‌؛ والعبارة‌ القيّمة‌: أَوَّلُنَا مُحَمَّدٌ وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ وَآخِرُنَا مُحَمَّدٌ[448] إشارة‌ إلي‌ هذا المقام‌.

 علي‌ أنّ كلّ من‌ يصل‌ إلي‌ مقام‌ الفناء المطلق‌ ويفني‌ في‌ حرم‌ الله‌، فيضمحلّ وجوده‌ المستعار وإنّيّته‌ المجازيّة‌ والمعارة‌، فإنّه‌ ـ بطبيعة‌ الحال‌ سيمتلك‌ هذه‌ الولاية‌ حتماً، ولا اختصاص‌ لها بالائمّة‌.

 وهناك‌ في‌ كلّ زمان‌ ومكان‌ أفراد يمكنهم‌ إيصال‌ أنفسهم‌ إلي‌ هذا المقام‌، كلّ ما في‌ الامر أ نّه‌ يجب‌ أن‌ يحصل‌ أوّلاً بواسطة‌ اتِّباع‌ الإمام‌ المعصوم‌ واقتفاء أثره‌، وإلاّ تعذّر وصول‌ الفرد.وثانياً أنّ عنوان‌ الإمامة‌ والقيادة‌ والهداية‌ باقٍ حتّي‌ الابد لذوات‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌، لانّ الله‌ سبحانه‌ جعلهم‌ قادة‌ وأئمّة‌، وأوكل‌ إليهم‌ لواء الهداية‌ بالمجاهدات‌ العالية‌ اختياراً لا جبراً، وهذا المعني‌ لا ينافي‌ أن‌ يتمكّن‌ أحد آخر من‌ الوصول‌ إلي‌ مقام‌ معرفة‌ الله‌ فيتحقّق‌ في‌ شأنه‌ معني‌ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ، ويرد في‌ حرم‌ الله‌ بفنائه‌ واضمحلاله‌، ولن‌ يكون‌ ـ والحال‌ هذه‌ ثمّة‌ وجود عندئذٍ، لا له‌ ولا لغيره‌.

 كما أ نّه‌ ليس‌ في‌ حرم‌ الذات‌ الربوبيّة‌ عنوان‌ محمّد ولا علي‌ّ ولا سائر الائمّة‌، ولا ولي‌ّ آخر كسلمان‌ الذي‌ امتلك‌ أعلي‌ درجة‌ في‌ العرفان‌، بل‌ هناك‌ حقيقة‌ واحدة‌ للولاية‌ بلا عناوين‌ خاصّة‌ ولا أشكال‌ متعيّنة‌، أمّا الاسماء المميّزة‌ لمحمّد وعلي‌ّ والحسن‌ والحسين‌ إلي‌ القائم‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ وعليهم‌، فما دون‌ ذلك‌ المقام‌.

 هنالك‌ الولاية‌ لا غير، وحقيقة‌ الولاية‌ وكنهها، لها معني‌ واحدٌ بالصرافة‌، فَافْهَمْ يَا حَبِيبِي‌ فَإنَّهُ دَقِيقٌ!

 وعلي‌ كلّ حال‌، فقد كانت‌ كيفيّة‌ قراءة‌ القرآن‌، وصلوات‌ التهجّد، وقيام‌ الليل‌، وسائر أُمور سماحة‌ السيّد مشابهة‌ للاسفار السابقة‌، إلاّ أ نّه‌ كان‌ يكثر في‌ هذا السفر من‌ قراءته‌ لتائيّة‌ ابن‌ الفارض‌ ويُفسِّر للرفقاء بعض‌ أبياتها.

 الرجوع الي الفهرس

قراءة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ أشعاراً من‌ «ديوان‌ المغربي‌ّ»

 وكان‌ يقرأ في‌ « ديوان‌ المغربي‌ّ » بعض‌ أشعاره‌ ـ لا جميعها التي‌ كانت‌ تثير إعجابه‌، وكان‌ يقرأها تكراراً بحرقة‌ ونشاط‌ وعشق‌ ووجد، كأ نّه‌ كان‌ يقارنها بأحواله‌ الذاتيّة‌.ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 وراي‌ مطلب‌ هر طالب‌ است‌ مطلب‌ ما             برون‌ ز مشرب‌ هر شارب‌ است‌ مشرب‌ ما

 به‌ كام‌ دل‌ به‌ كسي‌ هيچ‌ جرعه‌اي‌ نرسيد             از آن‌ شراب‌ كه‌ پيوسته‌ ميكشد لب‌ ما

 سپهر كوكب‌ ما از سپهرهاست‌ برون‌             كه‌ هست‌ ذات‌ مقدس‌ سپهر كوكب‌ ما

 بتاختند بسي‌ اسب‌ دل‌ ولي‌ نرسيد             سوار هيچ‌ رواني‌ به‌ گَرد مركب‌ ما

 هنوز روز و شب‌ كائنات‌ هيچ‌ نبود             كه‌ روز ما رخ‌ او بود و زلف‌ او شب‌ ما

 كسي‌ كه‌ جان‌ و جهان‌ داد و عشق‌ او بخريد             وقوف‌ يافت‌ ز سود و زيان‌ مكسب‌ ما [449]

 ز آه‌ و يا رب‌ ما آن‌ كسي‌ خبر دارد             كه‌ سوختست‌ چو ما او ز آه‌ و يا رب‌ ما

 تو دين‌ و مذهب‌ ما گير در اُصول‌ و فروع‌             كه‌ دين‌ و مذهب‌ حق‌ است‌ دين‌ و مذهب‌ ما

 نخست‌ لوح‌ دل‌ از نقش‌ كائنات‌ بشوي‌             چو مغربيت‌ اگر هست‌ عزم‌ مكتب‌ ما [450]

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 چو تافت‌ بر دل‌ من‌ پرتو جمال‌ حبيب‌             بديد ديدة‌ جان‌، حُسن‌ بر كمال‌ حبيب‌

 چه‌ التفات‌ به‌ لذّات‌ كائنات‌ كند كسي            ‌ كه‌ يافت‌ دمي‌ لذّت‌ وصال‌ حبيب‌

