|
|
الصفحة السابقة
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلیِّ العَظِيمِ
قمنا بعرض إحدي وظائف حكومة الإسلام وولاية الفقيه، وهي إنشاء وإيجاد الاُمور التي استند إلیها الشرع الإسلاميّ المقدّس. والتي يقوم علیها الدين والمذهب، بما أنَّ حكومة الإسلام وولاية الفقيه تختلف عن سائر الولايات والحكومات. فالهدف الاصليّ لتلك الحكومات هو حفظ الامن في الداخل، وحفظ الحدود من تجاوز الاعداء، وتهيئة أجواء الراحة العامّة ( الخدمات )، وتعلیم الناس وتربيتهم علی السنن الموروثة والمناهج التي اعتادوا علیها وتكيّفوا معها. هذه هي غاية آمال وتطلّعات الدول المقامة في العالم. وتمتاز حكومة الإسلام علی تلك الحكومات بامتلاكها لزوم تنفيذ حاكميّة الإسلام، ووجوب السير بالناس علی أساس الاحكام والقوانين الواردة في القرآن الكريم وسنّة رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم، وإقامة الصلاة في الارض، وجعل الناس ممّن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، طبقاً للآيات التي ذكرت والتي مرّ تفسيرها، من قوله تعإلی: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـ'هُمْ فِي الاْرْضِ أَقَامُوا الصَّلَو'ةَ وَءَاتَوُا الزَّكَو'ةَ[1]... ومن الوظائف الاُخري للوليّ الفقيه هي رعاية المسائل الاجتماعيّة التي تخضع لولايته علی أساس العقيدة والمذهب. فيجب أن يكون في حكومة الإسلام وزارة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعالجة أعمال المعروف والمنكر والقبائح والمفاسد التي توجد في الحكومة، وترغيب الناس أيضاً بأصل عمل المعروف والفحص عن أحواله علی أنحائه وأقسامه. يجب استعمال المصطلحات الإسلاميّة في بلاد الإسلاملقد ذكرت في الرسالة التي كتبتها علی مسوّدة القانون الاساسيّ وقدّمتها لقائد الثورة الكبير: يجب أن تتشكّل وزارة باسم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقوم بوظائفها [2]. وتشكّلت هذه الوزارة باسم وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، ولكن ليس بتلك الصورة التي تتكفّل بها جميع أطراف وجوانب المسألة، وبنحو يتعرّف فيه للمُنكَر من جميع الجهات فيُنهي عنه، و للمعروف من جميع الجهات ليسند ويؤمر به. ثمّ إنَّ لفظ الثقافة والإرشاد الإسلاميّ يختلف عن لفظ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقد ورد في الإسلام اصطلاح الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلینا نحن أيضاً أن نؤسّس وزارة علی هذا الاساس تطبيقاً للنظريّة الإسلاميّة. فالثقافة والإرشاد عبارتان مطلقتان وعامّتان، وتستعملان في كلّ عقيدة ومذهب، حتّي بين إلیهود والزرادشتيّين والشيوعيّين. وأمّا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من مصطلحات الإسلام وعلینا ألاّ نتجاوزه. فيجب ألاّ يُغَيَّر اللفظ أيضاً، لا نَّه وإن كان اسم وزارة الإرشاد الإسلاميّ لايشمل غيرالإسلاميّ، لكنّ لفظ الإرشاد له معني عامّ. فالإرشاد يعني الدلالة والهداية نحو الرشاد والارتقاء. ويستعمل المسلمون هذه الكلمة ويرتضونها، كما يستعملها غير المسلمين أيضاً، فإلیهود والنصاري والبوذيّون والسيخ والاشتراكيّون وغيرهم يقومون أيضاً بإرشاد شعوبهم بشكل جيّد، لكنَّ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا اللفظ غيرموجود عندهم، وإذ إنَّ معروف الإسلام ومنكره غير موجود عندهم، فهذا اللفظ والاصطلاح، وكنتيجة يمكن القول هذا العنوان مختصّ بالإسلام. وكما نسعي نحن في الواقع نحو الحقيقة، فلا يجوز أن نغيِّر ظواهر العبارات والمصطلحات الإسلاميّة. فيجب أن نكتب رسائلنا علی ضوء سنّة رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم والائمّة الاطهار علیهم السلام مبتدئين بعبارة بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم. وبسم الله الرحمن الرحيم هي من مختصّات الإسلام، ولايستعمل إلیهود والنصاري هذه العبارة. أمّا لفظ بِسْمِهِ تَعإلَی؛ فليس بهذا النحو، فهو لفظ عامّ مشترك، والجميع قائلون به. وعلی هذا، فعندما يقول المسلم بسمه تعإلی، وإن كان يريد ذلك الواحد الذي لاشريك له، لكنّه يكون قد أتي بلفظ تشترك جميع الفرق معه فيه، وأين هذا اللفظ من دنيا عظمة وجلالة لفظ بسم الله الرحمن الرحيم. فعلینا هنا استعمال عبارة بسم الله الرحمن الرحيم حتماً، وإظهار وإبراز تلك العظمة التي في صدور الآيات القرآنيّة، وعمق وأصالة الرحمانيّة والرحيميّة للّه تعإلی. ولذا كان القرآن المجيد يبدأ كلّ سورة ببسم الله الرحمن الرحيم. وكذلك علی الإنسان في بداية كلّ عمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وكذا ينبغي أن يتصرّف الإنسان في مطلع الرسائل وسائر الاُمور إلیوميّة، لا نَّه إذا فُقد الاصطلاح فسيتبعه المصطلح، وبزوال الاسم يزول المسمّي أيضاً. ويجب أن نقول أيضاً: إنَّ المسلمين يصلّون، لا أ نَّهم يقومون بالمناجاة. فالمناجاة تعني الدعاء والتوجّه إلی الله تعإلی، وكلّ عبادة أعمّ من الصلاة تسمّي بالمناجاة. فإلیهود والنصاري وحتّي بعض الفرق الباطلة عندهم مناجاة خاصّة بهم، لكنّ لفظ « الصلاة » من مختصّات الإسلام، وكذا « الزكاة » من مختصّاته أيضاً. وعلینا أن نتّبع الإسلام في اللفظ أيضاً. مسألة استعمال المصطلحات من المسائل المهمّة جدّاً، فالكثير من تلك الالفاظ الاصيلة في القرآن والسنّة، والتي كانت رائجة بيننا قد زالت شيئاً فشيئاً وحلّ محلّها ألفاظ ومصطلحات أُخري، فزالت تلك المسمّيات والمصطلحات تبعاً لها! وهذه مسألة مهمّة جدّاً، وعلی الوليّ الفقيه ملاحظتها. ومن جملة وظائف الوليّ الفقيه هي إيجاد وزارة الحجّ، لانَّ الحجّ أحد أركان الإسلام. ومن البديهيّ أ نَّه لا يمكن أن يكون أيّ شعب مسلم في أيّ بلد كان وليس له وزارة حجّ. ويجب أن تكون وزارة الحجّ مستقلّة، لاضمن وزارة الداخليّة أو وزارة الاوقاف. الجهاد واجب كفائيّ في كلّ زمان إلی يوم القيامةومن وظائف الوليّ الفقيه الاُخري تشكيل وزارة الجهاد؛ الجهاد في سبيلالله. أي أنَّ وظيفة الحاكم أن يُربّي شعباً مجاهداً في سبيلالله باستمرار ويرسلهم إلی الجهاد، لا أ نَّه يعلّمهم ويربّيهم لاجل الجهاد، بل المطلوب تحقّق جهاد عمليّ في الخارج، لانَّ الجهاد من أركان الإسلام. والآيات الواردة في القرآن الكريم حول الجهاد مطلقة ولا تختصّ بزمان النبيّ، بل هي شاملة لزمان النبيّ وجميع المعصومين علیهم السلام. وبمقتضي إطلاق الآيات، فالجهاد واجب في زمان الفقيه العادل الجامع للشرائط الذي استقرَّت له الحكومة، وترك الجهاد يوجب زوال وهزيمة الإسلام. ولانقصد من الجهاد الذي نبحثه الآن الدفاع، فالدفاع لايحتاج إلی دليل شرعيّ، والآيات الواردة في القرآن المجيد والروايات عن الائمّة علیهم السلام حول الدفاع إنَّما هي إمضاء لحكم عقليّ وفطريّ، مفاده أنَّ علی كلّ إنسان أن يدافع عن حدوده وشؤونه وأن يردّ العدوّ الذي يريد الاعتداء علی مقدّساته. الجهاد يعني الحركة الابتدائيّة نحو العدوّ. أي أن تقوم جماعة ما بقيادة قائد التحرّك نحو العدوّ من دون أن يكون العدوّ في حالة هجوم علیهم، ومن ثمّ دعوتهم إلی الإسلام، وقتالهم في صورة الرفض والاستنكاف. والجهاد الذي له تلك الاهمّيّة في الإسلام، والذي اعتمد علیه وقيل في حقّه: إنَّ كلّ قطرة دم للمجاهد في سبيل الله لها تلك المزايا والقيمة، هو هذا الجهاد الذي يُدخل فيه المسلمون الكفّار المحرومين من التوحيد والعقائد الحقّة ونبوّة رسول الله والولاية والمبتلين بالشرك وعبادة الاصنام والآداب الجاهليّة وسفنهم الوطنيّة، يدخلونهم به في الإسلام ويجعلونهم في دينهم، ويقولون لهم: وجداننا لا يرتضي أن تظلّوا محرومين من هذه المائدة الجميلة والاطعمة اللذيذة التي قد نلناها ( من التوحيد والمعارف والقرآن وعظمة الإنسان وحقارة غير الله وأرباب الدنيا والمناجاة والحجّ وسائر اللذائذ التي نتمتّع بها )، بل علیكم أن تأتوا إلی هذه المائدة أيضاً. ولذا، فإنَّ المسلمين يبذلون دماءهم لاجل هداية الغير. فالمقصود من الجهاد هو قتال الكفّار من أجل دعوتهم للإسلام، وهذا أمر باقٍ إلی الابد، وهو من المسائل المهمّة في الإسلام. فعندما يزول الجهاد من بين المسلمين يحلّ التوقّف والركود، ويفقد الإسلام عظمته وعزّته واقتداره ويسقط. فعلی عاتق المجتهد أن يقيم وزارة الجهاد عندما تتحقّق له الحكومة، وتصل شأنيّة الحكومة إلی مرحلة الفعلیة، ويبايعه المسلمون للحكم، ويصبح مقام الولاية الإلهيّة مسلّماً له. الآيات القرآنيّة الدالّة علی إطلاق وجوب الجهادتدلّ آيات القرآن علی إطلاق الجهاد، وأ نَّه واجب في كلّ زمان وعلی كلّ مؤمن ( علی نحو الوجوب الكفائيّ كما سيأتي بيانه )، وهذا الحكم جارٍ في كلّ زمان، ولا يختصّ بزمان دون زمان، مثل سائر الاحكام، فكما أنَّ الصلاة والزكاة والصوم أُمور واجبة علی جميع المسلمين في كلّ زمان ولاتختصّ بزمان معيّن، فالجهاد كذلك؛ يقول تعإلی: قَـ'تِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَلاَ بِإلیوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَرَسُولُهُ و وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ حَتَّي' يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَـ'غِرُونَ. [3] « صاغرون » أي حتّي يعطوا الجزية وهم باقون علی دينهم تحت لواء الإسلام وفي ظلّ حكومته، أو أن يُسلموا. فللآية إذَن إطلاق؛ ويقول تعإلی أيضاً: وَقَـ'تِلُوهُمْ حَتَّي' لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَعُدْوَ ' نَ إِلاَّ عَلَیالظَّـ'لِمِينَ.[4] وَقَـ'تِلُوهُمْ حَتَّي' لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ و لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.[5] حَتَّي' لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ: أي حتّي يستقرّ الإسلام ودين الحقّ ودين الله في العالم بكلّ ما للكلمة من معني ( بأوامره ونواهيه وبعقوده ومواثيقه وسننه وعاداته ). فَلْيُقَـ'تِلْ فِي سَبِيلِ اللَهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَو'ةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَـ'تِلْ فِي سَبِيلِ اللَهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.[6] (يَشْرونَ أيْ يَبيعونَ. شِراء بمعني البيع. وَشَرَوْهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ دَرَ ' هِمَ مَعْدُودَةٍ[7]؛ أي أنَّ إخوة يوسف قد باعوه، علی خلاف اشْتَرَي التي هي بمعني الشراء ). إنَّ أُولئك الذين باعوا الدنيا بالآخرة متخلّين عن الدنيا ساعين نحو الآخرة، والذين آمنوا واتّبعوا النبيّ هم أُناس قد تحقّقت قلوبهم بالحقّ، فقد اشتروا الآخرة وباعوا الدنيا، وهم الذين يجب أن يجاهدوا ويقاتلوا في سبيلالله، وكلّ من يقاتل في سبيل الله، سواء قُتل أم انتصر علی العدوّ، فعلی كلّ حال سوف يؤتيه في المستقبل أجراً عظيماً. أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَهُ الَّذِينَ جَـ'هَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّـ'بِرِينَ.[8] أَمْ حَسِبْتُمْ: استفهام استنكاريّ، أي: لا تظنّوا أبداً أنَّ الذي لميجاهد ولاصبر له سوف يدخل الجنّة؛ ويقول تعإلی بعد ثلاث آيات أُخري: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَـ'تَلَ مَعَهُ و رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَهُ يُحِبُّ الصَّـ'بِرِين.