|
|
أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم وَصَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَليِّ العَظِيمِ
التفسير الوارد في «الميزان» لآية: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِقَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَي'´ إلَی أَنـَّمَآ إِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ حِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. ( الآية 110، من السورة 18: الكهف ). قال حضرة أُستاذنا الاكرم آية الحقّ والعرفان وسند العلم والإيقان: آية الله العلاّمة الطباطبائيّ تغمده الله بأعلي رضوانه، ورفع درجته بما لا يدرك به عقل بشر ولا مَلَك ولا جنّ ولا أحد سوي ذاته الاقدس، في تفسيره لهذه الآية الكريمة: « الآية خاتمة السورة وتلخّص غرض البيان فيها وقد جمعت أُصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوّة والمعاد فالتوحيد ما في قوله: أَ نَّمَآ إِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ حِدٌ. والنبوّة ما في قوله: إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَي'´ إلَی، وقوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا إلی آخره. والمعاد ما في قوله: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ. قوله تعالي: قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَي'´ إلَی أَنَّمَآ إِلَـ'هُكُمْ إلَـ'هٌ وَ حِدٌ. القصر الاوّل قصره صلّي الله عليه وآله في البشريّة المماثلة لبشريّة الناس لا يزيد عليهم بشيء ولا يدّعيه لنفسه قبال ما كانوا يزعمون أ نّه إذا ادّعي النبوّة فقد ادّعي كينونة إلهيّة وقدرة غيبيّة، ولذا كانوا يقترحون عليه بما لا يعلمه إلاّ الله ولا يقدر عليه إلاّ الله، لكنّه صلّي الله عليه وآله نفي ذلك كلّه بأمر الله عن نفسه ولم يثبت لنفسه إلاّ أ نّه يوحي إليه. والقصر الثاني قصر الإله الذي هو إلههم في إله واحد وهو التوحيد الناطق بأنّ إله الكلّ إله واحد. وقوله: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ إلی آخره، مشتمل علی إجمال الدعوة الدينيّة وهو العمل الصالح لوجه الله وحده لا شريك له وقد فرّعه علی رجاء لقاء الربّ تعالي وهو الرجوع إليه إذ لولا الحساب والجزاء لم يكن للاخذ بالدين والتلبّس بالاعتقاد والعمل موجب يدعو إليه، كما قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ. [1] وقد رتّب علی الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح وعدم الإشراك بعبادة الربّ، لانّ الاعتقاد بالوحدانيّة مع الاشتراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فالإله تعالي لو كان واحداً فهو واحد في جميع صفاته ومنها المعبوديّة لا شريك له فيها. وقد رتّب الاخذ بالدين علی رجاء المعاد دون القطع به، لانّ احتماله كاف في وجوب التحذّر منه لوجوب دفع الضرر المحتمل، وربّما قيل: إنّ المراد باللقاء لقاء الكرامة وهو مرجو لا مقطوع به. وقد فرّع رجاء لقاء الله علی قوله: أَ نَّمَآ إِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ حِدٌ، لانّ رجوع العباد إلی الله سبحانه من تمام معني الاُلوهيّة، فله تعالي كلّ كمال مطلوب وكلّ وصف جميل ومنها فعل الحقّ والحكم بالعدل وهما يقتضيان رجوع عباده إليه والقضاء بينهم، قال تعالي: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـ'طِلاً ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الاْرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ. [2] في « الدرّ المنثور » أخرج ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وابن عساكر من طريق السديّ الصغير عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: كان جندب بن زهير إذا صلّي أو صام أو تصدّق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس فلامه الله فنزل في ذلك: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». وورد نحو منه في عدّة روايات أُخر من غير ذكر الاسم وينبغي أن يحمل علی انطباق الآية علی المورد، فمن المستبعد أن يُنزل خاتمة سورة من السور لسبب خاصّ بنفسها. وفيه عن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في الآية قال النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم: إنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي فِي عَمَلِهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِي تَرَكْتُ العَمَلَ كُلَّهُ لَهُ، وَلَمْ أَقْبَلْ إلاَّ مَا كَانَ لِي خَالِصاً. ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: «فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». وفي « تفسير العيّاشيّ » عن علی بن سالم، عن أبي عبدّالله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالي: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِي عَمَلِهِ لَمْ أَقْبَلْهُ، إلاَّ مَا كَانَ لِي خَالِصاً! قال العيّاشيّ: وفي رواية أُخري عنه عليه السلام قال: إنَّ اللَهَ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ عَمِلَ لِي وَلِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ دُونِي. وفي « الدرّ المنثور » أخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصحّحه، والبيهقيّ عن شدّاد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم يقول: مَنْ صَلَّي يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ؛ ثُمَّ قَرَأَ: «فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ» الآية. وفي « تفسير العيّاشيّ » عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لَوْ أَنَّ عَبْداً عَمِلَ عَمَلاً يَطْلُبُ بِهِ رَحْمَةَ اللَهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أَدْخَلَ فِيهِ رِضَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ مُشْرِكاً. والروايات في هذا الباب من طرق الشيعة وأهل السنّة فوق حدّ الإحصاء، والمراد بالشرك فيها الشرك الخفيّ غير المنافي لاصل الإيمان، بل لكماله، قال تعالي: وَمَا يُوْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ.[3] فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها. وفي « الدرّ المنثور » أخرج الطبرانيّ وابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله: لَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَی أُمَّتِي إلاَّ خَاتِمَةُ سُورَةِ الكَهْفِ لَكَفَتْهُمْ. أقول: تقدّم وجهه في البيان السابق. تَمَّ وَالحَمْدُ لِلَّهِ».[4] إمكان لقاء الله منحصر في التوحيد الخالي من شوائب الشركومحصّل الكلام، أنّ هذه الآية الكريمة والروايات الواردة في تفسيرها تُفهمنا أنّ لقاء الله وزيارته تكون ممكنة فقط، للذين آمنوا بالله ولم يُشركوا به أحداً بأيّ وجه من الوجوه، سواء أكان ذلك ظاهراً أم باطناً، ولا في مقام الوجود والذات، ولا في مقام الاسم والصفة، ولا في مقام الفعل والعمل، بل أن يُؤْثِروا الله وحده، ويعتبرونه المؤثّر الوحيد، إذ: لا مُوَثِّرَ في الوُجودِ إلاّ اللَهُ[5]، لا في منهاج الشرك الظاهر، ولا الباطن. ومعني الشرك، إعطاء صفة التدخّل لعمل الغير في عمل الله. فمثلاً، اعتبار الذهاب إلی الطبيب واستعمال الدواء والتعافي، يعتبر شركاً، إذا لوحظ ذلك من منظار التأثير الاستقلاليّ، وإن كان ذلك بمعيّة الله. وإذا لوحظ ذلك من منظار أنّ الطبيب محكوم بأمر وإرادة الله، وأنّ الدواء أيضاً محكوم بتأثير وأمر الله، وأنّ الحصول علی الشفاء، هو بأمر الله ومشيئته، فإنّ ذلك هو ما يسمّي بالتوحيد، إذ لا توجد فيه شائبة شرك أبداً. وعلي المؤمن أن ينفي جميع المؤثّرات الاستقلاليّة التي كان يعتبرها من قبل فاعلة، ويطرد ذلك عن نفسه وداخله في سبيل الوصول إلی الله، حتّي يتسنّي له زيارة الله كما ينبغي له، وإلاّ فإنّ ذلك ليس الله حتّي وإن رآه من وراء حجاب الخيال والوهم. والآن، فهل كانت تلك العجوز تعلم حقّاً، أنّ الله موجود أم لا؟ نعم، كانت تعلم ومن خلال مغزلها، بل كانت علی يقين من ذلك، ولكن من وراء ألف حجاب. إنّ دين العجائز ذلك، ينفع العجائز أنفسهنّ، لا السالكين، فرُبّ شخص جالس وراء بوّابة المدينة العالي وسورها، وهو يعلم أنّ ما يصدر من المدينة من أصوات وضوضاء، دليل علی وجود سكنة فيها، إلاّ أنّ ذلك يختلف كثيراً عمّن تسوّر ذلك الجدار ونظر إلی المدينة بمنظار قويّ، وأفضل من هذا وذاك، من فتح بوّابة المدينة، وسار في شوارعها وأزقّتها وأسواقها ومساجدها، ثمّ دخل المساجد والمدارس، وتعرّف علی أفرادها، واستعلم من العلماء والمدرّسين والطلاّب عن مناهجهم الدراسيّة، وتعرّف علی معابدها ومدارسها والمستوي العلميّ لعلماء العرفان فيها، ومساحة مصلاّهم، وهل يتبع سكنتها النصائح الإسلاميّة في الطبّ، أم أ نّهم بحاجة إلی مستشفي ومستوصف وطبيب ودواء؟ فما الفرق إذاً بين الشخص الواقف وراء الجدار، وذلك الذي دخل المدينة وتعرّف علی أهلها واستأنس إلی أصحابها؟ الحقّ، إنّ الفرق بينهما، كالبعد بين المشرق والمغرب، وإن كان هذان الشخصان أخوين جلسا في مكان واحد، وكانا يعيشان في زمان واحد، وينحدران من أصل واحد، ونسب وسبب مشتركين. فلنخرج الآن من دين العجائز ومن التعرّف علی البعير بالبعرة وبها كذلك علی الحيوان الحيّ، وعلينا الاستزادة من المعلومات، وذلك أنّ هذا النوع من المعارف، خاصّ بالضعفاء، وبالمعرفة الإجماليّة دون التفصيليّة. فعلينا الحصول علی المعرفة التفصيليّة، وأن نتأسّي بأمير المؤمنين عليه السلام، وعلينا البحث في « نهج البلاغة » و « التوحيد » للصدوق. يَا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِعلينا أن ننهج منهج أُمّهات التفاسير للقرآن الكريم، والبحث عن حلّ جدّي، وأن نرجع إلی « الصحيفة العلويّة » و « الصحيفة السجادية »، ولِنَستعين بهما في طريق معرفة الله. علينا أن نفهم جيّداً معني: «يَا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَجَلَّ عَنْ مُلاَءَمَةِ كَيْفِيَّاتِهِ. يَا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَرَاتِ الظُّنُونِ، وَبَعُدَ عَنْ لَحَظَاتِ العُيُونِ، وَعَلِمَ بِمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ» لاَ إلَهَ إلاَّ أَنتَ، سُبْحَانَكَ اللَهُمَّ وَبِحَمْدِكَ! مَنْ ذَا يَعْرِفُ قَدْرَكَ فَلاَ يَخَافُكَ؟!وَمَنْ ذَا يَعْلَمُ مَا أَنْتَ فَلاَ يَهَابُكَ؟! فَيَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالعِزِّ وَالبَقَاءِ، وَقَهَرَ العِبَادَ بِالمَوْتِ وَالفَنَاءِ! [6] ومعني: بِكَ عَرَفْتُكَ، وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَدَعَوْتَنِي إلَيْكَ، وَلَوْلاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ! وهذه فقرات من دعاء سيّد الساجدين الامام علی بن الحسين عليهما السلام وأفضل الصلوات، التي تبدأ بـ: إلَهِي! لاَ تُوَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ، وَلاَ تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ! مِنْ أَيْنَ لِيَ الخَيْرُ يَا رَبِّ وَلاَ يُوجَدُ إلاَّ مِنْ عِنْدِكَ، وَمِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ وَلاَ تُسْتَطَاعُ إلاَّ بِكَ! لاَ الَّذِي أَحْسَنَ اسْتَغْنَي عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ؛ وَلاَ الَّذِي أَسَاءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ! وقد كرّر الإمام عليه السلام كلمة «يَا رَبِّ» حتّي انقطع نفسه، ثمّ قال: بِكَ عَرَفْتُكَ... إلی آخر الدعاء الشريف والعالي المضامين، الذي يدلّ علی أنّ الإمام ينادي من أقصي نقاط التوحيد في حرم معبوده المحبوب ومحرابه، ويناجي في حرم الذات أن لاَ يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. [7] فإذا أمعنّا النظر في العبارات «يَا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِهِ»، و «بِكَ عَرَفْتُكَ وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَدَعَوْتَنِي إلَيْكَ، وَ لَوْلاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ» فسنخلص أوّلاً إلی أنّ طريق لقاء ذات الله وزيارتها مفتوح؛ وثانياً، لا يمكن أن يكون معرّف تلك الذات المقدّسة، إلاّ الذات المقدّسة نفسها؛ وثالثاً، أنّ جميع الموجودات الآفاقيّة والانفسيّة والملكيّة والملكوتيّة، لا يمكنها أن تدلّ علی ذات الله، فعليه هو أن يعرّف نفسه ويدلّ عليها. فقرات من مناجاة تاج الدين ابن عطاء الله الإسكندريّإلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ؟! أيَكونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّي يَكونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟! مَتَي غِبْتَ حَتَّي تَحْتاجَ إلَی دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ؟! وَمَتَي بَعُدْتَ حَتَّي تَكُونَ الآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إلَيْكَ؟! إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْها رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً! غزل «فروغي البسطاميّ» في ظهور الله تعالي في جميع العوالموما أروعَ القصيدة الغزليّة التالية للفروغي البسطاميّ والتي ضمّت في جَنَباتها هذه الحقيقة، حيث قال فيها: كي رفتهاي ز دل كه تمنّا كنم ترا كي بودهاي نهفته كه پيدا كنم ترا غائب نگشتهاي كه شوم طالب حضور پنهان نگشتهاي كه هويدا كنم ترا با صد هزار جلوه برون آمدي كه من با صد هزار ديده تماشا كنم ترا چشمم به صد مجاهده آئينه ساز شد تا با يكي مشاهده شيدا كنم ترا بالاي خود در آينة چشم من ببين تـا بـاخبـر ز عـالـم بالا كنم ترا مستانه كاش بر حرم و دير بگذري تا قبلهگاه مؤمن و ترسا كنم ترا خواهم شبي نقاب ز رويت برافكنم خورشيد كعبه، ماه كليسا كنم ترا [8] گر افتد آن دو زلف چليپا به چنگ من چندين هزار سلسله در پا كنم ترا طوبي و سدره گر به قيامت به من دهند يكجا فداي قامت رعنا كنم ترا زيبا شود به كارگهِ عشق كار من هرگه نظر به صورت زيبا كنم ترا رسواي عالمي شدم از شور عاشقي ترسم خدا نخواسته رسوا كنم ترا با خيل غمزه گر به وثاقم گذر كني مير سپاه، شاهِ صف آرا كنم ترا [9] نعم، إنّ هذين الدعاءين الاخيرين «إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ»، و «إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ»، هما الفقرتان 19 و20 من المجموعة الخامسة والثلاثين من مناجاة الشيخ تاج الدين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندريّ المتوفّي سنة 709 ه. [10] فقرات المناجاة التي تُخبر عن التوحيد المحضشرح مناجاة ابن عطاء الله الإسكندريّوأمّا البقيّة، فهي كما يلي: 1 ـ إلَهِي! أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَايَ، فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي؟! ( وهذا الغِني هو عين الحاجة والعوز لا نّه منك أنتَ! فكيف إذن لا أكونُ فقيراً إليك ومُحتاجاً لك في عين فقري وحاجتي اللتين كانتا حالة عدمي؛ وكان أصل وجودي وأساسه ومنشأه هما الفقدان والعدم؛ والفَناء وكَتْم العدم كانتا المادّة الاوّليّة لحدوثي وتحقُّقي في المرحلة الماهويّة؟!). 2ـ إلَهِي! أَنَا الجَاهِلُ فِي عِلْمِي، فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي؟! ( وهذا العِلم هو عين الجهل لا نّه منك. فكيف إذن لا أكون ثابتاً علی الجهل في نفس الوقت الذي تغمرني فيه جهالتي وجهلي واللتان كانتا لي حالة العدم الاصليّ والفقدان الماهويّ والعدم الذاتيّ؟!). 3ـ إلَهِي! إنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ حُلُولِ مَقَادِيرِكَ، مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إلَی عَطَاءٍ وَاليَأْسِ مِنْكَ فِي بَلاَءٍ! ( وذلك لانّ سرعة حلول البلايا في عقب النِّعَم والآلاء، وسرعة حلول النِّعَم والآلاء في عقب البلايا شديدة جدّاً ومستمرّة بالتناوب والتعاقب كالدولاب والعجلة اللتان تدوران باستمرار، وهي لا تهب أحداً سكوناً أو هدوءاً في مقابل النِّعَم والآلاء أو اضطراباً أو قلقاً في مقابل النِّقَم والبلايا، إلاّ الجاهلين بمقام عزّة الربوبيّة والخاوية جعبهم من أسرار حَرَمه وحَريمه؛ وهي لا تطرأ علی العارفين بك وبجلالك الاقدس وجمالك المُقدّس، والمؤمنين بإرادتك القاهرة ومشيّتك الظاهرة!). 4ـ إلَهِي! مِنِّي مَا يَلِيقُ بِلُوْمِي؛ وَمِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ! ( لا نّي لا شيء، وفقير وحادث وعاجز وجاهل؛ كلّ تلك العلامات السوداء والبقع الداكنة الناشئة ماهيّتي البائسة هي ممّا يناسبني تماماً ويليق بي؛ وأمّا أنت، فأنت الوجود المطلق والغنيّ بالذات والقديم بالاصالة والقادر والعالِم؛ ولا تَدلّ هذه الصفات إلاّ ازدياد مرتبة الشرف والفضيلة والكرامة والمجد والعظمة ). 5ـ إلَهِي! وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ بِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي؛ أفَتَمْنَعُنِي مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي؟! ( وذلك لانّ الصفتين اللتين ذكرتهما أنت في القرآن الكريم: اللُّطف والرأفة، ليستا مختصّتين بالضعف أو غيره في عبادك ). 6ـ إلَهِي! إنْ ظَهَرَتِ المَحَاسِنُ مِنِّي، فَبِفَضْلِكَ وَلَكَ المِنَّةُ عَلَی؛ وَإنْ ظَهَرَتِ المَسَاوِيُ مِنِّي، فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَی! ( وذلك لانّ حسناتي وفضائلي إنّما هي جميعاً موهوبة لي لا عن استحقاق ذاتيّ، بل بفضل منك ورحمة، بعيداً عن المادّة الاوّليّة. وأمّا سيّئاتي ومساوئي فلم تكن من عندك، لانّ النقص والعيب لا يعتريانك ( أبداً )، ولا يصدر عنك ظُلم أو جور؛ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ! لا نّك المَلِكُ والمالك؛ تأتي بما تشاء في حوزة ملكك وسلطانك؛ وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَی فِي جَميِعِ ذَلِكَ! فلو بَدرتْ منّي المساوي أو ظهر شيء منها فهي منّي، واستناداً إلی قانون العقوبات الخاصّ بالعبوديّة فإنّ تعزيرك وتأديبك لي ومعاقبتي لا يكون إلاّ من جهة عدلك؛ ولو ظهرت منّي محاسن أو فضائل فهي لم تكن لتظهر لولا فضلك عَلَی ومشيئتك في زيادة خيري والمَنّ عَلَی برحمتك وفضلك. وعلي هذا، ففضلك قائم وتفضّلك سابق!). 