|
|
خطّ الزمان وخطّ نصف نهار كرينويج، ينصفان كرة الارضو لحلّ هذه العويصة عيّنوا مبدءاً فرضيّاً للتاريخ واتّفق الاقوام و الاُمم كلّهم علي هذا المبدأ، وهو خطّ مفروض مارّ علي القطبين، علي زاوية 180 درجةً من خطّ نصف نهار كرنويج؛ بحيث هذا الخطّ وذاك ينصفان كرة الارض بنصفين متساويين. وجعلوا جميع النواحي الواقعة في غرب هذا الخطّ يوم السبت مثلاً، والنواحي الواقعة في شرقه يوم الجمعة، فابتداء ليلة الجمعة في شرقه هو انتهاء يوم الجمعة في غربه.
وإنّما عيّنوا موقع الخطّ المفروض في هذا المـوضـع لما أوّلاً: أنّ معظمه يمرّ من البحر المحيط [ الهادي ]: الاُوقيانوس الكبير، ولايكون فيه سكّان يسكنون في بلد حتّي يختلف تاريخ أهله. وحيثما يقطع هذا الخطّ من طرف الشمال قطعةً صغيرةً من سيبيريا، أمالوه وجعلوه خارج هذه المنطقة بين سيبيريا من آسيا وآلاسكامن إمريكا. وعبّروه بما بين جزيرتين مسمّاتين بدِيُومِد بينهما قدر مسافة ثلاثة أميال تقريباً، إحداهما أكبر من الاُخري وواقعة في غرب الخطّ، والاُخري أصغر من الاُولي وواقعة في شرقه؛ ففي جميع الاوقات تكون أيّام الاسابيع والشهور في دِيُومِد الصغري قبل أيّام ديومد الكبري. فإذا فرضنا أنّ أحداً يوم الجمعة كان في ديومد الصغري التي هيفي ناحية شرق الخطّ، وسافر في دقائق قليلة عن البحر نصف فرسخ ووصل إلي ديومد الكبري الواقعة في غرب الخطّ، دخل في يوم السبت، وهكذا العكس.
وثانياً أنّ هذا الخطّ علي الطرف المقابل من نصف نهار كرنويج وبينهما 180 درجةً من كلّ واحد من الطرفين. وذلك لانّ محيط الدائرة الارضيّة ينقسم علي 360 درجةً وهذا المقدار يمرّ عن مواجهة الشمس في أربع وعشرين ساعةً. فالارض تسير نحو المشرق في كلّ ساعة خمس عشرة درجةً ( 360: 24 = ْ15). فإذا فرضنا أنّ الساعة في كرنويج كانت علي رأس الثانية عشرة من النهار وهي الظهر التقريبيّ، تكون الساعة في النواحي الشرقيّة عنه علي مسافة 15 درجةً، ساعةً بعد الظهر، وهكذا إلي النواحي البعيدة عنه علي مسافة 180 درجةً، اثنتي عشرة ساعةً بعده وهي المقارنة لنصف الليل. وأيضاً تكون الساعة في النواحي الغربيّة عنه علي مسافة 15 درجةً، ساعةً قبل الظهر، وهكذا إلي النواحي البعيدة عنه علي مسافة 180 درجةً، اثنتي عشرة ساعةً قبله وهي المقارنة أيضاً لنصف الليل. فهذه الناحية التي انطبقت علي خطّ التاريخ الدوليّ، بعيدة عن كرنويج علي مقدار 180 درجةً متقدّمة عنه زماناً من ناحية المشرق ومتأخّرة عنه زماناً من ناحية المغرب، كلّ باثنتي عشرة ساعةً. فمجموع تفاوت هذين المقدارين، وهو أربع وعشرون ساعةً، يكون قدر يوم واحد وليلة واحدة. فيكون هذا الخطّ متقدّماً عن نفسه من جهة، ومتأخّراً عن نفسه من جهة أُخري: متقدّماً من الناحية الشرقيّة ومتأخّراً من الناحية الغربيّة، فهو المبدأ للتاريخ، تكون الايّام في شرقه ولو بمقدار يسير، متقدّمةً علي الايّام في غربه كذلك.
هذا كلّه من جهة أيّام الاسابيع، من الجمعة والسبت وغيرهما؛ وتتبعها أيّام الشهور من الاوّل والثاني وغيرهما. فإذا فرضنا أنّ الشمس طلعت في اليوم الثامن من إيلول علي نقطة في شرق هذا الخطّ، علمنا بأنّها غربت في اليوم الثامن من إيلول عن نقطة في غربه. فابتداء الثامن في جهة المشرق يساوق انتهاءه في جهة المغرب، ففي المشرق يكون الثامن وفي المغرب يكون التاسع. ولا فرق في ما ذكرنا في الشهور الشمسيّة بين الروميّة والفارسيّة والروسيّة والفرنسيّة وغيرها. فإذا فرضنا أنّ في مشرق هذا الخطّ يكون يوم الاحد السابع من الجوزاء، يكون في مغربه يوم الاثنين الثامن منه. فكلّ أحد يسافر من المشرق إلي المغرب مارّاً عن هذا المبدأ، لابدّ وأن يقدّم يوماً من تاريخ تقويمه؛ وكذا العكس: إذا سافر نحو المشرق لابدّ و أن يؤخّر يوماً واحداً من تقويمه. المقدّمة الثانية: اختلاف مبدء طلوع القمر في أوّل كلّ شهرمبدأ الشهور القمريّة إمّا يتحقّق بخروج الهلال عن تحت الشعاع وظهوره في الاُفق علي ما هو المشهور، فإذاً يختلف المبدأ في النواحي الشرقيّة عن محلّ الرؤية والنواحي الغربيّة عنه، ويتأخّر بيوم واحد. و إمّا يتحقّق بنفس الخروج فقطّ وإمكانيّة الرؤية في ناحية ما علي ما ذهبتَ إليه، فإذاً يختلف المبدأ في النصف الفوقانيّ من الارض الذي يشترك في الظلمة الليليّة مع نقطة الخروج، والنصف التحتانيّ منها الذي كان واجهاً للشمس وكان نهار هناك. فإذا دارت الارض بحركتها الدوريّة بقدر نصف الدائرة البالغ اثنتي عشرة ساعةً تقريباً، يواجه جميع النقاط الواقعة في ذلك النهار علي مغرب الشمس وتدخل واحدة بعد أُخري في تلك الظلمة، وبذلك يبتدي الشهر بالنسبة إليها. لكنّ هنا نكتةً دقيقةً، وهي أنّ القمر لا يخرج من الشعاع في مبدأ كلّ شهر في موضع خاصّ محاذياً للارض، حتّي تتّحد الآفاق وتستقرّ في كلّ حين؛ بل بمقتضي سيره الخاصّ حول الارض أوّلاً، وبميله عن منطقة البروج شمالاً وجنوباً علي مقدار خمس درجات ثانياً، وبسائر العوامل التي ذكرناها في الموسوعة الاُولي ثالثاً، يختلف مبدأ طلوعه في أوّل كلّ شهر من الشهور. إذا تمهّد هذا فنقول: إنّ اختلاف حساب الشهور أمر لازم لا مناص ولا مفرّ منه حتّي في الشهور الشمسيّة بأنحاء سنواتها في نصف الكرة الارضيّة. فعلي أساس ما ذكرنا تختلف مبادي الشهور الشمسيّة في النصف الشرقيّ من قارّة آسيا كالمعظم من أرض سيبيريا والصين وبورما وتايلند وأندونيسيا وفيتنام وسومطرة وبورنيو وكذا في أُوستراليا، بالنسبة إلي النصف الغربيّ من قارّة إمريكا كأرض آلاسكا والمعظم الغربيّ من كندا والولايات المُتّحدة والمكسيك. فعدد أيّام الاسابيع والشهور في سكّان الاُوَل، مؤخّر عن عدد أيّام الاسابيع والشهور في سكّان الاُخر بيوم واحد. فاليوم السابع من حزيران مثلاً بالنسبة إلي هؤلاء [ أهل الشرق ]، بعينه اليوم الثامن منه بالنسبة إلي أُولئك [ أهل الغرب ]. والسبت بالنسبة إلي أُولئك، هو يوم الجمعة بالنسبة إلي هؤلاء؛ مع أنّهم مجتمعون