|
|
البحث حول الاءشكال في الاستشهاداتوأمّا النقد في استشهادنا الثالث بجمل الذكر والآية في معني يوم العيد وليلة القدر، بترديدك في مفهومهما بذاك التفصيل والتطويل؛ فلابدّ أن يعدّ تغافلاً منك، وإلاّ فلا ريب في أنّ ليلة القدر التي يستفاد من الكتاب والسنّة أنّ فيها تقدير حوادث السنة، ليست إلاّ ليلةً واحدةً شخصيّةً، لا الليل الكلّيّ القابل للصدق علي الكثير ولا نفس جزئيّات ذاك الكثير حسب كلّ أُفق وصقع، بل هي الواحدة المحدودة بتمام دور الارض، بظلّها الليليّ كما قدّمنا. وكذا يوم العيد لجميع المسلمين المشار إليه بلفظ «هذا» المفيد للجزئيّة الشخصيّة المضافة لجميع المسلمين، لايلائم إلاّ ذاك النهار الواحد المحدود بتمام دوره النهاريّ كما مرّ غير بعيد، فلا حاجة لان نعيد؛ كما لا نطيل البحث عليك بمزيد، لانّك بحمد الله تعالي في غنيً عن لزوم التطويل، و نبدي إليك المعذرة بهذا القليل، ونرجو لك التوفيق والسداد، ونيل مناهج الامانيّ والرشاد. فما ذكرنا في هذا الوجيز من بيان ملاك الشهر، ومن ملاك احتسابه، وشطراً من طرق السلوك إلي المدّعي؛ يمكن أن يكون حاسماً لجذور الخلاف. إذ كان كثير من نقود الموسوعة لا أساس له ولا مساس بما اخترناه، وجملة منها لاتنافيه، والبقيّة كانت دعوي منك بلا دليل، أو الدليل بإثبات خلافها كفيل. ولو كان المجال واسعاً لاشرنا إلي آحادها، ولكنّ الحال كما أسلفنا لك في صدر المقال. ونرجو من ودّك الجميل الغالي أن لاتنسانا في غرر دعواتك العوالي، أطراف النهار وآناء الليالي؛ كما لا ننساك في غيابك ولقياك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ـ انتهي ما أفاده مدّ ظلّه. الموسوعة الثانية المدخلبسم الله الرحمن الرحيم هذه صورة ما كتبتُ إلي حضرة سيّدنا الاُستاذ العلاّمة الخوئيّ أدام الله أيّام إفاضاته جواباً عن جوابه، ودفاعاً عن صحّة موسوعتنا المرسلة إلي جنابه نقـلتـه هـاهـنا، ليـكون مبصِّـراً ومذكّـراً لاءخوانـي المشـتغلـين كي ينظروا فيه بعين الاعتبار، حنيفين إلي العدل والاءنصاف حـائدين عن الجـور والاعتسـاف و للّه الحمد في كلّ حال. مطلع الموسوعة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين السلام عليك يا أميرالمؤمنين، أشهد أنّك الصراط الواضح و النجم اللائح والاءمام الناصح والزناد القادح و رحمة الله وبركاته
الصبرُ إلاّ في فِراقك يَجمُلُ والصَّعبُ إلاّ عن مَلالِك يَسهُلُ إن تَرمِ قلبي تَصمِ نَفسُك إنَّه لَك مَوطنٌ تَأوي إليهِ ومَنزِلُ واللهِ لا أسْلوكَ حَتّي أنطوي تَحت التُّرابِ ويَحتويني الجَندَلُ يا راكباً تهوي به شَدَنيّةٌ حَرْفٌ كما تَهوي حَصاةٌ مِن عَلُ هَوْجاءَ تَقطَعُ جَوْزَ تَيّارِ الفَلا حتّي تَبُوصَ علي يَدَيها الارجُلُ عُجْ بِالغَريِّ علي ضَريحٍ حَوْلَهُ نَادٍ لاِملاَكِ السماءِ وَمَحفِلُ وَقُلِ السَّلاَمُ عليك يا مَولَي الوَرَي نَصّاً بهِ نَطَقَ الكِتابُ المُنزَلُ وَ خِلاَفَةً ما إنْ لها لَوْ لَم تَكُنْ مَنصوصَةً عَن جيدِ مَجْدِك مَعْدِلُ يا أيّها النَبَأُ العَظيمُ فَمُهْتَدٍ في حُبِّهِ وَغُواةُ قَومٍ جُهَّلُ يا وارِثَ التَوراةِ وَالاءنجيلِ وَال ـقُرآنِ وَالحِكَمِ التي لا تُعقَلُ لَوْلاكَ ما خُلِقَ الزَّمانُ ولا دَجي غِبَّ ابْتِلاجِ الفَجْرِ لَيْلٌ ألْيَلُ إن كانَ دينُ مُحَمَّدٍ فيه الهُدي حَقّاً فَحُبُّكَ بابُهُ وَالمَدخَلُ صَلّي عَلَيكَ اللهُ مِن مُتَسَربِلٍ قُمُصاً بِهِنَّ سِواك لايَتَسَربَلُ[98] سلام علي السيّد المعظّم والسند المُفخّم، سيّد القوم الكرام وسند الطائفة الفخام، أُستاذنا المكرّم سيّد الفقهاء والمجتهدين، الآية العظمي الحاجّ السيّد أبوالقاسم الخوئيّ أدام الله أيّام بركاته بحقّ محمّد وآله. أوَميضُ بَرقٍ بالاُبَيرِقِ لاحَا أمْ في رُبي نَجْدٍ أري مِصْباحَا أمْ تِلكَ ليلَي العامِريّةُ أسفَرَت ليلاً فَصَيَّرتِ المَساءَ صَباحَا يا راكِبَ الوَجْناءِ وُقّيتَ الرَّدي إنْ جُبتَ حَزْناً أو طَوَيتَ بِطاحَا وَسَلَكتَ نَعمانَ الاراكِ فَعُجْ إلي وَادٍ هُناك عَهِدتُهُ فَيّاحَا واقْرِ السَّلامَ أُهَيلَهُ عَنّي وَقُلْ غادَرتُهُ لِجَنابِكُم مُلْتاحَا يا ساكِني نَجْدٍ أما مِن رَحْمةٍ لاِسيرِ إلْفٍ لايُريدُ سَراحَا هَلاَّ بَعَثتُم لِلمَشُوقِ تَحيَّةً في طَيِّ صافيَةِ الرِّياحِ رَواحَا يا أهلَ وُدّي هَل لِراجي وَصْلِكُم طَمَعٌ فَيَنْعَمَ بالُهُ استِرواحَا سَقْياً لايَّامٍ مَضَتْ مَعَ جيرَةٍ كانَتْ لَيالينا بِهِم أفْراحَا حيثُ الحِمي وَطَني وسُكّانُ الغَضا سَكَني وَوِرْدِي الماءَ فيهِمُباحَا وَاهاً عَلي ذاك الزَّمانِ وَطِيبِه أيَّامَ كُنتُ مِنَ اللُّغوبِ مُراحَا قَسَماً بِمكَّةَ وَالمَقامِ وَمَنْ أتَي ال ـبَيْتَ الحَرامَ مُلَبّياً سَيّاحَ ما رَنَّحَت ريحُ الصَّبا شِيحَ الرُّبي إلاَّ وَأهْدَتْ منكُمُ أرْواحَا[99] و بعد التحيّة والسلام والاءخلاص والاءكرام، بُشِّرتُ بمجيء كتابك الكريم، جواباً عن الرسالة التي أرسلتها إليك حول مسألة لزوم اشتراك البلدان في الآفاق في رؤية الهلال بالنسبة إلي الاحكام المترتّبة علي دخول الشهر. و استقبلتُه من حين، واستلمتُه بَهِجاً فَرِحاً، وزاد لي فخراً وشرفاً لمّا فضّلتني بالجواب، اهتماماً بالسنّة الرائجة بين الاعلام، لبقاء العلم وحفظه من الجمود والركود والاندراس. فطالعته مراراً؛ وشكرت الله علي هذه الموهبة العظيمة التي منحها أُستاذَنا الافخم، حيث وفّقه مع الهرم وكثرة المشاغل والشواغل، من الاسئلة والاستفتاءات من كلّ صوب وتوارد الهموم والحوادث الواقعة من كلّ فجّ؛ للنظر في هذه المجموعة، وإيراد بيان دفعاً للنقود المذكورة فيها علي عدم لزوم الاتّحاد في الآفاق وكفاية رؤية ما ولو من بعيد في تحقّق دخول الشهر الجديد. فجزاك الله تعالي عن العلم وأهله خير الجزاء، وأبقاك للعلم وأهله خير البقاء. هذا، ولكن لمّا كانت هذه الاجوبة غير ناهضة لدفع النقودالمذكورة بوجه من الوجوه، ولم يكن حالك بما يتراءي من ظاهر الامر مساعداً ومجالك واسعاً عندما تشرّفت بلقائك للبحث مشافهةً، وبما قيل من أنّ حياة العلم بنتُ البحث؛ صلّيت واستخرت الله تعالي، واستجزت من سماحتك أن أكتب جواباً عن كتابك المرسل، عسي أن يقع مورد القبول. وبتبديل فتياك في هذه المسألة، يرتفع الخلاف وتنتهي المعارك والضوضاء، ويستريح الناس من الشبهة في أعمال الايّام واللياليمن شهر رمضان القريب جدّاً، ومناسك عيد الفطر القادم. والله يعلم وضميرك يشهد بأنـّه لم يكن الداعي إلي هذه الاُطروحة إلاّ الوصول إلي متن الواقع. وإنّما التوفيق بالله؛ منه المبدأ وإليه المعاد. فأقول مستعيناً به: بسم الله الرحمن الرحيم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًي لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي' وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.[100] مقدّمات المبحثوقبل الخوض في البحث لابدّ من تقديم مقدّمات ثلاث: الاُولي: إذا واجه ناظر إلي الكرة المستضيء نصفها بإشراق مبدأ مضيء، يري تمام النصف المستضيء في ما إذا وصل شعاع عمود من مركز الدائرة المستضيئة إلي عينه؛ وأمـّا إذا لم يصل هذا الشعاع العمود إلي عينه، فلا يَري تمام النصف بل بحسب تفاوت اختلاف درجات مركز الدائرة المستضيئة مع النقاط التي تصل أشعّتها العمودة إلي عينه، يتفاوت مقدار رؤية الكرة. فقد يَري ثلثي النصف المستضيء، وقد يري نصفه وقديري ثلثه وربعه إلي أن يراه بشكل الهلال. نصّ علي ذلك علماء علم المناظر والمرايا من المتقدّمين والمتأخّرين. وحسبوا مقدار المرئيّ من النصف المُستضيء بحسب جميع تقادير زواياه المفروضة من وصول الاشعّة إلي عين الناظر، وأثبتوها في مسطوراتهم.[101]
المقدّمة الثانية: القمر إذا خرج عن تحت الشعاع لايمكن رؤيته إلاّ بعد غروب الشمس؛ نصّ علي ذلك جميع علماء الفلك. وذلك، لانّ الاشعّة القاهرة الشمسيّة تمنعنا من الاءبصار والرؤية. فإذاً كلّما رئي الهلال في يوم بعد المحاق فهو دليل علي خروج القمر عن تحت الشعاع في الليلة الغابرة؛ سواء كانت الرؤية قبل الزوال أو بعده. الاُمور المترتبة علي حركة الارض حول نفسهاالمقدّمة الثالثة: إنّ الارض تدور في الفضاء حول نفسها بحركتها الوضعيّة دوراً كاملاً في كلّ يوم وليلة ما يقرب أربعاً وعشرين ساعةً. وبهذه الحركة يتحقّق الليل والنهار، وتتعيّن مقاديرهما، وينطبق ترسيم امتداد الزمان علي جميع النقاط المفروضة من الارض. وبهذا يتحقّق أُمور: أوّلاً: يتحقّق الزوال والطلوع والغروب في كلّ نقطة. وثانياً: يكون الغروب في كلّ آن من الآنات، في نقطة ما، ويكون الطلوع في نقطة ما، ويكون الزوال في نقطة ما. وذلك لانّ الشمس بسبب حركة الارض تختفي في كلّ آن تحت أُفق من الآفاق. ففي كلّ لحظة، يكون الغروب في ناحية؛ ويكون بعد الغروب بدقيقة في الناحية الشرقيّة المجاورة للاُولي بفاصلِ دقيقـة. ويكون بعد الغروب بدقيقتين في الناحية الشرقيّة الـمجاورة لـلاُولي بفاصل دقيقتين. وهكذا إلي ساعة بعد الغروب في الناحية المجاورة بفاصل ساعة. ويكون وقت العشاء في كلّ آن في ناحية؛ ويكون وقت طلوع الفجر في ناحية؛ وهكذا وقت طلوع الشمس والزوال والعصر. فلا تمرّ لحظةٌ من الارض إلاّ ويتحقّق فيها جميع الساعات الليليّة والنهاريّة بجميع ما فيها من الآنات واللحظات. وبهذا الترسيم الواقعيّ في كلّ آن من الآنات تتحقّق لطيفة، وهي تحقّق صلاة الفجر في كلّ آن في ناحية ما وصلاة الظهر في ناحية وصلاة العصر في ناحية، وهكذا. ففي كلّ آن تتحقّق الصلوات الخمس ورواتبها في الارض، يصلّي سكّانها جميعاً بالعموم الشموليّ في كلّ آن من الآنات جميع الصلوات فلا يمرّ آن ولحظة من الارض إلاّ وتتحقّق الصلاة أيّ صلاة في ناحية. مثلاً في آن وقت غروب طهران يصلّي ساكنوها صلاة المغرب. وفي هذا الآن يصلّي من كان في البلاد الشرقيّة من طهران علي قدر ساعة ونصف ساعة صلاة العشاء. ويصلّي من كان بعيداً عنه بفاصل عشر ساعات مثلاً صلاة الصبح. فالارض في جميع اللحظات والآنات مشغولة بجميع أنحاء صلوات ساكنيها وبجميع أنحاء أذكارهم وتسبيحاتهم الليليّة والنهاريّة. يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ.[102]
