|
|
الصفحة السابقة
البحثان الخامس و الثلاثون و السادس و الثلاثون : انحرافات الشیخ احمد الاحسائی و اتباعه فی التوحید
أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم وَصَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلیِّ العَظِيمِ قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ و شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ و وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا . ( ا لآية 111 ، من السورة 17 : الإسراء ) تفسير سماحة العلاّمة لآية : «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا» قال سماحة أُستاذنا العلاّمة الطباطبائيّ تغمّده الله في بحبوحات فيضه في تفسير هذه ا لآية ما يلي : «( هذه ا لآية ) معطوف علی قوله في ا لآية السابقة : قُلِ ادْعُوا اللَهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـ'نَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي' وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَ لِكَ سَبِيلاً . ويرجع محصّل الكلام إلی أن قُل لهم إنّ ما تدعونها من الاسماء وتزعمون أ نّها آلهة معبودون غيره إنّما أسماؤه ، وهي مملوكة له لا تملك أنفسها ولا شيئاً لانفسها فدعاؤها دعاؤه فهو المعبود علی كلّ حال . ثمّ أحمده واثن علیه بما يتفرّع علی إطلاق ملكه فإنّه لايماثله شيء في ذات ولا في صفة حتّي يكون ولداً له إن اشتقّ عنه في ذات أو صفة كما تقوله الوثنيّة وأهل الكتاب من النصاري وإلیهود وقدماء المجوس في الملائكة أو الجنّ أو المسيح أو عزير والاحبار ، أو يكون شريكاً إن شاركه في الملك من غير اشتقاق كما تقوله الوثنيّون والثنويّون وغيرهم من عبدة الشيطان أو يكون وليّاً له إن شاركه في الملك وفاق علیه فأصلح من ملكه بعض ما لم يقدر هو علی إصلاحه . وبوجه آخر لا يجانسه شيء حتّي يكون ولداً إن كان دونه أو شريكاً له إن كان مساوياً له في مرتبتة أو وليّاً له إن كان فائقاً علیه في الملك . وا لآية في الحقيقة ثناء علیه تعإلی بما له من إطلاق الملك الذي يتفرّع علیه نفي الولد والشريك والوليّ ، ولذلك أمره صلّي الله علیه وآله وسلّم بالتحميد دون التسبيح مع أنّ المذكور فيها من نفي الولد والشريك والوليّ صفات سلبية والذي يناسبها التسبيح دون التحميد ، فافهم ذلك . وختم سبحانه ا لآية بقوله : وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا وقد أُطلق إطلاقاً بعد التوصيف والتنزيه فهو تكبير من كلّ وصف ، ولذا فسّر اللهُ أكْبَرُ بأ نّه أكبر من أن يوصف علی ما ورد عن الصادق علیه السلام ، ولو كان المعني أ نّه أَكْبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ لم يخل من إشراك الاشياء به تعإلی في معني الكِبَر وهو أعزّ ساحة أن يشاركه شيء في أمر . ومن لطيف الصنعة في السورة افتتاح أوّل آية منها بالتسبيح واختتام آخر آية منها بالتكبير مع افتتاحها بالتحميد » . [1] وورد في تفسير « بيان السعادة » ما يلي : بعد أمره بالتوسّط في الاقوال والافعال أمره بالتوسّط في توصيفه تعإلی بالجميع بين التشبيه قولاً واعتقاداً وشهوداً فأمره تعإلی بالحمد ، أي ملاحظة ظهوره تعإلی في كلّ شيءٍ مع تنزيهه عن أُصول النقائص ، وهي كون الثاني له سواءٌ كانت تحت يده أو مقابلاً له أو مستعلیاً علیه محتاجاً إلیه وكان هو عاجزاً ، فإنّ الذلّ ينشأ من العجز عن دفع الضرّ أو جلب النفع ، ولمّا كان ذلك موهماً لتوصيفه ومعرفته أمره ثانياً بتكبيره عن التوصيف والمعرفة ، فقال : وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ، عن كلّ ما يوهم النقص أو التوصيف ، ولذلك ورد في جواب من قال : اللَهُ أَكْبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، عن الصادق علیه السلام : وَ كَانَ ثَمَّةَ شَيْءٌ فَيَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهُ ؟! فَقِيلَ : وَمَا هُوَ ؟! قَالَ : أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ . [2] كلُّ حمدٍ من كلِّ حامدٍ لكلِّ محمودٍ هو حمدٌ للّه عزّ وجلّ يدلّ معني «الحمد للّه» علی وحدة الوجود بأبلغ دلالة ولمزيد من التوضيح والتبيين في هذه ا لآية الشريفة نقول باختصار : إنّ الالف واللام في الْحَمْدُ لِلَّهِ لإفادة تعريف الجنس الوارد في الذهن . أي أنّ جنس الحمد الذي يمكن تصورّه أو العلم به مختصّ بالله بصورة مطلقة والذي يلزم فيه التعميم بالنسبة لايّ نوع من الحمد من أيّ حامد كان بالنسبة لايّ محمود وله المُلك المطلق والحقّ الكامل أيضاً . واللام المتّصلة بـ « الله » في قولنا « للّه » هي لام الاختصاص . فكلّ نوع من أنواع الحمد هو من مختصّات الله سبحانه ، وكلّ حامد هو من مختصّاته أيضاً ، وكلّ محمود يكون كذلك من مختصّاته هو وحده . فمثلاً ، لو أُعجِبتَ بوردة أو زهرة وقلتَ : ما أجملَ هذه الزهرة ! يا لعطرها الفوّاح وعبيرها الطيّب ! إنّ لها لقدرة في تعطير النَّفَس والروح ! انظر إلی أوراقها المتعانقة مع بعضها ! لاحظ الجمال والعجب معاً في ألوانها الساحرة الزاهية ! هل رأيتَ ساقها كيف تحرسها الاشواك التي اتّجهت برؤوسها المُدبّبة إلی أسفل ـ لا إلی الاعلی لتقاوم خطر هجوم الحشرات الصاعدة إلیها ؟ انظر إلی أوراقها الناعمة العجيبة ذات اللون الاخضر المجهّزة بعروق دقيقة جدّاً خُلِقَت لتُوصِل الماء والغذاء إلی أبعَد نقطة في النبات ! والعجب كلّ العجب من المادّة الخضراء الموجودة في الاوراق التي تجلب مادّة الكلوروفيل بمساعدة أشعة الشمس . والاعجب من ذلك تلك الحبّة الدقيقة في الصّغر المُخبَّأة في داخل فم الزهرة ، والتي تُخزّن في داخلها للمستقبل زهوراً أُخري ، بل حدائقاً من الزهور مادامت الارض والشمس موجودتين ، وستُخرج للعالَم مناظر عجيبة ساحرة مِلؤُها العظمة والسِّحْر والجمال . إنّ ما نَطقتَ به من مدح وتفوّهتَ به من إطراء علی هذه الزهرة كان في الحقيقة مُوجّهاً إلی ذات الله نفسه ؛ فتلك الزهرة في الواقع مظهر من مظاهر عظمة الله وظهور من مظاهره . فأنت أطلقتَ اسم الزهرة علی هذا المظهر لكنّك أخفيتَ الله تحت حجاب هذا الاسم ! وا لآن أزِل عنها ذلك الاسم وستجد أن لا شيء باقٍ غير الله ! إلیست هذ الزهرة هي نفسها التي نشهد موتها في فصل الخريف ( فصل تساقط الاوراق وذبولها ) وتناثر أوراقها التي ستكون قد تحوّلت حينئذٍ إلی أوراق صفراء يابسة لا روح فيها ولا حياة ؟ ألستَ تري أكواماً مكوّمة وأكداساً مُكدّسة من تلك الاوراق ساقطة علی وجه الارض هنا وهناك ، تتقاذفها رياح الخريف العاتية فتُلقي بها في زوايا وأركان مختلفة إلی مسافات بعيدة ؟ فلو كان ذلك الجمال وتلك الرِّقّة والحُسن والجاذبيّة نابعاً من الزهرة نفسها لما فارقَتْ كلّ ذلك بسرعة وسُلِبَ منها ما سُلِبَ بهذه العُجالة دون ضجيج أو جلبة . إذن ، فتلك الصفات الجمإلیة لم تكن نابعة من الوردة نفسـها . ولم تكن تلك الصفات من ذاتيّات الزهرة أو ميّزاتها الملازمة لماهيّتها وإنّيّتها . إنّما كان ذلك عرضاً من العوارض ، جاء ورحل بهدوء . ارتَوَتْ وعَطِشَتْ ؛ أينعتْ وذبلتْ ؛ وكانت نضرة فيبستْ وجفّتْ ؛ وكانت حيّة تُرزَق وها هي ا لآن ميّتة وهامدة ؛ وكانت قائمة شامخة وها هي ذا قد أصبحت مُعوجّة ومنحنية . هذا بالنسبة إلی المحمود ( أي الشيء الذي يكون موضع الحمد والمدح والإطراء ) ! وهكذا الامر بالنسبة إلی الحامد ( أي الذي يؤدّي الحمد والمدح والثناء ) ! إنّ ما يقوم بمدحه البشر والملائكة والجنّ إنّما هو في الحقيقة الله تعإلی ؛ وما تلك الاشياء التي يقوم أُولئك بمدحها إلاّ مجرّد أسماء لا غير أخفَتْ حُجُب تعيُّنها الجمال المطلق للحقّ . ولا وجود في هذه الاثناء لغير الله إطلاقاً الذي يكون في موضع الحمد والمدح . ونفس الشيء يقال عن الحمد ( أي مصدر الفعل أو اسم المصدر ) لانّ هذا المعني نفسه لا يمتلك أيّ أصالة في الخارج غير الله ، وهذا الفعل نفسه بعنوانه ومفهومه ليس إلاّ تقييداً وتحديداً للحقّ تعإلی . وهو عبارة عن اسم وعنوان يطلقان علی فعله المطلق تعإلی ، وهو كذلك عبارة عن آية ومرآة لإظهار فعله الإطلاقيّ العامّ الواحد المجرّد النورانيّ البسيط واللامتناه . وعلی هذا ، فلا وجود لغير الله يُمثّل الحمد والحامد والمحمود . فالله وحده هو الموجود وحسب . فحمده هو نفسه ، والحامد كذلك هو نفسه ، وكذا المحمود أيضاً : تَعَإلَی وَتَقَدَّسَ عَنِ التَّعَيُّنَاتِ وَالإنِّيَّاتِ وَالمَاهِيَّاتِ وَالاَسَامِي ، بِأَيِّ وَجْهٍ تُصُوِّرَ فِي المَقَامِ . إنّما كان كلامنا عن تلك الزهرة فيغُصنٍ من شُجَيرة الزهور مثالاً لا أكثر ، وإلاّ فإنّ العندليب الذي يستقرّ علی غصن شجرة الورد ويقوم بالتغريد بصوته الشجيّ وغنائه العذب من الليل حتّي الصباح الباكر مادحاً تلك الوردة ومُطرياً علیها بأعلی صوته ، ما هو إلاّ اسم كذلك لاغير ؛ والواقع أ نّه لا وجود لشيء في هذه المشاهد يدعي بالعندليب أو البُلبُل أو الورد أو نداء الهجر أو ترنيمة الوصل أو الشِّعْر أو الموسيقي أو الانغام أو الالحان إلاّ وجود الحقّ تعإلی وتقدّس . وكذا الاشخاص الذين يقومون بمدح وتمجيد هذا البُلبُل أو ذاك العندليب ، من بشر أو ملائكة أو جنّ ، ويشهدون تلك المناظر الخلاّبة ، ما هم في الحقيقة إلاّ مجرّد أسماء لا أكثر أُلبستْ وجه الحقّ وجماله المطلق ، فأطلقوا علیها الاسماء والعناوين المختلفة ورسموا لذاته المقدّسة وصفته وفعله اسماً وحدّاً معيّنينِ . إنّ البشر والجنّ والملائكة كلّ أُولئك مجرّد أسماء للحقّ وليست الحقّ نفسه . فلو رَفعتَ عنها أسماءها ما بقي لديك شيء سوي الحقّ ! هذا هو معني عبارة الْحَمْدُ لِلَّهِ التي نذكرها مراراً في ليلنا ونهارنا في صلاتنا وصلواتنا ، في تلاوتنا للقرآن الكريم وغير ذلك . وقد لاحظتم أ نّنا لم نورد أيّ موضوع أو بحث من الخارج ، سواء كان ذلك الموضوع أو البحث آية أو رواية أو شِعراً أو قول عارف أو كلام مُتهجِّد كشاهد علی بحثنا هذا ! وما حصلنا علی هذا المعني اللطيف إلاّ من خلال المتن الإطلاقيّ للحمد واختصاصه بالله عزّ وجلّ . وكذا الحال مع حصر الحمد في ذات الله تعإلی ، والتسبيح والتكبير والتهليل الذي نقوم به ونُؤدّيه ، وأيضاً حصر العلم والقدرة والحياة وسائر الاسماء والصفات الخاصّة بالحقّ تعإلی وهو ما نقرأه في القرآن الكريم ونتلوه فيه من ا لآيات الشريفة المُنزّلة : هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ؛ هُوَ الْعلی الْعَظِيمُ ، هُوَ الرَّحْمَـ'نُ الرَّحِيمُ ، هُوَ الْعلیمُ الْحَكِيمُ ، هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ، هُوَ الْقَادِرُ ، وأمثال ذلك من ا لآيات التي عمّت جميع جوانب الكتاب السماويّ وغطّت كلّ نواحيه . أستحلفكم الله ، هل بالإمكان استخراج معنيً أو استنباط مفهوم أو إدراك مفادٍ غير هذه اللفظة المباركة الْحَمْدُ لِلَّهِ من كلّ ما قاله ويقوله أهل المعرفة والمشتاقون والوالهون والعاشقون والواصلون لجمال ساحة الاحديّة وجلاله من الاوّلين وا لآخرين ؟! لكن ، ما الفائدة ؟! وما هي النتيجة ؟! إلیس من المؤسف أن نُغإلی في إنكارنا ونُبالغ في شركنا مع وجود ا لآية الشريفة التإلیة بين ظهرانينا في القرآن الكريم : وَكَأَيِّنْ مِّنْ ءَايَةٍ فِي السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَیهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ . [3] ما معني وجود الحقّ تعإلی في الموجودات وما المراد من ذلك ؟! معناه أ نّك لو جمعتَ الوردة والسنبلة ، والبلبل والببغاء ، والطير والبطّ ، والشجرة والشُّجيرة ، والبرعم والعُشب ، والماء