بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة حول مسألة روية الهلال / القسم الاول: الادلة و الشواهد علی عدم لزوم اتحاد الآفاق، مباني لزوم اتحاد الآفاق

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

القسم‌ الاوّل‌:

كلام‌ العلاّمة‌ الخوئيّ

 

 بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 وصلّي‌ الله‌ علي‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌ و لعنة‌ الله‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌

 

 لايخفي‌ أنّ سماحة‌ الآية‌ الحجّة‌، أُستاذنا العلاّمة‌ المحقّق‌ الحاجّ السيّد أبي‌ القاسم‌ الخوئي‌ّ مدّ ظلّه‌ العالي‌، أصدر فتوي‌ منه‌ حول‌ مسألة‌ رؤية‌ الهلال‌، علي‌ عدم‌ لزوم‌ اتّحاد البلاد في‌ الآفاق‌، و كفاية‌ الرؤية‌ الاءجماليّة‌ لجميع‌ الاصقاع‌ والنواحي‌ في‌ العالم‌. وأدرجها مع‌ ما استدلّ عليه‌ دام‌ ظلّه‌ في‌ رسالة‌ «منهاج‌ الصالحين‌».

 ولمّا كانت‌ هذه‌ الفتوي‌ مع‌ الادلّة‌ التي‌ أقامها عليها غير تامّة‌ عندي‌ علي‌ حسب‌ نظري‌ القاصر، كتبتُ رسالةً وأرسلتُها إلي‌ حضرته‌؛ وبيّنتُ فيها مواضع‌ النقد والتزييف‌، وأقمتُ براهين‌ وشواهد علي‌ أنّ الحقّ هو فتوي‌ المشهور، بلزوم‌ الاتّحاد في‌ الآفاق‌ في‌ الرؤية‌، وعدم‌ كفاية‌ الرؤية‌ للآفاق‌ البعيدة‌.

 وها نحن‌ نورد أوّلاً عين‌ عباراته‌ دام‌ ظلّه‌ في‌ رسالة‌ «المنهاج‌»، ثمّ نورد الرسالة‌ المرسلة‌؛ حتّي‌ تتبيّن‌ مواقع‌ الجواب‌، ويتّضح‌ تطبيقه‌ علي‌ مواضع‌ ما أفاده‌ مدّ ظلّه‌ من‌ كلامه‌.

 قال‌ مدّ ظلّه‌:

 « مسألة‌ 75: إذا رئي‌ الهلال‌ في‌ بلد، كفي‌ في‌ الثبوت‌ في‌ غيره‌ مع‌ اشتراكهما في‌ الآفاق‌، بحيث‌ إذا رئي‌ في‌ بلد الرؤية‌، رئي‌ فيه‌؛ بل‌ الظاهر كفاية‌ الرؤية‌ في‌ بلد ما في‌ الثبوت‌ لغيره‌ من‌ البلاد مطلقاً.[1]

بيان‌ ذلك‌: أنّ البلدان‌ الواقعة‌ علي‌ سطح‌ الارض‌ تنقسم‌ إلي‌ قسمين‌:

 أحدهما: ما تتّفق‌ مشارقه‌ ومغاربه‌ أوتتقارب‌؛ ثانيهما: ما تختلف‌ مشارقه‌ ومغاربه‌ اختلافاً كبيراً.

 أمّا القسم‌الاوّل، فقداتّفق‌علماءالاءماميّة علي أنّ رؤية‌ الهلال‌في‌ بعض‌ هذه‌ البلاد كافية‌ لثبوته‌ في‌ غيرها، فإنّ عدم‌ رؤيته‌ فيه‌ إنّما يستند لامحالة‌ إلي‌ مانع‌ يمنع‌ من‌ ذلك‌، كالجبال‌ أو الغابات‌ أو الغيوم‌ أو ماشا كل‌ ذلك‌.

 وأمّا القسم‌ الثاني‌ (ذات‌ الآفاق‌ المختلفة‌) فلم‌ يقع‌ التعرّض‌ لحكمه‌ في‌ كتب‌ علمائنا المتقدّمين‌؛ نعم‌ حكي‌ القول‌ باعتبار اتّحاد الاُفق‌ عن‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «المبسوط‌»؛ فإذاً المسألة‌ مسكوت‌ عنها في‌ كلمات‌ أكثر المتقدّمين‌، وإنّما صارت‌ معركةً للآراء بين‌ علمائنا المتأخّرين‌.

 المعروف‌ بينهم‌ القول‌ باعتبار اتّحاد الاُفق‌ ولكن‌ قد خالفهم‌ فيه‌ جماعة‌ من‌ العلماء والمحقّقين‌؛ فاختاروا القول‌ بعدم‌ اعتبار الاتّحاد وقالوا بكفاية‌ الرؤية‌ في‌ بلد واحد لثبوته‌ في‌ غيره‌ من‌ البلدان‌ ولو مع‌ اختلاف‌ الاُفق‌ بينها.

 فقد نقل‌ العلاّمة‌ في‌ «التذكرة‌» هذا القول‌ عن‌ بعض‌ علمائنا، واختاره‌ صريحاً في‌ «المنتهي‌»، واحتمله‌ الشهيد الاوّل‌ في‌ «الدروس‌»، واختاره‌ صريحاً المحدِّث‌ الكاشاني‌ّ في‌ «الوافي‌» وصاحب‌ «الحدائق‌» في‌ «حدائقه‌»، ومال‌ إليه‌ صاحب‌ «الجواهر» في‌ «جواهره‌» والنراقيّ في‌ «المستنَد» والسيّد أبوتُراب‌ الخونساريّ في‌ «شرح‌ نجاة‌ العباد» والسيّد الحكيم‌ في‌ «مُستمسَكه‌».

 وهذا القول‌ أي‌: كفاية‌ الرؤية‌ في‌ بلد ما لثبوت‌ الهلال‌ في‌ بلد آخر[2] ولو مع‌ اختلاف‌ أُفقهما هو الاظهر.