تحت ضوء واحد شمسيّ في نهار واحد، أو تحت ظلّ واحد في ليلة واحدة. وكذلك النواحي الغربيّة من إمريكا الجنوبيّة كأرض فنزويلا وكولومبيا وبيرو وشيلي والارجنتين والمعظم من البرازيل، تختلف مع النواحي الشرقيّة من سيبيريا وزيلاندا وأُوستراليا، مع اتّحاد نهار سكّانهم واتّحاد ليلهم. وأمّا في الشهور القمريّة، فلا نحتاج إلي تعيين خطّ فرضيّ مارّ علي القطبين في تعيين مباديها وأيّامها، وإن كان الامر أيضاً كذلك بالنسبة إلي أعداد أُسبوعها. وذلك لانّ مبدأ كلّ شهر له تعيّن واقعيّ خارجيّ، وهو خروج الهلال عن تحت الشعاع وظهوره في الاُفق أو نفس خروجه عنه فقط؛ علي اختلاف المسلكين. مبدء الشهر لجميع النواحي، يختلف بيوم واحد ؛ علي كلا القولينفعلي كلا التقديرين تختلف مبادي الشهور بالنسبة إلي جميع النواحي الارضيّة بيوم واحد، وهذا أيضاً لا مفرّ منه. أمـّا علي مسلك الجمهور فابتداء الشهر بالنسبة إلي كلّ بلد إنّما هو بظهور الهلال في أُفقه، فإذا خرج الهلال عن الشعاع وصار قابلاً للرؤية بعد غروب الشمس في ابتداء الليل، دخل الشهر بالنسبة إليه. و لكن لمّا تسير الارض من المغرب إلي المشرق، يختفي الهلال بالنسبة إلي سكّان هذا البلد، ويطلع دائماً علي نحو الاستمرار حيناً بعد حين بالنسبة إلي جميع الآفاق الغربيّة، حتّي تتمّ الدورة الكاملة في أربع وعشرين ساعةً. فيراه جميع أهل الآفاق في ابتداء ظلّ مخروطيّ مستمرّ في هذه المدّة المتميّز بعضها عن بعض بفصل نهاريّ؛ فتجزّي وتنقسم بليلتين.
وأمّا علي ما اخترتَ من كفاية الخروج عن الشعاع ورؤية ما ولو من بعيد، فجميع القطر المظلم الليليّ المشترك مع نقطة أُفق الرؤية في ابتداء الليل يحسب من أوّل الشهر. فالمبدأ لدخول الشهر إنّما هو آخر القطر المقابل لاُفق الرؤية، وهي الناحية التي كاد أن ينقضي فيها الليل ويطلع فيها الفجر، وكان دخول الشهر بالنسبة إليهم في حال يكون القمر في عين المحاق ويخرج عنه وعن الشعاع بعد اثنتي عشرة ساعةً أو أزيد. أمّا القطر المستنير النهاريّ المقابل للقطر المظلم، فابتداء الشهر بالنسبة إلي كلّ ناحية منه إنّما هو بسبب المواجهة للهلال حين دخوله في الليل عند غروب الشمس بالحركة الدوريّة؛ وذلك يطول اثنتي عشرة ساعةً أيضاً. فمبدأ الشهر في النواحي المختلفة الارضيّة يطول أربعاً وعشرين ساعةً، المنقسم بليلتين علي حسب الآفاق الفوقانيّة والتحتانيّة. وقد علم ممّا ذكرنا أنّ اختلاف مبدأ الشهور القمريّة كالشمسيّة ممّا لا مجال لاحد في إنكاره، ولا مناص إلاّ من الالتزام به علي أيّ مذهب سُلك. غاية الامر أنّه علي مذهب الجمهور يكون أوّل مبدأ الشهر أوّل زمان رؤية القمر في الاُفق، ثمّ بلد بلد من النواحي الغربيّة واحداً بعد آخر، إلي أن تتّصل الدورة إلي قرب المبدأ الاوّل.
وعلي ما ذهبتَ إليه يكون مبدأ الشهر آخر القطر الليليّ المجاور للبلد الذي طلع فيه الفجر، ثمّ ناحية ناحية من جانب المغرب من هذه الناحية حتّي تصل الدورة إلي أقرب ناحية بالنسبة إلي هذه الناحية من القطر.
فلا فرق بين المذهبين من جهة الاختلاف في التاريخ أبداً. ومجرّد أسبقيّة دخول الليل في ناحية تكون مبدأً للشهر علي ما اخترتَ، لا يوجب وحدةً في التاريخ؛ كما أنّ نفس جعل ابتداء الشهر بظهور الهلال في الاُفق، لاتوجب اختلافاً فيه. لكنّ النكتة الدقيقة التي ذكرناها آنفاً، وهي طلوع الهلال في رأس كلّ شهر في مكان مغاير لما طلع سابقاً، تنبِّهنا علي سقوط عنوان الفوقانيّة والتحتانيّة علي ما ذهبتَ إليه من مسلك عدم لزوم الاشتراك في الآفاق بالمرّة. لانَّ الهلال في بدء خروجه عن الشعاع لايطلع دائماً في النواحي المعمورة من الصين والهند وإيران والعراق والشام ومصر والممالك الاُوربيّة والاءفريقيّة، حتّي يحكم بدخول الشهر في كلّ ناحية غشيتها ظلمة الليل الوحدانيّة وهو جميع هذه النواحي، فيحكم باتّحاد مبدأ الشهر فيها. وليست بلدة طهران مركزاً فوقانيّاً للعالم حتّي يطلع الهلال في مشرقه أو مغربه إلي البرتغال وإسبانيا من نهاية المعمورة الفوقانيّة، فيتّحد أُفقه مع آفاق سائر البلاد، فيحكم بدخول الشهر في جميع النقاط الفوقانيّة من الارض في ليلة واحدة. وهكذا ليس النجف الاشرف بهذه المثابة. بل الارض كرويّة لاتتميّز أصقاعها بعضها عن بعض في الحركة الدوريّة. وليس طلوع الهلال بأيدينا، فنخرجه عن الشعاع في المعمورة الفوقانيّة دائماً، كي نتمكّن من الحكم بدخول الشهر في جميع النواحي المحيطة بنا من كلّ صوب بلا اختلاف. بل ربّما يطلع في النواحي الغربيّة من الولايات المتّحدة أو الاُوقيانوس الكبير [ المحيط الهادي ] في موضع يكون بُعده عن النجف 180 درجةً، أعني بفاصل نصف القطر المحيط. فإذاً تطول الظلمة الوُحدانيّة الليليّة في موضع رؤية الهلال في الاُوقيانوس الكبير إلي النواحي الغربيّة من العراق حتّي النجف، فيحكم بدخول الشهر في النجف ولايحكم بدخوله في النواحي الشرقيّة منه كخانقين والبصرة. فنري أنّه علي ما ذهبتَ إليه ربّما يختلف بالحساب الدقيق مبدأ شهر كربلا والنجف الاشرف بليل واحد، فكيف بسائر نواحي العراق وغيرها. وأيضاً علي ما ذهبتَ إليه، لابدّ للعلم بمبدأ طلوع الهلال في كلّ شهر من حساب النواحي الواقعة في نصف القطر المظلم حتّي يحكم بدخول الشهر فيها، وحساب النواحي الواقعة بعد القطر المظلم فيحكم بعدم الدخول. وهذه حسابات دقيقة علي أساس الهندسة يتكفّلها علم الفلك، خارجة عن محطّ النظر الشرعيّ، فلا يكاد يعبأ بها الشارع المبنيّة أحكامُه علي المساهلات. بخلاف مذهب الجمهور، من ابتداء كلّ شهر في كلّ ناحية برؤية الهلال فوق أُفقه. المصير إلي كفاية الرؤية الاءجمالية لايوجب وحدة التواريخ والشعائروممّا ذكرنا يعرف أنّ ما ذكر من أنّ الالتزام بكفاية خروج الهلال عن الشعاع في مبدأ الشهور، موجب لوحدة حساب الشهور وتاريخها، ومناسب لوحدة شعائرهم المرتبطة بالايّام والتواريخ؛ كلام علي أساس الاءحساس، خالٍ عن التحقيق، خارج عن منطق التعقّل الصحيح، ساقط من أساسه في الاحتجاجات. هذا ما أردنا بيانه في مسألة اختلاف التاريخ علي كلّ مسلك. الردّ علي النقاط الستّ في الجواب عن الموسوعة؛ النقطة الاُوليوأمّا النقاط الستّ التي حاول فيها الجواب عمّا حرّرنا، فلم يقع واحد من الاجوبة موقعه. أمّا النقطة الاُولي، فنقول: الفرق بين «العلم» و«التبيّن» عند الاخذ في موضوع الحكمكلّ عنوان أُخذ في موضوع حكم شرعيّاً كان أو غيره، يقتضي اعتباره قيداً دخيلاً في الحكم، يثبت الحكم بثبوته وينتفي بانتفائه. إلاّ فيما دلّت قرينة خاصّة علي عدم مدخليّته فيه، كما أنّ السنّة دلّت علي عدم دخالة كون الربائب في حجور الرجال في حرمة نكاحهنّ عليهم؛ مع ظهور دخالة القيد في الحرمة في بادي الامر من قوله عزّ وجلّ: وَ رَبَائبُكُمُ الَّـ'تِي فِي حُجُورِكُم.