والشلاّل ، والغمام والريح والغيث ، والسهل والصحراء المترامية الاطراف ، والإنسان والاجيال البشريّة ، والشمس والنجم في السماء ، والكواكب والمجرّات ... وما شئتَ في جمعه ورغبت في ضمّه من هنا وهناك ممّا حولك إلی آخر الدنيا ، فما كلّ ذلك إلاّ الله وحسب ، وَحْدَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُو . هذه كلّها آيات وعلامات ومرايا وظيفتها إظهار ذاته المقدّسة تعإلی جلّ شأنه ، ولكن للاسف الشديد ، فهم ينظرون إلی تلك الامثال وآلاف غيرها موجودة وماثلة أمام أعينهم نظرة مستقلّة ، فهم ينتزعون عنها عنوان الحقّ وصفته ويعمون عن رؤية الله ، وهم لا يرون أمامهم إلاّ ورداً وخضرة وإنساناً وحيواناً وحسب . لقد عزّزوا قدرة تلك الاسماء وفاعلیتها بتعمّد وشهوة وغضب وعنصر الوصوليّة والانانيّة والتسلُّط والتكبُّر والزهو بحيث لم يُبْقِ ذلك أيّ ذِكر لله فيه . ولقد منحوا تلك الاسماء المجردّة الجوفاء التي تستمدّ وجودها من الله تعإلی استقلإلیة حتّي أضحي وجود الله سبحانه محجوباً ومخفيّاً ؛ والحال أ نّه لايوجد وجود غير وجوده تعإلی شأنه وحسب . إنّ هذه الاسماء وتلك الالقاب ما هي إلاّ ستائر حَجبتْ حقيقته المقدّسة . فأزِح الستار وطالِع وجه الله ، إنّه هو حقيقة الزهرة والوردة ! هو حقيقة البلبل ! هو واقعيّة الإنسان والملائك ! هو أصل الجنّ وسائر الموجودات المخلوقة واعتبارها ! ولهذا ، فمادام ذلك الحجاب الداعي إلی الاستقلال موجوداً فإنّ الشرك به ما يزال قائماً أيضاً . وبالرغم من إسلام معظم الناس في العالَم فإنّهم ، دون شكّ أو تردُّد ودون مجاملة أو مبالغة ، جميعاً مشركون مادام ذلك الستار موجوداً علی حاله ! ولا تقولوا ! رجاءً ، إنّما هذا شِرك خفيّ وليس شركاً جليّاً ظاهراً ، وإنّ الإسلام جاء بدعوته وتبليغه وشريعته لإزالة الشرك الجليّ وتحريم عبادة الاصنام والاوثان ؛ وهو ذا قد أزال المعابد وبيوت الاصنام . لا نّنا سنجيبكم هكذا : لقد جاء الإسلام لإزالة كلّ أثر من آثار الشرك وأقسامه لا لإزالة عبادة الاوثان الظاهريّة والباطنيّة وحسب . أنّ ا لآيات القرآنيّة وهذا المذهب وتلك الشريعة تنفي أيّ نوع من أنواع الشرك وتطالب بالقضاء علیه ومحوه . كلّ ما في الامر أنّ المؤمنين بالاوهام والمعتقدين بالخرافات والحريصين علی استقلإلیتهم عاجزون عن هضم مسألة الجهاد والقتال أو استيعابها ، ولذا نراهم قد اكتفوا بمقارنة الشرك الظاهر ومحاربته . وإذا اكتفي الفرد بذلك النوع من الجهاد ، فهو لا شكّ سيحصل علی منافع واجتماعيّات الإسلام وظواهره ومظاهره ، لكنّه يقيناً سيفقد خَلاقه من الجَنّة الحقيقيّة ، ولا جَرَم أ نّه سيهدر نصيبه من مقام اللقاء والرضوان والتكامل في مراتب استعداده وقابليّته علی طريق نقطة الإنسانيّة والفعلیة والواقعيّة . ولذلك فإنّ الشرك الخفيّ مثله تماماً كمثل الشرك الجليّ ؛ وهو مهمّ كأهمّيّة الاخير . ويجب علی الإنسان ، لا سمح الله ، أن لا يعدّه صغيراً أو بسيطاً أو حقيراً ، وينظر إلیه نظرة إغفال أو إهمال أو ازدراء ؛ فيقضي عمره والعياذ بالله وقد حبس الله داخل مظاهر ومجإلی ، والحقّ أ نّه قد حبس نفسه هو بعمله هذا ؛ فكلّ ستار حُجِبَ به بمثابة سجن له . معني : «الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا» يدلّ بأبلغ دلالة علی وحدة الوجود وأمّا تفسير ا لآية الشريفة الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ومفادها فهو نفس تفسير ومفاد ا لآية الشريفة لَمْ يَلِدْ الواردة في سورة الإخلاص . أي أنّ الله سبحانه لم يلد مولوداً أو ولداً ؛ ومعلوم أنّ كلمة «وَلَد» بناءً علی جعل الالفاظ للمعاني العامّة ، تُطلق علی تولُّد الشيء من الشيء الممتلك لصفة الاصالة والواقعيّة تماماً كوالده ، ثمّ حصوله الاستقلال في وجوده بعد ذلك وانقطاع علاقته به ؛ سواءٌ تحقّق ذلك في الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد أو الجِنّ أو سائر الموجودات الاُخري التي يمكن حصول ذلك فيها . ولا يختصّ ذلك الامر بالتوالد الخاصّ بالبطن خارجاً وإخراج المولود علی النحو المتعارف علیه بين البشر الذي يتوالد أو الحيوان الذي يبيض ، لا نّها جميعاً من مختصّات المصاديق والاُمور ؛ ولا دخل لها مطلقاً في تحقُّق المعني العامّ لذلك . وعلی هذا ، فلو فرضنا أنّ موجوداً ملوكتيّاً كالملاك مثلاً أو موجوداً آخر يفوق في جنسه وخلقته كلّ الموجودات المجرّدة التي يعلمها الله تبارك وتعإلی قام بمحض إرادته ومشيّته بإنتاج أو ولادة موجودات مستقلّة في وجودها أو صفتها أو أفعالها أو بدايتها أو نهايتها أو أصل تكوّنها أو إدامتها أو بقائها ؛ موجودات تمتلك جميعها وجوداً مستقلاّ بذاتها ، فإنّ هذا الإيجاد أو الإنتاج سيحمل معني التوالد ومفهومه ، وستحمل عُنوان التوالد من لدن ذلك المبدأ المجرّد النورانيّ . وا لآية المباركة الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وا لآية لَمْ يَلِدْ وباقي ا لآيات الواردة في حقّ عيسي ابن مريم علی نبيّنا وآله وعلیه السلام وحقّ بعض الملائكة المقرّبين ( بزعم المشركين ) والتي عمل القرآن الكريم علی إبطالها ونفيها جميعاً ، تُشير كلّها إلی الحقيقة القائلة بأنّ تلك المخلوقات لا تملك وجوداً مستقلاّ ، وأنّ ذاتها وصفاتها وأفعالها هي مجرّد مظاهر ومجإلی للذات الإلهيّة المقدّسة . وعلی هذا ، فإنّ جميع عوالم الإمكان التي تحمل أسماء مختلفة وشؤون متفاوتة هي ظهورات ذلك الظاهر ومجإلی تجلّيات ذلك المجلي . ولمّا كان ظهور الظاهر ومجلي الوجود ليس سوي أصل الوجود وذاته ، وأنّ الالقاب والاسماء العديدة لا تنجم عنها كثرات واقعيّة له ؛ فلا يمكن تصوّر وجود وكمال خارج هذا العالم ، ولا يمكن أن يكون كلّ هذا الوجود وليد الحقّ الاصيل وأصل الوجود . وعلی