 به‌ دام‌ و دانة‌ عالم‌ كجا فرود آيد             دلي‌ كه‌ گشت‌ گرفتار زلف‌ و خال‌ حبيب‌

 خيال‌ ملك‌ دو عالم‌ نياورد به‌ خيال‌             سري‌ كه‌ نيست‌ دمي‌ خالي‌ از خيال‌ حبيب‌ [451]

 حبيب‌ را نتوان‌ يافت‌ در دو كون‌ مثال‌             اگرچه‌ هر دو جهان‌ هست‌ بر مثال‌ حبيب‌

 درون‌ من‌ نه‌ چنان‌ از حبيب‌ مملوّ شد             كه‌ گر حبيب‌ در آيد بود مجال‌ حبيب‌

 بدان‌ صفت‌ دل‌ و جان‌ از حبيب‌ پر شده‌ است                ‌ كه‌ از حبيب‌ ندارم‌ نظر به‌ حال‌ حبيب‌

 چه‌ احتياج‌ بود ديده‌ را به‌ حسن‌ برون‌             چو در درون‌ متجلّي‌ شود جمال‌ حبيب‌

 ز مشرق‌ دلت‌ اي‌ مغربي‌ چه‌ كرد طلوع‌             هزار بدر برفت‌ از نظر، هلال‌ حبيب‌ [452]

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 دلي‌ نداشتم‌ آن‌ هم‌ كه‌ بود يار ببرد             كدام‌ دل‌ كه‌ نه‌ آن‌ يار غمگسار ببرد

 به‌ نيم‌ غمزه‌ روان‌ چو من‌ هزار ربود             به‌ يك‌ كرشمه‌ دل‌ همچو من‌ هزار ببرد [453]

 هزار نقش‌ برانگيخت‌ آن‌ نگار ظريف‌             كه‌ تا به‌ نقش‌ دل‌ از دستم‌ آن‌ نگار ببرد

 به‌ يادگار دلي‌ داشتم‌ ز حضرت‌ دوست            ‌ ندانم‌ از چه‌ سبب‌ دوست‌ يادگار ببرد

 دلم‌ كه‌ آينة‌ روي‌ اوست‌ داشت‌ غبار             صفاي‌ چهرة‌ او از دلم‌ غبار ببرد

 چو در ميانه‌ در آمد خرد كنار گرفت‌             چو در كنار درآمد دل‌ از كنار ببرد

 اگر چه‌ در دل‌ مسكين‌ من‌ قرار گرفت‌             وليكن‌ از دل‌ مسكين‌ من‌ قرار ببرد

 به‌ هوش‌ بودم‌ و با اختيار در همه‌ كار             ز من‌ به‌ عشوه‌گري‌ هوش‌ و اختيار ببرد

 كنون‌ نه‌ جان‌ و نه‌ دل‌ دارم‌ و نه‌ عقل‌ و نه‌ هوش‌             چو عقل‌ و هوش‌ و دل‌ و جان‌ كه‌ هر چهار ببرد [454]

 چو آمد او به‌ ميان‌ رفت‌ مغربي‌ ز ميان‌             چو او به‌ كار در آمد مرا زكار ببرد [455]

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 بيا كه‌ كرده‌ام‌ از نقش‌ غير آينه‌ پاك‌             كه‌ تا تو چهرة‌ خود را بدو كني‌ إدراك‌

 اگر نظر نكني‌ سوي‌ من‌ در آينه‌ كن‌             تو خود به‌ مثل‌ مني‌ كي‌ نظر كني‌ حاشاك‌

 اگرچه‌ آينة‌ روي‌ جانفزاي‌ تواند             همه‌ عقول‌ و نفوس‌ و عناصر و أفلاك‌

 ولي‌ تو را ننمايد به‌ تو چنانكه‌ توئي‌             مگر دل‌ من‌ مسكين‌ و بي‌دل‌ و غمناك‌

 تمام‌ چهرة‌ خود را بدو تواني‌ ديد             كه‌ هست‌ مظهر تام‌ لطيف‌ و صافي‌ و پاك‌

 چرا گذر نكني‌ بر دلي‌ كه‌ از پاكي            إذَا مَرَرْتَ بِهِ مَا وَجَدْتَ فِيهِ سِوَاكْ [456]

 وَلَوْ جَلَوْتَ عَلَي‌ القَلْبِ مَا جَلَوْتَ عَلَيهْ             لاِجْلِ قُرْبَتِهِ بَلْ لاِ نَّهُ مَجْلاَكْ

 مرا كه‌ نسخة‌ مجموع‌ كائنات‌ تواَم‌             روا مدار به‌ خواري‌ فكنده‌ بر سر خاك‌

 به‌ ساحل‌ ار چه‌ فكندي‌ به‌ بحر باز آرم‌             كه‌ موج‌ بحر محيط‌ توام‌ نِيَم‌ خاشاك‌

 ظهور تو به‌ من‌ است‌ و وجود من‌ از تو             وَلَسْتَ تَظْهَرُ لَوْلاَي‌، لَمْ أَكُنْ لَوْلاَكْ

 تو آ فتاب‌ منيريّ و مغربي‌سايه‌             ز آفتاب‌ بود سايه‌ را وجود و هلاك‌

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 ديده‌اي‌ وام‌ كنم‌ از تو به‌ رويت‌ نگرم‌             زانكه‌ شايستة‌ ديدار تو نبود نظرم‌ [457]

 چون‌ تو را هر نفسي‌ جلوه‌ به‌ حسن‌ دگر است‌             هر نفس‌ زان‌ نگران‌ در تو به‌ چشمي‌ دگرم‌

 توئي‌ از منظر چشمم‌ نگران‌ بر رخ‌ خويش‌             كه‌ تويي‌ مردمك‌ ديده‌ و نور بصرم‌

 هر كه‌ بي‌رسم‌ و أثر گشت‌ به‌ كويش‌ پي‌ برد             من‌ بي‌رسم‌ و أثر ناشده‌ پي‌ مي‌نبرم‌

