بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایه الفقیه فی حکومه الاسلام/ المجلد الاول/ القسم العاشر: بعض العلماء غیر القابلین للعلوم الحقیقیة، دلیل ولایة الفقیه

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الثاني‌ عشر:

 البحث‌ في‌ رواية‌ لامير المؤمنين‌ حول‌ ولاية‌ الفقيه‌

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

متن‌ رواية‌ كميل‌ عن‌ «نهج‌ البلاغة‌» للسيّد الرضي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌

 أحد أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌ و الذي‌ يمكن‌ اتّخاذه‌ كأكثرها اعتباراً و أقواها من‌ ناحية‌السند و الدلالة‌ معاً، هو روايته‌ السيّد الرضيّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» حول‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لكميل‌ بن‌ زياد النخعي‌.

 ففي‌ «نهج‌ البلاغة‌» من‌ كلام‌ له‌ عليه‌ السلام‌ لكميل‌ بن‌ زياد النخعي‌:

 «قَالَ كُمَيْلُّ بنَ زِيَادٍ: أَخَذَ بِيَدِي‌ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عَلِيُّ بنَ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ فَأخْرَجَني‌ إلَی‌ الْجَبَّانِ؛ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُعَداءَ ثُمَّ قَالَ: يَا كُمَيْلُ إنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا؛ فَاحْفِظْ عَنِّي‌ مَا أَقُولُ لَكَ.

 النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيُّ، وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَی‌ سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ؛ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوابِنُورِ العِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَأؤا إلَی‌ رُكْنِ وَثِيقٍ.

 يَا كُمَيْلُ ! الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ؛ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَ أَنْتَ تُحْرُسُ الْمَالَ؛ الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، و الْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَی‌ الإنْفَاقِ؛ وَ صَنِيعُ الْمَالِ يَزُولَ بِزَوَالِهِ.

 فعندما يزول‌ نفس‌ المال‌ تزول‌ أيضاً الظواهر و الآثار التي‌ نتجت‌ عنه‌ مهما كانت‌، و كمثال‌ علي‌ ذلك‌ فإنّ صاحب‌ المال‌ ينال‌ سلطة‌ و تأثيراً بذلك‌ المال‌ فيجتمع‌ الناس‌ حوله‌، و يقوم‌ بأعمال‌ كثيرة‌ بواسطة‌ المال‌، و ما أن‌ يذهب‌ ذلك‌ المال‌ حتي‌ تزول‌ جميع‌ تلك‌ الآثار. فيفقد الناس‌ كلّ اهتمام‌ به‌، و لا يبقي‌ أحد يري‌ له‌ شرفاً، و ذاك‌ الشخص‌ الذي‌ وفّر لنفسه‌ مركزاً علي‌ أساس‌ الإعتماد علي‌ المال‌ ما أن‌ يزول‌ ماله‌ حتّي‌ تزول‌ جميع‌ تلك‌ الآثار المصطنعة‌ و الناتجة‌ عن‌ المال‌.

 «يَا كُمَيْلُ ! الْعِلْمُ دِينٌ يُدَانُّ بِهِ؛ بِهِ يَكسِبُ الإنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي‌ حَيَاتِهِ، وَ جَميلَ الاُحْدُثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. والْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَیهِ.

 يَا كُمَيْلُ ! هَلَكَ خُرَّانُ الاَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ؛ و الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ؛ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثَالُهُمْ فِي‌ الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.

 هَا ! إنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَ أَشَارَ إلَي‌ صَدْرِهِ) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً!»

 أي‌ لو أصبت‌ له‌ أشخاصاً يستطيعون‌ حمله‌ لاعلمّهم‌ إيّاه‌. فماذا أعمل‌ إذ لاأجد حملة‌ للعلم‌ المخزون‌ هنا فليس‌ ثمّة‌ أحد يتعلّم‌ علي‌ و يأخذه‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ذكر أربعة‌ طوائف‌ من‌ العلماء غير القابلين‌ لتعليم‌ العلوم‌ الحقيقيّة‌

بَلَي‌ أصَبتُ لَقِناً غَيْرَ مَأمُونٍ عَلَیهِ، مُسْتَعْمِلاً ءالَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَ مُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَهِ عَلَی‌ عِبَادِهِ، وَ بِحُجَجِهِ عَلَی‌ أَوْلِيَائِهِ.

 أجل‌ لقد وجدت‌ عالماً يستطيع‌ الاستفادة‌ من‌ هذه‌ العلوم‌ المتراكمة‌، و هو عالم‌ يمتلك‌ الفهم‌ و الدراية‌ و الذكاء و القابلية‌، لكني‌ أخاف‌ منه‌،و أخشي‌' تعليمه‌، و لا أشعر بالاصمئنان‌ لذلك‌. و ذلك‌ لانّه‌ جعل‌ دينه‌ ءاية‌ للوصول‌ إلي‌ الدنيا، و يستعمل‌ نِعم‌ الله‌ للإستظهار علي‌ عباده‌ و النقوّي‌ عليهم‌. لقد وهبه‌ الله‌ نِعْماً من‌ العلم‌ و الدراية‌ و الفهم‌ و البصيرة‌ فجاء الي‌ عباد الله‌ يسحقهم‌ و يحقرّهم‌ و يستخدمهم‌ و يُخضعهم‌ لذلّ العبودية‌ له‌.

