بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب معرفة الله/ المجلد الاول/ القسم السادس:الله عاشق ماسواه وماسوی الله عاشقه، رسالة العشق لابن سینا،رد صدرا علی الشیخ ال...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 

أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم‌

وَصَلَّي‌ اللَهُ علی‌ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ

وَلَعْنَةُ اللَهِ علی‌ أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الا´نَ إلی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلي‌ِّ العَظِيمِ

تفسير آية‌: «یَاأَيُّهَا الإنسَـانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلی‌' رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ»

 قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي‌ كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

 یَاأَيُّهَا الإنسَـانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلی‌' رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ.

 (الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 84: الانشقاق‌)

 قال‌ أُستاذنا الاعظم‌ آية‌ الحقّ والعرفان‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌:

 «قال‌ الراغب‌: الكَدْحُ السعي‌ والعناء انتهي‌. ففيه‌ معني‌ السير، وقيل‌: الكدح‌ جهد النفس‌ في‌ العمل‌ حتّي‌ يؤثّر فيها انتهي‌ وعلي‌ هذا فهو مُضَمّن‌ معني‌ السير، بدليل‌ تعدِّيه‌ بإلی‌، ففي‌ الكدح‌ معني‌ السير علی‌ أي‌ّ حال‌.

 وقوله‌: فَمُلَـ'قِيهِ عطف‌ علی‌ كَادِحٌ، وقد بيّن‌ به‌ أنّ غاية‌ هذا السير والسعي‌ والعناء هو الله‌ سبحانه‌ بما أن‌ له‌ الربوبيّة‌، أي‌ أنّ الإنسان‌ بما) أنّه‌ عبد مربوب‌ ومملوك‌ مُدَبَّر، ساعٍ إلی‌ الله‌ سبحانه‌ بما) أنّه‌ ربّه‌ ومالكه‌ المُدَبِّر لامره‌، فإنّ العبد لا يملك‌ لنفسه‌ إرادة‌ ولا عملاً، فعليه‌ أن‌ لا يريد ولا يعمل‌ إلاّ ما أراده‌ ربّه‌ ومولاه‌ وأمره‌ به‌، فهو مسؤول‌ عن‌ إرادته‌ وعمله‌.

 ومن‌ هنا يظهر أوّلاً أنّ قوله‌: إِنَّكَ كَادِحٌ إلی‌' رَبِّكَ يتضمّن‌ حجّة‌ علی‌ المعاد، لما عرفت‌ أنّ الربوبيّة‌ لا تتمّ إلاّ مع‌ عبوديّة‌، ولا تتمّ العبوديّة‌ إلاّ مع‌ مسؤوليّة‌، ولا تتمّ مسؤوليّة‌ إلاّ برجوع‌ وحساب‌ علی‌ الاعمال‌، ولا يتمّ حساب‌ إلاّ بجزاء.

 وثانياً: أنّ المراد بملاقاته‌ انتهاؤه‌ إلی‌ حيث‌ لا حكم‌ إلاّ حكمه‌، من‌ غير أن‌ يحجبه‌ عن‌ ربّه‌ حاجب‌.

 وثالثاً: أنّ المخاطب‌ في‌ الآية‌ هو الإنسان‌ بما) أنّه‌ إنسان‌، فالمراد به‌ الجنس‌، وذلك‌ أنّ الربوبيّة‌ عامّة‌ لكلّ إنسان‌». [1]

 قد أثبت‌ أعاظم‌ حكماء الإسلام‌ أنّ بين‌ ربّ العزّة‌ وبين‌ مخلوقاته‌ نوعاً من‌ الجذب‌ والانجذاب‌ يُعَبَّر عنه‌ ب العشق‌.

 ولا جَرَمَ أنّ حبّ الله‌ لمخلوقاته‌ هو الذي‌ أوجدها وألبس‌ كلّ واحد منها (كلٌّ حسب‌ إمكانيّته‌ واستعداده‌ وماهيّته‌ المتفاوتة‌) لباس‌ الوجود والبقاء، ووصف‌ كلاّ منها بصفاته‌ حسب‌ ما يتناسب‌ معه‌. إنّ هذا هو الحبّ الذي‌ أعطي‌ العالَم‌ كيانه‌ وبقاءه‌ وديمومته‌، بِدءاً بالافلاك‌ ومروراً بالارض‌ والذرّة‌ إلی‌ الدُّرّة‌، وجَعْلها كلّها موجودات‌ تتحرّك‌ نحوه‌ وتشقُّ طريقها إلیه‌.

 وكذا حال‌ حياتنا ومعيشتنا في‌ حركتنا نحو الله‌، فهي‌ تمضي‌ قدماً في‌ ذلك‌ بواسطة‌ ذلك‌ الحبّ والعشق‌ الذي‌ أوجده‌ الله‌ عزّ وجلّ في‌ الخلقة‌ والفطرة‌. وعلي‌ هذا فإنّ كلّ موجود من‌ الموجودات‌ الإمكانيّة‌ يجد طريقه‌ إلی‌ الاستمرار في‌ حياته‌ وبقائه‌ علی‌ أساس‌ وأصل‌ ذلك‌ الحبّ للمحبوب‌، وهكذا يستمدّ قانون‌ التجاذب‌ (الجذب‌ والانجذاب‌) استمراريّته‌ بين‌ جميع‌ المخلوقات‌ السفليّة‌ (الدنيا) والعوالم‌ العُلويّة‌.

 إنّ هذا التجاذب‌ المستقرّ في‌ كلّ موجود وبشكل‌ معيّن‌، هو السبب‌ في‌ تكوين‌ وإنشاء تلك‌ الحركة‌ المُتَّجِهة‌ نحو المبدأ الاعلي‌ عبر مدارج‌ ومعارج‌ متباينة‌، وهو السبب‌ في‌ ذلك‌ الحبّ الذي‌ يدفع‌ بجميع‌ العاشقين‌ إلی‌ التحرُّك‌ باتّجاه‌ ذلك‌ المحبوب‌ والسير نحوه‌ بوساطة‌ ذلك‌ الحبّ، من‌ دون‌ حجاب‌ أو من‌ وراء حجاب‌ علی‌ السواء. وكلّ ما في‌ الامر أنّ الموجودات‌ الضعيفة‌ والماهيّات‌ السفليّة‌ تتعرّض‌ خلال‌ سيرها لتأثير شديد من‌ قِبَل‌ قوي‌ أشدّ منها نظراً لصفة‌ المحدوديّة‌ الموجودة‌ في‌ وجودها، وهو ما يتسبّب‌ في‌ فَنائها هناك‌. وطبقاً للقاعدة‌ القائلة‌: (الاقرب‌ فالاقرب‌)، فإنّ أي‌ّ موجود عالٍ هو غاية‌ السير عند الموجود والمعلول‌ الادني‌ منه‌، حتّي‌ يصل‌ إلی‌ ذات‌ الحقّ والمُصَدِّر المطلق‌، والذي‌ هو الموجود الاوّل‌ العظيم‌ اللامتناهي‌ في‌ عالم‌ العوالم‌، حيث‌ يفني‌ فيه‌ وتتحقّق‌ عند ذاك‌ عمليّة‌ التحابب‌ والتعاشق‌ بين‌ الحقّ سبحانه‌ وتعإلی‌ وبين‌ ذلك‌ الموجود.

 وقد عُبِّرَ في‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ الكريمة‌ عن‌ تحرُّك‌ الإنسان‌ نحو هذا المحبوب‌ ذي‌ الجمال‌ والمعشوق‌ صاحب‌ الجلال‌، وهو الهدف‌ النهائي‌ّ والمقصد الرئيسي‌ّ، ب الكدح‌.

 ومعني‌ ذلك‌) أنّه‌ يتوجّب‌ علی‌ الإنسان‌ ـ وهو أشرف‌ المخلوقات‌ استعداداً أن‌ يُوصِلَ ذاته‌ ونفسه‌ إلی‌ الفَناء التامّ بالفعل‌.

 فنالك‌ مَن‌ حالفهم‌ الحظّ ووصلوا، وهنالك‌ من‌ أضاعوا استعدادهم‌ وضيّعوا عدّتهم‌، وفشلوا في‌ أن‌ يجدوا مأمناً وأمناً في‌ حرم‌ أمنه‌، وعجزوا عن‌ الاستقرار في‌ ظلّه‌، ولم‌ يفلحوا في‌ اجتياز موانع‌ الصراط‌ والدخول‌ إلی‌ حضرة‌ جلاله‌، وسيلتقي‌ كلّ منهم‌ به‌ ويتلاقي‌ معه‌ وسيصلون‌ إلی‌ محبوبهم‌ الحقيقي‌ّ من‌ وراء ألف‌ حجاب‌، وعندها سيوقنون‌ بأ نّه‌ هو وحده‌ غاية‌ مرادهم‌ وحبيب‌ قلوبهم‌، وكلّ ما في‌ الامر، أ نّهم‌ في‌ دنيا الشهوات‌ الدنيّة‌ التي‌ أعشت‌ عيونهم‌، لم‌ يروا جلاله‌، وها هم‌، يصلون‌ بعد الحُجب‌ لملاقاة‌ ربّهم‌ عزّ وجلّ.