7ـ إلَهِي! كَيْفَ تَكِلُنِي وَقَدْ تَوَكَّلْتَ بِي؟! ( بإيصال المنافع إلَی ودفع المضارّ عنّي والتحرّك في مراحل الاستعداد في كلّ حال ) وَكَيْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّصِيرُ لِي؟! أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الحَفِيُّ بِي؟! هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَقْرِي إلَيْكَ! وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ أنْ يَصِلَ إلَيْكَ؟! ( لانّ كلّ ما هو موجود من مُلك وملكوت يرزح تحت أمرك؛ لا فوق أمرك ولا مساوياً له ) أَمْ كَيْفَ أَشْكُوا إلَيْكَ حَالِي وَهِيَ لاَ تَخْفَي عَلَيْكَ؟! أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ لَكَ بِمَقَالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إلَيْكَ؟! أَمْ كَيْفَ تَخِيبُ آمَالِي وَهِيَ قَدْ وَفَدَتْ إلَيْكَ؟! أَمْ كَيْفَ لاَ تَحْسُنُ أَحْوَالِي وَبِكَ قَامَتْ وَإلَيْكَ؟! 8ـ إلَهِي! مَا أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي! وَمَا أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلي! ( إنّ لطفك بدأ من لحظة جهلي بقيمتك وقَدْركَ، فأرشدتني، ومن ظُلمات الجهل والفِتَن حرّرتني! وإنّ رحمتك بدأتْ ساعة اجتراحي للسيّئات والمعاصي، فكنتَ حليماً وكريماً « معي » في حين لا يبدر منّي إلاّ التقصير في أداء واجباتي!). 9ـ إلَهِي! مَا أَقْرَبَكَ مِنِّي، وَمَا أَبْعَدَنِي عَنْكَ! ( إنّ تَقرّبك إلی ناجم عن أصل وجودك وذاتك المقدّسة وقدرتك وعِلمكَ ومشيّتك وإرادتك وسيطرتك وهيمنتك، التي لا تُوصَف؛ وما ابتعادي منك وبُعدي عنك إلاّ نتيجة ظُلمة ماهيّة الإمكان والبون الشاسع بين عبوديّتي وربوبيّتك!). 10ـ إلَهِي! مَا أَرْأَفَكَ بِي! فَمَا الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟! ( إنّ مظاهر عالَم الكون جميعاً هي دلائل وشواهد علی رأفتك؛ ويتوجّب عَلَی أن أراك وأُشاهدك في جميع تلك المظاهر! فما السبب إذن وراء احتجاب قلبي ( وبصيرتي ) عن شرف التقرّب إليك، والكرامة والفضيلة في رؤيتك ومشاهدتك؟!). 11ـ إلَهِي! قَدْ عَلِمْتُ بِاخْتِلاَفِ الآثَارِ وَتَنَقُّلاَتِ الاَطْوَارِ أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إلَی فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّي لاَ أَجْهَلَكَ فِي شَيءٍ! نعم، لانّ جميع موجودات العالم سوي الله، مرتبطة بظهوره، فهو ظاهر فيها بالذات أوّلاً، وبالعرض وظهور الإنّيّة والماهيّة عندها ثانياً. در هر چه بنگرم تو پديدار بودهاي اي نانموده رخ تو چه بسيار بودهاي[11] * * * أبيات هاتف الإصبهانيّ في تجلّي الله تعالي في كلّ مكانيار بيپرده از در و ديوار در تجلّي است يا اولي الابصار شمع جوئيّ و آفتابْ بلند روز بس روشن و تو در شبتار گر ز ظلمات خود رهي، بيني همه عالم مشارق الانوار كور وَش قائد و عصا طلبي بهر اين راه روشن و هموار چشم بگشا به گلستان و ببين جلوة آب صاف در گل و خار [12] زآب بيرنگ صد هزاران رنگ لاله و گل نگر در آن گلزار پا به راه طلب نِه از ره عشق بهر اين راه توشهاي بردار شود آسان ز عشق كاري چند كه بود نزد عقل بس دشوار يار گو بالغُدُوّ و الآصال يار جو بالعَشيِّ و الإبكار صد رهت لَنْ تَراني ار گويد باز ميدار ديده بر ديدار تا به جائي رسي كه مينرسد پاي اوهام و پاية افكار [13] بار يابي به محفلي كآنجا جبرئيل امين ندارد بار اين ره، آن زادِ راه، آن منزل مرد راهي اگر بيا و بيار ورنهاي مرد راه چون دگران يار ميگوي و پشت سر ميخار هاتف ارباب معرفت كه گهي مست خوانندشان و گه هشيار از مي و بزم و ساقي و مطرب وز مُغ و دير و شاهد و زُنّار قصد ايشان نهفته اسراري است كه به ايما كنند گاه اظهار [14] پي بري گر به رازشان داني كه همين است سرّ آن اسرار كه يكي هست و هيچ نيست جز او وَحْدَهُ لا إلَهَ إلاّ هُو [15] 12ـ إلَهِي! كُلَّمَا أَخْرَسَنِي لُوْمِي، أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ! وَكُلَّمَا أَيْأَسَتْنِي أَوْصَافِي، أَطْمَعَتْنِي مِنَنُكَ! 13ـ إلَهِي! مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِيَ، فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ مَسَاوِؤُهُ مَسَاوِيَ؟! وَمَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوِيَ، فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوِيَ؟! ( لانّ العيوب والنقصان والزلل وغير ذلك تتخلّل محاسنه، ولهذا فإنّ مَعاد تلك المساوي إنّما يكون إلی القبح؛ فكيف إذا ما تطرّقنا إلی قبائحه ومساوئه التي يكون فيها القبح أصلاً لها ومادّة تتكوّن منها؟! وإذا ما تأمّلتَ حقائق كلامه وسلوكه لرأيت أنّ محاسنه قد امتزجتْ مع ادّعاءاته الكاذبة والباطلة؛ فكيف إذا تطرّقنا إلی ادّعاءاته التي هي باطلة وكاذبة من الاساس؟!). 14ـ إلَهِي! حُكْمُكَ النَّافِذُ، وَمَشيَّتُكَ القَاهِرَةُ، لَمْ يَتْرُكَا لِذِي مَقَالٍ مَقَالاً، وَلاَ لِذِي حَالٍ حَالاً! ( لانّ كلّ صاحب حديث وكلام مهما كان حديثه جميلاً وكلامه ممتعاً، وكلّ صاحب حال مهما كان في يُسر ورخاء، قد يتحوّل كلّ ما لديه فجأةً إلی عدم وخراب وذلك علی أساس الحكم النافذ للحقّ تعالي ومشيّته الغالبة ). 15ـ إلَهِي! كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا، وَحَالَةٍ شَيَّدْتُهَا، هَدَمَ اعْتِمََادِيَ عَلَيْهَا عَدْلُكَ! بَلْ أَقَالَنِي مِنْهَا فَضْلُكَ! ( وذلك لانّ صفة العدل ( التي تمتلكها ) لم تترك لي طاعةً أو حالةً يمكنني الاتّكاء والاعتماد عليها، لكنّ اتّصافك بالفضل هو أملي وكلّ ما بقي لي؛ وها هي ذي يدي فارغة إلاّ من النظر إلی فضلك الزائد ورحمتك الواسعة، إذ لم يبقَ لي شيء غيرهما ). 16ـ إلَهِي! إنَّكَ تَعْلَمُ: وَإنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلاً جَزْماً، فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً! 