بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الرابع: عظمة روحیة أطفال الشیعة و عبادات الاطفال حقیقیة، نسب سماحة السید هاشم، السید حسن مسقطی،ال...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

القسم‌ الثالث‌:

 السفر الثاني‌ للحقير إلی العتبات‌ المقدّسة‌ سنة‌ 1383 هجريّة‌ قمريّة‌

 

 وفي‌ السنة‌ التالية‌ أحسستُ في‌ نفس‌ الفترة‌ برغبة‌ عارمة‌ للتشرّف‌ بزيارة‌ تلك‌ البقاع‌ المقدّسة‌ وعقدت‌ العزم‌ علی‌ ذلك‌، فراجعت‌ مديريّة‌ السفر لاخذ سمة‌ الخروج‌، وقطعت‌ تذكرة‌ السفر بالسيّارة‌ من‌ شركة‌ سفر « ميهن‌ تور » علی‌ أن‌ يبدأ السفر بعد غد ذلك‌ اليوم‌. وعند ذهابي‌ لتوديع‌ الارحام‌ والاقارب‌، قالت‌ لي‌ إحدي‌ أخواتي‌ التي‌ مضي‌ علی‌ وفاتها والتحاقها بالرحمة‌ الإلهيّة‌ اليوم‌ تسع‌ سنين‌: يا فلان‌! أنت‌ تذهب‌ للزيارة‌، ولكنّ نظم‌ البيت‌ سينفرط‌ بدون‌ إشرافكم‌ ورعايتكم‌ المباشرة‌، ولربّما نال‌ الإجحاف‌ والظلم‌ بعض‌ أهليكم‌!

 فقلت‌: إنني‌ ذاهب‌ إلی الزيارة‌، ولست‌ أرضي‌ أن‌ ينال‌ أحداً في‌ هذا الامر التقرّبي‌ّ ظلم‌ وحيف‌. ومادام‌ الامر كذلك‌، فقد صرفت‌ النظر عن‌ السفر الآن‌.

 وهكذا فقد ذهبت‌ في‌ نفس‌ ذلك‌ اليوم‌ وأعدت‌ تذكرة‌ السفر. وأذكر هذه‌ القضية‌ هنا ليعلم‌ الجيل‌ الآتي‌ مدي‌ ما كان‌ يعانيه‌ رجال‌ الدين‌ وأهل‌ العلم‌ في‌ العهد البهلوي‌ّ ـ الاب‌ والابن‌ وضخامة‌ الاوضاع‌ التي‌ عاصرها الرجال‌ المتديّنون‌ والنساء المحجّبات‌.

 لقد ذهبت‌ لإرجاع‌ تذكرة‌ السفر، فقلتُ لاهل‌ بيتي‌ وكانت‌ بصحبتي‌:

 إنّ محلّ شركة‌ السفر مزدحم‌، فانتظروني‌ خارجاً وسأذهب‌ لإرجاع‌ التذكرة‌ وأعود. وحين‌ خرجت‌ وجدتها تسير خلف‌ ضابط‌ وهي‌ تقول‌: أيّها السيّد! أنا لست‌ شحّاذة‌!

 ولقد كان‌ محلّ شركة‌ السفر(ميهن‌ تور) واقعاً بين‌ شارِعَي‌ « سوّم‌ اسفند »(= الثالث‌ من‌ اسفند) و « ثبت‌ أسناد »(= دائرة‌ تسجيل‌ الاسناد) وهي‌ من‌ المناطق‌ الحسّاسة‌، إذ يقع‌ هناك‌ مصنع‌ الاسلحة‌ ونادي‌ الضبّاط‌ ودائرة‌ الشرطة‌ والامن‌ ووزارة‌ الحربيّة‌، فهي‌ محلّ تردّد وعبور الكثير من‌ الضبّاط‌. ولقد شاهد أحد الضبّاط‌ عيالي‌ محجّبة‌ ترتدي‌ العباءة‌ والنقاب‌ فظنّ أ نّها شحّاذة‌ ومتسوّلة‌ وقفت‌ هناك‌ للاستجداء، لذا فقد وضع‌ في‌ يدها قطعة‌ صغيرة‌ من‌ النقود، فاضطربت‌ ولحقته‌ لإعادة‌ ما أعطاها، فانتبه‌ الضابط‌ واستردّ نقوده‌ واعتذر قائلاً: سامحيني‌ أيّتها السيّدة‌!

 ولم‌ يكن‌ ذلك‌ الامر مقتصراً علی‌ فحسب‌، بل‌ كان‌ حماة‌ الدين‌ وحرّاسه‌ يعيشون‌ بأجمعهم‌ ظروفاً كهذه‌ حيث‌ تُعدّ فيها العمامة‌ لباساً للاستجداء، وعباءة‌ عِصمة‌ المرأة‌ رداءً لستر الخجل‌ من‌ استلام‌ نقود الاستجداء. أمّا حاليّاً فالفضلاء والطلاّب‌ يعرفون‌ قدر عمامة‌ رسول‌ الله‌، كما تصون‌ نساؤنا أنفسهنّ بحجابهنّ وعفّتهن‌ من‌ أعين‌ الغرباء ويحفظنها من‌ النظرات‌ الشيطانيّة‌.

 ولعدم‌ تيسّر السفر لي‌ في‌ تلك‌ السنة‌، فقد شددتُ الرحال‌ إلی العتبات‌ المقدّسة‌ في‌ السنة‌ التي‌ تليها، وفي‌ الفترة‌ ذاتها، أي‌ أواخر ذي‌ القعدة‌ الحرام‌.

الرجوع الي الفهرس

استئجار سماحة‌ الحدّاد طابقاً في‌ منزل‌، بعد غصب‌ نصف‌ منزله‌

 وهكذا، فقد قام‌ الحقير بزيارة‌ الكاظمين‌ عليهما السلام‌ عدّة‌ أيّام‌، ثمّ تحرّكت‌ مع‌ بعض‌ الرفقاء من‌ الكاظميّة‌ إلی كربلاء. وكان‌ السيّد الحدّاد قد غيّر منزله‌ في‌ هذا السفر، واضطرّ ـ كي‌ يقوم‌ بأعمال‌ إصلاح‌ البيت‌ وتعميره‌ إلی استئجار طابق‌ منزل‌ يقع‌ مقابل‌ منزله‌ يحوي‌ ثلاث‌ غرف‌، لكنّه‌ كان‌ يمتلك‌ سطحاً واسعاً مسيّجاً وكان‌ يستفيد منه‌ في‌ الليالي‌ للصلاة‌ ولاجتماع‌ الرفقاء في‌ ليالي‌ الجمعة‌ وأيّام‌ الزيارة‌.

 وكان‌ منزله‌ ملكاً لعياله‌، وهبها إيّاه‌ أبوها المدعو بـ « حسين‌ أبو عَمْشة‌ »[27]، وكان‌ يحترم‌ السادة‌ ويحبّهم‌ كثيراً وخاصّة‌ صهره‌ السيّد هاشم‌ هذا. وباعتبار كبر عائلة‌ السيّد هاشم‌ فقد قال‌: إنّ هذا البيت‌ خاصّ بهؤلاء الاطفال‌ السادة‌. وأوصي‌ بذلك‌ خطّيّاً؛ إلاّ أنّ زوج‌ أُخت‌ زوجته‌ المدعو ب الحاجّ صمد الدلاّل‌ أنكر هذه‌ الوصيّة‌ بعد وفاته‌ وقام‌ بمراجعة‌ الدوائر الرسميّة‌، علی‌ الرغم‌ من‌ عدم‌ حاجته‌ وتمكّنه‌ المادّي‌ّ!

 ومن‌ ثمّ فقد أرسلت‌ الحكومة‌ من‌ قام‌ ببناء جدار وسط‌ البيت‌؛ فصار هذا البيت‌ الصغير الحاوي‌ علی‌ ثلاث‌ غرف‌ صغيرة‌ ناقصاً غير قابل‌ للسكني‌، إذ لم‌ يكن‌ لهذا النصف‌ باب‌ إلی الخارج‌ ولا مرافق‌ صحّيّة‌، فكان‌ أهله‌ وأطفاله‌ يُجبرون‌ علی‌ صعود السلّم‌ إلی السطح‌ ثمّ النزول‌ إلی الجانب‌ الآخر عبر سلّم‌ آخر، ممّا أدّي‌ إلی إصابة‌ أهل‌ السيّد هاشم‌ بالامراض‌. فأُجبروا أخيراً علی‌ إخلاء المنزل‌ لنصب‌ باب‌ له‌ ولبناء مرافق‌ صحّيّة‌ ولإصلاح‌ الحائط‌ المحاذي‌ للشارع‌ والذي‌ كان‌ متداعياً من‌ أساسه‌.

 وكان‌ المرحوم‌ القاضي‌ قد أخبره‌ عن‌ غصب‌ نصف‌ هذا المنزل‌ وعن‌ بنائه‌ وتسليمه‌ إيّاه‌، وهكذا حدث‌ بالفعل‌؛ وللمسألة‌ شرح‌ يطول‌ الامر بذكره‌.

 أمّا ذلك‌ المنـزل‌ المسـتأجر المقابل‌ فقد تسـبّب‌ ـ لفقـدانه‌ الإنـارة‌ والاُمور الصحّيّة‌ بشكل‌ صحيح‌ وكامل‌ في‌ وفاة‌ أحد أحفاد السيّد هاشم‌، واسمه‌ السيّد محمّد بن‌ السيّد حسن‌ في‌ تلك‌ الايّام‌ التي‌ حلّ فيها الحقير عندهم‌ إثر إصابته‌ بمرض‌ الحصبة‌.

 وكان‌ هذا الطفل‌ شبيهاً بالمرحوم‌ القاضي‌ للحدّ الذي‌ كان‌ السيّد الحدّاد يسمّيه‌ بالقاضي‌ الثاني‌، وكان‌ يحبّه‌ كثيراً. وقد تأثّر السيّد الحدّاد لموت‌ هذا الطفل‌ كثيراً؛ وحين‌ نقل‌ الحقير الجنازة‌ معه‌ إلی محلّ غسل‌ الاموات‌ في‌ منطقة‌ المُخَيَّم‌ الحسيني‌ّ، لم‌ يتمكَّن‌ من‌ السيطرة‌ علی‌ دموعه‌ التي‌ انهمرت‌ بغزارة‌. فقلت‌ له‌ عصر ذلك‌ اليوم‌: أوَ لم‌ يكن‌ لكم‌ رغبة‌ في‌ بقاء هذا الطفل‌ حيّاً ليردّ الله‌ عنه‌ الموت‌ ويكتب‌ له‌ الحياة‌؟!

 قال‌: بلي‌، ولكنّ الامر من‌ ذلك‌ الجانب‌ يغلب‌ أحياناً، فيسلب‌ الرغبة‌ والإرادة‌ من‌ هذا الجانب‌.

