بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الثالث: فضیل بن عیاض، ولایة المؤمنین

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

خطبة‌ «نهج‌ البلاغة‌»: وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِي‌َّ بِرَسُولِ اللَهِ...

 يوجد في‌ بعض‌ الروايات‌ رموز من‌ هذا القبيل‌ ممّا قد بيّنه‌ الائمّة‌ الاطهار لبعض‌ خواصّهم‌ علی‌ أساس‌ ذلك‌ السير الذي‌ استلمه‌ كلّ واحد من‌ الائمّة‌ عن‌ الآخر وصولاً إلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ورسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌.

 ورد في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »:

 وَاللَهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ! وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِي‌َّ بِرَسُولِاللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ. أَلاَ وَإنِّي‌ مُفْضِيهِ إلَی‌ الخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ. وَالَّذِي‌ بَعَثَهُ بِالحَقِّ وَاصْطَفَاهُ عَلَیالخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إلاَّ صَادِقاً. وَقَدْ عَهِدَ إلَی‌َّ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَمَنْجَي‌ مَنْ يَنْجُو، وَمَآلِ هَذَا الاَمْرِ. وَمَا أَبْقَي‌ شَيْئاً يَمُرُّ عَلَیرَأْسِي‌ إلاَّ أَفْرَغَهُ فِي‌ أُذُنَي‌َّ وَأَفْضَي‌ بِهِ إلَی‌َّ ـ الخطبة‌. [1]

 أي‌ أ نِّي‌ لو شئت‌ لاخبرت‌ كلّ واحد منكم‌ بالطريق‌ الذي‌ جاء به‌ وبالطريق‌ الذي‌ يذهب‌ منه‌، وعن‌ مبدئه‌ ومنتهاه‌، وعن‌ جميع‌ شؤونه‌ وحالاته‌ وكيفيّاته‌ وموقعه‌ وظاهره‌ وباطنه‌.

 وخلاصة‌ الامر، عن‌ جميع‌ أفكاره‌ ونيّاته‌ وأُموره‌ المتغيّرة‌، لكنّي‌ أخاف‌ إن‌ أخبرتكم‌ بذلك‌ أن‌ تكفروا في‌ّ برسول‌ الله‌، أي‌ تدعوا رسول‌الله‌ جانباً وتقولوا إنَّ كلّ ما هنالك‌ فهو عند علی‌ّ، فإنَّ هذه‌ الاُمور التي‌ يُخبر بها علی‌ّ لم‌يخبر بها النبي‌ّ؛ وعلیه‌، فالاصل‌ هو علی‌ّ، والنبي‌ّ شخصيّة‌ لاحساب‌ لها!

 مع‌ أنَّ الامر ليس‌ كذلك‌، فكلّ ما لدي‌ّ هو من‌ رسول‌ الله‌، وأ نِّي‌ شعاع‌ من‌ النبي‌ّ وتلميذه‌، وقد كان‌ النبي‌ّ أُستاذي‌، لكنّه‌ لم‌ يكن‌ ليظهر أسراره‌، وأنا أيضاً لن‌ أُظهرها وإنَّما أقول‌: لو شئت‌ لاخبرت‌، لكن‌ هل‌ أُخبر بذلك‌؟ كلاَّ؛ فكذا النبي‌ّ لم‌ يخبر به‌ أيضاً؛ لا نَّكم‌ لا تمتلكون‌ القابليّة‌، فلو بيّنتُ لكم‌ شيئاً لاتّخذتموني‌ إلهاً ولانكرتم‌ رسول‌ الله‌ أيضاً.

 ألاَ وَإنِّي‌ مُفْضِيهِ إلَی‌ الخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ. فاعلموا؛ أ نِّـي‌ إن‌ كنت‌ لاأُخبركم‌ فهذا لا يعني‌ أ نِّي‌ لا أُخبر أحداً علی‌ الإطلاق‌، بل‌ إنِّي‌ أُبيِّن‌ هذه‌ الاسرار والمطالب‌ للخواصّ المأمونين‌ الذين‌ لا يكفرون‌ في‌َّ برسول‌الله‌.

 هناك‌ أشخاص‌ معيّنون‌ من‌ الخواصّ ممّن‌ أطمئنُّ إلی‌ إعطائهم‌ هذه‌ المطالب‌ وإيصالها إلی‌ قلوبهم‌ وبيانها لهم‌ وإلقائها علیهم‌، لكنّي‌ لاأطمئنُّ إلیكم‌، عموماً.

 ماذا تريد أن‌ تُبيِّن‌ هذه‌ الرواية‌؟ إنَّها توضّح‌ أنَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ يمتلك‌ أسراراً لا يمتلك‌ الجميع‌ قابليّة‌ تحمّلها، وهو نفسه‌ يقول‌: إنَّي‌ لاأستطيع‌ أن‌ أبوح‌ لكم‌ بذلك‌، إذ إنِّي‌ بهذا أهدم‌ الشريعة‌، كما أ نِّي‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ لا أستطيع‌ أن‌ أتجاهل‌ ذلك‌، لانَّ الهدف‌ من‌ أصل‌ بناء عالم‌ الخلقة‌ هو تربية‌ الإنسان‌ الكامل‌، وكمال‌ الإنسان‌ إنَّما يكون‌ بالعرفان‌ وإدراك‌ الاسرار، بل‌ يجب‌ أن‌ أُوصلها إلی‌ الخواصّ الذين‌ يؤمن‌ ذلك‌ منهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

أبيات‌ مشهورة‌ للإمام‌ زين‌ العابدين‌ في‌ لزوم‌ كتمان‌ السرّ

 ثمّة‌ أشعار للإمام زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌، من‌ المسلّم‌ نسبتها إلیه‌، ذكرت‌ عنه‌ في‌ كتب‌ مختلفة‌، منها كتاب‌ « الوافي‌ » للمرحوم‌ الفيض‌ [2]، في‌ المقدّمة‌، ومنها «الاُصول‌ الاصيلة‌» [3]، وهو كتاب‌ مختصر للمحقّق‌ الفيض‌ أيضاً [4]. كما ذكرها المحقّق‌ الفيض‌ في‌ كتب‌ أُخري‌ مثل‌ «المحجّة‌ البيضاء» [5] و«الكلمات‌ المكنونة‌»[6]؛ وذكرها الآلوسي‌ّ في‌ تفسير « روح‌ المعاني‌ »[7]، والغزّإلی‌ّ والعلاّمة‌ الاميني‌ّ [8] أيضاً عنه‌ علیه‌ السلام‌.

 إنَّ نسبة‌ هذه‌ الاشعار إلی‌ الإمام زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ مسلّمة‌ من‌ طريق‌ الشيعة‌ والسنّة‌ [9]، وهي‌ من‌ الاشعار المعروفة‌ والمشهورة‌، يقول‌ علیه‌ السلام‌:

 إنِّي‌ لاَكْتُمُ مِنْ عِلْمِي‌ جَوَاهِرَهُ                كَي لاَ يَرَي‌ الحَقَّ ذُو جَهْلٍ فَيُفْتِنَنَا

 يقول‌: إنّي‌ لاخفـي‌ تلك‌ الجواهر والنفائس‌ من‌ علمي‌ ولاأُبيّنها لكي‌ لايطّلع‌ علیها الاشخاص‌ الذين‌ لا يتمكّنون‌ من‌ استيعابها، إنَّ أفكاري‌ وعلمي‌ وجواهري‌ تلك‌ هي‌ عين‌ الحقّ، لكنّي‌ أُخفي‌ هذا الحقّ لكي‌ لايطّلع‌ علیه‌ رجل‌ جاهل‌، إذ لو اطلّع‌ علیه‌ فإنَّه‌ يُفتتن‌، ويوقعنا في‌ الفتنة‌ ويثير الفساد والمشاكل‌ والقيل‌ والقال‌، ويخرج‌ نفسه‌ من‌ الإيمان‌، ويسبب‌ الاختلاط‌ في‌ العالم‌، ويجلب‌ لنا المشاكل‌ والصعاب‌ ومشاقّ الاُمور بسبب‌ دعوتي‌ له‌ إلی‌ الحقّ، والحقّ يعني‌ ذلك‌ العلم‌ الحقّ الحقيقي‌ّ، أو التوحيدي‌ّ الواقعي‌ّ الذي‌ لا يستطيع‌ تحمّله‌.

 إنَّ غالب‌ الناس‌ من‌ ذوي‌ الجهل‌ وهم‌ محرومون‌ من‌ هذه‌ المعاني‌ الحقّة‌، ولاطريق‌ لإيصال‌ ذلك‌ لهم‌، لا نَّهم‌ لا يستطيعون‌ إدراكها. ولذا، يكون‌ اطّلاعهم‌ علی‌ هذه‌ الاُمور سبباً للفساد والضياع‌.

 وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي‌ هَذَا أَبُو حَسَنٍ                   إلَی الحُسَيْنِ وَأَوْصَي قَبْلَهُ الحَسَنَا

 وإخفائي‌ لجواهر العلم‌ أمر لا يختصّ بي‌، إذ قد قام‌ بذلك‌ قبلي‌ أبو الحسن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، فهو أيضاً لم‌ يبيّن‌ ذلك‌ لاحد، وأعطي‌ ذلك‌ العلم‌ إلی‌ أبي‌ فقط‌، وكان‌ قد أوصي‌ به‌ قبل‌ ذلك‌ إلی‌ عمّي‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه‌ السلام‌، وأوصاه‌ أيضاً بإخفاء هذا العلم‌ وعدم‌ إيصاله‌ إلی‌ أحد.

 وَرُبَّ جَوْهَرِ عِلْمٍ لَوْ أَبُوحُ              بِهِ لَقِيلَ لِي‌ أَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الوَثَنَا

 وَلاَسْتَحَلَّ رِجَالٌ مُسْلِمُونَ دَمِي‌              يَرَوْنَ أَقْبَحَ مَا يَأْتُونَهُ حَسَنَا

 المراد بجوهر العلم‌ هو العلوم‌ الاصيلة‌ والواقعيّة‌ وغير القابلة‌ للتشكيك‌ والتي‌ تعدّ جميع‌ العلوم‌ في‌ مقابلها اعتباريّة‌ وباطلة‌ ومجازاً، بينما يكون‌ ذلك‌ العلم‌ هو العلم‌ الجوهر، أي‌ العلم‌ الاصيل‌ بالواقع‌ والحقيقة‌. فكم‌ من‌ العلوم‌ التي‌ لو أظهرتها وبيّنتها لاتُّهمتُ بعبادة‌ الاوثان‌ والخروج‌ عن‌ الإسلام! حيث‌ يُتصوّر أن‌ ليس‌ للمسلم‌ مثل‌ هذه‌ العقيدة‌، وما هي‌ إلاّ عقيدة‌ عبدة‌ الاوثان‌! وعندها يستحلّ جماعة‌ من‌ المسلمين‌ دمي‌ ويقتلونني‌، إذ يرونني‌ كافراً بسبب‌ ما أقوله‌!

 وهؤلاء المسلمون‌ يرون‌ قتلي‌ ـالذي‌ هو أسوأ الاعمال‌ـ حسناً، ويقولون‌: إنَّ هذا الرجل‌ كافر ومشرك‌ وعابد للصنم‌؛ فيجب‌ قتله‌ وسفك‌ دمه‌، يجب‌ إزالة‌ هذا القائل‌ بوحدة‌ الوجود عن‌ وجه‌ الارض‌، وتطهير الارض‌ من‌ لوث‌ وجوده‌ لكي‌ لا يظهر بين‌ المسلمين‌ نظير له‌، فيفعلون‌ ذلك‌ العمل‌ مع‌ كونه‌: أَقْبَحَ مَا يَأْتُونَهُ.