الرجوع الی الفهرس

«رسالة‌ العشق‌» لابن‌ سينا: الله‌ تعإلی‌ وجميع‌ الموجودات‌ الإمكانيّة‌ عشّاق‌

 ذَكرَ الشيخ‌ بهاء الدين‌ العاملي‌ّ في‌ كشكوله‌:

 «للشيخ‌ الرئيس‌ أبي‌ علی‌ ابن‌ سينا رسالة‌ في‌ ذكر العشق‌[2] تحت‌ عنوان‌ «رسالة‌ العشق‌»، وفيها يتوسّع‌ في‌ مقالته‌ ويقول‌ بأنّ العشق‌ لا يختصّ بالإنسان‌ وحده‌، بل‌ بجميع‌ الكائنات‌، من‌ الفلكيّات‌ والعناصر، والموإلید الثلاثة‌ (المعادن‌ والنباتات‌ والحيوانات‌) مجبولة‌ عليه‌ بالفطرة‌، وهي‌ منقوشة‌ في‌ ذاتها وماهيّتها» [3]. انتهي‌ كلام‌ الشيخ‌ البهائي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌.

 وتبدأ الرسالة‌ بالعبارة‌ التإلیة‌:

 بِاسْمِكَ اللَهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، سَأَلْتَ أسْعَدَكَ اللَهُ يَا عَبْدَ اللَهِ الفَقِيهَ المُعْصِرِي‌َّ ! أَنْ أَجْمَعَ لَكَ رِسَالَةً تَتَضَمَّنُ إيضَاحَ القَوْلِ فِي‌ العِشْقِ علی‌ سَبِيلِ الإيجَازِ فَأَجَبْتُكَ إلی‌ آخرها.

 وقد نظّم‌ هذه‌ الرسالة‌ في‌ سبعة‌ فصول‌ وهي‌:

 الاوّل‌: في‌ ذكر أنّ العشق‌ يسري‌ في‌ كلّ ذات‌.

 الثاني‌: في‌ ذكر العشق‌ في‌ الجواهر البسيطة‌ غير الحيّة‌، علی‌ سبيل‌ المثال‌، الهيولي‌، والظواهر، والمعادن‌، وكلّ جماد.

 الثالث‌: في‌ ذكر العشق‌ في‌ الموجودات‌ والاشياء التي‌ تمتلك‌ القوّة‌ المغذّية‌.

 الرابع‌: في‌ ذكر العشق‌ في‌ الموجودات‌ الحيوانيّة‌، لسبب‌ أ نّها تمتلك‌ قوّة‌ حيوانيّة‌.

 الخامس‌: في‌ ذكر العشق‌ في‌ الظرفاء والفتيان‌ في‌ قبال‌ حسان‌ الوجوه‌.

 السادس‌: في‌ ذكر العشق‌ في‌ النفوس‌ المتأ لّهة‌.

 السابع‌: وهو فصل‌ يختتم‌ به‌ الكتاب‌ بالمراجعة‌ والاستنتاج‌.

 وهذه‌ الرسالة‌ استدلإلیة‌، ومطالعتها من‌ قبل‌ ذوي‌ الرأي‌ لا تخلو من‌ فائدة‌.

 وقد تحدّث‌ مفصّلاً في‌ الفصل‌ الخامس‌، وهو بعنوان‌ «عِشْقُ الظُّرَفَاءِ وَالفِتْيَانِ[4] لِلاوْجُهِ الحِسان‌»، واستدلّ بالحديث‌ الشريف‌ للنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: اطْلُبُوا الحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الوُجُوهِ [5]، وعدّد أوجه‌ الحلال‌ والحرام‌، عقلاً وشرعاً، موضّحاً بأنّ الشريعة‌ الإسلاميّة‌ الغرّاء قد أوصدت‌ باب‌ العشق‌ المذموم‌، وذلك‌ بالاستدلال‌ العقلي‌ّ، وبالمقابل‌، قد فتحت‌ باب‌ العشق‌ الممدوح‌ علی‌ مصراعيه‌ [6].

الرجوع الی الفهرس

بيان‌ العشق‌ في‌ النفوس‌ المتأ لّهة‌ في‌ «رسالة‌ العشق‌» لابن‌ سينا

 ويستطرد في‌ بحثه‌ عشق‌ النفوس‌ المتأ لّهة‌، حتّي‌ يصل‌ إلی‌ المقطع‌ الذي‌ يقول‌ فيه‌:

 «الا´ن‌، أصبح‌ واضحاً، بأنّ العلّة‌ الاُولي‌، هي‌ مصدر كلّ الخيرات‌، ولا مسبّب‌ لهذه‌ العلّة‌؛ وعليه‌، فهذه‌ العلّة‌ (الله‌) هي‌ الخير المطلق‌، استناداً لمحض‌ ذاته‌ المقدّسة‌، وكذلك‌، بالقياس‌ إلی‌ جميع‌ الموجودات‌، وذلك‌، لا نّه‌ هو حبل‌ بقاء المخلوقات‌ ودوامها.

 وهذه‌ المخلوقات‌، هائمة‌ ومشتاقة‌ إلی‌ كمال‌ العلّة‌ الاُولي‌، وبهذا، يكون‌ هو الخير المطلق‌، بكلّ الاعتبارات‌ وعلي‌ جميع‌ الاوجه‌.

 وقد قلنا من‌ قبل‌ إنّ من‌ أدرك‌ خيراً هام‌ فيه‌ بلا إرادة‌ منه‌، ولهذا، فالعلّة‌ الاُولي‌، هي‌ المعشوق‌ بالنسبة‌ إلی‌ النفوس‌ المتأ لّهة‌، ولانّ كمال‌ هذه‌ النفوس‌، الإنسي‌ّ منها والملائكي‌، هو تصوّر تلك‌ النفوس‌ للمعقولات‌ كلٌّ حسب‌ قدرته‌ (من‌ باب‌ التشبّه‌ بذات‌ الخير المطلقة‌) حتّي‌ تصدر عنها أفعال‌ عادلة‌ من‌ قبيل‌ الفضائل‌ البشريّة‌، وعلي‌ مثال‌ تحريك‌ النفوس‌ الملائكيّة‌ للجواهر العُلويّة‌ السائلة‌. إنّ بقاء الموجودات‌ في‌ عالم‌ الكون‌ والفساد (هو من‌ باب‌ التشبُّه‌ بذات‌ الخير المطلقة‌) والتقرُّب‌ له‌ والاستفادة‌ من‌ كماله‌ وفضيلته‌ والانتفاع‌ بها. وعلي‌ هذا فقد بات‌ واضحاً أنّ الخير المطلق‌ هو معشوق‌ هذه‌ النفوس‌، ولذا سُمِّيت‌ تلك‌ النفوس‌ بـ «المتأ لّهة‌» لسبب‌ نسبتها وتشبّهها به‌ وحبّها له‌؛ وهذا العشق‌ وذلك‌ الحبّ ثابتٌ ومتأصّل‌ في‌ تلك‌ النفوس‌ المتصفة‌ بـ التَّأَلُّه‌، غير زائل‌ عنها».

 حتّي‌ يصل‌ إلی‌ قوله‌:

 «أصبح‌ واضحاً بأنّ وجود الحقّ، وهو الخير المطلق‌، هو المعشوق‌ الحقيقي‌ّ للنفوس‌ الإنسيّة‌ والملائكيّة‌».

 ويقول‌ في‌ الفصل‌ الختامي‌ّ:

 «نريد في‌ هذا الفصل‌، الخروج‌ بعدّة‌ استنتاجات‌:

 أوّلاً: كما ذكرنا سابقاً، أنّ جميع‌ الموجودات‌ في‌ هذا الكون‌، هي‌ في‌ الحقيقة‌، عاشقة‌ وتوّاقة‌ إلی‌ الخير المطلق‌، بفعل‌ العشق‌ [7] الغريزي‌ّ، وهذا الخير المطلق‌ متجلٍّ لعشّاقه‌، ولكنّ هذا التجلّي‌ مختلف‌ بحسب‌ درجات‌ هذه‌ الموجودات‌، حيث‌ إنّهم‌ كلّما ازدادوا تقرّباً من‌ الخير المطلق‌، عظم‌ تجلّيه‌ لهم‌، والعكس‌ بالعكس‌.

 ثانياً: أنّ الخير المطلق‌ والعلّة‌ الاُولي‌، يميل‌ انسجاماً مع‌ كرمه‌ ورحمته‌ الذاتيّتين‌ إلی‌ أن‌ يشمل‌ بلطفه‌ جميع‌ الكائنات‌.

 ثالثاً: وجود كلّ الموجودات‌ هو انعكاس‌ لهذا اللطف‌ من‌ لدن‌ الخير المطلق‌.

 أما وقد تمّ توضيح‌ هذه‌ المسألة‌ بشكل‌ إجمإلی‌ّ، الا´ن‌ نقول‌: بأنّ في‌ تركيب‌ آحاد هذه‌ الموجودات‌ عشق‌ غريزي‌ّ لاجل‌ استحصال‌ كمالها الذاتي‌ّ، وكمالها هو نفسه‌ الخير الذي‌ أشرنا إلیه‌.

 إذاً، فسبب‌ وقوع‌ كلّ الخيرات‌، هو ذلك‌ المعشوق‌ الحقيقي‌ّ لكلّ الموجودات‌، والذي‌ عبّرنا عنه‌ بالعلّة‌ الاُولي‌، فهي‌ معشوق‌ كلّ الموجودات‌، وإذا كان‌ هناك‌ من‌ حُرِم‌ معرفته‌، وجهل‌ وجوده‌، فهذا الجهل‌ لا ينفي‌ العشق‌ الغريزي‌ّ في‌ الموجودات‌، لانّ كلاّ وراء كماله‌ الذاتي‌ّ، وحقيقة‌ الكمال‌ ـ الذي‌ هو الخير المطلق‌ ـ تلك‌ العلّة‌ الاُولي‌، والتي‌ تتجلّي‌ لكلّ الموجودات‌، بحسب‌ ذاتها، إلاّ أن‌ يكون‌ محجوباً بذاته‌ عن‌ التجلّي‌، فيلزم‌ أن‌ يستتر، فلا ينعم‌ أي‌ّ من‌ الموجودات‌ من‌ فيض‌ وجوده‌.

 إذا كان‌ تجلّي‌ الخير الاوّل‌ هو بتأثير الغير، فيجب‌ إذاً أن‌ تكون‌ الذات‌ المتعإلیة‌، والمنزّهة‌ عن‌ كل‌ النقائص‌، واقعة‌ تحت‌ تأثير الغير أيضاً، وهذا محال‌، بل‌ الخير الاوّل‌ يتجلّي‌ بحسب‌ الذات‌، وحجب‌ تجلّيه‌ عن‌ بعض‌ الذوات‌، هو لقصور وضعف‌ في‌ هذه‌ الذوات‌ ليس‌ إلاّ.

 وبعبارة‌ أُخري‌:كلّ نقص‌ وعيب‌، يكون‌ من‌ جانب‌ القابل‌، وليس‌ من‌ جانب‌ الفاعل‌، وإلاّ فذاته‌ المقدّسة‌ متجلّية‌ بحسب‌ الذوات‌».

 ويستطرد في‌ قوله‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌:

 «الثاني‌: أنّ الموجود المتهيّي‌ لان‌ ينعم‌ باللطف‌ الإلهي‌ّ، هو موجود ذو نفس‌ إلهيّة‌، علی‌ الرغم‌ من‌) أنّه‌ في‌ البدء، ومصداقاً للا´ية‌ الكريمة‌ عَلَّمَهُ و شَدِيدُ الْقُوَي‌' وجد بتأثير الفعل‌ الفعّال‌، ومن‌ موقع‌ القوّة‌، وأمدّته‌ من‌ موقع‌ التصوّرات‌ ورتبة‌ التعقّلات‌، ولكن‌، ما أن‌ يصل‌ إلی‌ حدود الفعليّة‌، وينعم‌ بنعمة‌ القرب‌ من‌ الحقّ تعإلی‌، حتّي‌ يعلو ويسمو إلی‌ مراتب‌ أعلي‌ من‌ ذلك‌. حيث‌ يقول‌ الملك‌ المقرّب‌ من‌ الله‌ في‌ هذا المقام‌: لَوْ دَنَوْتُ أَنْمُلَةً لاَحْتَرَقْتُ.

 ويتابع‌ قائلاً:

 «لذا، فقد أصبح‌ واضحاً بأنّ اللطف‌ الإلهـي‌ّ والخير المطلق‌، هو سبب‌ نشـأ كلّ الموجودات‌، وعلّة‌ وجودها، فلولا هذا اللطف‌ الإلهي‌ّ، ما لبـس‌ مخلوق‌ لباس‌ الوجود، وأنّ الحقّ تعإلی‌ بوجوده‌، عاشق‌ لوجود جميع‌ المعلولات‌، لانّ جميع‌ المعلـولات‌ كما أسـلفنا، انعكاس‌ لنـور لطفه‌، ولانّ عشق‌ العلّة‌ الاُولي‌، هو أطهر العشق‌، فيكون‌ مَن‌ فاز بلطفه‌ هو المعشوق‌ الحقيقي‌ّ، وهذا اللطف‌، هو مراد النفوس‌ المتأ لّهة‌، وهي‌ نفسها، معشوقات‌ العلّة‌ الاُولي‌، ونستشف‌ من‌ كلمات‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ ما يلي‌:

 قال‌ الله‌ تعإلی‌: أيّاً من‌ عبادي‌ كانت‌ له‌ الاوصاف‌ الفلانيّة‌، وعشقني‌، عشقته‌ أنا أيضاً، لانّ الحكمة‌ الإلهيّة‌ تقتضي‌ أن‌ لا يهمل‌ أو يعطّل‌ شي‌ء يحوي‌ جملة‌ فضائل‌، وهذه‌ الفضائل‌، متأصّلة‌ في‌ ذاته‌، وإن‌ لم‌ يصل‌ بفضيلته‌ إلی‌ حدّها الاقصي‌، وعليه‌، فالخير المطلق‌، بمقتضي‌ حكمته‌ الذاتيّة‌، هو عاشق‌؛ عاشق‌ لمن‌ لبس‌ الكمال‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ أقصي‌ الكمال‌... وَإذَا بَلَغْنا هَذَا المَبْلَغَ فَلْنَخْتِمِ الرِّسَالَةَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. [8]

الرجوع الی الفهرس

إثبات‌ صدر المتأ لّهين‌ سريان‌ العشق‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌

 وقد بسط‌ المرحوم‌ صدر المتأ لّهين‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ الزكيّة‌ الكلام‌ في‌ بحث‌ العشق‌ علی‌ نحو أعمق‌ وأجمل‌ ممّا فعل‌ الشيخ‌ الرئيس‌، حيث‌ برهن‌ تحت‌ عنوان‌: «الفَصْلُ 15: فِي‌ إثْبَاتِ أَنَّ جَمِيعَ المَوْجُودَاتِ عَاشِقَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مُشْتَاقَةٌ إلی‌ لِقائِهِ وَالوُصُولِ إلی‌ دَارِ كَرَامَتِهِ»، علی‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، قدّر لكلّ موجود من‌ الموجودات‌: العقليّة‌ والنفسيّة‌ والحسّيّة‌ والطبيعيّة‌، بصيصاً من‌ الكمال‌، ولاجل‌ بلوغ‌ هذا الكمال‌ والتحرّك‌ نحو إتمامه‌، ركّز فيهم‌ العشق‌ والشوق‌. أمّا العشق‌ بلا شوق‌، فهو من‌ اختصاص‌ المفارقات‌ العقليّة‌، التي‌ تمتلك‌ الفعليّة‌ في‌ جميع‌ جهاتها، وأمّا في‌ غير المفارقات‌ العقليّة‌ من‌ الموجودات‌ التي‌ تفتقر إلی‌ الكمال‌ ولكنّها تمتلك‌ القوّة‌ والاستعداد، فقد أودع‌ فيها العشق‌ والشوق‌ الإراديّينِ بمقدار، وهكذا العشق‌ والشوق‌ الطبيعيّين‌ بمقدار، بحسب‌ تفاوت‌ درجاتها في‌ كلّ من‌ هذين‌ الصنفين‌».