وثالثاً: بمجرّد خروج القمر عن تحت الشعاع يري في ناحية من النواحي وذلك، لانّا ذكرنا أنّ في كلّ آن، يكون وقت الغروب في ناحية؛ فإذا خرج القمر عن تحت الشعاع في أيّ آن من الآنات، يكون وقت الغروب في ناحية ويراه أهل هذه الناحية. فما ربّما يقال مثلاً: رئي الهلال بعد الخروج بثلاث ساعات، إنّما هو في ناحية تكون فاصلة غروبها من الناحية المحاذاة لخروج القمر ثلاث ساعات؛ لا أنـّه لابدّ وأن رئي بعد ثلاث ساعات في جميع النقاط. ورابعاً: لا يمكن تحقّق رؤية الهلال في ليلة واحدة لجميع بقاع الارض. وذلك، لانّ القمر إذا خرج عن تحت الشعاع رئي في الآفاق المشتركة؛ و هي الآفاق التي تشترك في رؤيته حين اشتهر فوق الاُفق، ولم يغرب بعد. و أمّا الآفاق البعيدة فلا يكادون يرونه، لاختفائه بعد نصف ساعة تحت الاُفق؛ بل يرونه في الليلة القادمة. ولا يمكن أزيد من ليلتين. وذلك لانّ الارض تتحرّك حول نفسها دوراً كاملاً في أربع وعشرين ساعةً، فبخروج القمر عن تحت الشعاع يراه أهل الارض جميعاً في طول أربع وعشرين ساعةً؛ وهذا يطول في ليلتين لا أكثر. فما ربّما يقال من أنـّه يمكن أن يكون أوّل الشهر المتحقّق برؤية الهلال في جميع النواحي في ليلة واحدة، كلام خال عن السداد. كما أنّ ما قيل من تحقّق الشهر بتحقّق ليلتين علي أقلّ تقدير، لم يفهم له معنيً محصّل. الاءشكالات الواردة علي التفريق بين بداية الشهر و بداية النهاروبعد هذه المقدّمات نقول: إنّ إهلال الهلال كبزوغ الشمس ظاهرة أُفقيّة لسكّان الارض بلا فرق بينهما أصلاً. و ما أفدتَ من الفرق بينهما بأنّ بداية النهار غير بداية الشهر، إذ الطلوع ظاهرة أُفقيّة تتجدّد للآفاق الواجهة للشمس، بخلاف إهلال الهلال فإنّه حادث سماويّ يحدث من ابتعاد القمر عن تحت الشعاع، حتّي ولو قدّر أن لم تكن الارض بآفاقها وكان الناظرون في الفضاء كما هم علي الارض يحجبهم كوكب عن الشمس فيبدو عليهم الليل يرون الهلال؛ ثمّ ما أفدتَ من الفرق بين بداية الشهر وبداية الحساب، بأنّ الاوّل يتحقّق بخروج القمر عن تحت الشعاع وبأنّ الثاني يتحقّق من أوّل ليلة الرؤية مهما تحقّق الخروج؛ فيرد عليه: أوّلاً: أنّ ما أفدتَ من الاختلاف بين مبدأ تحقّق الشهر وبين مبدأ الحساب، هو خلافُ ظاهر تحرير الكلام في رسالة «المنهاج». وسنبيّن أنّ النقود الواردة في موسوعتنا كما أنّها واردة علي نفس تحقّق الخروج، واردة علي مبدأ تحقّق الحساب، بلا فرق بينهما.[103] وثانياً: أنّ إهلال الهلال له معنيً، وصيرورة القمر هلالاً لها معنيً آخر. وذلك لانّ الاءهلال بمعني الظهور والاشتهار. فالقمر بمجرّد خروجه عن تحت الشعاع يصير هلالاً بالنسبة إلي الامتدادات الارضيّة؛ وأمّا الاءهلال فلا يكون إلاّ بعد الرؤية، فيختلف بالنسبة إلي بقاع الارض؛ فيقال: أهلّ الهلالُ لاُفق من الارض كإسبانيا ولم يهلّ لاُفق آخر كطهران. وما ورد في الروايات ممّا هو دخيل في تحقّق الشهر هو الاءهلال؛ كما أنّ ما هو دخيل في تحقّقه حسب ما هو المتعارف بين الملل والاقوام كذلك، لا نفس الخروج عن تحت الشعاع؛ فأين هذا من ذاك ؟ وثالثاً: أنّ نفس تحقّق الهلال بابتعاد القمر عن تحت الشعاع عدّة درجات، إنّما هي بالنسبة إلي خصوص الارض وسكّانها وكلّ ما امتدّ من الارض بخطّ مستقيم في الفضاء إلي نفس القمر. وأمّا في سائر نقاط الفضاء [ نقاط الفاصلة بين القمر و الشمس ] بحيث يكون فيها ناظرون يحجبهم كوكب عن الشمس فليس كذلك. لانّهم لا يرون القمر هلالاً أبداً بل يرونه بشكل البدر أو ما هو قريب منه دائماً؛ وذلك لانّ الكرات التي كان محلّها أقرب إلي الشمس من القمر إليها،يرون نصف الكرة القمريّة المستضيء بنور الشمس تحقيقاً؛ وهو الشكل البدريّ. وعلي فرض كوكب متساوي البعد مع القمر بالنسبة إلي الشمس، يرون القمر عندئذٍ بشكل التربيع لا الهلال. فالترسيم الذهنيّ من حدوث الهلال إنّما هو بالنسبة إلي خصوص الارض وساكنيها وكلّ ناظر في الفضاء في امتداد الارض إلي نفس القمر. ففي هذا الامتداد إذا فرض كوكب تخيّليّ أو حاجب آخر كالسفينة الفضائيّة والقمر الصناعيّ يحجب الناظر عن الشمس، يري القمر بشكل الهلال. فالتصوير الذهنيّ من الهلال إنّما هو في خصوص الامتداد الارضيّ بالنسبة إلي الاشعّة المتّصلة إلي عيون الناظرين من الدائرة المستضيئة من القمر الواجهة لضوء الشمس؛ لا حادث سماويّ علي كلّ تقدير. ورابعاً: أنّ التفريق بين بداية الشهر بخروج القمر عن تحت الشعاع وبين بداية الحساب من أوّل ليلة الرؤية، تحكّم واضح. لانـّا نري في جميع المواقع والمواضع، الاتّحادَ بين مبدأ التحقّق ومبدأ الحساب؛ كما هو الظاهر المعمول به في الاحكام المترتّبة علي موضوعاتها الشرعيّة، والسنّة الدارجة بين الاقوام في مبادي قوانينهم وأحكامهم المترتّبة علي موضوعاتها العرفيّة. فبداية حساب الشهور القمريّة التي لابدّ وأن تكون من أوّل الليل (ليلة الرؤية) مهما تحقّق الخروج، بالآيات والروايات التي لامناص إلاّ عن الاخذ بها؛ دليل كافٍ شافٍ علي تحقّق نفس الشهور بالرؤية أيضاً، قضيّةً للاتّحاد. فإذاً الالتزام بتحقّق نفس الشهر بالخروج عن تحت الشعاع، مجرّد تصوير ذهنيّ؛ خال عن الدليل، بعيد عن مساق الاحكام الواردة، غير مماسّ بها بأيّ وجهٍ فُرِض. وخامساً: ما الفائدة المتصوّرة المثمرة الدخيلة في تأسيس الدليل لدخول الشهر بالخروج عن الشعاع ؟ وما فائدة هذا التفريق ؟ لانّ بداية حساب الايّام ومدار نصّ الفروض والاحكام، إنّما يترتّبان علي نفس الرؤية بتحقّق دخول الليل، كما عليه المشهور والمسلّم عندك. فتعيين تحقّق نفس الشهر بالخروج عن الشعاع والاءصرار بذلك، هل هو إلاّ كضمّ الحجر في جنب الاءنسان ؟ وسادساً: فرض تغاير مبدئي التحقّق والحساب إنّما يصحّ في ما إذا كان مبدأ الحساب متأخّراً دائماً أو غالباً؛ وأمّا إذا كان مبدأ الحساب متقدّماً في كلّ حين وزمان فهو من أخْيلة وهميّة، لا واقعيّةٍ خارجيّة. وما نحن فيه من هذا النوع. لانّا ذكرنا أنّ القمر بمجرّد خروجه يُري في ناحية، فهذه الليلة تحسب من الشهر القادم [ علي ما تقول ] لنصف الكرة الارضيّة الشرقيّ بالنسبة إلي هذه الناحية البعيدة عنها من دقيقة إلي اثنتي عشرة ساعةً؛ مع أنّ الشهر الواقعيّ لم يدخل بعد، لانّ القمر لم يخرج في هذه المدّة عن تحت الشعاع، بل يدخل بعد دقيقة إلي اثنتي عشرة ساعةً. وسابعاً: كلّما خرج القمر عن تحت الشعاع، رئي في ناحية ما لامحالة؛ وذلك لما ذكرنا في المقدّمة الثالثة من أنّ الارض بحركتها الوضعيّة تتجدّد لها آفاق، ففي كلّ آن تغرب الشمس وتختفي تحت أُفق من الآفاق. ففي آن خروج القمر عن تحت الشعاع تختفي الشمس تحت أُفق ويُري الهلال في هذا الاُفق؛ فإذاً لانجد زماناً في آن من الآنات يفترق زمان الخروج عن تحت الشعاع من زمان الرؤية، في مجموع الارض في أُفق ما؛ كما نجد دائماً في مجموعها مكاناً يمكن فيها الرؤية بمجرّد الخروج. فالتفريق الزمانيّ بين الخروج والرؤية وتصوير الفصل بينهما، مجرّد توهّم باطل؛ كما أنّ تخيّل إمكان عدم وجود ناحية أرضيّة يمكن فيها الرؤية بمجرّد الخروج كذلك. فعلي هذا لا يجدي الفرار عن قبول النقود الواردة في موسوعتنا علي مذهبك، بالفرق بين المبدأين زماناً (مبدأ تحقّق الشهر ومبدأ الحساب). فجميع النقود باقية بحالها وقائمة علي ساقها طابق النعل بالنعل والقذّة بالقذّة. والنقود إنّما وقعت موقعها إذا التزم بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق وكفاية رؤيةٍ ما ولو من بعيد. مثلاً إذا فرضنا خروج القمر عن تحت الشعاع في أقصي البلاد الغربيّة كإسبانيا فيُري لامحالة في هذا البلد أوّل وقت خروجه وهو أوّل زمان مغيب الشمس، المعبّر عنه بأوّل الليل. فإذاً لابدّ وأن يحسب جميع الليلة البالغة اثنتي عشرة ساعةً أو أكثر، من إسبانيا إلي بكين وطوكيو من أقصي البلاد الشرقيّة، من الشهر القادم من أوّل الليل؛ مع أنّه في أوّل الليل في بكيّن وطوكيو لم يخرج القمر عن تحت الشعاع، بل بقي إلي زمان خروجه ما يقارب عشر ساعات، ويطوي القمر في المدار في هذه المدّة خمس درجات. فلابدّ وأن يلتزم بأحكام الشهر الجديد في نصف القطر المحيط، مع أنّه لم يدخل. الاءشكال علي التفصيل بين النصف الفوقانيّ و النصف التحتانيّ، باق علي حالهو أمّا النقود الواردة في الرسالة علي فرض تعميم الحكم لجميع الآفاق، فوق الارض وتحتها؛ إنّما هي علي تقدير دخول الشهر بمجرّد الخروج عن تحت الشعاع ولو لم يدخل الليل، كما هو ظاهر تحرير الكلام في «المنهاج»[104]؛ وأمّا علي فرض دخوله بعد الرؤية في أوّل الليل، فيختلف حكم النصف الفوقانيّ غير الواجه لضوء الشمس والنصف التحتانيّ الواجه لضوئها، ويصير أوّل الشهر في التحتانيّ بدخول الليل المعقّب بالنهار؛ ويصير حكماهما مختلفين. الثاني ولكنّ النقض باقٍ علي حاله؛ لاعترافك باختلاف حكم الرؤية الدخيلة في دخول الشهر في النصف الفوقانيّ، مع الالتزام بوحدة خروج القمر عن تحت الشعاع بما أنـّه حادثة سماويّة. فإذاً نقول: أيّ مانع من الالتزام باختلاف الحكم بدخول الشهر في الآفاق غير المشتركة، باختلاف الرؤية فيها ؟ والفرار عن هذا النقض، بأنّ ليلة الرؤية ليلة واحدة بأربع وعشرين ساعةً يتبعها نهار واحد بأربع وعشرين ساعةً، يعدّان أوّل الشهر؛ فمجرّد تصوير ذهنيّ وترسيم فكريّ لجميع النقاط التي واجهت الشمس عند الغروب، والمارّة عنها في الدورة الكاملة للحركة الارضيّة في مدّة أربع وعشرين ساعةً. ولكنّ هذه الظلمة الممتدّة بهذا المقدار، إنّما هي زمان غشيان الليل لكلّ نقطة نقطة من نقاط الارض؛ وهي غير ماهو المعروف بالليل في العرف واللغة، والموضوع في الاحكام المترتّبة عليه في الشرع. لانّ الليل عبارة عن مجموع الظلمة في كلّ ناحية، يبدأ بغروب الشمس وينتهي بطلوعها في هذه الناحية. وكذلك النقاط التي تمرّ علي جهة الشمس عند طلوعها حتّي تتمّ في الدورة الكاملة أربعاً وعشرين ساعةً إنّما هذا النهار لكلّ نقطة نقطة منها؛ لكنّ هذا غير ما هو النهار عند العرف واللغة الذي هو عبارة عن قرص كامل نورانيّ لكلّ ناحية من النواحي، يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها. فإذاً لمّا لانجد محيداً عن الالتزام باختلاف الحكم بدخول الشهر في النصف الفوقانيّ والنصف التحتانيّ، ولا مناصاً من أخذ الليل والنهار بما هما متعارفان عند العرف واللغة؛ بهذه الموازاة نحكم باختلاف دخول الشهر في الآفاق غير المشتركة حرفاً بحرف. هذا مضافاً إلي أنّ بناء الحجّة علي هذا المنهج، بجعل ليلة الرؤية أربعاً وعشرين ساعةً، وبتتابع الليالي والايّام يتمّ ثلاثين أو تسعةً وعشرين فيكمل شهر واحد، وتتبعه شهور كذلك حتّي يتمّ اثنا عشر شهراً، وبجعل بناء المشهور أربعةً وعشرين شهراً علي أقلّ تقدير؛ ينزِّل الاستدلال عن درجة البرهان المؤلَّفة مقدّماته من الاوّليّات والمشاهدات والفطريّات والتجربيّات والمتواترات والحدسيّات، ويسقطه إلي حدّ الشِّعر. مع أنّا لم نفهم معنيً محصّلاً لقولك: علي أقلّ تقدير. فهل يمكن اختلاف الشهر بأزيد من ليلتين حتّي يكون أقلّ تقديره يرسم لنا أربعةً وعشرين شهراً ؟ هذا كلّه جواب عمّا أوردته علي نقودنا علي دليلك الاوّل، وهو تحقّق الشهر بنفس خروج القمر عن تحت الشعاع. الجواب عن الاءشكالات الواردة علي مجعوليّة الرؤية جزءاً للموضوعوأمّا ما أفدتَ من تضعيف حكومة البيّنة علي أخبار الرؤية، علي تقدير كون الرؤية جزءاً للموضوع علي وجه الصفتيّة، بأنّ الرؤية كاشفة محضة جعلها الشارع طريقاً إلي تحقّق الشهر لاتمّيّتها وأسهليّتها وأعمّيّتها، وليس لها دخل في تحقّق الشهر؛ وبذلك حاولت منع انصراف الاءطلاقات الواردة بوجوب قضاء الصوم إلي البلاد القريبة؛ بإسقاط مدخليّة الرؤية، وما ذكرتَ من أدلّة وشواهد علي كاشفيّة الرؤية المحضة وطريقيّتها الصرفة؛ فيرد عليه وجوه من الاءيراد. توضيح ذلك: أنّ المراد من الجزئيّة، مدخليّة الرؤية في تحقّق الشهر، المستفادة من النصوص المعتبرة الكثيرة المستفيضة لعلّها تبلغ حدّ التواتر. و تدلّنا علي ذلك أُمور: الاوّل: ظهور الاخبار الواردة في ذلك. حيث إنّها أناطت الصيام بشهر رمضان لا غير، ثمّ أناطته برؤية هلاله لا غير. فعلي ضوء الشكل الثالث من القياس، ينتج أنّ شهر رمضان يتحقّق برؤية هلاله؛ وهكذا في سائر الشهور. لو كانت الرؤية طريقاً محضاً لوجب أن تخلفها سائر الطرق اليقينيّةالثاني: لو كان تحقّق الشهر بنفس خروج القمر عن تحت الشعاع أو كونه فوق الاُفق بلا مدخليّة للرؤية، لكانت الاحكام الواردة علي دخول الشهر أيضاً تابعةً لخروجه عن تحت الشعاع أو كونه فوق الاُفق بلا مدخليّة للرؤية. فكانت الرؤية حينئذٍ دخيلةً في تنجيز الحكم، لا في جعله وتحقّقه. فإذاً تكون الرؤية كاشفةً محضةً وطريقاً صرفاً، لابدّ وأن تخلفها سائر الطرق اليقينيّة وتقوم مقامها ـ مثل الحسابات الرصديّة القطعيّة وما شابهها ـ بلا إشكال. والالتزام بعدم مدخليّة الرؤية، ثمّ الالتزام بعدم نهوض بعض الطرق اليقينيّة (مثل بعض هذه الحسابات الصادرة من أصحاب الرأي) هو الالتزام بتحقّق المتناقضَين كما لايخفي. لانّ مفاد عدم دخالة الرؤية في موضوع الحكم، هو تماميّة موضوعه في حاقّ الواقع مع قطع النظر عن الرؤية؛ فالحكم يكون فعليّاً تامّاً بلا ترقّب شيء آخر. وتصير الرؤية من شرائط تنجيزه وتعذيره، كسائر الطرق الوجدانيّة والعقلانيّة بلا اختلاف بينهما. فلابدّ وأن يلتزم بالحكم بدخول الشهر إذا نصب الطريق القطعيّ، من غير رؤيةٍ ما ولو من بعيد. فعندئذٍ إمّا يلتزم بهذا ويحكم بدخول الشهر بلا رؤية في جميع العالم أصلاً؛ فواضح أنّ هذا مساوق لطرح الروايات المستفيضة ورفضها، لايكاد يسلّمه من له أدني ذوق فقهيّ فكيف يمكن الالتزام به مع إناطة الروايات بخصوص الرؤية بلسان النفي والاءثبات ! مثل قول الصادق عليه السلام المرويّ في كلّ واحد من الكتب الاربعة، و في «المقنعة»[105] للمفيد و«الهداية»[106] للصدوق: إنَّهُ لَيْسَ عَلَي أهْلِ القِبْلَةِ إلاَّ الرُّؤيَةُ. ولَيْسَ عَلَي المُسْلِمِينَ إلاَّ الرُّؤيَةُ. وما رواه في «التهذيب» عن الحسين بن سعيد عن القاسم عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ هِلاَلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ: لاَ تَصُمْ إلاَّ أَنْ تَرَاهُ ـ الحديث.[107] وبسند آخر في «التهذيب» أيضاً عن الحسين عن فضالة عن أبان عن إسحق بن عمّار عنه عليه السلام مثله.