17ـ إلَهِي! كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ القَاهِرُ؟! وَكَيْفَ لاَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الآمِرُ؟! ( لا نّي عَرَفْتُ اللَهَ بِنَقْضِ العَزَائِمِ. وأنّ ما يعتري الحالات من تبديل وتبدّل إنّما هما من الاُمور العجيبة والمدهشة ومن الاسرار الغامضة الرائعة التي لا يمكن لاحد غير الذات المقدّسة للحقّ تعالي الوصول إليها والعِلم بها ). 18ـ إلَهِي! تَرَدُّدِي إلَيْكَ فِي الآثَارِ، يُوجِبُ بُعْدَ المَزَارِ؛ فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إلَيْكَ! 19ـ إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ إليآخره. 20ـ إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْهَا قَرِيباً رَقِيباً إلی آخره. ( وقد مرّ تفسير هاتين الفقرتَيْن ). 21ـ إلَهِي! أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلَی الآثَارِ، فَارْجِعْنِي إلَيْهَا بِكِسْوَةِ الاَنْوَارِ وَهِدَايَةِ الاِسْتِبْصارِ، حَتَّي أَرْجِعَ إلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمَادِ عَلَيْها؛ إنَّكَ عَلَی كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ! 22ـ إلَهِي! هَذَا ذُلِّي ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ! وَهَذَا حَالِي لاَ يَخْفَي عَلَيْكَ! مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إلَيْكَ! وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ! فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إلَيْكَ! وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ! ( لا نّه ثبت لديَّ وأصبح مشهوداً أن لا مُؤثِّرَ غير ( علی الإطلاق )، وأنّ جميع الاسباب محكومة بحكمك وتابعة لاختيارك وانتخابك ومشيّتك. ولذا، فأنت وحدك يمكنك أن تفتح لي طريق الوصول إلی حرم عزّتك ( وحريم قدسك )! وهذه الآثار هي ظهوراتك، وأنت الظاهر من خلالها، فأطلبُ منكَ يا مَن تُمثّل تلك الظهورات أن توصلني إلی الظهورات التي هي وجودك المقدّس! وخَلّصني من دعاواي بقَدم الصدق النافية للدعاوي الباطلة، وأقِمني في عالَم التحقّق والواقعيّة بكلّ معني الكلمة ). 23ـ إلَهِي! عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وَصُنِّي بِسِرِّ اسْمِكَ المَصُونِ! ( فقد خصصتَ بذلك العِلم المخزون أولياءك الموثوق بهم من قِبَلِك المُتوكّلين عليك. وحفِظتَ بذلك الاسم الخاصّ كلّ محبّ صادق وحبيب مخلص وصُنتَه من كيد الاعداء كالشيطان والنفس الامّارة بالسوء، وأكتَنَفتَه بقدرتك وعزّتك! أسألك ( إلهي ) أن تُلحِقَني بهم ). 24ـ إلَهِي! حَقِّقْنِي بِحَقَائِقِ أَهْلِ القُرْبِ، وَاسْلُكْ بِي مَسَالِكَ أَهْلِ الجَذْبِ! ( إنّ الذين وقفوا علی بساط الاضطرار لمواجهة الافتقار، يتوسّلون بك علی الدوام وهم بك متمسّكون وبحبلك معتصمون، لا نّهم وجدوا طريقهم إلی معرفتك!). 25ـ إلَهِي! أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ عَنْ تَدْبِيرِي! وَبِاخْتِيَارِكَ عَنِ اخْتِيَارِي! وَأَوْقِفْنِي عَلَی مَرَاكِزِ اضْطِرَارِي! ( حتّي لا أشكو حالي! ولا أكشف سِرّي بكلامي! وأجعلُ منك شاهداً عَلَی ( في كلّ الاحوال ) ورقيباً ( علی أعمالي وأورادي )، وصاحب الإرادة والاختيار. وأن أكون يقظاً في مواقع الضعف والحاجة حتّي لا أجرؤ، لا سمح الله، علی نسبة الصفات الربوبيّة، التي هي من حقّك أنت، إلی نفسي وأنا عبدك المحتاج من رأسي إلی أخمص قدمَيّ!). 26ـ إلَهِي! أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي! وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي! بِكَ أَسْتَنْصِرُ فَانْصُرْنِي، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلاَ تَكِلْنِي، وَلِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلاَ تُبْعِدْنِي عَنْكَ، وَبِبَابِكَ أَقِفُ فَلاَ تَطْرُدْنِي، وَإيَّاكَ أَسْأَلُ فَلاَ تُخَيِّبْنِي! 27ـ إلَهِي! تَقَدَّسَ رِضَاكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي! أَنْتَ الغَنِيُّ بِذَاتِكَ عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ، فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ غَنيَّاً عَنِّي؟! 28ـ إلَهِي! إنَّ القَضَاءَ وَالقَدَرَ غَلَبَنِي! وَإنَّ الهَوَي بِوَثَاقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي! فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّي تَنْصُرَنِي فِي نَفْسِي وَتَنْصُرَ بِي! وَأَغْنِنِي بِجُودِكَ حَتَّي أَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي! أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الاَنْوَارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ! وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الاَغْيَارَ مِنْ قُلُوبِ أَحْبَابِكَ! أَنْتَ المُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ؛ وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ المَعَالِمُ! مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟! وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟! لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً! وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَي عَنْكَ مُتَحَوَّلاً! 29ـ إلَهِي! كَيْفَ يُرْجَي سِوَاكَ وَأَنْتَ الَّذِي مَا قَطَعْتَ الإحْسَانَ؟! وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ؟! يَا مَنْ أَذَاقَ أَحْبَابَهُ حَلاَوَةَ مُوَانَسَتِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ! وَيَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مَلاَبِسَ هَيْبَتِهِ، فَقَامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزِّينَ! أَنْتَ الذَّاكِرُ مِنْ قَبْلِ ذِكْرِ الذَّاكِرينَ! وَأَنْتَ البَادِيُ بِالإحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ العَابِدِينَ! وَأَنْتَ الجَوَادُ بِالعَطَايَا مِنْ قَبْلِ طَلَبِ الطَّالِبِينَ! وَأَنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ أَنْتَ لِمَا وَهَبْتَنَا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ! 