[143] أو دلّت قرينة عامّة علي عدم المدخليّة، ككثرة ورود القيد في لسان العرف العامّ أو الخاصّ بلا مدخليّة له في الحكم، وكانت الكثرة إلي حدّ يصرف الموضوع المقيّد عن ظهور دخالة القيد فيه؛ فحينئذٍ يحمل الحكم علي نفس الموضوع اللا بشرط عن وجود القيد وعدمه. و هذا في جملة من الآجال التي أُخذ في موضوع حكمها عنوان نفس العلم أو ما هو بمعناه، في كونه كاشفاً صرفاً وطريقاً محضاً؛ مسلّم. والشاهد عليه في المحاورات العرفيّة كثير، وكذلك في المسائل الفقهيّة . أمّا عنوان التبيّن فليس بهذه المثابة، فضلاً عن الرؤية. لانّ التبيّن ليس مطلق الانكشاف، بل الانكشاف الخاصّ، وهو وضوح جميع نواحي المعلوم وارتفاع الغيم والحجاب عن أطرافه وانجلاؤه من كلّ جهة ومن كلّ ناحية من المقدّمات والمقارنات والغايات. وكثيراً ما يكون التثبّت في الموضوع والتأنّي فيه دخيلاً في الحكم ولو مع حصول العلم قبلاً، من المشاهدة والسماع وغيرهما ممّا يوجب الاطمئنان بدواً، ولكن بالتروّي والتثبّت والتأنّي ربّما يزول؛ كما في قوله تعالي: يَـ'´أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ فَتَبَيَّنُوا[144]، ففي «المجمع»: أي إذا سافرتم وذهبتم للغزو فتبيّنوا، أي اطلبوا بيان الامر وثباته ولا تعجلوا فيه.[145] و في قوله تعالي: يَـ'´أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِن جَـ'آءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا،[146] وهاهنا بمعني التحقيق والتثبّت والفحص في الاطراف، حتّي ينجلي جميع جوانب الامر بكمال الوضوح. ولهذا فسّره في «تاج العروس» بالتثبّت في الامر والتأنّي فيه.[147] والسرّ في ذلك أنَّ الذهاب للغزو والدفاع المستلزم للقتل والجرح وذهاب الاموال والاسر، أمر مهمّ في الغاية، لايُعتمد فيه علي العلم الحاصل في بادي النظر والاطمئنان المستفاد من القرائن البدويّة، بل لابدّ من التحقيق الكافي والفحص الوافي. وهذا معني التبيّن الوارد في موضوع الدليل. وبهذا يعلم أنّ الاستناد بقول المنجّمين في تعيين طلوع الفجر، والبناء علي أقوالهم في الصلاة والصيام غير تامّ؛ لانّ الله تبارك وتعالي جعل الغاية في الاكل والشرب في ليالي شهر رمضان، تبيّن النهار ووضوحه قبالاً للّيل، فقال: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّي' يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[148]، بحيث يتشخّص في امتداد الاُفق مثل الخيط الابيض من طلوع الصباح، ويتميّز عن ظلمة الليل الممتدّة في السماء إلي هذه الناحية. ففي «الكافي» روي الكلينيّ قدّس سرّه بإسناده عن الحلبيّ قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الخَيْطِ الاَبْيَضِ مِنَ الخَيْطِ الاَسْوَدِ، فَقَالَ: بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ ـ الحديث.[149] ورواه الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن الكلينيّ.[150] وفي «الكافي» أيضاً عن أبي بصير قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ: مَتَي يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَي الصَّآئِمِ، وَ تَحِلُّ الصَّلَوةُ صَلَوةُ الْفَجْرِ ؟ فَقَالَ: إذَا اعْتَرَضَ الْفَجْرُ وَكَانَ كَالقِبْطِيَّةِ [151] الْبَيْضَآءِ، فَثَمَّ يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَيَحِلُّ الصِّيَامُ وَ تَحِلُّ الصَّلَوةُ صَلَوةُ الفَجْرِ. قُلْتُ: فَلَسْنَا فِي وَقْتٍ إلَي أَنْ يَطْلُعَ شُعَاعُ الشَّمْسِ ؟ فَقَالَ: هَيْهَاتَ أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ تِلْكَ صَلَوةُ الصِّبْيَانِ. [152] ورواه الشيخ في «التهذيب»بإسناده عن الكلينيّ[153]، والصدوق في «من لايحضره الفقيه» عن عاصم بن حُميد عن أبي بصير.[154] وروي الصدوق أيضاً أنّه: سُئِلَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْخَيْطِ الاَبْيَضِ مِنَ الخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ، فَقَالَ: بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ. وقال في خبر آخر: وَ هُوَ الفَجْرُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ. [155] والحاصل أنّ ما جعله الشارع أجلاً لصلاة الفجر والصيام هو تبيّن الفجر، بحيث كان من الوضوح بمثابة افتراش الاُفق من ثياب بيض لايشكّ فيه أحد؛ وهذا التبيّن مع هذا العرض العريض متأخّر عمّا جعله الفلكيّون مبدأً للفجر بفاصل، ولا يمكن جعله طريقاً وكاشفاً عن أوّل زمان خروج الاُفق عن الظلّ المخروطيّ إلي فضاء أشعّة الشمس، وهو بحساب علم الفلك يتحقّق في لحظة. وهذا بخلاف زوال الشمس عن خطّ نصف النهار المارّ علي رأس المصلّي، فإنّه يتحقّق في لحظة واحدة؛ وحيث جعل موضوعاً لصلاة الظهر في قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلَو'ةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَي' غَسَقِ الَّيْلِ،[156] يمكن التعويل فيه علي القول الفلكيّ مع الوثاقة. والسرّ في جميع ما ذكرناه من الشواهد والامثلة أنّ التبيّن مأخوذ من البيان، وهو بمعني الوضوح والانجلاء في