 تا ز من‌ هست‌ أثر از تو نيابم‌ أثري‌             كاشكي‌ در دو جهان‌ هيچ‌ نبودي‌ أثرم‌

 نتوانم‌ به‌ سر كوي‌ تو كردن‌ پرواز             تا ز إقبال‌ تو حاصل‌ نبود بال‌ و پرم‌

 بوي‌ جانبخش‌ تو همراه‌ نسيم‌ سحر است            ‌ زان‌ سبب‌ مردة‌ أنفاس‌ نسيم‌ سحرم‌

 يار هنگام‌ سحر بر دل‌ ما كرد گذر             گفت‌: چون‌ جلوه‌ كنان‌ بر دل‌ تو مي‌گذرم‌ [458]

 مغربي‌ آينة‌ دل‌ ز غبار دو جهان‌             پاك‌ بزداي‌ كه‌ پيوسته‌ درو مي‌نگرم‌ [459]

 ومن‌ جملتها هذه‌ الاشعار:

 منم‌ ز يار نگارين‌ خود جدا مانده‌             به‌ دست‌ هجر گرفتار و بي‌ نوا مانده‌

 نخست‌ گوهر با قيمت‌ و بها بودي‌           به‌ خاك‌ تيره‌ فرو رفته‌ بي‌ بها مانده‌

 فتاده‌ دور ز خاصان‌ بارگاه‌ أزل‌                 أسيرخاك‌ أبد گشته‌ در بلا مانده‌

 مقرب‌ درِ درگاه‌ كبريا بوده‌                      به‌ دست‌ كبر گرفتار و در ريا مانده‌

 به‌ چار ميخ‌ طبيعت‌ بدوخته‌ محكم                      ‌ به‌ حبس‌ شش‌ جهتِ كون‌ مبتلا مانده‌

 هر آنكه‌ ديد مرا گفت‌ در چنين‌ حالت‌                   ببين‌ ببين‌ ز كجا آمده‌ كجا مانده‌ [460]

 شب‌ است‌ و راه‌ بيابان‌ و من‌ ز قافله‌ دور   غريب‌ و عاجز و مسكين‌، ضعيف‌ و وامانده‌

 كجاست‌ پرتو حسنت‌ كه‌ رهنما گردد                   كه‌ هست‌ جان‌ من‌ از راه‌ و رهنما مانده‌

 شده‌ ز دوري‌ خورشيد مغربي‌ حقير                    به‌ سان‌ ذرة‌ سرگشته‌ در هوا مانده‌ [461]

 وكان‌ يقرأ من‌ جملتها هذه‌ الرباعيّات‌:

 كس‌ نيست‌ كزو به‌ سوي‌ تو راهي‌ نيست‌                        بي‌ هستي‌ او سنگ‌ و گل‌ و كاهي‌ نيست‌

 يك‌ ذرّه‌ ز ذرّات‌ جهان‌ نتوان‌ يافت‌                                     كاندر دل‌ او زِمهر تو ماهي‌ نيست‌ [462]

 * * *

 تا من‌ ز عدم‌ سوي‌وجودآمده‌ام‌               از بهر تشهد به‌ شهود آمده‌ام‌

 تا من‌ ز قيام‌ در قعود آمده‌ام‌                  در پيش‌ رخ‌ تو در سجود آمده‌ام‌ [463]

 * * *

 تو مست‌ خوديّ و ما همه‌ مست‌ به‌ تو                تو هست‌ خوديّ و ما همه‌ هست‌ به‌ تو

 تا نسبت‌ ما به‌ تو بود از همه‌ روي‌                      داديم‌ ازين‌ سبب‌ همه‌ دست‌ به‌ تو [464]

 * * *

 از پيش‌ خدا بهر خدا آمده‌اي                  ‌ ني‌ از پي‌ بازيّ و هوا آمده‌اي‌

 در معرفت‌ و عبادت‌ ايزد كوش                 ‌ كز بهر همين‌ درين‌ سرا آمده‌اي‌ [465]

 * * *

 از عالم‌ حق‌ بدين‌ سرا آمده‌اي‌               بنگر ز كجا تا به‌ كجا آمده‌اي‌

 خالي‌ نشوي‌ يك‌ نفس‌ از علم‌ و عمل‌                  گر زانكه‌ بداني‌ كه‌ چرا آمده‌اي‌ [466]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[435] ـ حتّي‌ أنّ آية‌ الله‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ّ قد ذكره‌ في‌ كتاب‌ «المراجعات‌» ص‌ 95، برقم‌ 84، الطبعة‌ الاُولي‌، مطبعة‌ العرفان‌، صيدا، سنة‌ 1355، في‌ المراجعة‌ 16، ضمن‌ مائة‌ نفر من‌ رجالات‌ الشيعة‌.

 وقد ذكرنا مقام‌ معروف‌ الكرخي‌ّ ومنزلته‌ بالتفصيل‌ في‌ رسالة‌ أوردناها في‌ ترجمته‌، وردت‌ في‌ الكشكول‌ «جُنگ‌ خطّي‌» رقم‌ 18، ص‌ 206 إلي‌ 219.

[436] ـ لقد مرّ علينا في‌ هذا الكتاب‌ «الروح‌ المجرّد» كيف‌ يصف‌ أسد الله‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ بيته‌ هذا:

 غرق‌ نورم‌ گرچه‌ شد سقفم‌ خراب‌ روضه‌ گشتم‌ گرچه‌ هستم‌ بوتراب‌

 فتأمّلوا كيف‌ يشبّه‌ غَصْب‌ الغاصبين‌ للخلافة‌ بخراب‌ السقف‌! أجل‌، لوشئنا هنا إثبات‌ تشيّعه‌ بالبراهين‌ والدلائل‌ لخرج‌ الامر عن‌ عهدة‌ هذه‌ الرسالة‌، لذا نكتفي‌ بما جاء في‌ «روضات‌ الجنّات‌» ص‌ 198، القسم‌ الثاني‌ عن‌ الملاّ الرومي‌ّ في‌ الباب‌ المسمّي‌ بـ «محمّد»، الطبعة‌ الحجريّة‌، فيقول‌:

