|
|
الصفحة السابقة
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ وصلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ
كانت الثورات التي قامت بها مجموعة من أهل البيت إلی ا لآن بصور مختلفة. فإحداها كانت ثورة محمّد( صاحب النفس الزكيّة) بن عبدالله المحضبن الحسنبن الحسنبن علی بن أبي طالب. أي حفيد الإمام الحسن المجتبي. كان عبد الله المحض من كبار القوم وشيوخهم، ومن رؤساء بني الحسن، ولميكن له في زمانه نظير في بني الحسن، وكان الإمام الصادق يحترمه كثيراً. وكان يزعم أنَّ قول النبيّ الذي مضمونه: « أنَّ المهديّ عليه السلام من صُلبي، وأ نَّه يمنع الظلم والعدوان، وأنَّ اسمه اسمي » إنَّما كان يشير إلی ابنه محمّد. ولذا، دعا الناس إلی بيعته، وتحرّك محمّد أيضاً بهذا العنوان. وقد سجن المنصور الدوانيقيّ جميع بني الحسن، وقام بتعذيب عبدالله المحض، وأخيه الحسن المثلّث( الذي هو الجدّ الاعلی لاُستاذنا آيةالله العلاّمة الطباطبائيّ، فسادات طباطبا هم من بني الحسن، ومن أولاد الحسن المثلّث) بأنواع العذاب بجرم اطّلاعهم علی مكان محمّد وأخيه إبراهيم، وامتناعهم عن إرشاده إليه، وكانوا جميعاً أبرياء من كلّ ذنب. وقد أرسل الإمام رقعة إلی عبد الله المحض أبدي فيها غاية حزنه وتحسّره لاعمال المنصور، وهذه الرقعة منقولة في « الإقبال » للسيّد ابن طاووس. كان المنصور يطالبه بأن يدلّه علی مكان ابنه، بينما كان هو يقول: كيف أُرشد هذه السفّاك إلی مكان ابني ليأخذه فيقطّعه أرباً! والله إنَّ مصيبتي هذه أشدّ من مصيبة يعقوب، لانَّ أبناء يعقوب أخبروه بأنَّ يوسف قد أكله الذئب ومات، بينما يطلب منّي المنصور أن أُسلِّمه ابني ليقتله أمام عيني. كان قيام محمّد بعنوان المهدويّة، ولذا منعهم الإمام الصادق عليه السلام، ولميكن راضياً عن قيامهم. وأمّا بني الحسن كعبدالله المحض وسائر أبنائه وإخوانه المعدودون سبعة عشر رجل، فقد توفّوا مع ثمانية رجال آخرين في سجن المنصور في بغداد بعد أن أمضوا سنوات طويلة في ذلك السجن. وقد بكي الإمام عليه السلام لهم وأبدي حزنه عليهم، وطلب لهم الرحمة والمغفرة. أمّا إبراهيم( أخو محمّد) فقد قام تبعاً بعد أخيه طلباً للثأر، وقتل أيضاً. عدم تحمّل زيد لسبّ هشام وشتمه، ثمّ قيامه في الكوفةوأمّا زيد ومن بعده ابنه يحيي فقد كانا في زمان هشامبن عبدالملك، وقام هشام بتوجيه إهانة شديدة لزيد في مجلسه وشتمه وأساء له القول؛ فلميستطع زيد تحمّل ذلك إذ كان رجلاً كاملاً وغيوراً وصاحب شخصيّة وعظمة، ومن أهل التقوي، وعالماً بالقرآن؛ فخرج من مجلس هشام وهو يقول: إنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ قَوْمٌ قَطُّ حَرَّ السُّيوفِ إلاَّ ذَلُّوا! عندما وصلت هذه الجملة لهشام؛ قال: لقد كنت أظنّ أنَّ هذا البيت( يعني بني فاطمة) قد اندثر بشكل كامل، ولم يبق شيء من آثاره، فكيف يصدر كلام كهذا من بيت زائل! وخرج زيد في الكوفة، مع أنَّ داود بن علی بن عمر بن علیبن أبي طالب، وهو من أحفاد أميرالمؤمنين عليه السلام وكان رفيقه في السفر، قد منعه ونهاه عدّة مرّات؛ وقال له: لا تعتمد علی بيعة أهل الكوفة فإنَّهم لايَفون، وسيتصرّفون معك كما تصرّفوا مع أجدادك. وقد أخذ زيد بكلامه وقصد الرجوع إلی المدينة، لكنّ أهل الكوفة جاءوا إليه وسط الطريق مستنكرين هذا الكلام، وأظهروا استعدادهم الكامل ليكونوا سيوفاً مسلولة لنصرته، لا نَّهم يرونه مهديّ هذه الاُمّة، طالبين منه القيام والقضاء علی الظلم والتعدّي، والقصّة طويلة جدّاً، وقد نقلها الكثير من الاجلّة. جاء زيد إلی الكوفة، وبايعه حو إلی ثلاثون ألف رجل، وبقي في الكوفة حو إلی ثلاثة عشر شهراً؛ ويُقال: إنَّه ليلة أراد الخروج، كان عدد رجاله مائة واثنين وعشرين رجلاً، ومع هذا فقد خرج. والعجيب أنَّ هذه القلّة قد ظفرت بالعدوّ، فقتل منه عدد كبير وأُسر عدد آخر أيضاً، إلی أن قُتل زيد أخيراً، بعد أن لميبق معه إلاّ عدد قليل. وقد رجع أحد رجال زيد إلی المدينة، ونقل قصّته للإمام الصادق عليه السلام، فبكي الإمام عليه السلام. وقال ذلك الرجل: إنَّهم دفنوا زيداً في أرض النهر وأجروا الماء حوله، لكنَّ أحد الجواسيس أخبر و إلی الكوفة فأخرج الجنازة وقطع رأسه وأرسله للشام أوّلاً ثمّ إلی المدينة، بينما صلب بدن زيد في الكوفة؛ وبقي مصلوباً لمدّة أربع سنوات. فسأل الإمام عليه السلام عن السبب في دفنه بهذا الشكل الذي أتاح للعدوّ أن يجد مكانه؟ فقال ذلك الرجل: والله ما كنّا نقدر علی عملٍ غير هذا، لانَّ عددنا كان ثمانية رجال فقط، وكان الباقون بين قتيل وهارب، وقد أشرف الصبح علی الطلوع. فسأل الإمام عليه السلام عن المسافة التي كانت تفصلهم عن نهر الفرات؟ فقال: علی مرمي حجر. فقال الإمام عليه السلام: لو أ نَّكم وضعتم حديداً برجلي زيد وألقيتموه في الفرات لكان أفضل من أن تدفنوه ويقوم العدوّ بإخراج جثّته وقطع رأسه وصلبه في كناسة الكوفة. فقال: والله ما كنّا قادرين علی هذا العمل أيضاً. فقال الإمام عليه السلام: كيف كانت معركتكم؟ فقال: معركة الإسلام والكفر. فقال الإمام: وضدَّ مَن؟ فقال: مع الكفّار. فقال الإمام: أوَلاَ توجد آية في القرآن فيما إذا كان قتالكم مع الكفّار فعليكم بقتل كلّ من تأخذونه وعدمإبقائه علی قيد الحياة، لانَّ الباقين منهم سيجتمعون ويتغلّبون عليكم؟ فالذين تأخذونهم بعد انتهاء الحرب هم أسري، فإن شئتم قتلتموهم أو أخذتم منهم الفدية وتركتموهم؛ لكنَّكم أخذتم أُولئك في بحبوحة الحرب وحافظتم عليهم، ولذلك اجتمعوا وتغلّبوا عليكم وقتلوكم. فإذا كنتم تقاتلون الكفّار فَلِمَ لَمْ تعملوا بهذه ا لآية؟! ولا يخفي أنَّ زيداً لم يُقتل بالسيف، لكنَّه أُصيب بسهمٍ في جبينه المبارك فسقط علی الارض. ولم يتجرّأ أحدٌ علی الاقتراب منه بسبب شجاعته. فجاءه سهم من بعيد فأصاب جبينه وألقاه صريعاً؛ وعندما مات تفرّق رجاله. ومهما يكن من أمر، فقد كان قيام زيد ضدّ الباطل والظلم. شدّة تأثّر الإمام الصادق عليه السلام لشهادة عمّه زيدوكان الفضيل بن يسار الذي كان من خواصّ الإمام الصادق عليه السلام في الكوفة ذلك الوقت، قد أتي الإمام الصادق عليه السلام بخبر يوم قيام زيد ويوم قتله فبكي الإمام عندما سمع الخبر؛ وقال: يافُضَيل! كم رجلاً قتلت من الكفّار؟ فقال: قتلت ستّة رجال. فقال الإمام: كيف سمع أهل الكوفة صوته وتركوه وحيداً، يالهم من أُناسٍ لاحميّة لهم! بناءً علی هذا، فقد أمضي الإمام عليه السلام قتل الفضيلبن يسار لاُولئك الرجال. كما استنكر الإمام موقف أهل الكوفة في تركهم زيداً وحيداً دون أن ينصروه ويفوا بعهدهم. فجميع ذلك كان مورد إمضاء الإمام، وعمل زيد كان محلّ إمضاء، وكان الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام يؤيّدان القيام علی الظلم والجور في حدّ ذاته، وزيد أيضاً لميدعُ إلی نفسه، ولميدّعِ المهدويّة والرئاسة أصلاً، بل دعا إلی الرضا من آل محمّد؛ وقال: إنَّي أدعو لرئاسة وإمارة وإمامة من يكون مرضيّاً وينتخبه الناس من بين آل محمّد للإمارة. ولميشر إلی نفسه في ذلك أبداً. ينقل الصدوق في « عيون أخبار الرضا »[1] عن ابن أبي عبدون، عن أبيه، أ نَّه قال: قام زيد بن موسي بن جعفر علی بني العبّاس( زيدبن موسيبن جعفر هو الذي قام في زمان الرضا والمأمون علی بني العبّاس في البصرة، وأحرق بيوت بني العبّاس، فأرسل المأمون له جيشاً فظفر به وأسره، لكنّه بعد ذلك وهبه للإمام الرضا عليه السلام، أي أ نَّه عفا عن ذنبه ولميقتله). لم يكن قيام زيد في محلّه، بل كان قياماً خاطئاً( وقد سُمّي زيد النار، لا نَّه أحرق بيوت بني العبّاس)، فآخذه الإمام الرضا عليه السلام علی فعلته، علی غروره بقول النبيّ في رواية سُمِعَتْ عنه: إنَّ كلّ مَن كان من ولد فاطمة فبدنه علی النار حرام، وتلك الرواية مختصّة بذرّيّة فاطمة أي الحسن والحسين، لابجميع من يوجد من أولادها، حتّي لو ارتكبوا المعاصي والمخالفات، وأ نَّه لاينبغي له أن يستغلّ هذه الرواية ويقوم بأعمالٍ من دون إذْن ءامامه ووليّه فيبيح لنفسه ارتكاب مفاسد كهذه. كان زيد من علماء آل محمّد، ويلي المعصوم في الولاية والعصمةفلم تكن ثورة زيد بن موسي أمراً حسناً، ولم يكن الإمام الرضا عليه السلام راضياً عنها. وعندما جاؤوا بزيد إلی المأمون عفا عن جرمه كرامة لاخيه علیبن موسي الرضا عليه السلام. أي أ نَّه مَنَّ علی الإمام الرضا عليه السلام، وقال له: إنَّا نهب جرمه لك؛ وقال: يا أبا الحَسَنِ! لَئِنْ خَرَجَ أخوكَ وَفَعَلَ ما فَعَلَ، لَقَدْ خَرَجَ قَبْلُهُ زَيْدُبْنُ علی ] عَلَيْهِ السَّلامُ [ فَقُتِلَ؛ وَلَوْلاَ مَكانُكَ مِنّي لَقَتَلْتُهُ! فَلَيْسَ مَا أتَاهُ بِصَغيرٍ. فقال الإمام الرضا عليه السلام للمأمون: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لاَ تَقِسْ أَخِي زَيْدَاً إلَی زَيْدِ بْنِ علی، فَإنَّهُ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ؛ غَضِبَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَاهَدَ أَعْدَاءَهُ حَتَّي قُتِلَ فِي سَبِيلِهِ. ثمّ قال بعد ذلك: لقد حدّثني أبي موسي بن جعفر أ نَّه سمع من أبيه جعفربن محمّد أ نَّه قال: رَحِمَ اللَهُ عَمِّيَ زَيْدَاً، إنَّهُ دَعَا إلَی الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؛ وَلَوْ ظَفَرَ لَوَفَي بِمَا دَعَا إلَيْهِ. وإنَّه قد شاورني عندما أراد الخروج فقلت له: يَا عَمِّ! إنْ رَضِيتَ أَنْ تَكُونَ المَقْتُولَ المَصْلُوبَ بِالكُنَاسَةِ فَشَأْنُكَ! فَلَمَّا وَلَّي، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ] عَلَيْهِ السَّلاَمُ [: وَيْلٌ لِمَنْ سَمِعَ وَاعِيَتَهُ فَلَمْيُجِبْهُ! فقال المأمون: يَا أَبَا الحَسَنِ! أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ فِيمَنِ ادَّعَي الإمَامَةَ بَغَيْرِ حَقِّهَا مَا جَاءَ؟! أي أنَّ زيد بن علی قد ادّعي الإمامة بِغَيْرِ حَقِّهَا، وما ورد عن رسولالله صلّيالله عليه وآله عن هؤلاء المدّعين يشمل حال زيدبن علی أيضاً. فَقَالَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّ زَيْدَ بْنَ علی لَمْ يَدَّعِ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ؛ وَإنَّهُ كَانَ أَتْقَي لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ إنَّهُ قَالَ: أَدْعُوكُمْ إلَی الرِّضَا مِنْ آلِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ؛ وَإنَّمَا