|
|
الصفحة السابقةالمحافظة علی أرواح وأموال وأعراض المسلمين في عهدة الو إلیعلی حاكم الشرع الذي هو حامي وحافظ نواميس المسلمين أن يطبّق الحدود، ويحفظ جميع نواميس الناس من خلال تطبيقه للحدود. وعليه، فإنَّ لحفظ نواميس الناس دائرة واسعة من تصحيح وتحسين عمليّة التثقيف الإسلاميّة في المدارس والمراكز، والتوجيه العامّ الذي يرفع مستوي العفّة، ويُخفّف من مستوي الفحشاء، ويجعل الرجال والنساء في درجة من المصونيّة والعفّة الباطنيّة، كما يجب أن تتمّ الحراسة الخارجيّة بواسطة رجال جهاز الامن( الشرطة) بشكل جيّد، ومن الضروريّ أيضاً تنفيذ الاحكام السياسيّة والجنائيّة بكلّ قوّة لكي تحفظ نواميس الناس، وإلاّ فليس تحقيق ذلك بالامر الهيّن. وأمّا حفظ الاعراض فهو أيضاً في عهدة الحاكم. فلا ينبغي للحاكم أن يسمح بهتك عرض مسلم، وهذه مسألة مهمّة جدّاً. فنحن لا نجد في أيٍّ من قوانين الدنيا أنَّ حفظ أعراض الناس من مسؤوليّات الحاكم والمحكمة والدولة، كما أنَّ صيانة الاخلاق والعقيدة والإيمان أيضاً ليس في عهدتهم، فأُولئك يهتمّون بحفظ المسائل الجسميّة فقط، بينما المهمّ في الإسلام هو حفظ الاُمور المعنويّة والروحيّة، وهذا ما سنتعرّض له إن شاء الله فيما بعد. وسيقتصر كلامنا حول مسألة العِرض فقط؛ فحفظ العرض من مسؤوليّات الحاكم، ولاينبغي له أن يسمح بهتك عرض مسلم. كما أنَّ عليه مساعدة الفقراء من بيت مال المسلمين، وتوزيع حصصهم من الزكاة والصدقات، بالإضافة إلی تدبير أُمور المحتاجين والمساكين بأيّ طريق ممكن وفقاً للقواعد والتوجيهات الواردة في الشرع وسنّة النبيّ صلّيالله عليه وآله، ومن دون أن ينتبه ا لآخرون إلی ذلك. والمراد بذوي الحاجات أمثال أصحاب الامراض والعاهات، كمن كُسرت رجله مثلاً، أو المبتلين بالقروض، أو المحتاجين إلی بيت للسكن، أو كمن يحتاج لمبلغ من المال لكي يزوّج بعض أبنائه أو يجهّز بعض بناته، وما شابه ذلك. ولا يعني هذا أنَّ يسمح لهم الحاكم بالجلوس في منازلهم ويتركون العمل والكسب فيتحوّلوا إلی عبء علی المجتمع، بل يقوم بتأمين حاجاتهم وجبران نقائصهم بشكل متوازن مع طبيعة عملهم وكسبهم. ليس الإسلام دين الإسراف، وعلی الحاكم أن يراقب الجميع من خلال دقّة نظر فاحصة؛ إذ لا ينبغي له أن يعطي شيئاً لمن له القدرة علی العمل لكنّه يلجأ إلی التقاعس والاستجداء كحال كثير من أهل الجداء ممّن يعيشون بين الناس، بل لابدّ من اعتقال هؤلاء وتعزيرهم وضربهم حتّي يتركوا الاستجداء؛ وذلك لحرمة الاستجداء في الإسلام بأيّ لباس كان. والحاكم مكّلف بتأسيس جهاز ودائرة خاصّة لمعالجة حاجات الناس، فكم من محتاج يعيش أشدّ حالات العسر والضيق وقد منعته عفّته من أن يعلم بحاله حتّي أقرب الناس إليه كالاهل والاقرباء والجيران! فعلی الحاكم أن يهتمّ بهكذا أُناس ويسدّ احتياجاتهم إلی درجة الاكتفاء لاأكثر؛ كما عليه تأديب غير المحتاجين ممّن يعيشون كلاّ علی المجتمع، ويضع عليهم الجواسيس بشكل سرّيّ ليتمكّن من منعهم من الاستجداء ثانية، فإذا تكرّر ذلك منهم، فلابدّ والحال هذه من اعتقالهم وتعزيرهم، وكلّما تكرّر منهم الاستجداء تكرّر التعزير أيضاً. وينبغي له أن يوفّر لهؤلاء فرص عمل مناسبة ليتركوا هذه التصرّفات. فهذا من مسؤوليّات الحاكم، أي يجب أن تكون أعراض الناس ـرجالاً ونساءًـ محفوظة. وهذه مسألة مهمّة جدّاً، فكثيراً ما يُشاهَد أُناس يقومون بالاستجداء ويريقون ماء وجوههم دون أيّ إباء عن ذلك. كما يري أُناس آخرون ـ في منتهي العفّة والحياءـ يموتون بسبب افتقارهم للمال الذي يخوّلهم مراجعة الطبيب! فالاهتمام بأعراض الناس ومعالجتها من وظائف الحاكم المهمّة. رواية أمير المؤمنين حول لزوم معالجة الو إلی أمر الرعيّةيذكر المرحوم الشيخ الحرّ العامليّ رواية عن أميرالمؤمنين عليه السلام حول إرسال خمسة أوساق [1] من التمر لشخص لم يكن قد طلبها منه عليه السلام. وأصل الرواية عن الإمام الصادق، إذ قال: إنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ إلَی رَجُلٍ بِخَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرِ البُغَيْبِغَةِ ـوَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَي: البَقِيعَةِـ وَكَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَرْجُو نَوَافِلَهُ وَيُؤَمِّلُ نَائِلَهُ وَرَفْدَهُ؛ وَكَانَ لاَ يَسْأَلُ عَلِيَّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَلاَ غَيْرَهُ شَيْئَاً. فَقَالَ رَجُلٌ لاِمِيرِالمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَاللَهِ مَا سَأَلَكَ فُلاَنٌ؛ وَكَانَ يُجْزِيهِ مِنَ الخَمْسَةِ أَوْسَاقٍ وَسْقٌ وَاحِدٌ! فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ كَثَّرَ اللَهُ فِي المُؤْمِنِينَ ضَرْبَكَ! أُعْطِي أَنَا وَتَبْخَلُ أَنْتَ؟! لِلَّهِ أَنْتَ! إذَا أَنَا لَمْ أُعْطِ الَّذِي يَرْجُونِي إلاَّ مِنْ بَعْدِ المَسْأَلَةِ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ بَعْدَ المَسْأَلَةِ، فَلَمْ أُعْطِهِ إلاَّ ثَمَنَ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ لاِنِّي عَرَّضْتُهُ أَنْ يَبْذُلَ لِي وَجْهَهُ الَّذِي يَعْفِرُهُ فِي التُّرَابِ لِرَبِّي وَرَبِّهِ عِنْدَ تَعَبُّدِهِ لَهُ.