|
|
الصفحة السابقةالروايات الواردة في تفسير معني «الصمد»... وفي « أُصول الكافي » بإسناده عن داود بن القاسم الجعفريّ قال : قلت لابي جعفر الثاني علیه السلام : ما الصَّمَد ؟ قَالَ علیهِ السَّلاَمُ : السَّيِّدُ المَصْمُودُ إلَیهِ فِي القَلِيلِ وَالكَثِيرِ . أقول : وفي تفسير الصَّمَد معانٍ أُخر مرويّة عنهم علیه السلام : فَعَنِ البَاقِرِ علیهِ السَّلاَمُ : الصَّمَدُ السَّيِّدُ المُطَاعُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ وَنَاهٍ . وَعَنِ الحُسَيْنِ علیهِ السَّلاَمُ : الصَّمَدُ الَّذي لاَ جَوْفَ لَهُ . وَالصَّمَدُ الَّذِي لاَ يَنَامُ . وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ . وَعَنِ السَّجَّادِ علیهِ السَّلاَمُ : الصَّمَدُ الَّذِي إذَا أَرَادَ شَيْئَاً قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ . وَالصَّمَدُ الَّذِي أَبْدَعَ الاَشْيَاءَ فَخَلَقَهَا أَضْدَادًا وَأَشْكَالاً وَأَزْوَاجاً . وَتَفَرَّدَ بِالوَحْدَةِ بِلاَ ضِدٍّ وَلاَ شَكْلٍ وَلاَ مِثْلٍ وَلاَ نِدٍّ . والاصل في معني الصَّمَد هو الذي رويناه عن أبي جعفر الثاني علیه السلام لما في مادّته لغة في معني القصد ، فالمعاني المختلفة المقولة عنهم علیهم السلام من التفسير يلازم المعني ، فإنّ المعاني المذكورة لوازم كونه تعإلی مقصوداً يرجع إلیه كلّ شيء في كلّ حاجة ، فإلیه ينتهي الكلّ من دون أن تتحقّق فيه حاجة . وفي « التوحيد » عن وهب بن وهب القرشيّ ، عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام أنّ أهل البصرة كتبوا إلی الحسين بن علی علیهما السلام يسألونه عن « الصمد » فكتب إلیهم . بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَمَّا بَعْدُ ؛ فَلاَ تَخُوضُوا فِي القُرْآنِ وَلاَ تُجَادِلُوا فِيهِ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ! فَقَدْ سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ يَقُولُ : مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . وَإنَّ اللَهَ سُبْحَانَهُ فَسَّرَ الصَّمَدَ فَقَالَ : اللَهُ أَحَدٌ * اللَهُ الصَّمَدُ ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ و كُفُوًا أَحَدٌ . وفيه بإسناده إلی ابن أبي عمير عن موسي بن جعفر علیهما السلام أ نّه قال : وَاعْلَمْ أَنَّ اللَهَ تَعَإلَی وَاحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ فَيُورَثَ وَلَمْ يُولَدْ فَيُشَارَكَ . وفيه في خطبة أُخري لعلی علیه السلام : الَّذِي لَمْ يُولَدْ فَيَكُونَ فِي العِزِّ مُشَارَكاً ، وَلَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً . وفيه في خطبة له علیه السلام : تَعَإلَی أَنْ يَكُونَ لَهُ كُفْوٌ فَيُشْبِهَ بِهِ . أقول : وفي المعاني المتقدّمة روايات أُخري . [1] غزليّة الفيض الكاشانيّ البليغة في «لا إله إلاّ الله»وأنشد العالِم الوحيد في عالَم التشيّع بجمعه لجميع العلوم [2] المرحوم الملاّ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ غزليّة جميلة ورائعة واضعاً جملة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ قافية لها . ولا نّها احتوت جميع المعاني التفسيريّة لـ قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ برموز عرفانيّة خاصّة بأصحاب الافئدة المليئة بالمشاعر وأرباب العِلم والعرفان ، فما أجمل أن نأتي علی ذِكرها هنا بهذه المناسبة : سكينة دل و جان لا إله إلاّ الله نتيجة دو جهان لا إله إلاّ الله زبان حال و مقام همه جهان گويد به آشكار و نهان لا إله إلاّ الله [3] به گوش جان رسدم اين سخن به هر لحظه ز جزو جزو جهان لا إله إلاّ اللـه ز شوق دوست به بانگ بلند ميگويد همه زمين و زمان لا إله إلاّ اللـه تو گوش باش كه تا بشنوي ز هر ذرّه چو آفتابْ عِيان لا إله إلاّ اللـه همين نه مؤمن توحيد ميكند بشنو ز سـومـنات مـغـان لا إله إلاّ اللـه نوشتهاند به گرد عذار مغبچگان به خطّ سبز عيان لا إله إلاّ اللـه جمال و زيب بتان ، غمزههاي معشوقان به رمز كرد بيان لا إله إلاّ اللـه به گلستان گذري كن به برگ گل بنگر ز رنگ و بوي بخوان لا إله إلاّ اللـه [4] به باغ بنگر و آثار را تماشا كن شـنو ز سروِ روان لا إله إلاّ اللـه گذر به كوه بكن يا برو به دريا بار شنو ز گوهر و كان لا إله إلاّ اللـه به بَرُّ و بَحر گذر كن به خشك و تر بنگر شـنو ز ايـن و ز آن لا إله إلاّ اللـه به گوش و هوش تو آيد به هر طرف كه روي اگر چـنين و چنان لا إله إلاّ اللـه بِكَن تو پنبة غفلت ز گوش و پس بشنو ز نطق خرد و كلان لا إله إلاّ اللـه به فكر «وَحدتِ هُو» رو به نالة بم و زير بر آر از ته جـان لا إله إلاّ اللـه همين نه ورد زبان كن ، ز جان و دل ميگوي به ناله و به فغان لا إله إلاّ اللـه [5] سرود اهل معاصي است نغمة دف و چنگ سـرود مـتّقيان لا إله إلاّ اللـه سحر ز هاتف غيبم ندا بگوش آمد كه أيُّها الثَّقَلان لا إله إلاّ الله ميان صوفي و پير مغان سخن ميرفت چه گفت پير مغان ؟ لا إله إلاّ اللــه ز پير ميكده كردم سؤإلی از توحيد به باده گفت بدان لا إله إلاّ اللـه به گفتن دل و جان فيض اقتصار مكن بگو به نطق و زبان لا إله إلاّ اللـه [6] وهكذا ، وبعد أن تعرّفنا ولله الحمد والمنّة ، علی هويّة الحقّ تعإلی شأنه العزيز وذلك باقتباس بعض الدراية والعِلم ولو بإيجاز من سورة التوحيد ، نري لزاماً هنا إيراد بحث مقتضب في كيفيّة معرفته تعإلی عن طريق العقل والتفكير ، أو عن طريق الشهود والوجدان حتّي يتمّ وضع المعالم لكلّ من الطريقينِ وتعيين مسار كلّ منهما ومقدار ومجال تطبيق كلّ من هذين المنهجَينِ علی حدة : السبيل إلی معرفة الله عن طريق البرهان والعقل والفلسفة : يعتقد البعض أنّ علی الإنسان السير قُدُماً في سبيل التفكير والتفكّر إذا ما أراد التعرّف علی الحقّ المتعال ومعرفته . فعلیه أن يفكّر في الموجودات ، وينظّم مبادي معيّنة علی أساس من البرهان حتّي يتمكّن من إيجاد الله . ويُدعي هذا المذهب بمذهب الإدراك فالإنسان يصل إلی النتيجة من خلال جمع المقدّمات الضروريّة المعلومة وتجميعها إلی بعضها البعض الا´خر . ولا ريب أنّ تلك النتيجة الحاصلة هي معرفة الله والتعرّف علیه عن طريق التفكير والملاحظة والتعقُّل . فنقول مثلاً : إنّ هذا العالَم مُتغيّر ، ولا نّه متغيّر فهو حادث ؛ لانّ أيّ موجود لا يمكن له أن يكون قديماً إذا لم تكن ذرّاته ثابتة . وعلی هذا الاساس فإنّ هذا العالَم ـ الذي هو أحد الاعضاء الكبار في عائلة هذه القضيّة الكلّيّة حادثٌ لا محالة . ولا جَرَم أنّ الحادث محتاج إلی مُحدِث ؛ والمُتغيّر المُتحرِّك في حاجة إلی مُغَيِّر مُحَرِّك ؛ إذن فيجب وجود موجود قديم أزليّ يكون بمثابة المُغَيِّر المُحَرِّك حتّي يتمّ لهذه الموجودات المتغيّرة والمتحرِّكة والحادثة والممكنة الارتباط والاتّصال به . مواجهة النبيّ إبراهيم عليه السلام قومه بطريقة البحث العقليّكما هو الحال في مواجهة سيّدنا إبراهيم علیه السلام لقومه : قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءَابَا´ؤُكُمُ الاْقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي´ إِلاَّ رَبَّ الْعَـ'لَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي´ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِي´ـَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّـ'لِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لاِبِي´ إِنَّهُ و كَانَ مِنَ الضَّإلینَ * وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَي اللَهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . [7] كانت مواجهة الانبياء والائمّة عليهم السلام مع منَ خالفهم منطقيّةإنّ الاحتجاج الذي واجه إبراهيم به قومه كان احتجاجاً مشفوعاً بالدليل والبرهان حيث قال أوّلاً : إنّ الا´لهة التي تعبدون لا يستحقّون صفة الاُلوهيّة ، لا نّهم لايسمعون نداءكم ولا يستجيبون لكم ، وهم آلهة لا تنفعكم ولا تضرّكم . وعلی هذا فإنّ عبادة آلهة كهذه ليست غير نافعة ، بل ومُضرّة كذلك ، فهي عدوّ للإنسان إذ تحاول منعه من السير في طريقه إلی الله تعإلی . وثانياً ، إنّ الإله الذي ليس عدوّ لي هو الله ربّ العالمين ؛ لا نّه مَنّ علیّ وما يزال يمنّ بأنواع وألوان الخدمات والمحبّة والرحمة والا´لإ والمِنَن ؛ فهو الذي خلقني ، وهو الذي أراني سبيل الكمال وهداني إلیه ، وطعامي وشرابي بيده هو ، وشفائي من الامراض والعلل لا يكون إلاّ منه ، وموتي وإحيائي وبعثي ثانيةً كلّها تتمّ بقدرته . وهو مإلی وموئلي الذي يؤمِّن لي غفران خطاياي وآثامي . وثالثاً ، فهو يسمع أدعيتي التي أدعوه بها ومن ثمّ يستجيب لي ، ومنه أطلب الحُكم لا من غيره ، وأرغب في أن يُلحقني بالصالحين ويَحشرني معهم . وهو أملي الذي يمنحني لسان الصدق ويهب لي كلمة الحقّ في معشر الاطهار والمُقرَّبين والمخلَصين من الا´خرين . وهو المَرجوّ في إسكاني جَنّة الخُلد وتوريثي النعيم كأجر وثواب لي علی ما عملته في دنياي . ورابعاً ، أسأله أن يغفر لعَمّيَ الذي ضَلّ طريق الحقّ ، فهو الذي يملك مقإلید المغفرة والعفو مع كلّ ما أحصيته من نِعَم . إنّ حديث إبراهيم علیه السلام هذا ينطوي بمجموعه علی كلّ صغيرة وكبيرة في قضايا البرهان والتي يعتقد بها و يؤمن بمبادئها ويحاول دعوة قومه إلیها وإقناعهم إلی الاعتقاد بها والإيمان بالله تعإلی . ونحن نقول : إنّ أيّة ذرّة من ذرّات العالَم مهما صغرت لا يمكنها أن توجَد لوحدها علی أساس حساب الاحتمالات . هل يمكننا أن نحتمل ولو بنسبة واحد في المليون أنّ هذا المصحف الذي نضعه أمامنا ونتلو من آياته كلّ يوم ما تيسّر قد وُجِدَ وحدث لوحده وبنفسه بهذه الصورة وتلك الكيفيّة ؟ ولو استثنينا الاصل ورقه الذي هو إمّا أن يكون مصنوعاً من الخشب أو القطن أو إلیاف أُخري ، أو من بذور نبات القطن أو بذور الشجر أو من نسج لُعاب دودة القزّ وغيرها التي أصبحت بعد ذلك علی شكل خيوط قطنيّة أو خشب جذع الشجر أو حرير من شرنقة دودة القزّ وأمثالها ؛ ثمّ تُحوّل إلی عجينة وتُرسَل إلی المعامل التي تُصنّعها بدورها إلی ورق يُقطّع بعدها ويُحضّر للطبع ؛ كلّ ذلك يحصل بصورة دقيقة جدّاً وتتدخّل فيه مخلوقات وعوامل لا تعدّ ولا تحصي ، ولا يُحتمل الخطأ أو الاشتباه في أيّة مرحلة من تلك المراحل ، فما بالك مع ما لا يحصي عدده من الخلائق المُبدعة إلاّ علاّم الغيوب ؟ ولو اجتزنا ذلك بما فيه من عمليّة طبع وتنضيد حروف والإيمان بأنّ احتمال الصدفة والحظّ فيها إنّما هو جنون محض وكلام أهوج ، ونظرنا تحديداً إلی عمليّة التجليد وتنظيم الصفحات بعضها فوق بعض ، من أوّل صفحة فيه إلی آخرها والتي قد تبلغ مثلاً ستمائة صفحة ، فهل من المنطقيّ أن نحتمل أنّ هذا المصحف وبعد خروجه من المطبعة وخزنه في مكان معيّن ، تحوّل فيه فجأةً شكل الصفحة الاُولي من الحالة العموديّة وهي ما كانت علیه بعد خروج المصحف من المطبعة إلی شكل أُفقيّ وبصورة صحيحة غير مغلوطة ثمّ استقرّت في الجهة إلیمني له ؟ وهكذا الحال أيضاً مع الصفحة الثانية التي جاءت واستقرّت إلی جانب الاُولي . ثمّ انقضت فترة ما وهبّت ريح دفعت الصفحة الثالثة وأقامتها بجانب الصفحة الثانية بالصدفة . ثمّ هبّت رياح أُخري بالتناوب وأدّت إلی ترتيب صفحات عدّة من المصحف وتنظيمها بصورة صحيحة . ثمّ انتظمت صفحات أُخري من المصحف نتيجة زلزال وقع وأدّي إلی ذلك ، وهكذا وقعت عدّة عوامل طبيعيّة علی هذا المنوال وحدثت عدّة أُمور إلی جانبها حتّي انتظم المصحف مصحفاً كاملاً مرتّب الصفحات بشكلٍ دقيق . وأخيراً حدث أن استقرّ جلده علیه بنفس الاُسلوب الذي أدّي إلی حدوث كلّ تلك الوقائع ، ثمّ سقط مِخيَطٌ وقليل من الخيط من بين الثغور في سقف المخزن ، وشرعتا بخياطة الجلد وضمّه إلی صفحات المصحف الاُخري حتّي غدا قرآناً كالذي نشهده ونطالع فيه . لسـنا الا´ن في صـدد بيان بُعد حـوادث الصـدفة كهـذه بحسـاب الاحتمالات ، وإلاّ لرأيتم أنّ أيـّاً من الاحتمالات المفروضة لا يملك نسبة واحد في المليون أو حتّي في المليار لحدوثها أبداً ، بل ولا حتّي نسبة واحد من واحد وأمامه مليار صفر ! نعم ، كانت هذه واحدة من طُرُق الاستدلال والبرهان علی عدم حدوث الصدفة للكائنات ، وهو ما يمكن الوصول من خلاله إلی وجود العلّة بواسطة المعلول ، وإلی المجهولات بواسطة المقدّمات المعلومة . يُدعي مثل هذا البرهان بـ بُرهان الإنّ . ففي عمليّة الاستدلال علی واجب الوجود ولوازم آثاره يجب أن يكون هذا البرهان قويّاً إلی حدّ يمكن الوصول من خلاله إلی جميع صفات الحقّ تعإلی وأسمائه وأفعاله ، وتبيان كيفيّة إحاطتها وسيطرتها وعدم تناهيها . إنّ طريق الاستدلال هذا صحيح ويمكنه إيصالنا إلی نتيجة اللهمّ إلاّ إذا كانت إحدي مقدّماته مغلوطة أو غير دقيقة ، ففي تلك الحالة ستكون نتيجة البرهان خاطئة ، و ذلك لانّ نتيجة التابع ستكون من نوع « أخسّ المقدّمتين » ، وكون إحدي مقدّماته صحيحة لا يعني كونه صحيحاً ، بمعني أ نّه لو كانت مقدّمة من المقدّمات مغلوطة فإنّ نتيجة البرهان ستكون مغلوطة كذلك . والبرهان عبارة عن تنظيم المقدّمات والحصول علی نتيجة ما منها . تماماً كما في الرياضيّات والهندسة ، وقولنا : 2*2 = 4 . وتُدعي هذه القاعدة بـ قاعدة اللاتغيُّر واللاتبدّل . ولو تساوي مثلّثان في ضلعين وزواية بينهما ، أو في زاويتَيْنِ وضلع ، أو تساوت فيهما الاضلاع الثلاثة ، فإنّ المثلّثين يكونان متساويين . هل من أحد قادر علی إنكار ذلك ! ولو فرضنا أنّ أحدهم أنكر ذلك فسيقال له : هاك قلم وورق ! جرِّب ذلك بنفسك ! وقوام الرياضيّات الاعداد ، وقد مرّت هذه الاعداد بسلسلة من المراحل ليس بالإمكان نكرانها ؛ وذلك لانّ النتائج التي تلتها هي إدامة للنتائج التي سبقتها وهي قائمة علی أساسها . تُشبه سلسلة من الحلقات يتّصل بعضها ببعض . ونفس الشيء يُقال عن العلوم الفلسفيّة ؛ فهم يقومون بوضع مقدّمة ما ثمّ يلحقونها بأُخري ثمّ يستنتجون من ذلك ما يريدون . وهم مضافاً إلی ذلك يُعيّنون لنا المقدّمة الصحيحة ويُميّزونها عن الخاطئة . والا´ن ، فلو قمنا بوضع مقدّمة غير صحيحة لايّة مسألة وحصلنا علی نتيجة باطلة ، فذلك ليس ذنب العِلم ، بل ذنبنا نحن . وهذا العِلم هو المانع لنا من ذلك . القرآن الكريم هو رصيد الحكمة والفلسفة وبناء علی ما قيل ، أصبح واضحاً أنّ الإنسان لو اتّكأَ علی الفلسفة والحكمة واعتمدَ علیهما في الإلهيّات ، فإنّه سيُدرك تماماً وجود الله وحده وحسب في عالَم الوجود . الله البصير والسميع والعلیم والحيّ والقادر ؛ ولا نهاية أو حدّ لبصره وسمعه وعلمه وحياته وقدرته . وذاته كذلك لا متناهية ؛ فهو محيط بجميع الموجودات وهو الخالق لهذا العالَم الذي يتّصل به وتربط بينهما آصرة قويّة . وهو مع العالَم ، فلا تخفي عن بصره ذرّة منه أبداً . كلّ ذلك يُثبت لنا : إِنَّ اللَهَ لاَ يَخْفَي' علیهِ شَيْءٌ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ . [8] وأيضاً : وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ´ أَصْغَرَ مِن ذَ لِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَـ'بٍ مُّبِينٍ . [9] ولقد قام كبار اللاهوتيّين بالاستدلال وإثبات ذات غاية الغايات ومبدأ المبادي بطريق الفلسفة والبراهين الحِكميّة القائمة علی أُسس ودعائم منطقيّة . والحقّ أ نّهم بذلوا جهوداً جبّارة في هذا المجال وعانوا الكثير من أجله ، وسهروا وارتاضوا وذاقوا المُرّ طوال سني حياتهم . أثبت العلماءُ المتأ لّهون التوحيدَ بالبراهين الفلسفيّة والحِكمةلقد مضي علماء كبار قاموا بمحاربة الملحدين والجاحدين والمادّيّين والطبيعيّين والشكّاكين والسوفسطائيّين في كلّ زمان ومكان حتّي تمكّنوا من إثبات التوحيد الحقّ بالبراهين الفلسفيّة إلی العالَم أجمع ؛ وإلاّ لكان الشرك وعبادة الاصنام عَمّا الدنيا كلّها . إنّ أفلاطون وأرسطو وبُقراط وسقراط وغيرهم كانوا من كبار العلماء المتأ لّهين . وابن سينا والفارابيّ .[10] والخواجة نصير الدين الطوسيّ والحكيم الملاّ صدرا الشيرازيّ بذلوا جهوداً جبّارة وتحمّلوا مشاقّاً ومصائب جمّة . ألم يأمر « سيراكوس » في عهد الحاكم الدنيء والوضيع المسمّي « ديونيسوس » ببيع أفلاطون الحكيم في سوق النخاسة ؟ حتّي قام أحد أصدقائه بدفع فدية عنه واشتراه ووهب حرّيّته ثانية . ثمّ صمّم ابنه وخليفته « ديونيوس الصغير » بعده علی إنزال أنواع البلايا علی رأس أفلاطون والتنكيل به حتّي يكون عِبرة لمن بعده ، واستطاع الفيلسوف النجاة من تلك المصيبة مرّة أُخري . حتّي صمّم أخيراً علی قتله فنجي هذه المرّة كذلك بأُعجوبة بمساعدة أحد تلاميذه الاوفياء المخلصين . [11] ألم يُكفّروا ابن سينا ، فأنشدَ هذه الرباعيّة : كفر چو مني گزاف و آسان نبود محكمتر از ايمان من ايمان نبود در دهر چو من يكي و آنهم كافِر پس در همه دهر يك مسلمان نبود [12] ألَم يَقُل أُستاذ البشر والعقل الحادي عشر الخواجة نصير الدين الطوسيّ : نِظام بينظام ار كافرم خواند چراغ كذب را نبود فروغي مسلمان خوانمش زيرا كه نبود مكافات دروغي جز دروغي [13] ألم يُكفّـروا الملاّ صـدرا ، المُنجي الاوحـد للديـن والعِلم والحقيقة من دوّامة الهلاك والضـلالة الوارد علی الشـريعة ، وشَـرّدوه حتّي آخر عمره ؟ [14] ألم يُكّفروا العالِم الاوحـد والجامـع البارع والفقيه العارف دُرّة زمانه وعصره الملاّ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ ؟ ألم يُجبروا الملاّ محمّد طاهر القمّيّ علی المجيء سيراً وحافياً من قُم إلی كاشان ليقرّ بالذنب ويتوب ويعتذر ، إلی أن وصل إلی باب داره وأنافه ، فنادي : يَا مُحْسِنُ ! قَدْ أَتاَكَ المُسِيءُ ؟! [15] ألم يَطرُد مَرجع التقليد المطلق في زمانه آية الله العظمي السيّد أبو الحسن الإصفهانيّ العالِم الفقيه والعارف الوارف والحكيم المُدرّس لـ « الاسفار » و « الشفاء » في النجف الاشرف ، أعني المرحوم السيّد حسن الإصفهانيّ إلی مَسقَط غريباً وحيداً مُضطَهَداً ، وهو الذي كان أعلی طلاّب وتلاميذ آية الحقّ وسند العرفان والولاية الإلهيّة الحقّة المرحوم الحاجّ ميرزا علی الا´قاي قاضي درجة وأكثرهم حرصاً علی الدين وآمنهم علی الشريعة ، فحُرِمَت النجف ـ وإلی يومنا هذا من علوم المعقول والدروس الرسميّة للمعارف والاخلاق والحكمة والفلسفة . وأحال النجف العامرة والغنيّة بالإحساس إلی ما هي علیه إلیوم وسلّمها إلی زاوية الجدب والخراب والجمود وقصور المعقولات ؟! ألم يواجه الحكيم الاوحد والفقيه المفسّر والعالِم بالحديث والخبر والدراية ، أُستاذنا آية الحقّ المطلقة في عصره وربّما في العصور القادمة ، العلاّمة آية الله الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ أعلی الله مقامه الشريف ، وهو ، باعتراف المخالف والمؤالف والصديق والعدوّ ، صاحب الفكر العميق والعقل الواعي السديد ، والمدافع الوحيد للإسلام والتشيّع والتوحيد ، ألم يُواجه ما واجهه من المشاكل وعاناه من الشدائد لمجرّد الدعوة إلی الله والإعراض عن الزخارف المادّيّة والشهوات الدنيويّة التي غاص فيها عباد الدنيا والمُتملّقين لها ، والخَطوَ بجدّ وثبات نحو تربية الطلاّب وإفهام وتعلیم العلوم الإنسانيّة الحقّة ؟ ألم يَصل به الامر إلی أن قال : إنّ ما حصلنا علیه من ثَمَرٍ من هذه النهضة الدستوريّة والحرّيّة والميل إلی الغرب والعبث واللامبالاة التي جاءتنا من جانب الكفّار ، هو نسخ قتل الدراويش والحرّيّة النسبيّة في الكلام العرفانيّ والتوحيديّ . وإلاّ لرأيتم إلیوم كذلك قذف السالكين طريق الله بالتهم وتعريضهم للقتل والإغارة وعمليّات الإعدام [16] . جهود حكماء الإ سلام في تعليم علوم المعقولوبالجملة ، فقد عاني حكماء الإسلام كثيراً وتحمّلوا أكثر ، فقرّبوا بذلك الطريق وعَبّدوا لنا السبل ، وأعطوا مذهب التوحيد سمته الخاصّة ووضعوا له الاُسس التي ميّزته عن غيره . كلّ ذلك صحيح وعِلم ؛ وهو يختلف عن الفرضيّة التي يخترعها الإنسان في يوم واحد علی أساس مقدّمة في القياس ، فيثبت بواسطتها أمراً ، ثمّ تتغيّر تلك الفرضيّة وتحلّ محلّها أُخري فتفسد النتيجة الاُولي ؛ فهذه الاخيرة ذنب ومعصية وليست عِلماً ؛ لانّ الفساد ناتج عن بطلان الفرضيّة ؛ وما ليس مرتبطاً بالفرضيّات بل محسوب علی أ نّه من داخل عِلم الفلسفة ، سواء أكان قد جاء به أفلاطون أو أرسطوطإلیس أو ابن سينا أو الفارابيّ أو بهمنيار أو ابن رُشد أو صدر الدين الشيرازيّ أو الخواجة الطوسيّ ، ثابت إلی يومنا هذا ؛ وهو لا يقبل الإبطال ولا يَنصهر في بوتقة الإنكار . كان ذلك مذهباً من المذاهب ومنهجاً من المناهج . منطق الشهود والعرفان أعلي وأسمي من جميع المناهجمذهب العرفان والشهود أعلی من كلّ المذاهب : إنّ هذا المذهب المبنيّ علی أساس الرؤية القلبيّة والمشاهدة الوجدانيّة لا يقول بأنّ مذهب الحكمة و الفلسفة مذهبٌ باطل ، بل يقول بأنّ هذا موطن آخر ومُقام مختلف ، مقامٌ أعلی وأسمي حيث يمثّل فيه القلب العلوم ووارداته . إنّ محلّ العلوم الحاصلة من الفلسفة والحكمة هو الذهن ، ومكانه الدماغ . وبإمكان الإنسان معرفة الله عن بُعد بواسطة هذا المذهب . فهو مثلاً يُريد الوصول إلی حقيقة الشمس وهو جالس علی الارض ، ويري الامواج الحاصلة فيها . نعم ، إنّه يري لكنّه يفعل ذلك وهو في حالة الغفلة والبُعد ؛ وفي حالة الاثر والخصيصة لا في حالة الواقع والحقيقة . إنّ مذهب الفلسفة هو مذهب المحاسبة والمعادلة ، أي الذهن الذي هو محلّ التفكير . ادْعُ إلَی' سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـ'دِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . [17] كانت براهين احتجاجات النبيّ والائمّة علي الكفّار والمخالفين فلسفيّةإنّ البحث والدعوة بالحكمة معناه البحث علی أساس من الحقائق والواقعيّات ؛ والمجادلة بالتي هي أحسن تعني ترتيب القياسات المنطقيّة الصحيحة واستخدام البرهان الفلسفيّ ، وطرح الاعتباريّات والمغالطات وطريقة الخطابة وما إلی ذلك . ولا جَرَم أنّ مذهب ومنهج الرسول صلّي الله علیه وآله وأمير المؤمنين وباقي الائمّة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعين هو مذهب برهانيّ عقليّ قويّ ، وهو مضافاً إلی ذلك منهاج فلسفيّ عجيب و غريب . إنّ مَن يُلقي نظرة علی تلكم الطريقة ويتعرّف علی ذلك النهج يستنتج في الحال أنّ بحوثهم ومجادلتهم مع مناوئيهم وخصومهم كانت كلّها تستند علی أساس المقدّمات الفلسفيّة ؛ وكانوا يُفحمون المقابل باستخدام القوي العقلية والفكريّة ، فكان الخصم يُغلَب لا محالة وهو كظيم . وللإمام الصادق علیه السلام رئيس المذهب الجعفريّ ومؤسّسه ، تلاميذ كان يقوم بتدريبهم وتربيتهم علی المجادلة والمناقشة علی أساس المنطق و استخدام الصحيح من الصغري