[9] وهذه الآية مطلقة أيضاً، لانَّ الله تعإلی يقول، قد كان الكثير من الانبياء كذلك؛ ومن هنا يُعلم أنَّ كلام البعض ممّن قال: إنَّ الجهاد هو في الإسلام فقط ولميكن في الشرائع السابقة جهاد، وإنَّ سائر الانبياء لميجاهدوا، هو كلام غير موزون، لانَّ هذه الآية تقول: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ؛ أي كم من نبيّ من الانبياء قد قاتل وجاهد في سبيل الله مع الرِّبِّيِّين، والاشخاص الذين ربّاهم من الناس الإلهيّين وعباد الله. وعلیه، فلو راجع الإنسان نهج الانبياء والائمّة علیهم السلام فسوف يجد أنَّ الجهاد أمر عقليّ وفطريّ إضافة إلی كونه أمراً شرعيّاً، لانَّ الإنسان لايستطيع رؤية أعداء الدين يعيشون في الضلالة والضياع، بينما يتمتّع هو بنعمة الهداية. فالجهاد يعني تحقيق صبغة الإيمان والتوحيد، وقد كانت هذه سنّة حسنة للانبياء، وكان الله تعإلی قد أوجب الجهاد علی الانبياء. كلام الشيخ في وجوب الجهاد مرّة واحدة في السنة علی الاقلّيقول شيخ الطائفة الحقّة الشيخ الطوسيّ رحمة الله علیه في « المبسوط » في أوّل كتاب الجهاد: وَعلی الإمامِ أنْ يَغْزُوَ بِنَفْسِهِ أوْ بِسَراياهُ، في كُلِّ سَنَةٍ دَفْعَةً حَتَّي لايَتَعَطَّلَ الجِهادُ.[10] إنَّ تعطيل الجهاد كتعطيل الحجّ، فكما أ نَّه لا يمكن أن يُترك بيتالله خإلیاً من الحجّاج، لايمكن أيضاً أن تُعطَّل حكومة الإسلام عن الجهاد. ويقول رحمه الله أيضاً في الصفحات التإلیة في تتمّة المطلب بعد بيان بعض شرائط الجهاد: وَإذَا اجْتَمَعَتِ الشُّروطُ الَّتي ذَكَرْناها فيمَنْ يَجِبُ علیهِ الجِهادُ، فَلايَجِبُ علیهِ أنْ يُجاهِدَ إلاَّ بِأَنْ يَكونَ هُناكَ إمامٌ عادِلٌ أوْ مَنْ نَصَبَهُ الإمامُ لِلجِهادِ؛ ثُمَّ يَدْعوهُمْ إلَی الجِهادِ فَيَجِبُ حينَئِذٍ عَلَیمَنْ ذَكَرْناهُ الجِهادُ. وَمَتَي لَمْيَكُنِ الإمامُ وَلاَ مَنْ نَصَبَهُ الإمامُ سَقَطَ الوُجوبُ بَلْ لايَحْسُنُ فِعْلُهُ أصْلاً. اللَهُمَّ إلاَّ أنْ يَدْهَمَ المُسْلِمينَ أمْرٌ يُخافُ مَعَهُ عَلَیبَيْضَةِ الإسلام وَيُخْشَي بَوارُهُ أوْ يُخافُ عَلَیقَوْمٍ مِنْهُمْ. أي أ نَّه في مسألة الدفاع حين يتعرّض الإسلام للخطر، أو تتعرّض جماعة خاصّة من المسلمين للخطر فلا يعود وجود الإمام والوليّ الفقيه والحاكم وأمثالهم شرطاً لازماً، بل يجب علی نفس الناس التحرّك والدفاع عن الإسلام والمسلمين. أمّا في الموارد التي لا يكون فيها هجوم علی الإسلام، ولميكن ثمّة عنوان دفاع، بل كان المورد جهاداً ابتدائيّاً، فلا يستطيع الناس النهوض من عند أنفسهم والذهاب إلی الجهاد، لانَّ الجهاد يحتاج إلی قائد، ويجب أن يكون القائد إماماً عادلاً، يخضع الجميع لقيادته وولايته. لا يصحّ قتل الناس ولو كانوا كافرين بِيَدِ أيٍّ كان، ولايجوز ذلك، أي لايستطيع المسلم أن يذهب من نفسه ويقتل كافراً أو مشركاً، أو أن يدعوه إلی الإسلام بالسلاح والحرب، فهذا الحقّ حقّ ولايتيّ، ويجب أن يكون تحت نظر الوليّ الفقيه المطّلع علی جميع خصوصيّات الفقه بالضرورة ( مثل الاحكام والمسائل وكيفيّة الجهاد وكيفيّة الامان وكيفيّة الاسر والغنيمة ). ويجب أن يكون هذا الفقيه إنساناً كاملاً، إضافة إلی وجوب كونه قائداً أيضاً، أي يكون قد بايعه أهل الخبرة من المسلمين لإقامة حكومة الإسلام، وأن يكون خاضعاً لولاية إمام العصر عجّل الله تعإلی فرجه الشريف في زمن الغيبة ومرتبطاً به معنويّاً وباطنيّاً. وأن يكون جهاده بإذن وإجازة وإرشاد من الإمام علیه السلام، كما يجب أن يكون عارفاً بالمسائل العسكريّة وأُمور الحرب والصلح، فيعرف كيف يؤقّت جهاده وامتناعه عن ذلك، وكيف يحدّد العدوّ الذي علیه أن يجاهده، والناحية من الثغور الإسلاميّة التي علیه أن يجاهد فيها. وخلاصة القول: أنَّ الجهاد ليس أمراً فرديّاً مثل الصلاة أو الصوم، وإنَّما هو أمر اجتماعيّ وعامّ، فيجب أن يتمّ في ظلّ ولاية الوليّ الفقيه. ويتابع الشيخ قدّس الله نفسه المطلب، إلی أن يقول: وَالجِهادُ مَعَ أئِمَّةِ الجَوْرِ أوْ مِنْ غَيْرِ إمامٍ أصْلاً، خَطأٌ قَبيحٌ يَسْتَحِقُّ فاعِلُهُ بِهِ الذَّمَ وَالعِقابَ إنْ أُصيبَ لَمْ يُؤْجَرْ وَإنْ أصابَ كانَ مَأْثوماً. فسوف يؤاخذهم الله علی ذهابهم من أنفسهم، وقتلهم من قتلوا، لا نَّهم لميكونوا مأمورين بذلك، ولم يكونوا تحت ولاية إمام حقّ أو وليّ منصوب من ناحيته. وَمَتَي جاهَدوا مَعَ عَدَمِ الإمَامِ وَعَدَمِ مَنْ نَصَبَهُ فَظَفِروا وَغَنِموا، كانَتِ الغَنيمَةُ كُلُّها لِلإمامِ خاصَّةً وَلاَ يَسْتَحِقّونَ هُمْ مِنْها شَيْئاً أصْلاً. فحكم الإسلام إذَن هو: أنَّ من يجاهد بدون إذْن الإمام، فكلّ غنيمة يغنمها تكون للإمام، ولا حقّ له بالاستفادة من تلك الغنيمة علی الإطلاق. المرابطة في رتبة متأخّرة عن الجهاد، وهي من 3 إلی 40 يوماًوَالمُرابَطَةُ فيها فَضْلٌ كَثيرٌ وَثَوابٌ جَزيلٌ إذا كانَ هُناكَ إمامٌ عادِلٌ؛ وَحَدُّها ثَلاثَةُ أيَّامٍ إلَی أرْبَعينَ يَوْمًا؛ فَإنْ زادَ عَلَیذَلِكَ كانَ جِهاداً. إنَّ أحد التشريعات الإسلاميّة هي المرابَطة. فعلی الوليّ الفقيه أن يُقيم مرابطة باستمرار، والمرابطون عبارة عن جماعة من جند الإسلام ينفذون إلی أرض الكفر ويستقرّون هناك، فيحفظون حدودهم بهذه الطريقة ليمنعوا العدوّ من الهجوم علی بلادهم، كما أ نَّهم ينفذون بذلك في بلاد الكفر بالتدريج، فهذا هو المرابطة. يقول الشيخ محمّد حسن صاحب « الجواهر » رضوان الله علیه في كتاب الجهاد [11]: هُوَ ذِرْوَةُ سَنامِ الإسلام وَرابِعُ أرْكانِ الإيمانِ وَبابٌ مِنْ أبْوابِ الجَنَّةِ وَأفْضَلُ الاشْياءِ بَعْدَ الفَرائِض. هذه العبارات التي ينقلها الشيخ محمّد حسن في « الجواهر » هي عين مفاد الروايات، غاية الامر أ نَّه لم يوردها بصفة رواية، لكنّه أخذ ذلك المتن في تعريف الجهاد من الروايات. ذِرْوَة أو ذُرْوَة: هي أعلی نقطة في الاماكن المرتفعة. ذِرْوَةُ الجَبَل أي أعلی نقطة فيه. هُوَ ذِرْوَةُ سَنامِ الإسلام: فهذا الجهاد هو أعلی نقطة في الإسلام. سَنامُ الجَمَل: أي الشيء الذي يضعوه علی الجمل لكي يركبوه. ذِرْوَةُ سَنامِ الإسلام: أي أعلی نقطة مرتفعة في الإسلام. وَرَابِعُ أرْكانِ الإيمان: أي أنَّ سقف الإيمان يقع من دونها. وَبابٌ مِنْ أبْوابِ الجَنَّةِ. وَأفْضَلُ الاَشْياءِ بَعْدَ الفَرائِضِ: أي الفرائض الواجبة من الصلاة والصوم والحجّ والزكاة والخمس. وَسِياحَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ الَّتي قَدْ جَعَلَ اللَهُ عِزَّها بِسَنابِكِ خَيْلِها وَمَراكِزِ رِماحِها. لقد كان للناس في الاُمم السابقة سياحة، وقد ورد في القرآن الكريم: التَّـ'´ئِبُونَ الْعَـ'بِدُونَ الْحَـ'مِدُونَ السَّـ'´ئِحُونَ [12]. فقد كانت إحدي عبادات الناس الدوران في الصحاري والجبال منفردين، والسير في آثارالله، والنظر والتفكّر لتتفتّح قلوبهم، وقد جعل الله سياحة أُمّة نبيّنا في الجهاد، لكن أيّ جهاد هذا؟ وأيّة سياحة؟ تلك السياحة التي جعل الله عزّها بسنابك خيلها. سَنابِك جمع سُنْبُك؛ و بِسَنابِكِ خَيْلِها: أي أنَّ الله عزّ وجلّ قد جعل عزّة أُمّة محمّد صلّي الله علیه وآله وشرفها بسنابك خيلها، أي الموضع الذي تضعه الخيل علی الارض حين تسير نحو الجهاد. وَمَراكِزِ رِماحِها؛ ( رِماح جمع رُمْح ): أي المواضع التي تثبّت بها الرماح في الارض حتّي تدور المعركة في أطرافها، أو المواضع التي ينغرز فيها الرمح في صدر العدوّ فيلقيه أرضاً. هذا هو عزّ الإسلام وعزّ أُمّة النبيّ الذي جعله الله تعإلی في الجهاد في سبيله وفي سبيل رسوله. وهذه من الاُمور الدقيقة جدّاً. الخَيْرُ كُلُّهُ في السَّيْفِ وَتَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِوَفَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرٌّ فَإذا قُتِلَ في سَبيلِ اللَهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ. وَالخَيْرُ كُلُّهُ في السَّيْفِ وَتَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ. وَلاَ يُقيمُ النَّاسَ إلاَّ السَّيْفُ. وَالسُّيوفُ مَقإلیدُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَلِلجَنَّةِ بابٌ يُقالُ لَهُ بابُ المُجاهِدينَ، يَمْضونَ إلَیهِ فَإذاً هُوَ مَفْتوحٌ وَهُمْ مُتَقَلِّدونَ سُيوفَهُمْ. وَمَنْ غَزا غَزْوَةً في سَبيلِ اللَهِ فَما أصابَهُ قَطْرَةٌ مِنَ السَّماءِ أوْ صُداعٌ إلاَّ كانَتْ لَهُ شَهادَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَأنَّ المَلاَئِكَةَ تُصَلّي عَلَیالمُتَقَلِّدِ بِسَيْفِهِ في سَبيلِ اللَهِ حَتَّي يَضَعَهُ؛ وَمَنْ صَدَعَ رَأْسُهُ في سَبيلِ اللَهِ غَفَرَ اللَهُ لَهُ ما كانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ. مضافاً إلی قوله تعإلی: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـ'تِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا علیهِ حَقًّا فِي التَّوْرَب'ةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَي' بِعَهْدِهِ مِنَ اللَهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَ ' لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. [13] وقوله تعإلی: لاَ يَسْتَوِي الْقَـ'عِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَـ'هِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَهِ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَیالْقَـ'عِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسْنَي' وَفَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ عَلَیالْقَـ'عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَـ'تٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا.[14] إنَّ التكليف ساقط عن أُولي الضَّرر الذين لا يستطيعون الجهاد في سبيلالله. وأمَّا المؤمنون غير أُولي الضرر والقادرون علی الجهاد ( بما أنَّ الجهاد واجب كفائيّ وليس واجباً عينيّاً علی كلّ مسلم ) فالذين لم يجاهدوا باختيارهم وكانوا من القاعدين ( أي اشتغلوا بأعمال أُخري كالصلاة والصيام والحجّ وسائر أعمال الخير ) لن تكون درجتهم مساوية لدرجة المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فالله تعإلی قد فضّل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله علی القاعدين، وجعلهم في درجة أعلی منهم. وقد وعدالله الجميع خيراً ( سواء القاعدين أم المجاهدين )، لكن: فَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ عَلَیالْقَـ'عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا؛ والاجر العظيم عبارة عن علوّ الدرجة والرحمة والمغفرة من الله تفضيلاً لهم. ويستفاد من هذه الآية أوّلاً: أنَّ الجهاد غير واجب علی القاعدين، لانَّ القعود عن الجهاد في حال وجوبه يؤدّي إلی الوقوع في الذنب، ولامعني لان نقول بعد ذلك إنَّ الله تعإلی قد فضّلهم علیهم درجة أو أعطاهم أجراً عظيماً. فلا معني للفضيلة والتفضيل إلاّ حيث يكون هناك فضيلة في المفضول والفاضل معاً، فعندئذٍ يكون للفاضل فضيلة علی المفضول. أمّا عندما يكون العمل ساقطاً عن درجة الاعتبار بشكل كامل فلنيكون هناك مجال للفضيلة. ومن هنا يُستفاد: أنَّ وجوب الجهاد كفائيّ إلاّ عندما يَدْهَمُ المُسلِمينَ أمْرٌ؛ حيث يصير الامر حينها بعنوان دفاع، وغالباً ما يكون وجوب الدفاع وجوباً عينيّاً. وإذا لم يكن لواجدي الشرائط من سبيل لإخراج الكفّار، فيجب عندئذٍ حتّي علی الرجل العجوز والاعمي والمريض والطفل والمرأة أن يتحرّكوا للدفاع أيضاً لإخراج العدوّ من الارض الإسلاميّة. الآيات الواردة حول لزوم الجهاد في سبيل الله وعظمتهوأمّا الجهاد الذي هو دعوة الكفّار ابتداءً إلی الإسلام، فهو واجب كفائيّ، وليسواجباً علی جميع الاشخاص. ومع ذلك، فالمجاهد أفضل من القاعد وإن كان مشغولاً بأعمال خير أيضاً. وقد ذكر لهم في هذه الآية ثلاث فضائل: الاُولي: فَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَیالْقَـ'عِدِينَ دَرَجَةً. الثانية: وَكُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسْنَي'. الثالثة: وَفَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ عَلَیالْقَـ'عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. لكنّه قد فضّل المجاهدين علی القاعدين أجراً عظيماً: دَرَجَـ'تٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. يقول صاحب « الجواهر » رضوان الله علیه بعد ذكر هذه الآيات وإكمال المطلب:[15] نَعَمْ، فَرْضُهُ عَلَیالكِفايَةِ بِلا خِلافٍ أجِدُهُ فيهِ بَيْنَنا بَلْ وَلاَبَيْنَ غَيْرِنا... إلاَّ ما يُحْكَي عَنْ سَعيدِ بْنِ المُسَيِّبِ فَأوْجَبَهُ عَلَیالاَعْيَانِ لِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعإلَی: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـ'هِدُوا بِأَمْوَ ' لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ [16]. ثُمَّ قالَ: إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا إلیمًا.