 ويدلّنا علي‌ ذلك‌ أمران‌:

الرجوع الی الفهرس

 الدليل‌ الاوّل‌ علي‌ كفاية‌ الرؤية‌ الاءجمالية‌

الاوّل‌: أنّ الشهور القمريّة‌ إنّما تبدأ علي‌ أساس‌ وضع‌ سير القمر واتّخاذه‌ موضعاً خاصّاً من‌ الشمس‌ في‌ دورته‌ الطبيعيّة‌، وفي‌ نهاية‌ الدورة‌ يدخل‌ تحت‌ شعاع‌ الشمس‌، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ (حالة‌ المحاق‌) لايمكن‌ رؤيته‌ في‌ أيّة‌ بقعة‌ من‌ بقاع‌ الارض‌؛ وبعد خروجه‌ عن‌ حالة‌ المحاق‌ والتمكّن‌ من‌ رؤيته‌ ينتهي‌ شهر قمريّ ويبدأ شهر قمريّ جديد.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ خروج‌ القمر من‌ هذا الوضع‌ هو بداية‌ شهر قمري‌ّ جديد لجميع‌ بقاع‌ الارض‌ علي‌ اختلاف‌ مشارقها ومغاربها، لا لبقعة‌ دون‌ أُخري‌، وإن‌ كان‌ القمر مرئيّاً في‌ بعضها دون‌ الآخر؛ وذلك‌ لمانع‌ خارجي‌ّ كشعاع‌ الشمس‌ أو حيلولة‌ بقاع‌ الارض‌ أو ما شاكل‌ ذلك‌، فإنّه‌ لا يرتبط‌ بعدم‌ خروجه‌ من‌ المحاق‌، ضرورة‌ أنـّه‌ ليس‌ لخروجه‌ منه‌ أفراد عديدة‌، بل‌ هو فرد واحد متحقّق‌ في‌ الكون‌، لا يعقل‌ تعدّده‌ بتعدّد البقاع‌؛ وهذا بخلاف‌ طلوع‌ الشمس‌، فإنّه‌ يتعدّد بتعدّد البقاع‌ المختلفة‌، فيكون‌ لكلّ بقعة‌ طلوع‌ خاصّ بها.

 وعلي‌ ضوءِ هذا البيان‌ فقد اتّضح‌ أنّ قياس‌ هذه‌ الظاهرة‌ الكونيّة‌ بمسألة‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها قياس‌ مع‌ الفارق‌، وذلك‌ لانّ الارض‌ بمقتضي‌ كُرويّتها تكون‌ بطبيعة‌ الحال‌ لكلّ بقعة‌ منها مشرق‌ خاصّ ومغرب‌ كذلك‌، فلا يمكن‌ أن‌ يكون‌ للارض‌ كلّها مشرق‌ واحد ولا مغرب‌ كذلك‌؛ وهذا بخلاف‌ هذه‌ الظاهرة‌ الكونيّة‌ أي‌خروج‌ القمر عن‌ منطقة‌ شعاع‌ الشمس‌ ـ فإنّه‌ لعدم‌ ارتباطه‌ ببقاع‌ الارض‌ وعدم‌ صلته‌ بها لايمكن‌ أن‌ يتعدّد بتعدّدها.

 ونتيجة‌ ذلك‌: أنّ رؤية‌ الهلال‌ في‌ بلد ما أمارة‌ قطعيّة‌ علي‌ خروج‌ القمر عن‌ الوضع‌ المذكور الذي‌يتّخذه‌ من‌ الشمس‌ في‌ نهاية‌ دورته‌، وبداية‌ لشهر قمريّ جديد لاهل‌ الارض‌ جميعاً، لالخصوص‌ البلد الذي‌ يُري‌ فيه‌ وما يتّفق‌ معه‌ في‌ الاُفق‌.

 ومن‌ هنا يظهر أنّ ذهاب‌ المشهور إلي‌ اعتبار اتّحاد البلدان‌ في‌ الاُفق‌ مبني‌ّ علي‌ تخيّل‌ ارتباط‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ببقاع‌ الارض‌، كارتباط‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها، إلاّ أنّه‌ لاصلة‌ كما عرفت‌ لخروج‌ القمر عنه‌ ببقعة‌ معيّنة‌ دون‌ أُخري‌، فإنّ حاله‌ مع‌ وجود الكرة‌ الارضيّة‌ وعدمها سواء.

الرجوع الی الفهرس

 الدليل‌ الثاني‌ علي‌ عدم‌ اعتبار الاتـّحاد في‌ الاُفق‌

الثاني‌: النصوص‌ الدالّة‌ علي‌ ذلك‌؛ ونذكر جملةً منها:

1 _ صحيحة‌ هِشام‌ بن‌ الحَكَم‌ عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليـه‌ السلام‌ أَنـَّهُ قَالَ فِي‌ مَنْ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَالَ: إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَي‌ أَهْـلِ مِصْرٍ أَنـَّهُمْ صَامُوا ثَلاَثِينَ عَلَي‌ رُؤْيَتِهِ، قَضَي‌ يَوْماً.[3]

 فإنّ هذه‌ الصحيحة‌ بإطلاقها تدلّنا بوضوح‌ علي‌ أنّ الشهر إذا كان‌ ثلاثين‌ يوماً في‌ مصر كان‌ كذلك‌ في‌ بقيّة‌ الامصار بدون‌ فرق‌ بين‌ كون‌ هذه‌ الامصار متّفقةً في‌ آفاقها أو مختلفةً، إذ لو كان‌ المراد من‌ كلمة‌ مصر فيها المصر المعهود المتّفق‌ مع‌ بلد السائل‌ في‌ الاُفق‌ لكان‌ علي‌ الاءمام‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يبيّن‌ ذلك‌، فعدم‌ بيانه‌ مع‌ كونه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ مقام‌ البيان‌ كاشف‌ عن‌ الاءطلاق‌.