والكبري عند العمل بالقياس في مقابل الكفّار والمعاندين والمادّيّين وحتّي المخالفين من العامّة . وهشام بن الحكم كان أحد العارفين بالمذاهب والفلسفة . لكنّا نراه منقاداً وخاضعاً في مقابل الإمام الصادق ومطيعاً له ، وكان الإمام علیه السلام بالمقابل يقوم بتعزيز وتشييد أُسسه وتقوية مقدرته بنفس البرهان المنطقيّ ذاك . وكذا كانت مباحثات ومناقشات الإمام الرضا علیه السلام مع العلماء غير المسلمين ، ومع المسلمين العامّيي المسلك علی السواء ، كلّها تستند إلی البرهان والعقل ؛ ولم يكن يقول لهم : إنّ قلبك يؤمن بوجود الله ، فلا حاجة إلی البحث في ذلك معك ! فلو قال لهم ذلك لاجابوه : إنّ قلبك يؤمن بما ينفعك أنت ؛ أمّا نحن فلا ... ! هل سمع أحدكم أو قرأ أنّ نبيّاً أو إماماً أحال المشركين أو علماءهم إلی العلم الوجدانيّ والشهوديّ قائلاً لهم : بما أ نّني أعلَمُ أنّ الله موجود وإنّني نبيّه ورسوله ، فعلیك أنت كذلك أن تؤمن بذلك وتقبله ... ! هذا يسمّي تحكيماً ؛ والتحكيم مردود ومرفوض في أيّ مذهب ومدرسة لاهوتيّة ، بل حتّي بين الشعوب المتوحّشة . في حين نري أنّ أيّ أمر أو مسألة تكون مقبولة وصحيحة إذا كانت ناتجة عن البرهان والمنطق . لقد كانت سلسلة الدروس التي كان يُلقيها الإمام الصادق علیه السلام خلال فترة ثلاثين سنة من نشرٍ للعلوم ودرس وتعلیم وتربية في مدينة رسول الله في بستانه الخاصّ تستند كلّها إلی البراهين المنطقيّة والادلّة العقليّة والمسلّمات ومسائل الحكمة التوحيديّة ؛ ممّا حدا مثلاً بابن أبي العوجاء ، وهو أحد المؤمنين بالمذهب المادّيّ والطبيعيّ ، إلی القول : إنّي لا أملك إلاّ أن أكون خاضعاً خاشعاً في دروس هذا الرجل ، ولا أستطيع التكلّم ببنت شفة وأنا أستمعُ دروسه ، وأراني عاجزاً عن التقدّم ( في حُجّتي ومجادلتي ) خطوة واحدة . فلو كان للإنسان وجود لانحصر في هذا الرجل ؛ ولكان جميع مَن سواه في عداد الانعام ! وبالطبع فإنّ وجود مثل هذا المذهب لازم وضروريّ ؛ والمطلوب من جميع علماء الإسلام التسلّح بهذا البرهان القويّ والمنطق الحقّ والحكمة الإلهيّة والفلسفة المتعإلیة وأن يبرعوا في استخدام كلّ ذلك ، حتّي يتسنّي لهم الإجابة علی شبهات الملحدين والضإلین والمادّيّين والسوفسطائيّين في عصرنا الحاضر ، ويثبتوا في مقابل الفِرَق الاُخري ويصمدوا في وجوهها . لكنّ الامر هنا يتعلّق بمسألة مهمّة ، وهي : هل يكون هذا المذهب أو المنهج كافٍ ووافٍ أم لا ؟! هل بإمكان الإنسان أن يُؤنس قلبه ويُبهج فؤاده بذكر الله وأُنسه والتعرّف علی أسمائه وصفاته ويتلمّسها عن قُرب ؟! هل تَعلّم الفلسفة وحدها يُطمئن القلوب ويُهدّئها ؟! هل بإمكان العلوم العقليّة والتفكيريّة تَهدِئَة النفس ومنحها الخضوع والخشوع الوجدانيّينِ أمام الحقّ والحقّانيّات والواقعيّات وعالَم الخَلق وصرح الاصالة البهيّ ، دون الاستعانة بالفيوضات القلبيّة الربّانيّة ، أم لا ؟! ولا شكّ في أنّ الإنسان ما كان ليؤدّي العبادة للّه لولا كونه في مقام العبوديّة . إذن ، هل يكفي أن يكون الإنسان قد توصّل إلی إثبات وجود الله تعإلی بالمذهب الفلسفيّ والبرهان ، وإن كان فاسقاً فاجراً يُعاقر الخمر ويتعاطي القمار والميسر ؟! لقد كان كثير من العلماء الإنجليز موحّدين ، يعبدون الله تعإلی ؛ فداروين كان ممّن يعبدون الله ومن المؤمنين بالمسيح علی نبيّنا وآله وعلیه السلام ؛ وفَلاماريون العالِم الفرنسيّ كذلك كان من أهل الكتاب ، وممّن أ لّف كتاباً أسماه « الله في الطبيعة »[18] ، حيث يقوم بإثبات وجود الله علی أساس خمسة أدلّة من الاُصول المُسلّمة للعلوم المادّيّة ؛ فهل يكون هذا النوع من النهج والاعتقاد وهذا النمط من الإثبات كافٍ أم لا ؟! هل بإمكان المناهج المذكورة والطرق المُبيّنة أعلاه إظهار