 ويتابع‌ الحديث‌، إلی‌ أن‌ يصل‌ في‌ كلامه‌ إلی‌:

 «وأنت‌ تعلم‌ أنّ إثبات‌ العشـق‌ في‌ شـي‌ء بدون‌ الحياة‌ والشـعور فيه‌ كان‌ مجرّد التسـمية‌، ونحن‌ قد بيّنا ـ في‌ السـفر الاوّل‌ في‌ مباحث‌ العلّة‌ والمعلول‌ عشـق‌ الهيـولي‌ إلی‌ الصـورة‌ بوجـه‌ قياسـي‌ّ حِكَمِي‌ّ لا مـزيد عليه‌.

 وقد مرّ أيضاً إثبات‌ الحياة‌ والشعور في‌ جميع‌ الموجودات‌ وهو العمدة‌ في‌ هذا الباب‌ ولم‌ يتيسّر للشيخ‌ الرئيس‌ تحقيقه‌، ولا لاحد ممّن‌ تأخّر عنه‌ إلی‌ يومنا هذا إلاّ لاهل‌ الكشف‌ من‌ الصوفيّة‌، فإنّه‌ لاح‌ لهم‌ ـ بضرب‌ من‌ الوجدان‌ وتتبّع‌ أنوار الكتاب‌ والسنّة‌ أنّ كلّ شي‌ءٍ حَي‌ٌّ وَنَاطِقٌ وَذَاكِرٌ لِلَّهِ، مُسَبِّحٌ سَاجِدٌ لَهُ كما نطق‌ به‌ القرآن‌ في‌ قوله‌:

 وَإِن‌ مِّن‌ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـ'كِن‌ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.[9]

 وقوله‌: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ.[10]

الرجوع الی الفهرس

ردّ صدر المتأ لّهين‌ علی‌ الشيخ‌ الرئيس‌ في‌ عشق‌ البسائط‌ غير الحيّة‌

 ونحن‌ بحمد الله‌ عرفنا ذلك‌ بالبرهان‌ والإيمان‌ جميعاً، وهذا أمر قد اختصّ بنا بفضل‌ الله‌ وحسن‌ توفيقه‌.

 فإنّ الذي‌ بلغ‌ إلیه‌ نظر «الشيخ‌» وهو من‌ أعظم‌ الفلاسفة‌ في‌ هذه‌ الدورة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إثبات‌ العشق‌ في‌ البسائط‌ غير الحيّة‌ ما ذكره‌ في‌ تلك‌ الرسالة‌ بقوله‌: «إنّ البسائط‌ غير الحيّة‌ ثلاثة‌: أحدها الهيولي‌ الحقيقيّة‌، والثاني‌ الصورة‌ التي‌ لا يمكن‌ لها القوام‌ بانفراد ذاتها، الثالث‌ الاعراض‌».[11]

 وهنا يذكر صدر المتأ لّهين‌ نصّ عبارة‌ الشيخ‌، وهي‌ تقع‌ في‌ صفحة‌ ونصف‌ الصفحة‌ تقريباً، مستنتجاً بأنّ الشيخ‌ قد عبّر عن‌ تلازم‌ الهيولي‌ والصورة‌ بالعشق‌، ثمّ يقول‌: «إنّ كلّ واحد من‌ البسائط‌ غير الحيّة‌ قرين‌ عشق‌ غريزي‌ّ، فإذاً الذي‌ ذكره‌ الشيخ‌ ليس‌ بشي‌ء.

 ونحن‌ نثبت‌ وجود العشق‌ في‌ الموجودات‌ غير الحيّة‌، عن‌ طريق‌ إثبات‌ وجود الحياة‌ والشعور لديها، وما ذكره‌ الشيخ‌، هو في‌ غاية‌ الضعف‌، حيث‌ إنّه‌ لا يخفي‌ علی‌ أي‌ّ ذكي‌ّ بأنّ قوله‌ في‌ إثبات‌ معني‌ العشق‌ في‌ هذه‌ الموجودات‌ لم‌ يتحقّق‌ إلاّ اللهمّ بطريق‌ التشبيه‌».[12]

 ويتابع‌ صاحب‌ «الاسفار الاربعة‌» الكلام‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ هذا المقطع‌:

 الفَصْلُ 16: فِي‌ بَياَنِ طَرِيقٍ آخَرَ فِي‌ سَرَيَانِ مَعْنَي‌ العِشْقِ فِي‌ كُلِّ الاَشْيَاءِ [13].

 وبعد إتمام‌ هذا البحث‌، يصل‌ إلی‌:

 الفَصْلُ 17: فِي‌ بَيَانِ أَنَّ المَعْشُوقَ الحَقِيقِي‌َّ لِجَمِيعِ المَوْجُودَاتِ وَإنْ كَانَ شَيْئاً وَاحِداً فِي‌ المَآلِ وَهُوَ نَيْلُ الخَيْرِ المُطْلَقِ وَالجَمَالِ الاَكْمَلِ، إلاَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْنَافِ المَوْجُودَاتِ مَعْشوقاً خَاصَّاً قَرِيباً يَتَوَسَّلُ بِعِشْقِهِ إلی‌ ذَلِكَ المَعْشُوقِ العَامِّ.[14]

 في‌ هذا البحث‌ أيضاً، يقوم‌ صدر المتأ لّهين‌ ببسط‌ القول‌ وتقديم‌ بيانٍ شافٍ ومفصّل‌، وبعد بيان‌ الفصل‌ (18)، يصل‌ بالموضوع‌ إلی‌:

 الفَصْلُ 19: فِي‌ ذِكْرِ عِشْقِ الظُّرَفَاءِ وَالفِتْيَانِ لِلاَوْجُهِ الحِسَانِ، حيث‌ مبتغانا في‌ بيان‌ العشق‌ العامّ في‌ الموجودات‌ للذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعإلی‌، هذه‌ الفقرة‌ من‌ هذا العشق‌ للذات‌ القدسيّة‌ للباري‌ جلّ وعلا سبحانه‌ وتعإلی‌ شأنه‌.

 وبعد سرد تعريفات‌ مختلفة‌ للعشق‌، يقوم‌ صدر المتأ لّهين‌ بالبرهنة‌ علی‌ أنّ العشق‌ ليس‌ عشقاً للجسم‌ أو الصورة‌ أو للشكل‌ أو الشمائل‌، بل‌ هو عشق‌ للنفس‌ وحدها، ولا يمكن‌ أن‌ يكون‌ مراد العشق‌ مادّة‌ أو أمراً مادّيّاً محسوساً. بل‌ المراد، هو أمر معنوي‌ّ وحسب‌، ولهذا فإنّ العاشق‌ حتّي‌ وإن‌ أدرك‌ جسم‌ المعشوق‌، أو وجهه‌، أو كلّ أعضائه‌، فإنّ عشقه‌ لن‌ يسكن‌ ولن‌ يهدأ إلاّ بعد أن‌ تتّصل‌ روحه‌ بروح‌ المعشوق‌، وتذوب‌ وتتلاشي‌ فيها.

 قال‌: «ومنهم‌ من‌ قال‌ أنّ العشق‌ هو إفراط‌ الشوق‌ إلی‌ الاتّحاد، وهذا القول‌ وإن‌ كان‌ حسناً إلاّ) أنّه‌ كلام‌ مجمل‌ يحتاج‌ إلی‌ تفصيل‌، لانّ هذا الاتّحاد من‌ أي‌ّ ضروب‌ الاتّحاد، فإنّ الاتّحاد قد يكون‌ بين‌ الجسمَينِ، وذلك‌ بالامتزاج‌ والاختلاط‌، وليس‌ ذلك‌ يتصوّر في‌ حقّ النفوس‌، ثمّ لو فرض‌ وقوع‌ الاتّصال‌ بين‌ بدنَي‌ العاشق‌ والمعشوق‌ في‌ حالة‌ الغفلة‌ والذهول‌[15] أو النوم‌ فعُلِم‌ يقيناً أنّ بذلك‌ لم‌ يحصل‌ المقصود، لانّ العشق‌ كما مرّ من‌ صفات‌ النفوس‌ لا من‌ صفات‌ الاجرام‌ السماويّة‌، بل‌ الذي‌ يتصوّر ويصحّ من‌ معني‌ الاتّحاد هو الذي‌ بيّناه‌ ـ في‌ مباحث‌ العقل‌ والمعقول‌ من‌ اتّحاد النفس‌ العاقلة‌ بصورة‌ العقل‌ بالفعل‌ واتّحاد النفس‌ الحسّاسة‌ بصورة‌ المحسوس‌ بالفعل‌.