 ثمة‌ رجل‌ في‌ عالم‌ الوجود، وهو أنا الإمام علی‌ّ بن‌ الحسين‌، وجميع‌ تلك‌ الحقائق‌ قد أُعطيت‌ لي‌، وقتلي‌ من‌ أسوأ الاعمال‌، مع‌ أنَّ الناس‌ يرونه‌ حسناً، وحتّي‌ أنَّ البعض‌ يأتون‌ بهذا العمل‌ قربة‌ إلی‌ الله‌ بتوهّم‌ أ نَّهم‌ يقومون‌ بإزالة‌ أساس‌ الشرك‌ من‌ الدنيا!

 وعلی‌ هذا فما الذي‌ يجب‌ فعله‌؟ إنِّي‌ لاَكْتُمُ مِنْ عِلْمِي‌ جَوَاهِرَهُ؛ عَلَیأن‌ أكتم‌ جواهر علمي‌ ( العلوم‌ ذات‌ الجوهر، لا كلّ علم‌ ) فإنّي‌ أُبيّن‌ جميع‌ المطالب‌ للناس‌. أُبيّن‌ في‌ هذه‌ الادعية‌ مطالب‌ كثيرة‌ وأتلو الصحيفة‌ السجّاديّة‌ وأُجيب‌ علی‌ أسئلة‌ الناس‌، لكنّي‌ لا أُبيّن‌ تلك‌ الاسرار والدقائق‌ واللطائف‌ إلاّ لاُولئك‌ الخواصّ من‌ الذين‌: يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ يبيّنون‌ الاسرار لخواصّ أصحابهم‌

 وهكذا كان‌ الامر بالنسبة‌ للإمام الباقر علیه‌ السلام‌ مع‌ بعض‌ خواصّ أصحابه‌، وبالنسبة‌ للإمام السجّاد علیه‌ السلام‌ مع‌ الإمام الباقر علیه‌ السلام‌، وعُمل‌ بذلك‌ من‌ بعده‌ بالنسبة‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، فقد كان‌ لهم‌ أيضاً أصحاب‌ خاصّة‌ يبيّنون‌ لهم‌ من‌ تلك‌ الاسرار ويؤكّدون‌ علیهم‌ بعدم‌ إبرازها، فإنَّ هذه‌ الاسرار تختصّ بهم‌. نعم‌؛ يسمح‌ لهم‌ ببيان‌ ذلك‌ في‌ المورد الذي‌ يرون‌ في‌ شخص‌ ما قابليّة‌ لها، وإلاّ فلا.

 وقد كان‌ هؤلاء الاشخاص‌ أُناساً اعتياديّين‌ جدّاً، وكثيراً ما لم‌يكونوا من‌ أهل‌ الكتب‌ والتصنيف‌ أو مشايخ‌ الإجازة‌، وإنَّما كانوا سقّاء في‌ البيت‌ أو حاجباً له‌، لكنّهم‌ كانوا طاهرين‌، ومن‌ أهل‌ العشق‌ وإحياء الليل‌، وخإلین‌ من‌ الاهواء، وكانوا يسمعون‌ أُموراً من‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ فيستوعبونها ويعملون‌ بها؛ لذا، فقد ارتفعت‌ الحجب‌ عن‌ أعينهم‌ واتّصلوا بحقيقة‌ التوحيد، مع‌ أ نَّهم‌ كانوا ـمثلاًـ يأتون‌ الإمام بالماء ويمارسون‌ عمل‌ السقاية‌، ولم‌يكن‌ يطّلع‌ علی‌ الامر أحد.

 يأتي‌ كبار المشائخ‌ وصغارهم‌ ويملؤون‌ بيت‌ الإمام، آلاف‌ من‌ الطلاّب‌ يأتون‌ من‌ البلدان‌ المترامية‌ ويكتبون‌ الحديث‌ دون‌ أن‌ يعرفوا مَن‌ هو ذلك‌ السقّاء في‌ بيت‌ الإمام، ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يأمرونه‌ وينهونه‌، وقد يؤنّبونه‌ فيما لو تأخّر قليلاً في‌ جلب‌ الماء! فلم‌ يعرفوا أ نَّه‌ ممّن‌ قد تجاوز المجرّات‌ وبات‌ يعيش‌ في‌ أعلی‌ علیين‌، وأنَّ علی‌ العديد من‌ أمثالهم‌ أن‌ يستفيدوا من‌ علومه‌.

 لكنّ ما يؤسف‌ له‌ كثيراً هو تكبّر الإنسان‌ الذي‌ لا يستطيع‌ التنازل‌ ولاالتصديق‌ بأنَّ ذلك‌ السقّاء في‌ بيت‌ الإمام علیه‌ السلام‌ الذي‌ يذهب‌ ويملا جرّة‌ الماء يمتلك‌ مقاماً كهذا.

 وكم‌ من‌ هؤلاء السقّائين‌ أيضاً ممّن‌ يأتوننا بالماء أو يكنسون‌ بيوتنا مع‌ أنَّ حالاتهم‌ النفسانيّة‌ والروحيّة‌ وملكاتهم‌ ومعتقداتهم‌ مشابهة‌ ل بايزيد البسطامي‌ّ و معروف‌ الكرخي‌ّ.

 كان‌ بايزيد البسطامي‌ّ ومعروف‌ الكرخي‌ّ من‌ هؤلاء الاشخاص‌، من‌ الذين‌ عدّهم‌ المحدِّث‌ العظيم‌ والخرّيت‌ الجليل‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ رحمة‌الله‌ علیه‌ من‌ الصوفيّين‌ واعتبرهم‌ من‌ زمرة‌ أهل‌ البيت‌، ويقول‌: « كانت‌ لهم‌ تلفيقات‌ وتمويهات‌، وإنَّهم‌ جاؤوا إلی‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ واستفادوا منهم‌ ثمّ خلطوا ذلك‌ بمزخرفاتهم‌ وتمويهاتهم‌ وخدعوا الناس‌ بألفاظ‌ مثل‌: الصَّحْو، والسُّكْر، والعشق‌، والوصل‌، والفراق‌، والمشاهدة‌، والإنّيّة‌، والجذبة‌. » [10]

 وتكون‌ النتيجة‌ أن‌ تمرّ القرون‌ بعد القرون‌، ويمضي‌ أكثر من‌ ألف‌ سنة‌ دون‌ أن‌ تصل‌ يد الإنسان‌ إلی‌ ذرّة‌ من‌ مدارج‌ بايزيد أو معروف‌ تلك‌.

 لماذا نقوم‌ بذلك‌؟ لماذا نعزل‌ أمر هؤلاء بهذا النحو؟ لِمَ لا نُقنِع‌ أنفسنا بأ نَّه‌ من‌ الممكن‌ لشابّ أن‌ يأتي‌ فيخدم‌ في‌ بيت‌ الإمام الصادق‌ أو الرضا علیهما السلام‌ فينال‌ مقامات‌ عإلیة‌ ويصير من‌ خواصّهم‌؟

 يقول‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ « شرح‌ التجريد » في‌ باب‌ الإمامة‌، في‌ شرح‌ كلام‌ الخواجة‌ نصير الدين‌ الطوسي‌ّ رحمه‌ الله‌ «وَتَمَيُّزُهُ بِالكَمالاتِ النَّفْسانيَّةِ وَالبَدَنِيَّةِ وَالخارِجِيَّة‌»، ويتوسّع‌ في‌ الشرح‌ حتّي‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌: وَقَدْ نَشَرُوا مِنَ العِلْمِ وَالفَضْلِ وَالزُّهْدِ وَالتَّرْكِ لِلدُّنْيا شَيْئاً عَظيماً، حَتَّي‌ أَنَّ الفُضَلاَءَ مِنَ المَشايخِ كَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِخِدْمَتِهمْ علیهِمُ السَّلاَمُ. فَأَبُويَزِيدَ البَسْطَامِي‌ُّ كَانَ يَفْتَخِرُ بِأَ نَّهُ يَسْقِي‌ المَاءَ لِدَارِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ علیهِ السَّلاَمُ؛ وَمَعْرُوفٌ الكَرْخِي‌ُّ أسْلَمَ عَلَیيَدَي‌ِ الرِّضَا علیهِ السَّلاَمُ، وَكَانَ بَوَّابَ دَارِهِ إلَی‌ أَنْ مَاتَ؛ وَكَانَ أَكْثَرُ الفُضَلاَءِ يَفْتَخِرُونَ بِالاِنْتِسَابِ إلَیهِمْ فِي‌ العِلْمِ...إلی‌ آخره‌. [11]

 ولقد رأيت‌ نفس‌ هذه‌ المطلب‌ في‌ عبارات‌ الملاّ محمّد تقي‌ ( المجلسي‌ّالاوّل‌) في‌ « رسالة‌ تشويق‌ السالكين‌ » التي‌ كتبها حول‌ لزوم‌ التصوّف‌ والسلوك‌، وأثبت‌ أنَّ حقيقة‌ التصوّف‌ والتشيّع‌ شي‌ء واحد؛ فقد نقل‌ عين‌ هذا المطلب‌ عن‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ في‌ « شرح‌ التجريد ». [12]

 الرجوع الي الفهرس

إمكان‌ كون‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌» من‌ تإلیف‌ فضيل‌ بن‌ عياض‌

كان‌ فُضيل‌ من‌ أعاظم‌ الصوفيّين‌ الحقيقيّين‌ ووثّقه‌ النجاشي‌ّ والشيخ‌

 كان‌ فُضَيل‌ بن‌ عياض‌ من‌ خواصّ أصحاب‌ الإمام جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌. فقد كان‌ في‌ أوّل‌ أمره‌ من‌ اللصوص‌ وقطّاع‌ الطرق‌، وكان‌ يقطع‌ الطريق‌ في‌ نواحي‌ خراسان‌ بين‌ أبيوَرْد وسرخس‌، وقصّته‌ طويلة‌، فلقد وقعت‌ آية‌ من‌ القرآن‌ في‌ قلبه‌ وأحدثت‌ فيه‌ انقلاباً، فسار نحو المدينة‌ إلی‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ وصار من‌ خواصّ أصحابه‌، ومن‌ الزهّاد والصوفيّين‌ بالمعني‌ الحقيقي‌ّ، وذا سيرة‌ طاهرة‌ ومُعرِضاً عن‌ الدنيا، من‌ ذوي‌ المقامات‌ والدرجات‌، بحيث‌ يذكره‌ الجميع‌ شيعة‌ وسنّة‌ بالوثاقة‌ والجلالة‌.

 وعدّة‌ النجاشي‌ّ في‌ « الرجال‌ » من‌ الموثّقين‌ ومدحه‌، كما وثّقه‌ المرحوم‌ المحدّث‌ القمّي‌ّ في‌ « سفينة‌ البحار »، وقال‌ بعد شرح‌ حاله‌: ارتحل‌ عن‌ الدنيا في‌ يوم‌ عاشوراء سنة‌ مائة‌ وسبع‌ وثمانين‌ في‌ مكّة‌.

 جاء فضيل‌ إلی‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ وصار من‌ خاصّة‌ أصحابه‌ وأصحاب‌ سرّه‌، ويذكره‌ الجميع‌ بالعدالة‌ والوثاقة‌، إلی‌ أن‌ استقرّ أخيراً في‌ حرم‌ الامن‌ والامان‌ الإلهي‌ّ بعد أن‌ أفني‌ عمره‌ بالعرفان‌ الإلهي‌ّ والعبور من‌ المهالك‌ النفسيّة‌ والمهلكات‌.

 والآن‌؛ بعد أن‌ وصلنا بالمطلب‌ إلی‌ هنا، نستنتج‌: أ نَّه‌ من‌ المحتمل‌ جدّاً أن‌ يكون‌ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » الذي‌ يشتمل‌ من‌ أوّله‌ إلی‌ آخره‌ علی‌ المطالب‌ العإلیة‌ والراقية‌ والدقيقة‌ ويدلّنا علی‌ طريق‌ النجاة‌، ويشير إلی‌ الرموز العرفانيّة‌ والنفسانيّة‌، والمبوّب‌ في‌ مائة‌ باب‌ من‌ الابواب‌ المختلفة‌ ( مثل‌ باب‌ الخشية‌، والخضوع‌، والصلاة‌، والتكبير، وغيرها ) أن‌ يكون‌ من‌ كلمات‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ وقد علّمه‌ لمثل‌ فُضيل‌، وقام‌ فُضيل‌ بكتابته‌ باسم‌ « قَالَ الصَّادِقُ » من‌ غير أن‌ يذكر اسمه‌ هو.

 وقد أُ لِّفت‌ الكثير من‌ الكتب‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ من‌ غير أن‌ يذكر مؤلّفوها أسماءهم‌، وامتنع‌ بعض‌ الاجلاّء عن‌ ذكر اسمه‌ لمعالجة‌ حبّ الظهور، ولذا يبقي‌ الكتاب‌ من‌ دون‌ هويّة‌، وهذه‌ خسارة‌ أيضاً بالنسبة‌ للاجيال‌ القادمة‌، حيث‌ سيواجهون‌ المشاكل‌ في‌ سبيل‌ معرفة‌ هويّة‌ الكتاب‌.

 فلابدّ من‌ ذكر اسم‌ المؤلّف‌ علی‌ الكتاب‌، لا نَّه‌ قد تطغي‌ الشهرة‌ علی‌ كتاب‌ ما إلیوم‌ مع‌ معرفة‌ مؤلّفه‌ من‌ خلال‌ بعض‌ القرائن‌، ولكن‌ ما أن‌ يمضي‌ علی‌ الكتاب‌ قرن‌ من‌ الزمان‌، فسيصبح‌ من‌ الكتب‌ المجهولة‌ المؤلّف‌ ويسقط‌ عن‌ درجة‌ الاعتبار، لانَّ اسم‌ المؤلّف‌ لم‌ يكن‌ مكتوباً علیه‌.

 ولذا، نري‌: أنَّ بعض‌ الاجلّة‌ من‌ العلماء، مثل‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ والعلاّمة‌ الحلّي‌ّ والصدوق‌ كانوا يكتبون‌ أسماءهم‌ علی‌ كتبهم‌ باستمرار؛ ومن‌ الاجزاء الثمانية‌ للعلوم‌: بيان‌ اسم‌ المؤلّف‌ والمصنّف‌؛ فيشخّص‌ وضعه‌ ومستواه‌ فيما لو كان‌ قد حُذف‌ اسمه‌ بواسطة‌ خصوصيّاته‌ وأحواله‌ التي‌ تتحصّل‌ من‌ كتب‌ الرجال‌، ويشخّص‌ وضع‌ كتابه‌ أيضاً ودرجة‌ اعتباره‌.

 لكنَّ البعض‌ فيما مضي‌ لم‌ يكونوا يقومون‌ بذلك‌، ومن‌ هنا صارت‌ هناك‌ كتب‌ مجهولة‌ المؤلّف‌ وبعد مضي‌ قرن‌ صار الناس‌ يبحثون‌ عن‌ مؤلّفيها دون‌ جدوي‌.

 وعلیه‌، فلا يبعد أبداً أن‌ يكون‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » من‌ إملاء الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقام‌ الفُضيل‌ أو أمثاله‌ بكتابته‌، وخصوصاً فُضيل‌ الحائز علی‌ الخصوصيّات‌ والمقامات‌ والدرجات‌ التي‌ ذُكرت‌ عنه‌.

 يقول‌ المرحوم‌ النوري‌ّ: إنَّ لفضيل‌ نسخة‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وهو من‌ ضمن‌ أُولئك‌ الاشخاص‌ الستّة‌ الذين‌ ذكر النجاشي‌ّ والشيخ‌ أن‌ لهم‌ نسخاً عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌، دون‌ أن‌ تصل‌ هذه‌ النسخ‌ إلی‌ أيدينا. فمن‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » هو تلك‌ النسخة‌ التي‌ كتبها فُضيل‌.

 وبالطبع‌، وكما بيّنا، فلا يمكن‌ أن‌ يكون‌ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » بقلم‌ نفس‌ الإمام، لما ذُكر في‌ صدر الكتاب‌، قوله‌: « الإمام الحاذق‌... جعفربن‌ محمّدالصادق‌» وفي‌ صدر أبوابه‌ أيضاً: « قال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ » ولكن‌، ما الإشكال‌ في‌ الالتزام‌ بـ: أنَّ إملاء وإنشاء الكتاب‌ من‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ شخص‌ آخر قد قام‌ بكتابته‌.

 وكما يقول‌ العلاّمة‌ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌، فإنَّ فُضيل‌ كان‌ يشارك‌ في‌ المجالس‌ الخاصّة‌ للإمام علیه‌ السلام‌، وكان‌ يستفيد من‌ مواعظه‌ ونصائحه‌؛ فما الإشكال‌ فيما لو قام‌ بتبويب‌ تلك‌ المواعظ‌ والنصائح‌ بنفسه‌ ونسبها للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ باعتبار أنَّ الكلام‌ هو كلام‌ الإمام علیه‌ السلام‌.

 وكونه‌ قد أورد بعض‌ المطالب‌ بعنوان‌: « قالَ سُفيانُ بنُ عُيَيْنَة‌ أو قَالَ رَبِيعُبنُ خُثَيْم‌ » لا يُنافي‌ كونه‌ من‌ تإلیفه‌ ولم‌ يكن‌ من‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، بل‌ نقل‌ المطالب‌ بشكل‌ عامّ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌؛ غاية‌ الامر، أ نَّه‌ يذكر أحياناً مطلباً من‌ عنده‌ كتأييد بعنوان‌: « قال‌ فلان‌ »، وهذا ممّا لاإشكال‌ فيه‌.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فحيث‌ إنَّ فُضيل‌ رجل‌ جليل‌ ومن‌ أهل‌ الوثوق‌ وجميع‌ العلماء قد عرفوه‌ بالوثاقة‌، فلا يُحتمل‌ في‌ حقّه‌ الكذب‌ والتزوير والتمويه‌ أبداً. فإذا كان‌ هذا الكتاب‌ من‌ فُضيل‌ فإنَّ تلك‌ المطالب‌ التي‌ نقلها من‌ سُفيان‌ وأمثاله‌ تكون‌ من‌ مطالبه‌ هو، لا حكاية‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌. وهذا لا ينافي‌ مع‌ نسبة‌ الكتاب‌ للإمام، لانَّ موارد وعبارات‌ غير الإمام مشخّصة‌.

 بناءً علی‌ هذا، يمكننا القول‌: من‌ الممكن‌ أن‌ لا يكون‌ هذا الكتاب‌ قد كُتب‌ في‌ زمان‌ الإمام علیه‌ السلام‌، بل‌ كُتب‌ بعده‌، لانَّ فُضيل‌ قد عاش‌ حوإلی‌ أربعين‌ سنة‌ بعد الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌. وتوجد بين‌ سنتي‌ 148 ـ حيث‌ توفّي‌ الإمام ـ و187، 39 سنة‌، فقام‌ خلال‌ هذه‌ المدّة‌ بتتميم‌ كلمات‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ التي‌ كتبها سابقاً، مع‌ ضمّ بعض‌ الاُمور والعبارات‌ عن‌ الآخرين‌، وسلّمها بصورة‌ هذا الكتاب‌ إلی‌ أُولئك‌ الخواصّ من‌ الاصحاب‌، لكي‌ يأخذوها ويعملوا بها ويصلوا إلی‌ حقائقها.

 ويكون‌ محصّل‌ بحثنا علی‌ هذا النحو: لا يمكن‌ أن‌ ننسب‌ هذا الكتاب‌ تحقيقاً وبشكل‌ جازم‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، لا نَّنا لانمتلك‌ علماً وجدانيّاً بذلك‌، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ أيضاً لا نستطيع‌ أن‌ ننفيه‌ عن‌ الإمام الصادق‌ ولو بواسطة‌ فُضيل‌، لا نَّنا لا نمتلك‌ دليلاً علی‌ النفي‌، لكن‌ حيث‌ إنَّ مطالبه‌ عإلیة‌ جدّاً ونفيسة‌ وأخلاقيّة‌، وبشكل‌ عامّ فهذه‌ المطالب‌ العإلیة‌ لايمكن‌ بيانها بهذه‌ اللطافة‌ إلاّ من‌ قبل‌ معدن‌ النبوّة‌ ( لانَّ قائلها يجب‌ أن‌ يكون‌ شخصاً عارفاً وفقيهاً وشيعيّاً إماميّاً بشكل‌ قاطع‌ ) فعلی‌ هذا، يمكننا العمل‌ به‌؛ وهذا الكتاب‌ أيضاً له‌ حجّيّة‌ بهذه‌ الحدود. كما أنَّ السيّد ابن‌ طاووس‌ رحمة‌الله‌ علیه‌، وكذلك‌ الشهيد الثاني‌، والكفعمي‌ّ، والمجلسي‌ّ الاوّل‌، وابن‌ فهد، والسيّد القزويني‌ّ أُستاذ بحر العلوم‌، والحاجّ المولي‌ مهدي‌ النراقي‌ّ، والمحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ، وجمع‌ آخر من‌ الاجلّة‌ قد اعتبروا هذا الكتاب‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، ونقلوا من‌ رواياته‌ عنه‌ علیه‌ السلام‌. وعُدَّ من‌ أفضل‌ الكتب‌ في‌ السير والسلوك‌ والاخلاق‌.

 الرجوع الي الفهرس

يشترط‌ في‌ الإفتاء إلیقين‌ ونور الباطن‌ إضافة‌ إلی‌ الاجتهاد الظاهري‌ّ

يجب‌ أن‌ تكون‌ الفتوي‌ معاينة‌

 وعلی‌ هذا الاساس‌ يتّضح‌ وزان‌ وموقع‌ الرواية‌ التي‌ كانت‌ شاهداً لنا ( التي‌ أوردنا البحث‌ في‌ سند « مصباح‌ الشريعة‌ » من‌ أجل‌ إثبات‌ سندها ) وهي‌:

 قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ: لاَ تَحِلُّ الفُتْيَا لِمَنْ لاَيَسْتَفْتِي‌ مِنَ اللَهِ بِصَفَاءِ سِرِّهِ، وَإخْلاَصِ عَمَلِهِ وَعَلاَنِيَتِهِ، وَبُرهَانٍ مِنْ رِبِّهِ فِي‌ كُلِّ حَالٍ.

 إنَّ هذا المطلب‌ راقٍ جدّاً، وإن‌ كان‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ رحمه‌ الله‌ قد فسَّر جملة‌: وَمَنْ حَكَمَ بِخَبَرٍ بِلاَ مُعَايَنَةٍ فَهُوَ جَاهِلٌ مَأْخُوذٌ بِجَهْلِهِ وَمَأْثُومٌ بِحُكْمِهِ بهذا النحو:

 يحكم‌ المفتي‌ ويفتي‌ من‌ دون‌ أن‌ يفهم‌ معني‌ الخبر ويعلم‌ وجه‌ صدوره‌ ومن‌ دون‌ أن‌ يكون‌ عارفاً بوجه‌ جمع‌ هذا الخبر مع‌ الاخبار الاُخري‌ في‌ صورة‌ المخالفة‌ والتعارض‌ من‌ أي‌ّ جهة‌ كانت‌. [13]

 لكنَّ الرواية‌ في‌ مقام‌ بيان‌ مطلب‌ آخر، فهي‌ تريد أن‌ تقول‌: إذا كان‌ المُفْتِي‌ مطّلعاً علی‌ الاُمور الظاهريّة‌ فقط‌، وعارفاً بموارد التعادل‌ والتراجيح‌ بشكل‌ كامل‌، وقادراً علی‌ تشخيص‌ موارد التقيّة‌ من‌ غيرها بشكل‌ جيّد، إضافة‌ إلی‌ فهمه‌ كلمات‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ بشكل‌ جيّد أيضاً، أي‌ أ نَّه‌ مسلّط‌ علی‌ العلوم‌ الاصطلاحيّة‌ الظاهريّة‌ بشكل‌ كامل‌؛ فهذا أيضاً لايكفي‌.