 فأمثال‌ هؤلإ علماء من‌ أهل‌ الفهم‌ و الذكاء و الاستيعاب‌ لكنّ قلوبهم‌ خائنة‌، و أنّي‌ لاخشي‌' من‌ تعليمهم‌ شيئاً من‌ علومي‌، و لذا سددت‌ طريق‌ تعليمي‌ لهم‌.

 «أو مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ؛ لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي‌ أَحنَائِهِ؛ ينْقَدِحُ الشَّكُّ فِي‌ قَلْبِهِ لاِوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ، أَلاَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكِ».

 و هناك‌ نمط‌ ءاخر من‌ الناس‌ توجد فيهم‌ روح‌ طاعة‌ حملة‌ الحقّ و حرّاسه‌، و ليس‌ في‌! قلوبهم‌ خيانة‌، و ليسوا متجرنين‌ و لامتهتكين‌، و لا قلقَ من‌ ناحيتهم‌ في‌ هذه‌ الجهة‌، ولكن‌ بما أنّهم‌ لا يمتلكون‌ البصيرة‌ في‌ إعمال‌ الحقّ و لا يستطيعون‌ النظر بعين‌ البصيرة‌ من‌ اطراف‌ و جوانب‌ الحق‌، و لايستطيعون‌ وضع‌ كلّ شي‌ء في‌ موضعه‌، فانّ الشكّ يرسخ‌ في‌ قلوبهم‌ عند أوّل‌ شبهة‌، و يصير الامر عليهم‌ مشتبهاً.

 فهؤلإ أشخاص‌ متقدّسون‌ و جانب‌ الإنقياد و الطاعة‌ فيهم‌ جيد، و ليسوا متجرئين‌، لكنّهم‌ فليلو الدراية‌، و ليس‌ لهم‌ بصيرة‌ بأحناء الحقّ و أطرافه‌، و لايستطعيون‌ جمع‌ جميع‌ اطراف‌ الحقّ و ردّ الشبهات‌ الواردة‌ من‌ جميع‌ النواحي‌. فإذا أورد عليهم‌ البعض‌ شبهة‌ يحصل‌ لهم‌ الشك‌ في‌ إمامهم‌ و في‌ دينهم‌.

 و هؤلإ مثل‌ الاشخاص‌ المقدّسين‌ الذين‌ قال‌ عنهم‌ رسول‌ الله‌: «كَسَرَ ظَهرِي‌ صِنفَانِ: عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ».

 أَلاَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ: فالمجموعة‌ الاُولي‌ علماء متهتّكون‌، و المجموعة‌ الثانيّة‌ علما و بسيطون‌ متقدّسون‌، مثل‌ الخوارج‌ الذين‌ كانوا يستندون‌ الي‌ ظواهر الدين‌ و يعتمدون‌ عليه‌، و بهذا الدين‌ قتلوا إمامهم‌، و احتجّوا علي‌ الإمام‌ بالقرآن‌، و قضوا علي‌ ءايات‌ الله‌ و علي‌ وليّ الله‌ و القائم‌ للّه‌ و حقيقة‌ كتاب‌ الله‌ بكتاب‌ الله‌ و هم‌ جماعة‌ كثيرة‌ و يشكلّون‌ طائفة‌ من‌ العلماء.

 «أَوْ مَنْهُوماً بِاللَذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ. أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالإدِخَارِ».

 المُفْرَم‌ يعني‌ المُحبّ. فذلك‌ الذي‌ أثّر فيه‌ الحبّ، و كان‌ الحبُّ فيه‌ أكثر من‌ المستوي‌' الطبيعي‌ فصار عاشقاً و مجنوناً بجمع‌ المال‌ و ادّخاره‌، فهذا يُسمّي‌' مغرماً. فالمغرمون‌ هم‌ أشخاص‌ علماء يفهمون‌ بشكل‌ جيد جدّاً. و جميع‌ اُمورهم‌ حسنه‌، و نقاط‌ الضعف‌ السابقة‌ تلك‌ غير موجودةٍ فيهم‌. ففهمهم‌ جيد، و لم‌ يكن‌ خوف‌ الإمام‌ من‌ تعليمهم‌ لهذه‌ العلوم‌ من‌ هذه‌ الجهة‌.

 أي‌ أنّهم‌ لايتخذون‌ علمهم‌ آلة‌ للدّنيا، و ليسوا قليلي‌ الفهم‌ لكي‌ تكون‌ بصيرتهم‌ قليلة‌، و لكنّهم‌ من‌ أتباع‌ الدنيا. و قد ضاع‌ وجودهم‌ هباءً، و ذلك‌ لانّهم‌ قد صرفوا نفوسهم‌ الشريفة‌ في‌ ادّخار أموال‌ الدّنيا و جمعها، و استفادوا من‌ علمهم‌ في‌ جمع‌ المال‌ فقط‌.