 وفي‌ «الرسالة‌ الاءقباليَّة‌» أ نّه‌ قد سُئِلَ علاءُ الدَّولةِ السِّمنانيُّ عَن‌ حالِ هذا الرجلِ فَقالَ: هو نِعمَ الفَتَي‌، وإنْ لم‌ أرَ في‌ كَلماتِه‌ ما يـوجِبُ الاِسـتقامةَ والتَّمكينَ.ثمَّ قـال‌: وممّا يُعجبُني‌ مِن‌ الرَّجلِ أ نَّه‌ كانَ إذا سَأَل‌ خادمَه‌: هَل‌ يُوجَدُ عندنا شَي‌ءٌ نَطْعَمُهُ؟ فيقولُ: لا، يُظهَرُ منه‌ بذلكَ الفَرحَ الشَّديدَ ويقولُ: الحمدُ للَّه‌ الذي‌ جَعل‌ في‌ مَنزِلنا شَبَهاً مِن‌ منازلِ أهلِ البيتِ عليهم‌ السلام‌.وإن‌ كانَ يقولُ: نَعمْ، عِندنا من‌ المَطاعمِ المطبوخِ وغيرِه‌، انزَعَجَ شديداً وقالَ: يفوحُ اليومَ مِن‌ مَنزِلنا رائِحةُ فرعونَ اللَعين‌.

 ثمّ نقل‌ في‌ ص‌ 198، عن‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» للقاضي‌ نور الله‌ التستري‌ّ أنّ القاضي‌ عدّه‌ من‌ مخلصي‌ شيعة‌ آل‌ محمّد.ثمّ يقول‌ في‌ ص‌ 200:

 ومِن‌ جُمْلَةِ مَنْ تَعَرَّضَ مِن‌ هذه‌ الطائفة‌ لذكرِ هذا الرَّجلِ أيضاً هو المُحدِّثُ النَّيسابوري‌ُّ في‌ دَرجِ رجالهِ الكبيرِ، فقالَ بعد التَّرجمَةِ له‌ بعنوانِ محمّدِ بنِ محمّد بنِ الحسينِ: المَولَي‌ جلالِ الدِّينِ البَلخي‌ِّ الرُّوميِّ نُزُلاً كانَ مُحدِّثاً عالِماً عارِفاً رُمِي‌َ بالتَّصوُّفِ؛ وَقد أخْرجْنا مِن‌ كلامِه‌ المَنظومِ ما لا يُريبُ اللَبيبَ في‌ كونِه‌ إماميّاً اثني‌ عشريّاً وَلكنَّه‌ كان‌ مُشاقياً في‌ دَولةِ المُخالِفينَ.وقدِ اسْتَوفَينا تحقيقَ مذهبِه‌ في‌ كتابِ «ميزانِ التَّمييزِ في‌ العلم‌ العزيزِ»، وَلْنَكتفِ هُنا بأبياتٍ مِنه‌؛ قال‌ في‌ «المثنوي‌ّ»:

 هر چه‌ گويم‌ عشق‌ از آن‌ برتر بود عشق‌ أمير المؤمنين‌ حيدر بود

 يقول‌: «كلّما قلتُ كان‌ العشق‌ أفضل‌ منه‌، عشق‌ أمير المؤمنين‌ حيدر عليه‌ السلام‌».

 وقال‌:

 تو به‌ تاريكي‌ علي‌ را ديده‌اي                                ‌ لا جرم‌ غيري‌ بر او بگزيده‌اي‌

 يقول‌: «لقد رأيت‌ عليّاً في‌ الظلام‌، فلا جرم‌ أ نّك‌ اخترتَ أحداً سواه‌».

 وقال‌:

 رومي‌ نشد از سرّ علي‌ كس‌ آگاه‌                        زيرا كه‌ نشد كس‌ آگه‌ از سرّ إله‌

 يك‌ ممكن‌ و اين‌ همه‌ صفات‌ واجب‌                       لا حول‌ ولا قوة‌ إلا بالله‌

 يقول‌: «أيّها الرومي‌ّ! لم‌ يطّلع‌ أحد علي‌ سرّ علي‌ّ، لانّ أحداً لم‌ يطّلع‌ علي‌ سرّ الاءله‌.

 فهو ممكن‌ مع‌ كلّ صفات‌ الواجب‌ هذه‌! لا حول‌ ولا قوّة‌ إلا بالله‌».

 لَه‌ تصانيفُ أشهَرُها «المثنوي‌ّ» المعروفُ، وقَد عبَّر عَنه‌ شيخُنا البَهائي‌ُّ قُدّس‌ سرُّه‌ بِالمَولوي‌ِّ المعنوي‌ِّ وقال‌:

 من‌ نمي‌گويم‌ كه‌ آن‌ عالي‌ جناب‌ هست‌ پيغمبر ولي‌ دارد كتاب‌

 يقول‌: «لا أقول‌ إنّ ذلك‌ الرجل‌ الجليل‌ كان‌ نبيّاً، بَيدَ أ نّه‌ يمتلك‌ كتاباً» انتهي‌.

 ومِن‌ جُملة‌ مناظيمِ ديوانِه‌ الذي‌ هُو سِوَي‌ مثنويِّه‌ المعروف‌، كما نقلَه‌ بعضُهم‌ وجَعَله‌ دليلاً علي‌ كونِه‌ من‌ الشيعةِ المُخلصينَ المُتديّنينَ، قولُه‌:

 هر آن‌ كس‌ را كه‌ مهر أهل‌ بيت‌ است                   ‌ وِرا نور ولايت‌ در جبين‌ است‌

 غلام‌ حيدر است‌ مولاي‌ رومي‌                            همين‌ است‌ و همين‌ است‌ و همين‌ است‌

 يقول‌: «كلّ من‌ كان‌ في‌ قلبه‌ حبّ أهل‌ البيت‌، كان‌ له‌ نور الولاية‌ في‌ الجبين‌.

 إنّ المولي‌ الرومي‌ّ غلام‌ وعبد لحيدر، هكذا هكذا هكذا!».