 فالمُفْتِي‌ يحتاج‌ إلی‌ شي‌ء آخر، وهو أن‌ يستفتي‌ من‌ قلبه‌، ويسأل‌ الله‌ تعإلی‌ عن‌ صحّة‌ هذا المطلب‌ وعدمه‌، ويجد في‌ قلبه‌ أنَّ الامر كذلك‌، فيطمئنّ ويخرج‌ من‌ الحيرة‌ والشكّ، وعندما يحصل‌ ذلك‌ المطلب‌ أيضاً يكون‌ عين‌ الشريعة‌ ولايتجاوزها.

 أي‌ إضافة‌ إلی‌ وجوب‌ كون‌ المصداق‌ الحقيقي‌ّ لـ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَي‌ حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي‌ حَلاَلِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، ووجوب‌ كونه‌ مطّلعاً علی‌ العلوم‌ الاصطلاحيّة‌ الظاهريّة‌ والقرآن‌ أيضاً، لكي‌ يتمكّن‌ من‌ الإجابة‌ والدفاع‌ عن‌ فتواه‌ بأدلّة‌ القرآن‌ والسنّة‌ الصحيحة‌، بالإضافة‌ إلی‌ ذلك‌ يجب‌ أن‌ يستفتي‌ الله‌ في‌ قلبه‌، ويسأل‌ قلبه‌ وضميره‌ ويُلهم‌ في‌ قلبه‌، ويتّضح‌ له‌ من‌ عالم‌ الغيب‌ أنَّ الامر بهذا النحو، فهذا يسمّي‌: صَفَاءُ السِّرِّ.

 وهذا الامر مهمّ جدّاً، فيجب‌ علی‌ الإنسان‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ الاطمئنان‌ وإلیقين‌ عند إقدامه‌ علی‌ أي‌ّ عمل‌. فالإفتاء وانطلاقاً من‌ الروايات‌ فقط‌، بأن‌ يضع‌ الإنسان‌ الروايات‌ المتعارضة‌ إلی‌ جانب‌ بعضها ثمّ يختار أحد المتعارضين‌ من‌ خلال‌ قاعدة‌ التعادل‌ والتراجيح‌ أو قاعدة‌ العامّ والخاصّ ومعرفة‌ الناسخ‌ والمنسوخ‌ وأمثال‌ ذلك‌، أو يتوصّل‌ إلی‌ فتوي‌ ونظريّة‌ ما بواسطة‌ ترجيح‌ بعض‌ الروايات‌ علی‌ بعضها الآخر بمرجّحات‌ من‌ باب‌ التزاحم‌، ويدّعي‌ قاطعاً بأنَّ المطلب‌ بهذا النحو ( مع‌ أ نَّه‌ لا يكون‌ قادراً علی‌ الخروج‌ من‌ عهدة‌ ذلك‌، ولا يستطيع‌ أن‌ يُقسم‌ علیه‌ أيضاً ) فالفتوي‌ بهذا الشكل‌ أمر غيرصحيح‌، وهو بمجرّده‌ لا يكفي‌، وإنَّما علی‌ المفتي‌ أن‌ يفتي‌ عن‌ اطمئنان‌، وأن‌ تكون‌ تلك‌ الفتوي‌ توأماً مع‌ مدركاته‌ القلبيّة‌ والسرّيّة‌ إضافة‌ إلی‌ مدركاته‌ الفكريّة‌. ولذا، لم‌ يكن‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ يفتي‌، وكان‌ يقول‌: إنّي‌ عاجز عن‌ أمر نفسي‌ فكيف‌ أقوم‌ بأُمور الناس‌.

 ويقول‌ في‌ كتاب‌ « كشف‌ المحجّة‌ » لابنيه‌ ( محمّد وعلی‌ّ ) اللذين‌ كانا طفلين‌ صغيرين‌، وقد كتب‌ لهما هذا الكتاب‌ علی‌ نحو الوصيّة‌: لقد طُلب‌ منّي‌ الفتوي‌ لكنّي‌ لم‌ أقم‌ بذلك‌، وذلك‌ لا نّي‌ وصلت‌ إلی‌ هذه‌ الآية‌ من‌ القرآن‌ حيث‌ يقول‌ الله‌ لحبيبه‌ النبي‌ّ:

 وَلَوْ تَقَوَّلَ علینَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِإلیمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم‌ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـ'جِزِينَ. [14]

 فعندما يهدّد الله‌ تعإلی‌ نبيّه‌ بآية‌ كهذه‌، فماذا بمقدوري‌ أن‌ أفعل‌؟! وكيف‌ سيعاملني‌ الله‌؟! الإفتاء هو نسبة‌ أمر إلی‌ الله‌، أي‌ ادّعاء أنَّ الله‌ يقول‌ كذا، والنبي‌ّ يقول‌ كذا، وما لم‌ يصل‌ الإنسان‌ إلی‌ مرحلة‌ إلیقين‌، فالامر مشكل‌ جدّاً.

 ولذا، فهناك‌ عبارة‌ في‌ « المصباح‌ » يقول‌ فيها: إنَّ الفتوي‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ معاينة‌، أي‌ يري‌ أنَّ الله‌ تعإلی‌ يقول‌ ذلك‌. وعلی‌ هذا الاساس‌ كان‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ يفتون‌، فقد كانوا بهذا النحو، والنبي‌ّ كان‌ كذلك‌ أيضاً، وأُولئك‌ الفقهاء الاصيلون‌ كالسيّد ابن‌ طاووس‌ كانوا بهذا النحو، أي‌ أ نَّهم‌ كانوا يفتون‌ بعد أن‌ يدركوا المطلب‌ بالمعاينة‌، وإلاّ امتنعوا عن‌ ذلك‌.

 وكان‌ هذا هو السبب‌ في‌ امتناع‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ وبعض‌ الاجلّة‌ عن‌ الفتوي‌. ومعلوم‌ أنَّ أسباب‌ الامتناع‌ عن‌ الفتوي‌ كثيرة‌، وما ذُكِر واحد منها، فكان‌ هؤلاء يعملون‌ في‌ الكثير من‌ المسائل‌ التي‌ يمتلكون‌ إلیقين‌ اتّجاهها، بينما كانوا يمتنعون‌ عن‌ الإفتاء في‌ الكثير من‌ المسائل‌ التي‌ لم‌ تكن‌ يقينيّة‌ بالنسبة‌ لهم‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الثامن‌ والعشرون‌:

 ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ وبيان‌ حقيقة‌ ولاية‌ الفقيه‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

معني‌ حقيقة‌ الولاية‌ وولاية‌ الحيوانات‌ والبهائم‌ علی‌ أبنائها

 يدور البحث‌ حول‌ حقيقة‌ ولاية‌ الفقيه‌ وحدودها سعة‌ وضيقاً، أي‌ حول‌ مقدار سعة‌ دائرة‌ الولاية‌. وأمّا حقيقة‌ معني‌ الولاية‌ فهي‌ كما مرّ في‌ أوائل‌ البحث‌: حُصولُ الشَّيْئَيْنِ فَصاعِداً حُصولاً لَيْسَ بَيْنَهُما ما لَيْسَ مِنْهُما.

 أي‌ أن‌ يقترب‌ شيئان‌ من‌ بعضهما ويتّحدان‌ بنحو لا يكون‌ بينهما شي‌ء آخر غير ذاتيّاتهما وهويّتهما.

 وبناء علی‌ هذا، فكلّ موجود يمتلك‌ في‌ ذاته‌ ارتباطاً واتّصالاً وهو هويّة‌ مع‌ الذات‌ المقدّسة‌؛ وليس‌ ثمّة‌ فاصلة‌ بين‌ كلّ موجود وعلّته‌ الفاعلیة‌ وعلّة‌ علله‌. وعلیه‌، فلازم‌ وجود كلّ موجود ما، أن‌ يوجد هو، وجود ولاية‌، وذلك‌ بمعني‌ أنَّ الموجودات‌ هي‌ ربط‌ محض‌ بالنسبة‌ إلی‌ الذات‌ المقدّسة‌ لحضرة‌ الحقّ.

 فالولاية‌ إذَن‌ بهذا المعني‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌، وآثارها متفاوتة‌ فيها بحسب‌ سعة‌ وضيق‌ الموجودات‌، فيتحقّق‌ معني‌ الولاية‌ بنحو أكبر في‌ بعض‌ الموجودات‌ التي‌ تكون‌ ماهيّتها أكبر وأقوي‌ وسعة‌ وجودها أكثر. بينما يكون‌ وجود الولاية‌ أقلّ في‌ بعض‌ الموجودات‌ الاُخري‌ التي‌ تكون‌ في‌ مرحلة‌ الذات‌ والماهيّة‌ أضعف‌، ومحدوديّتها أكثر من‌ حيث‌ السعة‌.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فلازم‌ وجود خلقة‌ كلّ موجود من‌ الموجودات‌ هو التوأمة‌ مع‌ الولاية‌. ومن‌ آثار تلك‌ الولاية‌ الاختيار، ومالكيّة‌ الامر، والحاكميّة‌، والتسلّط‌ في‌ الحدود التي‌ تقتضيها تلك‌ الولاية‌.

 إنَّ هذه‌ الولاية‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌؛ وأساساً، لايمكن‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ موجود من‌ دون‌ ولاية‌. وعلیه‌، فالولاية‌ تنتشر في‌ جميع‌ الموجودات‌، وَلاَ تَشُذُّ عَنْ حيطَةِ هُويَّتِها وَإنِّيَّتِها ذَرَّةٌ أبَداً.

 فالقطّة‌ التي‌ تحمل‌ أبناءها بأسنانها وتنتقل‌ بهم‌ من‌ بيت‌ إلی‌ بيت‌ لاجل‌ حفظهم‌ من‌ شرّ العدوّ، تقوم‌ بعملها هذا علی‌ أساس‌ الولاية‌، لا نَّها تري‌ نفسها ولي‌ّ أُولئك‌ الابناء، وتري‌ في‌ وجودها سيطرة‌ وهيمنة‌ تُملي‌ علیها القيام‌ بهذا العمل‌. واستعدادها للدفاع‌ بجميع‌ قواها عندما يحاول‌ عدوّ ما الهجوم‌ علی‌ أبنائها، إنَّما يكون‌ علی‌ أساس‌ هذه‌ الولاية‌.

 والدجاجة‌ التي‌ تحتضن‌ البيضة‌ حتّي‌ تنمو، إنّما تقوم‌ بهذا العمل‌ بمقتضي‌ تلك‌ الولاية‌ أيضاً. وأخيراً، فإنَّ تحوّل‌ أي‌ّ موجود من‌ الموجودات‌ هو علی‌ أساس‌ الولاية‌. وحتّي‌ ـعلی‌ سبيل‌ المثال‌ـ تلك‌ النواة‌ التي‌ تزرعها في‌ باطن‌ الارض‌ ليمتدّ طرف‌ من‌ جذورها بعد أن‌ تنمو في‌ الارض‌، بينما يرتفع‌ الطرق‌ الآخر نباتاً، فهو علی‌ أساس‌ الولاية‌، إذ لو لم‌يكن‌ لديها ولاية‌ لما كان‌ بإمكانها التحرّك‌ من‌ مكانها، أو الإتيان‌ بأي‌ّ تحوّل‌ أو تحرّك‌.

 ولو لم‌ يكن‌ العالَم‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌، لما كان‌ عالماً يتحرّك‌، ولكان‌ عالماً معدوماً.