[2] لاحظوا رقيّ بيانه إذ يقول عليه السلام: إنَّ ماء وجه المسلم ما له من الاهمّيّة والقيمة بحيث إنَّه لابدّ له من أن يُبادل بشيء، وإنَّ علی المسلم أن يحفظ وجهه لاجل السجود فقط، وأن ينحصر خضوعه في عبادته لربّه وحسب؛ فلاينبغي له أن يبذل وجهه لاحد في مقام السؤال؛ فإنَّ وجه الإنسان وعرضه غالٍ إلی الدرجة التي يساوي فيها حقيقة الإنسان؛ فإذا زال ماء وجه المرء زالت شخصيّته. وإذا سأل فقد سأل نفسه، أي قد جعل نفسه في المستوي الداني للسؤال. وقد جعل الله هذا الوضع خاصّاً به وحده، فلا حقّ لايّ مسلم أن يعفّر وجهه بالتراب ولا حقّ له بالسجود إلاّ لربّه، ولاحقّ لايّ مسلم أن يسأل أحداً غير إلهه. إنَّك تطلب منّي أن لا أعطيه حتّي يعجز ويأتي فيسألني! فعندها يكون ذلك الشيء الذي أُعطيه إيّاه ثَمَنَ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ؛ وما سآخذه ليس بالشيء القليل. لقد أعطيته ا لآن خمسة أوساق من التمر، لكنّي لو كنت قد أعطيته بعد أن سألني فإنِّي أكون قد أخذت منه شيئاً لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ شيء آخر، وهو شخصيّته وماء وجهه الإسلاميّين والإنسانيّين. وصيّة الامير: وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإنْ سَاقَتْكَ إلَی الرَّغَائِبِومن جملة الاُمور التي يكتبها أميرالمؤمنين عليه السلام للإمام الحسن أثناء رجوعه من صفّين ما يلي: وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإنْ سَاقَتْكَ إلَی الرَّغَائِبِ؛ فَإنَّكَ لَنْتَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضَاً. وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَهُ حُرَّاً.[3] ومن جملة كلماته: وَاحْتَجْ إلَی مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ، وَاسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ، وَامْنُنْ عَلَیمَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ. [4] اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ وصلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ
بيّنا أنَّ للرعيّة علی الو إلی ثلاثة حقوق: الاوّل: حقّ المحافظة علی نفوسهم وأموالهم ونواميسهم وأعراضهم. والثاني: حقّ الحرّيّة الشخصيّة والحرّيّة في الرأي والقانون. الثالث: حقّ تدبير أُمورهم من خلال تأمين حاجاتهم الجسميّة والروحيّة. وبيّنا بعض الاُمور ـفي الدرس السابقـ حول لزوم رعاية حفظ أرواح وأموال ونواميس وأعراض المسلمين علی الو إلی. وأمَّا حقّ الحرّيّة الشخصيّة: فبمنحهم الحرّيّة كما يختارون في حياتهم الشخصيّة، وأن لا يتعرّضون لايّ ملاحقة أو تهديد، ولايتمّ اعتقال أحد أو سجنه ومعاقبته بمجرّد الاتّهام، ولايجوز إقامة الحدّ علی أحد أو تعزيره ما لم يثبت الذنب عند الحاكم. وورد في سيرة الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، أ نَّه: بينما كان يخطب، قام بهز بن حكيم وقال: يا رسول الله! بأيّ ذنب يُعتقل جيراني؟ فلميهتمّ رسول الله صلّي الله عليه وآله به؛ فقام ثانية واعترض في أثناء الخطبة، فلم يهتمّ الرسول صلّي الله عليه وآله؛ وفي المرّة الثالثة، عندما اعترض وطلب التوضيح حول اعتقال أُولئك الاشخاص، أمر رسولالله صلّيالله عليه وآله بإطلاق سراح جيرانه. [5] ومن هنا، يتحصّل أ نَّه لايمكن اعتقال أحد بمجرّد الاتّهام. قد يقول البعض: إنَّ الحبس علی نوعين؛ الاوّل: الحبس عقوبة ومجازاة. والثاني: الحبس لاجل التحقيق. فالحبس لاجل العقوبة هو أن يُلقي البعض في السجن لمدّة محدودة بحكم من الحاكم بعد ثبوت الذنب لاجل تأديبه وجزاء لذنبه وجنايته. وأمّا الحبس لاجل التحقيق، فهو الاعتقال من أجل اكتشاف الجريمة والتحقيق في مسألة معيّنة لتتبيّن جريمة الشخص وعدمها، وللوصول إلی معرفة هل المتّهم مجرم حقّاً أم بريء. لم يكن النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم يعتقل الناس لمجرّد التهمة، وعندنا رواية واحدة فقط تفيد أنَّ النبيّ صلّي الله عليه وآله قد اعتقل شخصاً لنصف يوم لمجرّد الاتّهام، ثمّ أطلقه بعد ذلك. ومع حصول كلّ اتّهام كان النبيّ يجمع بين المدّعي والمدّعي عليه ويحكم علی أساس إنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالاَيْمَانِ وَالبَيِّنَاتِ[6]. ويقوم بفصل المسألة حينذاك. وكان يأخذ من المدّعي عليه ضمانة ويطلق سراحه فيما إذا لم يكن للمدّعي دليل علی المدّعي عليه؛ وكان يعمل بمقتضي أدلّة إثبات الامر المقدّمة من قِبَل المدّعي عليه أو المدّعي؛ وإلاّ، يترك المدّعي عليه حرّاً. فلميكن النبيّ ليعتقل أحداً ما دامت الدعوي غير ثابتة عنده. ثمّ،بناءً علی القول بأ نَّه لاإشكال في الحبس أحياناً من أجل التحقيق حال الضرورة؛ فلايجوز تعذيب المعتقل وإيذائه مادام رهن التحقيق. فلا يصحّ تعذيب شخص لمجرّد الاتّهام، ولا حجّيّة للإقرار الذي يؤخذ بواسطة التعذيب، ولا يعتبر ثابتاً. وعدم الحجّيّة نابعة من نشوء هكذا إقرار عن الاضطراب والاضطرار. ولا يستطيع القاضي أن يحكم علی أساسه، إذ يجب أن يتمّ الإقرار والاعتراف في ظرفٍ خالٍ من التعذيب والاذي. خطأ قول: بقاء الإسلام متوقّف علی تعذيب المتّهم قبل ثبوت الجرموإذا أشكل البعض بأنَّ عدم السماح باستعمال التعذيب من أجل اكتشاف الجريمة والتحقيق حول المسائل التي ترتبط بالامن وبقاء الحكومة الإسلاميّة سوف يسبّب خللاً في هذا الموضوع، ويعرّض أمن الخاصّة أو العامّة للخطر. وعليه، فبقاء الحكومة متوقّف علی تعذيب الافراد