 وكان‌ السيّد حسن‌ هو ولده‌ الثالث‌. فقد كان‌ أوّلهم‌ السيّد مهدي‌، يليه‌ بالترتيب‌ السيّد قاسم‌ والسيّد حسن‌ والسيّد صالح‌ والسيّد بُرهان‌ والسيّد عبد الامير، وبنت‌ أكبر منهم‌ يدعونها بالعلويّة‌ واسمها زهراء، ويقال‌ لها فاطمة‌ وأيضاً بَيگم‌، حيث‌ إنّ تسميتها فاطمة‌ وبيگم‌ يعود إلی أن‌ السيّد الحدّاد كان‌ له‌ ابنتان‌ قبل‌ ابنته‌ هذه‌ توفّيتا في‌ طفولتهما، فكان‌ اسماهما يُطلقان‌ عليها أحياناً.

 وكان‌ المرحوم‌ الحدّاد يقول‌: كان‌ لبيگم‌ سنتان‌ حين‌ رحلت‌ عن‌ الدنيا، وكنتُ آنذاك‌ في‌ حال‌ لا أُميِّز فيه‌ بين‌ الموت‌ والحياة‌ أبداً؛ فقد كانا بالنسـبة‌ لي‌ علی‌ حدّ سـواء. وحين‌ حملنا جنـازتها مع‌ والد زوجتي‌(أبو عَمْشة‌) وذهبنا للقيام‌ بالغسل‌ والكفن‌ والدفن‌ لم‌ أذرف‌ الدموع‌ أبداً، لكنّه‌ ـ في‌ المقابل‌ كان‌ محزوناً ومتأثّراً جدّاً، وكان‌ يبكي‌ بحيث‌ تغيّرت‌ حالته‌ النفسـيّة‌. وكان‌ يقول‌: عجباً لهذا السيّد الذي‌ يمتلك‌ قلباً قاسـياً لا يعرف‌ للرحمة‌ طعماً؛ فهو لا يبكي‌ ولا يندب‌، حتّي‌ أنّ دمـوعه‌ لم‌ تنحدر! ولا نّا كنّا نعيش‌ معه‌ في‌ منزل‌ واحد فقد خاصمني‌ مدّة‌ لم‌ يكلمني‌ فيها.

 وبعد بيگم‌ توفّيت‌ بنت‌ السيّد الثانية‌ واسمها فاطمة‌. فكان‌ يقول‌ عنها: كانت‌ وفاتها ليلاً، فوضعناها في‌ زاوية‌ الغرفة‌ لندفنها في‌ اليوم‌ التالي‌؛ وكنت‌ قد نظـرت‌ إليها مـدّة‌ علی‌ أ نّها طفلة‌ رحلـت‌ عن‌ الدنيا، فلم‌ تكن‌ لها تلك‌ الاهمّيّة‌ الكبيرة‌.

الرجوع الي الفهرس

مشاهدة‌ الحدّاد عظمة‌ روحيّة‌ أطفال‌ الشيعة‌ بعد الموت‌

 ثمّ رأيت‌ تلك‌ الليلة‌ أنّ روحها تكبر في‌ زاوية‌ الغرفة‌ حتّي‌ ملات‌ البيت‌، ثمّ كبرت‌ فملات‌ كربلاء كلّها، ثمّ شملت‌ الدنيا بأسرها. ولقد كانت‌ تلك‌ الطفلة‌ تظهر حقيقتها أن‌: كم‌ أنا كبيرة‌ مع‌ أ نّي‌ ما زلت‌ طفلة‌!

 وكان‌ يقول‌: هذه‌ هي‌ عظمتها الحقيقيّة‌. لذا فإنّ علينا أن‌ ننظر إلی أطفالنا بعين‌ الاحترام‌ ونلحظهم‌ علی‌ أ نّهم‌ كبار، لا نّهم‌ كبار فعلاً لكنّنا نتصوّرهم‌ صغاراً. ولقد كان‌ إبراهيم‌ ابن‌ رسول‌ الله‌ ذو السنتين‌ كبيراً وعظيماً بحيث‌ إنّه‌ لو بقي‌ لكان‌ بمثابة‌ نفس‌ النبي‌ّ. لكأنّ النبي‌ّ كان‌ نفس‌ ولده‌ إبراهيم‌ وقد كبر؛ ولكأنّ إبراهيم‌ هو النبي‌ّ نفسه‌، كلّ ما في‌ الامر أ نّه‌ في‌ زمن‌ طفولته‌ وصباه‌؛ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن‌ بَعْضٍ.[28]

وكان‌ يقول‌: لذا فإنّ من‌ الاجدر علی‌ الإنسان‌ احتراماً للطفل‌ المولود حديثاً أن‌ يجتنب‌ الجماع‌ أربعين‌ يوماً، وأن‌ يؤخذ الطفل‌ الصغير الذي‌ لم‌ يتعدّ عدّة‌ أشهر وهو في‌ قماطه‌ إلی مجالس‌ العلم‌ ومحافل‌ الذِّكر، وإلي‌ الحسينيّة‌ وأماكن‌ إقامة‌ العزاء التي‌ يذكر فيها اسم‌ سيّد الشهداء؛ لانّ نفس‌ الطفل‌ أشبه‌ بالمغناطيس‌ تجذب‌ العلوم‌ والاوراد والاذكار وقدسيّة‌ روح‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌. ومع‌ أنّ الطفل‌ لا يستطيع‌ الكلام‌ لكنّه‌ يتمتّع‌ بالإدراك‌، ولو وُضعت‌ روحه‌ في‌ محلّ أو محالّ المعصية‌، لتلوّثت‌ بذلك‌ الجرم‌ وتلك‌ المعصية‌، أمّا لو أُخذ إلی محلّ أو محالّ الذِّكر والعبادة‌ والعلم‌ لاكتسب‌ تلك‌ الطهارة‌ والصفاء.

 وكان‌ يقول‌: ضعوا أطفالكم‌ في‌ زاوية‌ الغرفة‌ التي‌ يُقام‌ فيها قراءة‌ التعزية‌ أو الذِّكر الذي‌ تقومون‌ به‌! فلقد كان‌ العلماء السابقون‌ يفعلون‌ ذلك‌، لانّ الآثار التي‌ يكتسبها الطفل‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ تبقي‌ ثابتة‌ فيه‌ إلی آخر عمره‌ وتصبح‌ ضمن‌ غرائزه‌ وصفاته‌ الفطريّة‌، ذلك‌ لانّ نفس‌ الطفل‌ في‌ هذه‌ الفترة‌ لها قابلية‌ محضة‌، مع‌ أنّ عامّة‌ الناس‌ لا يدركون‌ هذا المعني‌ المهمّ والسرّ الخطير.

 وأنا أقول‌: نعم‌، الامر كذلك‌؛ ولدينا في‌ هذا الموضوع‌ كثير من‌ الشواهد البرهانيّة‌ والادلّة‌ العلميّة‌ والتجربيّة‌ والمشاهدات‌ القويّة‌ غير القابلة‌ للتأويل‌ في‌ هذا الموضوع‌، لا مجال‌ لذكرها الآن‌.

الرجوع الي الفهرس

وفاة‌ ولد الحقير: السيّد محمّد جواد

 ومن‌ بين‌ الادلّة‌ التجربيّة‌ والمشاهدة‌ غير القابلة‌ للتأويل‌، وفاة‌ ولد الحقير ذي‌ الاحد عشر شهراً واسمه‌ السيّد محمّد جواد. فقد ولد في‌ التاسع‌ من‌ صفر لسنة‌ 1380 هجريّة‌ قمريّة‌، وقد أطلقنا عليه‌ هذا الاسم‌ للتوسّل‌ بجواد الائمّة‌ عليه‌ السلام‌، ولولادته‌ بعد ارتحال‌ أُستاذ العرفان‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ محمّد جواد الانصاري‌ّ الهمداني‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ بثلاثة‌ أشهر وسبعة‌ أيّام‌(فقد توفّي‌ الفقيد في‌ الثاني‌ من‌ ذي‌ القعدة‌ لسنة‌ 1379 ه.ق‌).

 وكان‌ طفلاً طلق‌ المحيّا يسطع‌ النور والصفاء منه‌، لكأ نّه‌ كان‌ نوراً خالصاً، وقد كان‌ ذلك‌ مشهوداً فيه‌ منذ طفولته‌ تلك‌، وكنتُ قد لقّبته‌ بـ « مسيح‌ الزمان‌ » و « النور الخالص‌ ». وكان‌ لم‌ ينطق‌ بعدُ ولم‌ يمشي‌ علی‌ قدميه‌، بل‌ كانوا يلفّونه‌ بقماط‌ فينهض‌ صباحاً بدون‌ أن‌ يبكي‌ أو يطالب‌ بالرضاعة‌ أو يبحث‌ عن‌ والدته‌، فيحبو في‌ قماطه‌ ولفّافته‌ تلك‌ صوبي‌ فيجلس‌ في‌ حجري‌.

 نعم‌، كنّا قد انتقلنا إلی منزل‌ جديد في‌ منطقة‌ « أحمديه‌ دولاب‌ »، وكنتُ قد مرضت‌ بشكل‌ جعلني‌ عدّة‌ أيّام‌ لا أقوي‌ إلاّ علی‌ تناول‌ عدّة‌ ملاعق‌ من‌ حساء الحليب‌ المعدّ للاطفال‌، بسبب‌ دُمل‌ داخل‌ اللوزتين‌ وتورّمهما. وانتابتني‌ حمّي‌ شديدة‌ مضافاً إلی المرض‌ المرهق‌ الذي‌ أنهك‌ قواي‌؛ وخلاصة‌ الامر فقد كانت‌ حالتي‌ غير جيّدة‌. وكنت‌ قد رأيت‌ وأنا في‌ الغرفة‌ الخارجيّة‌(البرّاني‌) في‌ يوم‌ وفاة‌ ذلك‌ الطفل‌ وقبل‌ ساعة‌ من‌ وفاته‌ رؤيا: كأنّ قطعة‌ نور كانت‌ تأتي‌ من‌ جهة‌ مرقد عبد العظيم‌ الحسني‌ّ عليه‌ السلام‌ إلی جهة‌ طهران‌، وكأنّ حرباً قد نشبت‌ في‌ طهران‌ بين‌ المسلمين‌ والكفّار؛ فجاءت‌ قطعة‌ النور هذه‌ وانضمّت‌ إلی المسلمين‌ وأعانتهم‌ فقهروا الكفّار. وكان‌ ذلك‌ النور السيّد محمّد جواد. ثمّ استيقظتُ وجاء بعد ساعة‌ ولدي‌ الاكبر السيّد محمّد صادق‌ يسأل‌ الحقير عن‌ دروس‌ المدرسة‌ ومسائل‌ الحساب‌، وكنت‌ مشغولاً معه‌ حين‌ رأيت‌ السيّد محمّد جواد جنب‌ الحوض‌ الصخري‌ّ في‌ ساحة‌ المنزل‌ يلعب‌ بماء الحوض‌، فهرعت‌ إليه‌ وأدخلته‌ إلی الداخل‌ عند أُمّه‌ وكانت‌ مشغولة‌ بأعمال‌ الخياطة‌، وأوصيتها وأكّدتُ عليها بالمحافظة‌ عليه‌! فهذا الطفل‌ مولع‌ باللعب‌ بالماء وسيعود إلی هناك‌. ثمّ عدت‌ إلی القسم‌ الخارجي‌ّ من‌ البيت‌(البرّاني‌) وانشغلت‌ بملاحظة‌ دروس‌ ولدي‌ الاكبر.