 فعلي‌ هذا المعني‌ يصحّ صيرورة‌ النفس‌ العاشقة‌ لشخص‌ متّحدة‌ بصورة‌ معشوقها وذلك‌ بعد تكرّر المشاهدات‌ [16] وتوارد الانظار وشدّة‌ الفكر والذِّكر في‌ أشكاله‌ وشمائله‌ حتّي‌ يصير متمثّلاً صورته‌ حاضرة‌ متدرّعة‌ في‌ ذات‌ العاشق‌. وهذا ممّا أوضحنا سبيله‌ وحقّقنا طريقه‌ بحيث‌ لم‌ يبق‌ لاحد من‌ الازكياء مجال‌ الإنكار فيه‌.

 وقد وقع‌ في‌ حكايات‌ العشّاق‌ ما يدلّ علی‌ ذلك‌، كما روي‌ أنّ مجنون‌ العامري‌ّ كان‌ في‌ بعض‌ الاحايين‌ مستغرقاً في‌ العشق‌ بحيث‌ جاءت‌ حبيبته‌ ونادته‌: يَا مَجْنونُ ! أَنَا لَيْلَي‌. فما التفت‌ إلیها، وقال‌:

 لِي‌ عَنْكِ غِنيً بِعِشْقِكِ ! [17]

 فإنّ العشق‌ بالحقيقة‌ هو الصورة‌ الحاصلة‌، وهي‌ المعشوقة‌ بالذات‌ لا الامر الخارجي‌ّ وهو ذو الصورة‌ إلاّ بالعرض‌، كما أنّ المعلوم‌ بالذات‌ هو نفس‌ الصورة‌ العلميّة‌ لا ما خرج‌ عن‌ التصوّر.

 وإذا تبيّن‌ وصحّ اتّحاد العاقل‌ بصورة‌ المعقول‌ واتّحاد الجوهر الحاسّ بصورة‌ المحسوس‌ ـ كلّ ذلك‌ عند الاستحضار الشديد والمشاهدة‌ القويّة‌ كما سبق‌ فقد صحّ اتّحاد نفس‌ العاشق‌ بصورة‌ معشوقه‌ بحيث‌ لم‌ يفتقر بعد ذلك‌ إلی‌ حضور جسمه‌ والاستفادة‌ من‌ شخصه‌، كما قال‌ الشاعر:

 أَنَا مَنْ أَهْوَي‌ وَمَنْ أَهْوَي‌ أَنَا نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا

 فَإذَا أَبْصَرْتَنِي‌ أَبْصَرْتَهُ وَإذَا أَبْصَرْتَهُ أَبْصَرْتَنَا [18]

الرجوع الی الفهرس

استحالة‌ الاتّصال‌ الحقيقي‌ّ بين‌ جسمين‌، ووجود العشق‌ بين‌ جسمين‌

 ثمّ لا يخفي‌ أنّ الاتّحاد بين‌ الشيئين‌ لا يتصوّر إلاّ كما حقّقنا، وذلك‌ من‌ خاصّيّة‌ الاُمور الروحانيّة‌ والاحوال‌ النفسانيّة‌. وأمّا الاجسام‌ والجسمانيّات‌ فلا يمكن‌ فيها الاتّحاد بوجه‌، بل‌ المجاورة‌ والممازجة‌ والمماسّة‌ لا غير، بل‌ التحقيق‌ أن‌ لا يوجد وصال‌ في‌ هذا العالم‌ ولا تصل‌ ذات‌ إلی‌ ذات‌ في‌ هذه‌ النشأة‌ أبداً وذلك‌ من‌ جهتين‌:

 الجهة‌ الاُولي‌: أنّ الجسم‌ الواحد المتّصل‌ إذا حقّق‌ أمره‌ عُلِمَ) أنّه‌ مشوب‌ بالغيبة‌ والفقد، لانّ كلّ جزء منه‌ مفقود عن‌ صاحبه‌ مفارق‌ عنه‌، فهذا الاتّصال‌ بين‌ أجزائه‌ عين‌ الانفصال‌، إلاّ) أنّه‌ لمّا لم‌ يدخل‌ بين‌ تلك‌ الاجزاء جسم‌ مبائن‌ ولا فضاء خال‌ ولا حدث‌ سطح‌ في‌ خلالها، قيل‌ إنّها متّصلة‌ واحدة‌ وليس‌ وحدتها وحدة‌ خالصة‌ عن‌ الكثرة‌، فإذا كان‌ حال‌ الجسم‌ في‌ حدّ ذاته‌ كذلك‌ من‌ عدم‌ الحضور والوحدة‌، فكيف‌ يتّحد له‌ شي‌ء آخر أو يقع‌ الوصال‌ بينه‌ وبين‌ شي‌ء.

 الجهة‌ الثانية‌:) أنّه‌ مع‌ قطع‌ النظر ـ كما ذكرنا لا يمكن‌ الوصلة‌ بين‌ الجسمين‌ إلاّ بنحو تلاقي‌ السطحين‌ منهما، والسطح‌ خارج‌ عن‌ حقيقة‌ الجسم‌ وذاته‌، فإذاً لا يمكن‌ وصول‌ شي‌ء من‌ المحبّ إلی‌ ذات‌ الجسم‌ الذي‌ للمعشوق‌، لانّ ذلك‌ الشي‌ء إمّا نفسه‌ أو جسمه‌ أوعرض‌ من‌ عوارض‌ نفسه‌ أو بدنه‌، والثالث‌ محال‌ لاستحالة‌ انتقال‌ العرض‌، وكذا الثاني‌ لاستحالة‌ التداخل‌ بين‌ الجسمين‌. والتلاقي‌ بالاطراف‌ والنهايات‌ لا يشفي‌ عليلاً طالب‌ الوصال‌، ولا يروي‌ غليله‌.

 وأمّا الاوّل‌ فهو أيضاً محال‌، لانّ نفساً من‌ النفوس‌ لو فرض‌ اتّصالها في‌ ذاتها ببدن‌ لكانت‌ نفساً لها، فيلزم‌ حينئذٍ أن‌ يصير بدن‌ واحد ذا نفسين‌ وهو ممتنع‌.

 ولاجل‌ ذلك‌ أنّ العاشق‌ إذا اتّفق‌ له‌ ما كانت‌ غاية‌ متمنّاه‌، وهو الدنوّ من‌ معشوقه‌ والحضور في‌ مجلس‌ صحبته‌ معه‌، فإذا حصل‌ له‌ هذا المتمنّي‌ يدعي‌ فوق‌ ذلك‌، وهو تمنّي‌ الخلوة‌ والمجالسة‌ معه‌ من‌ غير حضور أحد، فإذا سهل‌ ذلك‌ وخلي‌ المجلس‌ عن‌ الاغيار تمنّي‌ المعانقة‌ والتقبيل‌، فإن‌ تيسّر ذلك‌ تمنّي‌ الدخول‌ في‌ لحاف‌ واحد والالتزام‌ بجميع‌ الجوارح‌ أكثر ما ينبغي‌. ومع‌ ذلك‌ كله‌ الشوق‌؛ بحاله‌، وحرقة‌ النفس‌ كما كانت‌، بل‌ ازداد الشوق‌ والاضطراب‌ كما قال‌ قائلهم‌:

 أُعَانِقُهَا وَالنَّفْسُ بَعْدُ مَشوقَةٌ                  إلیهَا وَهَلْ بَعْدَ العِنَاقِ تَدَاني‌

 وَأَلْثَمُ فَاهَا كَي‌ْ تَزُولَ حَرَارَتِي                 ‌ فَيَزْدَادُ مَا أَلْقَي‌ مِنَ الهَيَجانِ

 كَأَنَّ فُوَادِي‌ لَيْسَ يُشْفَي‌ غَلِيلُهُ                سِوَي‌ أَنْ يُرَي‌ الرُّوحَانِ يَتَّحِدَانِ

 والسبب‌ اللمّي‌ّ في‌ ذلك‌ أنّ المحبوب‌ في‌ الحقيقة‌ ليس‌ هو العظم‌ ولا اللحم‌ ولا شي‌ء من‌ البدن‌، بل‌ ولا يوجد في‌ عالم‌ الاجسام‌ ما تشتاقه‌ النفس‌ وتهواه‌، بل‌ صورة‌ روحانيّة‌ موجودة‌ في‌ غير هذا العالم‌».[19]

 نعم‌، هذه‌ المسائل‌ ذكرت‌، لنتبيّن‌ عظمة‌ الروح‌ والنفس‌ الإنسانيّة‌، وإنّ كلّ ما هو موجود فهو منه‌، وإلیه‌ ينتهي‌ كلّ مقام‌ ورتبة‌. فالبدن‌ جسد مسخّر لتنفيذ أوامر ونواهي‌ النفس‌ ليس‌ إلاّ.