 «لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي‌ شي‌ءٍ» و هذان‌ الصنفان‌ الاخيران‌ لافائدة‌ فيهما سواءً ذاك‌ الصنف‌ النهموم‌ باللذة‌ السلس‌ القياد للشهوة‌، أو ذاك‌ الصنف‌ المغرم‌ بالجمع‌ و الإدّخار. و ذلك‌ لانّ قلوبهم‌ لاتحترق‌ لاجل‌ الدين‌. و ليسوا من‌ حفظة‌ الدين‌ و رعاته‌ و حرّاسه‌ و لايستطيع‌ الإنسان‌ الرجوع‌ إليهم‌ في‌ أمر الدين‌ لانّهم‌ إمّا من‌ أهل‌ الشهوة‌ و اللذّة‌ أو من‌ أهل‌ جمع‌ المال‌ و الادّخار. و مقصدهم‌ الاقصي‌' و هدفهم‌ الاسني‌' من‌ العلم‌ و التدريس‌ و البحث‌ و نيل‌ المراتب‌ الدينيّة‌ هي‌ هذه‌ المسائل‌: إنّهم‌ لاينفعون‌ و لااستطيع‌ انّ اعلّمهم‌ علماً و إلاّ قاموا بصرف‌ ذلك‌ العلم‌ في‌ الشهوة‌ و اللذّة‌ و ادّخار المال‌ و الكنوز.

 الرجوع الي الفهرس

 تشبيه‌ للإمام‌ للحيوانات‌ السائمة‌ بهم‌، لا العكس‌

«أقْرَبُ شي‌ءٍ شَبَهاً بِهِمَا الاْنْعَامُ السَّائِمَة‌.»

 لا حظوا لطافة‌ هذا البيان‌، لم‌ يقل‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ أنّ هاتين‌ الطائفتين‌: المنهومة‌ باللذّة‌ و اتّباع‌ الشهوة‌، أو المعزم‌ بجمع‌ المال‌، لم‌ يقل‌ أنّهما تشبهان‌ الحيوانات‌ المعلوفة‌ و الانعام‌. و إنّما قال‌ إنّ الانعام‌ السائمة‌ تشبههم‌. و هذا تعبير لطيف‌ للغاية‌. أي‌ لا ينبغي‌ أن‌ نجعل‌ ذلك‌ الحيوان‌ الذي‌ لا ذنب‌ له‌ مركزاً للنقص‌ و التقصير و نقيس‌ هؤلإ في‌ نقصانهم‌ بذلك‌ الحيوان‌. بل‌ أنّ مركز النقصان‌ و العيب‌ و أساس‌ الفساد هو هنا، فيجب‌ أن‌ نشبّه‌ الحيوانات‌ بهم‌. و هذا نظير ذلك‌ التشبيه‌ الذي‌ يقول‌: إنّ إشراق‌ الشمس‌ عند طلوعها شبيه‌ بإشراق‌ جمال‌ محبوبتي‌.

 ورد في‌ علم‌ البيان‌ انّ التشبيه‌ يعكس‌ أحياناً، و ذلك‌ لتعظيم‌ و إكبار و إظهار مورد التشبيه‌ بنحو أعلي‌ و أتمّ و كان‌ ينبغي‌ أن‌ يقول‌: إنّ صورة‌ حبيبتي‌ تشبه‌ الشمس‌، و أنّ إشراق‌ نورها شبيه‌ بنور الشمس‌، و عندما تيجلّي‌ لي‌ يكون‌ عيناً كإشراق‌ الشمس‌ عندما تشعّ في‌ الاُفق‌. كلنّه‌ قال‌: إنّ الشمس‌ التي‌ تشعّ من‌ الاُفق‌ شبيهة‌ بإشراق‌ جمال‌ محبوبتي‌. فهنا أيضاً يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: أقربُ شي‌ءٍ شبهاً بِهما الانعامُ السائمة‌.

 «كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَاملِيهِ».

 إنّ ها هنا لعلمأ جمّاً، ولكن‌ ماذا افعل‌ فما أن‌ أموت‌ حيت‌ يرتحل‌ هذ العلم‌ جميعه‌. و ذلك‌ لانّ أفراد الإنسان‌ لايعدون‌ هذه‌ الاقسام‌ الاربعه‌، و الناس‌ جيمعاً مبتلون‌ بهذه‌ المسائل‌.

 ثمّ يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلا بعد بيان‌ أحوال‌ العلماء و أقسامهم‌ (إنّهم‌ إمّاً لفن‌ غير مأمون‌، أو منقاد لحمله‌ الحقّ لكن‌ لا بصيرة‌ له‌، أو مُبتلي‌ بالمسائل‌ الشخصيّة‌ و طلب‌ الجاه‌ و اللذّات‌، أو مشغولٌ بطلب‌ الدنيا بالدين‌).

 اللَّهُمَّ بَلَي‌؛ لاَ تَخْلُو الاْرضُ مِن‌  قَائِمٍ لِلّهِ بُحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أوْ خَائِفَاً مَغْمُوراً، لِئلاً تبْطُلَ حُجَجُ اللَهِ وَ بَيِّنَاتِهُ؛ وَ كَمْ ذَا ؟ وَ أَيْنَ أُلَئِكَ ؟!