 ومنها أيضاً:

 آفتاب‌ وجود أهل‌ صفا                          آن‌ إمام‌ اُمم‌ وليّ خدا

 آن‌ امامي‌ كه‌ قائم‌ است‌ الحقّ                             زو زمين‌ و زمان‌ و أرض‌ و سما

 ذات‌ او هست‌ واجب‌ العصمة‌                               او منزّه‌ ز كفر و شرك‌ و ريا

 عالم‌ وحدت‌ است‌ مسكن‌ او                               او برون‌ از صفات‌ ما و شما

 رهروان‌ طالبند، او مطلوب‌                   عارفان‌ صامت‌ و عليّ گويا

 سرّ او ديده‌ سيّد المرسل                   ‌ در شب‌ قدر و در مقام‌ دَنا

 از عليّ مي‌شنيد نطق‌ عليّ                               بُد عليّ جز عليّ نبود آنجا

 ما همه‌ ذرّه‌ايم‌ و او خورشيد                                ما همه‌ قطره‌ايم‌ و او دريا

 بي‌ ولاي‌ عليّ به‌ حقّ خدا                  ننهد در بهشت‌ آدم‌ پا

 گر نهد بال‌ و پر فرو ريزد                       جبرئيل‌ أمين‌ به‌ حقّ خدا

 مؤمنان‌ جمله‌ رو به‌ او دارند              كو امام‌ است‌ و هادي‌ اولي‌

 بندة‌ قنبرش‌ به‌ جان‌ مي‌باش‌                تا برندت‌ به‌ جنت‌ المأوي‌

 شمس‌ تبريز بنده‌ از جان‌ شد                               جان‌ فدا كرد نيز مولانا

 يقول‌: «هو شمس‌ وجود أهل‌ الصفاء، ذاك‌ ولي‌ الله‌ إمام‌ الاُمم‌.

 ذاك‌ إمام‌ قائم‌ حقّاً، ومنه‌ الارض‌ والسماء والزمان‌.

 ذاته‌ واجبة‌ العصمة‌، وهو المنزّه‌ عن‌ الكفر والشرك‌ والرياء.

 عالَم‌ الوحدة‌ مسكنه‌، وهو الخارج‌ عن‌ صفاتنا وصفاتكم‌.

 السالكون‌ طالبون‌ وهو مطلوب‌، والعرفاء صامتون‌ وعلي‌ّ ناطق‌.

 قد رأي‌ سـرّه‌ سيّد المرسلين‌ في‌ ليلة‌ القدر في‌ مقام‌ «دَنا» (إشارة‌ إلي‌ قوله‌ تعالي‌ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي‌' * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي‌'.

 فسمع‌ من‌ العلي‌ّ نطق‌ علي‌ّ، ولقد كان‌ علي‌ّ ولم‌ يكن‌ هناك‌ غيره‌.

 نحن‌ بأجمعنا ذرّة‌ وهو شمس‌، ونحن‌ جميعاً قطرة‌ وهو بحر.

 فبحقّ الله‌ لم‌ يضع‌ آدم‌ قدمه‌ في‌ الجنّة‌، بغير ولائه‌ لعلي‌ّ.

 وبحقّ الله‌ لو وضع‌ جبرئيل‌ الامين‌ جناحه‌ في‌ مقامه‌، لساخ‌ وتهاوي‌.

 المؤمنون‌ جميعاً يتطلّعون‌ إليه‌، لا نّه‌ الاءمام‌ الهادي‌ والاَوْلي‌ بهم‌ من‌ أنفسهم‌.

 فافدِ خادمه‌ قنبراً بروحك‌ لتُقاد إلي‌ جنّة‌ المأوي‌.

 ولقد فدي‌ له‌ شمس‌ التبريزي‌ّ نفسه‌، وفدي‌ مولانا نفسه‌ هو الآخر».

[437] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 82، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌؛ حيث‌ شرح‌ الخضر لموسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليهما السلام‌ علّة‌ أفعاله‌ الثلاثة‌ في‌ خرق‌ السفينة‌ وقتل‌ الغلام‌ وإقامة‌ الجدار في‌ الآيات‌ السابقة‌ وأنهاها في‌ هذه‌ الآية‌ بقوله‌: وَمَا فَعَلْتُهُ و عَنْ أَمْرِي‌.

[438] ـ وهو المرحوم‌ حجّة‌ الاءسلام‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد الهمداني‌ّ ابن‌ المرحوم‌ حجّة‌ الاءسلام‌ الشيخ‌ علي‌ رضوان‌ الله‌ عليهما.

[439] ـ ذكر المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 141، طبعة‌ الكمباني‌ّ، في‌ الفتن‌ الواقعة‌ بعد الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ثلاث‌ روايات‌ في‌ باب‌ العلّة‌ التي‌ من‌ أجلها ترك‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فَدَك‌ لمّا ولي‌ الناس‌.

 «علل‌ الشرايع‌»: الدقّاق‌ بسنده‌ عن‌ أبي‌ بصير عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌:

 قُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَأْخُذْ أَميرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ فَدَكَ لَمَّا وَلِي‌َ النَّاسَ وَلاِي‌ِّ عِلَّةٍ تَرَكَهَا؟

 فَقَالَ: لاِنَّ الظَّالِمَ وَالمَظْلُومَةَ قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَي‌ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ (وفي‌ نسخة‌: وَأَثَابَ اللَهُ المَظْلُومَةَ وَعَاقَبَ الظَّالِمَ) فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ شَيْئَاً قَدْ عَاقَبَ اللَهُ غاصِبَهُ وَأَثَابَ عَلَیهِ المَغْصُوبَةَ.

 «علل‌ الشرايع‌»: بسنده‌ عن‌ إبراهيم‌ الكرخي‌ّ، قال‌: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهُ: لاِي‌ِّ عِلَّةٍ تَرَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ فَدَكاً لَمَّا وَلِي‌َ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِلاِقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَقَدْ بَاعَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ دَارَهُ.فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! أَلاَ تَرْجِعُ إلی دَارِكَ؟ فَقَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ لَنَا دَاراً؟ إنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لاَ نَسْتَرْجِعُ شَيْئَاً يُؤْخَذُ مِنَّا ظُلْماً؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرجِعْ فَدَكاً لَمَّا وَلِي‌َ.

