|
|
الصفحة السابقة
أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم وَصَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ
آية: سَنُرِيهِمْ ءَايَـ'تِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي´ أَنفُسِهِمْضمير «أَ نَّهُ الْحَقُّ» عائد إلی مُقَدَّر منتزع من «سَنُرِيهِمْ ءَايَـ'تِنَا»قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: سَنُرِيهِمْ ءَايَـ'تِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي´ أَنفُسِهِمْ حَتَّي' يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَ نَّهُ (أي آياتنا) الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ و عَلَی كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلآ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلآ إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ.. (الآيتان53 و54، من السورة 41 : فصّلت) لشرح الآيتينِ الشريفتينِ الآنفتَي الذِّكر، يتحتّم علينا البحث عن صاحب الضمير في الآية الشريفة «أَ نَّهُ الْحَقُّ». في اعتقاد الحقير أنّ هذا الضمير يعود إلی المُقدّر والمستفاد من الفعل «نُرِي» وهو «مُرَي» (أي الآية والمرآة بلحاظ كونها آية ومرآة إلی الضمير «نا». فما هو المری[1] إذن؟ إنّها في الحقيقة آيات الحقّ المُبيِّنَة للحقّ. إذ لا يمكن أن يكون غير ذلك بحسب البلاغة القرآنيّة، وكذا انسجام تتمّة الآية المذكورة والآية التي تليها. فلا يمكن أن يكون عَوْدُها إلی «ءَايَـ'تِنَا»، ذلك أنّ «آيات» هي جمع مؤنّث مجازي، فلا يجوز أن يعود ضمير المفرد المذكّر الغائب إليها بحال من الاحوال. وأيضاً لا يُعقَل أن تكون مضافاً إليه بالنسبة إلی «نا»، إذ يجب أن يكون مرجع ضمير المذكّر الغائب إلی اسم الجنس للمذكّر الغائب، في حين أنّ الضمير «نا» هو ضمير جمع المتكلّم مع الغير. وكذلك لا يمكن أن يعود إلی القرآن كما قال به البعض، وأوردوا دليلاً علی ذلك، وهو الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقِ بَعِيدٍ. وذلك أنّ هذه الآية، وإن تلإمت مع الآيات الآفاقيّة الاُخري وانسجمت معها، إلاّ أ نّه لابدّ من تفسيرها وتأويلها فيما يتعلّق بالآيات الانفسيّة. ومضافاً إلی ما قيل، فإنّ هذه الآية لا تنسجم مع تتمّة الآية المذكورة والآية التي تليها ولا تتلاءم معها. وكذلك الحال في مسألة عَود الضمير إلی «رسول الله» إذ إنّ رسول الله ليس مذكوراً في سياق الكلام، اللهمّ إلاّ باعتبار التوجيه، حيث يمكن أن يقال: لانّ إنكار القرآن مُساوق مع إنكار نبوّة رسول الله، فقد أُشير إليه هنا باعتباره «حقّ»، وهو مُساوقٌ مع ذِكر القرآن، فلا يخلو هكذا توجيه حتماً من التكلُّف. ولا ريب في أنّ الضمير المذكور لا يرجع لا إلی «الله» ولا إلی «التوحيد»، باعتبار أنّ نتيجة ما حصل من إنكار المشركين لرسول الله وللقرآن، هو إنكارهم وجود الله أو وحدانيّته، لانّ هذا النوع من العَوْد يستلزم كذلك الاستعانة بالتأويل، ولا شكّ في أنّ تأويلاً كهذا يُخرجُ القرآن من حياض سلاسته وعذوبة بيانه. إنّ ما ذكرناه هنا من تأويل الضمير وعَوده هو ما ارتكز عليه وأيّده إلی حدّ ما صاحب تفسير «مجمع البيان»: الشيخ الطبرسيّ والقاضي البيضاويّ وأُستاذنا الاكرم ال علامه الطباطبائيّ قدّس الله أسرارهم جميعاً. مع أنّ ال علامه أورد وجهاً آخر أيضاً في هذا الصدد، وباعتقاد الحقير أ نّه أقرب إلی الحقيقة، هذا في حين لفتتْ نظري مطالب في كثير من التفاسير الاُخري تدعو إلی الدهشة والإعجاب. فأمّا إرجاع الضمير إلی اللفظ المقدّر «مُرَي» فهو أقرب لسببينِ اثنين: أوّلهما: أنّ إرجاع الضمير في مثل هذه الحالات شائع الاستعمال كثيراً عند العرب، وقد ورد مَثَلُهُ في القرآن الكريم كذلك: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي'.[2] فهنا نلاحظ أنّ الضمير «هُوَ» ليس له مرجع لفظيّ في الآية الشريفة، ولذا لزم إرجاعه حتماً إلی لفظٍ تقديريّ مُستَفاد من «اعْدِلُوا»، وهو فعل أمر للجمع المذكّر، وهذا اللفظ التقديريّ هو الـ «عدل». وهنا وجب إرجاع الضمير إلی كلمة «عَدْل» وذلك كما يتبيّن من جهة سياق ومفهوم الآية، لا نّنا حين نقول «اعْدِلوا» ثم نُتبِعها بقولنا: «هو أقربُ للتقوي»، ففي الحال يُفهَم من سياق الكلام ويتبادر إلی الاذهان أنّ «العَدلَ» المُشتَقّ من المصدر «اعْدِلُوا» هو الاقرب للتقوي من غيره. ثانيهما: في الآية الشريفة التي هي مدار بحثنا هنا «سنريهم ءَايـ'تنا في الاَفاق وفي أنفسهم حتّي يَتَبيّنَ لهم أ نّه الحقُّ» يتبادر إلی ذهننا مباشرة من أنّ الشيء «المُري» هو الحقّ. وهو عبارة عن لفظة «مُري»، اسم المفعول من الفعل «نُرِي»، بمعني «ءَايَـ'تِنَا». ويتوجّب علينا أن نعلم أنّ ها هنا تكمن مسألة عظيمة وشاهد أعظم علی توحيد الله تعإلی، وهي: أنّ الحقّ عبارة عن ءَايَـ'تِنَا (الآيات مضافة إلی الضمير «نا»)، ويُقصَدُ بها الآيات والدلائل التي أقرّها الله في الآفاق والنفوس للدلالة علی توحيده. لا جَرَمَ أنّ جميع الموجودات، سوي الله سبحانه، هي آياته تعإلی؛ سواء أكانت تلك الآيات واقعة في العالَم الخارج عن نفوس بني آدم، أم تلك الحادثة في داخلها. لذا، فليـس هناك أيّ وجـود مسـتقلّ لايٍّ من المخلوقات، بل هي في مجموعها آيات ومرايا وشواهد علی سطوع جمال الذات المقدّسة للحقّ تعإلی. ولانّ هذه الآيات والمرايا لا تمتلك صفة الظهور بنفسها، بل هي كلّها مظاهر للّه سبحانه، لذا صار بالإمكان رؤية الله تعإلی في كلّ واحدة من تلك الآيات. لانّ الآية ـ بما هي آية إنّما هي وسيلة لإظهار صاحبها (أي صاحب الآية)، ولا تُبدي أو تُظهر نفسها هي علی الإطلاق. إنّها مرآة صافية خالية من أيّ لون أو صدأ، وعارية عن كلّ أنواع التموّج أو الخدوش. مرآةٌ تُري صورة الإنسان كما هي دون أيّة مغالطة أو تحريف. فإن تغيّر فيها أيُّ شيء أو تبدّل، فذلك لا نّها غير صافية ولا يُمكنها أن تحاكي الواقع أو أن تكون ذات قيمة تُذكَر. وعلی هذا فإنّ المرآة الصافية والماء الرقراق الزلال والهواء النقيّ في فضاء مُضاء تبدو الآيتيّة واضحة كلّ الوضوح خلالهما لا يشوبها شيء، وكأ نّه لا وجود لا للمرآة ولا للماء ولا للهواء، بل إنّ كلّ ما هو موجود إنّما هو موجودات ماثلة أمام تلك المرآة وداخل ذلك الماء ومُشاهَد في ما وراء النور والهواء. كلّ ما موجود هو الله ولا وجود لشيء غير الحقّ. جميع الآفاق وكلّ الانفُس إنّما هي آيات، ولا وجود لشيء أو موجود غير «نا» و «الله» و «الحقّ» في ما وراءها مطلقاً. لا وجود لغير «الله» في عالَم الوجود. وكلّ ما سواه إنّما هو آية له لا أكثر. وهو وحده ذو الآية وصاحب ال علامه، هو كلُّ شيء ولا شيء سواه. وذو الآية الذي هو الحقّ في هذه العبارة، هو نفسه الآفاق والانفس. فالآفاق والانفس هما حقّ إذن. إنّ هذه الآية تُدَلِّل علی أنّ حقيقة الآفاق والانفس هي وجود الحقّ تعإلی، وأ نّها لا تملك شيئيّة ما في حدّ ذاتها، لا نّها إنّما وُصِفتْ علی أ نّها آية و علامه، لا غير. وبالتإلی فإنّ الحقّ تعإلی عبارة عن واقع الآفاق