هذا فإنّ أصل الوجود لهذه العوالم الإمكانيّة الواسعة ليس سوي الوجود الاقدس لواجب الوجود ؛ فإذا أُزيل عنوان الإمكان وا لآية والظهور والتجلّي فلن تبقي هناك أصالة أو حقيقة أو وجود غير الحقّ تبارك اسمه وتعإلی مجده . أي أنّ جميع العوالم تمثّله هو ولا شيء غير الحقّ . هذا هو معني لَمْ يَلِدْ و الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا والذي يُثبت وحدة الوجود بصريح العبارة وبليغ البرهان . أبيات العارف الشبستريّ في معني «لَمْ يَلِدْ» وهذا هو معني الابيات التي أنشدها عارفنا الكبير الشيخ محمود الشبستريّ أعلی الله مقامه في جوابه علی السؤال التإلی : چــرا مـخـلـوق را گـويـنــد واصــل سلوك و سير او چون گشت حاصل؟! [4] حيث أجاب بالابيات التإلیة : وصال حقّ ز خَلقيّت جدائي است ز خود بيگانه گشتي آشنائي است چو ممكن گَرد امكان بر فشاند بجز واجب دگر چيزي نماند وجود هر دو عالَم چون خيال است كه در وقت بقا عين زوال است نه مخلوق است آن كو گشت واصل نگويد اين سخن را مرد كامل [5] عدم كي راه يابد اندرين باب چه نسبت خاك را با ربّ الارباب عدم چبود كه با حقّ واصل آيد وزو سير و سلوكي حاصل آيد تو معدوم و عدم پيوسته ساكن به واجب كي رسد معدوم ممكن اگر جانت شود زين معني آگاه بگوئي در زمان أستغفِر الله ندارد هيچ جوهر بي عَرَض عَين عرض چبود و لاَ يَبْقَي زَمانَيْن [6] حتّي يصل إلی الابيات التإلیة : نظر كن در حقيقت سوي امكان كه او بي هستي آمد عين نقصان [7] وجود اندر كمال خويش ساري است تَعيُّنها امور اعتباري است امور اعتباري نيست موجود عدد بسيار يك چيز است معدود جهان را نيست هستي جز مجازي سراسر كار او لهو است و بازي [8] «وَلَمْ يَكُن لَّهُو شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» يدلّ علی وحدة الوجود بأبلغ دلالة وأمّا ما يتعلّق بتفسير وَلَمْ يَكُن لَّهُ و شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ومَفادها ، يجب القول : لانّ وجوده أصيل وحائز علی الوحدة بالصرافة ، علی هذا يكون فرض شريك له من المحال . وهذا حاصل برهان الصِّدِّيقين في إثبات وحدة الوجود القائم ، وبهذا كذلك تُدفَع شبهة ابن كَمّونة . إنّ وجوده لم يزل ولايزال ولا يتناهي بما لا يتناهي . وعلی هذا يكون من المحال فرض وجود آخر في مقابله تحت أيّ تسمية أو رسم كان ؛ سواءٌ أكان شريكاً ومعيناً له في الملكوت أو عالَم المُلك . إنّ أيّ وجود مستقلٍّ في مقابله معدوم وممّا لا يمكن ؛ وإنّ الوجودات غير المستقلّة والتي هي آياته وأسماؤه وعناوينه كلّها راجعة إلیه ولا يمكن أن تكون إلاّ هو .[9] إنّ لعنوان شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ إطلاق عامّ ؛ ففرض أيّ صاحب إرادة واختيار في مقابله يصدق علیه عنوان شريك في المُلك وا لآية تبطل ذلك وتنفيه . إنّ فرض استقلإلیة واختياريّة وإنّيّة ولو بقدر رأس الدبّوس في إرادة وعمل واختيار ومشيئة الموجودات بِدءاً من جبرائيل والروح الذي هو أعظم من جبرائيل ووصولاً إلی أصغر وأحقر موجود ذي شعور كالنملة أو الجرادة ؛ سواء أكانت تلك استقلإلیة واختياريّة وإنّيّة في أصل وجودها وأفعالها وآثارها ؛ كلّ ذلك يتنافي والإطلاق والعموم وعدم تناهي الوجود للحقّ تبارك اسمه في الملك والحكم ، وا لآية تنفي ذلك . إذن فجميع الاختيارات والإرادات مندكّة في اختياره تعإلی وإرادته ، وهي ظلٌّ من نوره وضياء شمس وجوده . ذلك أنّ فرض أيّ إرادة أو اختيار أو استقلال لنملة ما تحدّ من إرادة الحقّ تعإلی واختياره . لنفترض أنّ إرادة الحقّ تعإلی واختياره واسعتان لدرجة تمكّنه من الهيمنة والسيطرة علی إرادة جميع العوالم من المجرّدات والمادّيّات واختيارها ، وتغلّبت إرادته حتّي علی إرادة الروح الامين والملائكة المقرّبين وملات جميع أركان العوالم النزوليّة ، لكنّها ( أي تلك الإرادة ) توقّفت عند نملة واحدة ضعيفة صعبة الرؤية ، فمنحتها إرادة واختياراً مستقلاّ ، أي بمعزل عن مشيئة الله وإرادته ؛ فهنا يبطل بحثنا ويكبو كُميتنا . لماذا ؟! لوجود ذرّة غير مرئيّة وتافهة عملت علی تقييد سعة إرادة الله وتحديـدها وهو ما يعني إطلاق مشـيئة تلك الذرّة وخلق اختيار لها . لا نّنا منحنا بالفـرض إرادة مسـتقلّة لهذه النملة الحقيرة ولم نجعلها مندكّة في إرادة الله ، ولهذا فإنّ تلك الإرادة والاختيار المفروضين اللامتناهيين يقفان عند حدّهما وذلك بوصولهما إلی حدود النملة ، أي أنّ ( هذا الموجود ) المتناهي أصبح يمتلك استقلإلیة وذاتيّة كاملتينِ ؛ وهذا خُلف لافتراضنا في بداية الكلام أ نّه لا مُتناهٍ ، لكنّكم صـبغتموه في العمل بصبغة التناهي ! وَمَا تَشَآءُونَ إِ لآ أَن يَشَآءَ اللَهُ إِنَّ اللَهَ كَانَ علیمًا حَكِيمًا . [10] وَمَا تَشَآءُونَ إِ لآ أَن يَشَآءَ اللَهُ رَبُّ الْعَـ'لَمِينَ . [11] وقال الشيخ العارف الشبستريّ في هذا الباب أيضاً الابيات التإلیة : كدامين اختيار اي مرد جاهل كسي راكو بود بالذّات باطل چو بودِ تست يكسر جمله نابود نگوئي كاختيارت از كجا بود [12] كسي كو را وجود از خود نباشد به ذات خويش نيك و بد نباشد كه را ديدي تو اندر جمله عالم كه يك دم شادماني يافت بيغم كه را شد حاصل آخر جمله امّيد كه مانْد اندر كمإلی تا به جاويد مراتب باقي و اهل مراتب به زير امر حقّ ؛ و اللهُ غالِب [13] مؤثّر ، حقّ شناس اندر همه جاي ز حدّ خويشتن بيرون منه پاي ز حال خويشتن پرس اين قدر چيست وز آنجا بازدان كاهل قدر كيست [14] هر آن كس را كه مذهب غير جبر است نبي فرمود كو مانند گبر است چنان كآن گبر ، يزدان و اهرمن گفت همين نادان احمق ما و من گفت به ما افعال را نسبت مجازي است نسب چبود حقيقت لهو و بازي است [15] «الجبر» في مقولة الشبستريّ ليس بمعني عدم استقلال العبد في