الذين لمتُعرف أهدافهم ابتداءً، والذين لايعترفون أو يقرّون بذنبهم من أنفسهم. ومن غير استعمال التعذيب والضرب في هذه الحال، فسوف لاتنكشف الاُمور. فالجواب هو: لتترك الاُمور علی حالها دون أن تنكشف. فعندما يقول الله تع إلی إنَّه لا يجوز تعذيب الإنسان من دون جريمة، فلايحقّ لنا ضرب شخص بريء أو تعريضه لانواع التعذيب من أجل كشف بعض الاُمور، فقد سدّ الإسلام هذا الطريق في التحقيق والكشف، وأجاز استعمال الطرق الاُخري بأيّ نحو تيسّرت؛ فلا يجوز كشف الحقيقة عن طريق التعذيب. ولو ثبتت الحقيقة أيضاً من هذا الطريق، فلا حجّيّة لها؛ لانَّ الإقرار والاعتراف الناشي عن التعذيب باطل. فلا يمكن أن يُعذَّب الشخص البريء حتّي يتبيَّن أنَّ هذا المتّهم مجرم أو ليس بمجرم. وإذا قيل: لو توقّف بقاء الإسلام علی هذا الامر جاز. لاُجيب: وأيّ إسلام هذا؟! إنَّ الإسلام الذي يقوم علی هذه الضوابط التي منها ومن مقدّماتها تعذيب الإنسان البريء، وشعور الحاكم تجاه الطاهر بسوء الظنّ.. ليسهو ما يطلبه رسول الله. فالإسلام الذي يتحدّث عنه القرآن ورسول الله صلّي الله عليه وآله ومذهب أميرالمؤمنين والذي أجمعت عليه آحاد الفرق الإسلاميّة من الخاصّة والعامّة يختلف عن هذا الإسلام، فإنَّ كلامنا في الإسلام الذي تكلّم به الله، والإسلام الذي أراده رسول الله، وفي هذا الإسلام لايجوز تعذيب شخص بمجرّد اتّهامه؛ فليسلك أيّ طريق دون هذا الطريق. فيجب التحقيق في القضايا ومراعاة كامل الدقّة والصبر إلی أن يتميّز المذنب من غيره، وعندئذٍ يجب محاكمة المذنب ومعاقبته وفقاً للقانون، كما يخلي سبيل البريء ويُطلق سراحه. رفض حكومة أمير المؤمنين القيام علی أساس المصالح السياسيّةالإسلام ليس دين مصالح موهومة وأوهام فكريّة، بل هو قائم علی أساس الحقّ، وقد انصبّ كلّ جهاد أميرالمؤمنين عليه السلام علی أساس الحقّ. لقد كان بإمكان أميرالمؤمنين عليه السلام وتحت واجهة مراعاة المصلحة الموهومة أن يدع ولاة الخليفة السابق في عملهم بشكل مؤقّت ولعدّة أيّام، ومن ثمّ يقيلهم من أعمالهم واحداً بعد ا لآخر، كما كان بإمكانه أن يُهدِّي بعض المتمرّدين ببعض الوعود الكاذبة ومن ثمّ يهاجمهم بعد ذلك؛ وهو الاُسلوب والنهج المتّبع بين سياسيّ العالم. لكنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لا يقوم بهكذا أعمال، إذ هو لاينطق بكلام كاذب ولايستعمل التورية، بل يقولها بصراحة: إنَّ يد المعتدين والمرفوضين من قبلي قصيرة في حكومتي، وليس لهم حقّ المشاركة في الحكم ولو لساعة واحدة، ولهذا عزل جميع أُولئك الولاة ما عدا بعض الافراد المعدودين. ليس أمير المؤمنين بمسؤول عن بقاء الشريعة ولا كفيل بحفظها بأيّ كيفيّة كانت، أعمّ من الصدق أو الكذب، الاستقامة أو المكر والحيلة؛ فهو عبد من عبيدالله وحامل لتكليف الله، وقد كُلِّف بقيادة الناس علی أساس الصدق والعدالة والحقّ، فلا ينبغي أن يكون ثمّة باطل. وإن كان نتيجة إقامة الحقّ رفض الناس وثورتهم وحدوث حروب كالجمل وصفّين والنهروان، وإن أدّي ذلك إلی سفك دمه، فهذا أمر لاعلاقة له به؛ فهو يقول: لقد أمرني الله باتّباع هذا الطريق ولم يسمح لي بالسير في غير هذا النهج؛ وعلی العمل بتكليفي [7]. جاء أحد قوّاد جيش الشام المعروفين إلی أميرالمؤمنين عليه السلام في إحدي مراحل حرب صفّين طالباً منه التخلّي عن الحرب ومنع سفك دماء جديدة علی أن يعود أهل الشام إلی شامهم ويعود علی وأصحابه إلی الكوفة! وربَّ كلام هذا القائل ناشئاً عن نصح وإخلاص أيضاً. فأجابه أميرالمؤمنين عليه السلام: أُقسم بالله إنِّي لست داعية حرب، ولاأُقاتل حبَّاً في القتال وسفك الدماء وترك الاوطان والخروج من الاهل والبيوت، لكنّني لا أستطيع أن أفعل شيئاً آخر غير هذا! إذ إنَّ المنهاج الذي يتّبعه لايسمح له بإبقاء معاوية ساعة واحدة في عمله وإقراره علی ولاية الناس. وبالطبع، فقد نقلنا هذه الرواية بالمعني والمفاد لا بلفظها. والشاهد هنا هو أنَّ أميرالمؤمنين عليه السلام لا يستطيع أن يرجع إلی الكوفة ويترك معاوية في الشام علی نهجه وعمله يعمل في الناس علی غير قانون الله والعقل والإسلام، ويدفع الخراج لامير المؤمنين عليه السلام ويخطب باسمه ويُثني عليه ويُصلّي جهاراً. فأميرالمؤمنين عليه السلام ليس بحاجة للسلام والصلوات والثناء، فهو مستعدّ للرضا بأن يُلعن علی المنابر ويُسبّ شرط ألاَّ يتخّي تكليفه؛ وعندما يُضْرَبُ بالسيف علی فرقه يقول: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ! أي لقد وصلتني صحيفة عمل طاهرة ومقبولة، فهذا مُبتنٍ علی الحقّ، وأميرالمؤمنين عليه السلام عليه السلام هذا يقول: لا يمكن تعذيب الشخص المتّهم( سواء كان اتّهامه شخصيّاً أم نوعيّاً أم سياسيّاً أم أيّ نوعٍ آخر من الاتّهام) فربّما كان هذا المتّهم بريئاً؛ فلو كان بين كلّ ألف متّهم أو بين كلّ عشرة آلاف متّهم أو مائة ألف متّهم شخص واحد بريء، فهذا يكفي. فيجب أن تثبت الجريمة، وعندها يثبت الحدّ أو القصاص من قتل أو غيره بما أمر به الله. لكن قبل إحرازه، يحرم ارتكاب أنواع التعذيب بحقّ الشخص البريء بحجّة أ نَّه ما لم يتعرّض لذلك التعذيب فلنتنكشف الاسرار ولنتتّضح الاُمور ويكون الإسلام في خطر، وما شابه ذلك. فهذه طرق لم يأمر بها الشرع وقد سدّها جميعاً. منح الإمام عليه السلام الخوارج حرّيّة الرأيوأمَّا الحرّيّة في الرأي: فهي أن يكون المسلمون