والانفس وحقيقتها. أينما تُوَلِّ وجهك فثمَّ وجود الله، وإلی أيّ شيء أرجعت بصرك تري فيه الله. فما أكثر الاشياء، لكنّ الله واحد فرد صمد. فلا موجود في عالَم الوجود سوي الله. فالتعيُّنات والإنّيّات ومعها الماهيّات كلّ تلك أُمور عدميّة وباطلة، والوجود المقدّس للحقّ تعإلی واحد، حيث يتجلّي في الآفاق والانفس ويظهر في كلّ جنبة من جنباتها. إنّ كلمة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ المباركة التي هي كلمة التوحيد ومعني التوحُّد والوحدة، إنّما أصلها راجع إلی كلمة لاَ مَوْجودَ سِوَي اللَهِ التي تنفي كلّ نوع من أنواع التعيُّن عن ذات الحقّ تعإلی، وتُجرّده منه. وخير دليل وشاهد علی هذا الكلام هو تتمّة الآية الشريفة: أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ و عَلَی كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. أي أنّ الله سبحانه حاضر وناظر وشاهد بوجوده في وجود جميع الموجودات الآفاقيّة والانفسيّة وكذلك في كلّ شيءٍ يمكن أن تُطلَق عليه كلمة شيء، لا بكونه موجوداً آخراً أو في مكانٍ آخر، وأنّ مُجَرّد عِلمه هو المحيط بالموجودات للتقدير فيها أو التحكُّم بها. الله تعإلی ظاهر في آيات الآفاق والانفس، لكنّ الناس يشكّون في لقائهوأعجب من هذه التتمة هي الآية التي تليها: أَلآ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلآ إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ. فما السبب في كون هذه الآية أعجب وأغرب؟ السبب في ذلك هو أنّ الله سبحانه يقول: إنّ الناس ليشكّون في لقاء الله ربّهم في حين أ نّه موجود في الآفاق والانفس، وإنّ واقع الآفاق والانفس هو الله الذي برز من خلال الآيات والعلامات، وتجلّي فيها بوضوح. فلمّا كان الله سبحانه موجوداً في الآفاق والانفس ومشهوداً في كلّ جزء منها، ولمّا كان الله أوّل شيء ينظر إليه الناس من خلال رؤيتهم لايّ شيء حولهم ولكلّ نفس من نفوسهم، فلِمَ، والحال كذلك، يشكُّ الناس بوجود الله ويرتابون في أمره ولقائه، مع وضوح تلك الآيات وجلاء تلك الصور والعلامات؟! ثمّ يقول سبحانه «إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ»، وهذا لا يعني الإحاطة العِلميّة الحضوريّة أو الحصوليّة، بل إنّ ما يعنيه هو الإحاطة الوجوديّة وإحاطة المَعيّة التي يتجلّي فيها أوّلاً عبر وجوده مع كلّ آية وأيّة علامه في الآفاق والانفس وإحاطته بها، ثمّ تعيُّن تلك الآية وتشخُّصها ثانياً وبالعَرض والمجاز. الله أوّلاً ومن ثَمّ باقي الموجودات. هو السابق وما دونه مسبوق مغلوب. هو القائم وما دونه إنّما هو يتقوّم به. هو الظاهر وبه تظهر الاشياء وتتجلّي. الله نور وما دونه فهو مُنوَّرٌ بنوره. ولو كانت الاشياء قادرة علی إظهار الله، لاستَبدلتْ مكانها بمكانه، ولاصبحت هي الإله، ولاصبح الله هو المخلوق، ولاصبحت الاشياء في سلسلة أعلی مراتب العلل، ولكان الله هو المعلول. لا يمكن للّه أن يتّكل علی غيره، لا في أصل الخِلقة ولا في الظهـور والآيتيّة. لـذا، فتعبيـر هو الحقّ يعني أ نّه هو الموجـود الاصـيل عبر جميع مراتب الوجود، من أصل الوجود ومن الظهور خلال مراتب الوجود. وحيث علمنا أنّ الله سبحانه هو أصل النور ومبدأ الظهور وأصالة التحقُّق والوجود في الآفاق وفي الانفس، لذا وجب أن نعلم: كيف يتسنّي للإنسان معرفة هكذا ربّ؟! فلو أراد الوصول إليه عن طريق معرفة غيره، لم يصحّ ذلك، لانّ ما دون الله متعلِّق ظهوره بالله سبحانه، إذ الله هو المانح لظهوره فظهر كما يظهر، فكيف يكون بالإمكان إذن الوصول إلی الله، مع علمنا بأنّ الذي نروم معرفة الله عن طريقه إنّما هو ظاهر بظهور الله المُظهِر لذلك الشيء؟! إمكان معرفة الله تعإلی بالله، لا بسواهإنّ المصباح المضيء في مسجد مضيء في نفسه وذاته، وأمّا بقيّة الاشياء المضيئة في ذلك المسجد، فهي مضيئة بنور ذلك المصباح، لا بنورها هي بالذات. فنور المصباح ينتشر في ظُلمة المسجد، والاشياء الموجودة في غياهب ذلك المكان تُضيءُ وتُنير بضياء المصباح ونوره. فَلِكَيْ نري ذلك المصباح ونتعرّف عليه، يتوجّب علينا رؤيته هو بذاته وليس نوره الساقط علی الاشياء. لا يمكننا بحال من الاحوال رؤية المصباح نفسه من خلال نوره الساقط علی الارض والمنعكِس عن هذا الشيء أو ذاك. يجب رؤية المصباح بنفسه، لا بالاشياء المظلمة المعتمة والمُنارَة بنوره والمستضيئة بضيائه. إنّ لهذه المسألة شأناً من الشؤون، إذ يجب معرفة الله عن طريق الله لا غير الله ممّن أساس وجوده وخِلقته وتسويته وحقيقته وظهوره مأخوذ من الله ومبنيّ علی وجوده. وهنا تبرز مسألة أُخري إلی حيّز الوجود، وهي أ نّه كيف يمكن معرفة الله بواسطة الله نفسه سبحانه؟ وما العمل بشأن كلّ تلك الاخبار الدالّة علی استحالة معرفة الإنسان للّه تعإلی أو الوقوف علی كُنه ذاته المقدّسة؟ لا سبيل إلی معرفة الله إلاّ عن طريق آثار الله الدالّة عليه. ومع ذلك فإنّ تلك المعرفة لا يمكن أن تكون تفصيليّة، بل إجماليّة. الحقُّ أنّ الارض والسماء والخُضرة والماء والموجودات من الذرّة حتّي المجرّة، مروراً بالبرغوث والبقّة حتّي الفيل، أقول كلّ تلك المخلوقات هي مشاهد تدلّ علی وجود الله سبحانه. هي آيات وعلامات تدلّ كلّ واحدة منها علی وجود الله، كلٌّ حسب سعته الوجوديّة. القرآن نفسه يدعونا إلی تتبُّع تلك الآثار والرجوع إليها كأصدق بيّنة علی وجود الله. ومن هنا تتجلّي مصداقيّة الحِكمة القائلة تَفَكَّرُوا فِي آلاَءِ اللَهِ؛ وَلاَ تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَهِ.[3] ومن جهة أُخري علمنا أ نّه لا يمكن معرفة الله سبحانه عن طريق الموجودات، إذ كما قلنا لا يمكن معرفة الله إلاّ عن طريق الله نفسه. وقد وردت روايات كثيرة في هذا الباب في أنّ الإنسان باستطاعته معرفة الله بذاته. كانَ أمير المُؤمنين عليه السلام يخطب يوماً فسأله أحد الحاضرين قائلاً: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ! هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟! فأجاب عليه السلام: كَيْفَ أَعْبُدُ رَبَّاً لَمْ أَرَهُ؟! ثمّ أوضح عليه السلام ذلك بقوله: لاَ تَرَاهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الاَبْصَارِ؛ وَلَكِنْ تَرَاهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. ولدينا من الآيات القرآنيّة الشريفة ما يناهز العشرين آية أو أكثر وكلّها تدلّ علی أنّ الناس سينالون شرف لقاء الله في يوم ما، دون ريب. وبين هذه المجموعة من الاخبار وتلك وقع العلماء في أشدّ حيرة من أمرهم، قائلين: كيف يمكن حلّ مثل هذه المعضلة؟! فنهج البعض منهجاً يقول بأنّ الاخبار التي دلّت علی عدم إمكانيّة رؤية الله عزّوجلّ وإدراكه ومعرفته كلّها صحيحة؛ فإنّه لا سبيل لبني آدم إلی معرفة الله بأيّ شكل من الاشكال، سواء كانت تلك المعرفة إجماليّة أم تفصيليّة. فأين الخالق من المخلوق؟ أَيْنَ التُّرابُ وَرَبُّ الاَرْبابِ!؟ أبيات الشبستريّ الرفيعة في عدم إمكان معرفة الله بغير الله عزّوجلّسأل أمير حسين الهَرَويّ، عارف خراسان الكبير سنة 717 للهجرة العالِمَ المعروف في شَبَستَر آنئذٍ وهو الشيخ محمود الشبستريّ، قائلاً: كدامين فكر، ما را شرط راه است؟ چرا گه طاعت و گاهي گناه است؟ [4] فأجابه الشيخ قائلاً: در آلا فكر كردن شرط راهست ولي در ذات حقّ محض گناه است بود در ذات حقّ انديشه باطل محال محض دان تحصيل حاصل چو آيات است روشن گشته از ذات نگردد ذات او روشن ز آيات همه عالم ز نور اوست پيدا كجا او گردد از عالم هويدا [5] نگنجد نور ذات اندر مظاهر كه سبحات جلالش هست قاهر رها كن عقل را با عشق ميباش كه تاب خور ندارد چشم خفّاش درآن موضع كه نور حقّ دليل است چه جاي گفتگوي جبرئيل است فرشته گرچه دارد قرب درگاه نگنجد در مقام لِي مَعَ اللَه چو نور او ملك را پر بسوزد خرد را جمله پا و سر بسوزد بود نور خرد در ذات انور بسان چشم سر در چشمه خور چو مُبصَر با بصر نزديك گردد بصر از درك او تاريك گردد سياهي گر ببيني نور ذات است به تاريكي درون آب حيات است [6] سيه جز قابض نور بصر نيست نظر بگذار كاين جاي نظر نيست چه نسبت خاك را با عالم پاك كه ادراك است عجز از درك ادراك سيه روئي ز ممكن در دو عالم جدا هرگز نشد و اللهُ أعلم سوادُ الوجه في الدّارَين درويش سواد اعظم آمد بي كم و بيش چه ميگويم كه هست اين نكته باريك شب روشن ميان روز تاريك [7] اعتقاد العلماء عائد إلی طائفتين من أخبار رؤية الله تعإلیفلو قضي الإنسان سنيّ حياته بالجهدِ والاجتهاد والتفكُّر والاسترشاد، لما وصل إلی نتيجة ترضيه أو حِلٍّ يُغنيه، ودليل ذلك الاخبار المرويّة هنا. وأمّا الاخبار القائلة بأنّ الإنسان يري الله وتحصل لديه المعرفة به، فيجب حملها علی المعني المجازيّ. أيّ أنّ مَعني رؤية الإنسان للّه تعإلی هو أن يري نِعَمَهُ ومخلوقاته العينيّة وملائكته ورضوانه ومنازل الجنّة والحُور والقصور في الجنّة، ليس إلاّ. في حين يعتقد البعض الآخر أنّ بالإمكان رؤية الله عزّوجلّ، ويؤوِّلون الروايات القائلة بعدم القدرة علی رؤية الله سبحانه علی أ نّها تريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعإلی بالعين الإنسانيّة الموجودة في رأس الإنسان، ولم تقل بعدم إمكانيّة ذلك بعين القلب؛ وتريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعإلی بالباصرة ولم تُصرّح أنّ ذلك غير ممكن بالبصيرة، وعلی هذا فتلك الاخبار مفهومة القصد. إنّ الإنسان يري الله بحقائق الإيمان، وهذا ممّا تدلّ عليه الآيات القرآنيّة، بل الحقّ أ نّها تُصَرِّح بذلك دون لبس ولا مجال للاعتقاد بكونها مجازيّة. ولِمَ يتكلّم الله بالمجاز؟ هل أُغلِقَتْ طرق الصراحة والحقيقة أمامه حتّي يذكر في أكثر من عشرين مكاناً في القرآن الكريم لقاءه والتأكيد علی ذلك؟ وهل هدفه من كلّ تلك الآيات هو التقاء أنواع مختلفة من التفاح والكُمّثري والعنب والرُّطَب والحوُر العين والغلمان جَنَّـ'تٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُّ؟! إذن، والحال هذه، علينا أن نُؤوِّلَ الاخبار التي تؤكّد علی عدم إمكانيّة رؤية الله عزّوجلّ علی أ نّها نتيجة لدرجات المعرفة غير التامّة، مقارنة بإمكانيّة رؤيته تعإلی، بل إمكانيّة حدوث ذلك وتحقُّقه في الخارج. تلك المعرفة أو المعارف الجزئيّة التي تحدث للناس كالمعرفة الحاصلة بالذات والحقيقة عن طريق شبح أو صورة حسب تصوّرهم، فيريدون بذلك التوصّل إلی كيفيّة وكمّيّة الله عزّوجلّ وشكله وصفاته، حيث يجعلون كلّ ذلك بمثابة آية للّه ذي الآية. إنّنا نجد أنفسنا مضطرّين لبيان مقدّمة هنا إذا شئنا الفصل بين هاتين المجموعتين، مستعينين بحول الله وقوّته. ومع كون هذه المقدّمة بمثابة قانون علميّ وقاعدة حِكَميّة وفلسفيّة، إلاّ أ نّنا سنسعي جاهدين في بيانها بصورة مبسّطة حتّي يكون بالإمكان فهمها: حتّي يكون بإمكان أيّ موجود الحصول علی معرفة كافية وعِلم شامل عن موجود آخر، يتوجّب وجود شيء من ذلك الموجود (الثاني) في هذا الموجود (الاوّل). إنّنا نري الكثير من الموجودات في العالَم من حولنا، منها الإنسان، والحيوان علی مختلف صوره وأشكاله وآثاره وخواصّه، فالبقر والغنم والإبل والطير والبطّ، كلّ هذه تختلف عن بعضها البعض. وهناك الشجر والحجر والماء. وهي كلّها موجودات كثيرة مختلفة، والكثرة تستلزم ذلك الاختلاف والتنوع الموجود فيما بينها. فالشجرة كيان منفصل عن الحيوان، لا نّها تختلف وتتميّز عنه، وإلاّ لكانَ الاثنان شيئاً واحداً. وزيد غير عمرو، والوالد ليس بالولد. فلو كانا متشابهين تماماً في جميع الجهات لما كانا اثنين بل كانا واحداً. وهذه المقدّمة مفهومة ولا تحتاج إلی نقاش. والآن، وبعد أن علمنا أنّ في هذا العالَم وهذه الدنيا كلّ تلك الكثرات، كيف يمكن لشيء ما أن يتوصّل إلی معرفة شيء آخر والعلم به؟! فمثلاً، كيف يعلم الخروف بوجود بقرة ها هنا، ويتوصّل الجَمَل إلی العلم بأنّ الحصان حيوان لا عداوة له معه؟ ويفهم الثعلب أنّ الاسد عدوّ لدود له، ويدرك الخروف أيضاً أنّ الذئب عدوّه وقاتله، وهكذا الحال مع جميع أصناف الحيوانات؟ إنّ الإنسان يعرف الكثير من الموجودات، فهو يعرف الشجرة والحيوان والافراد من أنواع جنسه، مع أنّ تلك الاشياء منفصلة عن الإنسان مختلفة عنه في كثير من النواحي، وهو أمر بديهيّ ومعروف، إلاّ أنّ الإنسان يعلم بها ويتعرّف عليها بهذه البساطة. فكيف تسنّي له ذلك؟ لقد توصّل الحكماء الافاضل إلی إنشاء قانون مفاده: قاعدة: لا يعرف شيء شيئاً إلاّ بما هو فيه منهلاَ يَعْرِفُ شَيْءٌ شَيْئَاً إلاَّ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْهُ. فحين أعلَمُ بوجود حيوان، كالخروف مثلاً، فما مقدار ما أستطيع الحصول عليه من المعرفة بهذا الخروف؟! بنفس الكمّ الموجود من الخروف في ذاتي شخصيّاً. فما الموجود من الخروف في ذاتي؟ هل هي الحيوانيّة، أم الإحساس؟ هل هي الحركة بالإرادة، أم الجسميّة أم الجوهريّة؟ أم هل هي الآثار والخواصّ ولوازمها (كالقوّة المغذّية أو النامية أو الدافعة أو المُوَلِّدة وغير ذلك) وإدراك الجزئيّات؟ ربّما كان ذلك الحسّ المشترك ومعرفة الصديق والعدوّ (بما يتناسب وحصول المنفعة واجتناب الضرر)؟ كلّ تلك الاُمور هي خواصّ وعلائم مشتركة موزّعة بين شخصي وبين الخروف بالسويّة، وقد استفاد كلٌّ منّا مشتركاً من تلك الخواصّ والعلائم. وعلی الرغم من ذلك، فلا سبيل أمامي علی الإطلاق للعِلم بالخروف من خلال الخصائص والمميّزات التي تفصلني عنه وتميّزني منه. لا نّه، وعلی افتراض حصولي علی علم بالخروف، سواء كان ذلك العلم في «ما به الاشتراك» معه أم في «ما به الامتياز» عَنه، فعلی أساس تلك الفرضيّة، وجب أن أكون أنا الخروف عينه والخروف هو عيني، وهذا ما يدعي بالخُلف.