 وبالتأكيد فلم‌ تنقضِ دقائق‌ خمس‌ حتّي‌ علا صراخ‌ أُمّه‌ من‌ ساحة‌ المنزل‌: الويل‌ لي‌! لقد مات‌ ولدي‌! فأسرعتُ من‌ الغرفة‌ إلی ساحة‌ المنزل‌ وشاهدت‌ أن‌ الامر قد انتهي‌. ولقد نقلناه‌ علی‌ الفور إلی المستشفي‌ حيث‌ أُجري‌ له‌ التنفّس‌ بالاُوكسيجين‌ ولكن‌ بلا جدوي‌، فأعدته‌ بنفسي‌ إلی المنزل‌ ووضعته‌ في‌ زاوية‌ الغرفة‌ الخارجيّة‌ وقلت‌ لاُمّه‌ ولباقي‌ العائلة‌: إنّ حال‌ الطفل‌ جيّدة‌.

 وكنتُ أنوي‌ القيام‌ بغسل‌ الطفل‌ ليلاً إلاّ أنّ الحاجّ هادي‌ الابهري‌ّ لم‌ يدعني‌ أفعل‌ ذلك‌ وقال‌: بأنّ الحاجّ محمّد إسماعيل‌ سيغسله‌ وأنّ آية‌ الله‌ الشيخ‌ صدر الدين‌ الحائري‌ّ سيصبّ عليه‌ الماء. ثمّ إنّه‌ غُسِّل‌ وكُفِّن‌ ودُفِن‌ بعد مراسم‌ مفصّلة‌ في‌ مقبرة‌ « چهل‌ تن‌ دولاب‌ ».

 والغرض‌ من‌ هذه‌ القصّة‌: أنّ عيالي‌ قد تأ لّمت‌ بشدّة‌ إثر هذه‌ الواقعة‌، وكانت‌ تتأسّف‌ وتتلهّف‌. حتّي‌ أتت‌ يوماً إلی مسجد القائم‌ ونقلت‌ الامر إلی إحدي‌ المخدّرات‌ من‌ مأمومات‌ المسجد واسمها « فاطمة‌ خانم‌ » فقالت‌ لها: لا تتأسّفي‌ عليه‌! فقد رأيتُ في‌ المنام‌ أنّ جبلاً كان‌ يوشك‌ أن‌ ينهار علی‌ رأس‌ السيّد أبيه‌، وكان‌ السيّد نائماً تحت‌ ذلك‌ الجبل‌، فجاء هذا الولد ووقف‌ أمام‌ الجبل‌ ومدّ يديه‌ فأسند بها الجبل‌ فمنعه‌ من‌ السقوط‌.

 ويُستفاد من‌ ذلك‌ أنّ موته‌ كان‌ في‌ الحقيقة‌ اختياريّاً. وكان‌ المرحوم‌ الحاجّ هادي‌ الابهري‌ّ يقول‌: كان‌ البلاء يوشك‌ أن‌ يحلّ بهذا المنزل‌، فضحّي‌ هذا الطفل‌ بنفسه‌ وصدّ بلاءً أكبر من‌ الوقوع‌. كما هو شأن‌ علی‌ الاصغر عليه‌ السلام‌ الذي‌ اختار الاستشهاد بنفسه‌، وكإبراهيم‌ ابن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ الذي‌ فدي‌ بنفسه‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ ورضي‌ بأن‌ يموت‌ مكانه‌. وهذه‌ نكتة‌ تستحقّ التأمّل‌، وهي‌ أنّ الاطفال‌ يمتلكون‌ أرواحاً كبيرة‌ واختياراً وانتخاباً وجدانيّاً.

الرجوع الي الفهرس

عبادات‌ الاطفال‌ حقيقيّة‌ وليست‌ تمرينيّة‌

 ومن‌ بين‌ هذه‌ الشواهد، الادلّة‌ الشرعيّة‌ لحجّ الاطفال‌ واستحبابه‌ الشرعي‌ّ. بأن‌ يُلبس‌ الاطفال‌ ـ ولو أُولئك‌ الذين‌ لا تتجاوز أعمارهم‌ اليوم‌ الواحد ملابسَ الإحرام‌، وأن‌ ينوي‌ ولي‌ّ الطفل‌ نيابة‌ عنه‌ ويطوف‌ به‌ ويصلّي‌ عنه‌ ويأخذه‌ معه‌ إلی عرفات‌ والمشعر ومني‌، وأن‌ يضحّي‌ ويقوم‌ بجميع‌ المناسك‌ مكانه‌؛ ويقيناً أنّ هذه‌ الاعمال‌ ليست‌ من‌ باب‌ العمل‌ التعبّدي‌ّ الصرف‌ والتشبّه‌ بالحجّاج‌، بل‌ لانّ روح‌ الطفل‌ ونفسه‌ تمتلك‌ القابليّة‌ لان‌ تحجّ حقيقة‌ وتلبّي‌ وتنال‌ الفوز ودرجات‌ الشخص‌ المُحْرِم‌ والحاجّ، أي‌ أنّ آثار حجّ الشخص‌ الحاجّ ستوجد بالاستعداد والقوّة‌ في‌ نفسه‌؛ مع‌ أنّ مسألة‌ حِجّة‌ الإسلام‌ ووظيفة‌ الحجّ الواجب‌ مسألة‌ أُخري‌ منفصلة‌. كما يستحبّ أخذ الطفل‌ للعمرة‌ والقيام‌ بالعمرة‌ المفردة‌ بهذا النحو فيكون‌ معتمِراً.

 وكذلك‌ لو أتي‌ الطفل‌ بجميع‌ الواجبات‌ والمستحبّات‌ الاُخري‌، فإنّ الآثار الوجوديّة‌ لتلك‌ الاعمال‌ ستؤثّر في‌ روحه‌؛ ومع‌ أنّ الإلزام‌ والتكليف‌ قد أُزيل‌ عنه‌، إلاّ أنّ أصل‌ الاثر باقٍ. ولذا، فقد قال‌ فقهاؤنا رضوان‌ الله‌ عليهم‌: إنّ أي‌ّ عمل‌ واجب‌ علی‌ المكلّفين‌، له‌ عنوان‌ العمل‌ المستحبّ للصغار غير المكلّفين‌؛ وإنّ كلّ عمل‌ حرام‌ علی‌ المكلّفين‌، له‌ عنوان‌ العمل‌ المكروه‌ لهم‌؛ كما أنّ عباداتهم‌ حقيقيّة‌ وليست‌ تمرينيّة‌.

الرجوع الي الفهرس

أجداد سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد ونسبه‌

 وكان‌ والد السيّد هاشم‌ السيّد قاسم‌ قد تزوّج‌ بأُمّه‌ واسمها زينب‌. وتزوّج‌ السيّد الحدّاد بامرأة‌ اسمها هديّة‌ وتكنّي‌ بأُمّ مهدي‌، وتنتمي‌ إلی عشيرة‌ الجنابات‌ وهي‌ من‌ العشائر العربيّة‌ الاصيلة‌ والعريقة‌ والمشهورة‌ بعراقتها وأصالتها، وتتواجد حاليّاً في‌ الحلّة‌ وكربلاء والنجف‌ الاشرف‌ وبعض‌ المناطق‌ الاُخري‌، ومن‌ عادة‌ أفرادها أن‌ لا يزوِّجوا بناتهم‌ لغيرهم‌ ولا يتزوَّجوا من‌ غيرهم‌. ويشغل‌ أفرادها غالباً المناصب‌ الحكوميّة‌ من‌ الرؤساء والضبّاط‌؛ لذا فحين‌ ذهبت‌ أُمّ مهدي‌ مع‌ السيّد الحدّاد مرّة‌ إلی المحكمة‌ لإصدار شهادة‌ الجنسيّة‌ لاولادها، قال‌ لها الحاكم‌: أليس‌ من‌ الحيف‌ أن‌ تتزوّجي‌ من‌ هذا السيّد الغريب‌ الهندي‌ّ المجهول‌ الذي‌ لا أصل‌ له‌ ولا نسب‌؟!

 فما كان‌ من‌ هذه‌ المرأة‌ الثابتة‌ الجنان‌ إلاّ أن‌ زمجرت‌ في‌ وجهه‌ كاللبوة‌: أنت‌ الذي‌ لا أصل‌ لك‌ ولا نسب‌! فهذا السيّد ابن‌ رسول‌ الله‌ وابن‌ أمير المؤمنين‌ وفاطمة‌ الزهراء. هذا هو نسبه‌، فقل‌ لي‌ نسبك‌ إلی ما قبل‌ مائة‌ سنة‌، فضلاً عن‌ ألف‌ وأربعمائة‌ سنة‌!

 وهكذا فقد أذعن‌ الحاكم‌ أمام‌ منطقها واعتذر منها.

 وكان‌ أبو زوجته‌ كما أسلفنا هو حسين‌ أبو عَمْشة‌، وكان‌ اسم‌ أُمّ زوجته‌ نجيبة‌.

 وكانت‌ كربلاء مسقط‌ رأس‌ السيّد هاشم‌، كما كان‌ أبوه‌ من‌ مواليد تلك‌ المدينة‌ أيضاً؛ أمّا جدّه‌ السيّد حسن‌ فكان‌ من‌ شيعة‌ الهند، وكان‌ قد وقع‌ في‌ الاسر خلال‌ النزاع‌ والحرب‌ الدائرة‌ بين‌ طائفتَينِ من‌ أهل‌ الهند بِيَدِ الطائفة‌ المنتصرة‌، فباع‌ هؤلاء المرحوم‌ السيّد حسن‌ ـ جدّ الحدّاد إلی عائلة‌ شيعيّة‌ ملقّبة‌ بـ «أفضل‌ خان‌»، ثمّ هاجرت‌ هذه‌ العائلة‌ إلی كربلاء وأخذوا السيّد حسن‌ معهم‌ إليها. ثمّ إنّهم‌ أطلقوه‌ من‌ الاسر لمّا شاهدوا منه‌ الكرامات‌ العديدة‌ ولم‌ يعودوا يكلّفوه‌ بعمل‌. لكنّ السيّد حسن‌ كان‌ يأبي‌ منهم‌ تركه‌ بلا عمل‌؛ فخيّروه‌ بين‌ عدّة‌ أعمال‌، فاختار منها السقاية‌، وقال‌: هي‌ شغل‌ عمّي‌ العبّاس‌ سلام‌ الله‌ عليه‌.

 وهكذا فقد حطّ السيّد حسن‌ رحاله‌ في‌ كربلاء المقدّسة‌، ثمّ تزوّج‌ بجدّة‌ السيّد الحدّاد. ومن‌ أبنائه‌ السيّد قاسم‌ الذي‌ انجب‌ ثلاثة‌ أولاد: السيّد هاشم‌ الذي‌ وُلِد في‌ « قلعة‌ هندي‌ »، وكان‌ ذلك‌ بسبب‌ الهجوم‌ الذي‌ وقع‌ علی‌ كربلاء وقَطْع‌ الماء عنها، ممّا اضطرّ السيّد قاسم‌ وعائلته‌ إلی النزوح‌ عنها والذهاب‌ إلی المنطقة‌ المذكورة‌؛ و السيّد محمود و السيّد حسين‌. وقد التقي‌ الحقير بالسيّد محمود والسيّد حسين‌ كليهما. وكان‌ السيّد محمود يعيش‌ في‌ كربلاء، وقد توفّي‌ قبل‌ السيّد حسين‌. أمّا السيّد حسين‌ فكان‌ يعيش‌ في‌ بغداد، ويعمل‌ في‌ صناعة‌ الاحذية‌. ومع‌ أ نّهما كانا أصغر من‌ السيّد هاشم‌، إلاّ أ نّهما التحقا بالرحمة‌ الابديّة‌ قبله‌.

 هذا، وقد عمل‌ السيّد حسن‌ في‌ كربلاء بالسقاية‌، حيث‌ قصّ السيّد الحدّاد قصصاً عن‌ شدّة‌ نجابته‌ وحيائه‌.

 منها: أنّ العرب‌ ذوي‌ الغيرة‌ كانوا أحياناً يرسلون‌ معه‌ نساءهم‌ لوحدهنّ من‌ القري‌ الواقعة‌ في‌ أطراف‌ كربلاء ليشترين‌ ما يحتجْن‌ إليه‌ من‌ كربلاء، فكانت‌ إحداهن‌ تركب‌ الحمار فيسيرون‌ فراسخ‌ عديدة‌ حتّي‌ يصلون‌ المدينة‌، لكنّ نظره‌ لم‌ يكن‌ ليقع‌ عليهنّ ولو لمرّة‌ واحدة‌، أي‌ أ نّه‌ كان‌ متحفّظاً بحيث‌ لا ينظر إليهنّ ولو سهواً.

 وكان‌ متعارفاً عند العرب‌ أن‌ يأتوا مع‌ ابنتهم‌ إلی المدينة‌ عدّة‌ أيّام‌ لشراء لوازم‌ زواج‌ بناتهم‌ فيهيّئون‌ ما يحتاجونه‌ بمساعدة‌ أقاربهم‌ ومعارفهم‌، لكنّهم‌ كانوا يعهدون‌ في‌ السيّد حسن‌ الحياء والعصمة‌ بحيث‌ كانوا يُركبون‌ ابنتهم‌ علی‌ الحمار ويرسلونها معه‌ إلی المدينة‌ ليبقوا فيها عدّة‌ أيّام‌ ويشترون‌ ما يحتاجونه‌ ويعودون‌.

 وكان‌ سماحة‌ السـيّد الحـدّاد يقـول‌: وفي‌ كربلاء نفسـها حيث‌ كان‌ يسقي‌ بعض‌ البيوت‌، كان‌ ملتزماً بشكل‌ ينحني‌ معه‌ إلی الجدار عند دخوله‌ المنزل‌ إلی حين‌ خروجه‌ لئلاّ يري‌ امرأة‌ ما؛ سواء كان‌ في‌ البيت‌ أحد أم‌ لم‌ يكن‌. ولهذا فقد كان‌ أصحاب‌ البيوت‌ ـ وقد عرفوا هذه‌ الروح‌ فيه‌ يوصون‌ أهاليهم‌ بأنّ السيّد حسن‌ لا يحتاج‌ لإذن‌ في‌ دخوله‌ البيوت‌ ولا لقرع‌ الابواب‌، بل‌ يأتي‌ فيفرغ‌ الماء في‌ المحلّ المعيّن‌ له‌ وينصرف‌.

 لقد رحل‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد روحي‌ فداه‌ في‌ سنّ السادسة‌ والثمانين‌ في‌ شهر رمضان‌ المبارك‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وأربع‌ هجريّة‌ قمريّة‌ في‌ مدينة‌ كربلاء(مسقط‌ رأسه‌ وموطنه‌)، لذا فإنّ ميلاده‌ السعيد سيوافق‌ سنة‌ 1318 ه. ق‌.

 وكان‌ أوّل‌ لقاء الحقير به‌ في‌ سنة‌ 1376 ه. ق‌، ولي‌ من‌ العمر آنذاك‌ اثنتان‌ وثلاثون‌ سنة‌ وهو ابن‌ ثمان‌ وخمسين‌ سنة‌؛ ومن‌ ثمّ فقد دامت‌ مدّة‌ استفادة‌ الحقير ونهله‌ من‌ محضر أنواره‌ ثمان‌ وعشرين‌ سنة‌.

 وباعتبار أنّ رحلة‌ سماحة‌ الميرزا السيّد علی‌ القاضي‌ قدّس‌ الله‌ تربته‌ كانت‌ في‌ السادس‌ من‌ ربيع‌ الاوّل‌ لسنة‌ 1366 ه. ق‌، فإنّ العمر الشريف‌ للسيّد الحدّاد كان‌ آنذاك‌ ثمان‌ وأربعين‌ سنة‌. وإذا ما علمنا أنّ السيّد الحدّاد قد تشرّف‌ وتتلمذ في‌ محضر سماحة‌ السيّد القاضي‌ وهو في‌ العشرين‌ من‌ عمره‌، فإنّه‌ سيكون‌ ـ هو الآخر قد استفاد من‌ محضر السيّد القاضي‌ ثمان‌ وعشرين‌ سنة‌. وكان‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ يقول‌: لقد أدركتُ محضر السيّد القاضي‌ ثلاث‌ عشرة‌ سنة‌.

 وبما أنّ المرحـوم‌ السـيّد حسـن‌ الإصـفهاني‌ّ المَسـقطي‌ّ ـ وكان‌ من‌ أعاظم‌ تلامذة‌ المرحوم‌ القاضي‌ وله‌ علاقات‌ ممتدّة‌ وحسنة‌ جدّاً مع‌ السيّد الحدّاد قد رحل‌ عن‌ الدنيا سنة‌ 1350 ه. ق‌، فإنّ المرحوم‌ السيّد هاشم‌ قد اكتسب‌ من‌ فيض‌ المرحوم‌ القاضي‌ أكثر منه‌ بستّ عشرة‌ سنة‌.

 فكم‌ ـ يا تري‌ ـ استفاد المرحوم‌ المسقطي‌ّ من‌ محضر المرحوم‌ القاضي‌؟ لو كانت‌ الإجابة‌ اثنتا عشرة‌ سنة‌ لاتّضح‌ أنّ رفيقَي‌ الطريق‌ هذين‌ قد تشرّفا في‌ الحضور في‌ محضر المرحوم‌ القاضي‌ في‌ زمن‌ واحد، أمّا إذا كان‌ ذلك‌ أقلّ من‌ اثنتي‌ عشرة‌ سنة‌، فسيكون‌ السيّد الحدّاد قد سبقه‌ في‌ الاستفادة‌ من‌ محضره‌.

الرجوع الي الفهرس

السيّد حسن‌ المسقطي‌ّ كما يصفه‌ سماحة‌ السيّد هاشم‌ الحدّاد قدّس‌ سرّه‌

 وكان‌ السـيّد هاشـم‌ يذكر السـيّد حسن‌ المسـقطي‌ّ كثيراً في‌ كلامه‌ ويقول‌: كان‌ له‌ حماسٌ شديد وتوحيدٌ رفيع‌، وكان‌ أُستاذاً في‌ البحث‌ وتدريس‌ الحكمة‌، وكان‌ متفوّقاً ومميّزاً في‌ المجادلة‌، فلم‌ يكن‌ أحد ليجرؤ أن‌ يجادله‌ أو ينازعه‌ أو يبحث‌ معه‌ أمراً؛ لا نّه‌ لا يخرج‌ من‌ ذلك‌ إلاّ بنصيب‌ الإدانة‌.

 وكان‌ يجلس‌ في‌ الصحن‌ المطهّر لامير المومنين‌ عليه‌ السلام‌ فيدرّس‌ الطلاّب‌ درس‌ الحكمة‌ والعرفان‌، وكان‌ يثير الحماس‌ والهيجان‌ بحيث‌ كان‌ يبعث‌ في‌ طلاّبه‌ روح‌ التوحيد والخلوص‌ والطهارة‌ بدروسه‌ المتينة‌ المحكمة‌، ويسوقهم‌ إلی الإعراض‌ عن‌ الدنيا والاتّجاه‌ صوب‌ العقبي‌ وعالم‌ التوحيد الحقّ.

 ولقد نقل‌ أتباع‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد أبي‌ الحسن‌ الإصفهاني‌ّ قدّس‌ سرّه‌ له‌: بأنّ السيّد حسن‌ لو استمرّ في‌ دروسه‌ لقلب‌ الحوزة‌ العلميّة‌ إلی حوزة‌ توحيديّة‌، ولاوصل‌ جميع‌ الطلاّب‌ إلی عالم‌ الربوبيّة‌ الحقّ وإلي‌ حقيقة‌ عبوديّتهم‌.

 لذا فقد مُنِع‌ تدريس‌ علم‌ الحكمة‌ الإلهيّة‌ والعرفان‌ في‌ النجف‌؛ كما أُمِر السيّد حسن‌ بالذهاب‌ إلی « مسقط‌ » للتبليغ‌ وترويج‌ الدين‌.

 ولم‌ يكن‌ للسيّد حسن‌ أدني‌ رغبة‌ في‌ الخروج‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌، وكان‌ فراق‌ المرحوم‌ القاضي‌ بالنسبة‌ له‌ من‌ أصعب‌ الاُمور والمشكلات‌؛ لذا فقد ذهب‌ إلی أُستاذه‌ السيّد القاضي‌ وقال‌ له‌: أتسمحون‌ أن‌ أستمرّ في‌ الدرس‌ وأتجاهل‌ منع‌ السيّد وأستمرّ في‌ الجهاد في‌ طريق‌ التوحيد؟!

 فردّ المرحوم‌ آية‌ الله‌ القاضي‌ عليه‌: اذهب‌ من‌ النجف‌ إلی مسـقط‌ حسب‌ أمر السيّد! إنّ الله‌ معك‌، وسيهديك‌ ويأخذ بيدك‌ حيثما كنت‌ فيوصلك‌ إلی المطلوب‌ الغائي‌ّ ونهاية‌ درب‌ السلوك‌ وأعلي‌ ذروة‌ التوحيد والمعرفة‌.