الاختيار نعم ، وهنا تجدر الإشارة إلی موضوعَين مهمَّيْن : الاوّل : أنّ مراد شيخنا العارف من « الجَبْر » المذكور في البيت التاسع أعلاه ، ليس الجبر الذي تؤمن به الاشاعرة والمصطلح علیه في كتب أهل الكلام ، بل وحدة الحقّ تعإلی بشكل يسلب الاختيار الاستقلإلیّ من الإنسان سواء أكان ذلك الاختيار علی نحو التفويض أم علی نحو الاكتساب . وهذا يشير إلی معني الاَمْرُ بَيْنَ الاَمْرَينِ وهو اعتبار الاختيار اختياراً للحقّ تعإلی ؛ أي الوحدة بين مفهوم ومصداق اختيار الإنسان وبين اختيار الحقّ ؛ ودلالة علی معني ومفاد ا لآية وَمَا تَشَآءُونَ إِ لآ أَن يَشَآءَ اللَهُ . [16] واستشهد علی دعواه هذه بحديث للنبيّ أ نّه قال : القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الاُمَّةِ . [17] وحديث الرسول هذا يشير إلی بطلان كلام المعتزلة القائلين بالتفويض وكلام الاشاعرة المعتقدين باكتساب الإنسان للاختيار ، علی حدّ سواء . ذلك أنّ المجوس تقول بمبدأين ( يزدان ) و ( أهريمن ) لافعال الخير والشرّ ؛ وهؤلاء أيضاً يقولون بمبدأ الخيرات وهو الله ، ويقولون كذلك بالسيّئات والقبائح الناشئة عن الاختيار الاستقلإلیّ للإنسان . وعلی هذا فإنّ كلا الفريقين يقولان بمبدأين أصليّين ( للخيرات والسيّئات ) ؛ وكلّ منهما يشابه ا لآخر ويماثله . وهنا التبس علی نجل آية الله البهبهانيّ الوحيد ، ا لآقا محمّد علی الكرمانشاهيّ ، بظنّه أنّ المراد من معني كلمة الجبر هو هذا المعني الذي ذكرناه ، ولهذا انتقد الشبستريّ ومحيي الدين لاستعمالهما هذه اللفظة . نقل السيّد محمّد باقر الخوانساريّ كلاماً عن ا لآقا محمّد علی البهبهانيّ في كتابه « مقامع الفضل » يردّ فيه علی سؤالٍ طُرِح علیه حول أدلّة القائلين بوحدة الوجود ، حتّي يصل إلی : « ونقل محيي الدين مذهب الجبر كذلك إلی جميع العرفاء ؛ وقال الشبستريّ أيضاً في « گلشن راز » : هر آن كس را كه مذهب غير جبر است نبي گفتا كه او مانند گبر است [18] وهكذا علمنا أنّ نسبة الجبر سواء إلی الشبستريّ أم إلی محيي الدين ناشئة عن قصور فيفهم المعاني الراقية والكلمات السامية بدقّة ، والاقتصار علی ظاهر اللفظ . «الاتّحاد» في كلام أعاظم العرفاء هو منزلة جليلة قبل الفناء الثاني : ونظير هذا الامر ، الخطأ الذي وقع فيه ثقة المحدّثين الحاجّ ميرزا حسين النوريّ في « المستدرك » وذلك بانتقاد استعمال كلمة « الاتّحاد » التي وردت في كلام كبار العرفاء وهو أعلی مقام في طريق السير والسلوك قبل مقام « الوحدة » ومقام « الفناء في الله » ، ممّا حدا بالمرحوم النوريّ إلی الظنّ بأنّ المراد من ذلك هو الاتّحاد الباطل ، أي اتّحاد الحقّ المتعال مع السالك إلی الله مع الاحتفاظ بالثنائيّة ، وهاجم بعض العرفاء المعروفين مثل بايزيد البسطاميّ وشقيق البلخيّ ومعروف الكرخيّ أعلی الله تعإلی درجاتهم لاستعمالهم هذه اللفظة ؛ بينما لم يؤاخذ أبا الفتوح الرازيّ أو علیّ ابن طاووس أو الشهيد الثاني رضوان الله تعإلی علیهم لا نّهم لم يستخدموا في كلامهم لفظة الاتّحاد ؛ مع أنّ مجموعة من أمثال هؤلاء العلماء كانوا يؤيّدون أُولئك العرفاء الكبار وكانوا يعتقدون بالاتّحاد ويعملون كذلك بمقام الاتّحاد . وشاهدنا في هذا الموضوع هو عبارات وإنشاء الخواجة نصير الدين الطوسيّ في كتابه النفيس « أوصاف الاشراف » والذي اعتبر فيه « الاتّحاد » صراحة مقاماً ومنزلة . ولغرض شرح وتبيين هذا الامر نري لزاماً في البدء نقل عبارات الخواجة أعلی الله مقامه ؛ ثمّ ننقل بعدها عبارة المرحوم الحاجّ حتّي يتبيّن الفرق بين هاتين النسبتين ، ونعلم أنّ أمثال بايزيد البسطاميّ صاحب المقام العإلی وتلميذ الائمّة ، لم يجازف في استعمال هذه الكلمة ، وأنّ نسبة الغلط والكفر والارتداد إلی هؤلاء ناتج عن التسرّع في الحكم علی ا لآخرين : يفتتح الخواجة نصير الدين الموضوع بكلمة « الاتّحاد » في الفصل الخامس من ذلك الكتاب وأتبعه بالعبارة التإلیة : « قال الله تعإلی سبحانه : لاَ تَدْعُ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ . [19] « التوحيد » هو اعتقاد وحدانيّته تعإلی ، و « الاتّحاد » الصيرورة شيئاً واحداً . فهناك وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ ، [20] وهنا لاَ تَدْعُ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ . وذلك لوجود شائبة التكلّف في التوحيد وهو ما لا يوجد في الاتّحاد . إذن فمتي ما أصبح التوحيد مطلقاً وترسّخ في الضمير ولم يأخذ الثنائيّة بنظر الاعتبار بوجه أو بآخر ، فإنّه سيصل مرتبة الاتّحاد . وليس الاتّحاد ما يتوهّمه بعض قصار النظر من أنّ المراد به هو اتّحاد الله تعإلی مع العبد : تَعإلَی اللَهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبيرًا . [21] بل معناه أن يري الجميع دون تكلّف ذلك الذي يقول : ما سواه منه ، إذن فالجميع واحد ، أي لا نّه أبصر بنور تجلّيه تعإلی شأنه فهو لا يري أحداً سواه . فلا يكون هناك من راءٍ ولا مرئيٍّ ولا رؤية ويصبح الكلّ واحد ، وتكون مصداقاً لدعاء المنصور الحلاّج الذي أنشد قائلاً : بَيْنِي وَبَـيْـنَـكَ إنِّيِّيٌ يُنَازِعُنِي فَارْفَعْ بِفَضْلِكَ إنِّيِّي مِنَ البَيْنِ فتزول إنّيّته ويُردّد العبارة التإلیة ما استطاع : «أَنَا مَنْ أَهْوَي وَمَنْ أَهْوَي أَنَا» . ونعلم أنّ مَن قال : أَنَا الحَقُّ ، و سُبَحَانِي مَا أَعْظَمَ شَأْنِي ، لم يكن في مقام الادّعاء بالاُلوهيّة ؛ بل هو بذلك قد نفي إنّيّته وأثبت إنّيّة الغير وهو المطلوب » . [22] ليس هناك عامل مؤثّر في الجانب الدينيّ للتصوّف غير الدين الإسلاميّ وقال فيما قاله جناب المرحوم « كيوان السميعيّ » في مقدّمته علی « شرح گلشن راز » : « نعم ، قلنا أنّ للتصوّف جانبَين : الجانب الدينيّ والجانب