30ـ إلَهِي! اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّي أَصِلَ إلَيْكَ! وَاجْذُبْنِي بِمِنَّتِكَ حَتَّي أُقْبِلَ عَلَيْكَ! 31ـ إلَهِي! إنَّ رَجَائِي لاَ يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإنْ عَصَيْتُكَ؛ كَمَا أَنَّ خَوْفِي لاَ يُزَايِلُنِي وَإنْ أَطَعْتُكَ! 32ـ إلَهِي! قَدْ دَفَعَتْنِي العَوَالِمُ إلَيْكَ؛ وَأَوْقَفَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ! 33ـ ] إلَهِي! [ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أمَلِي؟! أَمْ كَيْفَ أُهَانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟! 34ـ إلَهِي! كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي؟! أَمْ كَيْفَ لاَ أسْتَعِزُّ وَإلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟! 35ـ إلَهِي! كَيْفَ لاَ أَفْتَقِرُ وَأَنْت الَّذِي فِي الفَقْرِ أَقَمْتَنِي؟! أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي؟! أَنْتَ الَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرُكَ! تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَيءٌ! وَتَعَرَّفْتَ إلَی فِي كُلِّ شَيءٍ فَرَأَيْتُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيءٍ! فَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ! يَا مَنِ اسْتَوَي بِرَحْمَانيَّتِهِ عَلَی عَرْشِهِ فَصَارَ العَرْشُ غَيْباً فِي رَحْمَانيَّتِكَ ] رَحْمَانيَّتِهِ [؛ كَمَا صَارَتِ العَوَالِمُ غَيْباً فِي عَرْشِهِ! مَحَقْتَ الآثَارَ بِالآثَارِ! وَمَحَوْتَ الاَغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أَفْلاَكِ الاَنْوَارِ! يَا مَنِ احْتَجَبَ فِي سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الاَبْصَارُ! يَا مَنْ تَجَلَّي بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ الاَسْرَارُ! كَيْفَ تَخْفَي وَأَنْتَ الظَّاهِرُ؟! أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحَاضِرُ [16]؟! نعم، إنّ هذا الدعاء لا يمكن أن نجده في كتب أدعية الشيعة إلاّ في النسخ المطبوعة لكتاب « الإقبال » للسيّد ابن طاووس رضوان الله عليه، وفي كتاب آخر، هو « مفاتيح الجنان » للمحدّث المعاصر المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس القمّيّ رحمة الله عليه، حيث نسباه إلی سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلوات في تتمّة دعاء يوم عرفة وذيله. نظر المجلسيّ رحمه الله في شأن دعاء عرفة وذيله« ومحصّل الكلام أ نّه وطبقاً لرواية الكفعميّ في حاشية كتاب « البلد الامين » فإنّ السيّد حسيب ( نسيب رضيّ الدين علی بن طاووس قدّس الله روحه ) قال في كتاب « مصباح الزائر » ما قوله: روي بِشر وبشير ( ابنا غالب الاسديّ ) أنّ الإمام الحسين بن علی بن أبي طالب عليهما السلام خرج من خيمته عصر يوم عرفة في عرفات في خضوع وخشوع وسار بهدوء حتّي وقف هو وجماعة من أهل بيته وأولاده وغلمانه عند الجانب الايسر لجبل عرفات ] جبل الرحمة [ مولّين وجوههم شطر البيت الحرام. ثمّ رفع يديه أمام وجهه كالمسكين الذي يطلب الطعام وبدأ بقراءة هذا الدعاء: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ إلی آخر الدعاء والذي آخره يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وليس في آخره العبارات إلَهِي! أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَايَ إلی آخره. ( كان هذا ما ورد في حاشية « البلد الامين » ] والتوضيح الاخير هو لنا [. ثمّ روي السيّد ابن طاووس رواية بِشر وبَشير اللذين كانا من قبيلة « بني أسد » في كتاب « مصباح الزائر » في الكلام عن يوم عرفة بنفس الشكل الذي أوردناه نحن في حاشية « البلد الامين »، ثمّ روي هذه الرواية حسب مضمون « البلد الامين ». [17] كان ذلك هو كلام المجلسيّ رحمه الله في « بحار الانوار ». ثمّ ذكر عدّة أدعية أُخري عن السيّد ابن طاووس في يوم عرفة ثمّ قال: وقال السيّد: ومن الدعوات المشرّفة في يوم عرفة، دعاء مولانا الحسين بن علی صلوات الله عليه وهو: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ وَلاَ لِعَطَائِهِ مَانِعٌ. وهنا ينقل ابن طاووس هذا الدعاء المفصّل عنه ( الإمام الحسين عليه السلام ) مع هذه الإضافة: إلَهِي! أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَايَ فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي حتّي يختم الدعاء بالعبارة: أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحَاضِرُ، إنَّكَ عَلَی كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ انتهي كلامه. ثمّ يقول المجلسيّ رحمة الله عليه: قد أورد الكفعميّ رحمه الله عليه أيضاً هذا الدعاء في « البلد الامين » وابن طاووس في « مصباح الزائر » كما سبق ذكرهما، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورقة تقريباً وهو من قوله: إلَهِي! أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَايَ إلی آخر هذا الدعاء. وكذا لم توجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من « الإقبال » أيضاً، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضاً، وإنّما هي علی وفق مذاق الصوفيّة. ولذلك قد مال بعض الافاضل إلی كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفيّة ومن إلحاقاته وإدخالاته. وبالجملة، هذه الزيادة إمّا وقعت من بعضهم أوّلاً في بعض الكتب، وأخذ ابن طاووس عنه في « الإقبال » غفلةً عن حقيقة الحال؛ أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب « الإقبال »؛ ولعلّ الثاني أظهر علی ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة وفي « مصباح الزائر »، والله أعلم بحقيقة الاحوال. [18] وأمّا المرحوم المحدّث القمّيّ، فقد ذكر بعد نقل هذا الدعاء إلی ( يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ )، أنّ الإمام كان يكثر من قول يَا رَبِّ، وأمّا الذين كانوا يستمعون إلی الدعاء، من الذين اجتمعوا من حوله، كانوا