 «عيون‌ أخبار الرضا»، «علل‌ الشرايع‌»: بسنده‌ عن‌ الحسن‌ بن‌ فضّال‌ عن‌ أبي‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ لِمَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكَ لَمَّا وَلِي‌َ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لاِ نَّا أَهْلُ بَيْتٍ وَليُِّنَا اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ، لاَ يَأْخُذُ لَنَا حُقُوقَنَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا إلاَّ هُوَ، وَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ المُؤْمِنِينَ إنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ وَنَأْخُذُ حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ يَظْلِمَهُمْ وَلاَ نَأْخُذُ لاِنْفُسِنَا.

[440] ـ كذلك‌ لم‌ يُرَ حتّي‌ أواخر عمره‌ تقريباً أ نّه‌ لبس‌ الجوارب‌ حتّي‌ في‌ الشتاء القارس‌، وكانت‌ أزرار قميصه‌ وردائه‌ دائماً مفتوحة‌، وكان‌ يفضّل‌ الماء البارد حتّي‌ في‌ الشتاء.

[441] ـ يقول‌: «في‌ يد يتيم‌ وعاءٌ من‌ الهريسة‌، فهو يأكل‌ منه‌ ويئنّ بقوله‌: أين‌ زيته‌؟!».

[442] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 45، كتاب‌ الاءيمان‌ والكفر، باب‌ درجات‌ الاءيمان‌، الحديث‌ الثاني‌، الطبعة‌ الثانية‌ لمكتبة‌ الصدوق‌، طهران‌، سنة‌ 1381 ه.ق‌.

[443] ـ «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 59، الغزل‌ 129، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318 ه.ق‌؛ يقول‌: «يمكن‌ أن‌ تشتري‌ مئات‌ القلوب‌ بنصف‌ نظرة‌ واحدة‌، ولكنّ الحسان‌ يقصرون‌ عادة‌ في‌ هذه‌ المعاملة‌».

[444] ـ «مثنوي‌» ج‌ 1، ص‌ 42، السطر 9، الطبعة‌ الحجريّة‌، آقا ميرزا محمود.

 يقول‌: «أعشق‌ غضبه‌ ولطفه‌ وأهيم‌ بهما بجدٍّ، فيا عجباً منّي‌ من‌ عاشق‌ لهذين‌ الضدّين‌».

[445] ـ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 136، بخطّ طاهر خوشنويس‌، سنة‌ 1379 ه.ق‌، في‌ أعمال‌ شهر رجب‌، طبعة‌ الاءسلاميّة‌.

[446] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[447] ـ صدر الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[448] ـ أورد هذا الحديث‌ السيّد عبد الله‌ شبّر في‌ كتاب‌ «مصابيح‌ الانوار في‌ حلّ مشكلات‌ الاخبار» ج‌ 2، ص‌ 399 و 400، طبعة‌ المطبعة‌ العلميّة‌ في‌ النجف‌، حديث‌ رقم‌ 226، تحت‌ عنوان‌: ما روي‌ عنهم‌ عليهم‌ السلام‌ من‌ قولهم‌: أوّلنا محمّد، وأوسطنا محمّد، وآخرنا محمّد.ويقول‌ في‌ توجيه‌ الفقرة‌ الاخيرة‌:

 ما روي‌ أ نّهم‌ عليهم‌ السلام‌ إذا أتاهم‌ ولد سمّوه‌ محمّداً وبعد سبعة‌ أيّام‌ يغيّرون‌ اسمه‌ إن‌ شاؤوا.وقيل‌ في‌ توجيهه‌: إنّهم‌ باعتبار نوع‌ النور والولاية‌ المطلقة‌ والردّ إليهم‌ والاءفاضة‌ عنهم‌ واحتياج‌ الخلق‌ في‌ البدء والعود إليهم‌ ووجوب‌ الطاعة‌ وغير ذلك‌ هم‌ كمحمّد، بل‌ محمّد؛ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ و مُسْلِمُونَ

[449] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 8 و 9، طبعة‌ المكتبة‌ الاءسلاميّة‌، طهران‌، سنة‌ 1348 هجريّة‌ شمسيّة‌.

 يقول‌: «تعدّي‌ قصدنا قصدّ كلّ قاصد، وفاق‌ نهجُنا نهجَ كلّ ذي‌ نهج‌.

 لم‌ ينل‌ أحد مذاق‌ جرعة‌ من‌ ذلك‌ الشراب‌ الذي‌ ترشّفته‌ دوماً شفاهنا.

 فلك‌ كوكبنا خارج‌ عن‌ مدار الافلاك‌، لانّ الذات‌ القدسيّة‌ فلك‌ كوكبنا.

 ما أكثر ما استبقتْ جياد القلوب‌، لكنّ راكباً لم‌ يدرك‌ قطّ غبارَ جوادنا.

 لم‌ يكن‌ بعدُ للكائنات‌ نهارٌ وليل‌، حين‌ كانت‌ طلعته‌ نهارَنا وذؤابته‌ ليلنا.

 من‌ جاد بالروح‌ والدنيا واشتري‌ عشقه‌، وقف‌ علي‌ ربح‌ أو خسارة‌ تجارتنا».

[450] ـ يقول‌: «ولا يعرف‌ عن‌ تأوّهنا وندائنا: يا ربّ، إلاّ من‌ احترق‌ مثلنا من‌ آهنا وندائنا.

 فخُذ بمذهبنا في‌ الاُصول‌ والفروع‌، إذ الدين‌ الحقّ ديننا ومذهبنا.

 واغسل‌ بادي‌ الامر لوح‌ قلبك‌ من‌ نقوش‌ الكائنات‌، إن‌ كان‌ لك‌ ـ كالمغربي‌ّ العزم‌ علي‌ انتهاج‌ منهجنا».

[451] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 12 و 13.يقول‌: «حين‌ أشرق‌ شعاع‌ جمال‌ الحبيب‌ علي‌ قلبي‌، فقد شاهدت‌ عينُ قلبي‌ حُسنَ كمال‌ الحبيب‌.