الغاية؛ وفيه خصوصيّة زائدة عن معني العلم، وبها يمكن أن يلحظ النظر. ذكر ابن الاثير في «النهاية» في معني قوله صلّي الله عليه وآله وسلَّم: إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب، وأصله الكشف والظهور. وقيل معناه: إنّ الرجل يكون عليه الحقّ، وهو أقوم بحجّته من خصمه، فيقلب الحقّ ببيانه إلي نفسه. لانّ معني السحر قلب الشيء في عين الاءنسان، وليس بقلب الاعيان. ألا تري أنّ البليغ يمدح إنساناً حتّي يصرف قلوب السامعين إلي حبّه، ثمّ يذمّه حتّي يصرفها إلي بغضه ـ انتهي. وفي «مجمع البحرين»: وفي الحديث: إنَّ اللَهَ نَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالبَيَانِ، أي بالمعجزة، وبأن ألهمهم وأوحي إليهم بمقدّمات واضحة الدلائل علي المدّعي عند الخصم، مؤثّرة في قلبه. وفيه أيضاً: أنزل الله في القرآن تبيان كلّ شيء، أي كشفه وإيضاحه ـ إلي أن قال: وتبيَّن الشيء لي، اذا ظهر عندي وزال خفاه عنّي ـ انتهي. و كم من مورد وردت في القرآن الكريم من هذا الاصل اشتقاقات، مثل تَبيَّنَ وبَيِّن وبيِّنَة وبيِّنات ومُبيِّنَة ومُبَيِّنَات ومُبين وبَيان وتِبْيان ونظائرها، في كلّ منها لوحظت خصوصيّة للاءيضاح وكشف الستر بنحو أتمّ وأكمل. و محصّل الكلام أنّ التبيّن ليس مرادفاً للفظ العلم بوجه؛ والقرينة العامّة المدّعاة في استعمال لفظ العلم بعنوان الطريقيّة في موضوع الاحكام في الآجال، غير موجودة فيه. دعوي استعمال «الرؤية» بعنوان الكاشفيّة المحضة ، وهمو أنكرُ من هذا ادّعاء وجود قرينة عامّة في استعمال لفظ الرؤية بعنوان الكاشفيّة المحضة في موضوع الاحكام؛ ودعوي تحقّقها مردودة علي مدّعيها. لانّ للرؤية بمعني الاءبصار الحسّيّ خصوصيّةً ليست في غيرها من طرق الانكشاف. فإذا وردت في موضوع دليل عرفيّ أو شرعيّ، ظاهره دخالة هذه الخصوصيّة في استجلاب الحكم. فلابدّ من الاخذ بها وجعلها قيداً يدور الحكم معها وجوداً وعدماً، إلاّ إذا دلّت قرينة خاصّة علي عدم دخالتها فيه. ولعلّ المدّعي نظر إلي القرائن الخاصّة في موارد شخصيّة، ثمّ تَوهّم منها كثرتها إلي حدّ يصرف الكلام عن ظهوره في التقييد. أو نظر إلي الرؤية التي هي من أفعال القلوب وهي بمعني العلم؛ مثل ما ورد في حديث رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم مع سلمان الفارسيّ في أشراط الساعة المرويّ عن «تفسير القمّيّ»،[157] ونظائره؛ فتوهّمَ أنّ الرؤية الحسّيّة أيضاً كذلك، وهذا توهّم باطل، ولكلّ منها حكم غير ما للآخر. هذا علي العموم؛ وأمّا في المقام فيضاف إلي ذلك أوّلاً: القرائن الدالّة علي موضوعيّة الرؤيةكثرة الروايات التي دلّت علي دخالة الرؤية من الفريقين عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وكذلكتواتر الروايات الواردة عن الائمّة المعصومين عليهم السلام الصريحة في دخالتها؛ فقد ذكر بعض الاعلام من المشايخ أنـّها أكثر من أن تعدّ وتحصي. وقد فهموا منها مدخليّة الرؤية بلا نكير، وهم من أهل اللسان، عارفون بأساليب الكلام. وذُكر في بعضها دخالة الرؤية وحصرها في ثبوت الهلال بلسان النفي والاءثبات، مثل قوله عليه السلام: لاَ تَصُمْ إلاَّ أَنْ تَرَاهُ، وقوله عليه السلام: لا تَصُمْ إلاّ لِلرُّؤْيَةِ؛ وأدلّ منهما قوله عليه السلام: إنَّهُ لَيْسَ عَلَي أهْلِ القِبْلَةِ إلاَّ الرُّؤْيَةُ، وَلَيْسَ عَلَي المُسْلِمِينَ إلاَّ الرُّؤْيَةُ. فهَب أيّها المجيب ! أنّ الشارع يريد مدخليّة الرؤية بنحو الموضوعيّة لا الكاشفيّة المحضة في مقام الثبوت، فهل يتصوّر جملة بليغة أو كلام بليغ، أبلغ من هذا الذي أفاده في مقام الكشف عمّا أراده، في مقام الاءثبات ؟ فقل لنا ساعدك الله: بأيّ كلام يفهمنا ؟ وبأيّ عبارة ينبّهنا ؟ والعجب كلّ العجب أنّه اعترف في آخر كلامه بأنّ المستفاد من روايات الصوم الاوّليّة، هو دخالة الرؤية بمعني إناطة الحكم بإمكانيّة الرؤية، ومع هذا كان ينكر موضوعيّتها بادّعاء قرينة عامّة وقرائن خاصّة علي الكاشفيّة؛ مع أنّ كلتا الدعويين: دعوي وجود القرينة العامّة ودعوي وجود قرائن خاصّة، معلولتان. و ثانياً ما هو المشاهد في جميعها أنّهم عليهم السلام سدّوا جميع الطرق المتصوّرة لثبوت الهلال، مثل أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشفق، وتطوّقه، ورؤية ظلّ الرأس فيه، وخفائه من المشرق غدوةً؛ علي دخول الشهر في الليلة الماضية، مع أنّ في بعض منها ـ خصوصاً إذا أُيّدت بالرصد أماريّةً علي ثبوت الهلال. لكن الاصحاب فقد رفضوها وحملوها علي التقيّة، حيث إنّ العامّة جعلوها أمارات عليه. وليس هذا إلاّ ممّا فهموه من بناء الشريعة علي انحصار أماريّة الرؤية. و ثالثاً ما ورد في كثير من الروايات من إنكار أصحاب الرأي، وهم أصحاب العدد والجدوال من الفلكيّين والمنجّمين، والردّ الشديد عليهم. و ما ربّما يمكن أن يقال أنّ الردّ عليهم إنّما هو لعدم وصول نتيجة حساباتهم الرصديّة إلي درجة اليقين، مدفوع أوّلاً: بأنّ عنوان الرأي ورد في بعض الروايات قسيماً للتظنّي، حيث قال عليه السلام: وَ لَيْسَ بِالرَّأْيِ وَ لاَ بِالتَّظَنِّي، وَلَكِنْ بِالرُّؤْيَةِ. و ثانياً أنّ الحسابات الرصديّة المدوّنة في الزيجات مفيدة للقطع لاصحاب الرصد، لكونها قواعد مضبوطةً علي أساس علم الحساب، مبرهنةً ببراهين هندسيّة منتهية إلي الحسّ والوجدان؛ ويحصل القطع لغيرهم إذا عرفهم بالمهارة في فنونهم والوثاقة في أنفسهم. وثالثاً أنّ مفاد هذه الروايات إطلاق عدم جواز التعويل علي أقوالهم ولو مع اليقين الحاصل. إن قلتَ: لعلّهم عليهم السلام إنّما سدّوا هذا الطريق علي الاءطلاق، وحصروه في طريقيّة الرؤية، لئلاّ يقع الخلاف ولا يشتبه الامر. قلتُ: نعم، ولكن هذا عين الاءقرار بانحصار طريقيّة الرؤية المساوق للموضوعيّة. ثمّ إنّ كثيراً من الاصحاب ادّعوا الاءجماع علي انحصار طريقيّة الرؤية، وادّعوا خلافه خلاف المذهب. وقد نقلنا سابقاً ما ذكره الشيخ رضوان الله عليه في «التهذيب»، والآن ننقل ما ذكره الشيخ الاجلّ القاضي ابن البَرّاج في كتابه: شرح «جمل العلم والعمل»[158] لشيخه الاعظم: السيّد المرتضي رضوان الله عليهما. قال: كلام القاضي ابن البرّاج (قدّه) حول انحصار طريقيّة الرؤية« اعلم أنّ رؤية الهلال هي المعتبر، والذي عليه يعتمد في الصوم والفطر وأوائل الشهر. وذلك لم يخالف فيه أحد من المسلمين، إلاّ قوم من أصحاب الحديث من جملة طائفتان (كذا)[159] فإنّهم عوّلوا في ذلك علي العدد[160] وشذّوا عن الاءجماع بهذا المذهب. » وخلافهم في هذا غير معتبر، لانّ الاءجماع سابق لهم. وجرَوا في فساد ما ذهبوا إليه وشذّوا به عن الاءجماع مجريالخوارج في خلافهم وشذوذهم عن الاءجماع السابق، لما ذهبوا إليه في (عدم رجم الزاني المحصن؛ فإنّهم ذهبوا إلي ذلك بعد انعقاد الاءجماع علي)[161] رجمه.