الرجوع الی الفهرس

ليس‌ في‌ عالم‌ الاجسام‌ شي‌ء تشتاق‌ إلیه‌ النفس‌

 إنّ العشق‌ يولّد روحاً، والعاشق‌ يتحوّل‌ إلی‌ روح‌ للمعشوق‌ الحقيقي‌ّ، والمصدر الاوّل‌، المجرّد المنزّه‌، والصرف‌ الخالص‌. وللروح‌ قوّة‌ هيوليّة‌، وقابليّة‌ بسيطة‌ غير متناهية‌، ليحظي‌ بشرف‌ لقاء الله‌ ونعمة‌ التكلّم‌ إلیه‌، فيصبح‌ عندها كليم‌ الله‌.

 إنّ علی‌ الإنسان‌ أن‌ يعرف‌ قدر نفسه‌، وأن‌ لا يحكم‌ علی‌ هذه‌ الجوهرة‌ النفيسة‌ أن‌ تكون‌ أسيرة‌ البدن‌ ورغباته‌ وشهواته‌ المادّيّة‌، ولا يحبس‌ القوّة‌ الناطقة‌ في‌ حدود القوّة‌ الحيوانيّة‌ والبهيميّة‌، ولا يبدّل‌ عشقه‌ للاوجه‌ الحسان‌ في‌ عالم‌ التجرّد، بعشقه‌ للاشقياء والعاصين‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌، فتكون‌ عاقبته‌ الخسران‌ العظيم‌.

 يقول‌ صدر المتأ لّهين‌، في‌ بحث‌ العظمة‌ والتجرّد والنورانيّة‌:

 «اعلم‌ أنّ هذه‌ المسألة‌ دقيقة‌ المسلك‌ بعيدة‌ الغور ولذلك‌ وقع‌ الاختلاف‌ بين‌ الفلاسفة‌ السابقين‌ في‌ بابها، ووجه‌ ذلك‌ إنّ النفس‌ الإنسانيّة‌ ليس‌ لها مقام‌ معلوم‌ في‌ الهويّة‌، ولا لها درجة‌ معيّنة‌ في‌ الوجود كسائر الموجودات‌ الطبيعيّة‌ والنفسيّة‌ والعقليّة‌ التي‌ كلٌّ له‌ مقام‌ معلوم‌، بل‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ ذات‌ مقامات‌ ودرجات‌ متفاوتة‌، ولها نشآت‌ سابقة‌ ولاحقة‌، ولها في‌ كلّ مقام‌ وعالم‌ صورة‌ أُخري‌، كما قيل‌ في‌ البيت‌ الشعري‌ّ التإلی‌:

 لَقَدْ صَارَ قَلْبِي‌ قَابِلاً كُلَّ صُورَةٍ                 فَمَرْعيً لِغَزْلاَنٍ وَدَيْراً لِرُهْبانِ [20]

الرجوع الی الفهرس

تجرّد النفس‌ يستدعي‌ بقاءها وفناءها في‌ ذات‌ الله‌ تعإلی‌

 وما هذا شأنه‌ صعب‌ إدراك‌ حقيقته‌ وعسر فهم‌ هويّته‌، والذي‌ أدركه‌ القوم‌ من‌ حقيقة‌ النفس‌ ليس‌ إلاّ ما لزم‌ وجودها من‌ جهة‌ البدن‌ وعوارضه‌ الإدراكيّة‌ والتحريكيّة‌، ولم‌ يتفطّنوا من‌ أحوالها إلاّ من‌ جهة‌ ما يلحقها من‌ الإدراك‌ والتحريك‌، وهذان‌ الامران‌ ممّا اشترك‌ فيهما جميع‌ الحيوانات‌.

 وأمّا ما أدرك‌ منها أزيد من‌ ذلك‌ وهو تجرّدها وبقاؤها بعد انقطاع‌ تصرّفها عن‌ هذا البدن‌ فإنّما عُرِفَ ذلك‌ من‌ كونها محلّ العلوم‌، وأنّ العلم‌ لا ينقسم‌ ومحلّ غير المنقسم‌ غير منقسم‌، فالنفس‌ بسيطة‌ الذات‌، وكلّ بسيطة‌ الذات‌ غير قابل‌ للفناء وإلاّ لزم‌ تركّبه‌ من‌ قوّة‌ الوجود والعدم‌ وفعليّة‌ الوجود والعدم‌ هذا خلف‌.

 هذا غاية‌ عرفانهم‌ بالنفس‌ أو ما يقرب‌ من‌ هذا. ومن‌ ظنّ) أنّه‌ بهذا القدر عرف‌ حقيقة‌ النفس‌ فقد استسمن‌ ذا ورم‌»[21].

 وهنا يجهد صاحب‌ «الاسفار» بطرق‌ مختلفة‌ في‌ تعريف‌ النفس‌ وبيانها، وبما أ نّنا لسنا بصدد إثبات‌ تجرّد النفس‌، فسنعزف‌ عن‌ ذكره‌ هنا.

 وعلي‌ العموم‌، يجب‌ تطهير العين‌ من‌ النظر لغير ليلي‌، وغسل‌ الاُذن‌ من‌ الاستماع‌، إلاّ لصوتها، حتّي‌ تأذن‌ بالنظر إلی‌ طلعتها، والإنصات‌ لحديثها.

 إلهي‌، ما العمل‌؟ وما الحيلة‌؟ وإجمالاً، هل‌ من‌ بارقة‌ أمل‌، أم‌ علينا أن‌ نلقي‌ بأنفسنا في‌ أحضان‌ إلیأس‌؟

 لقد قالت‌ نساء الحي‌ّ من‌ قبيلة‌ ليلي‌: اذهبْ وطهّر عينيك‌ وأُذنيك‌. تطهير العين‌ هو بالبكاء علی‌ فراق‌ المحبوب‌ الازلي‌ّ في‌ الليإلی‌ الحالكة‌؛ وتطهير الاُذن‌ بغلقها عن‌ سماع‌ حديث‌ السوء الذي‌ يغضب‌ المعشوق‌؛ تطهير العين‌ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يُحِلُّ اللَهُ النَّظَرَ إلیهِ وتطهير الاُذن‌ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يُحِلُّ اللَهُ الاسْتِمَاعَ إلیهِ.

 إلیس‌ قد ورد في‌ الروايات‌ أن‌ الله‌ العلي‌ّ القدير يحبّ العين‌ الباكية‌ من‌ بين‌ سائر العيون‌؟ وأنّ كلّ عين‌ يوم‌ القيامة‌ ستبكي‌، إلاّ التي‌ سهرت‌ الليإلی‌ باكية‌ من‌ خوف‌ الله‌.

 ولكن‌ لِمَ هذا البكاء؟ هذا البكاء للنظرات‌ التي‌ كانت‌ لغير الله‌، وهو غُسل‌ لدَنَس‌ وأوساخ‌ البصر والبصيرة‌؛ لانّ النظر إلی‌ ليلي‌ بدون‌ هذا الغسل‌ والتطهير غير ممكن‌. فالتطهير ـ إذاً هو طريق‌ وسبيل‌ يوصل‌ إلی‌ الهدف‌، وبعد طي‌ هذه‌ الطريق‌، يسمو الإنسان‌ أعلي‌ وأعلي‌ حتّي‌ يتعرّف‌ إلی‌ الله‌، وهناك‌ حيث‌ لا أحد غير الله‌. فكل‌ المراحل‌ قد طويت‌، وهذا المسكين‌ قد بكي‌ حتّي‌ طهر ناظِرَيه‌، ونساء الحي‌ّ قد كففن‌ عن‌ ملامته‌، ويمضي‌ ويمضي‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ ليلي‌ إذ لَم‌ يَعُد عشقه‌ مجازيّاً ولا مادّيّاً، كما لم‌ تعد ليلي‌ بدناً، بل‌ هي‌ روح‌ ونفس‌ مجرّدة‌؛ وفي‌ هذه‌ الحال‌ إذا أمست‌ في‌ المشرق‌ وقيس‌ في‌ المغرب‌، فهناك‌ ارتباط‌ بينهما. فهو يعيش‌ صحوها ونومها، ومرضها وعافيتها.

 كان‌ كثير من‌ أصحاب‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وأصحاب‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ علی‌ هذه‌ الحال‌. هكذا كان‌ أُوَيس‌ إلیماني‌ّ القرني‌ّ وكانوا يحسّون‌ بالوجدان‌ نوايا أسيادهم‌ وقادتهم‌، وكانت‌ ضمائرهم‌ تُدرك‌ الصالح‌ والفاسد في‌ الاُمور علی‌ خطي‌ ضمائر أسيادهم‌ وموإلیهم‌. فهذا أُويس‌ يكسر له‌ ضرس‌ في‌ إلیمن‌، في‌ نفس‌ إلیوم‌ وفي‌ نفس‌ الساعة‌ التي‌ كُسِرَ فيها ضرس‌ النبي‌ّ في‌ يوم‌ أُحد.