 أي‌ كان‌ عالم‌ العدم‌ والفناء. فجميع‌ هذه‌ الموجودات‌ التي‌ ترونها قد صارت‌ علی‌ هذه‌ الصور بواسطة‌ الولاية‌، وكذلك‌ عمل‌ الإنسان‌ أيضاً، فكلّ ما يأتي‌ به‌ الإنسان‌، وكلّ سعة‌ يراها في‌ ذاته‌ إنّما تكون‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌. فالاب‌ الذي‌ يقوم‌ بحفظ‌ أبنائه‌ وحراستهم‌، فبلحاظ‌ الولاية‌. وهذه‌ الولاية‌ التكوينيّة‌ والفطريّة‌ التي‌ أعطاها الله‌ له‌.

 والشاهد علی‌ هذا المطلب‌ هو أ نَّه‌ لو منعناه‌ من‌ العمل‌ ونهيناه‌ عن‌ حماية‌ أبنائه‌ وأمرناه‌ بترك‌ ابنه‌ الوليد في‌ الصحراء، لما انصاع‌ لهذا الكلام‌؛ أو لو طلبنا من‌ القطّة‌ التخلّي‌ عن‌ حماية‌ أبنائها وعدم‌ مراقبتهم‌ والانتقال‌ بهم‌ من‌ بيت‌ إلی‌ بيت‌ لرفضت‌ ذلك‌، ولو أمرنا بخلاف‌ هذا الامر ( كأن‌ نأمرها بأخذ أبنائها إلی‌ وكرالعدوّ) لرفضت‌ ذلك‌ أيضاً.

 يدل‌ هذا الامر علی‌ نشوء الافعال‌ الولايتيّة‌ في‌ الموجودات‌ من‌ غريزتهم‌ وفطرتهم‌، وذلك‌ أمر لا يتبدّل‌ ولا يتغيّر.

 والولاية‌ التي‌ للرجال‌ علی‌ النساء بمقتضي‌ الآية‌ الشريفة‌: الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ[15]، هي‌ ولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌، لانَّ الرجل‌ يمتلك‌ عقلاً أقوي‌ من‌ القوّة‌ العاقلة‌ عند المرأة‌، ولذا كانت‌ المرأة‌ بالنسبة‌ له‌ ضعيفة‌، وكانت‌ تحت‌ هيمنته‌ وإدارته‌ وعصمته‌. وكان‌ الرجل‌ هو المسؤول‌ عن‌ المحافظة‌ علیها. ولذا، يكون‌ هو الآمر وهي‌ المأمورة‌، وهو الناهي‌ وهي‌ المنهيّة‌، ويكون‌ علیها أن‌ تطيعه‌ في‌ جميع‌ الاُمور.

 الرجوع الي الفهرس

ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌، وولاية‌ فسّاقهم‌ عند عدم‌ وجود العدول‌

 وكذلك‌ ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ علی‌ أساس‌ أموال‌ الغُيَّب‌ و القُصَّر وأمثال‌ ذلك‌ من‌ الموارد التي‌ نعتقد ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ فيها، إذ تعلن‌ الآية‌ الكريمة‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـ'تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ [16] هذه‌ الحقيقة‌، وهذه‌ الولاية‌ هي‌ في‌ عدول‌ المؤمنين‌ أقوي‌، لانَّ إيمانهم‌ أقوي‌ وتقواهم‌ أكثر، ونفس‌ هذه‌ الوحدة‌ الموجودة‌ بين‌ قلوب‌ المؤمنين‌ توجب‌ أن‌ يكون‌ لهم‌ ولاية‌ علی‌ بعضهم‌ في‌ صورة‌ عدم‌ وجود ولي‌ّ أعلی‌ كالإمام والفقيه‌ الاعلم‌، وتوجب‌ علیهم‌ حماية‌ وإدارة‌ أُمور المؤمنين‌ الضعفاء والعاجزين‌ والذين‌ لايتمكّنون‌ من‌ القيام‌ بأعمالهم‌ ( كالمجانين‌ والسفهاء والايتام‌ وما شابه‌ ).

 وكذلك‌ الولاية‌ التي‌ تكون‌ لفسّاق‌ المؤمنين‌ في‌ حالة‌ عدم‌ وجود عدولهم‌، لا نَّهم‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ هم‌ فيه‌ فسقة‌ فهم‌ مقدّمون‌ علی‌ غيرالمؤمنين‌، لا نَّهم‌ يمتلكون‌ الإيمان‌ وهم‌ مشمولون‌، لعموم‌ الولاية‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـ'تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ. ولايصحّ تسليم‌ الولاية‌ للكافر مع‌ وجود فُسّاق‌ المؤمنين‌، لا نّه‌ لا ولاية‌ للكافر علی‌ المسلم‌ بأي‌ّ وجه‌ كانت‌.

 إنَّ ولاية‌ الكافر علی‌ المسلم‌ « سبيل‌ »، ولم‌ يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ سبيلاً. فتلك‌ الولاية‌ إذَن‌ تكون‌ علی‌ أساس‌ التكوين‌ والفطرة‌ أيضاً.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فجميع‌ أقسام‌ هذه‌ الولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌ ممضاة‌ من‌ قِبَل‌ الشارع‌، لانَّ أوامر الشرع‌ هي‌ علی‌ أساس‌ الفطرة‌ أيضاً، وقد سار علی‌ هذا المسلك‌، ففي‌ كلّ موضع‌ أيّد فيه‌ العقل‌ والفطرة‌ الولاية‌ قام‌ الشرع‌ بتصحيح‌ ذلك‌ أيضاً.

 وكذلك‌ ولاية‌ الفقيه‌ فهي‌ من‌ هذا القبيل‌، غاية‌ الامر هي‌ في‌ مرحلة‌ أعلی‌ وأكبر وأوسع‌.

 فللولي‌ّ الفقيه‌ وظيفتان‌:

 الاُولي‌: بيان‌ الاحكام‌ التي‌ وصلت‌ إلیه‌ من‌ الشرع‌، والإفتاء بما يجتهد فيه‌، ولن‌ نخوض‌ في‌ هذا البحث‌ حإلیاً، فتلك‌ المسائل‌ ترجع‌ إلی‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ التي‌ يقوم‌ الفقيه‌ ببيانها، ومحلّ بحثها في‌ « الاجتهاد والتقليد » من‌ كتاب‌ الاُصول‌.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ الولاية‌ إنشاء الحكم‌ في‌ الموارد الجزئيّة‌

 الثانية‌: وظيفة‌ الولي‌ّ الفقيه‌ من‌ لحاظ‌ أعمال‌ الولاية‌. وهذا هو محلّ بحثنا، أي‌ ما معني‌ أن‌ يُعمل‌ الفقيه‌ ولايته‌ في‌ بعض‌ الاُمور ( خصوصاً الموارد الجزئيّة‌ ) فيقوم‌ بالحكم‌ والامر والنهي‌؟ إنَّ معني‌ ومفاد حكم‌ الفقيه‌ في‌ هذه‌ الموارد هو الإنشاء. أي‌ أنَّ الفقيه‌ بعد أن‌ يلاحظ‌ جميع‌ الاحكام‌ والادلّة‌ الواردة‌ في‌ الشرع‌ المقدّس‌ ( الاعمّ من‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ والاستثناءات‌ والتخصيصات‌ والاحكام‌ الثانويّة‌، مثل‌ الاحكام‌ الإكراهيّة‌ والاضطراريّة‌ والاحكام‌ الواردة‌ في‌ صورة‌ النسيان‌ وعدم‌ الطاقة‌ والاستطاعة‌ ) وبعد جمعها وضمّها إلی‌ بعضها يقوم‌ بالحكم‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌ الخاصّة‌ علی‌ موضوع‌ خاصّ بالشروط‌ الخاصّة‌، وذلك‌ بحسب‌ قدرته‌ النفسانيّة‌ وطهارته‌ الباطنيّة‌ التي‌ حصّلها، وبحسب‌ المدارج‌ النفسيّة‌ التي‌ عرج‌ فيها، ونيله‌ لذلك‌ العالم‌ من‌ التجرّد والإطلاق‌، وبقدر ارتوائه‌ من‌ مَعِين‌ الشريعة‌، فتنشأ من‌ ذلك‌ أحكامه‌ في‌ الموارد المختلفة‌.

 وذلك‌ خلافاً للفقيه‌ في‌ مقام‌ الفتوي‌، إذ لا يكون‌ له‌ في‌ ذلك‌ المقام‌ شغل‌ بالجزئيّات‌، وإنمّا هو يفتي‌ هناك‌ باستمرار في‌ صياغ‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ الذي‌ عيّنته‌ له‌ شريعة‌ الإسلام، كأن‌ يقول‌ مثلاً: الميتة‌ حرام‌، لانَّ القرآن‌ يقول‌: حُرِّمَتْ علیكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ [17]؛ ثمّ يكون‌ له‌ حكم‌ كلّي‌ّ آخر وهو: كلّ حرام‌ اضطرّ إلیه‌ يصير حلالاً [18]. وأمّا كون‌ هذا المورد الخاصّ من‌ موارد الاضطرار أو لا، فهذا لا علاقة‌ له‌ بالمفتي‌، إذ علیه‌ أن‌ يبيّن‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ فقط‌.

 وليس‌ الولي‌ّ الفقيه‌ كذلك‌، فهو يتدخّل‌ في‌ جميع‌ الجزئيّات‌ ويَعمل‌ نظره‌ في‌ الموضوعات‌ الخاصّة‌ والمصاديق‌ ويصدر الحكم‌. فلو سئل‌ مثلاً عن‌ جواز تناول‌ الميتة‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ تحلّ فيه‌ مجاعة‌ وقحط‌، فإنَّه‌ يحكم‌ بجواز أكل‌ الميتة‌، مع‌ علمه‌ بالحكم‌ الكلّي‌ّ، ومن‌ ثمّ يحكم‌ بجواز أكل‌ الميتة‌. فمعني‌ ولايته‌ هو تشخيص‌ الموضوع‌، وأنَّ الزمان‌ هو زمان‌ محنة‌ وابتلاء ومجاعة‌، وإذا لم‌ يأكل‌ الإنسان‌ فإنَّه‌ معرَّض‌ للموت‌، وبعد أن‌ يعتبر أكل‌ الميتة‌ ـعلی‌ أساس‌ ولايته‌ـ جائزاً، وأحياناً واجباً، فهو يأمر الجميع‌ بذلك‌.

 فقد لاحظ‌ في‌ هذا الموضوع‌ جميع‌ تلك‌ الاحكام‌ بشكل‌ مترابط‌، وتوصّل‌ إلی‌ هذا الحكم‌ الجزئي‌ّ الذي‌ أصدره‌ للناس‌، هذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 وبناء علی‌ ما مرَّ، يكون‌ هناك‌ تفاوت‌ بين‌ الإفتاء والولاية‌، إذ معني‌ الولاية‌ هو الامر والنهي‌ والإيجاد والإعدام‌ للموضوعات‌ الخارجيّة‌ في‌ عالم‌ الاعتبار. فالذين‌ تحت‌ ولاية‌ الولي‌ّ الفقيه‌ محكومون‌ بتنفيذ أحكامه‌ علی‌ أساس‌ حكمه‌. وهو يقول‌ بإعمال‌ الولاية‌ والحكم‌ في‌ جميع‌ الموضوعات‌ الجزئيّة‌ بناء علی‌ تلك‌ المدركات‌ التي‌ يمتلكها والاحكام‌ التي‌ يستنبطها من‌ المدارك‌ الشرعيّة‌، وانطلاقاً من‌ ذلك‌ الصفاء والنور والتجرّد الذي‌ وصلت‌ نفسه‌ إلیه‌. وحيث‌ إنَّه‌ يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ تشخيص‌ هذا الحكم‌ الخاصّ لعامّة‌ المكلّفين‌ أو لبعضهم‌ ويكون‌ أمر ذلك‌ بيده‌، وهذه‌ مسألة‌ مهمّة‌ جدّاً.