العلميّ . وقلنا إنّ الجانب الدينيّ فيه لم يتأثّر بأيّ شيء سوي بالدين الإسلاميّ وأعمال وأقوال النبيّ وأئمّة الدين . ولإتمام حديثنا نقول : منذ أن اغتصب بنو أُميّة الحكومة الإسلاميّة ومارسوا أنواع الظلم والقمع والقتل والتعذيب أو سجن أيّ شخص من أهل الزهد والتقوي يقوم بإشهار مخالفته ضدّهم ، فقد اعتزلَ بعض الافراد وانشغلوا بالعبادة الصرفة ، لكنّ هؤلاء العُبّاد أو الزهّاد لم يكتسبوا صفة التصوّف أبداً . حتّي أخذ بنو العبّاس زمام أُمور الحكومة الإسلاميّة وتجاوزوا الحدّ في الظلم والتعسّف . ونتيجة للمظالم والاعتداءات التي مارسها بنو العبّاس فقد يَئِس كثير من الزهّاد والعبّاد في ذلك الزمان من إمكانيّة إصلاح شؤون المسلمين ، حتّي أضحي عصر بني العبّاس أسوأ بكثير من عصر بني أُميّة ، ممّا حدا بأُولئك الزهّاد والعبّاد بتفضيل الانزواء والتعبّد بعد أن أستيأسوا من الناس . ولمّا كان الائمّة علی رأس هذه الفئة ، فقد اجتمع أُولئك الزهّاد والعبّاد حولهم كالفراش المتجمّع حول السراج ، لمؤاساتهم وتطييب خاطرهم . فلمّا طال الزمـن علی هذه الفئة وتطـاولت السـنون التي قضوها في العبادة والعزلة فقد غلب علیهم الانشـغال بالله والعوالم المعنـويّة ، ولم يرغبوا في شيء كما رغبوا في المعارف والحقائق المتعلّقة بمعرفة الله والنفس وبدأوا ينهلون من تلك العيون ما أمكنهم . «بايزيد» و«شقيق» و«معروف» كانوا تلامذة لثلاثة أئمّة ولم يبخل الائمّة أو يقصّروا في إغنائهم وإفاضتهم من تلك العلوم ، حتّي حاز ثلاثة منهم علی صُحبة ثلاثة من الائمّة صحبة معنويّة وصوريّة شديدة القُرب ، أحدهم بايَزيد البَسطاميّ الذي مارس التقيّة خوفاً من بطش المبطشين وانتحل شخصيّة السقّاء وتمكّن بذلك من مصاحبة الإمام جعفر الصادق علیه السلام سنوات طوالاً فتشرّب من حقائق ذلك الإمام وارتوي من معارف فيضه الشيء الكثير [23] . والثاني ، شَقِيق البَلخيّ الذي تاب من ذنوبه علی يد الإمام موسي بن جعفر علیهما السلام ولازمه . والثالث : معروف الكَرخيّ والذي تنكّر بهيئة بوّاب لدار الإمام الرضا عدّة سنوات تقيّةً وخوفاً من المناوئين [24] . وبسبب اكتساب هؤلاء الثلاثة معارفهم وحقائقهم من الائمّة الثلاثة وتدريسهم ذلك لباقي الزهّاد والعبّاد ، فقد اصطبغوا بصبغة الزهد والعبادة والمعارف الخاصّة والتي لم تكن موجودة في عصر بني أُميّة . وواضح بشكل لا يقبل الشكّ أنّ المعارف والحقائق التي كان الائمّة حائزين علیها هي نفسها التي قام الرسول بتعلیمها إلی علیّ بن أبي طالب علیه السلام ومنه إلی أولاده ومن أولاده إلی مَن وجدوا فيه الاستعداد والقابليّة لنيلها . ولمّا لم يكن للائمّة المذكورين مُعلّماً غير آبائهم ، فقد كان منهلم الوحيد والاصليّ هو الرسول وعلیّ علیهما صلوات الله . وأهمّ دليل لدينا يُثبت أنّ الائمّة الثلاثة لم يتوانوا في إغداق أعلی مراتب المعارف الدينيّة علی الاشخاص الثلاثة المذكورين ، ويُشير إلی نوع تلك المعارف ومنبعها ، هو كتاب « مصباح الشريعة » الذي يحوي أحاديثاً في الحقائق والمعارف قالها الإمام جعفر الصادق ، ولمّا كان شَقيق البَلخيّ مُلازماً للإمام موسي بن جعفر علیهما السلام فقد أمر الإمام أحد أقربائه الذي كان من خواصّ أهل العِلم والذي كان قد دوّن تلك الاحاديث في الحقائق والمعارف ( للإمام جعفر الصادق علیه السلام ) في كتاب مستقلّ بتسليم ذلك الكتاب إلی شَقيق البَلخيّ ليُبيّنه البلخيّ بدوره إلی الخواصّ من أهل المعرفة والتصوّف . وقد نال الكتاب المذكور الذي احتوي علی أسرار التصوّف وحقائقه ثقة كبار علماء الشيعة ؛ واستند المرحوم الحاجّ ميرزا حسين النوريّ ـ وهو خاتم مُحدّثي الشيعة كذلك علی أحاديث الكتاب المذكور واعتبره واحداً من المصادر التي اعتمدها كتاب « مستدرك الوسائل » . وذكر النجاشيّ في رجاله ما قوله إنّ الفُضَيل بن عياض هو أحد مشاهير المتصوّفة في القرن الثاني للهجرة والذي قال عنه النجاشيّ إنّه ثقة ، ووصفه الشيخ الطوسيّ في « الفهرست » بالزهد ، كان قد أ لّف كتاباً روي فيه عن الإمام الصادق [25] . لكنّي أعتقد أنّ هذا الكتاب لم يعد موجوداً في الوقت الحاضر ؛ إلاّ أنّ كتاب « مصباح الشريعة » الذي يشمل مائة باب في الحقائق موجود في أيدينا إلیوم ومطبوع كذلك . وللميرزا حسين النوريّ كلام في « خاتمة المستدرك » حول هذا الكتاب له علاقة بما نتحدّث عنه نري من المناسب نقله هنا : المحدِّث النوريّ يذكر أنّ للصوفيّة مقصدان كتب المرحوم الحاجّ النوريّ يقول : « للصوفيّة مقصدان يُعتَبر أحدهما مقدّمة ل لآخر . المقصد الاوّل هو تهذيب النفس وتنقيتها من الشوائب والظلمات وتطهيرها من الرذائل والصفات السيّئة ، وصبغها بالاوصاف الجميلة والكمالات المعنويّة . ويحتاج هذا الامر إلی معرفة النفس والقلب وتحديد الصفات الجيّدة والخصال الحميدة والذميمة حتّي يتمكّن ( المرء ) من البدء بتطهير النفس والقلب وتزكيتهما وتنويرهما وتحليتهما . وهذا مقصد جَدّ عظيم يشترك فيه أهل الشرع وكافّة العلماء . وكيف لايكونون شركاء في ذلك وقد وُضِعَت العبادات والشعائر الدينيّة لهذا الغرض ، وما كان إرسال الرسل أو إنزال الكتب إلاّ لاجل ذلك ، وقد حثّ القرآن الكريم في كثير من ا لآيات علی الاهتمام بأمر القلب وتهذيبه . وللصوفيّة مؤلّفات نفيسة كثيرة في هذا المقصد ومفيدة جدّاً ، إلاّ أ نّنا نجد فيها كذلك كلاماً عن الرياضات المحرّمة والبِدَع والكذب . وأمّا المقصد الثاني ، فهو عبارة عن ادّعاءات يستنبطونها كنتيجة لتهذيب النفس والرياضات ؛ ويتحدّثون فيها عن « الوصول » و « الاتّحاد » و « الفَناء » وأُمور أُخري كثيرة . ولا يشترك معهم في هذا أهل الشرع والدين . ولانّ كبار العلماء يشاركونهم الرأي في المقصد الاوّل فقد صار أُولئك الذين بالغوا في