أحراراً في آرائهم، أي في كيفيّة سلوكهم ومنهجهم وطريقتهم. بل أكثر من ذلك، أن يكونوا قادرين علی اختيار الرأي المخالف أو الموافق للحكومة، وعلی القبول بالقانون أو عدمالقبول به مادام ذلك لا يؤدّي إلی أعمال منافية. ولاحقّ لاحد في أن يمنعهم من ذلك. فيستطيع الناس مثلاً تقليد زيد أو عمرو، وإن كان في بدء حكومة الإسلام علی الجميع أن يأخذوا المسائل من الاعلم في الاُمّة ويقلّدوه. فالاعلم في الاُمّة هو صاحب الحكومة، وليسهناك فرق بين مقام الحكومة والمرجعيّة. وقد مرّ ذكر هذا المطلب. أمّا من الناحية العمليّة فإن لم يُرِد شخص ما أن يقلّد الحاكم ورأي أن ثمّة شخص آخر أرجح منه، ولمتكن أعماله مخالفة لظواهر الإسلام، ولميرفع شعاراً مخالفاً للإسلام، فلاإشكال في ذلك فمن حقّه أن يقلّد أيّاً شاء. أو أن يكون البعض غير راضٍ قلبيّاً عن الحكومة، فلامانع من ذلك، أو غيرمرتضٍ للقانون الإسلاميّ، فله شأنه، ولايستطيع الحاكم أن يُلاحقه بمجرّد كونه لا يعتقد بهذه المسائل وحسب. وأفضل نهج وأوضحه في هذا المجال وفي هذه الموارد هو النهج الذي سار عليه أميرالمؤمنين عليه السلام مع الخوارج. فالخوارج أُناس خرجوا علی أميرالمؤمنين عليه السلام وحكموا بكفره! وكانوا في الحقيقة فرقة تشبه الفوضويّة في هذا الزمان، أو النِّهلستيّة أو العَدَميّة، أي المنكرون لكلّ شيء. فقد كان الخوارج أيضاً بهذا الشكل. وبينما كان أميرالمؤمنين عليه السلام يخطب، قام أحدهم وقال: لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ تَعَ إلَی! فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ. لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلاَثٌ: لاَ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَهِ، وَلاَنَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، وَلاَنَمْنَعُكُمْ الفَْيءَ مَادَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا. [8] فمع أنَّ الخوارج قد حكموا بكفر الإمام عليه السلام علی الرغم من كونه خليفة المسلمين وواليهم وحاكمهم، ومع أ نَّهم لم يكونوا يرتضون جميع أعماله وأفعاله التي كان يقوم بها بصفته حاكماً للمسلمين، لكنَّه عليه السلام لميسمح بأيّ ردّ فعل عمليّ ضدّ إنكارهم هذا، من ضَربٍ وشتمٍ وحبسٍ وأمثال ذلك، وتركهم أحراراً في عملهم. كان قتال الخوارج بعد تجاوزاتهم وسفكهم للدماءكان عدد الخوارج حو إلی اثني عشر ألفاً، خرجوا علی الإمام عليه السلام؛ فأرسل إليهم عبد الله بن عبّاس فقام بمباحثتهم ومحاججتهم وأثبت لهم من الكتاب والسنّة أنَّ كلام أميرالمؤمنين عليه السلام وعمله حقّ، وأنَّ نهجهم باطل. فتاب منهم أربعة آلاف شخص ورجعوا. فأرسل إليهم أميرالمؤمنين عليه السلام يبلّغهم بأ نَّهم أحرار ويستطيعون الذهاب أينما شاؤوا شرط أن لا يسفكوا دماً ولا يقطعوا طريقاً ولايعتدوا علی مسلم، وفي حالة نقضهم لهذا الشرط فالسيف كليمهم. يقول عبد الله بن شدّاد: والله؛ إنَّ أميرالمؤمنين عليه السلام لميقاتلهم حتّي سفكوا الدماء وأحدثوا الفوضي وقاموا بتعدّيات وقطعوا الطرق وقتلوا عبد الله بن خَبَّاب الارَتّ الذي كان والياً من قبل الإمام عليهم، وبقروا بطن زوجته، وأخرجوا الطفل منها، علی الرغم ما لعبدالله من جلالة القدر والسابقة في الإسلام! كان أبوه خبّاب بن الارتّ من المعذَّبين في الإسلام، فقد عذَّبه كفّار قريش بشدّة في مكّة زمان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، فمزّقوا ظهره بالسكاكين، وقطّعوا لحمه قطعة قطعة، ثمّ طرحوه علی ظهره في صحراء مكّة الرمليّة الساخنة طالبين منه التخلّي عن الإيمان بالله ورسالة محمّد، فرفض. وقصّة خبّاب بن الارتّ وتعذيبه معروفة في الروايات ومشهورة في كتب تراجم الاحوال والرجال. لقد طلب منه عمر يوماً أن يُريه ظهره ليري عمل كفّار قريش به، وعندما كشف له عنه ونظر عمر إليه أصابه الخوف والوحشة، وقال: إنَّ كلّ ظهر هذا الرجل كقماش يابس مُتفسّخ؛ وقتل الخوارج ابنه عبدالله الذي كان من شيعة أميرالمؤمنين عليه السلام وعلی نهجه، لقبوله حكم أميرالمؤمنين عليه السلام وعدم الثورة عليه، ثمّ بقروا بطن امرأته وأخرجوا ابنه منها! وحينها، لم يعد يري أميرالمؤمنين عليه السلام الصبر جائزاً، فأسرع إلی محاربتهم. لقد كان عددهم ثمانية آلاف شخص، فخطبهم الإمام عليه السلام في البداية خطبة طويلة أسفرت عن رجوع أربعة آلاف شخص منهم، بينما أصرّ أربعة آلاف علی موقفهم. ومن جملة الذين كانوا ضدّ أميرالمؤمنين عليه السلام ابن الكوّاء مع عشرة أشخاص فاستدعاه أميرالمؤمنين عليه السلام، فجاء مع أشياعه ومؤيّديه العشر، فتحدّث معه الإمام واحتجّ عليه، فتخلّي ابن الكوّاء عن الحرب مع أصحابه، وعندها تمّت الحجّة. فقام الإمام عليه السلام بمحاربة ما بقي منهم، فقُتلوا جميعاً ما عدا تسعة أشخاص قد لزموا الفرار. [9] وشاهدنا هنا هو في موقف الإمام عليه السلام تجاه الخوارج حيث لميتّخذ منهم ذلك الموقف بسبب عدم قبولهم للخلافة، بل تركهم أحراراً في ممارسة أعمالهم؛ ولم يتعرّض لهم ما داموا لم يثوروا علی الحكومة الإسلاميّة وعلی المسلمين، ولم يحدثوا الفوضي، ولمينصبوا الرايات المعارضة لجمع أهل الباطل حولهم، وأمثال ذلك ممّا يؤدّي إلی سفك الدماء وقطع الطرق والنهب والاعتداء علی أموال ونواميس وأعراض المسلمين؛ وقد عمل عليه السلام علی هذا النهج، وهذا ممّا يدلّ علی أقصي درجة من حرّيّة الرأي. ويستدعي هذا الامر الالتفات، إذ إن الإسلام الذي ركّز إلی ذلك الحدّ علی أحكامه وقوانينه بلحاظ الباطن والميل القلبيّ، واهتمّ بهذا الامر إلی درجة أ نَّه كما كان لمن يعتنقون الإسلام إسلاماً ظاهريّاً، فقد كان لهم أيضاً إسلام باطنيّ في نفوسهم وقلوبهم وعقيدتهم، إلاّ أ نَّه مع هذا، فحكومة الإسلام لاتلاحق من لا يعتقد بالإسلام ولا يؤمن قلبيّاً بالله، فلاتلاحقه لتحاسبه علی عقيدته، ولا تقوم بالتفتيش حول العقيدة، ولاتتعرّض لعقيدته الباطنيّة مادام قد ارتضي الإسلام بحسب الظاهر ولمينهض ضدّ الحكومة الإسلاميّة. إطلاق حرّيّة العقيدة لاهل الذمّة ماداموا يعيشون في كنف الإسلاملآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ: ترجع إلی العقيدة لا إلی قبول الإسلام ظاهريّاًفالدولة الإسلاميّة تحافظ علی اليهود والنصاري وأهل الذمّة الذين لجأوا إليها وكانوا في ذمّتها، وتقوم بحمايتهم مهما كانت عقيدتهم، وهذا هو معني لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [10]. فالدين مجموعة من الاوامر والتوجيهات التي تنبع من العقيدة، ولا إكراه في عقيدة الإنسان. فالدين والعقيدة القلبيّة غير قابلين أساساً للإكراه. لآإِكْرَاهَ، إمَّا أن تكون جملة إخباريّة أو إنشائيّة، أي لاينبغي أن يكون ثمّة إكراه في العقيدة، فيجب أن تتوفّر مقدّمات معيّنة لكي تصلح العقيدة. لكنَّ نفس العقيدة لاتحصل بالإكراه، ولا ينبغي لها ذلك. ثمّ يقول تع إلی: قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. قد تبيّن الرشد والغيّ من خلال وجود وظهور الإسلام وقوانينه وأحكامه، وأصبحا جهتين متباينتين. فتبيّنت الهداية من الضلالة، وصارت في الجهة المخالفة لها. ويخطأ الذين يقولون بأنَّ المستفاد من قوله تع إلی: لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ هو أنَّ هدف الإسلام أن لا يكون في الدين أيّ إكراه، أي ليُترك الناس يحملون أيّ فكر أو دين يختارونه لانفسهم، فليكونوا يهوداً أو نصاري أو أيّ شيء آخر يريدونه. فالإسلام يقول: إنَّ علی الإنسان أن يكون مسلماً وحسب: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـ'مِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ا لآخِرَةِ مِنَ الْخَـ'سِرِينَ[11]. إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَهِ الإسْلَـ'مُ. [12] فهدف الإسلام تربية الناس، والدعوة إلی الحقّ والتوحيد. وهو لايري قيمة لغير المسلم، وجميع أنحاء الجهاد إنَّما كانت لاجل دعوة ا لآخرين إلی فطرة التوحيد. ولذلك فهو يجاهد اليهود والنصاري والذين يمتلكون التوحيد بدرجة أقلّ ويرضي منهم بأخذ الجزية إن لميسلموا، ويتركهم أحراراً في نهجهم وطريقتهم الاُولي. فليس معني هذه ا لآية أ نَّكم أحرار في أيّ نهج أو عقيدة تختارونهما؛ فعندما يري الإسلام الله وحده الحقّ، ويري التوحيد وحده الحقّ، ورسالة رسول الله وحدها الحقّ، فهو لا يستطيع بعد ذلك أن يسمح باتّجاه ا لآخرين نحو أيّ عقيدة أو مذهب يريدون، فهذا مخالف لضرورة الإسلام. فمعني لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، هو لا إجبار ولا إكراه في العقيدة القلبيّة والباطنيّة للإنسان، أو أ نَّها إخبار عن أ نَّه لا قدرة علی الوصول إلی العقيدة الباطنيّة لمن يدخل في الإسلام مهما كانت تلك العقيدة، فا لآية لاتعني إذَنْ أنَّ الإنسان حرٌّ في المنهج الذي يختاره، بل مفادها وتفسيرها هو أ نَّه بعد أن تبيَّن الغيّ من الرشد وامتازت الضلالة عن الهداية فالذي يتّبع الغيّ والضلالة سوف يتوصّل بنفسه بينه وبين ربّه إلی آثار ذلك وعواقبه الوخيمة، كما أنَّ الذي يصل إلی الرشد فإنَّه يتّجه إلی الحقيقة والسعادة. ويقع في مقابل هؤلاء آخرون يرفضون ذلك ويقولون: إنَّ الدين دين الإكراه، ويجب أن يدخل الناس في الإسلام بالإكراه والإجبار، والدليل علی ذلك آيات الجهاد التي تأمر بقتال المشركين: وَقَـ'تِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَـ'تِلُونَكُمْ كَآفَّةً [13]. وبشكل عامّ، فإنَّ حياة الإسلام مبنيّة علی أساس الجهاد، فكيف يمكن القول عندئذٍ أن لاإكراه في دين الإسلام؟ فهل هناك إكراه أشدّ من أن يُجبر الإنسان علی الدخول في الدين بقوّة السيف؟! يقول الإمام السجّاد عليه السلام في الخطبة التي أوردها بالشام في حضور يزيد: أنا ابن مَن ضرب خراطيم العرب بالسيف حتّي شهدوا بأنَّه لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ. خراطيم جمع خرطوم، وهي بمعني الانف. أي أ نَّه ضرب رؤوس الناس وأُنوفهم بالسيف إلی أن قالوا: لاَإلَهَإلاَّ اللَهُ فكان علی أميرالمؤمنين عليه السلام أن يضرب خراطيمهم بالسيف حتّي يشهدوا بالتوحيد، وذلك لانَّ أصحاب الخراطيم بهائم وحيوانات، وبغير ضرب خراطيمهم بالسيف ليس ثمّة من وسيلة معهم. عندما يكون طريق السعادة هو طريق التوحيد والإسلام والاستفادة من هذه المواهب العالية، لكنَّ هؤلاء يفضّلون الفرار من هذا الطريق، وتراهم علی استعداد للاستسلام لايّ دناءة وخسَّة ورذالة علی أن لايُسلموا؛ فلابدَّ والحال هذه من ضرب خراطيمهم بالسيف من أجل أن يسلكوا الطريق القويم؛ وهكذا هو دين الحقّ! إنَّ الجهاد من أركان الإسلام، وعزّة الإسلام في الجهاد، وهو أمر مسلَّم. فلاشكّ إذَن في قطعيّة لزوم أن يُسلم الناس وأنَّ الدين هو دين