[108] وما في «التهذيب» بإسناده عن أبي عليّ بن راشد عن أبي الحسن العسكريّ عليه السلام في حديث قال: لاَ تَصُمْ إلاَّ لِلرُّؤْيَةِ.[109] وما في «المقنعة» بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لاَ تَصُمْ إلاَّ لِلرُّؤْيَةِ أَوْ يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ.[110] وإمّا لا يلتزم به، بل يحكم بأنّ الرؤية وهي الكاشفة الخاصّة جُعلتمنجّزةً لدخول الشهر؛ وهذا عين التهافت والتناقض. لانّ معني فعليّة الحكم هو تماميّته في عالم الجعل، بلا جهة انتظار وترقّب أمر آخر؛ وحينئذٍ لابدّ وأن يحكم بتنجّزه بمجرّد نصب أيّ طريق قطعيّ، لا خصوص رؤيةٍما ولو من بعيد. فالالتزام بلزوم رؤيةٍما ولو من بعيد لتنجّز الحكم، هو الالتزام بدخالة الرؤية في موضوع الحكم علي وجه الجزئيّة من حيث لايشعر. هذا، مع أنّه ورد عنوان «الرأي» في الروايات عِدلاً للتظنّي؛ كما في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة في الكتب الاربعة والمرويّة أيضاً في «المقنعة» عن أبي جعفر عليه السلام، قَالَ: إذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا؛ وَلَيْسَ بِالرَّأْيِ وَلاَ بِالتَّظَنِّي، وَلَكِنْ بِالرُّؤْيَةِ ـ الحديث.[111] و المراد بالرأي هو ما بني عليه أصحاب الفلك والمنجّمون، وإن وصلت نتيجة حسابهم إلي درجة القطع واليقين. كما تنتشر في زماننا هذا في كلّ أربع سنين مجلّة للسيّاحين الماشين في الليالي تحت ضوء القمر، بلسان الاجنبيّين. وفي هذه المجلّة عيّن وقت طلوع القمر ووقت غروبه لكلّ بلد بلد في العالم علي حدة في كلّ يوم من أيّام السنين الاربع، في غاية الدقّة وأقصي مراتب الاطمئنان. وكانت دقّة الحساب الرصديّ في هذه المجلّة علي جزء واحد من عشرة آلاف جزء من الثانية. و بعد هذه الروايات المتكاثرة المتظافرة بإناطة الصيام وسائر أحكام الشهور برؤية الهلال لاغير، هل يمكن لمُفتٍ أن يفتي لمقلّديه بجواز أخذ هذه المجلّة والعمل علي طبقها في دخول الاشهر، ويرفض ويرفضون الرؤية باتّين ؟ كلاّ. و ليس هذا إلاّ من أجل أنّ الشارع نفي طريقيّة الرأي علي أيّ نحو كان، و حصَرها في خصوص الرؤية؛ وهذا عين معني الجزئيّة. إن الاصحاب رفضوا الروايات الدّالّة علي أماريّة غير الرّؤيةالثالث: إنّ أصحابنا رضوان الله عليهم رفضوا الروايات الدالّة علي أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشفق وتطوّقه ورؤية ظلّ الرأس فيه وخفائه من المشرق غدوةً، علي دخول الشهر في الليلة الماضية؛ وحملوها علي التقيّة، حيث إنّ العامّة جعلوها أمارات علي دخوله. وليس إلاّ من استنباطهم بناءً الشريعة علي طريقيّة خصوص الرؤية ليس غير؛ وإلاّ فربّما يكون بعض هذه الطرق خصوصاً إذا يحسب بالرصد ويعيّن مقدار زمان مكث القمر فوق الاُفق دليلاً قطعيّاً لخروج القمر عن تحت الشعاع أو كونه فوق الاُفق في الليلة الماضية. وكذلك إنّا نعلم أنّ أقلّ درجة مكث القمر تحت الشعاع قبل المقارنة وبعدها أربع وعشرون درجةً[112] ويطول زمان مكثه ثماني وأربعين ساعةً، فلو رئي الهلال في اليوم الثامن والعشرين لكان الشهر ثلاثينيّاً بلا ترديد. مع أنّه لايمكن الاعتماد بهذه الامارة والحكم بعدم دخول الشهر ليلة الثلاثين، بل لابدّ من الاستهلال؛ وبعدم الرؤية يحكم بعدم دخول الشهر القادم. وأيضاً إنّا نعلم دخوله ليلة الثلاثين، برؤية الهلال في الليلة القادمة مرتفعاً عن الاُفق بمقدار أزيد من غاية الارتفاع الممكن في الليلة الاُولي من الشهر، بجعل الرصد وتعيين درجة زاوية ارتفاع القمر عن الاُفق. وهذا دليل قطعيّ لوجود الهلال في الليلة الماضية؛ ولكن لايُعبأ به، لعدم الرؤية. وغير هذه من الفروع التي لايمكن أن يفتي الفقيه طبقها بدون تحقّق الرؤية. وهذا دليل علي دخالة الرؤية في أصل الحكم، لاكونها منجّزةً وواسطةً في الاءثبات. وممّا يشهد علي ما ذكرنا صحيحة حمّاد عن أبي عبد الله عليه السلام، علي ما رواه في «الكافي» و«التهذيب» و«الاستبصار»: قَالَ: إذَا رَأَوُا الهِلاَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المَاضِيَةِ، وَإذَا رَأَوْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المُسْتَقْبِلَةِ.[113] وذلك لما ذكرنا في المقدّمة، من استحالة رؤية الهلال بعد خروجه عن تحت الشعاع قبل غروب الشمس، فرؤية الهلال قبل الزوال أو بعده دليل علي خروجه في الليلة الماضية. فلو كانت الرؤية مجرّد طريق منجِّز، لما تفاوت الحال قبل الزوال أو بعده. لكن لمّا كان لها دخل لتحقّقه عند الشارع، فكيفيّة دخالتها أيضاً بيده؛ فله أن يجعلها قبل الزوال دليلاً علي الليلة الماضية علي الاصل،[114]وبعد الزوال علي الليلة القادمة بالتعبّد. إن قلتَ: إنّ الشارع جعل الرؤية كاشفةً لكونها أسهل وأتمّ وأعمّ، بخلاف سائر الطرق اليقينيّة، حيث إنّها لمّا لم تكن بهذه المثابة يمكن أن يقع فيها الخلاف والتشاجر والتخاصم، فحينئذٍ لابدّ لرفعها من الرجوع إلي أهل