 فهناك‌ أناس‌ قد قاموا بحجج‌ الله‌، و لهم‌ قلب‌ ثابت‌، و عزم‌ هامتين‌، و إرادة‌ حرّة‌، لا يتّخذون‌ الدين‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌ وسيلة‌ للدّنيا بأي‌ شكل‌ من‌ الاشكال‌، و لم‌ يستظهروا بنعم‌ الله‌ علي‌ عباده‌، و بحججه‌ علي‌ أوليائه‌، و لهم‌ بصيرة‌ في‌ أحناء الحقّ، و ليسوا منهومين‌ للذّة‌ و الشهوة‌، و لا مغرمين‌ بادّخار المال‌ و جمعه‌، لكن‌ أين‌ هم‌ ؟ هل‌ هم‌ بضعة‌ أشخاصٍ اُولئكَ الذين‌ صارت‌ قلوبهم‌ منوّرة‌ بنور الله‌ ؟! «لاَ تَخْلُو الاْرْض‌» من‌ أشخاص‌ كهؤلإ ممّن‌ قام‌ بالحجج‌ الإلهيّة‌ و علموا لله‌.

 إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أوْ خَائِفاً مِغْمُوراً.

 لا تخلو الارض‌ من‌ أفرا كهؤلإ «إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً» لِمَ ؟

 لِئَلاَّ تَبَطُلَ حُجَجُ اللَهِ وَ بَيِّنَاتُهُ: فلو لم‌ يكن‌ هؤلإ موجودين‌ لِما بقي‌ حِجة‌ علي‌ وجه‌ الارض‌ مطلقاً، و لا حتجّ جميع‌ الناس‌ يوم‌ القيامة‌ علي‌ الله‌ مدّعين‌ عدم‌ وصول‌ الامر إليهم‌، لانّه‌ لم‌ يكن‌ ثمّة‌ حجّة‌ علي‌ الارض‌ يستطعيون‌ الوصول‌ إليها.

 أمّا إذا كان‌ بعض‌ هؤلإ موجوداً في‌ الجملة‌ في‌ الارض‌ فإنّ الحجّة‌ تكون‌ لله‌ علي‌ جميع‌ الناس‌ فيطالبهم‌ إذا لم‌ يسعوا في‌ الارض‌ إلي‌ هؤلإ الحجج‌ و لم‌ يتّبعوهم‌ و لم‌ يستفيدوا منهم‌. و لم‌ لم‌ يكن‌ هؤلإ الاشخاط‌ موجودين‌ لبطلت‌ حجج‌ الله‌ علي‌ عباده‌ و لبطلت‌ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن‌ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيَي‌' مَن‌ حَيَّ عَن‌ بَيِّنَةٍ» [1].

 الرجوع الي الفهرس

وَكَمْ ذَا ؟ وَأَينَ أُولَئِكَ ؟ أُولَئِكَ وَاللَهِ ألاقَلُّونَ عَدَداً

 «و كَمْ ذَا ؟ وَ أَيْنَ أُولَئِكَ ؟! أُولَئِكَ وَاللَهِ الاقَلُّونَ عَدَداً؛ وَ الاَعْظَمُونَ قَدْراً؛ يَحْفَظُ اللَهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّي‌ يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَ يَزْرَعُوهَا فِي‌ قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ».

 لايقول‌ عددهم‌ قليل‌ و إنّما يقول‌ الاقلْون‌ عدداً اي‌ لو احصيتم‌ كل‌ طائفة‌ و صنف‌ و فئة‌ و جماعة‌ من‌ العلماء و المجتهدين‌ لو..... هؤلإ اقل‌ من‌ الكلّ.

 إنّهم‌ الاعظمون‌ قدراً بين‌ الناس‌ من‌ جهة‌ مرتبتهم‌ و منزلتهم‌ و قيمتهم‌. فالله‌ يحفظ‌ بواسطتهم‌ حججه‌ و بيّناته‌، إلي‌ أن‌ يودعوا تلك‌ الحجج‌ و البيّنات‌ و الادلّة‌ و الدين‌ و الإسلام‌ و القرءان‌ و الإيمان‌ و المعارف‌ و غيرها عند نُظرائهم‌ و أمثالهم‌، فيسلّم‌ كلّ منهم‌ الامر الي‌ الآخر، و يررعون‌ تلك‌ الحجج‌ و البيّنات‌ في‌ قلوب‌ أشباههم‌ و أمثالهم‌ لتنمو شيئاً فشيئاً و تنضج‌. و اُولئك‌ أيضاً يكونون‌ في‌ الازمان‌ المستقبلة‌، كلّ منهم‌ دعامة‌ عظمية‌ لحجج‌ الله‌ و بيّناته‌.

 «هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَی‌ حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَ بَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاستَلانوا ما استَوْعَوَهُ المُتَرفُونَ، وَ أَنِسُوا بِمَا استَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدانٍ أَرْوَاحَهَا مَعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الاْعْلَي‌'».