الإسلام(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَهِ الإسْلَـ'مُ)[14]؛ والجهاد أيضاً أمر ثابت وهو من الاركان الضروريّة. ولذا، فلن تكون هذه ا لآية ناسخة لآية لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ كما توهّم بعض المفسّرين. فقالوا: لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ أمرٌ صحيح، لكنَّ هذه ا لآية كانت في بدء الإسلام، وقد وردت بعد ذلك آيات مثل: قَـ'تِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَلاَبِالْيَوْمِ ا لآخِرِ وَلاَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَرَسُولُهُ و وَلاَيَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ حَتَّي' يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَـ'غِرُونَ [15]. أو آية: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ [16]، فنسخت آية: لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ. فهذا الاستدلال غير تامّ، وهذه ا لآيات ليست ناسخة، فـ لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ تتحدّث عن العقيدة الباطنيّة لا الاحكام الظاهريّة. وعلی الجميع أن يسلّموا ويخضعوا للاحكام الظاهريّة وقبول حكومة الإسلام والخضوع لولاية الفقيه ومحكمة الإسلام وفتوي الفقيه، كما لايحقّ لهم القيام بأيّ اعتراض. وآية لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ هي في مقام العقيدة القلبيّة، وليس لها أيّة منافاة للقتال؛ بينما آيات: قَـ'تِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَلاَبِالْيَوْمِ ا لآخِرِ، أو قَـ'تِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً وأمثال ذلك، لو كانت ناسخة لآية لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ لكانت ناسخة لمبدأ حكمها. فالحكم الذي ينسخ حكماً آخر ينسخ ملاك ذلك الحكم ومبدأه ومنشأه كذلك، مع أنَّ الله تع إلی قد جعل علّة لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ في قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. لماذا لا إكراه في الدين؟ لا نَّه بعد هذه ا لآيات الظاهرات والادلّة والبيّنات قد امتاز طريق الرشد من طريق الغيّ، وليس ثمّة من معني للإكراه بعد، وامتازت القلوب المريضة عن القلوب السالمة تلقائيّاً، وصارتا في جهتين متقابلتين. وهذا المطلب(قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) ليس قابلاً للنسخ، وهو لايُرفع في أيّ وقت من الاوقات. فا لآيات المحكمات للقرآن والاخبار المبيّنة للشرع ليست قابلة للنسخ، وعندما لا تكون قابلة للنسخ فليسهناك حكم أيضاً يستطيع أن يرفع قاعدة لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ المبتنية علی قوله تع إلی: قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. وعلی هذا، فـ لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ أمر باقٍ في محلّه، وآيات الجهاد باقية أيضاً في محلّها، وليس هناك أيّ تصادم بينهما. فـ لآإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ترجع إلی الاعمال القلبيّة والاعتقاد الباطنيّ، ولكلّ شخص أن يختار العقيدة التي يُريدها دون إكراه؛ بينما قَـ'تِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً تتعلّق بأحكام الظاهر والخضوع لحكم الإسلام والإقرار به والاضطرار والإجبار علی قبول الإسلام. إنَّ دين الإسلام دين عالميّ وعامّ، وعلی الناس أن يُصبحوا مسلمين طوعاً أو كرهاً. وهذا هو خلود الإسلام وحقيقته التي تدعو من ناحية الباطن إلی إحياء القلوب وحسب، لكنّها لا تُفتّش عن العقيدة الباطنيّة، ولاتتعرّض لها، ولا شغل لها به، بينما تقوم من ناحية الظاهر بأشدّ مراتب حماية القوانين والاحكام الإسلاميّة والمحافظة عليها. كان هذا هو الحقّ الثاني من حقوق الرعيّة علی الو لی. الحقّ الثالث للرعيّة علی الولاة: العناية بصحّة أبدانهم وأرواحهموأمّا الحقّ الثالث: فهو معالجة الراعي لاُمور الرعيّة من حيث تأمين حاجاتهم الجسميّة والروحيّة. فتأمين الحاجات الجسميّة من مسؤوليّات الحاكم، وعليه أن يرعي المواطنين، من خلال معرفة الفقراء، وجمع الزكاة من الاغنياء ويُقسّمها بين الفقراء المحتاجين. فهذا من حقوق الرعيّة اللازمة علی الفقيه. وعلی الحكومة الإسلاميّة تأمين الحاجات الاساسيّة للرعيّة بأحسن وأفضل وأصلح وجه من لباس وسكن وصحّة ومعالجة الفقر والمرض بشكل عامّ. وعلی الحاكم أن يمنح من بلغ سنّ الشيخوخة وعجز عن العمل من بيت المال ما يكفيهم. وباختصار، فعليه تأمين معيشتهم من الصدقات التي يجمعها من المسلمين، كما أنَّ من مسؤوليّات الحاكم الاهتمام بأُمور المعوّقين والمرضي الذين لا يستطيعون تدبير أُمورهم. يقول رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: أَنَا وَارِثُ مَنْ لاَوَارِثَ لَهُ. فالذي يموت ويترك مالاً ولا وارث له، أنا وارثه. كما أنَّ دية مَن لاوارث له علی، فأنا الذي يدفع دية المتوفّي إن كانت عليه وليسله من يدفعها؛ وذلك لانَّ وقت الدية يحلّ بمجرّد موت مَن تكون عليه، ويجب دفعها لإصحابها من دون تأخير. ويجب في هذه الحال أخذها من الحاكم، لا نَّه وارث من لاوارث له. فالدية التي يجب أن يدفعها الورّاث تتعلّق بالحاكم. ولا تعني أَنَا وَارِثُ بأ نِّي وارثٌ شخصيّاً، وإنَّما تعني أنا وارث بعنوان ولاية الفقيه وولاية الإمام ورسول