جَاءَ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَدَّعِي أَنَّ اللَهَ تَعَ إلَی نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يَدْعُو إلَی غَيْرِ دِينِ اللَهِ وَيُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَكَانَ زَيْدٌ وَاللَهِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ ا لآيَةِ: وَجَـ'هِدُوا فِي اللَهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ. [2] فيتحصّل من مجموع ما ورد حول زيد بن علی أنَّ الاخبار الواردة في مدحه والثناء عليه فوق حدّ الاستفاضة، بل يمكن القول إنَّها تبلغ حدّ التواتر. فقد كان زيد يمتلك شخصيّة قويّة، وكان أفضل أولاد الإمام السجّاد عليه السلام بعد الإمام الباقر عليه السلام، وكان يعتقد بعظمة مقام الصادقَينِ عليهما السلام، لكنّه لم يكن يمتلك سعة يتحمّل ظلم كهذا مثل الإمام المعصوم. فلقد نفد صبره، فاعتمد علی السيف، وقام علی حكومة هشامبن عبدالملك الذي شتمه في مجلسه علناً وأساء له القول.[3] ولم يدلّ نهي الإمام الصادق عليه السلام زيداً عن القيام علی عدماستحقاق سقوط حكومة هشام الجائر، بل كان يدلّ علی أنَّ من الهدر والضياع أن يُقتل رجل كزيد وهو بتلك الفضيلة والمتانة والوزن دون أن يترتّب علی قتله ثمرة معتبرة، أو يعود من ذلك فائدة كالتي حصلت من شهادة سيّد الشهداء عليه السلام التي قد أثمرت. إذ كثيراً ما كان الإمام الصادق يوازن بين قيام زيد والنتيجة الحاصلة منه، ويري أنَّ كفّة حياة ووجود عمّه زيد الغالية أثقل بكثير وأكثر قيمة من شهادته، ولذا كان يتأسّف ويتحسّر علی مثله، وظلّ محزوناً ومتألّماً علی فقده. لقد كان زيد ذو فضل وتقوي وعلم، ويُعدّ من علماء آل محمّد، لكنّه ليسكالمعصوم في الولاية والعصمة، بل كان يليه في الدرجة، وكان ذو سعة ولايتيّة ووجوديّة كإسماعيل بن جعفر عليه السلام ومحمّدبن علی النقيّ( الهاديّ) عليه السلام، اللذان لولا البداء لانتقلت الإمامة إليهما، لكنّه لميكن قد حاز مرتبة العصمة والولاية؛ ويري زيد وجوب القيام بالسيف لإزالة الظلم في مختلف الاحوال. ولم تكن هذه النظريّة نقصاً وعيباً فيه، بل كانت نسبتها إلی نظريّة الإمام الصادق نسبة التامّ إلی الاتمّ والكامل إلی الاكمل. كان لكلّ من الائمّة سلام الله عليهم أجمعين مع ولايتهم وعصمتهم وتوحيدهم وطهارتهم، تعدّديّة في الطريقة والسلوك كالتعدّديّة الناشئة عن الاختلافات المكانيّة والزمانيّة والطبعيّة والطبيعيّة التي يجمع بينها الوصول إلی الولاية والتوحيد والذوبان في الحقيقة فقط. وزيد وإن لم يكن قد وصل إلی هذه الدرجة من الولاية لكنّه طوي في حدّ نفسه مراحل طويلة من العبوديّة، وكان جامعاً للكثير من كمالات عالم التجرّد. وكان بحاجة لكشف حجاب واحد فقط لكي يصير مثل المعصوم. فهو إذَن، لميكن كأيّ شيعيّ عاديّ، بل كان في ذروة العرفان والتوحيد. ولايمكن بحال من الاحوال قياس مثل زيد إلی الكثير من الشيعة الذين هم بحسب الظاهر من أهل التسليم والإطاعة الصرف لائمّتهم، لكنَّ مقاماتهم العرفانيّة والولائيّة وكمالاتهم التوحيديّة لاتحوز تلك الاهمّيّة. لم يكن نهي الإمام الصادق عليه السلام عن قيام زيد نهياً إلزاميّاًولم يكن نهي الإمام الصادق عليه السلام عن قيام زيد نهياً إلزاميّاً، بل كان نهياً تنزيهيّاً، بل كان نهياً إرشاديّاً ممّا لاتعدّ مخالفته ابتعاد عن مقام الإمام فحسب، بل مع وجود غيرة وعزّة وإباء زيد فإنَّها تمنحه درجة ومقاماً ومنزلة، وتجعله في روح وريحان ومقعد صدق. كما أ نَّها لاتدعه في درجة ورتبة إمامة المعصوم، وتتركه في دقائق وظرائف ومراتب السلوك والعرفان في درجة أدون، فهذه هي الحقيقة التي نرتأيها بالنسبة لزيد الشهيد سلام الله عليه. وقد بحث المرحوم المجلسيّ في « مرآة العقول » [4] عن حال زيد والاقوال الموجودة حوله بشكل مفصّل. ومن هنا يتحصّل أنَّ التوجيه الذي قام بهالبعضكصاحب«تنقيحالمقال» من أنَّ قيام زيد إنَّما كان بأمر الإمام الصادق عليه السلام، وأ نَّه قد صدر هذا النهي وهذه الاخبار تقيّة لنفي انتساب ذلك للإمامـ غيرصحيح ولاوجه له. هذه هي حقيقة قيام ومقام زيد، والرواية التي ذكرت حول ذلك(أي قوله عليه السلام: يا زيد! إنَّ مثل قيام القائم قبل مهديّهم مثل فرخ نهض من عشّه من غيرأن يستوي جناحاه. فإذا فعل ذلك سقط، فأخذه الصبيان يتلاعبون به، فاتّق الله في نفسك أن تكون المصلوب غداً في الكناسة) ترجع إلی ما ذكرناه، فالإمام عليه السلام كان يري بنور الولاية أنَّ هذا القيام لنتكون له أيّة نتيجة، وأنَّ زيداً سوف يُقتل ويُقطع رأسه وينصب علی سطح قصر هشام، ثمّ يؤتي به وينصب في المدينة أمام أعين بني الحسن وبني الحسين والعلويّين والفاطميّين، وأنَّ بدنه سوف يبقي في كناسة الكوفة أربع سنوات أيضاً دون أن تترتّب أيّة فائدة علی ذلك. فطلب منه الإمام عليه السلام أن يصبر ا لآن، وأن يأتي بعلمه وتقواه وطهارته وشجاعته إلی مدرسة الإمام فيدرس ويدرّس ويعمل علی نشر هذه الثقافة التي كانت قد اندرست. وعندما يحين وقت القيام يكون قد آن الاوان لذلك؛ وقد اشتبه زيد فجمع كلّ قواه وقدرته في السيف، وفقد علمه وحياته أيضاً من دون نتيجة. وهذا هو سبب بكاء الإمام عليه السلام. وحاصل الكلام: عدم دلالة هذه الرواية علی نفي حكومة الوليّ الفقيه الجامع للشرائط في زمان الغيبة؛ وخروج بعض أهل البيت المذكور في الرواية لايعارض بحثنا. مَا خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ...وأمَّا المطلب ا لآخر، فهو العبارة التي ذكرها الإمام الصادق عليه السلام للمتوكّلبن هارون في هذا المجال، حيث يتمسّك بها البعض في عدمجواز إقامة حكومة إسلاميّة في زمان الغيبة. فعندما أخذ المتوكّل بن هارون « الصحيفة السجّاديّة » من يحييبن زيد وأتي بها إلی المدينة وجاء إلی الإمام الصادق عليه السلام، سأله الإمام عن أحوال يحيي، فأخبره بقتله، فاغتمّ الإمام لذلك. وعندما أعطي « الصحيفة » للإمام بعد ذلك؛ قال الإمام عليه السلام: مَا خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْمَاً أَوْ يَنْعَشَ حَقَّاً إلاَّ اصْطَلَمَتْهُ البَلِيَّةُ؛ وَكَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِي مَكْرُوهِنَا وَشِيعَتِنَا![5] فيمكن أن يقال أن عبارة: مَا خَرَجَ وَ لاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْمَاً أَوْ يَنْعَشَ حَقَّاً إلاَّ اصْطَلَمَتْهُ البَلِيَّةُ فيها إطلاق. فكلّ قيام، لايقتصر علی عدمسرورنا، بل يوجب زيادة مكروهنا وبلاء شيعتنا أيضاً. وهنا، يجب القول: إنَّ مراد الإمام من هذه العبارة هو قيام الاشخاص من أهل البيت( كما بيّناه في الرواية السابقة). لاَيَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ، أي كلّ من أراد الخروج منّا أهل البيت لتكون نتيجة خروجه كقيام المهديّ من تطهير الدنيا من الشرك والظلم، ورفع راية الإسلام علی جميع أنحاء الكرة الارضيّة، فسوف يواجه الهزيمة قطعاً، دون أن يصل قيامه إلی أيّة نتيجة، لانَّ قيام المهديّ سوف يكون بعد حصول شرائط ومعدّات توجب النصر وتحقيق نتيجة لذلك القيام. فكلّ من يقوم بهذا العمل قبله سوف يُهزم، لانَّ قيامه ليسقياماً نوعيّاً بقدر ما هو قيام شخصيّ. فكلّ من يقوم منّا لإزالة ظلم أو إثبات حقّ ومنح حياة فسوف تلهمه البليّة إضافة لما في قيامه من زيادة مكروهنا بسبب نيل العدوّ به. إنَّ الذين رحلوا ليسوا بمنفصلين عنّا؛ إنَّهم أبناؤنا وأعمامنا وأقوامنا وشيعتنا. إنَّهم يمتلكون في هذه الدنيا حياة، ولهم نساء وأطفال فكانوا يؤخذون ويُسجنون، ويتعرّضون للتعذيب والعقوبات التي لاتحتمل، وكلّ ما واجهوه سيحلّ بنا. أضف إلی ذلك أنَّ هؤلاء الاعداء يوقعوننا في البلايا ويشاغلونا بمختلف المصائب والمشاكل، فيضعون علينا الجواسيس، ويحبسون أنفاسنا. وكلّ ذلك لانَّ العمل لميبتنِ علی النهج الصحيح، وأنَّ هذا الطير قد حاول الطيران قبل أن ينبت جناحاه ويشتدّ ريشه. وليس لهذا الامر من علاقة بولاية الفقيه! ففي أيّ موضع ذُكر فيه عدم استطاعة الناس في زمان الغيبة من اتّباع الفقيه العادل المتجاوز لذاته والمتّصل بالله، والذي يمتلك ارتباطاً معنويّاً بالإمام صاحب الزمان عليه السلام، ويسير في طريقه ومنهاجه؟! فليسهذا القيام خلاف قيامه، بل هو في طول قيامه. فالناس يحتاجون في إقامة الحكومة إلی رئيس، وعليهم العمل مع ذلك الرئيس، فكيف يمكن القول بأ نَّه لايمتلك حقّ منع الظلم وحقّ ترويج الحقّ وإعلانه، وعليه إلزام الصمت؟! غاية قول الإمام في رواية «الصحيفة»، القيام الذي يكون ضدّ الإماموهنا يُطرح سؤال، وهو: ورد في هذه الرواية: مَا خَرَجَ وَلاَيَخْرُجُ، فالإمام عليه السلام قال: مَا خَرَجَ وَلاَيَخْرُجُ، فلو كان الإمام قد قال: لاَيَخْرُجُ وحسب، لكان من المحتمل أن يُستفاد منها أ نَّه لاحقّ للفقيه في زمان الغيبة أن يتولّي هذه الاُمور، ولكن قد ورد مَا خَرَجَ أيضاً. أي لميخرج منّا أهل البيت أحدٌ إلاّ كان ذلك موجباً لزيادة مكروهنا، مثل محمّد وإبراهيم( ابنا عبدالله المحض)، اللذان خرجا وكان خروجهما سبباً في زيادة مكروهنا ومكروه شيعتنا. ومثل زيد ويحيي إذ قد سبّب ذلك زيادة مكروهنا. أي أوقعنا وشيعتنا في مشاكل أكثر. والسؤال هو: أنَّ الإمام عليه السلام قال: مَا خَرَجَ، أفلم يخرج سيّد الشهداء عليه السلام؟ فهل يمكن أن نقول إنَّ خروج سيّد الشهداء عليه السلام أيضاً قد صار سبباً في زيادة سوء ومكروه الإمام الصادق عليه السلام والشيعة؟! لا يمكننا قول ذلك، لانَّ عبارة مَا خَرَجَ و لاَيَخْرُجُ غيرناظرة إلی القيام بالحقّ الذي يكون من قبل نفس الإمام المعصوم أو في طريق الإمام صاحب الزمان عليه السلام. وإنَّما محطّ نظرها ذلك الخروج الذي يكون في خلافه، وإلاّ فإنَّ سيّد الشهداء عليه السلام قد خرج أيضاً، وكان علی الإمام أن يقول: إنَّ هذا القيام صار سبباً في زيادة مكروهنا ومكروه شيعتنا. مع أنَّ خروج سيّد الشهداء عليه السلام وبنصّ كلام الإمام الصادق عليه السلام كان من ألزم اللوازم والضروريّات، بحيث لو لم يقع هذا القيام لما بقي للإسلام اسم، فقد كانت النهضة الحسينيّة شرفاً وفضيلةً وبهجةً ومسرّة، ولميكن فيها عنوان المكروه. فهل يستطيع أحد أن يتفوّه بهذا الكلام بالنسبة لسيّد الشهداء عليه السلام؟! قد تقولون بأنَّ سيّد الشهداء عليه السلام قد خرج وأصابته البليّة أيضاً، وقد انهزم في المعركة؛ حسناً! ولكنَّ الحديث لميدر حول إلاَّ اصْطَلَمَتْهُ البَلِيَّةُ فقط، بل هناك أيضاً وَكَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِي مَكْرُوهِنَا وَشِيعَتِنَا، فهل يمكن تطبيق ذلك علی سيّد الشهداء عليه السلام والقول إنَّ نهضته قد أدّت إلی زيادة سوء وكراهة وأتعاب الإمام الصادق والشيعة؟ أوَ هل يصحّ هكذا كلام؟! بناءً علی هذا، فكلام الإمام الصادق عليه السلام غير ناظر إلی هذا المورد، بل كان نظره إلی من يخرج أو سيخرج فيما بعد بخلاف الإمام صاحب الزمان، لامَن يكون في نهجه. لقد كان سيّد الشهداء عليه السلام نفسه إمام زمانه، فلمتكن نهضته مخالفة لإمام زمانه. ولمتكن نهضته سبباً في زيادة أتعاب الإمام والشيعة فحسب، بل كانت سبباً لعزّة الإمام وافتخاره. وما نستفيده من هذه العبارة: أنَّ مراد الإمام عليه السلام، تلك الثورات التي تتمّ بعنوان المهدويّة وما شابه، لكنّها ليستفي طريق الولاية والتجاوز عن الذات والاتّصال بالكلّيّة، أو في مسار الإمام صاحب الزمان عليه السلام. ولكي يتّضح معني هذه الجملة بشكل أفضل، من المناسب أن ننقل الرواية الواردة في مقدّمة « الصحيفة الكاملة السجّاديّة » كمقدّمة: كيفيّة ظهور «الصحيفة» ومطابقتها مع التي كانت عند الإمام الصادقينقل عمير بن المتوكّل بن هارون الثقفيّ عن أبيه المتوكّلبن هارون أنَّ المتوكّل يقول: لقيت يحييبن زيدبن علی عليه السلام وهو متوجّه إلی خراسان بعد قتل أبيه، فسلّمت عليه؛ فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الحجّ. فسألني عن أهله وبني عمّه بالمدينة وأحفي السؤال عن جعفربن محمّد عليه السلام. فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم علی أبيه زيدبن علی عليه السلام. فقال لي: قد كان عمّي محمّد بن علی عليه السلام قد أشار علی أبي بترك الخروج، وعرّفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره، فهل لقيت ابن عمّي جعفر بن محمّد عليه السلام؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ قلت: نعم. قال: بِمَ ذكرني، خبّرني؟ قلت: جعلت فداك؛ ما أُحبّ أن استقبلك بما سمعته منه! فقال: أبِالمَوْتِ تُخَوِّفُني؟! هاتِ مَا سَمِعْتَهُ. فقلت: سمعته يقول: إنَّك تُقتل وتُصلب كما قُتل أبوك وصُلب. فتغيّر وجهه، وقال: يَمْحُوا اللَهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ و´ أُمُّ الْكِتَـ'بِ. [6] يا متوكّل! إنَّ الله أيّد هذا الامر بنا وجعل لنا العلم والسيف، فَجُمِعَا لنا، وخصّ بني عمّنا( الإمام الصادق عليه السلام) بالعلم وحده. فقلت: جعلت فداك؛ إنّي رأيت الناس أميل إلی ابن عمّك جعفر عليه السلام منك ومن أبيك! فقال: إنَّ عمّي محمّد بن علی وابنه جعفر عليهما السلام دعوا الناس إلی الحياة ونحن ندعوهم إلی الموت. فقلت: يا بن رسول الله! أهم أعلم أم أنتم؟ فأطرق إلی الارض مليّاً ثمّ رفع رأسه وقال: كُلّنا له علم غير أ نَّهم يعلمون كلّ ما نعلم، ولانعلم كلّ ما يعلمون. ثمّ قال لي: أكتبتَ من ابن عمّي شيئاً؟ قلت: نعم. قال: أرنيه. فأخرجت إليه وجوهاً من العلم، وأخرجت إليه دعاءً أملاه عَلَیأبو عبدالله، وحدّثني أنَّ أباه محمّدبن علی عليه السلام أملاه عليه، وأخبره أ نَّه من دعاء أبيه علیبن الحسين عليهما السلام من دعاء « الصحيفة الكاملة السجّاديّة ». فنظر فيه يحيي حتّي أتي علی آخره؛ فقال لي: أتأذن في نسخه؟ فقلت: يابن رسولالله! أتستأذن فيما هو عنكم! فقال: أمَّا لاخرجنَّ إليك صحيفة من الدعاء الكامل ممّا حفظه أبي عن أبيه، وإنَّ أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها. يقول المتوكّل: فقمت إليه فقبّلت رأسه وقلت له: وَاللَهِ يابْنَ رَسولِاللَهِ، إنِّي لاَدِينُ اللَهَ بِحُبِّكُمْ وَطاعَتِكُمْ؛ وَإنِّي لاَرْجُو أنْ يُسْعِدَنِي في حَيَاتِي وَمَمَاتِي بِوَلاَيَتِكُمْ. فرمي صحيفتي التي كانت معه إلی غلام كان معه؛ وقال له: اكتب هذا الدعاء بخطٍّ بيِّنٍ حسن واعرضه عَلَیلَعلی أحفظه، فإنِّي كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه. قال المتوكّل: فندمت علی ما فعلت، ولم أدرِ ما أصنع، ولميكن أبو عبدالله عليه السلام تقدّم إلی أن لا أدفعه إلی أحد. ثمّ دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة، فنظر إلی الخاتم وقبّله وبكي، ثمّ فضّه وفتح القفل، ثمّ نَشَرَ الصحيفة ووضعها علی عينه وأمرّها علی وجهه؛ وقال: والله يا متوكّل لولا ما ذكرت من قول ابن عمّي من أ نَّني أُقتل وأُصلب لما دفعتها إليك وكنتُ بها ضنيناً. ولكنّي أعلم أنَّ قوله حقّ أخذه عن آبائه، وأنَّه سيصحّ، فخفتُ أن يقع مثل هذا العلم إلی بني أُميّة، فيكتموه ويدّخروه في خزائنهم لانفسهم، فاقبضها واكفنيها وتربّص بها، فإذا قضي الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاضٍ فهي أمانة لي عندك، حتّي توصلها إلی ابْنَيْ عمّي محمّد وإبراهيم ابني عبداللهبن الحسنبن الحسن عليه السلام فإنَّهما القائمان بهذا الامر بعدي. اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَلِ مُحَمَّد
الدرس الاربعون:الصحيفة السجّاديّة ومفاد: فَلَعَمْرِي، مَا الإمَامُ إلاَّ الحَاكِمُ بِالكِتَابِ...