 إذ تارة‌ يجعل‌ الشارع‌ المقدّس‌ الحكم‌ علی‌ الموضوعات‌ الخارجيّة‌، مثل‌: المَاءُ طاهِرٌ و الخَمْرُ حَرامٌ و البَيْعُ حَلالٌ؛ فالحكم‌ في‌ هذه‌ الامثال‌ قد جري‌ علی‌ الموضوعات‌ الخارجيّة‌.

 وتارة‌ أُخري‌ يُجعل‌ الحكم‌ علی‌ الموضوعات‌ الاعمّ من‌ الخارجيّة‌ والاعتباريّة‌، فيسمح‌ لنا الشارع‌ بفرض‌ موضوع‌ اعتباري‌ّ في‌ مقابل‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ، بمعني‌ أن‌ نقوم‌ بترتيب‌ الاثر إذا ما رأينا موضوعاً اعتباريّاً إلی‌ جنب‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ.

 ويستطيع‌ الشارع‌ القيام‌ بعمل‌ كهذا، إذ عندما يكون‌ أصل‌ الحكم‌ بيده‌ فسعته‌ وضيقه‌ بيده‌ أيضاً، وسعة‌ وضيق‌ الحكم‌ تتبع‌ سعة‌ وضيق‌ الموضوع‌.

 فيستطيع‌ في‌ مورد ما فرض‌ الحكم‌ علی‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ، كما يستطيع‌ في‌ مورد آخر أن‌ يعتبره‌ علی‌ الاعمّ من‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ، فيقول‌: صُومُوا لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرُوا لِلرُّؤْيَةِ. فصوموا عندما ترون‌ هلال‌ شهر رمضان‌ في‌ السماء، وأفطروا عندما ترون‌ هلال‌ شوّال‌.

 وعلی‌ هذا، فموضوع‌ دخول‌ شهر رمضان‌ وحكمه‌ الذي‌ هو «صُومُوا» رؤية‌ الهلال‌؛ والموضوع‌ لحكم‌ الإفطار في‌ شوّال‌ هو رؤية‌ الهلال‌ أيضاً. فنفس‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ السماء إذَن‌ لها موضوعيّة‌؛ ثمّ يضمّ الشارع‌ حكم‌ الحاكم‌ برؤية‌ الهلال‌ إلی‌ هذا الموضوع‌ الخارجي‌ّ ويقول‌ [19]: إذا حكم‌ حاكم‌ الشرع‌ أيضاً بحلول‌ الشهر أو انقضائه‌ فيصدق‌ كذلك‌: «صُومُوا وَأَفْطِرُوا»، مع‌ أنَّ الحاكم‌ لم‌ يكن‌ قد رأي‌ الهلال‌ بنفسه‌، ولا يكون‌ أيضاً مُخبراً برؤيته‌ الهلال‌ لكي‌ تتحقّق‌ البيّنة‌ بضميمية‌ شاهد عادل‌ وتكون‌ في‌ حكم‌ العلم‌. كلاّ وإنَّما الملاك‌ هو نفس‌ حكم‌ الحاكم‌ بأنَّ إلیوم‌ هو أوّل‌ الشهر، إذ الحاكم‌ بحكمه‌ يجعل‌ الهلال‌ في‌ السماء، ويعتبر وجوده‌.

 فعندما يمتلك‌ الحاكم‌ شأنيّة‌ الحكم‌ ويحكم‌ برؤية‌ الهلال‌ ودخول‌ الشهر ـولاعلاقة‌ لنا بمستنده‌، فمهما كان‌ مستنده‌ ومن‌ أي‌ّ مصدر كان‌ـ فمعني‌ عمله‌ هذا أ نَّه‌ قد جعلتُ لكم‌ هلالاً في‌ السماء وفرضته‌ وأوجدته‌، وكما يجب‌ علیكم‌ الإفطار أو الصيام‌ علی‌ أساس‌ وجود الهلال‌ الخارجي‌ّ، فعلیكم‌ أيضاً أن‌ تصوموا وتفطروا علی‌ أساس‌ هذا الهلال‌ الجعلی‌ّ. وحكم‌ الحاكم‌ في‌ هذه‌ الصورة‌ صحيح‌، ويقرّه‌ العقلاء من‌ دون‌ إشكال‌ ولِمَ ذلك‌؟ لا نَّه‌ يترتّب‌ علیه‌ أثر من‌ الناحية‌ الشرعيّة‌، وهو الإفطار أو الصيام‌.

 أمّا لو قال‌ شخص‌ في‌ عالم‌ الاعتبار: إنِّي‌ جعلتُ هذه‌ العمارة‌ معدومة‌ اعتباراً. فلافائدة‌ تترتّب‌ علی‌ ذلك‌، لا نَّه‌ لا يترتّب‌ علی‌ اعتباره‌ أي‌ّ أثر. أمّا حين‌ يكون‌ نفس‌ هذا الاعتبار منشأً للحكم‌ ويترتّب‌ علیه‌ أثر، فلاإشكال‌ في‌ ذلك‌.

 وهنا أيضاً قد جعل‌ الشارع‌ الحكم‌ علی‌ رؤية‌ الهلال‌ ( الاعمّ من‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ )، أي‌ كان‌ حكم‌ الحاكم‌ بمنزلة‌ جعل‌ هلال‌ اعتباري‌ّ في‌ السماء، وهذا له‌ نتيجة‌ شرعيّة‌. فالحكم‌ بِيَدِ الشارع‌، وهو يستطيع‌ أن‌ يجري‌ حكمه‌ علی‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ فقط‌، كما يستطيع‌ أن‌ يجريه‌ علی‌ الاعمّ من‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ، وليس‌ هناك‌ أي‌ّ إشكال‌ في‌ ذلك‌.

 وبعبارة‌ أُخري‌: كما يقول‌ الشارع‌: صُومُوا لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرُوا لِلرُّؤْيَةِ، كذلك‌ يصحّ أن‌ يقول‌: صوموا بِحُكْمِ الحاكِمِ وَأفْطِروا بِحُكْمِه‌؛ وأمثال‌ هذه‌ التعابير ترجع‌ في‌ النهاية‌ إلی‌ توسعة‌ تلك‌ الرؤية‌ للهلال‌ الواقعي‌ّ الخارجي‌ّ وجعلها تشمل‌ عالم‌ الاعتبار أيضاً. فهذا هو معني‌ الجعل‌ وحكم‌ الحاكم‌.

 إنَّ حقيقة‌ الجعل‌ الاعتباري‌ّ ليست‌ أمراً غير مأنوس‌ أو غيرعرفي‌ّ وغيرعادي‌ّ، لانَّ الاعتبارات‌ تشكّل‌ أساساً للكثير من‌ أعمالنا في‌ الخارج‌، كأن‌ يقول‌ شخص‌ مثلاً: بعتك‌ هذا المتاع‌، ويقول‌ الآخر: قبلت‌، فهل‌ بعتُ و قبلتُ سبب‌ للانتقال‌ الواقعي‌ّ لذلك‌ المتاع‌ بالنحو الذي‌ ينتقل‌ فيه‌ ذلك‌ الشي‌ء واقعاً من‌ وجود البائع‌ إلی‌ وجود المشتري‌؟

 الجواب‌ كلاّ، الامر ليس‌ كذلك‌، فالثَّمَن‌ والمُثمن‌ محفوظان‌ في‌ محلّهما، وإنَّما انتقل‌ اختيار التصرّف‌ بالثمن‌ للمشتري‌ في‌ عالم‌ الاعتبار فقط‌، وهذا النقل‌ والانتقال‌ إنشاءٌ، ويكون‌ إنشاء الانتقال‌ في‌ عالم‌ الاعتبار، والاعتبار محلّ لقبول‌ جميع‌ العقلاء.

 وكذا الامر في‌ الابواب‌ المختلفة‌ من‌ الفقه‌، ففي‌ النكاح‌ مثلاً حيث‌ تقول‌ الزوجة‌: أنْكَحْتُكَ نَفْسي‌، ويقول‌ الرجل‌ أيضاً: قَبِلْتُ، لايكون‌ ذلك‌ سوي‌ إنشاء للنكاح‌ في‌ عالم‌ الاعتبار، إذ إنَّ معني‌ النكاح‌ هو الوط‌ء، فمعني‌ كلام‌ الزوجة‌ إذَن‌ هو: جَعَلْتُ نَفْسي‌ لَكَ مَوْطوءَةً؛ علی‌ الرغم‌ من‌ عدم‌تحقّق‌ النكاح‌ بهذا المعني‌ في‌ عالم‌ الخارج‌، فلم‌ يحصل‌ الوقاع‌ والجماع‌، لكنَّ الزوجة‌ تري‌ نفسها موطوءة‌ في‌ عالم‌ الاعتبار فقط‌، كما يري‌ الرجل‌ نفسه‌ واطئاً كذلك‌، والشرع‌ أيضاً يمضي‌ هذا الإنشاء. وذلك‌ العمل‌ الذي‌ يتمّ في‌ الخارج‌ فيما بعد، والذي‌ هو النكاح‌ الواقعي‌ّ الخارجي‌ّ ( أي‌ الوط‌ء الخارجي‌ّ ) يكون‌ مترتّباً علی‌ هذا الإنشاء القَبْلِي‌ّ، والإنشاء أمر جعلی‌ّ اعتباري‌ّ يترتّب‌ علیه‌ الحكم‌ الشرعي‌ّ وجميع‌ أحكام‌ مسائل‌ المعاملات‌ والإيقاعات‌ من‌ هذا القبيل‌.

 وعلی‌ هذا، فأمر الحاكم‌ بالنسبة‌ لرؤية‌ الهلال‌ مثلاً أو للتعبئة‌ العامّة‌ وتحريك‌ الناس‌ أو بالصلح‌ أو بالتوقّف‌. وبشكل‌ عامّ فكلّ أمر يقوم‌ به‌، هو إنشاء في‌ عالم‌ الاعتبار. وهو يشخّص‌ الوظيفة‌ من‌ باب‌ كونه‌ يري‌ في‌ نفسه‌ سعة‌ وولاية‌ علی‌ الناس‌. وعلی‌ أساس‌ الاحكام‌ الشرعيّة‌ الكلّيّة‌ التي‌ حصل‌ علیها من‌ الكتاب‌ والسنّة‌ وروايات‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌. وبعد مراعاته‌ ـبصفاء قلبه‌ ونورانيّته‌ وتجرّده‌ الباطني‌ّـ لجميع‌ أُصول‌ وقواعد الحاكم‌ والمحكوم‌، والوارد والمورود، والعامّ والخاصّ، والمطلق‌ والمقيّد، والناسخ‌ والمنسوخ‌ من‌ حيث‌ المجموع‌ في‌ هذا الموضوع‌ الخارجي‌ّ، وجمعه‌ لنتيجة‌ ذلك‌ كلّه‌، فلا يختلف‌ الامر عنده‌ سواء قام‌ بتعيين‌ الوظيفة‌ بلفظ‌ « حَكَمْتُ » أم‌ بأي‌ّ لفظ‌ آخر، فما أن‌ يُحدّد التكليف‌، فيعني‌ ذلك‌ الحكم‌. هذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌ والحكم‌ والحاكم‌.

أهمّيّة‌ هذه‌ الولاية‌، الرَّادُّ علیهِ، الرَّادُّ علینَا

 وبالطبع‌ فهذه‌ حقيقة‌ ذات‌ أبعاد وآثار وامتداد، فعندما يحكم‌ الحاكم‌ فإنَّ حكمه‌ الاعتباري‌ّ يمتلك‌ الاهمّيّة‌ إلی‌ درجة‌ يكون‌ عند الشارع‌: الرَّادُّ علیهِ، الرَّادُّ علینَا؛ وَالرَّادُّ علینَا، الرَّادُّ عَلَیاللَهِ؛ وَهُوَ عَلَی حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَهِ.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ الائمّة‌ للاحكام‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ والإحاطة‌ النفسانيّة‌

 إنَّ الحاكم‌ لا يحكم‌ ما لم‌ يَرَ جميع‌ أطراف‌ وجوانب‌ المسألة‌ ويلاحظها، وتستقرّ في‌ قلبه‌، ويتيقّنها، ويطمئنّ منها ويسكن‌، لا نَّه‌ يترتّب‌ علی‌ حكمه‌ مسؤوليّة‌ كبيرة‌ علی‌ الناس‌، فالذي‌ يخالف‌ حكم‌ الحاكم‌ يُخالف‌ حكم‌ الله‌، وهو في‌ حدّ الشرك‌ بالله‌. هذا هو معني‌ حكم‌ الحاكم‌.