[8] إنّ العلم بأيّ موجود والاطّلاع عليه من قِبَل موجود آخر والتعرّف عليه يتأتّي من طريق معرفة الخواصّ المشتركة فيما بين هذين الموجودين وليس من الامتيازات بينهما، فطريق العلم والعرفان مفتوح فقط في بيان المشتركات (أو الخواصّ المشتركة)، في حين أنّ الطريق نفسه مسدود عند البحث في المتميّزات، وإلاّ كنّا جميعاً متشابهين، ولتشابهت كلّ الموجودات كذلك مع بعضها البعض. أي لو كان المجال (مجال العلم والمعرفة) مفتوحاً للبحث في جميع الجزئيّات والكثرات، لاصبحت كلّ الموجودات بالضرورة موجوداً واحداً. ولكان الحصان والبقر والجَمَل والخروف والطيور والزواحف والحيوانات البحريّة والجوامد والنباتات وقبائل الجِنّ والملائكة، موجوداً واحداً لا اختلاف يُذكَر بينها، فتزول بذلك الاسماء عن المسمّيات وتدعي كلّها باسم واحد. والآن، وجب أن نسأل أنفسنا نحن الذين نريد التعرّف علی الله عزّوجلّ، مَن هو الله الذي نروم التعرّف عليه؟! أين الله عزّوجلّ وأين نحن؟ فنحن مخلوقون وهو الخالق، ونحن مرزوقون وهو الرازق، ونحن معلومون وهو العالِم، ونحن مقدور علينا وهو القادر، ونحن محكومون وهو الحاكم، ونحن مملوكون وهو المالك، وهكذا دواليك. قابليّة الإنسان في الخلقة لا متناهيةالله عزّوجلّ هو خالقنا، وهو الذي وهب لنا الجسد والفكر والعقل، ومنحنا الروح والنفس، وتلك كلّها مجرّد مظاهر من لدن الله. والله ظاهر في ذاته عزّوجلّ، وهو الذي فرض لنا الظهور ووهبنا إيّاه، لكنّ هذا الظهور إنّما هو ظهور مستند إلی ظهوره هو عزّوجلّ. ما مقدار القوّة والاستطاعة التي نملكها حتّي نعرف الله بواسطتها؟! إنّ ذلك المقدار هو مقدار وجود الله سبحانه في ذواتنا. وما هو المقدار الموجود من ذات الله عزّوجلّ فينا؟! ما المقدار من ظهور الله؟! ما المقدار من علم الله؟! ما المقدار من قدرة الله؟! وأخيراً، وليس آخراً، ما المقدار من حياة الله؟! لقد خلقنا الله عزّوجلّ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[9] وأودع فينا من جميع الاسماء الحسني والصفات العليا، وجعل أنفسنا من الهيولي (أي قابليّة محضة لايّة فعليّة متصوّرة في طريق التقدّم والكمال والتخلُّق بأسمائه وصفاته). ولم يجعل لنا حدّاً ولا حدوداً من جهة الاستعداد والقدرة علی التقدّم والتكامل والارتقاء في سُلّم اليقين والوصول إلی العرفان والتوحيد والفَناء في ذات الله المقدّسة والرُّسوِّ عند صفاته الحسني. فكما أ نّه عزّوجلّ غير متناهٍ ذاتاً ووجوداً وفعليّة في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فقد جعلنا نحن كذلك لا متناهين قابليّة وإيجاداً واستعداداً. وعلی هذا، فبإمكاننا التقدّم إلی قمّة درجات صفاته وأسمائه من جهة الإمكان والاستعداد، وبإمكاننا أيضاً التخلُّق بجميع ذلك كلّه. أمّا من حيث الفعليّة وتحقّق تلك القابليّة وتمركزها حول الحياة والصفات والافعال، فإنّ ذلك منوط بالحركة والجهاد مع النفس وسلوك الطريق الواصل إلی الله سبحانه. فإذا ابتعدنا في مسيرنا عن جلاله ونأيْنا بأنفسنا عن مسلكه، وخُضنا في هوي النفس الامّارة بالسوء، وأعْتَمتِ الطبيعة والكثرة أبصارنا، وأغشَت أَدْنَي العَوَالِم نواظرنا، ولم نُعِر أهمّيّة تُذكَر لنور الوجود والبساطة في الإطلاق والتجرُّد، وصار جلُّ سعينا هو الإستمرار في السّير في طريق الابتعاد والعزلة، ففي هذه الحالة علينا أن نعترف أ نّنا لم نعرف الله إلاّ النزر اليسير، وأ نّنا هدرنا قابليّاتنا وإمكاناتنا تحت شعار الجهل والحماقة والكسل، لا نّنا، ومع الاسف، لم ننتفع من وجود الآصرة بيننا وبين خالقنا علی الوجه الصحيح. وأمّا إذا صعد البشر سُلّماً أفضل، ورقي فيه درجة أعلی، وأبصر العالَم ببصيرته من زاوية أوسع، وجهد في إصلاح نفسه مُخلّصاً إيّاها من الكثرات والموجودات المختلفة والمتفرّقة والمتشتّة والمتبدّلة، فيكون بذلك قد عرف الله عزَّ وجلّ بنفس ذلك المقدار، لانّ الله العلی الاعلی مثله كمَثَل الشمس الساطعة في كبد السماء التي تُضيء العوالم كلّها، ولو أطرقنا برؤوسنا إلی الاسفل وأرخينا عيوننا إلی الارض، فإنّنا لن نري إلاّ نور تلك الشمس في هذا الرفّ أو ذاك، أو في هذا البستان أو ذاك. وأمّا إذا رفعنا رؤوسنا قليلاً إلی الاعلی وتخلّلت أبصارنا الغيوم واخترقت ركام السحاب، فلا ريب في أ نّنا سنري قدراً أكبر من نور الشمس لم نكن لنراه ونحن مطرقي الرؤوس، وسنبصر الاُفق بقعة منيرة ومكاناً ساطعاً بسبب ذلك النور. ولو عرجنا من هناك إلی مرتبة أعلی فسيكون بإمكاننا مشاهدة قرص الشمس المتوهِّج المُشِعِّ بنوره علی وجه الارض. ولو حالفنا الحظُّ وقدرنا علی الصعود أكثر فأكثر فإنّنا سنري بعض الكريّات التي تُدعي بالكواكب والسيّارات في منظومتنا الشمسيّة. وإن استمرّينا في العلوّ حتّي اقتربنا من قرص الشمس فإنّنا سنطّلع علی خصوصيّات أكثر لها كلّما سنحتْ لنا الفرصة من الاقتراب نحوها أكثر. كذلك الحال مع الإنسان، فلا نّه موجود يعكس كلّ الصفات الجماليّة والجلاليّة الربّانيّة، وهو أيضاً يمثّل الظهور التامّ والمظهر الاتمّ للّه عزّوجلّ، فهو يمتلك قابليّة المرونة والمسير معاً. لكن، ما هي قابليّة مرونته وما هو مسيره؟ هي تجاوزه للموجودات الباعثة علی التفرّق والفرقة، للهواجس النفسانيّة الباطلة التي تحيط بعقيدته، للخيالات والاحلام المُمَوَّهة والافكار المُشوَّهة التي تذهب به بعيداً عن عالم القرب، فليست قابليّة المرونة إلاّ مجموع ذلك، ولا شيء غيرها. يتحتّم علی الإنسان أن يترفّع بمنزلته وينأي بها عن ما يقتاته الحيوان في زريبته، ويأنف عن الناسوت والمادّة ويتنزّه عن أصالة الطبيعة. عليه أن لا يعير كلّ ذلك اهتماماً استقلاليّاً أو أهمّيّة كبيرة، وأن يتوجّه نحو عالم الملكوت ويوجّه فطرته إلی الوجهة الربّانيّة وملكوتها، وأن يذوب وينصهر فيها، وأن يصرخ بأعلی صوته: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [10] فحينئذٍ، وكلّما كانت وجهة القلب تزداد ميلاناً إلی هذا النحو، سيقترب أكثر من عالَم القدس الذي هو عالَم الطهارة والتجرّد والنقاء والقدس، وسيزداد اتّصافاً بالصفات الإلهيّة، حتّي يوفَّق بعد ذلك إلی لقاء حقيقيّ بربّه فيصبح حقّاً وواقعاً من العارفين بالله عزّوجلّ. وهو لن يُوَفَّق للّقاء بخالقه وحسب، بل وكذلك سيتخلّق بأخلاق الحقّ تعإلی بكلّ وجوده من قمّة رأسه حتّي أخمص قَدَمَيْهِ. إمكان معرفة الله التامّة ولقائه الحقيقيّ من قبل المقرّبين إلی ساحتهإنّ الذين يقولون: «لا يمكن للإنسان الوصول إلی معرفة الله سبحانه ولقائه، وهو عاجز عن الوصول إلی ذلك المقام المنيع وتلك الذروة الرفيعة ولا حتّي إيجاد السبيل إلی ذلك، فإنّ هذه المقولة ستصحّ ما دام بقي من وجوده وكيانه شيء يذكر، فهذا الوجود هو مخلوق، والمخلوق هو ما امتلك حالة التعيّن، فلا يمكنه، والحال هذه، إيجاد سبيل ليصل به إلی الخالق الذي يفتقد التعيّن واللامتناهي. ليس بمقدور الإنسان معرفة الله بوساطة الفكر والتفكير ولا حتّي بطريق الإدراك، ذلك أنّ الفكر والتفكير محدودان بينما الله سبحانه لا حدّ له. فكلّما حاول الإنسان جهده الإحاطة بالله بالتفكّر والقدرة العقليّة كان ذلك له محالاً، ذلك لانّ صورة تفكيره، وهو ذهنه، هي صورة تخيّليّة من صُنعِه وصنيعته هو، فأين ذلك من الله عزّوجلّ؟ لذا، فإنّ الاخبار الدالّة علی أنّ الإنسان عاجز عن معرفة الله تستند كلّها بالاساس إلی هذا المعني. وأمّا الاخبار القائلة بإمكانيّة تشّرف الإنسان بلقاء ربّه وحصوله علی معرفة تامّة به، فهي لا تستدلّ بإمكانيّة هذا الوصول وذلك اللقاء عن طريق الفكر والتفكير، بل عن طريق الوجدان والإحساس في القلب. أيّ كأ نّهم يقولـون: اجتز حاجـز الفكر وتخـطَّ حدود العقل، ثمّ اخلع عنك النَّفْسَ وترفّع عن القلب كذلك، ثمّ صِلْ إلی مرحلة لا تري فيها وجوداً لذرّة من كيانك ولا تجد فيها ما كان منك فيما سبق، وحينئذٍ، تلاشَ! فلا وجود هناك لفكر أو عقلٍ أو نفس أو روح أو وجود بالمرّة. فليس هناك مجال لالتئام الفكرة أو تَجَسُّد الشعور أو الإدراك. ليس هناك من موجود يُذكَر. هناك، حيث يوجد الله وحسب! والله يعرف نفسه ويعلم ما فيها. في تلك اللحظة فقط يستطيع الإنسان أن يعرف الله، تلك اللحظة التي لم يعد فيها ذلك الإنسان إنساناً، لم يعد يدرك معني لوجوده مقابل ذات الله عزّوجلّ. فمتي برزتْ ذرّة من الوجود لم يعد لنور الله وجود في مقابل ذلك. فهذا العالَم هو عالم المقرَّبين الذي تجرّد من كلّ شيء، ولا مُقام لايّ شيء آخر بينهم، أي أ نّه لا وجود لهم. فهم لا يملكون وجوداً، لكنهم أحياء بحياة الله، وفي الوقت نفسه فهم موتي من حياتهم. وهم لا يملكون شيئاً يتباهون فيه أمام وجود الله. هناك يوجد الله، والله فحسب. هؤلاء قد اجتازوا مراتب الكثرات، وعبروا حدود التعيّنات، وخلعوا عن أنفسهم الحُجُب وأزالوا عنها الستار، وهم بالتإلی قد جاوزوا حُجُب الظُّلمات وحُجُب النور. لقاء النبيّ للّه تعإلی ليلة المعراج، وإيحاء الله إليهولقد اجتاز الرسول الاعظم كلاّ من كثرات عالَم الطبع وعالَم البرزخ وعالَم العقل ـ كلاّ حسب ما يناسبه، هذا من جهة، ومن جهة أُخري فقد اجتاز منزلة نفس الملك ـ التي تمتلك التعيّن والحدّ كذلك حتّي وصل إلی مقام «قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي'» حيث لا يوجد شيء سوي الله وحده! ... وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَي' * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي' * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ (ذراعين) أَوْ أَدْنَي' * فَأَوْحَي'´ إِلَي' عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي' * مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'´ * أَفَتُمَـ'رُونَهُ و عَلَي' مَا يَرَي' * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي' * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي' * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي'´ * إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي' * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي' * لَقَدْ رَأَي' مِنْ ءَايَـ'تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي' * أَفَرَءَيْتُمُ اللَـ'تَ وَالْعُزَّي' * وَمَنَو'ةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَي'´ (التي هي نماذج مؤنّثة من الملائكة السماويّين وواسطة لنزول فيض الله تعإلی إلی الارض) * أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَي' * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي'´ (أن يكون للّه قويً انفعاليّة ويكون لكم قوي فعليّة) * إِنْ هِيَ إِلآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآوُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مِن سُلْطَـ'نٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَي' (القرآن والرسالة). [11] لقد كان المراد من «شَديدُ القُوي» هو الله صاحب المقام الاقدس، كما في قوله تعإلی: إِنَّ اللَهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ. [12] وأمّا القول بأنّ المراد من ذلك هو جبرائيل فمستفاد من الآية المباركة: ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ[13]، وعلی هذا الاساس فالمقصود بـ «شَديدُ القُوي» هو جبرائيل، وأنّ الضمائر المذكورة في الآيات: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي' * وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَي' * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي' * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي'، كلّها تعود إليه أيضاً. وكذا الحال مع ضمير المفعول في الآية الشريفة وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي حيث يعود إلی المَلاك جبرئيل. وأمّا الضمير في فَأَوْحَي'´ إِلَي'´ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي' فيعود بالتأكيد إلی الله عزّوجلّ، والمراد بـ مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'´ فهو رؤية فؤاد رسول الله حقيقة الوحي مشافهة ورؤية ولقاء الله سبحانه كذلك. وأيّاً كان القول فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الآيات تدلّ كلّها علی أ نّها أُوحيَت من قبل الباري عزّوجلّ إلی رسوله الكريم، وأنّ صيغتها بهذا الشكل إنّما هي دليل علی أ نّها أُوحيت بطريق المشافهة الذي يتطلّب الحضور والالتقاء حتماً. كلّ ما في الامر، أنّ الالقاب والصفات الخاصّة بجبرئيل المذكورة في الحالة الاُولي قد زُحزِحَتْ ووُضِعَت جانباً في الحالة التالية، ليأتي دَوْر تلقين الوحي والتدلّي والدُّنوّ من مَقام العزّة والحقّ تعإلی، ورؤية ذلك الجلال الإلهيّ، فإنّ الدنوّ والاقتراب والرؤية في الحالة الجديدة كلّها تعود إلی الله عزّوجلّ حيث عاين رسول الله كلّ ذلك ليلة عُرِج به إلی العلی، ورأي الله وزاره بقلبه وبصيرته في تلك الليلة المباركة. ولقد وردت أبحاث مفصّلة في التفاسير المختلفة حول لقاء وزيارة ليلة المعراج. فسماحة أُستاذنا الاكرم ال علامه آية الله الطباطبائيّ قدّس الله تربته المنيفة يقول: «وما أوردناه من الآيات هي الفصل الاوّل من فصول السورة الثلاثة وهي الآيات اللاتي تصدق الوحي إلی النبيّ صلّيالله عليه وآله وتصفه، لكن هناك روايات مستفيضة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ناصّة علی أنّ المراد بالآيات ليس بيان صفة كلّ وحي، بل بيان وحي المشافهة الذي أوحاه الله سبحانه إلی نبيّه صلّي الله عليه وآله ليلة المعراج. فالآيات متضمّنة لقصّة المعراج وظاهر الآيات لا يخلو من تأييد لهذه الروايات وهو المستفاد أيضاً من أقوال بعض الصحابة كابن عبّاس وأنس وسعيد الخدريّ وغيرهم علی ما روي عنهم وعلی ذلك جري كلام المفسّرين وإن اشتدّ الخلاف بينهم في تفسير مفرداتها وجملها» [14] وعلی هامش الآية الشريفة مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'´ يقول ال علامه قدّس الله روحه: «وليس في الآية ما يدلّ علی أنّ متعلّق الرؤية هو الله سبحانه وأ نّه لمرئي له صلّي الله عليه وآله، بل المرئيّ هو الاُفق الاعلی والدنوّ والتدلّي وأ نّه أُوحي إليه، فهذه هي المذكورة في الآيات السابقة وهي آيات له تعإلی، ويؤيّد ذلك ما ذكره تعإلی في النزلة الاُخري من قوله: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي' * لَقَدْ رَأَي' مِنْ ءَايَـ'تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي'. آيات سورة النجم دالّة علی رؤية النبيّ للّه تعإلی في المعراجعلی أ نّها لو دلّت علی تعلّق الرؤية به تعإلی لم يكن به بأس فإنّها رؤية القلب ورؤية القلب غير رؤية البصر الحسّيّة التي تتعلّق بالاجسام ويستحيل تعلّقها به تعإلی وقد قدّمنا كلاماً في رؤية القلب في تفسير سورة الاعراف، الآية 143». [15] وقال رحمة الله عليه في تعليقه علی الآية الشريفة وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْ لَةً أُخْرَي': «وقد قالوا: إنّ ضمير الفاعل المستكن في قوله رَءَاهُ للنبيّ صلّي الله عليه وآله، وضمير المفعول لجبرئيل، وعلی هذا فالنزلة نزول جبرئيل ليعرج به إلی السماوات، وقوله: عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي' ظرف للرؤية لا للنزلة، والمراد برؤيته رؤيته وهو في صورته الاصليّة. والمعني: أ نّه نزل عليه صلّي الله عليه وآله نزلة أُخري وعُرِج به إلی السماوات وتراءي له صلّي الله عليه وآله عند سدرة المنتهي وهو في صورته الاصليّة. وقد ظهر ممّا تقدّم صحّة إرجاع ضمير المفعول إليه تعإلی والمراد بالرؤية رؤية القلب والمراد بـ: نَزْ لَةً أُخْرَي' نزلة النبيّ عند سدرة المنتهي في عروجه إلی السماوات، فالمفاد أ نّه نزل نزلة أُخري أثناء معراجه عند سدرة المنتهي فرآه بقلبه كما رآه في النزلة الاُولي». [16] وتعليقاً علی الآية مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي' قال قدّس الله سرّه: «الزَّيْغُ الميل عن الاستقامة، و الطغيان تجاوز الحدّ في العمل، و زَيْغُ البَصَرِ إدراكه المبصر علی غير ما هو عليه، و طغيانه إدراكه ما لا حقيقة له، والمراد بالبصر بصر النبيّ. والمعني: أ نّه صلّي الله عليه وآله لم يبصر ما أبصره علی غير صفته الحقيقيّة ولا أبصر ما لا حقيقة له، بل أبصر غير خاطي في إبصاره. والمراد ب الإبصار رؤيته صلّي الله عليه وآله بقلبه لا بجارحة العين، فإنّ المراد بهذا الإبصار ما يعنيه بقوله: وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي' المشير إلی مماثلة هذه الرؤية لرؤية النزلة الاُولي التي يشير إليها بقوله: مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'´ * أَفَتُمَـ'رُونَهُ و عَلَي' مَا يَرَي'. فافهم ولا تغفل». وعلّق رحمة الله عليه علی الآية الشريفة لَقَدْ رَأَي' مِنْ ءَايَـ'تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي' بقوله: مِنْ للتبعيض، والمعني: أقسم لقد شاهد بعض الآيات الكبري لربّه، وبذلك تمّ مشاهدة ربّه بقلبه، فإنّ مشاهدته تعإلی بالقلب إنّما هي بمشاهدة آياته بما هي آياته، فإنّ الآية بما هي آية لا تحكي إلاّ ذا الآية ولا تحكي عن نفسه شيئاً وإلاّ لم تكن من تلك الجهة آية. وأمّا مشاهدة ذاته المتعالية من غير توسّط آية وتخلّل حجاب فمن المستحيل ذلك، قال تعإلی: وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. (الآية 110، من السورة 20: طه). [17] الروايات الواردة في رؤية النبيّ للّه عزّوجلّ في المعراجوقد أورد ال علامه في بحثٍ روائيّ: وفي «تفسير القمّيّ» بإسناده إلی ابن سِنان في حديث قال أبو عبد الله عليه السلام: وَذَلِكَ أَ نَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَقْرَبُ الخَلْقِ إلَی اللَهِتَعَإلَی، وَكَانَ بِالمَكَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إلَی السَّمَاءِ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ! فَقَدْ وَطَأْتَ مَوْطِئاً لَمْ يَطَأْهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. ولَوْلاَ أَنَّ رُوحَهُ ونَفْسَهُ كَانَ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ لَمَا قَدَرَ أَنْ يَبْلُغَهُ. وَكَانَ مِنَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «قَابَ قَوْسَيْنِ (أي ذراعين) أَوْ أَدْنَي»؛ أَيْ: بَلْ أَدْنَي. وفي «المجمـع» وروي مرفـوعاً عن أنـس قال: قال رسـول الله صلّي الله عليه وآله في قوله: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ، قال: قدر ذراعين أو أدني من ذراعين. وفي «التوحيد» بإسناده إلی محمّد بن الفضيل قال: سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: هَلْ رَأَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟! فَقَالَ: نَعَمْ! بِقَلْبِهِ رَآهُ؛ أَمَا سَمِعْتَ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'»؟ لَمْ يَرَهُ بِالبَصَرِ وَلَكِنْ رَآهُ بِالفُوَادِ. [18] وفي «الدرّ المنثور» أخرج عبد بن حَميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمّد بن كعب القَرْظيّ، عن بعض أصحاب النّبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم قال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَهِ! هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي؛ وَرَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ تَلاَ: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي'». قال ال علامه قدّس سرّه: «أقول: وروي هذا المعني النسائيّ عن أبي ذرّ ـ علی ما في «الدرّ المنثور» ولفظه رَأَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ. وعن «صحيح مسلم» والترمذيّ وابن مردويه، عن أبي ذرّ قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: نُورَانِيٌّ أَرَاهُ.[19] أقول: «نُورَانِيٌّ» منسوب إلی النور علی خلاف القياس، كجسمانيّ في النسبة إلی جسم. وقري «نُورٌ إنِّي أَرَاهُ» بتنوين الراء وكسر الهمزة وتشـديد النون ثمّ ياء المتكلِّم، والظاهـر أ نّه تصـحيف وإن أُيِّد برواية أُخري عن مسلم في صحيحه، وابن مردويه عن أبي ذرّ أ نّه سأل رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟! فقال: رَأَيْتُ نُوراً! وكيف كان فالمراد بالرؤية رؤية القلب، فلا الرؤية رؤية حسّيّة ولا النور نور حسّيّ. وفي «الكافي» بإسناده عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قُرّة المحدّث أن أُدخِله إلی أبي الحسن الرضا عليه السلام. فاستأذنته في ذلك، فأذِنَ لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والاحكام. إلی قوله: أبو قرّة، فإنّه يقول: وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي'. فقال أبو الحسن عليه السلام: إنَّ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَی مَا رَأَي؛ حَيْثُ قَالَ: «مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي'». يَقُولُ: مَا كَذَبَ فُوَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ. ثُمَّ أَخْبَـرَ بِمَا رَأَي فَقَالَ: «لَقَـدْ رَأَي' مِنْ ءَايَـ'ـتِ رَبِّـهِ الْكُبْـرَي'»؛ وَآيَاتُ اللَهِ غَيْرُ اللَهِ. أقول: الظاهر أنّ كلامه عليه السلام مسوق لإلزام أبي قُرّة، حيث كان يريد إثبات رؤيته تعإلی بالعين الحسّيّة فألزمه بأنّ الرؤية إنّما تعلّقت بالآيات، وآيات الله غير الله، ولا ينافي ذلك كون رؤية الآيات بما هي آياته تمثّل رؤيته تعإلی وإن كانت آياته غيره، وهذه الرؤية إنّما كانت بالقلب كما مرّت عدّة من الروايات في هذا المعني. وجاء في «تفسير القمّيّ» بإسناده إلی إسماعيل الجعفيّ عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام في حديث طويل: فَلَمَّا انْتَهَي بِهِ إلَی سِـدْرَةِ المُنْتَهَي، تَخَلَّـفَ عَنْهُ جَبْـرَئِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: فِي هَذَا المَوْضِعِ تَخْذُلُنِي؟! فَقَالَ: تَقَدَّمْ أَمَامَـكَ! فَوَاللَهِ لَقَدْ بَلَغْـتَ مَبْلَغـاً لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَـدٌ مِنْ خَلْقِ اللَهِ قَبْلَكَ! فَرَأَيْتُ مِنْ نُورِ رَبِّي، وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ السُّبْحَةُ. [20] قُلْتُ: وَمَا السُّبْحَةُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! فَأَوْمَي بِوَجْهِهِ إلَی الاَرْضِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَی السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: جَلاَلُ رَبِّي! جَلاَلُ رَبِّي! ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أقول: السُّبحة الجلال كما فسّر في الرواية، والسبحة ما يدلّ علی تنزّهه تعإلی من خَلْقه ومرجعه إلی المعني الاوّل، ومحصّل ذيل الرواية أ نّه صلّي الله عليه وآله رأي ربّه برؤية آياته». [21] وأمّا القاضي البيضاويّ فقد قال في تفسير الآية الشريفة مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي': «ما رأي ببصره من صورة جبرائيل عليه السلام أو الله تعإلی، أي ما كذب بصره بما حكاه له، فإنّ الاُمور القدسيّة تُدرَك أوّلاً بالقلب ثمّ تنتقل منه إلی البصر. أو ما قال فؤاده لمّا رآه: لم أعرفك؛ ولو قال ذلك كان كاذباً، لا نّه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، أو ما رآه بقلبه، والمعني أ نّه لم يكن تخيّلاً كاذباً. ويدلّ علی ذلك «أ نّه عليه الصلاة والسلام سئل: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟! فقال: رَأَيْتُهُ بِفُوَادِي!». [22] وقال في تفسيره عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي': «التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم، أو ما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها، ولعلّها شُبّهت بالسدرة وهي «شجرة النَّبْق» لا نّهم يجتمعون في ظلّها، وروي مرفوعاً أ نّها في السماء السابعة». [23] وقال في تفسير أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَي': «إنكار لقولهم الملائكة بنات الله، وهذه الاصنام استوطنها جنّيّات هنّ بناته، أو هياكل الملائكة وهو المفعول الثاني لقوله: أَفَرَءَيْتُمُ». [24] پاورقي [1] ـ مُرَي اسم مفعول من باب أري يُري من باب إفعال. لانّ اسم الفاعل منه مُرْئي واسم المفعول منه هو مُرْأي. وقد حُذِفت الهمزة للتخفيف بعد نقل حركتها إلي ما قبلها، مُرِي و مُرَي. وأمّا مرئيّ فهو اسم مفعول من باب رأي يري، واسم الفاعل منه راءٍ واسم المفعول مَرئيٌّ. وقد كان اسم المفعول من ذلك في الاصل هو مَرْءُويٌ، فطرأ عليه إعلال مَرميٌّ فأصبح مرئيّ. فـ «رأي يري» متعدٍّ إلي مفعول واحد و «أري يُرِي» متعدٍّ إلي مفعولين. [2] ـ الآية 8، من السورة 5: المائدة. [3] ـ يقول الشيخ نجم الدين الرازي في رسالة «عشق وعقل» ص 53 و 54، بعد بحثه حول الصالحين المحجوبين عن نور الله: «هذه الطائفة هي أصحاب الميمنة، ومشربهم يكون من عالم الاعمال، ويكون معادهم درجات جنّات النعيم؛ ومع ذلك فلا سبيل لهذه الطائفة إلي معرفة ذات الله وصفاته في الحقيقة، لا نّهم ما زالوا مقيّدين بآفة حُجُب الصفات الروحانيّة والنورانيّة؛ إذ إنَّ لِلَّهِ ] تَعالَي [ سَبْعينَ ألْفَ حِجابٍ مِنْ نورٍ وَظُلْمَةٍ. وقال في مكان آخر: حِجابُهُ النُّورُ، لَوْ كُشِفَتْ لاَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَي إلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ. ولذا قيل لهذه الطائفة: احذروا من خلط العقل بالعقال في مجال التفكّر في ذات الحقّ جلّ وعَلا، لا نّه ليس له حدّ؛ تَفَكَّرُوا في آلاَءِ اللَهِ وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَهِ». يقول المعلّق علي الكتاب في ص 109 في معرض تعليقاته: «روي هذا الحديث بأشكال عدّة، منها: تَفَكَّرُوا في خَلْقِ اللَهِ وَلاَ تَفَكَّرُوا فِي اللَهِ فَتَهْلِكُوا. تَفَكَّرُوا فِي آلاَءِ اللَهِ وَلاَ تَفَكَّرُوا فِي اللَهِ. («جامع الصغير» ج 1، ص 131؛ «كنوز الحقائق» ص 52 ) تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَهِ؛ فَإنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إلَي كُرْسيِّهِ سَبْعَةُ آلاَفِ نُورٍ وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ. («جامع الصغير»، ج 1، ص 131 ) تَفَكَّرُوا فِي الخَلْقِ وَلاَ تَتَفَكَّرُوا فِي الخَالِقِ. («قصص الانبياء» للثعلبيّ ص 10، طبعة مصر؛ و«جامع الصغير» ج 1، ص 131 )». أقول: قد روي الملاّ عبد الرزّاق الكاشانيّ أيضاً هذه الرواية في كتاب «شرح منازل السائرين» ص 63، انتشارات بيدار. [4] ـ يقول: « أيُّ رأيٍ ألتَزِمْ أو مَنهَجٍ أَفَأعصي مَرّةً ثُمَّ أتوب ؟» [5] ـ يقول: «إنّ التفكير في الا´لاء شرط للوصول إليها، لكنّ التفكير في ذات الحقّ إثم محض. إنّ التفكير في ذات الحقّ أمر باطل وهو أمر محال فاعلم ذلك. إنّ الا´يات ظاهرة وجليّة بذاته وليست ذاته جليّة بالا´يات. فالعالم كلّه ظاهر بنوره، ولكن أ نّي أن يظهر هو بواسطة هذا العالم». [6] ـ يقول: «لا يمكن أن تُحدّ نور ذاته بالمظاهر، لانّ سُبُحات جلاله هي القاهرة. اهجر العقل وذُب في العشق، فإنّ عيون الخفّاش لا طاقة لها برؤية نور الشمس. في ذلك الموضع الذي يكون نور الحقّ فيه هو الدليل لا مكان لحديث جبرئيل. فالمَلَك لا يمكنه أن يكون في مقام «لي مع الله» وإن كان قريباً من ساحته عزّوجلّ. ذلك أنّ نوره يُحرق جناح المَلَك، ويُحرق العقل بتمامه. مَثَلُ بصيص النور في ذاته النيّرة كمَثَل العين الباصرة بالمقارنة مع المصبّ. فلو اقترب المُبصَر من البَصَر، لاظْلَمَ البَصَر وعجز عن دركه. فإن تحسب نور ذاته سواداً، فهذا السواد وتلك الظلمة يحويان ماء الحياة». [7] ـ يقول: «ليس السواد سوي قابض وخاطف لنور البصر، فافهم أنّ هذا ليس مكاناً للنظر. أين التراب من عالم الطهارة، فإنّ الاءدراك هو العجز عن درك الاءدراك. سواد الوجه ليس منفصلاً عن الممكن في كلا العالمَينِ، والله اعلم. إنّ سواد الوجه في الدارين درويش، وقد جاء السواد الاعظم من غير زيادة أو نقصان. فماذا نقول في مسألة دقيقة كهذه، فهي كالليل المُضيء في نهار مُظلم». «گلشن راز» لنجم الدين محمود بن عبد الكريم الشبستريّ، ص 11 إلي 13، بخطّ عماد الاردبيليّ، منشورات مكتبة الاحمديّ، شيراز، 1333؛ وقد أورد آية الله ال علامه الكبير الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ قدّس الله سرّه في «الذريعة» ج 18، ص 226 و 227 ما يلي: « 130: «گلشن راز»: قصيدة بالفارسيّة للشيخ العارف سعد الدين محمود الشبستريّ صاحب «مرآة المحقّقين» والذي ذُكِر في «كشف الظنون» أنّ هذا