 وما الالتفات‌ إلي‌ لذّات‌ الكائنات‌، ممّن‌ نال‌ لحظةً لذّة‌ وصال‌ الحبيب‌؟

 أ نّي‌ أن‌ يتخبّط‌ في‌ حبائل‌ العالم‌ وشراكه‌، قلبٌ أُسر بذؤابة‌ وخال‌ الحبيب‌؟

 وأ نّي‌ أن‌ يتخيّل‌ ملك‌ العالمَين‌ رأسٌ لم‌ يخل‌ لحظةً من‌ خيال‌ الحبيب‌؟».

[452] ـ يقول‌: «عزّ للحبيب‌ مثيلٌ في‌ العالمَين‌، ولو صِيغ‌ كلا العالمَين‌ علي‌ مثال‌ الحبيب‌.

 امتلا وجودي‌ بالحبيب‌، بحيث‌ لا مكان‌ له‌ إن‌ أتي‌ ـ بنفسه‌ ـ الحبيب‌.

 لقد طفح‌ القلب‌ والروح‌ بصفة‌ الحبيب‌ تلك‌، فلم‌ يعد لي‌ بالحبيب‌ نظرٌ لحال‌ الحبيب‌.

 وما حاجة‌ البصر إلي‌ الحسن‌ خارجاً، إذا تجلّي‌ في‌ داخلي‌ جمالُ الحبيب‌؟

 وماذا طلع‌ من‌ مشرق‌ قلبك‌ يا «مغربي‌ّ» حين‌ غاب‌ عنه‌ ألف‌ بدر؟ أجاب‌: هلالُ الحبيب‌».

[453] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 48.يقول‌: «لم‌ أمتلك‌ قلباً بل‌ ما كان‌ عندي‌ خطفه‌ الحبيب‌، وأي‌ّ قلب‌ لا يخطفه‌ ذاك‌ الحبيب‌ مجلّي‌ الهموم‌؟

 فقد خطف‌ بنصف‌ لحظ‌ من‌ العين‌ كمثلي‌َ ألفاً؛ وأخذ بغمزة‌ واحدة‌ كمثلي‌َ ألفا».

[454] ـ يقول‌: «لقد كان‌ لذلك‌ الكاتب‌ الماهر ألف‌ حيلة‌ ليخطف‌ بها نقش‌ القلب‌ من‌ يدي‌.

 كان‌ لي‌ ـ ذكري‌ من‌ الحبيب‌ ـ قلب‌، لست‌ أدري‌ لم‌ استعاد التذكار منّي‌ الحبيب‌؟

 وكان‌ الغبار قد علا قلبي‌ الذي‌ كان‌ مرآة‌ وجهه‌، فجلّي‌ صفاءُ طلعته‌ عن‌ قلبي‌َ الغبار.

 حين‌ جاء الحبيب‌ في‌ القلب‌ تنحّي‌ العقل‌ جانباً، وحين‌ صار إلي‌ الجنب‌ خطف‌ القلب‌ من‌ الجنب‌.

 ومع‌ أ نّه‌ قد استقرّ في‌ قلبي‌ المسكين‌، إلاّ أ نّه‌ قد سلب‌ الاستقرار منه‌.

 كنتُ صاحياً مختاراً في‌ جميع‌ أُموري‌، فسلب‌ بفتنته‌ وغنجه‌ صحوتي‌ واختياري‌.

 فصرت‌ لا روح‌ ولا قلب‌ لي‌ ولا عقل‌ ولا شعور، فقد سلب‌ العقل‌ والشعور والقلب‌ والروح‌ جميعاً».

[455] ـ يقول‌: «حين‌ جاء، زال‌ «المغربي‌ّ» عن‌ البين‌، لا نّه‌ عندما جاء فقد أزالني‌».

[456] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 74 و 75.

 يقول‌: «تعال‌ فقد جلوتُ المرآة‌ ـ لتري‌ فيها وجهك‌ ـ عن‌ رسم‌ ما عداك‌!

 إن‌ كنت‌ لا تنظر إلي‌َّ فانظر إلي‌ المرآة‌، إذ حاشي‌ لمثلك‌ أن‌ ينظر إلي‌ مثلي‌.

 ومع‌ أنّ جميع‌ العقول‌ والنفوس‌ والعناصر والافلاك‌ بأجمعها مرآة‌ طلعتك‌ المحييّة‌.

 ولكن‌ لا يُظهرك‌ كما أنت‌ إلاّ قلبي‌، أنا المسكين‌ المغموم‌ الذي‌ لا قرار له‌.

 فيمكنك‌ أن‌ تري‌ فيه‌ طلعتك‌ كاملة‌، لا نّه‌ مظهر تام‌ لطيف‌ وصاف‌ ونقي‌.

 فَلِمَ لا تمرّ علي‌ قلبٍ صار من‌ طهارته‌، إذا مررتَ به‌ ما وجدتَ فيه‌ سواك‌».

[457] ـ يقول‌: «ولو جلوتَ علي‌ القلب‌ ما جلوت‌ عليه‌، لاجل‌ قربته‌ بل‌ لا نّه‌ مجلاك‌.

 لا يليق‌ أن‌ يُلقي‌ بي‌ ـ وأنا توأم‌ الكائنات‌ جميعاً ـ ذليلاً علي‌ التراب‌.

 ولو ألقيتَ بي‌ إلي‌ الساحل‌ عدتُ إلي‌ البحر، إذ لست‌ زَبَداً بل‌ موج‌ بحرك‌ المحيط‌.

 ظهورك‌ منّي‌ ووجودي‌ منك‌ ولستَ تظهر لولاي‌، لم‌ أكن‌ لولاك‌.

 أنت‌ شمسٌ منيرةٌ والمغربي‌ّ ظلّ، ومن‌ الشمس‌ يكون‌ للظلّ وجود وهلاك‌».