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ وصلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ آية: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي´ أَرَيْنَـ'كَ، والشجرة الملعونة حول بني أُميّةوصلنا في الكلام إلی حيث يقول المتوكّل: إنَّ يحيي قد أعطاني تلك الصحيفة وقال: هي أمانة لي عندك حتّي توصلها إلی ابْنَيْ عمّي محمّد وإبراهيم ابني عبداللهبن الحسنبن الحسن عليهما السلام، فإنَّهما القائمان في هذا الامر بعدي. قال المتوكّل: فقبضت الصحيفة ولمّا قُتل يحييبن زيد صرت إلی المدينة، فلقيت أبا عبدالله عليه السلام فحدّثته الحديث عن يحيي، فبكي واشتدّ وجده به؛ وقال: رَحِمَ اللَهُ ابْنَ عَمِّي وَأَلحَقَهُ بِآبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ! وَاللَهِ يَا مُتَوَكِّلُ، مَا مَنَعَنِي مِنْ دَفْعِ الدُّعَاءِ إلَيْهِ إلاَّ الَّذِي خَافَهُ عَلَیصَحِيفَةِ أَبِيهِ؛ وَأَيْنَ الصَّحِيفَةُ؟! ( لقد كان السبب هو وصول هذه الصحيفة إلی يد الكفّار وبني أُميّة). فقلت: ها هي. ففتحها وقال: هَذَا وَاللَهِ خَطُّ عَمِّي زَيْدٍ وَدُعَاءُ جَدِّي علی بْنِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ! ثمّ قال لابنه: قم يا إسماعيل؛ فائتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه. فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأ نَّها الصحيفة التي دفعها إلی يحييبن زيد. فقبّلها أبو عبدالله عليه السلام ووضعها علی عينيه، وقال: هذا خطّ أبي وإملاء جدّي عليهما السلام بمشهدٍ منّي. فقلت: يا بن رسول الله! رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيي، فأْذَن لي في ذلك. فقال: قد رأيتك لذلك أهلاً. فنظرت فإذا هما أمر واحد، وليس فيهما حرف واحد يخالف ما في الصحيفة الاُخري. ثمَّ استأْذنت في دفع الصحيفة إلی ابْنَي عبداللهبن الحسن. فقال: إِنَّ اللَهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الاْمَـ'نَـ'تِ إلَی'´ أَهْلِهَا[7]؛ نَعَمْ، فَادْفَعْهَا إلَيْهِمَا! فلمّا نهضت للقائهما؛ قال لي: مكانك. ثمّ وجّه إلی محمّد وإبراهيم فجاءا؛ فقال: هذا ميراث ابن عمّكما يحيي من أبيه، فقد خصّكما به دون إخوته، ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً. فقالا: رَحِمَكَ اللَهُ! قُلْ، فَقَوْلُكَ المَقْبُولُ. فقال: لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة؟ قالا: ولِمَ ذاك؟ قال: إنَّ ابن عمّكما خاف عليها أمراً أخافه أنا عليكما. قالا: إنَّما خاف عليها حينما علم أ نَّه يُقتل. فقال أبو عبد الله عليه السلام: وَأَنْتُمَا فَلاَ تَأْمَنَا! فَوَ اللَهِ، إنِّي لاَعْلَمُ أَ نَّكُمَا سَتَخْرُجَانِ كَمَا خَرَجَ وَسَتُقْتَلاَنِ كَمَا قُتِلَ! فقاما وهما يقولان: لاَ حَوْلَ وَلاَ قَوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ. فلما خرجا قال لي أبو عبد الله: يا متوكّل! كيف قال لك يحيي إنَّ محمّدبن علی وابنه جعفراً دعوا الناس إلی الحياة ودعوناهم إلی الموت؟! قلت: نعم؛ أصلحك الله؛ قد قال لي ابن عمّك يحيي ذلك. فقال: يرحم الله يحيي، إنَّ أبي حدّثني، عن أبيه، عن جدّه، عن علی عليه السلام أنَّ رسول الله صلّي الله عليه وآله أخذته نعسة وهو علی منبره، فرأي رجالاً ينزون علی منبره نزو القردة، يردّون الناس علی أعقابهم القهقري. فاستوي رسول الله صلّي الله عليه وآله جالساً والحزن يُعرف في وجهه، فأتاه جبرائيل عليه السلام بهذه ا لآية: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي´ أَرَيْنَـ'كَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَـ'نًا كَبِيرًا. [8] ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ عطف علی الرُّءْيَا. أي: وَما جَعَلْنا الشَّجَرَةَ المَلْعونَةَ في القُرْآنِ إلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ؛ فسواء هذه الرؤيا أم الشجرة الملعونة فقد جعلناهما فتنة للناس). وقال جبرائيل لرسول الله: إنَّ المراد من الشجرة الملعونة في القرآن يعني بني أُميّة. فقال رسول الله: يا جبرائيل! أَعلی عهدي يكونون وفي زمني؟! قَالَ: لاَ! وَلَكِنْ تَدُورُ رَحَي الإسْلاَمِ مِنْ مُهَاجَرِكَ فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ عَشْرَاً، ثُمَّ تَدُورُ رَحَي الإسْلاَمِ عَلَیرَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاَثِينَ مِنْ مُهَاجَرِكَ فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ خَمْسَاً، ثُمَّ لاَبُدَّ مِنْ رَحَي ضَلاَلَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ عَلَیقُطْبِهَا، ثُمَّ مُلْكُ الفَرَاعِنَة. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَهُ تَعَ إلَی فِي ذَلِكَ: «إِنَّا´ أَنزَلْنَـ'هُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَآ أَدْرَب'كَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» [9] تَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ. وتدلّ هذه ا لآية علی أنَّ ليلة القدر أفضل من ألف شهر تحكم به بنو أُميّة.( وقد حكم بنو أُميّة ألف شهر، أي اثنان وثمانين سنة أربعة أشهر). قال: فأطلع الله عزّ وجلّ نبيّه أنَّ بني أُميّة تملك سلطان هذه الاُمّة ويدوم ملكها المدّة المذكورة؛ فلو طاولتهم الجبال لَطَالُوا عَلَيْهَا، حتّي يأْذَنالله تع إلی بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عدواتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر الله نبيّه بما يلقَ أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيّام ملكهم. قال: وأنزل الله تع إلی فيهم: أَلَمْ تَرَ إلَی الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ.[10] و نِعْمَتَ اللَهِ محمّد وأهل بيته، حبّهم إيمان يُدخل الجنّة، وبغضهم كفر ونفاق يُدخل النار. فَأَسَرَّ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذَلِكَ إلَی علی وَأَهْلِ بَيْتِهِ. قال: ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: مَا خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ إلَی قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْمَاً أَوْ يَنْعَشَ حَقَّاً إلاَّ اصْطَلَمَتْهُ البَلِيَّةُ وَكَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِي مَكْرُوهِنَا وَشِيعَتِنَا. لقد كانت هذه هي القصّة المذكورة في مقدّمة « الصحيفة السجّاديّة ». ومن بعدها تبدأ أبواب « الصحيفة »، ومن ثمّ ذِكْر الادعية. شاهدنا في هذه العبارة هو قوله عليه السلام: مَا خَرَجَ وَلاَيَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ... وتدلّ هذه العبارة علی أنَّ مَن يخرج منّا أهل البيت بعنوان الإمامة فسوف يُهزم، وأنَّ هذا الحكم مستمرّ حتّي قيام قائم آل محمّد الذي سيظهر؛ والظهور مختصّ به عليه السلام. و إلی ذلك الزمان، فكلّ من يخرج منّا أهل البيت فسوف يكون خروجه هذا خلاف خروج قائمنا ومسبّباً لزيادة مصائبنا، وليس في هذه الرواية دلالة علی عدم جواز إقامة الحكومة الإسلاميّة في زمان الغيبة، والبيعة للحاكم الشرعيّ. وخلاصة الامر، لا يمكن رفع اليد عن أدلّة حكومة الوليّ الفقيه التي وصلتنا بواسطة هؤلاء الاجلّة بسبب هذه الرواية، وترك الناس من دون قائد وزعيم شرعيّ كالهمج الرعاع في يد اليهود والنصاري وحكّام الجور. وبما أ نَّه لايمكن للمجتمع أن يكون من دون رئيس وقائد، فرئاسته تنحصر في أفضل الاشخاص من جهة العلم والدراية والعقل والقدرة علی الحكومة والاورعيّة وتجاوز الهوي والارتباط بالله. وليس مصبّ دلالة هذه الحديث ترك المجال ترك المجال مفتوحاً للظلم علی الإطلاق، ولارفع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجميع تكاليف ومسؤوليّات المسلمين في زمان الحضور مستمرّة لهم في زمان الغيبة أيضاً، فيجب تطبيق الحدود والاحكام الإلهيّة؛ غاية الامر، أنَّ ذلك يتمّ في زمان الحضور بالاصالة من قبل الإمام، بينما يكون في هذا الزمان بنظر الإمام بالنيابة. هذا من ناحية دلالة هذا الحديث. وأمَّا من ناحية السند: فـ « الصحيفة السجّاديّة » كـ « نهج البلاغة » من الكتب المعتبرة، وقد عُدّت زبور آل محمّد، وهي من أفضل الكتب بين الشيعة من قديم الايّام ولازالت. وسندها أيضاً لايحتاج إلی ذلك البحث وتلك الدقّة. وهي عن الإمام السجّاد بشكل مسلّم. غاية الامر، أنَّ ثمّة كلام في المراد بقوله: حَدَّثَنا، الوارد في أوّل « الصحيفة »: حَدَّثَنا السَّيِّدُ الاَجَلُّ، نَجْمُ الدِّينِ بَهَاءُ الشَّرَفِ أبوالحَسَنِ مُحَمَّدُبْنُ الحَسَنِبْنِ أَحْمَدَبْنِ علی بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَحْيَي العَلَويِّ الحُسَيْنِيِّ، رَحِمَهُاللَهُ؛ قالَ فُلانٌ... إلی أن يصل إلی عميربن المتوكّل، عن أبيه المتوكّلبن هارون؛ وبهاء الشرف أبو الحسن وسائر الاشخاص المذكورين هنا هم من المعروفين والمميّزين في الرجال، ولاشكّ ولاشبهة فيهم. وهم أشخاص معروفون. أمَّا الشخص الذي يروون عنه فهو مجهول. ومن المسلّم به أنَّ صاحب « حدّثنا » يجب أن يكون شخصاً معاصراً لبهاءالشرف محمّدبن الحسن بن أحمد بن علی بن محمّدبن عمربن يحيي العلويّ لكي يتمكّن من الرواية عنه. والاشخاص الذين كانوا في ذلك الزمان ورووا عن هذا السيّد الجليل( العلويّ الحسينيّ) عددهم كبير. وقد روي « الصحيفة » عن بهاءالشرف سبعة من كبار علماء الشيعة، ذكرهم المرحوم صاحب « المعالم » في إحدي إجازاته. كلام العلاّمة آغا بزرك الطهرانيّ حول قائل: «حَدَّثَنَا»وبالمناسبة أنقل لكم هذا الكلام، وهو ما أخذته في التاسع عشر من رجب سنة ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين( يعني قبل خمس وثلاثين سنة) في النجف عن المرحوم العلاّمة النحرير، أُستاذنا في فنّ الدراية والإجازات، المرحوم الحاج آغا بُزرك الطهرانيّ رحمة الله عليه، وكان قد كتب هذا المطلب المبارك علی ظهر الصفحة الاُولي للصحيفة الخطيّة التي يقرأها، فأعطاني تلك « الصحيفة » فقمت بنسخ ذلك المطلب من خطّه وألصقته علی صحيفتي. والعبارة التي يذكرها في تلك « الصحيفة » هي ـإجمالاًـ بالنحو الت إلی: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ الحَمْدُ لِوَلِيِّهِ وَالصَّلاةُ عَلَینَبِيِّهِ وَوَصِيِّهِ؛ وَبَعْدُ: فَاعْلَمْ أ نَّهُ رَوَي الصَّحِيفَةَ عَنْ بَهَاءِ الشَّرَفِ المُصَدَّرِ بِهَا اسْمُهُ الشَّريفُ، جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُمْ الشَّيْخُ نَجْمُالدِّينِ جَعْفَرُبْنُ نَجِيبِ الدِّينِ... يقول: اعلم أنَّ أُولئك الاشخاص الذين رووا « الصحيفة » عن بهاءالشرف نجمالدين ـطبقاً لكلام نجم الدين جعفربن نجيبالدين محمّدبن جعفربن هبةاللهبن نماء( ابن نماء الحلّيّ) في الإجازة المسطورة في إجازة صاحب « المعالم » وتأريخ بعض تلك الإجازات سنة ستمائة وسبع وثلاثون هجريّة. وقد وردت في كتاب الإجازات من « بحار الانوار » ص108ـ هم سبعة أشخاص: أحدهم جعفربن علی المشهديّ؛ والثاني: أبوالبقاء هبةاللهبن نماء؛ والثالث: الشيخ المقرّيّ جعفربن أبي الفضلبن شعرة؛ والرابع: الشريف أبي القاسم بن الزكيّ العلويّ؛ والخامس: الشريف أبوالفتح ابن الجعفريّة؛ والسادس: الشيخ سالمبن قَبَارَوَيْه؛ والسابع: الشيخ عربيّبن مسافر. يقول: جميع هؤلاء من الاجلّة والمشاهير، وأبو الفتح الذي هو أحد السبعة وكان معروفاً بابن الجعفريّة، هو السيّد شريف ضياءالدين أبو الفتح محمّدبن محمّد العلويّ الحسينيّ الحائريّ، الذي قرأ عليه السيّد عزّالدين أبو الحرث محمّدبن الحسن بن علی العلويّ الحسينيّ البغداديّ كتاب « معدن الجواهر » للكراجكيّ في جمادي الاُولي سنة خمسمائة وثلاث وسبعين في الحلّة السيفيّة( والمقصود مدينة الحلّة). يقول: وقد ذكرت هذه الطائفة سنة خمسمائة وثلاث وسبعين لكي يعرف ذلك العصر والاشخاص الذين رووا « الصحيفة » عن بهاءالشرف. بناءً علی هذا، فالذي يقول: حَدَّثَنا... هو واحد من أُولئك السبعة لاغير. وأيّاً كان الراوي منهم، فهذه « الصحيفة » هي في كمال الإتقان، لانَّ كلاّ منهم فقيه صاحب رواية من الشيعة الاثني عشريّة