 2 _ صحيحة‌ أبي‌ بصير عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السلام‌ أَنـَّهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي‌ يُقْضَي‌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: لاَ تَقْضِهِ إلاَّ أَنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَـادِلاَنِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ مَتَي‌ كَانَ رَأْسُ الشَّهْرِ. وَقَالَ: لاَ تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي‌ يُقْضَي‌ إلاَّ أَنْ يَقْضِي‌َ أَهْلُ الاْمْصَارِ، فَإنْ فَعَلُوا فَصُمْهُ.[4]

الشاهد في‌ هذه‌ الصحيحة‌ جملتان‌:

 الاُولي‌: قوله‌ عليه‌ السلام‌: «لاَ تَقْضِهِ إلاَّ أَنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَادِلاَنِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ» إلي‌ آخره‌، فإنّه‌ يدلّ بوضوح‌ علي‌ أنّ رأس‌ الشهر القمري‌ّ واحد بالاءضافة‌ إلي‌ جميع‌ أهل‌ الصّلاة‌ علي‌ اختلاف‌ بلدانهم‌ باختلاف‌ آفاقها ولا يتعدّد بتعدّدها.

 الثانية‌: قوله‌ عليه‌ السلام‌: «لاَ تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلاَّ أَنْ يَقْضِي‌َ أَهْلُ الاْمْصَارِ»، فإنّه‌ كسابقه‌ واضح‌ الدلالة‌ علي‌ أنّ الشهر القمري‌ّ لا يختلف‌ باختلاف‌ الامصار في‌ آفاقها، فيكون‌ واحداً بالاءضافة‌ إلي‌ جميع‌ أهل‌ البقاع‌ والامصار. وإن‌ شئت‌ فقل‌: إنّ هذه‌ الجملة‌ تدلّ علي‌ أنّ رؤية‌ الهلال‌ في‌ مصر كافية‌ لثبوته‌ في‌ بقيّة‌ الامصار، من‌ دون‌ فرق‌ في‌ ذلك‌ بين‌ اتّفاقها معه‌ في‌ الآفاق‌ أو اختلافها فيها؛ فيكون‌ مردّه‌ إلي‌ أنّ الحكم‌ المترتّب‌ علي‌ ثبوت‌ الهلال‌ أي‌ خروج‌ القمر عن‌ المحاق‌ حكم‌ لتمام‌ أهل‌ الارض‌ لا لبقعة‌ خاصّة‌.

 3 _ صحيحة‌ إسحق‌ بن‌ عمّار قال‌: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ هِلاَلِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي‌ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: وَلاَ تَصُـمْهُ إلاَّ أَنْ تَرَاهُ؛ فَإنْ شَهِدَ أَهْـلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِهِ.[5]

فهذه‌ الصحيحة‌ ظاهرة‌ الدلالة‌ بإطلاقها علي‌ أنّ رؤية‌ الهلال‌ في‌ بلد، تكـفي‌ لثـبوته‌ في‌ سـائر البلدان‌ بدون‌ فرق‌ بين‌ كونها متّحدةً معه‌ فـي‌ الاُفق‌ أو مختلفةً؛ وإلاّ فلابدّ من‌ التقييد، بمقتضي‌ ورودها في‌ مقام‌ البيان‌.

 4 _ صحيحة‌ عبدالرحمن‌ بن‌ أبي‌ عبدالله‌ قال‌: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ هِلاَلِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي‌ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ. فَقَالَ: لاَ تَصُمْ إلاَّ أَنْ تَرَاهُ؛ فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ فَاقْضِهِ.[6]

فهذه‌ الصحيحة‌ كسابقتها في‌ الدلالة‌ علي‌ ما ذكرناه‌.

الرجوع الی الفهرس

 الشواهد علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌

و يشهد علي‌ ذلك‌ ما ورد في‌ عدّة‌ روايات‌ في‌ كيفيّة‌ صلاة‌ عيدَي‌ الاضحي‌ والفطر وما يقال‌ فيها من‌ التكبير، من‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جملة‌ تلك‌ التكبيرات‌: أَسْأَلُكَ فِي‌ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي‌ جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً.[7]

 فإنّ الظاهر أنّ المشار إليه‌ في‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌: «هَذَا اليَوْمِ» هو يوم‌ معيّن‌ خاصّ الذي‌ جعله‌ الله‌ تعالي‌ عيداً للمسلمين‌، لا أنّه‌ كلّ يوم‌ ينطبق‌ عليه‌ أنّه‌ يوم‌ فطر أو أضحي‌ علي‌ اختلاف‌ الامصار في‌ رؤية‌ الهلال‌ باختلاف‌ آفاقها.

 هذا من‌ ناحية‌، ومن‌ ناحية‌ أُخري‌ أنّه‌ تعالي‌ جعل‌ هذا اليوم‌ عيداً للمسلمين‌ كلّهم‌، لا لخصوص‌ أهل‌ بلد تقام‌ فيه‌ صلاة‌ العيد.

 فالنتيجة‌ علي‌ ضوئهما أنّ يوم‌ العيد واحد لجميع‌ أهل‌ البقاع‌ والامصار علي‌ اختلافها في‌ الآفاق‌ والمطالع‌.

 ويدلّ أيضاً علي‌ ما ذكرناه‌ الآية‌ الكريمة‌ الظاهرة‌ في‌ أنّ ليلة‌ القدر ليلة‌ واحدة‌ شخصيّة‌ لجميع‌ أهل‌ الارض‌ علي‌ اختلاف‌ بلدانهم‌ في‌ آفاقهم‌. ضرورة‌ أنّ القرآن‌ نزل‌ في‌ ليلة‌ واحدة‌، وهذه‌ الليلة‌ الواحدة‌ هي‌ ليلة‌ القدر وهي‌ خير من‌ ألف‌ شهرٍ وفيها يُفرق‌ كلّ أمر حكيم‌؛ ومن‌ المعلوم‌ أنّ تفريق‌ كلّ أمر حكيم‌ فيها لايخصّ بقعة‌ معيّنة‌ من‌ بقاع‌ الارض‌ بل‌ يعمّ أهل‌ البقاع‌ أجمع‌.