يكتفون بقول آمين. ثمّ علت أصوات بكائهم مع الإمام عليه السلام حتّي غروب الشمس، ثمّ حزموا أمتعتهم باتّجاه المشعر الحرام. يقول المؤلّف ( المحدّث القمّيّ ) إنّ الكفعميّ نقل دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام في كتاب « البلد الامين » إلی هذه الفقرة [19]، وأورد العلاّمة المجلسيّ في « زاد المعاد »[20] هذا الدعاء الشريف كما في رواية الكفعميّ، إلاّ أنّ السيّد ابن طاووس في كتابه « الإقبال » قد زاد علی الدعاء المذكور بعد يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ قائلاً: إلَهِي! أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَايَ. وقد نقل جميع تلك الفقرات بالتفصيل وزاد عليها في آخرها عبارة إنَّكَ عَلَی كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. [21] إرجاعات [1] ـ ذيل الآية 26، من السورة 38: ص. [2] ـ الآيتان 27 و 28، من السورة 38: ص. [3] ـ الآية 106، من السورة 12: يوسف. [4] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 13، ص 405 إلی 407. [5] ـ لا تُشير هذه العبارة إلی رواية ما، ولكنّها كلام لبعض الحكماء مشتقّ من الآيات والروايات والادلّة البرهانيّة العقليّة المتقنة. [6] ـ فقرات مأخوذة من الدعاء العظيم الشأن المعروف ب دعاء الصباح. ذكره المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الانوار» طبعة الكمبانيّ: ج 19، ص 135 و 136، وطبعة الإسلاميّة: ج 94، ص 242 إلی 246. وقال: هذا الدعاء هو ممّا انتخبه السيّد ابن باقي والذي رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في آخره: «بيان: هذا الدعاء من الادعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلاّ في «مصباح السيّد ابن الباقي» رحمه الله، ووجدتُ منه نسخة قرأه المولي الفاضل مولانا درويش محمّد الاءصبهانيّ جَدّ والدي من قِبل أُمّه علی العلاّمة مروِّج المَذهب نور الدين علی بن عبد العالي الكركيّ قدّس الله روحه فأجازه». ثمّ أورد المجلسيّ صورة إجازة المحقّق الكركيّ المؤرّخة سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، وقال: «ووجدتُ في بعض الكتب سنداً له هكذا: قال الشريف يحيي بن قاسم العلويّ: ظفرتُ بسفينة طويلة مكتوب فيها بخطّ سيّدي وجَدّي أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ليث بني غالب علی بن أبي طالب عليه أفضل التحيّات ما هذه صورته: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا دعاء علّمني رسول الله صلّي الله عليه وآله وكان يدعو به في كلّ صباح وهو: اللَهُمَّ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ إلی آخره، وكتبَ في آخره: كتبه علی بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر شهر ذي الحجّة سنة خمس وعشرين من الهجرة. وقال الشريف: نقلته من خطّه المبارك، وكان مكتوباً بالقلم الكوفيّ علی الرقّ في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة». وذكر المجلسيّ هنا بياناً مفصّلاً في شرح هذا الدعاء وتفسيره، من طبعة الكمبانيّ، ص 136 إلی 141، ومن طبعة الإسلاميّة، ص 247 إلی 263. وقال في آخره: «واعلَمْ أ نّا قد أوردنا هذا الدعاء الشريف مع شرحه في كتاب الصلاة في أبواب أدعية الصباح والمساء، وإنّما كرّرناه للفاصلة الكثيرة، ولشدّة مناسبته بهذا المقام أيضاً». نعم، وقد ذكر الشيخ عبد الله السماهيجيّ في «الصحيفة العَلويّة» وقد طبعها كاتب النسخة المطبوعة في (باسمهاي) باسم فخر الاشراف سنة 1320 ه، وكتب الصفحات من 181 إلی 218 والخاصّة بدعاء الصباح بالخطّ الكوفيّ وخطّ النسخ. وقال المحدّث العظيم العلاّمة الحاجّ الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ قدّس سرّه في «الذريعة» ج 15، ص 22: «الصحيفة العَلويّة والتحفة المرتضويّة»: من جَمْع المولي الاجلّ الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة بن علی بن أحمد بن ناصر بن محمّد بن عبد الله البحرانيّ السماهيجيّ مولداً الماحوزيّ تحصيلاً، المُتوفّي ليلة الاربعاء 9 جمادي الآخرة 1135، جمعها من كُتب الاصحاب مرسلاً من دون ذِكر سند، ومجموع أدعيتها 156 دعاء». وقال أيضاً في ص 23 من ذلك الكتاب ما مفاده: «الصحيفة العَلويّة الثانية جمعها شيخنا النوريّ الحاجّ ميرزا حسين (المتوفّي سنة 1320 ه)، وتشتمل علی 103 دعاء من أدعية أمير المؤمنين عليه السلام نظّمها كتتمّة واستدراك للصحيفة الاُولي». [7] ـ روي العلاّمة المجلسيّ رضوان الله عليه هذا الدعاء في «بحار الانوار» طبعة الكمبانيّ: ج 20، ص 245 إلی 250، والإسلاميّة: ج 98، ص 82 إلی 93، عن كتاب «الاءقبال» (ص 67 إلی 75 التعليقة) برواية السيّد ابن طاووس وسنده إلی محمّد بن هارون بن موسي التلعُكبري بسنده عن حسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثماليّ أ نّه قال: كان علی بن الحسين صلوات الله عليهما يصلّي عامّة ليلته في شهر رمضان، فإذا كان السَّحَر دعا بهذا الدعاء. وروي كذلك الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 401 إلی 413، الطبعة الحجريّة، بنصّه كما نُقِل عن كتاب «الاءقبال»، عن أبي حمزة الثماليّ. [8] ـ يقول: «متي غِبتَ عن القلب حتّي أتمنّاكَ، أو كنتَ خفيّاً فأبحثُ عنك. لم تَغِبْ عنّي حتّي أطلبُ حُضورَكَ، ولم تختفِ حتّي أكشفُ عنكَ النقاب. لقد خرجتَ (عَلَيَّ) بمائة ألف مَظهر، فتطلّعتُ إليكَ بمائة ألف باصرة. أصبحت عيناي ـ بجهد مائة مرّة تصنع المرايا، حتّي أجعلك تعشق بنظرة واحدة. أنظر إلی قامتك في مرآة عيني حتّي أُخبرَكَ عن العالَم العُلويّ وأُطلِعُكَ علی أنبائه. ليتكَ تمرّ نشواناً بدلال علی الحَرَم والدير، حتّي أجعلَ منكَ قِبلةً للمؤمن والراهب. أتمنّي أن أزيحَ عنكَ اللثام ليلةً، فأُصيغَ منكَ شمساً للكعبة وقمراً للكنيسة». [9] ـ يقول: «لو وقعتْ بقبضتي ذؤابتا شعرك اللتان علی شكل صليب، لجعلتُ منهما آلاف السلاسل لقدمي. ولو أُعطيتُ يوم القيامة السدرة وطوبي، لقدّمتُهما كلتيهما قرباناً لقامتكَ الساحرة في آنواحد. يزداد عملي في مصنع العشق جمالاً ورقّةً، كلّما