 أي‌ أنّهم‌ وردوا الدنيا بأبدانهم‌، لكنّ أرواحهم‌ لم‌ تكن‌ في‌ الدنيا، فطوال‌ المدّة‌ التي‌ كانوا يجيئون‌ و يذهبون‌ فيها، و يتكلّمون‌، و ينكحون‌، و يقومون‌ ببعض‌ أعمالهم‌، فإنّ أبدانهم‌ وحدها هي‌ التي‌ كانت‌ تشاهد في‌ هذه‌ الاُمور التدبيرية‌ و عالم‌ الطبع‌ و الاعتبار ولكن‌ ارواحهم‌ متصلة‌ بالمحلّ الاعلي‌.

 «اُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي‌ أَرْضِهِ، و الدُّعَاةُ إلَی‌ دِينِهِ. آهٍ آهٍ ! شَوْقَاً إلَی‌ رُؤيَتِهِمْ. انْصَرِفْ إِذَا شِئتَ». [2]

 لقد روي‌ هذا الخبر الشريف‌ الشيخ‌ الصدوق‌ أيضاً في‌ «الخصال‌» عن‌ أبي‌ الحسن‌ محمّد بن‌ عليّ بن‌ شاه‌، أنّه‌ يقول‌: حدّثنا أبو إسحاق‌ الخوّاص‌، يقول‌: حدّثنا محمّد بن‌ يونس‌ الكريميّ عن‌ سفيان‌ وكيع‌، عن‌ ابنه‌ [3] ، عن‌ سفيان‌ الثوريّ، عن‌ منصور، عن‌ مجاهد، عن‌ كميل‌ بن‌ زياد، و لكنّه‌ بدلاً من‌ جملة‌: «يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ دِينٌ يُدَان‌ بِهِ» فَقد أتي‌ بهذ الجملة‌: يَا كُمَيْلُ مَحَبَّةُ العَالِمِ دِينٌ يَدَانُّ بِهِ؛ تَكْسِبُهُ الطَّاعَةَ فِي‌ حَياتِهِ وَ جَمِيلَ الاُحْدوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْفَعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ».

 و أورد كذلك‌ بدل‌ جملة‌ «وَ بِحُجَجِهِ عَلَی‌ أَوْلِيَائِهِ» هذه‌ الجملة‌:

 «لِيَتَّخِذَ الضُّعَفَاءَ وَلِيجَةً مِنْ دُونِ وَلِيِّ الْحَقِّ».

 أي‌ أنّه‌ يتمسّك‌ و يستعين‌ بضعفاء الناس‌ من‌ أجل‌ القضاء علي‌ وليّ الحقّ، و يلجأ إلي‌ هؤلإ الناس‌ الضعفاء و عوامّ الناس‌ لكي‌ يحقّق‌ لنفسه‌ وضعاً سوقياً، و يتّخذه‌ هؤلإ وليّاً و مرجعاً لهم‌.

 وي‌ قول‌ الصدوق‌ بعد أن‌ ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «الخصال‌»: لقد رويت‌ هذه‌ الرواية‌ بطريق‌ كثيرة‌ اخرجتها في‌ كتاب‌ «إكمال‌ الدين‌ و إتمام‌ النعمة‌ في‌ إثبات‌ الغيبة‌ و كشف‌ الحيرة‌». [4]

 و قد روي‌ هذه‌ الرواية‌ عدا الصدوق‌ الشيخ‌ حسن‌ بن‌ عليّ! بن‌ حسين‌ بن‌ شُعبة‌ الحرّاني‌ في‌! «تُحَف‌ العُقول‌» من‌ قوله‌: «إنَّ هذِهِ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أوْعَاهَا» والذي‌ هو أوّل‌ الرواية‌، الي‌ آخر ما نقله‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ «الخصال‌». و أضاف‌ لفظ‌ «وَ رُواةُ كِتَابِهِ» بعد جملة‌ «لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللَهِ وَ بَيِّنَاتُهُ». و أتي‌ بهذه‌ الجملة‌ في‌ الآخر:

 «يَا كُمَيْلُ ! اُولَئِكَ أُمَناءُ اللَهِ فِي‌ خَلْقِهِ، وَ خُلَفَاؤُهُ فِي‌ أَرْضِهِ، وَ سُرُجُهذ فِي‌ بِلاَدِهِ، وَالدُّعَاةُ إلَي‌ دِينِهِ؛ وَاشُوقَاهُ إلَي‌ رُؤيَتِهِمْ ! أَسْتَغْفِرُ اللَهَ لِي‌ وَ لَك‌». [5]

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌ أبي‌ إسحاق‌ الثقفي‌ّ في‌ «الغارات‌» والصدوق‌ في‌...