 هذا من‌ ناحية‌، ومن‌ ناحية‌ أُخري‌ قد ورد في‌ عدّة‌ من‌ الروايات‌ أنّ في‌ ليلة‌ القدر يكتب‌ المنايا والبلايا والارزاق‌ وفيها يفرق‌ كلّ أمر حكيم‌؛ ومن‌ الواضح‌ أنّ كتابة‌ الارزاق‌ والبلايا والمنايا في‌ هذه‌ الليلة‌ إنّما تكون‌ لجميع‌ أهل‌ العالم‌ لا لاهل‌ بقعة‌ خاصّة‌.

 فالنتيجة‌ علي‌ ضوئهما أنّ ليلة‌ القدر ليلة‌ واحدة‌ لاهل‌ الارض‌ جميعاً، لا أنّ لكلّ بقعة‌ ليلة‌ خاصّة‌.

 هذا مضافاً إلي‌ سكوت‌ الروايات‌ بأجمعها عن‌ اعتبار اتّحاد الاُفق‌ في‌ هذه‌ المسألة‌، ولم‌ يرد ذلك‌ حتّي‌ في‌ رواية‌ ضعيفة‌.

 و منه‌ يظهر أنّ ذهاب‌ المشهور إلي‌ ذلك‌ ليس‌ من‌ جهة‌ الروايات‌، بل‌ من‌ جهة‌ ما ذكرناه‌ من‌ قياس‌ هذه‌ المسألة‌ بمسألة‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها وقد عرفت‌ أنّه‌ قياس‌ مع‌ الفارق‌. »[8] انتهي‌ ما أفاده‌ أطال‌ الله‌ عمره‌.

الرجوع الی الفهرس

 الموسوعة‌ الاُولي‌

 

 بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 وصلّي‌ الله‌ علي‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

 ولعنة‌ الله‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌

 السلام‌ عليك‌ يا أميرالمؤمنين‌ وإمام‌ الموحّدين‌ وسيّد الوصيّين‌ وقائد الغُرّ المحجَّلين‌ ورحمة‌ الله‌ وبركاته‌

 

 وحَيَاةِ أشْواقي‌ إلي كَ وتُربةِ الصَّبرِ الجَميلِ             مَا استَحسَنَتْ عَيني‌ سِواكَ ولا صَبَوتُ إلي‌ خَليلِ[9]

أيا كَعبةَ الحُسنِ التي‌ لِجَمالِها                             قلوبُ أُولي‌ الالبابِ لَبَّت‌ وحَجَّتِ

 بَريقَ الثَّنايا منك‌ أهدي‌ لنا سَنا                                  بُرَيقِ الثَّنايا فهْو خيرُ هَديّةِ

 وَأوْحي‌ لِعَيني‌ أنَّ قَلْبي‌ مُجاوِرٌ                                  حِماك‌ فَتاقَتْ لِلجَمالِ وَحَنَّتِ

 وَلَولاك‌ مااستَهدَيتُ بَرْقاً ولاشَجَتْ                          فُؤادي فَأبْكَتْ إذشَدَتْ وُرقُ أيْكَةِ[10]

سلام‌ علي‌ السيّد السند والحبر المعتمد، أُستاذنا الافخم‌ العَلَم‌ العالِم‌ العلاّم‌ حجّة‌ المسلمين‌ والاءسلام‌ الآية‌ العظمي‌ الحاجّ السيّد أبي‌ القاسم‌الخوئيّ أمدّ الله‌ أظلاله‌ الشارفة‌ وبلّغه‌ غاية‌ مناه‌ بحقّ محمّد وعترته‌ الطاهرة‌.

 أرَجُ النَّسيمِ سَرَي‌ مِنَ الزَّوراءِ                                      سَحَراً فَأحيَي‌ مَيِّتَ الاحياءِ

 ولِفِتيَةِ الحَرَمِ المَريعِ وَجيرةِ الْ                                ـحَيِّ المَنيعِ تَلَفُّتي‌ وعَنائي‌

 وا حَسْرَتي‌ ضاعَ الزَّمانُ ولَمْ أفُزْ                              مِنـكُم‌ أُهَيـلَ مَـوَدَّتـي‌ بِلِـقـاءِ

 وَمَتي‌ يُؤَمِّلُ راحَةً مَن‌ عُمرُهُ                                      يَومانِ يَومُ قِليً ويَومُ تَناءِ

 يا ساكِنِي‌ البَطحاءِ هَل‌ مِن‌ عَوْدَةٍ                              أحْيا بِها يا ساكِنِي‌ البَطحاءِ

 إن‌ يَنْقَضي‌ صَبْري‌ فَلَيسَ بِمُنقَضٍ                          وَجْدِي‌ القَديمُ بِكُمْ ولا بُرَحائي‌

 واهاً عَلي‌ ذاكَ الزَّمانِ وَما حَوَي‌                                  طيبُ المَكانِ بِغَفْلَةِ الرُّقَباءِ

 أيّامَ أرْتَعُ في‌ مَيادينِ المُني‌                                      جَذِلاً وَأرفُلُ في‌ ذُيولِ حِباءِ

 ما أعْجَبَ الايّامَ تُوجِبُ لِلْفَتي‌                                      مِنَحاً وَتَمْحَنُهُ بِسَلْبِ عَطاءِ

 وَكَفي‌ غَراماً أنْ أبيتَ مُتَيَّماً                                 شَوْقي‌ أمامي‌ وَالقَضاءُ وَرائي‌[11]