السـير وراء ذلك المقصـد موضع انتقاد المتّسـمين بقلّة التبصُّر والتمييز ؛ ولهذا نسـبوا كثيراً من العلماء الاجـلاّء من أمثال أبي الفتوح الرازيّ ،و علیّ بن طاووس ، و الشهيد الثاني وغيرهم إلی التصوّف ، في حين لاتوجد أيّة صلة بين المقصدين المذكورين ، إذ لا يستلزم تهذيب النفس وجوب الاعتقاد والإيمان بالوصول والاتّحاد والرياضات المحرّمة . ( راجع كتاب « خاتمة مستدرك الوسائل » ج 3 ، ص 330 ) . مع ملاحظة كلام الحاجّ ميرزا حسين ودقّته ، لكنّ ما يلفت نظرنا هو أنّ المرحوم لم يكن لديه اطّلاع كافٍ علی عقائد الصوفيّة وذلك من خلال مطالعة ما ذكره بهذا الخصوص في المقصد الثاني أعلاه ؛ لا نّنا نعلم أنّ هذه الطائفة لا تؤمن بالاتّحاد والحلول ، وإذا كان هناك ذِكر أو أشارة إلی الاتّحاد في كتبهم فذلك معناه ما ذكره الخواجة الطوسيّ في « أوصاف الاشراف » . « وليس الاتّحاد ما يتوهّمه بعض قصار النظر من أنّ المراد به هو اتّحاد الله تعإلی مع العبد : تَعَإلَی اللَهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبيرًا ، [26] بل معناه أن يري الجميع دون تكلّف » . وأمّا ما يخصّ الوصول ، فإنّ ما ذكره الخواجة بعد العبارات أعلاه يدلّ بوضوح علی عدم اكتمال المحدّث وتمامه ، لا نّه قال : « وتكون مصداقاً لدعاء المنصور الحلاّج الذي أنشد قائلاً : بَيْنِي وَبَـيْـنَـكَ إنِّيِّيٌ يُنَـازِعُنِـي فَارْفَعْ بِفَضْلِكَ إنِّيِّي مِنَ البَيْنِ [27] فتزول إنّيّته ويُردِّد العبارة التإلیة ما استطاع : «أَنَا مَنْ أَهْوَي وَمَنْ أَهْوَي أَنَا» . ونعلم أنّ مَن قال : أَنَا الحَقُّ و سُبْحَانِي مَا أَعْظَمَ شَأْنِي ، لم يكن في مقام الادّعاء بالاُلوهيّة ، بل هو بذلك قد نفي إنّيّته وأثبتَ إنّيّة الغير وهو المطلوب » . وأمّا التريّض الذي تمارسه الصوفيّة الحقّة لتزكية النفس ، فإنّ المرحوم نفسه قد ذكر أنّ أهل الشرع وكافّة العلماء يفعلون ذلك أيضاً . ومَن يطالع كتب التراجم التي تصوّر حالات العلماء الزاهدين الورعين ، يلاحظ أنّ التريّض الذي كانوا يمارسونه هو من نفس نوع التريّض الذي كانت تؤدّيه جماعة الصوفيّة الحقّة . والخلاصة ، فإنّ المتصوّفة لا تختلف من حيث ممارساتها الدينيّة وطقوسها العقائديّة مع بقيّة المتشرّعين سوي أ نّهم كانوا يمارسون الفرائض بشكل أفضل ويؤدّون المندوبات بكثافة ، ويمكن القول : إنّ عصارة المعارف الدينيّة وخلاصة الحقائق الإسلاميّة لهذه الجماعة كذلك هي نفس الاشياء التي تمّ بيانها باختصار وأُشير إلیها في كتاب « مصباح الشريعة » . إلاّ أنّ الجانب العلميّ لاُولئك كان له شكل مختلف ، حيث استقي كبار المتصوّفة بعض علومهم من مصادر أُخري إلی جانب الدين الإسلاميّ الحنيف ، والذي يعتبره المحقّقون مصدراً لايمكن إنكاره أو التغاضي عنه بأيّ شكل من الاشكال » [28] . ارجاعات [1] ـ أي أنّ أوّل كلمة من السورة لفظ سُبْحَـ'نَ الَّذِي ؛ وآخر كلمة فيها لفظ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا واللفظ الاوّل من الآية الاخيرة لفظ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ . «الميزان في تفسير القرآن» ج 13 ، ص 241 و 242 . [2] ـ تفسير «بيان السعادة» ج 2 ، ص 457 ، طبعة مؤسّسة الاعلميّ للمطبوعات ، بيروت . [3] ـ الآيتان 105 و 106 ، من السورة 12 : يوسف . [4] ـ يقول : «لِمَ يُسمّون المخلوق (الشخص) واصلاً ؛ وكيف تيسّر له ذلك السير وهذا السلوك إلي الخالق ؟» . [5] ـ يقول : «إنّ وصال الحقّ لا يتمّ إلاّ بهجر الخلقيّة ونبذها؛ وإنّ الإحساس بغربة الشخص عن نفسه إنّما هو أُلْفة (في الواقع وليس غربة) . فإذا تناثر الإمكان من الممكن ، لم يبق إلاّ الواجب . إنّ وجود كِلا العالَمين ما هو إلاّ خيال (ووهم) ؛ وهو عين الزوال في حين البقاء . إنّ مَن صار واصلاً (في سلوكه وطريقه) لم يَعُد مخلوقاً (لا نّه أزال عنه تعيّنه الشخصيّ) ؛ ومَن يقول بهذا القول (أي أنّ الواصل قد يكون مخلوقاً) ليس بالرجل ذي العقل الكامل والراجح» . [6] ـ يقول : «وأ نّي للعدم أن يتطرّق أو يتخلّل إلي هذا المقام ؛ وما نسبة التراب إلي ربّ الارباب ؟ وما العدم حتّي يصل إلي الحقّ تعالي ؛ أو أن يصل إليه من خلال السير والسلوك ؟ أنت معدوم ، والعدم (بطبيعته) ساكن علي الدوام ؛ فأ نّي للمعدوم الممكن أن يصل إلي الواجب تعالي ؟ فلو استوعبتْ روحكَ هذا المعني ؛ فقل : أستغفر الله ، في الحال . ليس للجوهر عين في غياب العَرَض ؛ لانّ الجواهر وإن كانت بسيطة لا تكتسب ظهوراً في العين حتّي تتلبّس بالعوارض والتشخّصات» . [7] ـ يقول : «تأمّل في الحقيقة الإمكان ؛ لا نّه عين النقصان في غياب الوجود» . [8] ـ يقول : «إنّ الوجود قائمٌ (بواسطة الحبّ الذاتيّ للظهور والإظهار) من خلال كماله ؛ وليست التعيّنات إلاّ أُموراً اعتباريّة . والاُمور الاعتباريّة (في نفس الامر) ليست موجودة ؛ كتعدّد الاعداد في حين أنّ المعدود (وهو العدد واحد) واحد ليس إلاّ . وليس وجود العالَم إلاّ شيئاً مجازيّاً ؛ وليس شغله الذي يشغله إلاّ لعب ولهو» . «گلشن راز» بخطّ العماد الاردبيليّ ، ص 43 إلي 45 . [9] ـ نقل المرحوم الحكيم الحاجّ السبزواريّ في «شرح الاسماء» أو «شرح دعاء الجوشـن الكبير» ص 374 و 375 ، طبعة منشـورات جامـعـة طهـران موضـوعاً عن صدر المتأ لّهين قدّس سرّه في الجواب علي شبهة ابن كمّونة ، بعد شرحٍ وبيان ، أ نّه قال : والحقُّ في الجواب أ نَّه إذا كان للشيءِ ثانٍ في الوجود ، لم يكن صِرفاً ؛ والواجبُ تعالَي لمّا كان بسيطَ الحقيقةِ وجَب أن يكونَ جامعاً لجميعِ الخَيراتِ والكمالات ، وإلاّ كان مِصداقاً لحصولِ شَيءٍ وَفَقدِ شَيءٍ ؛ فيَلزَمُ التَّركيبُ في ذاتِه من جهةٍ وجوبيّةٍ وأُخرَي إمكانيَّةٍ أو امتناعيّةٍ ، كما ذكره صدر المتأ لّهين قُدّس سرُّه فِي السِّفر الاوّل من «الاسفار» . [10] ـ الآية 30 ، من السورة 76 : الإنسان . [11] ـ الآية 29 ، من السورة 81 : التكوير . [12] ـ يقول : «أي اختيار وأيّ انتخاب ، أيّها الرجل الجاهل ؛ (هذا الاختيار الذي تتحدّث عنه) لذلك الذي هو باطل بالذات وبنفسه ؟ ألا تتأمّل أ نّه (بما أنّ وجودك وعدمك هما أمر واحد ، وأنّ وجودك ليس منك) فمن أين إذاً لك الخيرة والاختيار ؟» . [13] ـ إشارة إلي الآية الشريفة 21 ، من السورة 12 : يوسف : وَاللَهُ غَالِبٌ عَلَي'´ أَمْرِهِ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ . [14] ـ يقول : «لمّا كان الشخص لا يملك وجوداً من ذاته ونفسه ؛ فإنّ حُسنه وقبحه ليسا نابعين من ذاته . هل رأيتَ في كلّ العالَم أحداً ينعم بالفرح والسعادة دون أن يمسّه الترح أو الكرب أو الغمّ ؟ هل رأيتَ أحداً حصل علي مراده وأمانيه جميعاً ؛ وهل رأيتَ أحداً يخلد إلي الابد ، في كمالٍ ما ؟ فالرتبة والمقام باقيان ؛ لكنّ مَن حصلوا علي تلك المراتب أو المقامات ، كلّهم تحت أمر الله وسلطانه . والله غالب علي المُؤثَّر أن يعرف الحقّ في حين ومكان ؛ وإنّ عليه أن لا يتجاوز حدّ ذاته ونفسه . ارجع إلي وجدانك وأسأل عن أحوالك وتعرّف عليها ونسبة الافعال إلي فعلها ؛ وهناك ستعلم من هم أهل القدر (أي القَدريّة) » . [15] ـ يقول : «لقد قال النبيّ صلّي الله عليه وآله إنّ من كان مذهبه غير الجبر فهو كالمجوس . لقد قال هذا الاحمق الجاهل قول المجوس الذين يؤمنون بـ (يزدان ـ إله الخير) و(أهريمن إله الشرّ) . إنّ نسبة الافعال إلينا ما هي إلاّ أمر مجازيّ ؛ لانّ النِّسَب جميعاً هي لعب ولَهْو» . «گلشن راز» ص 49 و 50 . [16] ـ قال المرحوم الحاجّ السبزواريّ بهذا الخصوص في «شرح الاسماء» ص 333 و 334 طبعة جامعة طهران : وليس معني الامرِ بَينَ الامرين أ نّه مُركَّبٌ مِن الجَبر والتَّفويضِ بأن يكونَ فيه شَوبٌ من هذا وشوبٌ مِن ذاك كالحرارةِ الفاتِرة ؛ بل الفعلُ بسيطٌ محضٌ ، بمعنَي أ نّه تسخيرٌ محضٌ في عينِ كونِه اختياراً محضاً ؛ واختيارٌ بحتٌ في عَينِ كونِه تَسخيراً محضاً ، كما قيل : از صفاي مي و لطافت جام در هم آميخت رنگ جام و مُدام همه جام است و نيست گوئي مي يا مدام است و نيست گوئي جام يقول : «من صفاء الخمرة ولطافة الكأس ، امتزج لون الكأس . فهو الكأس ولا يقال خمرة ، أو الخمرة ولا يقال كأس» . وفي أشعار العارف الجاميّ قُدّس سرُّه السّامي : باده نهان و جام نهان آمده پديد در جام عكس باده و در باده رنگ جام يقول : «إنّما الخمرة المغطّاة والكأس المختفي واقٌع مشهود ، فصورة الخمرة في الكأس ولون الكأس في الخمرة» . رَقّ الزُّجاجُ ... [17] ـ «مفاتيح الإعجاز» في شرح «گلشن راز» ص 430 ، طبعة منشورات المحموديّ ؛ وكذلك «روح الارواح في شرح أسماءِ المَلِك الفتّاح» تأليف شَهاب الدين أبي القاسم أحمد ابن أبي المظفّر السمعانيّ ، ص 163 [18] ـ يقول : «لقد قال النبيّ صلّي الله عليه وآله إنّ من كان مذهبه غير الجبر فهو كالمجوس» . «روضات الجنّات» ج 2 ، بين ص 193 و 196 ، الطبعة الحجريّة . [19] ـ صدر الآية 88 ، من السورة 28 : القصص . [20] ـ قسم من الآية 39 ، من السورة 17 : الإسراء . [21] ـ هذه العبارة مقتبسة من الآية 43 ، من السورة 17 : الإسراء : وَتَعَـ'لَي' عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . [22] ـ «أوصاف الاشراف» ص 66 و 67 ، الباب الخامس ، الفصل الخامس ، بخطّ النستعليق للعماد الكاتب . [23] ـ كتب العالم الجامع للكمالات الشيخ بهاء الدين العامليّ المعروف بـ «الشيخ البهائيّ» في كتابه «الكشكول» طبعة مصر الدرج الاوّل ، ص 86 ، موضوعاً حول بايَزيد البَسطاميّ قال فيه : «كان سقّاءً للإمام جعفر الصادق عليه السلام دون شكّ أو ريب . ذكر هذه القضيّة جماعة من المؤرّخين ، وأورد ذلك أيضاً الإمام فخر الدين الرازيّ في كثير من كتبه الكلاميّة ، وذكره كذلك السيّد الجليل رضيّ الدين عليّ بن طاووس في كتاب «الطرائف» ، وذكره أيضاً العلاّمة الحلّيّ في شرحه علي «تجريد الاعتقاد» للخواجة الطوسيّ» إلي آخر كلامه في هذه المسألة . أقول : نُقل في كتاب «الطبقات» للشعرانيّ ، ج 1 ، ص 5 عن بايزيد البسطاميّ قوله إنّه كان يقول لعلماء عصره : أخذْتم عِلمَكم من علماءِ الرُّسوم ميِّتاً عن ميِّتٍ ؛ وأخذْنا عِلمَنا من الحيِّ الذي لا يموت ! [24] ـ جاء في كتاب «طبقات الصوفيّة» تأليف أبي عبد الرحمن السلميّ ، ص 85 أ نّه قال : «أسلم معروف الكرخيّ علي يد الإمام عليّ بن موسي الرضا عليه السلام ، وعمل حاجباً وبوّاباً للإمام بعد إسلامه . وازدحم الشيعة يوماً أمام باب دار الإمام عليّ بن موسي الرضا عليه السلام فكُسِر له عظم في صدره ، فتوفّي علي أثرها ودُفِنَ في بغداد بالعراق» . [25] ـ راجع «خاتمة المستدرك» ج 3 ، ص 333 . [26] ـ كما قلنا فإنّ هذه العبارة مقتبسة من الآية 43 ، من السورة 17 : الإسراء . [27] ـ ورد في التعليقة : «هذا البيت هو أحد الابيات الشعريّة الصوفيّة التي نظمها الحلاّج ، وباقي الابيات هي : أنا أنا أنتَ أم هذا إلَهينِ حاشايَ حاشايَ مِن إثباتِ اثنَينِ هُويَّتي لك في لائيّتي أبداً كُلٌّ علي الكلِّ تلبيسٌ بوَجهَينِ فأين ذاتُك عنّي حيث كنتُ أرَي فَقد تبيَّن ذاتي حيثُ لا أيني ونورُ وجهِك معقودٌ بناصيَتي في ناظِر القلب أو في ناظِر العَينِ بيني وبينَك إنّيّي يُنازعني فارفع بلطفك إنّيّي مِنَ البَيْنِ وأنا أقول متمثّلاً : گرفتم آنكه نگيري مرا به هيچ گناهي همين گناه بس كه با وجود تو هستم يقول : «لقد أدركتُ أ نّك لا تؤاخذني بأيّة جريرة ، إلاّ بجريرة أ نّي موجود بوجودك» . [28] ـ «شرح گلشن راز» للشيخ محمّد اللاهيجيّ ، مع مقدّمة لكيوان السميعيّ ، ص 62 إلي 66 . |
|
|