 وهكذا فقد سافر السيّد حسن‌ إلی مسقط‌، وكان‌ إصفهاني‌ّ الاصل‌ ومعروفاً بالإصفهاني‌ّ، ثمّ عُرف‌ بعد ذلك‌ بالمَسْقَطي‌ّ. وكان‌ لا يرد ـ في‌ طريقه‌ إلی مسقط‌ فندقاً أو دار ضيافة‌، بل‌ كان‌ يأوي‌ إلی المساجد. وحين‌ وصل‌ مسقط‌ كان‌ له‌ حظّ في‌ التبليغ‌ والترويج‌، فقد جعل‌ أهل‌ مسقط‌ بأجمعهم‌ من‌ المؤمنين‌ الموحّدين‌، ودعاهم‌ إلی الصدق‌ والإخلاص‌ وإهمال‌ الزخارف‌ المادّيّة‌ والتعيّنات‌ الصوريّة‌ والاعتباريّة‌؛ فعرفه‌ الجميع‌ علی‌ أ نّه‌ مرشد الكلّ وهادي‌ السبل‌، وأذعن‌ أمام‌ عظمته‌ العالم‌ والجاهل‌ والعوامّ والخواصّ. وكان‌ آخر عمره‌ يعيش‌ دوماً مرتدياً لباسَي‌ الإحرام‌.

 وكان‌ أن‌ دعوه‌ للذهاب‌ إلی الهند، فأجاب‌ دعوتهم‌ وشدّ الرحال‌ إلی تلك‌ الديار في‌ سبيله‌ إلی المقصود. ولم‌ يكن‌ كذلك‌ ليحلّ في‌ طريقه‌ بالفنادق‌ بل‌ كان‌ يذهب‌ إلی المساجد فيبيت‌ فيها؛ حتّي‌ وجدوه‌ ـ وهو في‌ طريقه‌ متنقّلاً من‌ مدينة‌ إلی أُخري‌ في‌ مسجد من‌ المساجد مرتدياً نفس‌ ثوبَي‌ الإحرام‌ وقد فارق‌ الحياة‌ حال‌ سجوده‌. [29]

الرجوع الي الفهرس

خطبة‌ همّام‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌»

 وَلَوْلاَ الاَجَلُ الَّذِي‌ كُتِبَ عَلَیهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي‌ أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إلی الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ العِقَابِ. عَظُمَ الخَالِقُ فِي‌ أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي‌ أَعْيُنِهِمْ. فَهُمْ وَالجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيَفَةٌ.

 صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً؛ تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ. أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لاِجْزَاءِ القُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ.

 حتّي‌ يصل‌ إلی قوله‌ عليه‌ السلام‌:

 يَنْظُرُ إلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَي‌ وَمَا بِالقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ؛ وَيَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا؛ وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ. [30]

 نعم‌! لقد أبعدت‌ حوزة‌ النجف‌ السيّد حسن‌ المسقطي‌ّ؛ ولم‌ تعلم‌ هذه‌ الحوزة‌ الضائعة‌ المتحيّرة‌ أي‌ّ جوهر ثمين‌ فقدت‌! وأي‌ّ رجل‌ توحيد، وأي‌ّ شخصيّة‌ إلهيّة‌، وأي‌ّ أُسطوانة‌ عِلم‌ وسَنَد فضيلة‌ أضاعت‌! ولو عَلَمَتْ لكان‌ جهلاً بسيطاً، ولكنّه‌ـ ويا للاسف‌ الشديد الجهل‌ المركب‌! فالسيّد حسن‌ أينما ذهب‌؛ إلی مسقط‌ أو الهند أو البحر أو الصحراء، فهو مع‌ الله‌ والله‌ معه‌، وهو الساجد الراكع‌ والمرتدي‌ لرداء الإحرام‌ ظاهراً وباطناً، وهو المستغرق‌ في‌ عالم‌ الولاية‌ ومع‌ الولي‌ّ المطلق‌. [31]

 نعم‌، لقد قال‌ السيّد هاشم‌: كنت‌ مشغولاً في‌ كربلاء بالدروس‌ العلميّة‌ وغيرها من‌ دروس‌ الطلبة‌، فقرأتُ للسيوطي‌ّ، وحين‌ تشرّفت‌ بالذهاب‌ إلی النجف‌ للدراسة‌ والتحصيل‌ لانهل‌ من‌ محضر السيّد المرحوم‌ القاضي‌ ولاقوم‌ بخدمة‌ المدرسة‌(المدرسة‌ الهنديّة‌: محلّ إقامة‌ المرحوم‌ القاضي‌)؛ وما إن‌ دخلتُ هناك‌ حتّي‌ رأيت‌ أمامي‌ سيّداً جالساً فأحسست‌ بانجذاب‌ نحوه‌ بلا إرادة‌، فذهبتُ وسلّمت‌ عليه‌ وقبّلت‌ يده‌، فقال‌ المرحوم‌ القاضي‌: لقد وصلتَ!

 ثمّ اتّخذتُ غرفة‌ هناك‌ لنفسي‌، ومنذ ذلك‌ الوقت‌ ومن‌ هناك‌ فتح‌ باب‌ المراودة‌ مع‌ السيّد. وصادف‌ أن‌ كانت‌ غرفة‌ السيّد الحدّاد هي‌ غرفة‌ المرحوم‌ السيّد بحر العلوم‌. وكان‌ المرحوم‌ القاضي‌ يتردّد عليها كثيراً؛ وكان‌ يقول‌ له‌ أحياناً: أخلِ الغرفة‌ الليلة‌! أُريد أن‌ أبيت‌ هنا لوحدي‌!

 وكان‌ السيّد يقول‌: وبعد عودتي‌ إلی كربلاء كنت‌ أتشرّف‌ أحياناً بالذهاب‌ إلی النجف‌ في‌ أوقات‌ الزيارة‌ وغيرها ـ غير الاوقات‌ التي‌ كان‌ السيّد القاضي‌ يتشرّف‌ فيها بالمجي‌ء إلی كربلاء فذهبتُ يوماً من‌ كربلاء إلی النجف‌ الاشرف‌ وأخذتُ للسيّد خمسين‌ فلساً(أي‌ درهماً واحداً، والدينار العراقي‌ّ عشرون‌ درهماً) وكان‌ منزل‌ السيّد في‌ محلّة‌ الجُدَيْدَة‌(الشارع‌ الثاني‌) وكان‌ الجوّ حارّاً، فعلمتُ أنّ السيّد نائم‌، وقلتُ في‌ نفسي‌: إن‌ طرقتُ الباب‌ استيقظ‌ السيّد. فجلستُ علی‌ الارض‌ جنب‌ باب‌ البيت‌، وكنت‌ تعباً لدرجة‌ أنّ النعاس‌ سرعان‌ ما غلبني‌. ثمّ استيقظت‌ بعد ساعة‌ فرأيت‌ السيّد وقد خرج‌ إلی ولاطفني‌ كثيراً ودعاني‌ إلی الدخول‌، ثمّ قدّمت‌ له‌ الخمسين‌ فلساً وعدتُ.

الرجوع الي الفهرس

التعبّد الشديد للسيّد هاشم‌ بالاحكام‌ الشرعيّة‌

 ولقد كان‌ المرحوم‌ الحدّاد متعبِّداً كثيراً بالنسبة‌ لاُمور الشرع‌ وللاحكام‌ الفقهيّة‌. وكان‌ يستحيل‌ أن‌ يعلم‌ بحكم‌ فلا يعمل‌ به‌، حتّي‌ العمل‌ بالمستحبّات‌ وترك‌ المكروهات‌. وكان‌ بنفسه‌ مصباحاً نورانيّاً من‌ العلم‌، إلاّ أ نّه‌ كان‌ ـ من‌ باب‌ حفظ‌ الشرع‌ وأحكامه‌ يقلّد غيره‌ في‌ الاُمور العباديّة‌ والاحكام‌ الجزئيّة‌.

 ولقد كنّا في‌ ذلك‌ السفر مجتمعين‌ فوق‌ سطح‌ البيت‌ ليلة‌ عرفة‌ مع‌ جمع‌ من‌ أهالي‌ النجف‌ والكاظميّة‌ وبغداد والسماوة‌ وغيرها، وكان‌ ذلك‌ بعد صلاتَي‌ المغرب‌ والعشاء، وكانوا يريدون‌ تقديم‌ طعام‌ بسيط‌ لينصرف‌ الحضور إلی الاشتغال‌ بأعمال‌ ليلة‌ عرفة‌ والزيارة‌؛ فقال‌ السيّد في‌ بهجة‌ لا تفوقها بهجة‌: إنّ السيّد فلاناً هو سيّد الطائفتَينِ!(أي‌: أ نّه‌ مجتهد في‌ أمر الشريعة‌، ومجتهد في‌ أمر الطريقة‌ كذلك‌). ثمّ قال‌: لقد كنتُ حتّي‌ الآن‌ أُقلِّدُ سماحة‌ الشيخ‌ هادي‌ الشيخ‌ زين‌ العابدين‌ [32]، لكنّي‌ سأُقلِّده‌ من‌ الآن‌ فصاعداً!

 وكان‌ السيّد ينتقد الحقير أحياناً في‌ المسائل‌ الشرعيّة‌، فقد قال‌ مرّة‌: حين‌ تمسح‌ علی‌ الرجلين‌، ضعهما علی‌ مكان‌ ثابت‌ كي‌ يكون‌ مسحهما جيّداً؛ لانّ المسح‌ عليهما معلّقتين‌ ربما غفل‌ خلاله‌ الإنسان‌، وعند ذلك‌ فلن‌ تكون‌ اليدان‌ هما اللتين‌ تمسحان‌ القدمين‌، بل‌ ستكون‌ القدمان‌ هما اللتين‌ تمسحان‌ اليدين‌. وقال‌ مرّة‌ أُخري‌: إنّ البصاق‌ في‌ المرحاض‌ أمر مكروه‌، لا نّه‌ من‌ أجزاء بدن‌ المؤمن‌ وينبغي‌ ألا يختلط‌ بالقاذورات‌؛ أمّا النخامة‌ التي‌ تلقي‌ من‌ فم‌ الإنسان‌ في‌ المرحاض‌ فليست‌ كذلك‌، لا نّها ليست‌ من‌ أجزاء البدن‌ بل‌ هي‌ من‌ الفضلات‌، فلا إشكال‌ في‌ خلطها بسائر القاذورات‌.

 وقال‌ مرّة‌ أُخري‌: من‌ الافضل‌ للمرء حين‌ يعطي‌ صدقاته‌ المستحبّة‌ والخيريّة‌، أن‌ تكون‌ من‌ أزكي‌ أقسام‌ أمواله‌؛ فتقسيم‌ المال‌ وإعطاء قسمه‌ المشكوك‌ للفقراء وللسادة‌ خاصّة‌ أمر غير مقبول‌.