 قيل‌ لمّا فُصِدَ قيس‌، تعإلی‌ صياحه‌، وفسّر ذلك‌ بأ نّه‌ يخاف‌ علی‌ ليلي‌ من‌ الالم‌، وخشي‌َ أن‌ ـ حين‌ فَصدوا يَده‌ قد فصدوا يدها وهي‌ في‌ ديارها.

 گفت‌ مجنون‌ من‌ نمي‌ترسم‌ ز نيش             ‌ صبر من‌ از كوه‌ سنگين‌ است‌ بيش‌

 منبلم‌ بي‌ زخم‌ ناسايد تنم‌                        عاشقم‌ بر زخمها بر مي‌تنم‌ [22]

 ليك‌ از ليلي‌ وجود من‌ پُر است‌                    اين‌ صدف‌ پر از صفات‌ آن‌ دُر است‌

 ترسم‌ اي‌ فصّاد اگر فصدم‌ كني‌                    نيش‌ را ناگاه‌ بر ليلي‌ زني‌

 داند آن‌ عقلي‌ كه‌ او دل‌ روشني‌ است                      ‌ در ميان‌ ليلي‌ و من‌ فرق‌ نيست‌

 من‌ كيم‌ ليليّ و ليلي‌ كيست‌ من                ‌ ما يكي‌ روحيم‌ اندر دو بدن‌ [23]

الرجوع الی الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 20، ص‌ 360.

[2] ـ العشق‌، بمعني‌ الإفراط‌ في‌ الحبّ، واللفظة‌ مأخوذة‌ من‌ كلمة‌ عَشَقَة‌، نباتٌ يلتوي‌ علی‌ شجرة‌ العنب‌ ويلزمها فيمتصّ عصارتها وتذبل‌ نتيجة‌ ذلك‌. وهذا النبات‌ الذي‌ يدعي‌ كذلك‌ اللَّبْلاَبِ أو السِّريشْلَة‌ لا يمتلك‌ حَبّاً حتّي‌ ينبت‌ علی‌ الارض‌، بل‌ ينمو لوحده‌ تلقائيّاً في‌ مزارع‌ العنب‌، ويلتصق‌ جذره‌ وساقه‌ بشجرة‌ العنب‌. ولو فُصِلَ من‌ هذا النبات‌ جزء وتمكّن‌ من‌ الوصول‌ إلی‌ شجرة‌ عنب‌ أُخري‌ التصق‌ بها علی‌ الفور ونما سريعاً ويعمل‌ علی‌ إتلاف‌ الشجرة‌ فتذبل‌ وتتيبّس‌. وقيل‌ إنّه‌ يكفي‌ زرع‌ حَبّة‌ واحدة‌ من‌ هذا النبات‌ في‌ مزرعة‌ عنب‌ لإتلافها جميعاً، فهو ينمو بسرعة‌ ويعمل‌ علی‌ تيبيس‌ الشجرة‌. فحقّ إذاً للمزارعين‌ أن‌ يخافوا نموّ هذا النبات‌ ويسارعوا إلی‌ استئصاله‌ فور اكتشافهم‌ له‌ في‌ مزارع‌ العنب‌، ثمّ يعمدون‌ إلی‌ حرقه‌ لمنع‌ تواجد أي‌ّ أثر له‌ علی‌ الارض‌ تماماً.

[3] ـ قال‌ العرفاء عن‌ الماهيّة‌ بأ نّها العين‌ الثابتة‌، وكذلك‌ سمّوها بالتعيّن‌؛ وورد ذكرها في‌ الروايات‌ باسم‌ الطينة‌.

[4] ـ ظُرَفَاء جَمْعُ ظَرِيف‌. ظَرُفَ ـ ظَرْفاً وظَرافَةً: كَانَ كَيِّساً حَسَنَ الهَيْئة‌، كَانَ ذَكِيَّاً بَارِعاً، فَهُوَ ظَرِيفٌ؛ ج‌: ظُرَفَاء وَظِرَاف‌ وَظُرُف‌ وَظُرُوف‌ وَظَرِيفُونَ.

 و فِتْيَان‌ جَمْعُ فَتَي‌، وَهُوَ الشَّابُّ الحَدَث‌، السَّخِي‌ُّ الكَرِيم‌؛ ج‌: فِتْيَان‌ وَفِتْيَة‌ وَفِتْوَة‌ وفُتُوّ وفُتِي‌ّ وفِتِي‌ّ

[5] ـ جاء في‌ «مكاتيب‌ الرسول‌» ج‌ 2، ص‌ 614، نقلاً عن‌ «كنز العمال‌»: كِتابُهُ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلی‌ عُمَّالِهِ: إذَا أَبْرَدْتُمْ إلی‌َّ بَرِيداً فَأَبْرِدُوهُ فَابْعَثوهُ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ

[6] يقول‌ الملاّ الرومي‌ّ («المثنوي‌» ج‌ 1، ص‌ 7، طبعة‌ ميرخاني‌) عن‌ الحبّ المذموم‌ ما معناه‌:

 عشقهائي‌ كز پي‌ رنگي‌ بود                       عشق‌ نبود عاقبت‌ ننگي‌ بود

 يقول‌: «إن‌ يكن‌ حبّاً كثير التلوّن‌؛ فذاك‌ الحبّ شؤماً ليس‌ حبّا».

 وحول‌ الحبّ الممدوح‌ قال‌:

 عشقِ آن‌ زنده‌ گزين‌ كو باقي‌ است                            ‌ وز شراب‌ جانفزايت‌ ساقي‌ است‌

 عشق‌ آن‌ بگزين‌ كه‌ جمله‌ انبياء                  يافتند از عشق‌ وي‌ كار و كيا

 تو مگو ما را بدان‌ شه‌ بار نيست‌                                 با كريمان‌ كارها دشوار نيست‌

 يقول‌: «ابحثْ عن‌ عشق‌ ذلك‌ الحي‌ّ الذي‌ هو باقٍ علی‌ الدوام‌، وهو الذي‌ يسقيك‌ شراب‌ الروح‌.

 اطلبْ عشق‌ ذلك‌ الذي‌ نال‌ به‌ جميع‌ الانبياء مرادهم‌ ومطلبهم‌.

 ولا تقلْ: أين‌ نحن‌ من‌ ذلك‌ السلطان‌؟ فليس‌ التعامل‌ مع‌ الكرماء صعباً أو مستحيلاً».

[7]. ـ ذكر معلّق‌ ومترجم‌ الرسالة‌ في‌ هذا الخصوص‌: «يصنّف‌ الاُدباء وأهل‌ الذوق‌ المحبّة‌ إلی‌ مراتب‌ هي‌:

 المرتبة‌ الاُولي‌ مرتبة‌ الهَوَي‌؛ الثانية‌ مرتبة‌ العلاقة‌؛ ثمّ مرتبة‌ الكَلَف‌؛ ثمّ مرتبة‌ العِشق‌؛ ثمّ مرتبة‌ الشَّـعَف‌ (بالعين‌ المهملة‌)؛ ثمّ مـرتبة‌ الشَّـغَف‌ (بالغين‌ المعجمة‌)؛ ثمّ مرتبة‌ الجَوَي‌؛ ثمّ مرتبة‌ التَّيْم‌؛ ثمّ مرتبة‌ التَّبْل‌ (بفتح‌ التاء وسكون‌ الباء)؛ ثمّ مرتبة‌ التَّدْلِيَة‌؛ ثمّ مرتبة‌ الهُيوم‌، وهي‌ آخـر المراتب‌ التي‌ يمكن‌ للعاشـق‌ الفاني‌ في‌ معشـوقه‌ أن‌ يصـل‌ إلیها، وفي‌ هـذه‌ المرتبة‌ ينشد الشاعر قائلاً:

 در هــر چــه‌ نـظــر كــردم‌                            ســـيـمـاي‌ تـو مـي‌بـيـنـم‌

 يقول‌: «فما نظرت‌ إلی‌ شي‌ءٍ من‌ حولي‌؛ إلاّ وفي‌ ذاك‌ الشي‌ء رسمك‌».

 أو كما قال‌ بايزيد: لَيسَ فِي‌ جُبَّتِي‌ إلاَّ اللَهُ.

 وقال‌ أمير المؤمنين‌ علی‌ عليه‌ السلام‌: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً إلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُ اللَهَ فِيهِ أَوْ مَعَهُ.