[162] (و كما لايؤثّر خلافهم هذا في صحّة ما انعقد عليه الاءجماع)[163] مِن رجم هذا الزاني،[164] لحدوث هذا المذهب وسبق الاءجماع له؛ فكذلك لا يؤثّر خلاف من ذلك إلي العدد في ما لم يعقد عليه الاءجماع[165] من صحّة العمل علي رؤية الاهلّة، لحدوث مذهبهم هذا وتقدّم الاءجماع له. فإن قيل: لم زعمتم أنّ مذهب أهل العدد حادث ؟ قلنا: ممّا لاشبهة فيه، لانّ القائلين بذلك ما ظهر خلافهم وعملهم به إلاّ عند الجدوال[166] المنسوب إلي عبد الله بن مسعود (و معاوية،[167] ولا شكّ في حدوث ما هذا سبيله. و أنّ العمل علي ما ذكرناه لايجري العلم بتقدّمه علي زمان من نُسبت الجدوال إليه، مجري العلم بالعمل علي رواية الاهلّة، ولا تقاربه؛ بل ولا يعلم ذلك أصلاً علي وجه ولا سبب. فإن قيل: إذا كان العمل علي الجدول حادثاً، فما ينكر أن يكون الامر من الرسول صلّي الله عليه وآله والاءمام بعده في تعريف أوائل الشهور وأواخرها، هو المعتبر في ذلك وعليه العمل ؟ قلنا: لو كان ما ذكرتَه صحيحاً لكان النقل به وارداً مورد الحجّة؛ والمعلوم خلاف ذلك. ثمّ إنّ الاُمّة بين القائلَين: فقائل يذهب إلي أنّ المعتبر في معرفة الفطر وأوائل الشهور بالاهلّة، وقائل يذهب إلي أنّ المعتبر في ذلك بالعدد؛ وليس فيهم من يقول إنّ المعتبر في ذلك بما ذكرتَه[168]، ولا يقول أحد عن الرسول صلّي الله عليه وآله ولا عن أحد من الائمّة عليهم السلام إنّه قال: أوّل الشهر يوم كذا والآخر يوم كذا، إلاّ ما يذكر من الخبر المتضمّن لقوله عليه السلام: يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ [169]؛ وهذا ممّا لا شبهة فيه أنّه لم يرد مورد الحجّة، وذُكر في هذا المذهب خلاف متقدّم علي زمان الجدول؛ وإذا كان كذلك وجب القضاء بفساد ما ذكرتَه. وممّا يدلّ أيضاً علي أنّ المعتبر في معرفة أوائل الشهور والصوم والفطر بالاهلّة، ما هو معلوم ضرورةً في شرع الاءسلام من فرق المسلمين إلي (أنّ)[170] رؤية الاهلّة في تعريف أوائل الشهور من زمن النبيّ صلّي الله عليه وآله إلي زمننا هذا، وأنّه صلّي الله عليه وآله كان يتولّي رؤية الهلال بنفسه و ملتمسه[171] و يتصدّي لرؤيته وكذلك المسلمين، وخروجهم إلي المواضع المكشفة وتأهّبهم كذلك من غير إنكار من أحد له ولا دفع. وما ثبت عنه صلّي الله عليه وآله ممّا شرّعه من قبول الشهادة في الرؤية، والحكم في من شهد بذلك في مصر[172] من الامصار، ومن يرد بالاءخبار برؤيته عن خارج المصر، وحكم المخبر به والصحّة وسلامة الخبر ممّا تعرضه من العوارض، وخبر من شهد برؤيته مع التواتر في بعض المواضع. فلولا أنّ المعتبر بالاهلّة، وأنّها أصل في الدين معلوم لجميع المسلمين، لما كانت[173] الحال في ذلك علي ما شرحناه، ولكان ذلك عبثاً لو كان الاعتبار بالعدد، وحكايةً[174] لما لافائدة فيه؛ والمعلوم خلافه. ويدلّ علي ذلك قوله سبحانه: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ،[175] فبيّن سبحانه الاهلّة هي المعتبرة في المواقيت والدلالة علي أوائل الشهور، وذلك نصّ صريح في ما ذهبنا إليه. ألا تري أنّه علّق التوقيت فيها، ولو كان الذي نعرف به التوقيت هو العدد لعلّق التوقيت وخصّه به دون رؤية الاهلّة، لانّ رؤية الاهلّة لا معتبر بها عند العدديّين في تعريف أوقات حجّ ولا غيره. والهلال إنّما سمّي بهذا الاسم، لرفع الاصوات عند مشاهدته بالتكبير والتهليل؛ ومنه يقال: استهلّ الصبيّ إذا أظهر صوته بالصياح عند ولادته. وسمّي الشهر لاشتهاره[176] بالهلال. فإن قال: بأنّ عدد الايّام وحساب الشهور والسنين هو المعتبر فيها وأنّه يغني[177] عن الاهلّة، فقد أبطل سمات الاهلّة والشهور من الموضوعيّة في لسان العرب. ومن ذهب إلي ذلك وجب ترك الالتفات إلي قوله. ويدلّ علي ذلك أيضاً قوله تعالي: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءًا وَالْقَمَرَ نُورًا وَ قَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. [178] (و هذا نصّ منه تعالي علي معرفة السنين والحساب)[179] مرجوع فيها إلي القمر وزيادته ونقصانه، وأنّ العدد لاحظّ له[180] في ذلك. ويدلّ أيضاً علي ذلك ما روي عن النبيّ صلّي الله عليه وآله من قوله: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعَدُّوا ثَلاَثِينَ يَوْماً. فنصّ عليه السلام أيضاً صريحاً غير محتمل بأنّ الرؤية هي الاصل والعدد تابع لها، وأنّه غير معتبر إلاّ بعد عدم الرؤية. ولو كان المعتبر بالعدد لما علّق الصوم بنفس الرؤية، ولعلّقه بالعدد، وكان يقول: صوموا بالعدد وأفطروا بالعدد؛ والخبر يمنع من ذلك بالاشبه. فإن قيل: كيف تستدلّون بهذا الخبر وهو من أخبار الآحاد؛ وعندكم أنّ أخبار الآحاد لايعوَّل عليها في علم ولا عمل. قلناه: إنّما نقول في خبر الواحد بما ذكرتَه إذا لم يقرن به قرينة ولا دلالة تدلّ علي صحّته، وأمّا ما يقرن به قرينة وتدلّ علي صحّته دلالة فلا بدّ من القول بصحّة مضمونه، للقرينة به. وهذا الخبر وإن كان من أخبار الآحاد، فقد عضّدته قرينة وهي تلقّي الاُمّة له بالقبول؛ فصحّ الاستدلال به. و هذا ممّا لا يشتبه مثله علي