[17] وَالنَّبَويِّ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ مَاتَ عَلَیشُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ. فصاحب « الجواهر » رحمه الله يُشكِل بهذا النحو: مهما فحصتُ لمأجد خلافاً من كون وجوب الجهاد كفائيّاً إلاّ من سعيدبن المسيِّب الذي رآه عينيّاً وأورد علیه ثلاثة أدلّة: الاوّل: الآية الشريفة: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً. الثاني: الآية الشريفة: إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا إلیمًا. الثالث: الرواية المرويّة عن النبيّ صلّي الله علیه وآله عن طريق العامّة من أنَّه: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ.... وينقل هذه الرواية أبو داود في « السنن »، كما ينقلها الكثير من صحاح أهل السنّة أيضاً. وإشكال المرحوم صاحب « الجواهر » هو: أنَّ آية: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً، تتعلّق بعنوان تبوك، ففي غزوة تبوك كانت التعبئة عامّة بلاشكّ، فالنبيّ صلّي الله علیه وآله أعلن أنَّ علی جميع مَن في المدينة الخروج ماعدا النساء وأهل الزمانة وآخرين. ومن البديهيّ أنَّ الآية تختصّ بتلك الظروف الخاصّة، وليس وجوبها تعميم للجميع وفي جميع الاحوال. وكذلك الآية التي تقول: إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا إلیمًا، فهي تتعلّق بهذه المعركة أيضاً. ولذا، صار الاشخاص الثلاثة كعب بن مالك ورفيقاه الذين لمينفروا عرضة لسخط الله والنبيّ، فأعرض عنهم النبيّ الاكرم والمؤمنون والمسلمون بعد الحرب وضيّقوا علیهم. والقصّة طويلة، إلی أن ذهبوا وتضرّعوا، وقبل الله توبتهم بعد أربعين يوماً. وتختصّ آية: وَعلی الثَّلَـ'ثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا...[18] بهم. وإشكال المرحوم صاحب « الجواهر » هو: عندما يكون عندنا دليل علی الوجوب العينيّ في قضيّة شخصيّة، فهذا لا يوجب كون الوجوب عينيّاً في جميع الموارد. وأمّا الحديث النبويّ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ... فأوّلاً: راويه أبوهريرة، ورواية أبي هريرة غير قابلة للقبول. ثانياً: ربّما كان معناه هو أنَّ مَن مات وقد أنكر عنوان الجهاد في الإسلام أصلاً، ولم يقبل هذا الاصل، فقد رحل عن هذه الدنيا علی النفاق، لاأ نَّه إن لم يقاتل في حدّ نفسه. ثمّ يتابع المطلب، إلی أن يقول: بِشَرْطِ وُجودِ الإمامِ علیهِ السَّلامِ وَبَسْطِ يَدِهِ أوْ مَنْ نَصَبَهُ لِلْجِهادِ وَلَوْ بِتَعْميمِ وِلايَتِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ في قُطْرٍ مِنَ الاَقْطارِ؛ بَلْ أصْلُ مَشْروعيَّتِهِ مَشْرُوطٌ بِذَلِكَ فَضْلاً عَنْ وُجوبِهِ. فيقول رحمه الله: إنَّ جميع ما ذكرناه من الآيات والروايات حول الجهاد والفضائل التي بيّنت للمجاهدين إنَّما يكون في صورة كون الإمام مبسوط إلید أو كان الشخص الذي نصبه الإمام للجهاد موجوداً وأمر الإنسان بالجهاد، وإن كان النصب للجهاد بواسطة تعميم الولاية. أي أنَّ الإمام المعصوم لم ينصب شخصاً كهذا بنفسه وخصوصه للجهاد، وإنَّما يكون قد أعطي الولاية بواسطة ولاية الفقيه العامّة لشخص في خصوص مسألة الجهاد، أو في سائر المسائل والجهاد من جملتها. وإذا أثبتنا بأدلّة ولاية الفقيه أنَّ جميع شؤون ومناصب الإمام هي للفقيه أيضاً، فعندئذٍ يكون الجهاد من شؤونه