 و قد أورد و هذه‌ الرواية‌ الشيخ‌ الاقدم‌ أبو إسحاق‌ إبراهيم‌ بن‌ محمّد الثقفي‌ الكوفيّ  في‌ كتاب‌ «الغارات‌» [6]

 و يرويها في‌ هذ الكتاب‌ إبراهيم‌ بن‌ محمّد الثقفي‌ الكوفيّ، بإسناده‌ عن‌ محمّد، عن‌ الحسن[7]‌  عن‌ أبي‌ زكريا، عن‌ رجل‌ ثقة‌، عن‌ كميل‌ بن‌ زياد، يعني‌ ما نقّلنا عن‌ الصدوق‌ في‌ «الخصال‌». و مراده‌ من‌ الثقة‌ الذي‌ روي‌ عن‌ كميل‌ إمّا فُضَيل‌ بن‌ خَدِيج‌ بقرينة‌ كون‌ الروايات‌ التي‌ ينقلها عن‌ كميل‌ غالباً ينقلها بواسطة‌ هذا الرجل‌، أو عبدالرحيم‌ بن‌ جُندُب‌ بقرينة‌ سائر الروايات‌ التي‌ نقلت‌ هذ المتن‌ عن‌ كميل‌ بن‌ زياد. و سائر الروايات‌ عن‌ هذا الشخص‌. و الرجل‌ الثقة‌ لايعدو هذين‌ الشخصين‌، و كلاهما شخصان‌ معتبران‌.

 و كذلك‌ ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ الشيخ‌ المفيد في‌ «الامالي‌» في‌ المجلس‌ التاسع‌ و العشرين‌. [8] و كذلك‌ نقلها أبو نعيم‌ الإصفهاني‌ (جدّ المجلسي‌) في‌ «حليَةُ الاولياء» [9]

 و ينقل‌ هذ الرواية‌ جدّنا العلاّمة‌ محمّد باقر المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ «بحار الانوار» في‌ باب‌ «أصناف‌ الناسِ فِي‌ العِلِم‌ وَ فَضلُ حُبِّ العُلَماء» عن‌ «الخصال‌» و «تحف‌ العقول‌» و «الغارات‌» و «نهج‌ البلاغة‌» و يورد عليها شرحاً جيداً و نافعاً، و يضيف‌ في‌ آخرها قوله‌:

 «وَ إِنَّمَا بَيِّنّا هَذَا الْخَبَرَ قَلِيلاً مِنَ التَّبئِينِ، لِكَثْرَةِ جَدْواهُ لِلطَّالِبِينَ، وَ يَنْبَغِي‌ أَنْ يَنْظُرُوا فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ بِنَظَرِ الْيَقِينِ، وَ سَنوضِحُ بَعْضَ فَوائِدِ فِي‌ كِتَابِ «الإمَامة‌» إنْ شاء اللَهُ تَعَالَي‌». [10]

 و يقع‌ (كتاب‌ الإمامة‌ في‌ المجلد السابع‌ من‌ البحار) يقول‌ المجلسي‌ في‌ باب‌ «الاضطرار إلي‌ الحجة‌» بعد أن‌ أورد كلام‌ الصدوق‌ في‌ «إكمال‌ الدين‌» بأسانيده‌ المتعدّدة‌:

 «قَدْ مَرَّ هَذَا الْخَبَرُ وَ أَسانِيدُهُ فِي‌ بَابِ فِضْلِ الْعِلْم‌» (والذي‌ هو في‌ الاوّل‌ من‌ «بحار الانوار»)

 ثمّ يشير هنا إلي‌ أنّه‌ يوجد نظير هذه‌ الرواية‌ في‌ «المحاسن‌» للبرقي‌ و «السرائر» لابن‌ ادريس‌ الحلّيّ. و ان‌ هذان‌ العظمان‌ قد نقلا هذه‌ الرواية‌. [11]

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌ «تحف‌ العقول‌» و «أمالي‌ المفيد» و «حلية‌ الاولياء»

 و عدا عن‌ هذه‌ المصادر التي‌ ذكرناها أيضاً فانّ الحافظ‌ رجب‌ البُرسي‌ ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ كتاب‌ «مَشارقُ أنوارِ اليقين‌» [12]  و الغزالي‌ في‌ «إحياء العلوم‌»[13] ، و الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ «الامالي‌»[14] ، و النُعماني‌ في‌ «الغيبة‌» [15]، و الشيخ‌ البهائي‌ في‌ «الاربعين‌» الحديث‌ الثالث‌ و الثلاثين‌[16] ، واليعقوبي‌ في‌ «تاريخه‌» [17] ، و سبط‌ بن‌ الجوزي‌ في‌ «تذكرةُ الخواصّ»[18] ، و ابن‌ عبد رَبّه‌ الاندلُسي‌ في‌ «العِقْدُ الفريد». [19]

 هذا من‌ ناحية‌ البحث‌ في‌ سند الرواية‌. و بناءٍ علي‌ التحقيق‌ الذي‌ بيّناه‌ فقد ظهر أنّه‌ لايمكننا أن‌ نجد سنداً أفضل‌ من‌ هذا السند، بل‌ لو لم‌ تكن‌ جميع‌ هذه‌ الاسانيد التي‌ ذكرتها لكم‌ إلاّ «نهج‌ البلاغة‌» لكان‌ كافياً، لانّ «نهج‌ البلاغة‌» من‌ أكثر الكتب‌ الشيعة‌ الاعتباراً. و للسيّد الرضيّ تغمَّده‌ اللهُ برحمته‌ المنة‌ علي‌ جميع‌ الشيعة‌ بسبب‌ جمعه‌ المنتخب‌ من‌ كلمات‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. كما إنّ صدق‌ و علم‌ و دراية‌ و جلالة‌ و عظمة‌ السيّد رضوان‌ الله‌ عليه‌ هي‌ في‌ درجة‌ يخضع‌ له‌ فيها الاجلاّ و الاعلام‌ و يجلسون‌ علي‌ الارض‌ تأدّباً بين‌ يديه‌، و يذكرون‌ اسمه‌ جميعاً مع‌ الإجلال‌ و التعظيم‌.