 وبعد إهداء أحسن‌ مراتب‌ السلام‌ وأكملِ التحيّات‌ وأتمّ الاءكرام‌ وإبراز غاية‌ ودّي‌ وإخلاصي‌ وولهي‌ وفرط‌ اشتياقي‌ إلي‌ لقيا طلعتك‌ المنيرة‌ ووجهك‌ الميمون‌ والاستمطار من‌ شآبيب‌ فيضك‌ الواسع‌ ونفحات‌ سرّك‌ المصون‌، أحمده‌ علي‌ آلائه‌ التي‌ منها أن‌ وفّقني‌ للمثول‌ بين‌ يديك‌ في‌ هذه‌ اللحظات‌ بهذه‌ الوُريقات‌ بالكتابة‌ التي‌ هي‌ إحدي‌ اللقائين‌. كما أحمده‌ علي‌ بلائه‌ الذي‌ منه‌ أن‌ حرمني‌ منذ سنين‌ عديدة‌ عن‌ التشرّف‌ باستلام‌ عتبة‌ باب‌ العلم‌ ومعدن‌ الحكمة‌ مولانا أمير المؤمنين‌ عليه‌ صلوات‌ الله‌ والملائكة‌ المقرّبين‌، وعن‌ زيارة‌ سماحتك‌ بوّابه‌ الآية‌ الحجّة‌، جعله‌ الله‌ من‌ عباده‌ المخلَصين‌ وأوليائه‌ المقرّبين‌؛ آمين‌ ربّ العالمين‌.

الرجوع الی الفهرس

سبب‌ كتابة‌ الموسوعة‌

 ثمّ إنّي‌ طالما كنتُ مطّلعاً علي‌ فُتياكم‌ في‌ مسألة‌ رؤية‌ الهلال‌ وعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ في‌ رسالة‌ «منهاج‌ الصالحين‌»، ولكنّ المانع‌ من‌ تذكاري‌ إيّاكم‌ بجهات‌ المسألة‌ أوّلاً: أنّ اختلاف‌ الآراء أمر دارج‌ بين‌ الطلبة‌ والاعلام‌، وثانياً: أنّ مثلي‌ مع‌ ضيق‌ النطاق‌ وقصور الباع‌ والبضاعة‌ المزجاة‌ لا يليق‌ للتعرّض‌ حول‌ هذه‌ المسائل‌؛ ولكن‌ لمّا كان‌ عيد الفطر في‌ هذه‌ السنة‌ معركةً عجيبةً في‌ جميع‌ النواحي‌ وباعثاً للاختلاف‌ الشديد الموجب‌ لترك‌ الجماعات‌ وسقوط‌ الاُبّهة‌ والعظمة‌ وبروز النفاق‌ وأيادي‌ الشيطان‌، هذا من‌ ناحية‌؛ ومن‌ ناحية‌ أُخري‌ كان‌ صدرك‌ الواسع‌ وحجرك‌ المبسوط‌ أجازا للمشتغلين‌ من‌ قديم‌ الايّام‌، البحث‌ والنقد وإن‌ طالا واتّسعا، مع‌ اللطف‌ والكرامة‌ والاءرشاد والهداية‌؛ صلّيتُ واستخرتُ الله‌ ثمّ أجزت‌ نفسي‌ وتجرّأت‌ أن‌ أكتب‌ لسماحتك‌ مطالب‌ حول‌ هذه‌ المسألة‌؛ فإن‌ تلقّيتَها بعين‌ القبول‌ والرضا فلا مناص‌ من‌ تجديد النظر وتبديل‌ الكلام‌ بفتوي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌. وما توفيقي‌ إلاّ بالله‌ عليه‌ توكّلت‌ وإليه‌ أُنيب‌.

 بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌ والحمد للّه‌ ربّ العالمين‌ الذي‌ جعل‌ الشمس‌ ضياءً والقمر نوراً ليعلم‌ الناس‌ عددَ السنين‌ والحساب‌. قال‌ عزّ مِن‌ قائلٍ: فَالِقُ الاْءِصْبَاحِ وَ جَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.[12] وقال‌: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ.[13] وقال‌: الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ.[14]

 وصلّي‌ الله‌ علي‌ خير من‌ أُوتي‌ جوامع‌ الكلَم‌ وفصل‌ الخطاب‌، نبيّنا الاعظم‌، محمّد بن‌ عبد الله‌، الحميد المحمود، وعلي‌ آله‌ الطيّبين‌ الطاهرين‌ أُمناء المعبود.

 وبعد، فهذه‌ رسالة‌ حول‌ مسألة‌ رؤية‌ الهلال‌، جمعت‌ فيها ما مرّ علي‌ فكري‌ القاصر وخطر علي‌ قلبي‌ الفاتر، من‌ لزوم‌ اشتراك‌ البلدان‌ في‌ الآفاق‌ بالنسبة‌ إلي‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر الهلاليّ وعدم‌ كفاية‌ الرؤية‌ في‌ الآفاق‌ البعيدة‌.

 فنقول‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العليّ العظيم‌:

 إنّ البحث‌ حول‌ هذه‌ المسألة‌ يقع‌ في‌ جهتين‌، الاُولي‌: الجهة‌ العلميّة‌، والثانية‌: الجهة‌ الشرعيّة‌.

الرجوع الی الفهرس

 البحث‌ عن‌ الجهة‌ العلميّة‌ في‌ المسألة‌

أمـّا البحث‌ عن‌ الجهة‌ الاُولي‌ فسرد الكلام‌ فيه‌ يقع‌ بعد تمهيد مقدّمات‌، وإن‌ كان‌ بعضها نافعاً للجهة‌ الشرعيّة‌ أيضاً.