الله؛ فيجب أن تصل جميع تلك الاموال التي ليس لها مُدبّر أو مالك إلی بيت المال وتقسيمها، وأنا المسؤول عن تقسيمها وتنظيمها. و السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ، والسُّلْطَانُ وَارِثُ مَنْ لاَوَارِثَ لَهُ تفيد: علی الحاكم أن يُرمّم نقاط الضعف الموجودة عند الناس وأن يهتمّ بكلّ شيخ كبير يعجز عن العمل، سواء كان مسلماً أو ذمّيّاً، إذ كما أنَّ حكومة الإسلام مكلّفة بالمحافظة علی المسلمين وحمايتهم فهي مكلّفة ومسؤولة أيضاً عن المحافظة علی أهل الذمّة. إذا بلغ بعض أهل الذمّة سنّ الشيخوخة وعجزوا عن العمل أو أُصيبوا بالمرض وأُقعدوا أو فقدوا البصر وتوقّفوا عن العمل واحتاجوا إلی الصدقة، فليسمن اللازم أن يقوم أهل ملّتهم ـأي خصوص اليهود أو المسيحيّين أو الزرادشتيّينـ بالتصدّق عليهم، وإنَّما يقوم الحاكم الإسلاميّ بأخذ الصدقة من ملّتهم كما ويساعدهم من بيت مال المسلمين إلی أن يصلوا إلی حدّ الكفاف. كما أنَّ من مسؤوليّات الحاكم الإسلاميّ الاهتمام بالارامل واليتامي؛ وعليه أن يهتمّ بأُمورهم علی أساس صحيح ومستقيم وثابت. وهذا الامر بنفسه يتطلّب عدّة وزارات. ومن جملة الكتب التي أُ لِّفت في هذا المجال، من كتب السابقين، وبيّنت كيفيّة تطبيق هذه الاحكام بشكل تفصيليّ وواضح: « الاحكام السلطانيّة » للفرّاء، و « الاحكام السلطانيّة والولايات الدينيّة » للماورديّ، وقد بيّنا كيفيّة تنظيم ومعالجة هذه الاُمور بشكل جيّد. ليس في الإسلام محكمة خاصّة للبعض، فالكلّ سواء أمام القانونلقد اتّبع الإسلام نهجاً ومساراً من ناحية الحقوق( الحقوق الواجبة) بالنسبة لشعبه، سواء من المسلمين أم أهل الذمّة، فلو اشتكي ذمّيّ مثلاً علی مسلم، فليسهناك محكمة خاصّة في هذه المسألة، وإنَّما هي نفس المحكمة العامّة وولاية الفقيه. فسواء كان المشتكي ذمّيّاً أو مسلماً، ضعيفاً أم قويّاً، وصاحب شوكة واعتبار، فليس هناك أيّ تفاوت أو تمييز بين الناس. إذ لميجعل الإسلام حكماً خاصّاً للبعض دون البعض ا لآخر، ولميعفو عن ذنب البعض. ولميجعل محكمة للجنايات تختصّ بأُناس معيّنين من أصحاب الطبقة العليا في المجتمع كالوزراء والمحافظين ليحاكموا فيها عند ارتكابهم أيّة جناية. إذ ليس هناك إلاّ محكمة عامّة واحدة. وعلی الوليّ الفقيه أن يُراجع أعمال تلك المحكمة باستمرار ويتفقّدها بنفسه أو مَن ينوب عنه. فليس من محكمة خاصّة لايّ فرد من أبناء البلاد، ولاعفو لذنب مرتكب، ولاحصانة لايّ وزير أو نائب أو مسؤول تؤهّله للاستقلال في العمل؛ فهذا ممّا لا يأت به الإسلام. وكلّ مَن يعتدي علی أحد، ويُراجع المدّعي الحاكم، فينبغي جلب المدّعي عليه إلی الحاكم من دون أيّ حجاب، مهما كان التفاوت الاجتماعيّ بينهما كبيراً. فلو اشتكي أحد الرعيّة ممّن يكون في أدني مرتبة من الناحية الاجتماعيّة علی الامير والمحافظ والحاكم المدنيّ في تلك المدينة، فينبغي معالجة شكواه كسائر الشكاوي من دون إهمال، وليس هناك محكمة خاصّة لذلك أيضاً، وإنَّما يتمّ ذلك في نفس تلك المحكمة العامّة، فيُحضر الحاكم كلاّ من الشاكي والمشتكي عليه من دون الاهتمام بأحدهما زيادة علی ا لآخر، أو يُسلّم علی أحدهما دون أن يُسلّم علی ا لآخر؛ فيضعهما أمامه دون أيّ تفاوت، ويحكم بينهما بالحقّ. لقد كانت سيرة رسول الله صلّي الله عليه وآله وأميرالمؤمنين عليه السلام في هذه المسألة واضحة جدّاً. فقد ادّعي رجل يهوديّ علی أميرالمؤمنين عليه السلام درعه فذهبا إلی شريح القاضي، فحكم بينهما. والذي يجلب الانتباه هنا هو أنَّ أميرالمؤمنين عليه السلام قد كان خليفة في ذلك الزمان وحاكماً علی المسلمين، وهو الذي نصب شُريحاً للقضاء، وكان يُعدّ قاضياً تحت يده، وعلی الرغم من كون المدّعي يهوديّ في ذمّة الإسلام، إلاّ أنَّ أمير المؤمنين لم يقل إنَّ شأني ورتبتي تفرض عَلَیأن لاأحضر في محكمة كهذه، ولميعترض علی أصل إيصال المسألة إلی المحكمة، ولم يقل إنّي أنا مُظهر العدل والإنصاف، وأنا الفارق بين الحقّ والباطل، كلاّ! فجميع هذه الاُمور تطرح جانباً في محكمة الإسلام. قصّة سوادة بن قيس شاهد آخر علی هذه المطالبوقصّة سَوَادَة بن قيس التي حصلت قُبيل ارتحال النبيّ الاكرم صلّيالله عليه وآله تُشكِّل شاهداً آخر. فعندما طلب رسول الله صلّي الله عليه وآله من علی المنبر أن يأتي كلّ مَن كان له حقّ عليه ليأخذ حقّه، وليأتي من يدّعي عليه مالاً أو جناية ويقتصّ منه! فجاء سوادةبن قيس وادّعي أنَّ له حقّاً عند الرسول. وقد ذُكرت قصّته في جميع الكتب. فهذا يوضّح بشكل جيّد أن ليس للنبيّ الاكرم صلّيالله عليه وآله وسلّم أيّ ميزة علی ا لآخرين أمام القانون علی الرغم من كونه أشرف الكائنات، ولايتخطّي حكم الله قيد شعرة. لكنّه صلّي الله عليه وآله يري نفسه مسؤولاً واقعاً بين يدي الله ولابدّ له قبل الرحيل عن الدنيا من أداء كلّ ما عليه أمام الناس من أمانة أو إيفاء وعد، أو أ نَّه مثلاً قد تعرّض لاحد بضربة أو جناية دون أن يقتصّ منه! هذه هي حقيقة ولاية الفقيه وولاية الإمام، وأساس الجهاز الحاكم الإسلاميّ الذي اقترحناه وعالجناه في هذه الجلسات. إلی هنا ينتهي بحثنا وكلامنا حول ولاية الفقيه، وكان مجموع هذه اللقاءات ثمانية وأربعين لقاء، ومع أنَّ المطالب قد بيّنت بشكل واضح وبالدقّة الكافية، لكنّها كانت بشكل مضغوط، وقد ابتعدنا عن الاختصار خوفاً من وقوع خلل في إيصال المراد، وما