أيضاً. فمن خلال تعميم أدلّة ولاية الفقيه إذَن يكون ذلك الحكم الجهاديّ الذي كان للإمام علیه السلام في زمانه ثابت للفقيه أيضاً، سواء كان الإمام حيّاً وحاضراً وكان الفقيه في نقطة قريبة أم بعيدة في الدنيا، وكان نائباً عن الإمام في تلك المنطقة، أم كان في زمن الغيبة وكانت أدلّة ولاية الفقيه بعمومها تشمل أمره بالجهاد. الروايات الدالّة علی شرط الولاية في مشروعيّة الجهادفبناء علی تعميم أدلّة ولاية الفقيه، نستطيع إثبات وجوب الجهاد وإطلاقه؛ بل إنَّ أصل مشروعيّة الجهاد مشروطة بالولاية، فضلاً عن وجوبه، لانَّ الجهاد ليس أمراً شخصيّاً وفرديّاً، وإنَّما هو أمر يحتاج إلی الولاية. ولايستطيع الإنسان أن يقوم به من نفسه. بل تتمّ جميع هذه الاُمور ضمن ولاية ذلك الوليّ الذي له علی الإنسان ولاية شرعيّة. وقد أتي صاحب « الجواهر » بعدّة شواهد من الاخبار لهذا المعني.[19] الاوّل: خبر بشير الدَّهَّان، عن الصادق علیه السلام؛ يقول: قُلْتُ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَ نِّي قُلْتُ لَكَ: إنَّ القِتَالَ مَعَ غَيْرِ الإمَامِ المَفْرُوضِ طَاعَتُهُ حَرَامٌ مِثْلُ المَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ؟ فَقُلْتَ لِي: هُوَ كَذَلِكَ! فَقَالَ أَبُوعَبْدِاللَهِ علیهِ السَّلاَمُ: هُوَ كَذَلِكَ! هُوَ كَذَلِكَ! الثاني: خبر عبد الله بن المُغيرة الذي يقول: سمعتُ محمّدبن عبدالله يقول للإمام الرضا علیه السلام: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَنْ آبَائِهِ علیهِمُ السَّلاَمُ أَ نَّهُ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: إنَّ فِي بِلاَدِنَا مَوْضِعَ رِبَاطٍ يُقَالُ لَهُ قَزْوِينُ وَعَدُوَّاً يُقَالُ لَهُ الدَّيْلَمُ؛ فَهَلْ مِنْ جِهَادٍ أَوْ هَلْ مِنْ رِبَاطٍ؟ فَقَالَ: علیكُمْ بِهَذَا البَيْتِ فَحُجُّوهُ! فَأَعَادَ علیهِ الحَدِيثَ. فَقَالَ: علیكُمْ بِهَذَا البَيْتِ فَحُجُّوهُ! أَمَا يَرْضَي أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ يُنْقِقُ عَلَیعِيَالِهِ مِنْ طَوْلِهِ يَنْتَظِرُ أَمْرَنَا؛ فَإنْ أَدْرَكَهُ كَانَ كَمَنْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَدْراً؛ وَإنْ مَاتَ مُنْتَظِراً لاِمْرِنَا كَانَ كَمَنْ كَانَ مَعَ قَائِمِنَا صَلَوَاتُ اللَهِ علیهِ هَكَذَا فِي فُسْطَاطِهِ ـوَجَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ ـ وَلاَ أَقُولُ هَكَذَا ـ وَجَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَيـ فَإنَّ هَذِهِ أَطْوَلُ مِنْ هَذِهِ؟! فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ علیهِ السَّلاَمُ: صَدَقَ. ويظهر أنَّ محمّد بن عبد الله هو ابن عبد الله بن الإمام جعفر الصادقعلیهالسلام، فهو محمّد بن عبد الله بن جعفر الصادق. اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد ارجاعات [1] ـ صدر الآية 41، من السورة 22: الحجّ. [2] ـ طبعت هذه الرسالة كملحق في كتاب «وظيفة فرد مسلمان در إحياي حكومت إسلام» (= أي «وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام»). [3] ـ الآية 29، من السورة 9: التوبة. [4] ـ الآية 193، من السورة 2: البقرة. [5] ـ الآية 39، من السورة 8: الانفال. [6] ـ الآية 74، من السورة 4: النساء. [7] ـ الآية 20، من السورة 12: يوسف. [8] ـ الآية 142، من السورة 3: آل عمران. [9] ـ الآية 146، من السورة 3: آل عمران. [10] ـ «المبسوط» ج 2، ص 2، طبعة المرتضويّ. [11] ـ «جواهر الكلام» ج 21، ص 3، الطبعة السادسة، الآخونديّ. [12] ـ صدر الآية 112، من السورة 9: التوبة. [13] ـ الآية 111، من السورة 9: التوبة. [14] ـ الآيتان 95 و 96، من السورة 4: النساء. [15] ـ «جواهر الكلام» ج 21، ص 9. [16] ـ صدر الآية 41، من السورة 9: التوبة. [17] ـ صدر الآية 39، من السورة 9: التوبة. [18] ـ صدر الآية 118، من السورة 9: التوبة. |
|
|