 ومن‌ هنا نحصل‌ علی‌: أنَّ حكم‌ الحاكم‌ ينبثق‌ من‌ ولايته‌ وسعته‌ النفسانيّة‌، لاأ نَّه‌ قد وصلته‌ بعض‌ الروايات‌ فحسب‌ واستنتج‌ تلك‌ النتيجة‌ طبقاً للقواعد والضوابط‌ كما يُتعامل‌ مع‌ القواعد الرياضيّة‌، ومن‌ ثمّ قام‌ بالحكم‌ علی‌ أساسها، بل‌ ـوكما بيّناـ فإنَّ نفس‌ الحاكم‌ ذات‌ سعة‌ وتجد أ نَّها مسيطرة‌ علی‌ الناس‌ المولَّي‌ علیهم‌، فللحاكم‌ الحقّ في‌ إلزام‌ الناس‌ بحكمه‌ علی‌ ضوء ما تقدّم‌.

 فإذا كان‌ ثمّة‌ حاكم‌ يري‌ في‌ نفسه‌ سيطرة‌ كهذه‌ فبإمكانه‌ أن‌ يحكم‌، وإلاّ فلا. فحكم‌ الحاكم‌ يكون‌ علی‌ أساس‌ سعته‌ النفسيّة‌ وقدرته‌ الوجدانيّة‌ ونظرته‌ الواقعيّة‌، ويجب‌ أن‌ يكون‌ الاعلم‌ والاقوي‌ في‌ تنفيذ ذلك‌ الحكم‌.

 وأن‌ يكون‌ الاعلم‌، أي‌ أن‌ يكون‌ قادراً علی‌ تشخيص‌ المصالح‌ والموارد بنحو أفضل‌ من‌ جميع‌ الناس‌؛ وأن‌ يكون‌ الاقوي‌ أي‌ أن‌ يتمكّن‌ من‌ تنفيذ هذا الحكم‌ في‌ الخارج‌ بواسطة‌ سعة‌ نفسه‌؛ فهذا هو معني‌ الولاية‌ في‌ الحاكم‌. والحاكم‌ إنَّما يتمكّن‌ من‌ القيام‌ بأي‌ّ عمل‌ بواسطة‌ ولايته‌ هذه‌ فيما لو لم‌يتجاوز حدود الشريعة‌ ولم‌ يخرج‌ عن‌ حدود الكتاب‌ والسنّة‌.

 وولاية‌ الائمّة‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌ هي‌ بهذا النحو، لكنّها تقع‌ في‌ مرحلة‌ علیا وأكثر دقّة‌ وظرافة‌، وذلك‌ لانَّ توحيدهم‌ أقوي‌ وولايتهم‌ أرقي‌ وسعتهم‌ أكثر؛ فأوامرهم‌ ونواهيهم‌ الولائيّة‌ أيضاً تكون‌ في‌ الخارج‌ لازمة‌ وواجبة‌ الاتّباع‌ بطريق‌ أولي‌. ونفس‌ هذا المعني‌ موجود فيهم‌ أيضاً، لا نَّهم‌ يحكمون‌ في‌ الخارج‌ بالنسبة‌ لجميع‌ المكلّفين‌ من‌ خلال‌ تلك‌ السعة‌ والإحاطة‌ النفسيّة‌ المختصّة‌ بهم‌.

 وبالطبع‌ وكما بيّنا، فالائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ ليسوا مشرّعين‌ للحكم‌، إذ التشريع‌ للاحكام‌ الكلّيّة‌ مختصّ بالله‌ عزّ وجلّ، وفي‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ هو لرسول‌الله‌، والائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إنَّما يمتلكون‌ الولاية‌ في‌ الاُمور الولايتيّة‌ ( المختصّ بالسياسة‌ وإدارة‌ العلاقات‌ الاجتماعيّة‌ بما يقتضي‌ ) وأوامرهم‌ في‌ حكم‌ أمرالله‌ وأمر رسول‌ الله‌.

 فمن‌ هنا نحصل‌ علی‌: أنَّ تلك‌ الطائفة‌ من‌ الروايات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، وكلّ منها يبيّن‌ لنا حقائق‌ معيّنة‌، هي‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، فهم‌ لم‌ يأخذوا جزئيّات‌ تلك‌ المسائل‌ أباً عن‌ جدّ وصولاً إلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، بل‌ إنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد أعطاهم‌ ولاية‌ كلّيّة‌ ( وقد كان‌ إعطاؤها أيضاً دفعيّاً وآنيّاً ) وجميع‌ هذه‌ المسائل‌ تنبع‌ من‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌. أجل‌؛ فجميع‌ المسائل‌ الجزئيّة‌ من‌ أوّل‌ باب‌ الطهارة‌ إلی‌ آخر باب‌ الديات‌ ـحيث‌ يوجد في‌ خصوص‌ مسائل‌ الصلاة‌ أربعة‌ آلاف‌ مسألة‌ـ إنَّما تنشأ من‌ تلك‌ الولاية‌، وليس‌ من‌ الصحيح‌ أن‌ نتصوّر أنَّ جميع‌ تلك‌ المسائل‌ الجزئيّة‌ قد بيّنها الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ حضوريّاً لاميرالمؤمنين‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌، وقام‌ أمير المؤمنين‌ أيضاً بحفظها أو كتابتها، ومن‌ ثمّ رواها لابنائه‌ الإمام الحسن‌ والإمام الحسين‌ علیهما السلام‌، وقاما هما بدورهما بنقل‌ ذلك‌ للائمّة‌ من‌ بعدهما إلی‌ أن‌ انتهي‌ الامر إلی‌ القائم‌ عجّل‌ الله‌ تعإلی‌ فرجه‌ الشريف‌.

 والصحيح‌ هو أنَّ كلّ واحد من‌ الائمّة‌ قد أعطي‌ عالَماً كلّيّاً من‌ الولاية‌ وعِلماً كلّيّاً لمن‌ يأتي‌ من‌ بعده‌، ويري‌ الإمام التإلی‌ جميع‌ المسائل‌ بواسطة‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ فيشرحها ويبيّن‌ حقائقها.

 وهذه‌ المسألة‌ عين‌ وجود الملكة‌ وعدمها، فما لم‌ يمتلك‌ الشخص‌ مثلاً ملكة‌ الرسم‌ فلا يستطيع‌ أن‌ يرسم‌ صور الاشياء واحدة‌ واحدة‌، بل‌ لايكون‌ قادراً علی‌ رسم‌ صورة‌ واحدة‌. أمّا إذا كان‌ حائزاً علی‌ ملكة‌ الرسم‌، فإنَّه‌ يعدّ رسّاماً كاملاً ويستطيع‌ رسم‌ أيّة‌ صورة‌ يريدها فوراً، وليس‌ من‌ تحديد ونهاية‌ لمجموعة‌ الصور التي‌ يمكنه‌ رسمها.

 وتلك‌ الولاية‌ أيضاً التي‌ يودعها كلّ واحد من‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إلی‌ الآخر عند وفاته‌ هي‌ نفس‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ التي‌ تنبع‌ منها جميع‌ العلوم‌. ومع‌ وجود معني‌ كهذا، لا يكون‌ الإمام علیه‌ السلام‌ محتاجاً لسؤال‌ أبيه‌ عن‌ جزئيّات‌ المسائل‌ والموضوعات‌ واحداً واحداً. وإنَّما يقوده‌ الإمام علیه‌ السلام‌ إلی‌ مصادر التشريع‌ ومحلّ نزول‌ القرآن‌ ومهبط‌ الوحي‌ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، ويوصله‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ ويجعله‌ في‌ متناوله‌ بنحو تحصل‌ لنفسه‌ أيضاً الهيمنة‌ والسيطرة‌ علی‌ ذلك‌ العالم‌ وتنكشف‌ له‌ جميع‌ الحقائق‌ دون‌ أي‌ّ ذرّة‌ من‌ الاشتباه‌ والخطأ.

 وبناء علی‌ هذا، فلا فرق‌ بين‌ أن‌ يبيّن‌ الإمام لابنه‌ حكماً في‌ موضوع‌ خاصّ، أو أن‌ يقوده‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ الكلّي‌ّ حتّي‌ يُبيّن‌ نفس‌ الابن‌ الحكم‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌. ولذا، نري‌ في‌ كثير من‌ الروايات‌ أنَّ نفس‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ كانوا يرجعون‌ المسائل‌ إلی‌ أبنائهم‌، وعندما كان‌ الابناء يجيبون‌ كان‌ ذلك‌ يثير تعجّب‌ الناس‌ ويقولون‌ للائمّة‌ إنَّكم‌ قلتم‌ إنَّكم‌ لم‌ تسمعوا هذه‌ المسألة‌ من‌ آبائكم‌، فكيف‌ أمكنكم‌ بيان‌ الحكم‌ بهذه‌ الخصوصيّة‌ من‌ الوضوح‌ والجلاء؟!

 لقد وردنا حول‌ الإمام صاحب‌ الزمان‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ الشريف‌ أ نَّه‌ وصل‌ إلی‌ مقام‌ الإمامة‌ في‌ الرابعة‌ من‌ عمره‌، كما وصلنا حول‌ الإمام محمّدالتقي‌ّ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ كان‌ في‌ التاسعة‌ أو السابعة‌ من‌ عمره‌ عندما روي‌ عنه‌ مسائل‌ كثيرة‌، ولدينا حول‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ كان‌ يبيّن‌ المسائل‌ في‌ طفولته‌، مع‌ أنَّ الإمام الباقر علیه‌ السلام‌ لم‌يكن‌ قد بيّن‌ له‌ جزئيّات‌ المسائل‌.

 فجميع‌ ذلك‌ إذَن‌ من‌ هذا القبيل‌، فعندما يعطي‌ لهم‌ ذلك‌ الاصل‌ والمنهج‌ وحقيقة‌ القرآن‌ وحقيقة‌ روح‌ النبوّة‌ وتفوّض‌ لهم‌ حقيقة‌ روح‌ الولاية‌ الكلّيّة‌، فإنَّهم‌ يبيّنون‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ للناس‌ من‌ تلك‌ العوالم‌ الكلّيّة‌، ولاتكون‌ هذه‌ الاحكام‌ من‌ عندهم‌، وإنَّما هي‌ نفس‌ الاحكام‌ التي‌ كان‌ ينشئها رسول‌الله‌، سواء كانت‌ قد أُنشأت‌ في‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أم‌ لا. لكن‌ لو فُرض‌ حصول‌ موضوع‌ كهذا في‌ زمان‌ رسول‌الله‌ لكان‌ رسول‌الله‌ قد أنشأ الحكم‌ أيضاً بهذا النحو، حيث‌ يتّفق‌ أن‌ لايُسأل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ عن‌ مسألة‌، فتكون‌ غير مبيّنة‌ من‌ قبله‌. وهناك‌ الكثير من‌ المسائل‌ لم‌ يبيّنها النبي‌ّ الاكرم‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 173؛ ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 324 و 325.

[2] ـ «الوافي‌» الطبعة‌ الحجريّة‌، سنة‌ 1324 هجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 8؛ و الطبعة‌ الحروفيّة‌، إصفهان‌، ج‌ 1، ص‌ 11.

[3] ـ «الاُصول‌ الاصيلة‌» بتصحيح‌ وتعلیق‌ المحدّث‌ الاُرموي‌ّ، ص‌ 167.