 و «نهج‌ البلاغة‌» الذي‌ جُمع‌ بواسطة‌ هذ الرجل‌ العظيم‌ له‌ هذه‌ الخصوصيّة‌. و لا محلّ للكلام‌ في‌ اعتباره‌.

 و عدا عن‌ «نهج‌ البلاغة‌» مع‌ هذه‌ الاسانيد المختلفة‌ التي‌ بيّناها هنا عن‌ أشخاص‌ أمثال‌ محمّد بن‌ عليّ بن‌ بابويه‌ (الشيخ‌ الصدوق‌) في‌ «الخصال‌» و «إكمال‌ الدين‌»، و ابن‌ شُعبة‌ الحرّاني‌ في‌ «تحف‌ العقول‌»، و إبراهيم‌ بن‌ محمّد الثقفي‌ في‌ «الغارات‌»، و الشيخ‌ المفيد في‌ «الامالي‌»، و أبونعيم‌ في‌ «حلية‌ الاولياء»، و العلاّمة‌ المجلسي‌ في‌ موضعين‌ من‌ «بحار الانوار» و مع‌ هؤلإ الاشخاص‌ الذين‌ ذكروا أخيراً، فانّ هذه‌ الرواية‌ ستكون‌ من‌ ناحية‌ السند في‌ غاية‌ الاتّقان‌ و لايكون‌ فيها أي‌ موضع‌ للشكّ.

 و بعد أن‌ بينّنا هذا السند الممدوح‌ و القوّي‌ لانجد فيه‌ مكاناً للبحث‌. بل‌ يمكن‌ القول‌ أنّ هذه‌ الروايد من‌ الروايات‌ التي‌ رويت‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بنحو استفاضة‌. عدا أنّ متنها يدلّ مباني‌ رشيقة‌ و معاني‌ بديعة‌ و حقائق‌ (عالية‌ و دقائق‌ سامية‌، ممّا لا يمكن‌ أن‌ تخطر أبداً علي‌ قلب‌ اُحد إلاّ من‌ كان‌ في‌ معدن‌ الولاية‌ و علي‌ دوحة‌ الإمامة‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌.

 و أمّا من‌ ناحية‌ الدلالة‌: فإنّ استفادتنا في‌ مجال‌ دلالد هذ الخبر علي‌ ولاية‌ الفقيه‌ هو من‌ تلك‌ الجملات‌ الاخيرة‌، حيث‌ يقول‌ عليه‌ السلام‌.

 اللَّهُمَّ بَلَي‌ لاَ تَخْلُو الاْرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أوْ خَائِفَاً مَغْمُوراً. إلَي‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌: أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي‌ أَرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلَی‌ دِينِهِ؛ أهٍ أهٍ ! شَوْقاً إلَی‌ رُؤيَتِهِم‌».

 لقد قال‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ صدر هذا الحديث‌ «النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيُّ، وَ متَعَلِّمٌ عَلَی‌ سَبِيلِ نَجَاةٍ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ» و بعد إخراج‌ الاصناف‌ الاربعة‌ من‌ العلماء الذين‌ يعتبرهم‌ في‌ الحقيقة‌ من‌ الهمج‌ الرعاع‌، و يري‌ أنّ نقل‌ علومه‌ الشريفة‌ إليهم‌ ضياع‌، فانّه‌ يقوم‌ بنقل‌ صفات‌ العلماء الربانييّن‌ فيقول‌: إنّما يحمل‌ علومنا من‌ كان‌ يمتلك‌ هذه‌ الصفات‌: «اُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي‌ أَرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلَي‌ دِينِهِ».

 و بحسب‌ رواية‌ تحف‌ العقول‌: «أُمَناءذ اللَهِ فِي‌ خَلْقِهِ وَ سُرُجُهُ فِي‌ بَلادِهِ» حيث‌ إنّه‌ قد اُضيفت‌ إليها هاتان‌ الجملتان‌ أيضاً. فهؤلإ هم‌ الدّعاة‌ الي‌ دين‌ الله‌: «آهٍ آهٍ ! شوْقاً إلَي‌ رؤيتهِم‌».

 و جملة‌ «أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي‌ أَرْضِهِ»: تدلّ علي‌ منصب‌ ولاية‌ الفقيه‌،أي‌ أنّ هؤلإ خُلفَاء الله‌، فخليفة‌ الله‌ يعني‌ المرءأة‌ الكاملة‌ في‌ إظهارها. فحيث‌ لفظ‌ «الخليفة‌» فانّه‌ يُستفاد منه‌ أيضاً جميع‌ المناصب‌ اللازمة‌ للخليفة‌، كما أنّ أميرالمؤمنين‌ استعمل‌ لفظ‌ «الخليفة‌» في‌ حقّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌.