ألقيتُ نظرةً علی وجهكَ الوضّاح. لقد ذاعَ سِرّي وفُضِحتُ في العالمين من فرط حبّي (لكَ)، وأخافُ، لا سمح الله، أن ( أُجبَرَ فـ ) أفضحَ سرّكَ. لو مررتَ علی وثاقي ورميتني بنظرة واحدة، لجعلتُ منكَ أميراً للجيش». [10] ـ جاء في «كشف الظنون» ج 1، ص 675: «الحِكَم العطائيّة» للشيخ تاج الدين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الاءسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ، المتوفّي بالقاهرة سنة تسع وسبعمائة ( 709 )، أوّلها: مِن علامةِ الاعتمادِ علی العملِ، نقصانُ الرجاءِ عند وجود الزلَلِ -إلي آخره. وهي حِكَم منثورة علی لسان أهل الطريقة. ولمّا صنّفها عرضها علی شيخه أبي العبّاس المُرسيّ فتأمّلها وقال له: لقد أتيتَ يا بنيّ في هذه الكرّاسة بمقاصد الاحياء وزيادة، ولذلك تَعشّقها أرباب الذوق لما رقّ لهم من معانيها وراقَ، وبسطوا القول فيها وشرحوها كثيراً. فمن المؤلّفات عليها شرح شهاب الدين أحمد بن محمّد البرلسيّ ] البُرنسيّ [ المعروف بـ (زرّوق) وهو شرح ممزوج أوّله: الحمدُ للّهِ الذي شَرَّفَ عبادَه إلی آخره. وذكر في بعض شروحه أنّ الحِكَم مرتّب بعضها علی بعض فكلّ كلمة منها توطئة لما بعدها وشرح لما قبلها. وأ نّه درسَ الحِكَم خمسة عشر درساً وكتبَ كلّ مرّة شرحاً من ظهر القلب كلّه بعبارة أُخري، وقيل إنّ للشيخ زرّوق ثلاثة شروح علی الحِكَم، لكنّ الاصحّ ما كتبه نفسه». وهنا يشير صاحب «كشف الظنون» ضمن بحث تفصيليّ إلی عدد الشروح التي كُتِبَتْ علی كتاب «الحِكَم العطائيّة». نعم، وأمّا أشهر ما هو معروف من الشروح علی ذلك الكتاب هو شرح الشيخ أحمد زرّوق المطبوع من قِبَل مكتبة النجاح في طرابلس الغرب بتحقيق اثنين من العلماء. وقد جاء في مقدّمة هذين العالِمَيْن ما مَفاده: كان (الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الاءسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ) تلميذ المُرسيّ أبي العبّاس المعروف، وقد كتب الشيخ زرّوق ثلاثين شرحاً علی هذا الكتاب، وهذا هو الشرح السابع عشر منها. وقال في «شذرات الذهب»: وكتب أكثر من ثلاثين شرحاً علی «الحكم العطائيّة». وُلِدَ الشيخ أحمد زرّوق في يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ثمانمائة وستّة وأربعين (للهجرة) وكانت وفاته في سنة ثمانمائة وتسعة وتسعين. [11] ـ يقول: «ما نظرتُ إلی شيء إلاّ وصورتك فيه، يا ساتراً وجهك، كم كنتَ تبدو كثيراً». [12] ـ يقول: «إنّ الحبيب مُتجلٍّ من وراء الباب والجدار، (فافهموا) يا أُولي الابصار. أتَبحثُ عن الشمعة وهذي الشمس مشرقة (في كبد السماء)؟، وهو ذا النهار مُضيء وأنتَ تَرزح في ليل مُدلَهمّ. إذا أنتَ تخلّصت من ظُلمات نفسك، ستري العالَم كلّه مشارق للانوار. أتطلبُ من أعمي أن يقودك وتطلب عصا تعتمد عليها في هذا الطريق الواضح والمُمَهَّد؟ افتح عينيكَ وانظُر إلی البستان، وإلي الماء الرقراق وهو يتخلّل الطين والاشواك». [13] ـ يقول: «انظر إلی الآلاف المؤلّفة من الالوان الزاهية للزهور والورود في (هذه) الروضة (الغَنّاء) فكلّها من صنع ذلك الماء العديم اللون. ابدأ في طَلَبِ المدينة عن طريق العشق، واحمِلْ معك زاداً ومؤونة للسير في هذا الطريق. وربّتَ أعمالٍ كثيرة تَسهُل بالعشق، ويصعب علی العقل فهمها أو إدراكها. الهَج باسم الحبيب بالغدوّ والآصال، وابحَثْ عنه بالعشيّ والاءبكار. ولو قال لك (الحبيب) لن تراني، مائة مرّة، (فلا تيأس) واستمرّ بمسيرك نحوه (ولا تُضيّع هدفك) وارتَقِبْ اللقاء (والوصال). حتّي تصِلَ إلی مكانٍ حيث لا وجود للاوهام أو الافكار. [14] ـ يقول: «فستحصل في محفل هناك علی زادٍ لم يُقدَّر لجبرئيل الحصول عليه. فهو ذا الطريق، وهو ذا زاد الطريق، وذلك هو المنزل (والمُقام)، فلو كنت رجلاً تُريد خوض الغمار تعال إذن وهات ما عندك. وإذا لم تكن رجلاً كما هو مع الرجال (الذين عجزوا عن ذلك)، فردِّد إذن عبارة «يا حبيب يا حبيب!» وحُكَّ خلف أُذنك (بَطراً). يا «هاتف!» إنّ أرباب المعرفة وأساطينها الذين تحسبهم أحياناً سُكاري وأحياناً أُخري تظنّهم صحاة. إنّما ذلك بفعل الخمـر وسُـقاتها والمجـون والمطربين والرهبـان والدير والشـاهد والزنّار. إنّ في ثنايا عملهم هذا تكتم أسرارٌ، يُظهرونها أحياناً من خلال الاءيماءات (والاءشارات)». [15] ـ يقول: «ستعلمُ إن أنت كشفت سرّهم، أنّ هذا هو سرّ الاسرار. وجود واحد ولا شيء غيره، وَحْدَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُو». ديوان «السيّد أحمد هاتف الاءصفهانيّ» البند الاخير من ترجيع بنده. [16] ـ «الحِكَم العطائيّة، والمناجات الاءلهيّة» والذي يجيء بعده كذلك «الحِكَم العطائيّة الصغري» طبعة المكتبة العربيّة بدمشق، أحمد عُبَيد، الطبعة الثانية ( 1 رجب سنة 1394 ه ) ص 80 إلی 90؛ ولكنّنا انتقينا نصّ العبارات تلك من «شرح حِكم ابن عطاء الله» تأليف الشيخ أحمد زرّوق (والذي طُبِع بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن شريف في مكتبة النجاح طرابلس الغرب، الاُستاذ محمّد نور الدين بريون) من ص 448 إلی 473. وكما يظهر من مقدّمة هذين المحقّقَيْن علی الكتاب، أنّ الشيخ زرّوق (أحمد بن أحمد بن محمّد) كان من فاس (المغرب). [17] ـ «بحار الانوار» ج 20، ص 282، باب أعمال خصوص يوم عرفة وليلتها وأدعيتها زائداً علی ما مرّ في طيّ الباب السابق، طبعة الكمبانيّ؛ وفي الطبعة الإسلاميّة: ج 98، ص 214. [18] ـ «بحار الانوار» ج 20، ص 287، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)؛ وفي طبعة المكتبة الإسلاميّة: ج 98، ص 227 و 228. [19] ـ «البلد الامين» للشيخ إبراهيم الكفعميّ، ص 251 إلی 258، منشورات مكتبة الصدوق طهران. [20] ـ «زاد المعاد» للعلاّمة الملاّ محمّد باقر المجلسيّ الثاني رحمه الله، ص 91 إلی 96، طبعة قديمة جدّاً بقلم أحمد التبريزيّ؛ وطبعة المرحوم الحاجّ الشيخ فضل الله النوريّ رحمه الله، بقلم مصطفي النجم آباديّ: ص 209 إلی 222. [21] ـ «الاءقبال» ص 339 إلی 350، الطبعة الحجريّة؛ «مفاتيح الجنان» ص 271، طبعة الإسلاميّة، سنة 1379 ه. |
|
|