أهل العلم. واعلم أنّه قد ورد في صحّة الصوم والفطر علي رؤية الهلال من الاخبار المتواترة ما يكثر ذكره ويطول إيراده، ونحن نورد بعضاً من ذلك ليقف عليه من أهّل نفسه بأُنس بالخبر، ويميل إليه أكثر من أُنسه بطرف النظر وميله إليها. » ـ انتهي الموضع الذي أردنا إيراده من كلامه قدّس سرّه. ثمّ شرع في ذكر الروايات الدالّة علي موضوعيّة الرؤية وبحث فيها بحثاً تامّاً، وذكر الروايات الدالّة علي عدم جواز التعويل علي الجدوال وسائر الطرق والامارات. والحقّ أنّه رحمة الله عليه أوفي البحث في المقام بما لا مزيد عليه، ونحن نقلنا كلامه بطوله لما فيه من جهات التنبيه والفائدة ما لا يخفي علي الخبير. دلالة الروايات المفسّرة للاهلّة، علي انحصار مدخليّة الرؤيةوما يدلّ علي انحصار دخالة الرؤية رابعاً: الروايات التي دلّت علي أنّ الله تبارك وتعالي جعل الاهلّة مواقيت، في تفسير قوله تعالي: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ؛ و هذه الروايات مستفيضة. مثل ما رواه العيّاشيّ في تفسيره عن زياد بن المنذِر، قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ يَقُولُ: صُمْ حِينَ يَصُومُ النَّاسُ، وَأَفْطِرْ حِينَ يُفْطِرُ النَّاسُ، فَإنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الاَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ. ورواه أيضاً الشيخ في «التهذيب»، والقاضي ابن البرّاج في كتابه «شرح جُمَل العلم والعمل».[181] وما رواه المفيد في «المقنعة» عن ابن مُسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الاَهِلَّةِ، فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ، وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ.[182] وما رواه الكلينيّ في «الكافي» بإسناده عن الحلبيّ، والمفيد في «المقنعة» عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاَهِلَّةِ، فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ. وما رواه الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاْهِلَّةِ، فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ ـ الحديث. وما رواه الشيخ أيضاً فيهما بسندين عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاَهِلَّةِ، فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ ـ الحديث. وما رواه الشيخ في «التهذيب» أيضاً بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الاَهِلَّةِ، فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِر ـ الحديث. وما رواه الشيخ فيه أيضاً بإسناده عن عمر بن الربيع البصريّ قال: سُئِلَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الاَهِلَّةِ، قَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ؛ فَإذَا رَأَيْتَ الهِلاَلَ فَصُمْ وَ إذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِر ـ الحديث. وما رواه الشيخ فيه أيضاً بإسناده عن عبد الله بن عليّ بن الحسين (الحسن ـ خ ل) عن أبيه عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في قوله عزّ وجلّ: قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، قال: لِصَوْمِهِمْ وَ فِطْرِهِمْ وَحَجِّهِمْ.[183] فلولا تكون الرؤية طريقاً خاصّاً إلي معرفة الشهور، لما يكون وجه لجعلها مواقيت؛ إذ من السهل اليسير رجوع الناس إلي ما ضبطوه في الجدول. كما هو المتعارف اليوم في كثير من البلاد التي جعلوا مدار أوقاتهم علي الشهور الشمسيّة، واستغنوا عن الاهلّة ومواقيتها. قال الشيخ أبوعليّ الفضل بن الحسن الطَبْرِسيّ في «مجمع البيان» عند تفسير قوله تعالي: قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ: « و فيه أوضح دلالة علي أنّ الصوم لايثبت بالعدد، وأنّه يثبت بالهلال؛ لانّه سبحانه نصّ علي أنّ الاهلّة هي المعتبرة في المواقيت والدلالة علي الشهور. فلو كانت الشهور إنّما تعرف بطريق العدد، لخصّ التوقيت بالعدد دون رؤية الاهلّة؛ لانّ عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الاهلّة في معرفة المواقيت » ـ انتهي.[184] أقول: ونعم ما أفاد قدّس الله سرّه. فنقول: حمل الرؤية في الروايات علي الطريقيّة المحضة، يساوق إلغاء خصوصيّة الرؤية؛ فيناقض الآية المباركة: قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ. لانّ الله جعل الاهلّة مواقيت، ولا يكون الهلال ميقاتاً إلاّ إذا رئي، فالرؤية دخيلة في كونها مواقيت؛ فمن أنكر انحصار طريقيّتها، فقد أبطل ميقاتيّتها. فالآية أدلّ دليل علي دخالة الرؤية علي مبادي الشهور، كما أنّها أدلّ دليل علي بطلان القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق وكفاية رؤية ما ولو من بعيد أو كفاية الرؤية الاءمكانيّة؛ فالله جعلها مواقيت للناس جميعاً، لكلّ بلد ولكلّ جيل. ولا معني لجعل الهلال الخارج عن الشعاع والقابل للرؤية في إسبانيا ميقاتاً لاهل بلخ وبُخارا، ولا الهلال الطالع للعرب القاطنين في المرّاكش وليبيا ميقاتاً للتركمن والاتراك القاطنين في الصين ! فمن التزم بهذا فقد أبطل سمات الاهلّة، وأنكر كونها مواقيت. ومن ادّعي عدم تنافيه مع الآية الكريمة، فهل يا تري إلاّ كونه لاعباً بالقرآن العظيم ؟ الجواب عن الاستدلال لطريقيّة الرؤية بكفاية قيام غيرها مقامهاوأمّا ما استدلّ لطريقيّتها المحضة من كفاية قيام البيّنة التي هي تبيّن الواقع ـ كما يشعر به لفظها ـ علي ذلك، أو مضيّ ثلاثين يوماً من شعبان ولو لم ير أحد الهلال؛ فيرد عليه: أوّلاً: أنّ البيّنة وإن كانت صفةً مشبّهةً من بَانَ يَبينُ، فيقال: بَيِّن وبَيِّنَة كسَيِّد وسَيِّدَة من سَادَ يَسُودُ، وحيث إنّ موصوفها هي الحجّة، يقال: بيّنة بالتاء، أي حجّة واضحة لا خفاء فيها، وبهذا المعني تكون مرادفةً للبرهان؛ لكنّها حجّة واضحة بالنسبة إلي ما تعلّقت به لا إلي شيء آخر، وهذا واضح. فلابدّ من أن يلاحظ متعلّقها في كلّ مورد فيحكم بثبوته في متن الواقع بالتعبّد، كما يحكم بالثبوت في ما إذا تعلّق به القطع الوجدانيّ. وفي المقام: إذا فرض دلالة النصوص والفتاوي علي كفاية البيّنة القائمة علي دخول الشهر، أو علي خروج الهلال عن الشعاع، أو علي وجوده في الاُفق؛ كان لما أُفيد من دلالة البيّنة علي طريقيّة المحضة للرؤية وجه، لقيامها مقام الرؤية، فكلّ واحد من الرؤية والامارة دليل علي ثبوت الواقع حينئذٍ. لكنّه ليس كذلك، بل أطبق النصّ والفتوي وادّعي الاءجماع علي كفاية البيّنة القائمة علي رؤية الهلال ليس غير. واعترف به الاُستاذ نفسه مدّ ظلّه، علي ما في رسالة «المنهاج»؛ حيث قال: ولا (أي ولا يثبت الهلال) بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية.[185] فحينئذٍ ليست الرؤية والبيّنة متسابقتين إلي إثبات الواقع، أحدهما وجداناً والآخر تعبّداً. بل الرؤية الوجدانيّة تعلّقت بوجود الهلال، والبيّنة تعلّقت بالرؤية؛ فتعلّقت بالمتعلِّق بالكسر لا بالفتح. ومفادها تنزيل الرؤية التعبّديّة مقام الرؤية الوجدانيّة، وتوسيع دائرة الرؤية إلي الاعمّ منهما بتوسعة دائرة الرؤية التي هي عبارة عن الاءبصار بالعيون المتّصلة، بالاءبصار بالعيون المنفصلة بالجعل التشريعيّ. وهذا معني حكومة أخبار البيّنة علي أخبار الرؤية. وهنا محلّ الدقّة والنظر، فإنّه من مزالّ الاقدام؛ حيث اشتبه الامر علي كثير من أهل العلم، فادّعوا طريقيّة الرؤية المحضة، بادّعاء قيام الامارات مقامها؛ ولم يتنبّهوا للاختلاف بين متعلّقيهما. وثانياً: المستند في حجيّة البيّنة في هلال شهر رمضان هو الروايات الخاصّة الواردة في المقام، الدالّة علي قيام البيّنة مقام الرؤية، وهي كثيرة؛ فإذاً لا دلالة لها علي الطريقيّة المحضة والكاشفيّة الصرفة للرؤية، إذ جعْل الرؤية طريقاً واحداً وكاشفاً فارداً عن الهلال في مقام الثبوت، ومع ذلك توسيع هذه الدائرة بالرؤية التعبّديّة الحاصلة بالبيّنة في مقام الاءثبات بالنصوص الخاصّة، ممّا لا مانع منه. وقد دلّت الاخبار المستفيضة بل المتواترة علي طريقيّتها المنحصرة، وبعبارة أُخري علي جزئيّتها للموضوع علي نحو الكاشفيّة؛ ودلّت الروايات علي كفاية الرؤية التعبّديّة في مقام الاءثبات. نعم لو قامت البيّنة علي غير الرؤية، بل علي دخول الشهر المستند إلي التطوّق أو الارتفاع أو الجدول والزيج أو قول الرصديّ ونحو ذلك، واستندنا علي حجّيّتها بعمومات أدلّة حجيّة البيّنة في الموضوعات كرواية مَسعَدة بن صَدَقة،[186] وعلقمة،[187] وغيرهما، والاءجماع المدّعي في المقام؛ كان لنا شاهد علي كاشفيّتها المحضة. لكنّك عرفت أنّه لا مجال لحجّيّة مثل هذه البيّنة بعد إطباق الاءجماع والنصوص والفتاوي علي حجيّة البيّنة القائمة علي خصوص الرؤية ليس غير. پاورقي [143] ـ الآية 23، من السورة 4: النساء. [144] ـ الآية 94، من السورة 4: النساء. [145] ـ «مجمع البيان» طبعة مطبعة العرفان ـ صيدا (سنة 1354 ) ج 2، ص 95 [146] ـ الآية 6، من السورة 49: الحجرات. [147] ـ «تاج العروس» ج 9، ص 151، طبعة مطبعة خيريّة ـ مصر. [148] ـ الآية 187، من السورة 2: البقرة. [149] ـ «الكافي» ج 4، ص 98، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة ـ طهران. [150] ـ «تهذيب الاحكام» ج 4، ص 184، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة ـ النجف. [151] ـ في «مرآة العقول» ج 16، ص 267، طبعة دار الكتب الاءسلاميّة ـ طهران، نقل عن «الصحاح»: أنّ القبط أهل مصر، والقبطيّة ثياب بيض رقاق من كتّان يتّخذ بمصر. وقد يضمّ، لانـّهم يغيّرون في النسبة كما قالوا: سُهليّ ودُهريّ ـ انتهي. [152] ـ «الكافي» ج 4، ص 99. [153] ـ «تهذيب الاحكام» ج 4، ص 185. [154] ـ «من لا يحضره الفقيه» ج 2، ص 130 و 131، طبعة مكتبة الصدوق ـ طهران. [155] -نفس المصدر ص 131 [156] ـ الآية 78، من السورة 17: الاءسراء. [157] ـ رواه العلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظلّه السامي في تفسير «الميزان» في المجلّد الخامس (طبعة دار الكتب الاءسلاميّة) في ص 432 إلي ص 435، في ضمن بحثه المختلط من القرآن والحديث المبدوّ من ص 428. [158] ـ طبع هذا الكتاب في مطبعة جامعة المشهد (مشهد الرضا عليه السلام) في سنة 1352 الهجريّة الشمسيّة، وما نقلناه عنه إنّما هو من ص 167 إلي ص 170. [159] ـ يعني أنّ لفظ «طائفتان» ورد في النسخ مرفوعاً. [160] ـ قال الشهيد الثاني في «شرحه للّمعة» الطبعة الحجريّة، ج 1، ص 120: « والعدد، وهو عدّ شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تامّاً أبداً، وبه فسّره في «الدروس». ويطلق علي عدّ خمسة من هلال الماضي وجعل الخامس أوّل الحاضر، وعلي عدّ شهر تامّاً وآخر ناقصاً مطلقاً، وعلي عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب، وعلي عدّ كلّ شهر ثلاثين؛ والكلّ لا عبرة به، نعم اعتبره بالمعني الثاني جماعة منهم المصنّف في «الدروس» مع غمّة الشهور كلّها مقيّداً بعدّ ستّة في الكبيسة، وهو موافق للعادة وبه روايات ولا بأس به، أمّا لو غمّ شهر وشهران خاصّةً فعدّهما ثلاثين أقوي وفي ما زاد نظرٌ: من تعارض الاصل والظاهر، وظاهر الاُصول ترجيح الاصل. » انتهي ـ منه عفي عنه. [161] ـ ما بين الهلالين هو المصحّح من نسخة العالم المحترم واعظ زاده. [162] ـ في نسخة العالم المحترم واعظزاده، ورد مكان «رجمه»، «رحمة». [163] ـ ما بين الهلالين هو المصحّح من نسخة مكتبة مجلس الشوري بطهران. [164] ـ ظاهراً. [165] ـ الظاهر أنّ الصحيح في العبارة هكذا: «لا يؤثّر خلاف من ذهب إلي العدد في ما يعقد عليه الاءجماع» ـ م. [166] ـ الجدول للقمر عند الفلكيّين حساب سيره في منازله الثمانية والعشرين وتعيين موضعه في أيّ وقت أُريد، فعليه يكون مرادفاً للزيج. وفسّره الشهيد الثاني عند قول الشهيد الاوّل في «اللمعة» (ج 1، ص 120 ): ولا عبرة بالجدول، بأنّه: حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر، ومرجعه