 «خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ» أو «خَلِيفَةُ اللَهِ» معناها أنّ وجود ذاك‌ الشخص‌ بكامل‌ المعني‌ ـ كأنّه‌ هو ـ خليفة‌ الله‌ علي‌ الارض‌، أي‌ الله‌ الذي‌ يريد حكم‌ الارض‌ و هداية‌ الناس‌ الي‌ طريق‌ السعادة‌ و إيصالهم‌ الي‌ الجنّة‌ و حفظهم‌ من‌ المهلكات‌ و من‌ شرّ الشيطان‌، و إطلاعهم‌ علي‌ المنجيات‌ و المهلكات‌، و ابعادهم‌ عن‌ المفاسد. فأولئك‌ الاشخاص‌ الذين‌ هم‌ خلفاء الله‌ في‌ الارض‌ و الادلإ علي‌ الله‌ هم‌ أيضاً أشخاص‌ يمتلكون‌ هذه‌ الصفات‌، و هذا الكلمة‌ تدلّ علي‌ ولايتهم‌.

 و هذه‌ الفقرات‌ لاتختصّ بالإمام‌ المعصوم‌، و إنّما تشمل‌ الإمام‌ المعصوم‌ كما تشمل‌ سائر العلماء الربانيّين‌ في‌ أي‌ زمان‌ كان‌. و هذا دليل‌ قوي‌ علي‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

الی المجلد الثانی

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ جزء من‌ الآية‌  42 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[2] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الحكم‌، الحكمة‌  147؛ و في‌ الطبعة‌ المصرية‌ فتعليقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌  2 ، ص‌  171 ، إلي‌  174

[3] ـ ورد في‌ «الخصال‌» الطبع‌ الحديث‌ هكذا: عن‌ سفيان‌ بن‌ وكيع‌، عن‌ أبيه‌.

[4] ـ «الخصال‌» الطبعة‌ الحجرية‌، ص‌  87  و  88. و في‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌، مطبعة‌ الصدوق‌، ص‌  186  ورد هكذا:  ليتّخذه‌ الضعاف‌ءُ وليجةً.

[5] ـ «تحف‌ العقول‌»، طبع‌ مكتبة‌ الصدوق‌، ص‌  169  إلي‌  171

[6] ـ كتاب‌ «الغارات‌» من‌ نفائس‌ كتب‌ الشيعة‌ التي‌ يروي‌ عنها كبار علمائنا في‌ كتبهم‌ و قد نقلت‌ مطالب‌ من‌ ذلك‌ الكتاب‌ في‌ كثير من‌ كتب‌ القدماء، لكن‌ اصل‌ الكتاب‌ لم‌ يكن‌ في‌ متناول‌ اليد، و كانت‌ نسخه‌ نادرة‌ إلي‌ درجة‌ ظن‌ معها بعض‌ المتتبعين‌ أنها قد فقدت‌ من‌ الدنيا، و أن‌ الذي‌ وصل‌ الينا هو ما نقل‌ عنه‌ مما نقله‌ أشخاص‌ مثل‌ المجلسي‌ و آخرون‌ عن‌ «الغارات‌». و لكن‌ و لله‌ الحمد و له‌ الشكر ثمّ الحصول‌ علي‌ هذا الكتاب‌ قبل‌ حوالي‌ خمس‌ و تلاشين‌ سنة‌ من‌ خلال‌ التوصل‌ إلي‌ نسخته‌ الوحيدي‌ في‌ الدنيا في‌ قصة‌ يطول‌ شرحها، و من‌ ثمّ طُبع‌ في‌ مجلدين‌، و هو الآن‌ متوفّر.و هو كتاب‌ نفيس‌ و متقن‌ للغاية‌. و يمكن‌ عدُّه‌ من‌ مفاخر الشيعد حقا. و من‌ الاسانيد التي‌ يستطيع‌ الشيعة‌ الاعتماد عليها،.... و مضامينه‌ كلها معتبرة‌ جميعاً.

[7] ـ «الغارات‌» ج‌  1 ، ص‌  147  إلي‌  155

[8] ـ «الامالي‌» للمفيد، طبع‌ النجف‌، ص‌  146

[9] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌  1 ، ص‌  79  و  80

[10] ـ «بحار الانوار»، طبع‌ كمپاني‌، ج‌  1 ، ص‌  59  إلي‌  61

[11] ـ «بحار الانوار» طبع‌ الكمباني‌، ج‌  7 ، ص‌  10  و  11. و في‌ الطبع‌ الحروفي‌، ج‌  3 ، من‌ صفحة‌  45  إلي‌  48

[12] ـ طبع‌ بمبّي‌، ص‌  146

[13] ـ ج‌  1 ، ص‌  43

[14] ـ الطبعة‌ الحجرية‌، ص‌  13

[15] ـ الطبعة‌ الحجرية‌، ص‌  4  و  7

[16] ـ الطبعة‌ الحجرية‌، الصفحات‌ غير مرقّمة‌، حديث‌  36

[17] ـ طبع‌ بيروت‌، دار صادر ـ دار بيروت‌، ج‌  2 ، ص‌  205  و  206

[18] ـ الطبعة‌ الحروفية‌، مكتبة‌ نينوي‌ الحديثة‌، ص‌  141  و  142

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com