الإماميّة، ومن مشاهير علماء التشيّع. ولقد أورد هذا المطلب صاحب « المعالم » في إحدي إجازاته، وذكر هناك ثلاث إجازات بخطّ الشهيد الاوّل، ومنها هذه الإجازة( أي إجازة نجمالدين جعفربن نما، وإجازة صاحب « المعالم » هذه قد ذكرها المجلسيّ في مجلّد الإجازات من كتابه الشريف «بحارالانوار». وبإمكان من يروم مطالعتها أن يراجع جزء الإجازات في «البحار». وعلی ما ذُكر، فهذه الرواية واضحة الدلالة، كما أنَّ سندها صحيح ولاشكّ ولاتردّد فيه أيضاً. لكن لا يمكن التمسّك بها لإثبات عدمجواز تشكيل الحكومة الإسلاميّة، كما فعل البعض إذ ذكرها في زمرة أدلّة ذلك. كما لايمكن التمسّك برواية المجلسيّ عن « المناقب » عن الإمام الباقر عليه السلام والتي قال فيها لزيد: يَا زَيْدُ! إنَّ مَثَلَ القَائِمِ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ مَهْدِيِّهِمْ مَثَلُ فَرْخٍ نَهَضَ مِنْ عُشِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوِيَ جَنَاحَاهُ... وقد بيّنا أ نَّها لاتدلّ علی هذا المعني. وأمَّا من ناحية السند فهي رواية موثّقة. وإن كان ابن شهرآشوب قد أورد مطالب كتابه من دون ذكر السند، لكنّ الروايات التي ينقلها أكثر اعتباراً من أكثر الكتب التي تذكر مطالبها مع الإسناد. فـ « المناقب » لابن شهرآشوب، كتاب نفيس ومعتبر جدّاً، ويُعدّ من ذخائر ونفائس الشيعة. فابن شهرآشوب رجل علم ودراية وفهم. ولقد قمتُ بعد مطالعة الكثير من « المناقب » بتطبيقه مع روايات أهل السنّة والتواريخ الواردة من طريقهم، فرأيت أنَّ هذا الرجل الجليل قد جمع لبّ وحقيقة تلك المعاني التي يصدّقون بها. وخلاصة الامر، فهو يحوي علی الكثير من المطالب المجمع عليها عند الشيعة والتي لايمكن لاهل السنّة إنكارها. وقد أورد عين هذه الرواية أو ما يشبهها في مناقب الائمّة الاثني عشر. والحقّ يُقال: إنَّه كتاب نفيس ويليق بأن يُطبع بأفضل حلّة مع تعليقات مُفيدة ويجعل في متناول أيدي العلماء. فهو من حيث الاعتبار أكثر ثباتاً وقوّة من كثير من الكتب الاُخري المسندة، لانَّ بعض الكتب المسندة التي تنقل الرواية مع سلسلة السند إمَّا أن يُشاهد في أسنادها ضعف أو تسقط عن درجة الاعتبار بسبب جهالة الراوي. أمّا هذا الشخص، فهو من حيث الإتقان والثبت والضبط في درجة أ نَّه لاينقل إلاّ الشيء الذي يطمئنّ به، والذي يكون من ناحية الدراية موجباً للاطمئنان وسكون الخاطر. فهكذا كان ابن شهرآشوب. وعليه، فذكره لهذا المطلب في كتابه خير داعٍ للوثوق به. ارجاعات [1] ـ «عيون أخبار الرضا» ج 1، ص 194، باب 25، طبعة الاعلميّ ـ أُوفسيت النجف. [2] ـ صدر ا لآية 78، من السورة 22: الحجّ. [3] ـ ورد في «تاريخ اليعقوبيّ» ج 2، ص 325 و 326، طبعة بيروت، سنة 1379 ه أ نَّه أقدم هشام زيدبن عليّبن الحسين فقال له: إن يوسفبن عُمر الثقفيّ كتب يذكر أنَّ خالدبن عبدالله القسريّ ذكر له عندك ستمائة ألف درهم وديعة. فقال: ما لخالد عندي شيء! قال: فلابدّ من أن تشخص إلي يوسف بن عمر حتّي يجمع بينك وبين خالد. قال: لاتوجّه بي إلي عبد ثقيف يتلاعب بي. فقال: لابدّ من إشخاصك إليه. فكلّمه زيد بكلام كثير؛ فقال له هشام: لقد بلغني أ نَّك تؤهّل نفسك للخلافة وأنت ابن أَمَة. قال: ويلك! مكان أُمّي يضعني؟ والله لقد كان إسحاق ابن حرّة وإسماعيل ابن أَمَة فاختصّ الله عزّ وجلّ وَلَدَ إسماعيل فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمي حتّي كان منهم رسولالله؛ ثمّ قال: اتَّقِ اللَهَ يا هِشامُ! فقال: أوَ مثلك يأمرني بتقوي الله! قال: نعم؛ إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ دونَ أنْ يَأْمُرَ بِها، وَلاأحَدٌ فَوْقَ أنْ يَسْمَعَها. فأخرجه مع رسل من قبله، فلمّا خرج، قال: وَاللَهِ إنِّي لاَعْلَمُ أ نَّهُ مَا أحَبَّ الحَيَاةَ قَطُّ أحَدٌ إلاَّ ذَلَّ. وكتب هشام إلي يوسف بن عمر: إذا قدم عليك زيدبن عليّ فاجمع بينه وبين خالد ولايقيمن قبلك ساعة واحدة، فَإنِّي رَأَيْتُهُ رَجُلاً حُلْوَ اللِسَانِ شَديدَ البَيَانِ خَلِيقَاً بِتَمْوِيهِ الكَلاَمِ؛ وَأهْلُ العِرَاقِ أَسْرَعُ شَيءٍ إلَي مِثْلِهِ. فلمّا قدم زيد الكوفة دخل إلي يوسف فقال: لِمَ أشخصتني من عند أميرالمؤمنين؟ قال: ذكر خالد بن عبد الله أنَّ له عندك ستمائة ألف درهم. قال: فأحضر خالداً! فأحضره وعليه حديد ثقيل؛ فقال له يوسف: هذا زيد بن عليّ، فاذكر مالك عنده؛ فقال خالد: وَاللَهِ الَّذي لاإلَهَ إلاَّ هُوَ، مَا لِي عِنْدَهُ قَليلٌ وَلاَ كثِيرٌ؛ وَلاَ أرَدْتُمْ بِإحْضارِهِ إلاَّ ظُلْمَهُ! فأقبل يوسف علي زيد، وقال له: إنَّ أمير المؤمنين أمرني أن أخرجك من الكوفة ساعة قدومك؛ قال: فأستريحُ ثلاثاً ثمّ أخرج. قال: ما إلي ذلك سبيل قال: فيومي هذا. قال: ولاساعة واحدة. فأخرجه مع رسل من قبله فتمثّل عند خروجه بهذه الابيات: مُنْخَرِقُ الخُفَّيْنِ يَشْكو الوَجَي تَنكُبُهُ أطْرافُ مَرْوٍ جِدادْ شَرَّدَهُ الخَوْفُ وَأزْرَيَ بِهِ كَذاكَ مَنْ يَكْرَهُ حَرَّ الجِلادْ قَدْ كانَ في المَوْتِ لَهُ راحَةٌ وَالمَوتُ حَتْمٌ في رِقابِ العِبادْ فلمّا صار رسل يوسف بالتعذيب انصرفوا، وانكفأ زيد راجعاً إلي الكوفة، فاجتمع إليه مَن بها من الشيعة، وبلغ يوسف بن عمر، فوثب بينهم وكانت بينهم ملحمة؛ ثمّ قُتل زيدبن عليّ، وحمل علي حمار فأُدخِل الكوفة، ونُصب رأسه علي قصبة، ثمّ جُمع فأُحرق وذُرِّي نصفه في الفرات ونصفه في الزرع؛ وقال: يَا أهْلَ الكُوفَةِ! والَلهِ لاَدَعَنَّكُمْ تَأْكُلونَهُ في طَعامِكُمْ وَتَشْرَبونَهُ في مائِكُمْ. وكان مقتل زيد سنة 121. وقد كانت هذه مقدّمة لقيام شيعة خراسان علي بني أُميّة. [4] ـ «مرآة العقول» ج 1، ص 261 الطبعة الحجريّة. [5] ـ «شرح الصحيفة السجّاديّة» لفيض الإسلام، المقدّمه، ص 22. [6] ـ ا لآية 39، من السورة 13: الرعد. [7] ـ صدر ا لآية 58، من السورة 4: النساء. [8] ـ قسم من ا لآية 60، من السورة 17: الإسراء؛ وبداية ا لآية هكذا: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ. [9] ـ ا لآيات 1 إلي 3، من السورة 97: القدر. |
|
|