 وحصل‌ ذلك‌ في‌ وقت‌ كان‌ الحقير قد أرسل‌ حديثاً مالاً بعنوان‌ الصدقة‌ المستحبّة‌ والاُمور الخيريّة‌ إلی أحد السادة‌، وكنتُ قد استبقيتُ لنفسي‌ وقت‌ التعيين‌ تلك‌ القسمة‌ الزاكية‌ بلا شبهة‌، واخترت‌ القسم‌ المشتبه‌ ومجهول‌ الحال‌ لإرساله‌ لذلك‌ السيّد؛ ويعلم‌ الله‌ أ نّه‌ لم‌ يطّلع‌ علی‌ ذلك‌ غيري‌ سواه‌ سبحانه‌. فقام‌ السيّد بهذا الإخبار باطّلاعي‌ وتنبيهي‌ لهذا الامر المستور، وأعطي‌ كذلك‌ الامر بالعمل‌ بفحوي‌ الآية‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌:

 لَن‌ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي‌' تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. [33]

 وصادف‌ مرّة‌ أن‌ وضعتُ قدراً من‌ الثلج‌ في‌ قدح‌ فيه‌ لبن‌ رائب‌ ممزوج‌ بالماء، وأردتُ تقديمه‌ إليه‌ فقمتُ بمزجه‌ وخلطه‌ بسبّابتي‌ لتبريده‌ قبل‌ تقديمه‌؛ فلم‌ يشربه‌ وقال‌: استعمل‌ الملعقة‌ للمزج‌، فأحري‌ باليد أن‌ تكون‌ ملوّثة‌! ثمّ قال‌: لقد اتّفق‌ لي‌ نفس‌ هذا الامر مع‌ المرحوم‌ السيّد(القاضي‌) فقد تشرّف‌ يوماً بالمجي‌ء إلی كربلاء وتفضّل‌ بالمجي‌ء إلی دكّاني‌، فأعددتُ له‌ قدحاً من‌ اللبن‌ الرائب‌ الممزوج‌ بالماء ووضعت‌ فيه‌ الثلج‌ ثمّ مزجته‌ بإصبعي‌ لاُقدّمه‌ له‌، فاستنكف‌ عن‌ شربه‌ وقال‌: لا تمزج‌ بإصبعك‌!

الرجوع الي الفهرس

تفسير السيّد هاشم‌ لفائدة‌ حقيقة‌ اللعن‌ في‌ دعاء علقمة‌

 وفي‌ يوم‌ تاسوعاء جري‌ قراءة‌ زيارة‌ عاشوراء في‌ منزله‌، ثمّ اللعن‌ مائة‌ مرّة‌ والسلام‌ مائة‌ مرّة‌، ثمّ قُري‌ دعاء علقمة‌ بعد صلاة‌ الزيارة‌؛ فسأل‌ أحد الحاضرين‌ في‌ نهاية‌ الدعاء: كيف‌ تنسجم‌ هذه‌ اللعنات‌ الشديدة‌ الاكيدة‌ بهذه‌ المضامين‌ المختلفة‌ مع‌ روح‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ التي‌ كانت‌ مركزاً ومنبعاً للرحمة‌ والمحبة‌؟! ففي‌ هذا الدعاء الذي‌ يبدأ بـ « يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ» يصل‌ إلی القول‌:

 اللَهُمَّ مَنْ أَرَادَنِي‌ بِسُوءٍ فَأَرِدْهُ! وَمَنْ كَادَنِي‌ فَكِدْهُ! وَاصْرِفْ عَنِّي‌ كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمَانِيَّهُ! وَامْنَعْهُ عَنِّي‌ كَيْفَ شِئْتَ وَأَ نَّي‌ شِئْتَ!

 اللَهُمَّ اشْغَلْهُ عَنِّي‌ بِفَقْرٍ لاَ تَجْبُرُهُ، وَبِبَلاَءٍ لاَ تَسْتُرُهُ، وَبِفَاقَةٍ لاَ تَسُدُّهَا، وَبِسُقْمٍ لاَ تُعَافِيهِ، وَذُلٍّ لاَ تُعِزُّهُ، وَبِمَسْكَنَةٍ لاَ تَجْبُرُهَا!

 اللَهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، وَأَدْخِلْ عَلَیهِ الفَقْرَ فِي‌ مَنْزِلِهِ، وَالعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي‌ بَدَنِهِ؛ حَتَّي‌ تَشْغَلَهُ عَنِّي‌ بِشُغْلٍ شَاغِلٍ لاَ فَرَاغَ لَهُ، وَأَنْسِهِ ذِكْرِي‌ كَمَا أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ، وَخُذْ عَنِّي‌ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِهِ، وَأَدْخِلْ عَلَیهِ فِي‌ جَمِيعِ ذَلِكَ السُّقْمَ، وَلاَ تَشْفِهِ حَتَّي‌ تَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ شُغْلاً شَاغِلاً بِهِ عَنِّي‌ وَعَنْ ذِكْرِي‌. وَاكْفِنِي‌ مَا لاَ يَكْفِي‌ سِوَاكَ؛ فَإنَّكَ الكَافِي‌ لاَ كَافِي‌َ سِوَاكَ، وَمُفَرِّجٌ لاَ مُفَرِّجَ سِوَاكَ، وَمُغِيثٌ لاَ مُغِيثَ سِوَاكَ، وَجَارٌ لاَ جَارَ سِوَاكَ. [34]

الرجوع الي الفهرس

كلامه‌: لا يرشح‌ عن‌ أولياء الله‌ شرّ؛ ولعنهم‌ للاعداء نفع‌ يعود علی‌ الاعداء

 فكان‌ جوابه‌ علی‌ ذلك‌: أنّ هذا الدعاء كلّه‌ طلب‌ للخير والرحمة‌، بالرغم‌ من‌ ظهوره‌ بعبارات‌ وكلمات‌ اللعن‌. وبشكل‌ عامّ فإنّ جميع‌ اللعنات‌ التي‌ ترد علی‌ لسان‌ الله‌ تعالي‌ أو علی‌ لسان‌ النبي‌ّ والائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌ هي‌ كلّها خير محض‌؛ فلا ينضح‌ عن‌ الله‌ وأوليائه‌ غير الخير.

 وتنصبّ جميع‌ هذه‌ اللعنات‌ علی‌ الشخص‌ المعتدي‌، لا المؤمن‌ المتّقي‌ المشغول‌ بعمله‌؛ فمهما أُعطي‌ ذلك‌ المعتدي‌ الظالم‌ عمراً وصحّة‌ وقدرة‌، صرفها جميعاً في‌ إضراره‌ بالآخرين‌ واعتدائه‌ علی‌ حرمة‌ المظلومين‌. ومن‌ ثمّ فإنّ في‌ تحديد سلامته‌ وقدرته‌ وحياته‌ دفعاً للضرر، ودفع‌ الضرر ليس‌ في‌ الحقيقة‌ إلاّ نفعاً. وقد يخيّل‌ إلينا بهذه‌ النظرة‌ الطبيعيّة‌ والحسّيّة‌ أنّ الخير هو علی‌ الدوام‌ في‌ السلامة‌ والقدرة‌ والحياة‌، من‌ دون‌ ملاحظة‌ لواقعيّة‌ الحياة‌ في‌ النيّة‌ الحسنة‌ أو السيّئة‌ وفي‌ الإرادة‌ الحسنة‌ أو السيّئة‌ وفي‌ الاعتقاد الحسن‌ أو السيّي‌، لكن‌ الامر ليس‌ كذلك‌ إذ ينبغي‌ أيضاً ملاحظة‌ المعني‌؛ فالحياة‌ خير للإنسان‌ حين‌ تكون‌ منشأ خير لنفسه‌ وللا´خرين‌، أمّا لو صارت‌ منشأً للشرّ، فإنّ إطالة‌ عمره‌ وزيادة‌ سلامته‌ وصحّته‌ وزيادة‌ قدرته‌ ستؤدّي‌ إلی ظلمه‌ لنفسه‌ وتعدّيه‌ وتجاوزه‌ علی‌ حرمة‌ البشريّة‌، ولا خير في‌ تلك‌ الحياة‌ هنا، ولا يصدق‌ عليها عنوان‌ الخير.

 وفي‌ هذه‌ الحال‌ وفي‌ هذا الفرض‌، فإنّ ضدّه‌ سيكون‌ خيراً. أي‌ أنّ الموت‌ والمرض‌ والمسكنة‌ لهذا الرجل‌ خير، ولو لم‌ يكن‌ هو أو الآخرون‌ يعلمون‌ بذلك‌. فحين‌ يستأصل‌ مبضع‌ الجرّاح‌ عضواً فاسداً، فإنّه‌ يقوم‌ بعمل‌ خير ولو استلزم‌ المرض‌ والتخدير وإراقة‌ دم‌ المريض‌ وتناول‌ الادوية‌ المرّة‌؛ وعلي‌ الرغم‌ من‌ أنّ ذلك‌ العضو الفاسد يعتبر نفسه‌ صالحاً، إلاّ أنّ الحقيقة‌ ليست‌ كذلك‌ [35].

 وليست‌ الرحمة‌ مقرونة‌ دائماً بالسمنة‌ وتناول‌ الاغذية‌ الدسمة‌ والحلويّات‌، بل‌ هي‌ أحياناً في‌ الهزال‌ وتحمل‌ الجوع‌ والقنوع‌ بتناول‌ الاطعمة‌ البسيطة‌. ومن‌ شأن‌ الطفل‌ أن‌ يطلب‌ من‌ أبيه‌ الحلويّات‌، لكنّ أباه‌ العطوف‌ لا يعطيه‌ ذلك‌ دوماً بل‌ يعطيه‌ منها أحياناً وبقدر معيّن‌، فذلك‌ خير للطفل‌ ورحمة‌. كما أ نّه‌ يُعطيه‌ أحياناً المسهل‌ والمرّ، ويزرقه‌ أحياناً أُخري‌ بحقن‌ الدواء، ويُرقده‌ علی‌ سرير المستشفي‌ لإجراء عمليّة‌ جراحيّة‌، ويمنعه‌ من‌ اللعب‌؛ فلا يرضي‌ الطفل‌ بهذا الاُسلوب‌، لا نّه‌ يرغب‌ دوماً في‌ الركض‌ واللعب‌ وتناول‌ الحلوي‌، لذا فإنّه‌ ينتقد أباه‌ لحصره‌ ولمنعه‌ له‌ ولربّما خطر في‌ باله‌ أنّ أباه‌ عدوّ له‌ وشخص‌ يتعمّد إيذاءه‌! لكنّ حقيقة‌ الامر وواقعه‌ غير ذلك‌، فلقد كانت‌ جميع‌ تصرّفات‌ الاب‌ خيراً للطفل‌ ورحمة‌ لا نّها توجب‌ حياته‌ ولو جهل‌ الطفل‌ ذلك‌ ولم‌ يرضاه‌. لذا نري‌ الاب‌ ينزعج‌ كثيراً ممّا ينتاب‌ طفله‌ من‌ سوء، فيستعصي‌ عليه‌ النوم‌ ويقف‌ في‌ المستشفي‌ ساهراً عند سرير طفله‌ وهو ما يمثِّل‌ عين‌ الرحمة‌.

 وقد تتجلّي‌ الرحمة‌ أحياناً في‌ مجال‌ الإعطاء وتقديم‌ الحلوي‌، وأحياناً في‌ المنع‌ وزرق‌ المغذّي‌ في‌ الوريد، وكلاهما رحمة‌ بمظهرَينِ وكيفيتَينِ.