الرجوع الی الفهرس

المقدّمة‌ الاُولي‌ والثانية‌

 الاُولي‌:

 أنّ نسبة‌ القرب‌ والبعد بين‌ الكرتين‌ من‌ الكرات‌ السماويّة‌ لاتختلف‌، سواء جعلنا الاُولي‌ ساكنةً والاُخري‌ متحرّكةً أم‌ بالعكس‌. فما في‌ فرضيّة‌ بطلميوس‌ من‌ سكون‌ الارض‌ وحركة‌ الشمس‌ حولها وحركة‌ القمر حول‌ الارض‌ لايوجب‌ اختلافاً في‌ القرب‌ والبعد، والنسبة‌ سواء.

 إنّ مدار حركة‌ الارض‌ حول‌ الشمس‌ في‌ الهيئة‌ الجديدة‌ عبارة‌ عن‌ منطقة‌ البروج‌ التي‌ كانت‌ مداراً لحركة‌ الشمس‌ حول‌ الارض‌ في‌ الهيئة‌ القديمة‌.

 ولذلك‌ لايُري‌ الاختلاف‌ الفاحش‌ بين‌ الزيجات‌ المستخرجة‌ من‌ مرصودات‌ المتقدّمين‌ كصاحب‌ المِجَسطيّ: بطلميوس‌ والبتّانيّ والحكيم‌ محيي‌ الدين‌ المغربيّ والمحقّق‌ الطوسيّ والراصدين‌ في‌ سمرقند وأصحاب‌ زيـج‌ أُلُغ‌ بيك‌ والزيج‌ الهنديّ والزيج‌ البَهادُريّ، وبين‌ حساب‌ منجّمي‌ الغرب‌ جمعياً؛ والقليل‌ من‌ الاختلاف‌ المشاهد بينهما إنّما هو بسبب‌ أدقّيّة‌ نظر المتأخّرين‌.

 والعجب‌ أنّ زيج‌ لُورِّية‌ الفرنسيّ مثل‌ الزيج‌ البهادريّ في‌ غالب‌ الحسابات‌ وهو أدقّ الزيجات‌. نعم‌ إن‌ كان‌ بينهما فرق‌ واختلاف‌ ففي‌ الثواني‌ والثوالث‌ والروابع‌ وأحياناً في‌ الدقائق‌ لا في‌ الدرجات‌ في‌ الاغلب‌؛ هذا مع‌ بعد العهد وطول‌ الزمن‌.

 الثانية‌:

 أنّ القمر يدور حول‌ الارض‌ من‌ المغرب‌ إلي‌ المشرق‌ دوراً كاملاً يساوي‌ 360 درجةً في‌ طول‌ 27 يوماً و8 ساعات‌ تقريباً. وهذه‌ المدّة‌ تسمّي‌ شهراً نجوميّاً. فالقمر يطوي‌ المدار نحو المشرق‌ كلّ درجة‌ منه‌ قريب‌ ساعتين‌.

 وبما أنّ الارض‌ بحركتها الانتقاليّة‌ أيضاً تسير نحو المشرق‌ دوراً كاملاً يساوي‌ 360 درجةً في‌ طول‌ 365 يوماً وربع‌ يوم‌ فتطوي‌ المدار نحو المشرق‌ كلّ يوم‌ ما يقرب‌ درجةً وهو 59 دقيقةً و8 ثوان‌ يعني‌ أقلّ من‌ درجة‌ بقليل‌، فلا بدّ عند حساب‌ الشهر الهلاليّ الملحوظ‌ فيه‌ الزمان‌ الحاصل‌ بين‌ اقتراني‌ الشمس‌ والقمر المتواليين‌ أن‌ يلاحظ‌ مجموع‌ مقدار حركة‌ القمر وحركة‌ الارض‌ وهذا الزمان‌ يبلغ‌ 29 يوماً و13 ساعةً تقريباً[15]وهذه‌ المدّة‌ تسمّي‌ شهراً هلاليّاً.[16] فالقمر في‌ الشهر الهلاليّ يدور في‌ المدار دوراً أزيد من‌ الدورة‌ الكاملة‌ وهو 389 درجةً تقريباً.[17]

الرجوع الی الفهرس

 

المقدّمة‌ الثالثة‌ و الرابعة‌

 الثالثة‌:

 أنّ الشهر القمري‌ّ وهو فصل‌ زمان‌ مقارنتي‌ الشمس‌ والقمر المتواليتين‌ أو مقابلتيهما كذلك‌، أو فصل‌ زمان‌ وقوع‌ الشمس‌ والقمر علي‌ خطّ نصف‌ نهار إلي‌ وقوعهما التالي‌ علي‌ نصف‌ نهار آخر يطول‌ تسعةً وعشرين‌ يوماً واثنتي‌ عشرة‌ ساعةً وأربعاً وأربعين‌ دقيقةً تحقيقاً (44/12/29).

 فلمّا كان‌ هذا المقدار يتعسّر ضبطه‌ بل‌ يتعذّر العلم‌ به‌ لعامّة‌ الناس‌ فلايعرفه‌ إلاّ الاوحديّ العالم‌ الخبير بالزيجات‌ المستخرجة‌ من‌ الارصاد الصحيحة‌ الدقيقة‌، جعلوا شهراً واحداً ثلاثين‌ يوماً وآخر تسعةً وعشرين‌ يوماً وهكذا إلي‌ آخر السنة‌[18] فيصير مجموع‌ الايّام‌ علي‌ هذا النهج‌ في‌ السنة‌ 354 يوماً. وأمّا علي‌ حسب‌ المقدار المذكور فانّ السنة‌ الكاملة‌ القمريّة‌ تساوي‌ ثلاثمائة‌ وأربعة‌ وخمسين‌ يوماً وثمان‌ ساعات‌ وثمان‌ وأربعين‌ دقيقةً 12 * (44/12/29) = 48/8/354. ثمّ لمّا كان‌ هذا المقدار أزيد من‌ 354 يوماً بثمان‌ ساعات‌ وثمان‌ وأربعين‌ دقيقةً (48/8) جعلوا للسنوات‌ القمريّة‌ كبائس‌ فجعلوا لكلّ ثلاث‌ سنين‌ تقريباً سنةً كبيسةً، ولكلّ ثلاثين‌ سنةً إحدي‌ عشرة‌ سنةً كبيسةً تحقيقاً؛ وجعلوا في‌ هذه‌ السنة‌ الشهور التامّة‌ سبعةً والشهور الناقصة‌ خمسةً فيصير المجموع‌ 355 يوماً. وعلي‌ هذا النهج‌ كانوا يستخرجون‌ التقاويم‌، وجعلوا الكبائس‌ السنوات‌ 2 و 5 و 7 و 10 و 13 و 16 و 18 و 21 و 24 و 26 و 29.