الخبرة في هذا الفنّ؛ ولا يساعده منهاج الشريعة السمحة السهلة. قلتُ: هذا صحيح ولكنّه عدول عن الكاشفيّة المحضة إلي الكاشفيّة الخاصّة التي هي تساوق معني الجزئيّة. الاءشكال علي أدلّة طريقيّة الرؤيةوأمّا ما أفدتَ أدلّةً وشواهدَ علي طريقيّة الرؤية إلي ما هو تمام الموضوع، وهو خروج القمر عن تحت الشعاع؛ فغير تامّ. أمّا الآية وهي قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ... شَهْرُ رَمَضَانَ؛ فلم أفهم موضع الاستشهاد بها. لانّ غاية ما يستفاد منها أنّ الصيام واجب في شهر رمضان، وأمّا شهر رمضان ما هو؛ أ هو متحقّق بخروج القمر عن تحت الشعاع، أم متحقّق برؤيته بعد الخروج، فلا. فالاستدلال بها لاءثبات طريقيّة الرؤية مصادرة بيّنة. مضافاً إلي أنّ الشهر في اللغة، هو ما بين الهلالين المرئيّين المشتهرين بما أنّهما مرئيّان؛ فإذاً الاستدلال بالآية لمكان ورود لفظ الشهر فيها، علي خلاف المطلوب أدلّ. ففي «المصباح المنير»: الشهر، قيل: معرّب وقيل: عربيّ مأخوذ من الشهرة وهي الانتشار. وقيل: الشهر الهلال، سمّي به لشهرته ووضوحه؛ ثمّ سمّيت الايّام به. وجمعه شهور وأشهر.[115] وفي «نهاية ابن الاثير»: الشهر الهلال، سمّي به لشهرته وظهوره.[116] وفي «لسان العرب»: والشهر القمر؛ سمّي بذلك لشهرته وظهوره؛ وقيل: إذا ظهر وقارب الكمال. ـ إلي أن قال: [ و ذكر ] ابن سيدة: والشهر العدد المعروف من الايّام؛ سمّي بذلك لانّه يُشهَر بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه. وقال الزجّاج: سمّي الشهر شهراً لشهرته وبيانه. وقال أبو العبّاس: إنّما سمّي شهراً لشهرته؛ وذلك أنّ الناس يشهرون دخوله وخروجه.[117] و في «تاج العروس» بعد ما نقل عن ابن الاثير ما نقلناه عنه، قال: و الشهر: القمر، سمّي به لشهرته وظهوره؛ أو هو إذا ظهر ووضح وقارب الكمال. وقال ابن سيدة: الشهر العدد المعروف من الايّام؛ سمّي بذلك لانّه يشهَر بالقمر وفيه علامة ابتدائه وانتهائه. وقال الزجّاج: سمّي الشهر شهراً، لشهرته وبيانه. وقال أبوالعبّاس: إنّما سمّي شهراً لشهرته؛ وذلك أنّ الناس يَشهرون دخوله وخروجه. (ج: أشهر وشهور.) وقال الليث: الشهر والاشهر عددٌ والشهور جماعة. وقيل: سمّي شهراً باسم الهلال إذا أهلّ ـ إلي آخر ما ذكره.[118] و في «مجمع البحرين»: والشهر في الشرع عبارة عمّا بين هلالين. قال الشيخ أبوعليّ: وإنّما سمّي شهراً لاشتهاره بالهلال ـ انتهي.[119] الكتاب و السنّة يدلاّن علي مجعوليّة الرؤية بنحو الصفتيّةهذا، فالاولي أن يستدلّ بقوله تعالي: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ؛ لتحقّق الشهر برؤية الهلال فوق الاُفق وعدم كفاية خروجه عن تحت الشعاع، لانّ الهلال إنّما سمّي هلالاً لارتفاع الاصوات برؤيته فالرؤية دخيلة في معني الهلال. قال الشيخ الطوسيّ في «التهذيب» ردّاً علي أصحاب العدد: « و الذي يدلّ علي ذلك قول الله عزّ وجلّ: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ؛ فبيّن الله تعالي أنّه جعل هذه الاهلّة معتبرةً في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا يعتبر فيه الوقت، ولو كان الامر علي ما يذهب إليه أصحاب العدد لما كانت الاهلّة مراعاةً في تعرّف هذه الاوقات إذ كانوا يرجعون إلي العدد دون غيره؛ وهذا خلاف التنزيل. و الهلال إنّما سمّي هلالاً لارتفاع الاصوات عند مشاهدتها بالذكر لها والاءشارة إليها بالتكبير أيضاً والتهليل عند رؤيتها. ومنه قيل: استهلّ الصبيّ، إذا ظهر صوته بالصياح عند الولادة. وسمّي الشهر شهراً لاشتهاره بالهلال. فمن زعم أنّ العدد للايّام والحساب للشهور والسنين، يغني في علامات الشهور عن الاهلّة؛ أبطل معني سمات الاهلّة والشهور الموضوعة في لسان العرب علي ما ذكرناه. و يدلّ علي ذلك أيضاً ما هو معلوم كالاضطرار غير مشكوك فيه في شريعة الاءسلام من فزع المسلمين في وقت النبيّ صلّي الله عليه وآله ومن بعده إلي هذا الزمان في تعرّف الشهر إلي معاينة الهلال ورؤيته. و ما ثبت أيضاً من سنّة النبيّ صلّي الله عليه وآله أنّه كان يتولّي رؤية الهلال ويلتمس الهلال ويتصدّي لرؤيته. وما شرّعه من قبول الشهادة عليه و الحكم في من شهد بذلك في مصرٍ من الامصار ومن جاء بالخبر به عن خارج الامصار، وحكم المخبر به في الصحّة وسلامة الجوّ من العوارض، وخبر من شهد برؤيته مع السواتر في بعض الاصقاع. فلولا أنّ العمل علي الاهلّة أصل في الدين معلوم لكافّة المسلمين، ما كانت الحال في ذلك علي ما ذكرناه، ولكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثاً لافائدة فيه؛ وهذا فاسد بلا خلاف. فأمّا الاخبار في ذلك فهي أكثر من أن تحصي، لكنّي أذكر منها قدر ما فيه كفاية إن شاء الله تعالي » ـ انتهي.