أردنا التفصيل الواسع والدخول في شقوق وفروع كلّ منها خوفاً من الإطناب، فراعينا الحدّ الوسط وللّه الحمد، وقد مَنَّ الله العلی الاعلی علينا بتوفيق ختم هذه المطالب في هذه الساعة بعد مضي ساعتين علی طلوع الشمس يوم الحادي والعشرين من ذيالحجّة سنة 1410 هجريّة قمريّة. اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد ارجاعات [1] ـ الوَسْق بفتح الواو، وقرأها البعض بكسر الواو(وِسق) يساوي ستّين منّاً. ويطلق البعض الوسق علي حِمْلُ بَعِيرٍ. والوسق عند الحجازيّين ثلاثمائة وعشرون رطلاً، وعند العراقيّين أربعمائة وثمانون رطلاً وكلّ رطل اثنا عشر أُوقيّة. وهذه المعاني متقاربة بشكل عامّ، فالوسق يعني حمل بعير ويزن ستّين منّاً علي الاقلّ. [2] ـ «وسائل الشيعة» ج 2، ص 56، كتاب الزكاة، باب 39 من أبواب الصدقة، طبعة أمير بهادر. [3] ـ «نهج البلاغة» الرسالة 31؛ ومن الطبعة المصريّة بشرح الشيخ محمّد عبده، ج 2، ص 51، القسم الرابع من أقسام الرسالة الخمسة. [4] ـ أورد المحدّث النوريّ رحمة الله عليه في «صحيفة الثانويّة العلويّة» ص 61 و 62: وَكانَ مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في المُناجاةِ عَلَي ما رَواهُ جَماعَةٌ مِنْ أصْحابِنا، مِنْهُمُ الشَّيْخُ الصَّدوقُ في «الخِصالِ» عَنِ الحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ العَلَويِّ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّبَريِّ، عَنْ سَهْلِبْنِ نَجِدَةِ، قالَ: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أبي زائِدَةَ، عَنْ عامِرَ الشَّعْبيِّ، قالَ: تَكَلَّمَ أميرُ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِتِسْعِ كَلِماتٍ ارْتَجَلَهُنَّ ارْتِجالاً فَقَأْنَ عُيونَ البَلاغَةِ، وَأَيْتَمْنَ جَواهِرَ الحِكْمَةِ، وَقَطَعْنَ جَميعَ الاَنامِ أنْ يَلْحَقْنَ بِواحِدَةٍ مِنْهُنَّ. ثَلاثٌ مِنْها في المُناجاةِ، وَثَلاثٌ مِنْها في الحِكْمَةِ، وَثَلاثٌ مِنْها في الاَدَب. ïï فَأَمَّا اللاتي في المُناجاةِ، فَقالَ: إلَهي كَفَي بِي عِزَّاً أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْداً، وَكَفَي بِي فَخْراً أَن تَكُونَ لِي رَبَّاً! أَنْتَ كَمَا أُحِبُّ فَاجْعَلْنِي كَمَا تُحِبُّ! وَأمَّا اللاتي في الحِكْمَةِ، فَقالَ: قِيمَةُ كُلِّ امْرِيٍ مَا يُحْسِنُهُ. وَمَا هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ. وَالمَرْءُ مَخْبُوٌّ تَحْتَ لِسَانِهِ. وَأمَّا اللاتي في الاَدَبِ فَقالَ: امْنُنْ عَلَي مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ! وَاحْتَجْ إلَي مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ! واسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ. [5] ـ «الاحكام السلطانيّة» للفرّاء، ص 258، التعليقة( 3). [6] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة» للشيخ محمود أبو ريّة، ص 44. [7] ـ يقول الغزّاليّ في «إحياء العلوم» ج 2، ص 176: روي أنَّ عمر كان يعسّ بالمدينة ذات ليلة فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة، فلمّا أصبح قال للناس: أرأيتم لو أنَّ إماماً رأي رجلاً وامرأة علي فاحشة فأقام عليهما الحدّ ما كنتم فاعلين؟ قالوا: إنَّما أنت إمام. فقال عليّ رضيالله عنه: ليس ذلك لك، إذاً يقام عليك الحدّ، إنَّ الله لم يأمن علي هذا الامر أقلّ من أربعة شهود، ثمّ تركهم ما شاء الله أن يتركهم، ثمّ سألهم، فقال القوم مقالتهم الاُولي: فقال عليّ رضيالله عنه مثل مقالته الاُولي. ويقول الغزّاليّ هنا: وهذا يُشير إلي أنَّ عمر كان متردّداً في أنَّ الوالي هل يقضي بعلمه في حدود الله؟ فلذلك راجعهم في معرض التقدير، لا في معرض الإخبار خيفةً من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفاً بإخباره، ومال رأي عليّ إلي أ نَّه ليس له ذلك. وهذا من أعظم الادلّة علي طلب الشرع لستر الفواحش، فإنَّ أفحشها الزنا، وقد نيط بأربعة من العدول ـيشاهدون ذلك منه في ذلك منها كالمرود في المكحلةـ وهذا قط لايتّفق. وإن علمه القاضي تحقيقاً لم يكن له أن يكشف عنه. [8] ـ «الاحكام السلطانيّة» للفرّاء، ص 54. [9] ـ ينقل في كتاب «النصّ والاجتهاد» ص 352، الطبعة الثانية، عن ابن عبدالبرّ في ترجمة عليّبن أبي طالب عليه السلام في «الاستيعاب» هذه العبارة: وَرُوِي مِنْ حَديثِ عَليٍّ، وَمِنْ حَديثِ ابْنِ مَسْعودٍ، وَمِنْ حَديثِ أبي أيُّوبِ الاَنْصاريِّ، أنَّهُ ـ يَعْني عَليَّاًـ أمَرَ بِقِتالِ النَّاكِثينَ ـي َوْمَ الجَمَلِ ـ وَالقاسِطينَ ـ يَوْمَ صِفِّينَ ـ وَالمارِقينَ ـيَوْمَ النَّهْرَوانِ ـ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البُرِّ: وَرُويَ عَنْهُ أَ نَّهُ عَلَيْهِ السَّلامِ: مَا وَجَدْتُ إلاَّ القِتَالَ أَوِالكُفْرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَهُ تَعَالَيـ انتهي. ورويت هذه الرواية أيضاً في كتاب «الفصول المهمّة» ص 126، الطبعة الخامسة، في التعليقة عن نفس هذا المصدر. [10] ـ صدر ا لآية 256، من السورة 2: البقرة. [11] ـ ا لآية 85، من السورة 3: آل عمران. [12] ـ صدر ا لآية 19، من السورة 3: آل عمران. [13] ـ قسم من ا لآية 36، من السورة 9: التوبة. [14] ـ صدر ا لآية 19، من السورة 3: آل عمران. [15] ـ ا لآية 29، من السورة 9: التوبة. |
|
|