 كلّ هذا علي‌ منهج‌ الملل‌ والاقوام‌ قبل‌ الاءسلام‌ ومنهج‌ الذين‌ كانوا بعده‌ وجعلوا الشهور القمريّة‌ مبدأ تواريخهم‌ بلا نظر إلي‌ الاُمور الشرعيّة‌.

 الرابعة‌:

 أنّ كلّ كوكب‌ إذا أشرق‌ علي‌ كوكب‌ آخر أصغر منه‌ يكون‌ الطرف‌ المستشرق‌ من‌ الكوكب‌ الاصغر المواجه‌ للكوكب‌ الاكبر أكبر من‌ الطرف‌ الآخر المظلم‌ الّذي‌ لايواجه‌ الكوكب‌ المشرق‌.

 فإذاً يحدث‌ بهذا الاءشراق‌ ظلّ مخروطي‌ّ ممدود تكون‌ قاعدته‌ الدائرة‌ الصغيرة‌ المنطبقة‌ علي‌ دائرة‌ فصل‌ النور والظلمة‌.

 فلمّا كانت‌ الارض‌ أصغر من‌ الشمس‌ [ و بعيدةً عنها ] بكثير فبطلوع‌ الشمس‌ وإشراقها يحدث‌ ظلّ مخروطيّ طويل‌ تكون‌ قاعدته‌ ما يقرب‌ من‌ الدائرة‌ العظيمة‌، فيظلم‌ نصف‌ الارض‌ الواقع‌ في‌ هذا المخروط‌.

 

وبما أنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها مرّةً واحدةً في‌ كلّ يوم‌ وليلة‌ بحركتها الوضعيّة‌، فلا محالة‌ يدور هذا الظلّ المخروطيّ حول‌ الارض‌ دائماً ولا يمكث‌ آناً أبداً؛ وإن‌ شئتَ فقل‌ إنّ الارض‌ تدور دائماً في‌ هذا الظلّ المخروطيّ.

 فابتداء الليل‌ في‌ كلّ ناحية‌ هو أوّل‌ دخوله‌ في‌ هذا المخروط‌. فلا محالة‌ لايكون‌ في‌ جميع‌ العالم‌ ابتداء الليل‌ إلاّ في‌ خطّ واحد[19] شمالاًوجنوباً، و هذا الخطّ هو نصف‌ النهار للبلاد الواقعة‌ جميعاً في‌ طول‌ واحد إذا بلغ‌ حدّ غروب‌ الشمس‌.

 وبهذه‌ المناسبة‌ لا يكون‌ آخر الليل‌ وهو الخروج‌ عن‌ الظلّ إلاّ في‌ خطّ واحد كذلك‌.

 ولا يكون‌ نصف‌ الليل‌ وثُلثه‌ وربعه‌ وخمسه‌ وهكذا، إلاّ في‌ خطوط‌ خاصّة‌ لا يتعدّاها إلي‌ غيرها.

 وبالمناسبة‌ الاءضافيّة‌ أيضاً لايكون‌ أوّل‌ النهار وآخره‌ ووسطه‌ إلاّ في‌ خطوط‌ خاصّة‌ بعينها لايتعدّاها إلي‌ غيرها، لانّ الظلّ المخروطيّ حيث‌ يتحرّك‌، يتحرّك‌ بتبعه‌ نصف‌ كرة‌ الارض‌ المستضي‌ء. ففي‌ كلّنقطة‌ من‌ نقاط‌ العالم‌ علي‌ حسب‌ اختلاف‌ مشرقه‌ ومغربه‌ يوم‌ خاصّ وليلة‌ خاصّة‌.

 فالليل‌ والنهار في‌ بلدة‌ طهران‌ مثلاً غير الليل‌ والنهار في‌ ما يليها من‌ البلاد الواقعة‌ في‌ المشرق‌ والمغرب‌ كسمنان‌ وهمدان‌ مثلاً.

الرجوع الی الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

پاورقي


[1] ـ العبارة‌ موافقة‌ للطبعات‌ المنتشرة‌ من‌ «المنهاج‌» قبل‌ إرسال الموسوعة‌ الاُولي‌ من‌ هذا الكتاب‌ إلي‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الخوئيّ ـ تغمّده‌ الله‌ برحمته‌ ـ ولكن‌ يوجد في‌ الطبعات‌ المتأخّرة‌ تغييرٌ و زيادةٌ، و سيأتي‌ توضيح‌ ذلك‌ في‌ تعليقة‌ ص‌ ـ م‌.

 [2] ـ العبارة‌ موافقة‌ للطبعات‌ المنتشرة‌ من‌ «المنهاج‌» قبل‌ إرسال‌ الموسوعة‌ الاُولي‌ من‌ هذا الكتاب‌ إلي‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الخوئيّ ـ تغمّده‌ الله‌ برحمته‌ ـ ولكن‌ يوجد في‌ الطبعات‌ المتأخّرة‌ تغييرٌ و زيادةٌ، و سيأتي‌ توضيح‌ ذلك‌ في‌ تعليقة‌ ص‌ ـ م‌.