الكتاب هو من كتب الشيعة، وقد ذكر له أربع شروحات. وهذه القصيدة هي جواب علي سبعة عشر سؤالاً علي شكل أبيات شعريّة والذي بعث بها إليه من خراسان السيّد أمير حسين الهروي: خليفة بهاء الدين زكريّا المَلتانيّ: خليفة شهاب الدين السهرورديّ. فأمّا السؤال الاوّل: ز اهل دانش و ارباب معني سؤالي دارم اندر باب معني يقول: «عندي سؤال لاهل العلم وأرباب المعني في باب المعني». أوّلُ «گلشن راز»: بنام آنكه جانرا فكرت آموخت چراغ دل به نور جان برافروخت يقول: «باسم من علّم الروح التفكير، وأنار سراج القلب بنور الروح». وفي ذلك قوله: نشان ناشناسي ناسپاسي است شناسائيّ حقّ در خود شناسي است يقول: «إنّ الجحود علامه اللامعرفة (الجهل) ومعرفة الحقّ هي في معرفة الذات». وفي النهاية يذكر وجه تسمية ذلك إذ يقول: از آن گلشن گرفتم شمّهاي باز نهادم نام او را «گلشن راز» يقول: «أخذتُ من الرياض قطفة وأسميتُها «گلشن راز» (= رياض الاسرار) ». وذكر تأريخه بقوله: گذشته هيفده از هفتصد سال ز هجرت ناگهان در ماه شوّال يقول: «في شهر شوّال، سبعمائة وسبع عشرة مضين من الهجرة». وآخر بيت منه هو: بنام خويش كردم ختم پايان الهي عاقبت «محمود» گردان يقول: «ختمتُ الكتاب باسمي، فاجعل اللهمّ عاقبتنا محمودة». وقد طُبع مع شرحه في «مفاتيح الاءعجاز». وله شروح أُخري كذلك تزيد علي أحد عشر شرحاً؛ منها تعليقات الخواجة عبد الرحيم الخلوتيّ. (علماء آذربايجان: 142 ) وقد ذكر الميرزا حسن شفيع زاده الشبستريّ تلك الشروح في كتابه الكبير الذي أ لّفه في ترجمة الشبستريّ. وقد تُرجِم «گلشن راز» إلي اللغة الالمانيّة سنة 1254 ه (الموافق لسنة 1838 م). وكذلك تُرجِم شعراً إلي اللغة التركيّة، ونُظّم بالفارسيّة علي شكل تخميسات. وقد شرح محمّد ابن محمود الدهدار بيتاً واحداً سمّاه «مرآة الحقائق»، وله شروحات أُخري لابياته منفردة. وجدير بالذكر أنّ نُسَخ الكتاب الخطّيّة متوفّرة في الاسواق؛ وأمّا أقدم تلك النسخ، حسب علمي، فتوجد عند مهدي البيانيّ في طهران ويرجع تأريخها إلي سنة 754 ه، و(أدبيّات: 109 د) بتأريخ النصف من رجب سنة 830، و (دانشگاه: 1930 ) ربيع الاوّل 835، و(مجلس: 966 ) والذي كُتب في سنة 858 ». [8] ـ أي ما يُستَدلُّ فيه بامتناع أحَد النَّقيضَيْنِ علي تَحَقُّق الا´خر.(م) [9] ـ مقتبس من الآية 4، من السورة 95: التين: لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءنسَـ'نَ فِي´ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. [10] ـ هذه الفقرة من الدعاء هي من ضمن الادعية السبعة في التكبيرات الافتتاحيّة في الصلاة والتي ذكرها آية الله السيّد محمّد كاظم اليزديّ أعلي الله مقامه في كتاب «العروة الوثقي» في باب الصلاة، فصل (تكبيرة الاءحرام)، وهو دعاء مأثور عن الائمّة المعصومين عليهم السلام، مقتبس من آيتين من آي القرآن الكريم، الاُولي: الآية 79، من السورة 6: الانعام، وهي قوله تعالي حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَا´ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. والثانية الا´يتين 162 و 163، من نفس السورة، هي قوله تعالي خطاباً للنبيّ الاكرم يأمره أن يقول للمشركين: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ و وَبِذَ لِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. [11] ـ الا´يات 7 إلي 23، من السورة 53: النجم. وقبلها: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي' (أي هوي للغروب) * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ (أي رسولنا) وَمَا غَوَي' * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي'´ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي' * عَلَّمَهُ و شَدِيدُ الْقُوَي' * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوي'. [12] ـ الآية 58، من السورة 51: الذاريات. [13] ـ الآية 20، من السورة 81: التكوير. [14] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 19، ص 26. [15] ـ «تفسير الميزان» ج 19، ص 29. يقول المؤلّف الفقير: ورد في كتاب «نفائس الفنون» ج 27، ص 68 و 69: «الفصل الحادي العشر، في بيان الوصول: اعلم أنّ الوصول إلي حضرة الباري عزّوجلّ ليس من قبيل وصول الجسم إلي الجسم، أو وصول العرض إلي الجسم، أو العلم إلي المعلوم، أو العقل إلي المعقول؛ تعالي الله عن ذلك علوّاً كبيراً. وكذلك ليست مسألة الوصول إلي حضرته هي بفعل العبد، بل هي لطف دون علّة وتصرّف الجذبات الاُلوهيّة. ألم تَرَ إلي موسي وقد قال، وهو يسعي إلي رؤية الرؤية: ربّي أَرِنِي أَنظُرُ إِلَيْكَ، فقال: لَن تَرَانِي ! لكنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وبحكم سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي' بِعَبْدِهِ لَيْلاً أُرْكِبَ البُراق وعُرج به (إلي السماء) مجتازاً قاب قوسين حتّي وصل مقام أو أدْني، وأُلبِسَ كلّ لباس محمّديّ بحكم ما كانَ محمّداً أبا أحدٍ من رجالِكُم وبُعِثَ رحمةً وتشرّف بالخطاب القائل وما أرسلناك إلاّ رَحْمَةً للعالَمين. فكلّ من لم يستطع أن يحلّق ببراق القدرة من حضيض البشريّة إلي سدرة منتهي الروحانيّة فليعرّج علي حضرته ويقدّم له الولاء والطاعة، لانّ من وصل إليه فقد وصل إلينا؛ من يُطِعْ الرسول فقد أطاعَ الله» إلي آخر البيان الذي أورده في هذا الفصل. [16] ـ «الميزان» ج 19، ص 31. [17] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 19، ص 32. [18] ـ روي في «أُصول الكافي» ج 1، ص 98، في باب إبطال الرؤية، الحديث 8، عن محمّد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أ نّه قال: قالَ رَسولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لَمَّا أُسْريَ بِي إلَي السَّمَاءِ، بَلَغَ بِي جَبْرَئيلُ مَكَاناً لَمْ يَطَأْهُ قَطُّ جَبْرَئيلُ. فَكُشِفَ لَهُ؛ فَأرَاهُ اللَهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ. [19] ـ روي في «أُصول الكافي» ج 1، ص 98، باب إبطال الرؤية، الحديث 7، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حُمَيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ؛ فَقالَ: الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الكُرْسيِّ، وَالكُرْسيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ العَرْشِ، وَالعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءاً مِنْ نورِالحِجابِ، وَالحِجابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ؛ فَإنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَؤُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ! [20] ـ سُبحَةُ الله: جَلالُه، ج: سُبَح. وسُبُحاتُ وَجهِ الله: أنوارُه، أو ما يُسبَّح به من دلائلِ عظمتِه. [21] ـ «الميزان» ج 19، ص 34 إلي 36. [22] ـ «تفسير البيضاويّ» ج 2، ص 472 و 473، طبعة دار الطبع العامرة. [23] ـ «تفسير البيضاويّ» ج 2، ص 473 و 474. [24] ـ «تفسير البيضاويّ» ج 2، ص 473 و 474. |
|
|