[8] ـ قامت‌ منشورات‌ بيدار بطبع‌ «رسالة‌ عشق‌» (= رسالة‌ العشق‌) مع‌ اثنتين‌ وعشرين‌ رسالة‌ أُخري‌ في‌ بلدة‌ قم‌ الطيّبة‌ تحت‌ عنوان‌ «رسائل‌ الشيخ‌ الرئيس‌ أبي‌ علی‌ الحسين‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ سينا» (ج‌ 1)، وقد احتلّت‌ «رسالة‌ عشق‌» الصفحات‌ 373 إلی‌ 397. وقام‌ الخطيب‌ الشهير السيّد ضياء الدين‌ الدرّي‌ّ بترجمتها مع‌ ثلاث‌ رسائل‌ أُخري‌ للشيخ‌ باسم‌ «الفوائد الدرّيّة‌»، وتولّت‌ المكتبة‌ المركزيّة‌ طبعها سنة‌ 1939 م‌، وبلغ‌ مجموع‌ الصفحات‌ التي‌ استوعبتها «رسالة‌ عشق‌» من‌ هذه‌ الطبعة‌ الثلاثين‌.

[9] ـ مقطع‌ من الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[10] ـ صدر الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[11] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 7، ص‌ 152 إلی‌ 154.

[12] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 7، ص‌ 148 إلی‌ 155.

[13] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 7، ص‌ 158 و 160.

[14] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 7، ص‌ 160.

[15] ـ قال‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ، إنّما قيّد به‌ إذ في‌ حالة‌ انفكاك‌ الاتّصال‌ الجسماني‌ّ عن‌ الاتّصال‌ الروحاني‌ّ ينكشف‌ جليّة‌ الحال‌ من‌) أنّه‌ أيّهما المقصود.

[16] ـ قال‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ: يعني‌ أنّ الاتّحاد، وإن‌ حصل‌ بمشاهدة‌ مرّة‌، إلاّ) أنّه‌ يستدعي‌ مَلَكة‌ الاتّحاد، لا نّه‌ أثر هذه‌ الصور علی‌ جميع‌ مدركاته‌.

[17] ـ قال‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد روحي‌ فداه‌: إنّ مجنون‌ ليلي‌ كان‌ يقول‌ لليلي‌: دَعِي‌ نَفْسَكِ عَنِّي‌ ! فَإنَّ فِيكِ غِنيً عَنْكِ !

[18] ـ قال‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ في‌ تعليقه‌ علی‌ هذا البيت‌ ما معناه‌:

 «قد يتوهّم‌ البعض‌ من‌) أنّه‌ كان‌ من‌ الافضل‌ أن‌ يقال‌ نحن‌ روح‌ واحد حلّ بدنَيْن‌، والجواب‌ هو أنّ الشاعر أراد: أ نّنا في‌ الحقيقة‌ شخصان‌ من‌ حيث‌ إنّنا متّحدان‌، فلو تحقّق‌ وجود أحد البدنَينِ تحقّق‌ وجود الثاني‌ كذلك‌، فلا تتوهّموا وتقولوا إنّ روحي‌ فقط‌ هي‌ التي‌ حلّتْ في‌ بدني‌، بل‌ إنّ روحه‌ أيضاً حلّتْ فيه‌، ذلك‌ أنّ روحي‌ هي‌ روحه‌. وكذا الحال‌ مع‌ بدنه‌ وروحه‌ هو » انتهي‌ كلام‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ).

 وجاء في‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌» ج‌ 2، ص‌ 26 و 27، طبعة‌ الدار الإسلاميّة‌:

 «قال‌ الجُنيد: المحبّةُ دخولُ صفاتِ المُحَبِّ علی‌ البدنِ من‌ المُحِبِّ. ويتبيّن‌ سرّ «فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَبَصَراً» من‌ حقيقة‌ البيتَينِ المذكورَينِ:

 أنا من‌ أهـوَي‌ ومـن‌ أهـوَي‌ أنا                    نحـن‌ روحـان‌ حـلـلـنـا بـدنـا

 فـإذا أبصـرتَـنـي‌ أبصـرتَـه‌                     وإذا أبـصــرتَـه‌ أبـصــرتَـنـا

 إلاّ) أنّه‌ ليس‌ للمحبّة‌ ثمّة‌ سبب‌ واضح‌.

 إنّ المـحـبَّـةَ أمـرُهـا عـجـبٌ                       تُلـقَـي‌ علـيـك‌ ومـا لها سـببٌ

[19] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 7، ص‌ 171 إلی‌ 179.

[20] ـ قال‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ في‌ تعليقه‌ علی‌ هذا البيت‌ ما يلي‌:

 «يعني‌ بسبب‌ اللطافة‌ والبساطة‌ في‌ ألوانه‌ صار قابلاً للتحوّل‌ إلی‌ كلّ صورة‌؛ سواء كانت‌ من‌ جنس‌ تلك‌ الصور المترتّبة‌ والطوليّة‌ الحاصلة‌ له‌ بواسطة‌ الحركة‌ الجوهريّة‌ والعرضيّة‌، أم‌ من‌ الصور الذهنيّة‌ غير المترتّبة‌ بالترتيب‌ الطبيعي‌ّ المعهود لها.

 وبناءً علی‌ هذا فإنّ مَرْعيً لِغِزْلاَنِ هو باعتبار النشأة‌ الحيوانيّة‌ السابقة‌، وَدَيْراً لِرُهْبانِ باعتبار النشأة‌ العقليّة‌ اللاحقة‌. أو أنّ خياله‌ كان‌ في‌ السابق‌ مصروفاً إلی‌ أمتعة‌ الدنيا من‌ أنعام‌ وزرع‌ وغيرهما، ثمّ كان‌ قد تذكّر الله‌ تعإلی‌ بعد ذلك‌ والملائكة‌ المقرّبين‌ والاطهار المنتجبين‌ لساحته‌ تعإلی‌.

 وأمّا التعبير بالغزال‌ وذلك‌ من‌ جهة‌ توحّشه‌، فهو إشارة‌ إلی‌ أنّ شهواته‌ تشبه‌ الحيوانات‌ الوحشيّة‌ غير المعلَّمة‌ طالما أ نّها لم‌ تكبح‌، إلاّ) أنّه‌ يمكن‌ لقلب‌ الإنسان‌ أن‌ يكون‌ مرعي‌ للحيوانات‌ الإنسيّة‌ بكونها مسخّرة‌ ومقهورة‌ تحت‌ إشارة‌ العقل‌ وإيماءته‌ للتوجّه‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌، بل‌ ويمكن‌ أن‌ يكمن‌ خلاصه‌ ونجاته‌ بذبح‌ حيوانيّته‌ بتقديم‌ الهَدْي‌ والقربان‌ في‌ سبيل‌ الله‌: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ لَهُم‌ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. ولعلّ كذلك‌ المراد بهذا هو أنّ قلب‌ الإنسان‌ قد يتحوّل‌ إلی‌ مرعي‌ للمحبوبة‌ التي‌ تمتلك‌ عيوناً تشبه‌ عيون‌ الغزلان‌ الجميلة‌ الطلعة‌».

[21] ـ «الاسفار الاربعة‌» ج‌ 8، ص‌ 343 و 344، باب‌ 7، فصل‌ 3.

[22] ـ يقول‌ ـ: «قال‌ مجنون‌ ليلي‌ ـ: أنا لا أخاف‌ المِبضَع‌، لانّ صبري‌ أقوي‌ من‌ الجبل‌ الشامخ‌. ولا نّني‌ عاشق‌ فإنّ جسمي‌ لا يهدأ بعيداً عن‌ الجروح‌ التي‌ أستطيع‌ مقاومتها والصبر علی‌ آلامها».

[23] ـ يقول‌: «وإنّ وجودي‌ ملي‌ءٌ بالحيويّة‌ بسبب‌ وجود ليلي‌، فهذه‌ الصَّدَفَة‌ (التي‌ هي‌ أنا) تعكس‌ كلّ صفات‌ تلك‌ الجوهرة‌ التي‌ هي‌ ليلي‌.

 وإنّي‌ ـ أيّها الحجّام‌ ـ لاخاف‌ أن‌ تشتبه‌ يدك‌ فتجرح‌ ليلي‌ بينما تريد فصد عرقي‌.

 ذلك‌ أنّ كلّ من‌ له‌ عقل‌ وهو لبيب‌ لا يمكنه‌ التفريق‌ بيني‌ وبين‌ ليلي‌.

 فأنا في‌ الحقيقة‌ ليلي‌ وليلي‌ هي‌ أنا، إذ نحن‌ روح‌ واحدة‌ تسكن‌ بدنَيْن‌».

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com