[3] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 7، ص‌ 192، أبواب‌ أحكام‌ شهر رمضان‌، الباب‌ 5، ح‌ 13

[4] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 7، ص‌ 211، أبواب‌ أحكام‌ شهر رمضان‌، الباب‌ 12، ح‌ 1

 [5] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 7، ص‌ 201، أبواب‌ أحكام‌ شهر رمضان‌، الباب‌ 8، ح‌ 3

 [6] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 7، ص‌ 183، أبواب‌ أحكام‌ شهر رمضان‌، الباب‌ 3، ح‌ 9

 [7] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 5، ص‌ 131 و 132، كتاب‌ الصلاة‌، أبواب‌ صلاة‌ العيد، الباب‌ 26، ح‌ 2 و 5؛ و وردت‌ في‌ «الاءقبال‌» و «المصباح‌» و غيرها من‌ كتب‌ الادعية‌ وفي‌ بعض‌ الكتب‌ الفقهيّة‌ بلفظ‌ «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الْيَوْمِ» إلي‌ آخره‌ - م‌.

[8] ـ «منهاج‌ الصالحين‌» ج‌ 1، ص‌ 280 إلي‌ ص‌ 285، مطبعة‌ النجف‌ الاشرف‌ (سنة‌ 1392 ه ) كتاب‌ الصوم‌، المسألة‌ 75.

[9] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» المطبعة‌ الادبيّة‌، ص‌ 217.

 [10] ـ نفس‌ المصدر، ص‌ 53 و 54.

[11] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 132 إلي‌ ص‌ 140.

[12] ـ الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[13] ـ الآية‌ 189، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[14] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 55: الرحمن‌.

[15] ـ و هذا الزمان‌ ليس‌ بثابت‌ المقدار في‌ جميع‌ الشهور، فقد يكون‌ 29 يوماً و أكثر من‌ 19 ساعةً في‌ بعضها و قد يكون‌ 29 يوماً و أقلّ من‌ 7 ساعات‌ في‌ بعضها الآخر؛ و نظراً لعدم‌ ثبات‌ هذه‌ المدّة‌ التي‌ قد تُسمّي‌ شهراً قمريّاً اقترانيّاً فقد اتّفق‌ الفلكيّون‌ علي‌ اعتبارها في‌ المتوسّط‌ 29 يوماً و 13 ساعةً تقريباً و 29 يوماً و 12 ساعةً و 44 دقيقةً تحقيقاً؛ و هذا المقدار قد يسمّي‌ شهراً قمريّاً حسابيّاً كما سيأتي‌ في‌ ص‌ 37 م‌.

[16] ـ و قد تسمّي‌ قمريّاً؛ و الهلاليّ المذكور هنا في‌ قبال‌ الشهر النجوميّ غيرُ المذكور في‌ ص‌ 37 في‌ قبال‌ القمريّ الحسابيّ و الوسطيّ الذي‌ يكون‌ من‌ أقسام‌ الشهرالقمريّ م‌.

[17] ـ لانّ القمر حينما يدور دوراً يساوي‌ 360 درجةً في‌ الشهر النجوميّ فالارض‌ أيضاً تطوي‌ مدارها حول‌ الشمس‌ بحركتها الانتقاليّة‌ أقلّ من‌ ثلاثين‌ درجةً بقليل‌ وهو ما يقرب‌ 29 درجةً، فالقمر يطوي‌ في‌ الشهر الهلاليّ مجموع‌ هذين‌ المقدارين‌ ( 360 + 29 ) درجةً حتّي‌ يصل‌ إلي‌ حالته‌ الاُولي‌ م‌.

[18] ـ و سمّوه‌ شهراً وسطيّاً قبال‌ الحقيقيّ منه‌ [ الذي‌ هو من‌ هلال‌ إلي‌ هلال‌ (كما سيأتي‌ توضيحه‌ في‌ ص‌ 37) ]، و الاوّل‌ مبني‌ الارصاد، و الثاني‌ يستخرج‌ من‌ الاوّل‌ بعد حساب‌ التعديلات‌ و غيرها منه‌ عُفي‌ عنه‌.

[19] ـ ما ذكرنا من‌ انطباق‌ أوّل‌ الليل‌ علي‌ خطّ واحد شمالاً وجنوباً إنّما هو علي‌ المسامحة‌ للدلالة‌ علي‌ المقصود علي‌ سبيل‌ التقريب‌ إلي‌ الذهن‌، وإلاّ ففي‌ الحقيقة‌ لايكون‌ أوّل‌ الليل‌ في‌ نقطة‌ من‌ الارض‌ إلاّ إذا دخلت‌ هذه‌ النقطة‌ في‌ نقطة‌ من‌ دائرة‌ الظلّ المخروطيّ، و هذه‌ الدائرة‌ صغيرةٌ لاتكاد تمرّ علي‌ القطبين‌ لكنّها في‌ أوّل‌ الحمل‌ وأوّل‌ الميزان‌ حيث‌ انطبقت‌ دائرة‌ الحركة‌ الظاهريّة‌ اليوميّة‌ للشمس‌ علي‌ معدّل‌ النهار تكون‌ موازية‌ لدائرة‌ نصف‌ نهار مارّ علي‌ القطبين‌؛ وفي‌ غيرهما حيث‌ تميل‌ الشمس‌ شمالاً وجنوباً ويصير مدار حركتها اليوميّة‌ بعيداً عن‌ المعدّل‌ إلي‌ نهاية‌ مقدار 23 درجةً و 30 دقيقةً و 17 ثانيةً فلا محالة‌ خرجت‌ عن‌ الموازاة‌؛ وهكذا الامر بالنسبة‌ إلي‌ آخر الليل‌ وهو الخروج‌ عن‌ الظلّ منه‌ عفي‌ عنه‌.

 [ وسيجي‌ء تفصيل‌ الكلام‌ فيه‌ في‌ المقدّمة‌ التاسعة‌ ]

الرجوع الی الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com