[120] ثمّ ذكر الروايات الدالّة علي لزوم الرؤية. وأنت بالتأمّل في ما أفاده قدّس سره تعرف مواضع من الدليل علي لزوم الرؤية وعدم كفاية نفس الخروج عن تحت الشعاع. فلو كانت الرؤية كاشفةً صرفةً وطريقاً محضاً لكان جميع ما أفاده لغواً عبثاً، ولكان الخروج بدون الرؤية موضوعاً للحكم. فقد عرفت أنّ الآية والسنّة تدلاّن علي لزوم الرؤية، وهذا عين معني الجزئيّة. وأمّا السنّة، فهي بخلاف ما أفدتَ أدلّ. وما ادّعيت من الامر بالصوم للرؤية لاجل لزوم إحرازه لخصوص شهر الصيام، دعوي منك. وعدم جواز الاكتفاء بالامتثال الظنّيّ أو الاحتماليّ كما في صحيحتي ابن مسلم والخزّاز وموثّق ابن عمّار ورواية القاسانيّ، صحيحٌ ولكن لا تدلّ علي أزيد من عدم جواز الاكتفاء بالظنّ والشكّ؛ ولا تنفي موضوعيّة الرؤية ولاتثبت طريقيّتها المحضة وكاشفيّتها الصرفة. پاورقي [98] ـ أبيات مختارة من القصيدة السابعة من القصائد السبع العلويّات لابن أبي الحديد، من مجموعة مطبوعة بالطبعة الحجريّة، ص 165 إلي 170. [99] ـ «ديوان ابن الفارض» ص 140 إلي 145. [100] ـ الآية 185، من السورة 2: البقرة. [101] ـ ومن أحسن الكتب المطبوعة من المتقدّمين في علم المناظر، كتاب «تنقيح المناظر لذوي الابصار والبصائر»، وهو مجلّدان ضخمان، نقّحه كمال الدين أبوالحسن الفارسيّ من كتاب ابن الهيثم وطبع في حيدرآباد (سنة 1347 و 48 ه). وهذا الكتاب من أُصول علم المناظر والمرايا عند علماء الغرب؛ وقد استنتجوا منه كثيراً من أبحاثهم وبنوا عليه كثيراً من مخترعاتهم. [102] ـ الآية 20، من السورة 21: الانبياء. [103] ـ يعني كما أنـّها واردة علي تقدير بداية الشهر بنفس تحقّق الخروج، واردة علي تقديرها من أوّل الغروب ولو لم ير الهلال في تلك الناحية؛ بلا فرق بينهما ـ م. [104] ـ حيث ورد فيه: «الظاهر كفاية الرؤية في بلدٍما في الثبوت لغيره من البلاد مطلقاً» وجاء: « وهذا القول ـ أي كفاية الرؤية في بلدٍما لثبوت الهلال في بلد آخر ولو مع اختلاف أُفقهما ـ هو الاظهر.» و ورد أيضاً: «أنّ رؤية الهلال في بلدٍما أمارة قطعيّة علي خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتّخذه من الشمس في نهاية دورته، وبداية لشهر قمريّ جديد لاهل الارض جميعاً.» وجاء ايضاً: «أنّ الشهر القمريّ لا يختلف باختلاف الامصار في آفاقها،فيكون واحداً بالاءضافة إلي جميع أهل البقاع والامصار؛ و... أنّ الحكم المترتّب علي ثبوت الهلال ـ أي خروج القمر عن المحاق ـ حكم لتمام أهل الارض، لا لبقعة خاصّة.» وغير ذلك، ولعلّ مجموعها يتجاوز عن عشرة مواضع التي بعضها كالصريح في ذلك. ولعلّه لقوة ظهور هذه الجملات في التعميم، نري في الطبعات الاخيرة من «المنهاج» أنّ لفظة «مطلقاً» في الجملة الاُولي قد بدّلت بقوله «المشتركة معه في الليل و إن كان أوّل الليل في أحدهما آخره في الآخر.» و أنّ بعد قوله «في بلد آخر» في الجملة الثانية قد أُضيفت: «مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة ليلة لهما معاً وإن كان أوّل ليلة لاحدهما وآخر ليلة للآخر.» ـ م. [105] ـ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 184، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، ح 12. [106] ـ «الجوامع الفقهيّة» كتاب «الهداية» ص 55. [107] ـ «تهذيب الاحكام» ج 4، ص 157 و 158، ح 439؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 183 و 184، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، ح 9. [108] ـ «تهذيب الاحكام» ج 4، ص 178، ح 493. [109] ـ «تهذيب الاحكام» ج 4، ص 167، ح 475؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 187، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، ح 25. [110] ـ «المقنعة» ص 48؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 211، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، ح 16. [111] ـ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 182، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، ح 2. [112] ـ يجب أن يفرّق بين قسمي خروج القمر عن الشعاع: أحدهما الاحكاميّ والآخر الهلاليّ. وما حدّدنا في هذه الموسوعة والتي قبلها باثنتي عشرة درجةً من المقارنة أو بأربع وعشرين درجةً من أوّل دخوله في الشعاع إلي آخر خروجه عنه إنّما هو في الاحكاميّ، وأمّا الهلاليّ فهو أقلّ من الاحكاميّ كثيراً ـ منه عفي عنه. [113] ـ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 202، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 6. [114] ـ أي الاصل الهيويّ المتقدّم آنفاً، الذي ذكر في المقدّمة الثانية من هذهالموسوعة، ص 123 ـ م. [115] ـ «المصباح المنير» طبعة منشورات دار الهجرة ـ قمّ، ج 1، ص 325. [116] ـ «النهاية» طبعة المكتبة الاءسلاميّة، ج 2، ص 515. [117] ـ «لسان العرب» طبعة نشر أدب الحوزة، ج 4، ص 432. [118] ـ «تاج العروس» طبعة مطبعة الخيريّة ـ مصر (سنة1306 ) ج 3، ص 321. [119] ـ «مجمع البحرين» الطبعة الحجريّة، مادّة شهر. |
|
|