 ولقد جاء الانبياء والائمّة‌ من‌ أجل‌ الحياة‌ الحقيقيّة‌ والسعادة‌ الخالدة‌ للبشر وتركّزت‌ رسالاتهم‌ وانصبّت‌ في‌ هذا المجال‌، لذا فأينما تعارضت‌ الحياة‌ الواقعيّة‌ الحقيقيّة‌ مع‌ الحياة‌ الطبيعيّة‌، والصحّة‌ الحقيقيّة‌ مع‌ الصحّة‌ المجازيّة‌، والقدرة‌ الاصيلة‌ مع‌ القدرة‌ الاعتباريّة‌؛ غضّوا عن‌ الثانية‌ لحفظ‌ الاُولي‌. فهم‌ يُصدرون‌ الامر بالجهاد فيقتلون‌ المشركين‌ والكفّار ويؤدّبون‌ المنافقين‌ ويعاقبون‌ المجرمين‌، وهي‌ جميعاً خير لإيصال‌ الشخص‌ المعتدي‌ والظالم‌ للهدف‌ الإنساني‌ّ الرفيع‌.

 كما أنّ عرك‌ الاُذن‌ للتأديب‌، والإصابة‌ بالإقعاد، والفقر والفاقة‌، والمرض‌ وانحراف‌ الصحّة‌ هي‌ خير جميعاً، لا نّها تنبّه‌ الإنسان‌ وتعيده‌ لنفسه‌، وتقلّل‌ من‌ التمادي‌ والغرور للنفس‌ الامّارة‌ وتمنح‌ الإنسان‌ أصالة‌، فهي‌ خير ورحمة‌ إذاً ـ انتهي‌ مفاد ومحصّل‌ جواب‌ السيّد.

الرجوع الي الفهرس

دعاء «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» يشابه‌ دعاء علقمة‌ في‌ لعن‌ الكفّار

 ويشاهد نظير هذا الدعاء في‌ الكثير من‌ الادعية‌ المرويّة‌ عن‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌، ومن‌ بينها دعاء الإمام‌ زين‌ العابدين‌ وسيّد الساجدين‌ علی‌ بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ الوارد في‌ « الصحيفة‌ الكاملة‌ » في‌ شأن‌ حرّاس‌ وحَفَظَة‌ ثغور الإسلام‌ والمسلمين‌؛ فهو بعد أن‌ يدعو لهم‌ دعاء الخير والرحمة‌ مفصّلاً، يدعو في‌ ساحة‌ الربّ بشأن‌ أعدائهم‌ الذين‌ يواجهونهم‌:

 اللَهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَحَيِّرْهُمْ فِي‌ سُبُلِهِمْ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْطَعْ عَنْهُمُ المَدَدَ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ العَدَدَ، وَامْلاَ أَفْئِدَتَهُمْ الرُّعْبَ، وَاقْبِضْ أَيْدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ، وَاخْزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَاقْطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ.

 اللَهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَيَبِّسْ أَصْلاَبَ رِجَالِهِمْ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، لاَ تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي‌ قَطْرٍ، وَلاَ لاِرْضِهِمْ فِي‌ نَبَاتٍ! [36]

 وعلي‌ كلّ حال‌، فلقد تشرّف‌ الحقير في‌ هذا السفر ـ كما فعل‌ في‌ السفر السابق‌ بالذهاب‌ إلی النجف‌ الاشرف‌ أيّام‌ عيد الغدير وأقمتُ هناك‌ عشرة‌ أيّام‌، لكنّ السيّد الحدّاد لم‌ يتشرّف‌ هذه‌ المرّة‌ بالمجي‌ء إلی النجف‌؛ ثمّ عدتُ إلی كربلاء فبقيتُ إلی ما بعد شهادة‌ الإمام‌ بثلاثة‌ أيّام‌، وتشرّفت‌ بعد ذلك‌ بزيارة‌ الكاظمين‌ وسامرّاء بصحبة‌ السيّد الحدّاد، ثمّ عدت‌ إلی طهران‌ في‌ أوائل‌ العشرة‌ الثالثة‌ من‌ محرّم‌ الحرام‌.

الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[27] ـ أبو عَمْشة‌، كنية‌ يطلقها العرب‌ علي‌ من‌ يتزوّج‌ فتولد له‌ بنت‌ وليس‌ له‌ ولد، إذا كان‌ اسمه‌ حُسيناً، وكان‌ صاحبنا أبو عمشة‌ يشتغل‌ بإصلاح‌ الاسلحة‌ الناريّة‌ كالبنادق‌ وغيرها، وكان‌ غالباً ما يسافر إلي‌ القري‌ والقصبات‌ فيتوقّف‌ في‌ كلّ قرية‌ عدّة‌ أيّام‌ لتصليح‌ أسلحة‌ ساكنيها، ثمّ يُسافر إلي‌ قرية‌ أُخري‌.

[28] ـ صدر الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[29] ـ قال‌ سماحة‌ السيّد محمّد حسن‌ القاضي‌ أدام‌ الله‌ أيّام‌ بركاته‌ ابن‌ المرحوم‌ القاضي‌ أعلي‌ الله‌ درجته‌:

 لقد أُبرق‌ بنبأ رحلة‌ المرحوم‌ المسقطي‌ّ إلي‌ سماحة‌ السيّد أبي‌ الحسن‌ الاءصفهاني‌ّ، فأرسل‌ البرقيّة‌ التي‌ تتضمّن‌ نبأ الوفاة‌ بِيَدِ أحدهم‌ إلي‌ المرحوم‌ القاضي‌، وكان‌ قد اتّخذ غرفة‌ في‌ مدرسة‌ الهندي‌ّ. وكنت‌ في‌ صحن‌ المدرسة‌ مع‌ العلاّمة‌ السيّد محمّد حسين‌ الطباطبائي‌ّ والشيخ‌ محمّد تقي‌ الآملي‌ وغيرهما من‌ تلامذة‌ المرحوم‌ القاضي‌، فلم‌ يجرؤ أحد منهم‌ أن‌ ينقل‌ خبر رحيل‌ المسقطي‌ّ إلي‌ الغرفة‌ العليا ويوصله‌ إلي‌ المرحوم‌ القاضي‌، فقد كانوا يعلمون‌ أنّ هذا النبأ غير محتمل‌ بالنسبة‌ للمرحوم‌ القاضي‌ لفرط‌ علاقته‌ بالمسقطي‌ّ، لذا فقد اختاروا السيّد الحدّاد لهذه‌ المهمّة‌؛ فلمّا نقل‌ إليه‌ النبأ التفت‌ إليه‌ المرحوم‌ القاضي‌ قائلاً: أعلمُ بذلك‌!

[30] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 191(خطبة‌ همّام‌) طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌، مع‌ هامش‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 396 و 397.

[31] ـ تدريس‌ الابحاث‌ القرآنيّة‌ والعلوم‌ العقليّة‌ والعرفان‌ من‌ ضرورات‌ علوم‌ الحوزات

 لقد كان‌ بحث‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ شائعاً ورائجاً في‌ الحوزات‌ العلميّة‌ للشيعة‌ والمعتزلة‌، خلافاً للاشاعرة‌ الذين‌ لم‌ يكونوا يبحثون‌ في‌ المطالب‌ العقليّة‌. لذا فقد حاز متكلّمو الشيعة‌ قصب‌ السبق‌ والظفر والتفوّق‌ طوال‌ الالف‌ سنة‌ الماضية‌، وقد تخرّج‌ من‌ هذه‌ الحوزات‌ علماء وفقهاء أمثال‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌ والسيّد المرتضي‌ والشيخ‌ المفيد والخواجة‌ نصير الدين‌ الطوسي‌ّ والعلاّمة‌ الحلّي‌ّ والميرداماد والملاّ صدرا الشيرازي‌ّ والقاضي‌ نور الله‌ التستري‌ّ، وأخيراً السيّد مهدي‌ بحر العلوم‌ والآخوند الملاّ محمّد كاظم‌ الخراساني‌ّ والحاجّ الميرزا محمّد حسن‌ الآشتياني‌ّ وابنه‌ الحاجّ الميرزا أحمد الآشتياني‌ّ والحاجّ الميرزا مهدي‌ الآشتياني‌ّ والآخوند الملاّ حسين‌ قُلي‌ الهمداني‌ّ والسيّد أحمد الكربلائي‌ّ الطهراني‌ّ والحاجّ الميرزا محمّد حسن‌ النائيني‌ّ والحاجّ الشيخ‌ محمّد الحسين‌ كاشف‌ الغطاء والحاجّ الشيخ‌ محمّد حسين‌ الاءصفهاني‌ّ الكمباني‌ّ والحاجّ الملاّ مهدي‌ النراقي‌ّ والحاجّ الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ والشيخ‌ محمّد باقر الاءصطهباناتي‌ّ والشيخ‌ أحمد الشيرازي‌ّ والحاجّ الميرزا فتح‌ الله‌ المشهور بشيخ‌ الشريعة‌ الاءصفهاني‌ّ والحاجّ السيّد أحمد الخونساري‌ّ والحاجّ الشيخ‌ محمّد علي‌ الشاه‌آبادي‌ّ وتلميذه‌ البارز القائد الكبير الفقيد للثورة‌ الاءسلامية‌ آية‌ الله‌ الحاجّ روح‌ الله‌ الخميني‌ّ والحاجّ الميرزا أبي‌ الحسن‌ الرفيعي‌ّ القزويني‌ّ والسيّد حسين‌ بادكوبه‌اي‌ وتلميذيه‌: أُستاذنا الاكرم‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ وأخيه‌ الحاجّ السيّد محمّد حسن‌ إلهي‌ّ التبريزي‌ّ، وغيرهم‌ ممّن‌ يضيق‌ حصرهم‌ وعدّهم‌؛ أُولئك‌ الذين‌ كانوا حماةً للدين‌ والقرآن‌ ولشريعة‌ سيّد المرسلين‌ والائمّة‌ الطاهرين‌.

 وبناءً علي‌ هذا الاساس‌، فإنّ البحث‌ التفسيري‌ّ للقرآن‌ الكريم‌ وتدريس‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ والعلوم‌ العقليّة‌ وحوزات‌ العرفان‌ والاخلاق‌ من‌ الضرورات‌ اللازمة‌ لهذه‌ الحوزات‌ الفقهيّة‌، لا تنفك‌ عنها. وكان‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد عبد الهادي‌ الشيرازي‌ّ يتأسّف‌ ليلةً في‌ مجلس‌ خلوة‌ ويقول‌: كان‌ هناك‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ حين‌ قدمتُ للدراسة‌ اثنتا عشرة‌ حوزة‌ رسميّة‌ لتدريس‌ الاخلاق‌ والعرفان‌، أمّا الآن‌ فليس‌ هناك‌ حتّي‌ حوزة‌ واحدة‌.

 نعم‌، لقد استمرّت‌ هذه‌ الحوزات‌ فعّالة‌ بتدريس‌ الابحاث‌ القرآنيّة‌ والتفسيريّة‌ والاخلاقيّة‌ والعرفانيّة‌ والحكميّة‌ والفلسفيّة‌ إلي‌ زمن‌ النهضة‌ الدستوريّة‌(في‌ إيران‌)، ثمّ سعي‌ الاستعمار الكافر أوّلاً: إلي‌ إنهاء وجود النجف‌ كمركز علمي‌ّ وفقهي‌ّ، وإلي‌ نقل‌ الحوزات‌ وتفريقها إلي‌ أماكن‌ أُخري‌.