[4] ـ يقول‌ السيّد جلال‌ الدين‌ المحدّث‌ الاُرموي‌ّ في‌ تعلیقة‌ ص‌ 167 من‌ «الاُصول‌ الاصيلة‌»: إنَّ نسبة‌ هذه‌ الاشعار للإمام السجّاد علیه‌ السلام‌ مشهورة‌، وهي‌ في‌ غالب‌ كتب‌ المصنّف‌ مأثورة‌ عن‌ الإمام علیه‌ السلام‌، وحتّي‌ الغزّإلی‌ّ قد نقلها في‌ كتبه‌ ونسبها إلی‌ الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌.

[5] ـ «المحجّة‌ البيضاء في‌ تهذيب‌ الإحياء» ج‌ 1، ص‌ 65،كتاب‌ العلم‌ من‌ ربع‌ العبادات‌.

[6] ـ «الكلمات‌ المكنونه‌» انتشارات‌ فراهاني‌، ص‌ 8.

[7] ـ السيّد محمود البغدادي‌ّ الآلوسي‌ّ في‌ تفسير «روح‌ المعاني‌» ج‌ 6، ص‌ 190.

[8] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 35 و 36؛ من‌ تفسير الآلوسي‌ّ، ج‌ 6، ص‌ 190.

[9] ـ لقد نسب‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 11، ص‌ 222، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، هذه‌ الاشعار للحسين‌ بن‌ منصور الحلاّج‌. وهذه‌ النسبة‌ خاطئة‌، وذلك‌ أوّلاً: لانَّ الحسين‌ بن‌ منصور لم‌ يكن‌ من‌ أهل‌ التقيّة‌ والكتمان‌، وقد أفشي‌ الاسرار ممّا أدّي‌ إلی‌ قتله‌. يقول‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ علیه‌ الرحمة‌ (في‌ ديوانه‌، طبعة‌ حسين‌ پژمان‌، ص‌ 51،في‌ الغزل‌الرقم‌111 ):

 مشكل‌ خويش‌ بر پير مغان‌ بردم‌ دوش                        ‌ كو به‌ تأييد نظر حلّ معمّا ميكرد

 ديدمش خرّم‌ وخندان قدح‌ باده‌ به دست      ‌                واندر آن‌ آينه‌ صد گونه‌ تماشا ميكرد

 گفت‌ آن‌ يار كزو گشت‌ سرِدار بلند                              جرمش‌ آن‌ بود كه‌ أسرار هويدا ميكرد

 يقول‌: « ليلة‌ أمس‌ حملتُ مشكلتي‌ إلی‌ شيخ‌ المجوس‌ (المرشد).. فهو قادر علی‌ أن‌ يحلّ اللغز بتأييد من‌ نظره‌.

 فرأيته‌ فرحاً باسماً وفي‌ يده‌ كأس‌ الشراب‌.. وكان‌ يتفرّج‌ في‌ مرآتها علی‌ مئات‌ الاشكال‌.

 قال‌: إنَّ هذا الصديق‌ (يقصد الحلاّج‌) الذي‌ ارتفعت‌ به‌ قمّة‌ المشنقة‌.. كان‌ جرمه‌ أ نَّه‌ أذاع‌ الاسرار».

 ثَانياً: ما هي‌ مناسبة‌ قوله‌:

 وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي‌ هَذَا أَبُو حَسَنٍ         إلی‌ الحُسَيْنِ وَأَوْصَي‌ قَبْلَهُ الحَسَنَا

 مع‌ أنَّ الحلاّج‌ الذي‌ بينه‌ وبين‌ أُولئك‌ الائمّة‌ أكثر من‌ قرنين‌ من‌ الزمان‌؟

 ثالثاً: لم‌ يكن‌ الحلاّج‌ من‌ أهل‌ أتباع‌ الشيخ‌ والمراد ليعتبر نفسه‌ في‌ هذه‌ الابيات‌ تابعاً لهؤلاء الائمّة‌. فالحلاّج‌ قد التقي‌ بأكثر من‌ أربعمائة‌ شيخ‌، لكنّه‌ لم‌ يخضع‌ للتربية‌ والتعلیم‌، وهذا الامر هو الذي‌ جعله‌ يظهر ويبرز مطالب‌ يحرم‌ إظهارها ممّا أدّي‌ إلی‌ إضلال‌ الخلق‌ وهدر دمه‌.

[10] ـ «مستدرك‌ الوسائل‌» ج‌ 3، ص‌ 331، الفائدة‌ الثانية‌ من‌ الخاتمة‌ في‌ شرح‌ أحوال‌ الكتب‌ ومؤلّفيها، من‌ آخر السطر السابع‌ إلی‌ السطر الحادي‌ عشر وَلَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَ الصَّادِقَ علیهِ السَّلاَمُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، كَطاوُوسِ إلیمَانِي‌ِّ وَمَالِكِبْنِ دِيْنَارِ وَثابِتِ البُنَانِي‌ِّ وَأَيُّوبَ السَّجِسْتَانِي‌ِّ وَحَبِيبِ الفَارِسِي‌ِّ وَصَالِحِ المُرّي‌ِّ وَأمْثَالِهِمْ كِتَابٌ يُعْرَفُ مِنهُ: أَنَّ «المِصْباحَ» عَلَی أُسْلُوبِهِ. وَمِنَ الجَائِزِ أن‌ يَكونَ الاَمْرُ بِالعَكْسِ؛ فَيَكونُ الَّذِينَ عَاصَرُوهُ علیهِ السَّلاَمُ مِنْهُمْ أوْ تَأَخَّرُوا عَنْهُ سَلَكُوا سَبِيلَهُ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ هَذَا المَقْصَدِ، وَأخَذُوا ضِغْثاً مِنْ كَلِمَاتِهِ الحَقَّةِ وَمَزَجُوهَا بِضِغْثٍ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ كُلِّ مُبْدِعٍ مُضِلٍّ. وَيُؤَيِّدُهُ اتِّصَالُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إلیهِ وَإلی‌ الاَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ كَشَقِيقٍ البَلْخي‌ِّ وَمَعْرُوفٍ الكَرْخي‌ِّ، وَأَبُو يَزيدَ البَسْطَامِي‌ِّ (طَيْفُورِ السَّقَّاء) كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَراجِمِهِمْ فِي‌ كُتُبِ الفَرِيقَيْنِ فَيَكُونُ مَا أُلِّفَ بَعْدَهُ عَلَی أُسْلوبِهِ وَوَتيرَتِهِ.

[11] ـ «كشف‌ المراد في‌ شرح‌ تجريد الاعتقاد» ص‌ 249،طبعة‌ صيدا، سنة‌ 1353.

[12] ـ يقول‌: الصوفي‌ّ بمعني‌ الزاهد عن‌ الدنيا والراغب‌ في‌ الآخرة‌ والملتزم‌ بتطهير الباطن‌، وكان‌ جميع‌ علماء الإسلام‌ الاعلام‌ صوفيّين‌. ومن‌ جملة‌ من‌ ذكرهم‌: الخواجة‌ نصيرالدين‌ الطوسي‌ّ، ورّام‌ الكندي‌ّ، السيّد رضي‌ الدين‌ علی‌ّ بن‌ طاووس‌، السيّد محمود الآملي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌»، والسيّد حيدر الآملي‌ّ صاحب‌ تفسير «بحر الابحار»، وابن‌ فهد الحلّي‌ّ، والشيخ‌ ابن‌ أبي‌ جمهور الاحسائي‌ّ، والشيخ‌ الشهيد مكّي‌، والشيخ‌ بهاءالدين‌ العاملي‌ّ، والقاضي‌ نور الله‌ الشوشتري‌ّ الذي‌ هو من‌ السلسلة‌ العلیة‌ النوربخشيّة‌. ويثبت‌ في‌ كتاب‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» بالدلائل‌ القويّة‌ أنَّ جميع‌ المشائخ‌ المشهورين‌ كانوا من‌ الشيعة‌.

 ويقول‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ في‌ كتاب‌ الإمامة‌ من‌ «شرح‌ التجريد»: قد نقل‌ متواتراً أنَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ سيّد ورئيس‌ الابدال‌، وكانوا يأتون‌ إلیه‌ من‌ جميع‌ أنحاء العالم‌ لاجل‌ تعلّم‌ آداب‌ السلوك‌ والرياضات‌ وطريق‌ الزهد وترتيب‌ الاحوال‌ وذكر مقامات‌ العارفين‌. والشيخ‌ أبو يزيد البسطامي‌ّ كان‌ يفتخر بأ نَّه‌ كان‌ سقّاء في‌ بيت‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، والشيخ‌ معروف‌ الكرخي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ العزيز كان‌ شيعيّاً خالصاً وبوّاباً لدار الرضا علیه‌ السلام‌ إلی‌ أن‌ مات‌ (ملخّص‌ الصفحات‌ 10 إلی‌ 15 ).

[13] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، ص‌ 101، باب‌ النهي‌ عن‌ القول‌ بغير علم‌ والإفتاء بالرأي‌.

[14] ـ الآيات‌ 44 إلی‌ 47، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[15] ـ صدر الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[16] ـ صدر الآية‌ 71، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[17] ـ صدر الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[18] ـ روي‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 462، المطبعة‌ الحيدريّة‌، بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ عمروبن‌ مروان‌، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ أَرْبَعُ خِصَالٍ: خَطَاؤُهَا، وَنِسْيَانُهَا، وَمَا أُكْرِهُوا علیهِ، وَمَا لَمْيُطِيقُوا؛ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن‌ نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ علینَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ و عَلَی الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» وَقَوْلُهُ: «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ و مُطْمَئِنٌّ بِالإيَم'نِ».

 وكذلك‌ ذُكر مرفوعاً عن‌ أبي‌ عبد الله‌ علیه‌ السلام‌: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ تِسْعُ خِصَالٍ: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطُرُّوا إلیهِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا علیهِ، وَالطِّيَرَةُ، وَالوَسْوَسَةُ فِي‌ التَّفَكُّرِ فِي‌ الخَلْقِ، والحَسَدُ مَا لَمْيُظْهَرْ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ.

 وفي‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 50، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: قَالَ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ ] تِسْعٌ [: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا أُكْرِهُوا علیهِ، وَمَا لاَيَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطُرُّوا إلیهِ، وَالحَسَدُ، وَالطِّيَرَةُ، وَالتَّفَكُّرُ فِي‌ الوَسْوَسَةِ فِي‌ الخَلْقِ مَا لَمْيُنْطَقُ بِشَفَةٍ وَلاَ لِسَانٍ.

 وذُكر في‌ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 4، ص‌ 690، حديث‌ رقم‌ 7120 (ج‌ 2 من‌ كتاب‌ الصلاة‌) أبواب‌ القيام‌): 6 ـ وَبِالإسْنَادِ عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي‌ عَيْنَيْهِ المَاءُ فَيَنْتَزِعُ المَاءَ مِنْهَا فَيَسْتَلْقِي‌ عَلَیظَهْرِهِ الاَيَّامَ الكَثِيرَةَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَيُمْتَنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ الاَيَّامَ إلاَّ إيمَاءً وَهُوَ عَلَیحَالِهِ. فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ؛ وَلَيْسَ شَي‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إلیهِ. وحديث‌ رقم‌ 7121 بهذا النحو: 7 ـ عَنِ الحُسيْنِ بْنِ سَعِيد، عَنْ فِضَالَةَ، عَنْ حُسَيْن‌، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبي‌ بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَهِ علیهِ السَّلامُ عَنِ المَرِيضِ، هَلْ تُمْسِكُ لَهُ المَرْأَةُ شَيْئاً فَيَسْجُدُ علیهِ؟! فَقَالَ: لاَ! إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرَّاً لَيْسَعِنْدَهُ غَيْرُهَا؛ وَلَيْسَ شَي‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إلیهِ.

[19] ـ هذا القول‌ مستفاد من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com