إلي عدّ شهر تامّاً وشهر ناقصاً في جميع السنة مبتدئاً بالتامّ من المحرّم؛ لعدم ثبوته شرعاً بل ثبوت ما ينافيه ومخالفته مع الشرع للحساب أيضاً لاحتياج تقييده بغير السنة الكبيسة، أمـّا فيها فيكون ذو الحجّة تامّاً ـ انتهي. أقول: والسرّ في ذلك أنّ الازياج مبتنية علي الشهور الوسطيّة لا الحقيقيّة، ثمّ بضميمة حساب التعديلات تصير شهوراً حقيقيّةً فلكيّةً. أمّا الشهور الشرعيّة فالعبرة فيها بنفس الرؤية. هذا ولكنّي لم أجد لفظ الجدوال في واحد من كتب اللغة والنجوم، ولعلّه مصدر جعليّ علي وزن الدِّحراج من مادّة جعليّة هي جَدْوَلَ يُجَدوِلُ أي عيّن الجدول؛ فعلي هذا يكون خارجاً عن استعمال العرب ـ منه عفي عنه. [167] ـ في نسخة مكتبة مجلس الشوري بطهران. [168] ـ في نسخة واعظ زاده وفي نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران، ورد مكان «ذكرتَه»، «ذكر به»؛ والمصحّح صحّحه قياساً. [169] ـ أقول: أورد في تفسير «البرهان» في ذيل آية يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ، نقلاً عن السيّد ابن طاووس (رحمة الله عليه) في «الاءقبال» أنّه قال: ومن ذلك (أي من القواعد) ما سمعناه ولم نقف علي اسناده عن أحدهم عليهم السلام: يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ ـ انتهي. (تفسير «البرهان» ج 1، ص 119، الطبعة الحجريّة) [170] ـ في نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران، ورد لفظ «أنّ». [171] ـ ظاهراً: «يلتمسه». [172] ـ في نسخ واعظ زاده والمجلس ومكتبة الجامعة ورد لفظ «مصري» والظاهرزيادة الياء. [173] ـ في نسخة المجلس: «كا» مكان «كانت». [174] ـ في جميع النسخ: «مكاتباً» وصحّحه المصحّح «حكايةً». [175] ـ الآية 189، من السورة 2: البقرة. [176] ـ في نسخة الجامعة المركزيّة: «للاشتهاد» مكان «لاشتهاره». [177] ـ في جميع النسخ: «يعني» بدل «يغني»، وحيث لا معني له صحّحه المصحّح. [178] ـ الآية 5، من السورة 10: يونس. [179] ـ ما بين الهلالين ليس في نسخة مكتبة المجلس. [180] ـ في جميع النسخ: «لاحصا له» فصحّحه المصحّح. [181] ـ «تفسير العيّاشيّ» ج 1، ص 86، طبعة مطبعة العلميّة ـ قمّ؛ و«تهذيب الاحكام» ج 4، ص 164؛ و«شرح جمل العلم والعمل» ص 174. [182] ـ «المقنعة» في «الجوامع الفقهيّة» ص 48، الطبعة الحجريّة. [183] ـ روي جميع هذه الروايات في «وسائل الشيعة» ج 7، ص 182 إلي 187 ـ م. [184] ـ «مجمع البيان» طبعة صيدا، ج 1، ص 283 و 284. [185] ـ «منهاج الصالحين» ج 1، ص 280. [186] ـ وهي ما رواه في «الوسائل» في كتاب التجارة في الباب الرابع من أبواب ما يُكتسب به (ج 12، ص 60 ) عن الكلينيّ وعن الشيخ بإسنادهما عن عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سَمِعْتُهُ يَقولُ: كُلُّ شَيءٍ هُوَ لَكَ حَلالٌ حَتَّي تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكونُ عَلَيْكَ وَقَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَهُوَ سَرِقَةٌ، وَالمَمْلوكِ عِنْدَكَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ باعَ نَفْسَهَ أوْ خُدِعَ فَبِيعَ قَهْرًا، أوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَهِيَ أُخْتُكَ أوْ رَضيعَتُكَ. وَالاَشْيَاءُ كُلُّها عَلَي هَذا حَتَّي يَسْتَبينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أوْ تَقومَ بِهِ البَيِّنَةُ. [187] ـ وهي ما رواه في «الوسائل» في كتاب القضاء في الباب الواحد والاربعين من أبواب الشهادات (ج 18، ص 292 و 293 ) عن كتاب «عرض المجالس» («أمالي الصدوق» الطبعة الحجريّة، ص 63 ) بإسناده عن علقمة قال: قالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَ قَدْ قُلْتُ لَهُ: يابْنَ رَسولِ اللَهِ ! أخْبِرْني عَمَّنْ تُقْبَلُ شَهادَتُهُ وَمَنْ لاتُقْبَلُ. فَقالَ: يا عَلْقَمَةُ ! كُلُّ مَنْ كانَ عَلَي فِطْرَةِ الاءسْلامِ جازَتْ شَهادَتُهُ. قالَ: فَقُلْتُ لَهُ: تُقبَلُ شَهادَةُ مُقْتَرِفٍ بِالذُّنوبِ ؟ فَقالَ: يا عَلْقَمَةُ ! لَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهادَةُ المُقْتَرِفِينَ لِلذُّنُوبِ لَما قُبِلَتْ إلاَّ شَهادَةُ الاْنْبِياءِ وَالاوْصِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، لاِنَّهُمُ المَعْصُومونَ دونَ سائِر الخَلْقِ. فَمَنْ لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِكَ يَرْتَكِبُ ذَنْبًا أوْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شاهِدانِ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ العَدالَةِ وَالسِّتْرِ وَ شَهادَتُهُ مَقْبولَةٌ؛ وَ إنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُذْنِباً. وَ مَنِ اغْتابَهُ بِما فيهِ فَهُوَ خارِجٌ مِنْ وِلاَيَةِ اللَهِ داخِلٌ فِي وِلايَةِ الشَّيْطَانِ. وَ لَقَدْ حَدَّثَني أَبي عَنْ أبيهِ عَنْ ءَابائِهِ أنَّ رَسولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَءَالِهِ قالَ: مَنِ اغْتابَ مُؤْمِناً بِما فيهِ، لَمْ يَجْمَعِ اللَهُ بَيْنَهُما فِي الْجَنَّةِ أَبَداً. وَ مَنِ اغْتابَ مُؤْمِناً بِما لَيْسَ فِيهِ فَقَدِ انْقَطَعَتِ العِصْمَةُ بَيْنَهُما، وَ كانَ المُغْتابُ فِي النَّارِ خالِداً فِيهَا وَ بِئْسَ اْمَصِيرُ. قالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ النّاسَ يَنْسُبونَنا إلَي عَظائِمِ الاُمورِ، وَقَدْ ضاقَتْ بِذَلِكَ صُدورُنا ! فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ رِضا النَّاسِ لا يُمْلَكُ، وَألْسِنَتُهُمْ لا تُضْبَطُ؛ وَ كَيْفَ تَسْلَمونَ مِمَّا لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ أنْبِياءُ اللَهِ وَ رُسُلُهُ ـ الحديث. و قد نقلنا هذا الحديث بطوله، لما فيه من جهات الفائدة الصادرة من معدن العلم والحكمة؛ رزقنا الله التعلّم والتفهّم. |
|
|