 وثانياً: لاءنهاء تدريس‌ القرآن‌ والتفسير والعلوم‌ العقليّة‌ والفلسفيّة‌ من‌ الحوزات‌ الشيعيّة‌، ليصبح‌ علماؤهم‌ كالاشاعرة‌ من‌ العامّة‌ والاخباريّين‌ والحشويّين‌ يهتمّون‌ بالظواهر في‌ حين‌ يبقي‌ المحتوي‌ واللبّ خالياً فارغاً؛ وذلك‌ لئلاّ يثور عليهم‌ أحد أو يقف‌ بوجههم‌، ولتهبط‌ قدرة‌ وإمكانيّة‌ البحث‌ والتفكير والمسائل‌ العقليّة‌ والعلميّة‌ في‌ الحوزات‌، فتتغلّب‌ عليها خططهم‌ ودسائسهم‌ المموّهة‌. وإلي‌ هذا اليوم‌ فقد استؤصل‌ بحث‌ التفسير والبحوث‌ القرآنيّة‌ وبحوث‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ والعرفان‌ استئصالاً تامّاً، فصار العلماء الاعلام‌ والفضلاء العظام‌ يعدّون‌ تدريسها من‌ الاُمور الوضيعة‌.

 وقد نقل‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ مرتضي‌ المطهري‌ّ للحقير عن‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد رضي‌ الشـيرازي‌ّ دامت‌ بركاته‌ أ نّه‌ قال‌: قلتُ لاحد المراجع‌ العظام‌ المشـهورين‌ والمعروفين‌ في‌ إحدي‌ سفراتي‌ الاخيرة‌ إلي‌ العتبات‌ المقدّسة‌: لماذا لا تشرعون‌ بدرس‌ التفسير في‌ الحوزة‌؟ قال‌: ليس‌ ذلك‌ ممكناً مع‌ وضعنا وموقعنا الحالي‌ّ! قلتُ: لماذا كان‌ ذلك‌ ممكنا للعلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ حين‌ جعله‌ درساً رسميّاً في‌ حوزة‌ قم‌ العلميّة‌؟!

 قال‌: لقد قام‌ بتضحية‌ حين‌ فعل‌ ذلك‌(أي‌ أ نّه‌ ضحّي‌ بنفسه‌)! أُوردُ هذا المطلب‌ هنا ليعلم‌ الجميع‌ أنّ أساس‌ مدرسة‌ التشيّع‌ قائم‌ علي‌ التضحية‌، وعلي‌ العلماء العظام‌ والفضلاء الفخام‌ أن‌ يكونوا السبّاقين‌ في‌ هذا المضمار؛ وإلاّ فما الفرق‌ بين‌ حوزاتنا مع‌ حوزات‌ العامّة‌ من‌ الحنابلة‌ والشافعيّة‌ والمالكيّة‌ والحنفيّة‌ الذين‌ يُشغِلون‌ أنفسهم‌ بالابحاث‌ والمسائل‌ بدون‌ الاستناد إلي‌ مسألة‌ الولاية‌؟

[32] ـ كان‌ المرحوم‌ الشيخ‌ زين‌ العابدين‌ المرندي‌ّ من‌ أعاظم‌ العلماء والمجتهدين‌ والزهّاد المعروفين‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌، وله‌ ثلاثة‌ أولاد، الشيخ‌ مهدي‌، والشيخ‌ هادي‌، والشيخ‌ هداية‌ الله‌. وجميعهم‌ من‌ أعاظم‌ العلماء والمجتهدين‌ والمشهورين‌ بالقداسة‌ والتقوي‌. وقد التقي‌ الحقير حين‌ كنتُ في‌ النجف‌ الاشرف‌ بولدَيهِ الجليلين‌، لكنّي‌ حُرِمت‌ من‌ فيض‌ محضر الشيخ‌ هداية‌ الله‌ لعودته‌ إلي‌ مرند وتبريز.

 وباعتبار أن‌ الشيخ‌ زين‌ العابدين‌ كان‌ يبقي‌ غالباً في‌ المنزل‌ وكان‌ يتوجّب‌ علي‌ أحد أبنائه‌ البقاء في‌ المنزل‌ أيضاً للقيام‌ باحتياجات‌ المنزل‌، فقد هيّأ لنفسه‌ ولاولاده‌ الثلاثة‌ عباءتين‌ فقط‌؛ فالعباءة‌ في‌ المنزل‌ غير ضروريّة‌، أمّا خارج‌ المنزل‌ فلم‌ يكن‌ بالاءمكان‌ أن‌ يخرج‌ أكثر من‌ اثنين‌، وكان‌ ذلك‌ من‌ شدّة‌ زهد ذلك‌ المرحوم‌ وورعه‌. لذا فحين‌ توفّي‌ وأرادوا حمل‌ جنازته‌ فقد كان‌ هناك‌ عباءتان‌ لاثنين‌ من‌ أولاده‌ ولم‌ تكن‌ هناك‌ عباءة‌ للثالث‌.

 وعلي‌ كلّ حال‌ فلقد أنجب‌ هؤلاء الافاضل‌ الاجلاّء والحمد والمنّة‌ للّه‌ أولاداً علماء فضلاء ومؤدّبين‌ وهم‌: الحاجّ الشيخ‌ محمّد المرندي‌ّ ابن‌ الشيخ‌ مهدي‌، والشيخ‌ موسي‌ والشيخ‌ عبّاس‌ والشيخ‌ كاظم‌ أبناء الشيخ‌ هادي‌، والشيخ‌ أبو القاسم‌ الغروي‌ّ المرندي‌ّ ابن‌ الشيخ‌ هداية‌ الله‌؛ وكلّ هؤلاء من‌ الآيات‌ والحجج‌ الاءلهيّة‌ أدام‌ الله‌ بقاءهم‌

[33] ـ الآية‌ 92، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[34] ـ دعاء عَلْقَمة‌ المعروف‌، في‌ «زاد المعاد» للمجلسـي‌ّ، ص‌ 305، الباب‌ 6، في‌ أعمال‌ شهر المحرّم‌، طبعة‌ الحاجّ الشـيخ‌ فضل‌ الله‌ نوري‌، بخطّ مصطفي‌ نجم‌ آبادي‌، سنة‌ 1321.

[35] ـ ينقل‌ في‌ هامش‌ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 351 و 352، كتاب‌ الباقيات‌ الصالحات‌، الفصل‌ 4، من‌ الباب‌ 4، الطبعة‌ الاءسلاميّة‌، بخطّ طاهر خوش‌ نويس‌، سنة‌ 1379 ه.ق‌ دعاء عن‌ الاءمام‌ محمّد التقي‌ّ عليه‌ السلام‌ أنّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يقول‌ حين‌ يفرغ‌ من‌ الصلاة‌:

 اللَهُمَّ اغْفِرْ لِي‌ مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَإسْرَافِي‌ عَلَي‌ نَفْسِي‌ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي‌. اللَهُمَّ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَالمُؤَخِّرُ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ بِعِلْمِكَ الغَيْبَ وَبِقُدْرَتِكَ عَلَي‌ الخَلْقِ أَجْمَعينَ. مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي‌ فَأَحْيِنِي‌، وَتَوَفَّنِي‌ إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي‌ إلي‌ آخر الدعاء.

 وورد في‌ «الصحيفة‌ الكاملة‌ السجّاديّة‌» ضمن‌ دعاء الاستخارة‌ وهو الدعاء الثالث‌ والثلاثين‌: وَأَلْهِمْنَا الانْقِيَادَ لِمَا أَوْرَدْتَ عَلَینَا مِن‌ مَشيَّتِكَ حَتَّي‌ لاَ نُحِبَّ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ وَلاَ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلاَ نُكْرِهَ مَا أَحْبَبْتَ وَلاَ نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ.

 وفي‌ نهاية‌ دعاء أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ّ الذي‌ يُقرأ في‌ أسحار شهر رمضان‌(والوارد في‌ «مفاتيح‌ الجنان‌»: ص‌ 198) يضرع‌ الاءمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ فناء ربّ العزّة‌: اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي‌، وَيَقيناً حَتَّي‌ أَعْلَمَ أَ نَّهُ لَنْ يُصيبَنِي‌ إلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي‌، وَرَضِّنِي‌ مِنَ العَيْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي‌، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 ومعني‌ «إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي‌»: يا ربّ لتكن‌ لك‌ أنت‌ المباشرة‌ في‌ قلبي‌ وفي‌ اختيار أُموري‌، واسلبْ بهذه‌ المباشرة‌ ـ بلا رادع‌ أو مانع‌ من‌ إرادتي‌ واختياري‌ أو إرادة‌ واختيار آخر كلّ إرادة‌ لي‌ في‌ محيط‌ الاعمال‌ والافعال‌ والصفات‌ والعقائد والقصد والنيّة‌، واجعل‌ إرادتك‌ بدل‌ إرادتي‌، أي‌ لتكن‌ إرادتـي‌ عين‌ إرادتك‌. وهو معني‌ عظيم‌ في‌ مقام‌ التـوحيد ودرجـة‌ عالية‌ عرفانيّة‌.

 والجدير بالملاحظة‌ هنا أنّ هذه‌ الفقرات‌ المشتركة‌ تتكرّر في‌ جميع‌ أدعية‌ العشر الثالثة‌ من‌ ليالي‌ شهر رمضان‌ المبارك‌، بالرغم‌ من‌ اختلاف‌ الادعية‌ في‌ مضامينها الاُخري‌: لَكَ الاَسْمَاءُ الحُسْنَي‌ وَالاَمْثَالُ العُلْيَا وَالكِبْرِيَاءُ وَالآلاَءُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي‌َ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَجْعَلَ اسْمِي‌ فِي‌ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فِي‌ السُّعَدَاءِ وَرُوحِي‌ مَعَ الشُّهَدَاءِ وَإحْسَانِي‌ فِي‌ عِلِّيَّينَ وَإسَاءَتِي‌ مَغْفُورَةً، وَأَنْ تَهَبَ لِي‌ يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي‌ وَإيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي‌ وَرَضِّنِي‌ بِمَا قَسَمْتَ لِي‌.(«مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 228 إلي‌ 233) كما ورد في‌ «الصحيفة‌ العلويّة‌ الثانية‌» ص‌ 52، الطبعة‌ الحجريّة‌، عن‌ الاءمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: اللَهُمَّ مُنَّ عَلَي‌َّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَیكَ وَالتَّفْوِيضِ إلَيْكَ وَالرِّضَا بِقَدَرِكَ وَالتَّسْلِيمِ لاِمْرِكَ، حَتَّي‌ لاَ أُحِبُّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلاَ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ؛ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

 [36] ـ الدعاء السابع‌ والعشرون‌ من‌ دعائه‌ عليه‌ السلام‌ لاهل‌ الثغور: الفقرتان‌ 5 و 6.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com