[458] ـ ما ألطف‌ وأجمل‌ هذين‌ البيتين‌ اللذين‌ ذكرهما حكيمنا وعارفنا الجليل‌ الحاجّ الملاّ هادي‌ السبزواري‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ تعليقته‌ علي‌ كتاب‌ «الاسفار» ج‌ 6، ص7، الطبعة‌ الحروفيّة‌ الحيدريّة‌، سنة‌ 1398 ه، في‌ السفر الثالث‌ في‌ العلم‌ الاءلهي‌، واللذين‌ يماثلان‌ في‌ المعني‌ والمضمون‌ بيت‌ المغربي‌ّ هذا:

 إذَا رَامَ عَاشِقُهَا نَظْرَةً وَلَمْ يَسْتَطِعْهَا فَمِنْ لُطْفِهَا

 أَعَارَتْهُ طَرْفاً رَآهَا بِهِ فَكَانَ البَصِيرُ بِهَا طَرْفُهَا

 «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 86.

 يقول‌: «سأستعير عيناً منك‌ لانظر بها طلعتك‌، إذ لا تليق‌ لرؤياك‌ عيني‌».

 ـ يقول‌: «لا نّك‌ تتجلّي‌ كلّ آن‌ بحسنٍ جديد، فقد صرتُ أراك‌ كلّ نَفَس‌ بعين‌ جديدة‌.

 ناظرٌ أنتَ من‌ مُقلتي‌ إلي‌ طلعتك‌، لا نّك‌ إنسان‌ عيني‌ ونور بصري‌.

 من‌ امّحي‌ رسمه‌ وأثره‌ أدرك‌ نهجه‌ ودربه‌، لكنّي‌ لستُ بلا اسم‌ وأثر.

 ومادام‌ موجـوداً أثـر مـنّـي‌ فـلـن‌ أجـد منك‌ أثـراً، فليـتـنـي‌ كنت‌ بلا أثـر عدمـاً فـي‌ العالمين‌.

 لن‌ أستطيع‌ التحليق‌ في‌ دربك‌ إن‌ لم‌ يسعفني‌ نظرك‌ لي‌ بريش‌ وجناح‌.

 يأتي‌ عبيرك‌ المنعش‌ مع‌ نسيم‌ السحر، لذا صرتُ أشغف‌ بأنفاس‌ نسيم‌ السحر.

 لقد خطر الحبيب‌ سحراً علي‌ قلبنا وقال‌: سأمرّ علي‌ قلبك‌ كالمتجلّي‌».

[459] ـ يقول‌: «فاجْل‌ غبار العالمين‌ عن‌ مرآة‌ القلب‌ يا «مغربي‌ّ»، لا نّي‌ أتطلّع‌ فيه‌ دوماً».

[460] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 87.

 يقول‌: «ـ أسرتني‌ يد الهجر ـ أنا الباقي‌ في‌ منأي‌ عن‌ حبيبي‌ الفاتن‌ وبقيت‌ بائساً.

 كنت‌ في‌ البدء جوهراً غالياً، فصرت‌ غارقاً في‌ التراب‌ القاتم‌ بلا قيمة‌.

 ملقيً بعيداً عن‌ خواصّ بلاط‌ الازل‌، أسير التراب‌ الابدي‌ّ مغموراً في‌ البلاء.

 وكنتُ مقرّباً لاعتاب‌ سرادق‌ الكبرياء، فسقطتُ بِيَدِ الكبر وظللتُ حبيس‌ الرياء.

 سمّرتني‌ مسامير الطبيعة‌ الاربعة‌، وبقيت‌ ممتحناً بحبس‌ جهات‌ الكون‌ الستّ.

 قال‌ لي‌ من‌ رآني‌ في‌ حالي‌ تلك‌: أمعن‌ النظر من‌ أين‌ جئت‌ وأين‌ بقيت‌».

[461] ـ يقول‌: «حلّ الليل‌ وبقيت‌ بعيداً عن‌ القافلة‌ في‌ طريق‌ قفر، غريباً عاجزاً ضعيفاً مسكيناً.

 فأين‌ شعاع‌ حُسنك‌ ليضي‌ء الطريق‌، فقد ظلّت‌ روحي‌ تائهة‌ عن‌ الدرب‌ بلا دليل‌.

 لقد أشبهَ «المغربي‌ّ» الحقير من‌ بُعد الشمس‌، ذرّةً تائهة‌ معلّقة‌ في‌ الهواء».

[462] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 106.

 يقول‌: «ليس‌ يخلو أحدٌ من‌ الدلالة‌ عليك‌، فليس‌ ـ بغير وجودك‌ ـ من‌ حجر ولا طين‌ ولا حشائش‌.

 ولن‌ يُعثر علي‌ ذرّة‌ من‌ ذرّات‌ العالم‌، ليس‌ في‌ أعماق‌ قلبها قمر من‌ حبّك‌».

[463] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 157.

 يقول‌: «حالما جئت‌ من‌ العدم‌ إلي‌ الوجود، فقد هويت‌ للتشهد ساجداً.

 وحين‌ جلستُ من‌ قيامي‌، فقد سجدت‌ عند طلعتك‌».

[464] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 158.

 يقول‌: «أنت‌ ثمل‌ بوجودك‌ ونحن‌ سكاري‌ بك‌، أنت‌ موجود بذاتك‌ ونحن‌ موجودون‌ بك‌.

 وحيث‌ إنّ قيامنا بك‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، لذا فقد أعطيناك‌ أيدينا جميعاً».

[465] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 158.

 يقول‌: «جئتَ من‌ الله‌ إلي‌ الله‌، ولم‌ تجي‌ عبثاً ولعباً.

 فاسعَ في‌ معرفة‌ الله‌ وعبادته‌، فقد جئت‌ من‌ أجل‌ هذا إلي‌ الدنيا».

[466] ـ «ديوان‌ شمس‌ المغربي‌ّ» ص‌ 159.

 يقول‌: «جئتَ من‌ عالم‌ الحقّ إلي‌ هذه‌ الدنيا، فانظر أين‌ كنتَ وأين‌ صرت‌.

 ولو كنتَ تعلم‌ علّة‌ مجيئك‌، فإنّك‌ لن‌ تخلو لحظة‌ من‌ العلم‌ والعمل‌».

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com