الله عبرَ المرحلة العينيّة أم لا ؟! هل باستطاعتها إبداء الحقّ تعإلی شأنه كما هو مطلوب منها أن تبديه ، ثمّ بالتإلی إيجاد علاقة بين الإنسان وحضرة جلاله ، أم هي عاجزة عن ذلك كلّه ؟! ومهما يكن من أمر ، فإنّ المسألة هنا ، كما قلنا ، تتعلّق بالسؤال التإلی : هل يكون هذا المذهب أو المنهج كافٍ ووافٍ أم لا ؟! عرف الانبياءُ والاولياءُ والائمّةُ اللهَ عن طريق الشهود والوجدانيّإنّ المذهب الذي سلكه الانبياء والاولياء والائمّة علیهم السلام مذهب تفوق مرتبته هذه المرتبة وترقي علیها ، والاكثر انسجاماً واطمئناناً ؛ ألا وهو مذهب الشهود . إنّ ذلك النمط من السير والتحرّك نحو معرفة الحقّ تعإلی ينطق قائلاً : إنّ هناك حاسّةً أُخري أرقي من أذهاننا وأسمي من القوي المفكّرة لايّ إنسان مُفكِّر ؛ أنا شخصيّاً لا أعلم ما تُسمّونها ؛ ربّما الحاسّة السادسة أو غير ذلك ! ما أُريد قوله ، هو أ نّه توجد حاسّة أُخري في الإنسان هي الوجدان ، ويدعونه بالقلب والفؤاد أو الضمير . قولوا عنه ما شئتم ؛ علی الإنسان أن يدرك الله بتلك الحاسّة . توجد هذه الحاسّة في جميع أفراد البشر وهي حاسّة قويّة وفعّالة جدّاً ؛ لكنّ الابتلاء بالمادّيّات والجري وراء الا´مال الخسيسة والدنيئة والبهيميّة والشيطانيّة ، والغوص في الخيالات والاهتمام بأوهام عالَم الاعتبار والكثرات ، كلّ تلك أضحت حُجُباً غَطّت تلك الحاسّة بالكامل ، وأدّت إلی إضعافها وخنقها . وهنا يكمن السبب في عجز الإنسان عن الاستفادة من تلك الحاسّة ؛ فلو سلك طريق العبوديّة الحقّة فإنّ وصوله به سيكون سهلاً يسيراً . إنّ أيّ نبيّ بُعِثَ كان يقول : أيُّها الناس ! اتَّقُوا اللَهَ وَأَطِيعُونِ . وقد وردت هذه العبارة علی لسان عدّة من الانبياء في سورة الشعراء حيث كان كلّ واحد منهم يقول : فَاتَّقُوا اللَهَ وَأَطِيعُونِ . أي : افعلوا كلّ ما آمُركم به ، وانتهوا عن كلّ فعلٍ أنهاكم عنه ، حتّي يتولاّكم الله برحمته ويغفر لكم خطاياكم ! أقيموا الصلاة ! آتوا الزكاة ! صوموا ! آمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ! اثبتوا في البأساء والضرّاء ! حِجّوا بيت الله الحرام ! جاهدوا ! افعلوا كذا وكذا ! قوموا في ليإلی الشتاء القارص وأدّوا النوافل ! صوموا صياماً مستحبّاً في أيّام الصيف القائظ ! هذا هو الطريق ! طريق الجهاد مع النفس ! طريق اكتساب مرضاة الله تعإلی ومحاربة النفس البهيميّة السبُعيّة الإبليسيّة ؛ حتّي يسترقّ حجاب الوجدان شيئاً فشيئاً ، ذلك الحجاب الذي أدّي بتلك الحاسّة إلی الانزواء والاختفاء . فإذا استرقّ الحجاب سيُضيء ما قد كان أودعه الله في القلب ، وسيشعّ النور الوضّاء في القلب ومصباح الباطن . وقد نري أنّ القوي الذهنيّة لبعض الناس عاطلة عن العمل ، وأنّ دماغهم خَرِب قد تشابكت الاسلاك فيه مع بعضها ، فصار ينبغي أخذهم إلی طبيب نفسانيّ أو مَصحّ الامراض العقليّة . وكم من أُناس يملكون الوجدان إلاّ أ نّه مُعطَّل عندهم تماماً . ففي قلوبهم مصباح لكنّهم غَطّوه بستارٍ مُظلِم . وهنا لابدّ من إزالة ذلك الستار حتّي يشعّ النور الباطن . لابدّ من التطلّع نحو الاُفق حتّي يكون بالإمكان رؤية شمس الاحديّة . لقد وهب الله كلّ واحد من أفراد البشر مصباحاً مُضيئاً وسراجاً مُنيراً ؛ وقد جَبَلَ سبحانه وتعإلی طينتهم جميعاً بنور الباطن وحقيقة المعني . إنّكم خلفاء الله ! إنّكم بشر ! إنّ ما أُعطيتم من القابليّات لم يُعطَ إلی مخلوق آخر ؛ ولقد مَنّ علیكم برابطة وعلاقة وآصرة تصلكم به لم يمنحها أيّ موجود سواكم . ألزم النبيّ إبراهيم قومَه العرفان الشهوديّ عن طريق البحث الفلسفيّألم يكن إبراهيم خليل الله وموسي كليم الله وعيسي روح الله ومحمّد حبيب الله علیهم الصلاة والسلام بشراً ؟! لقد استفادوا من ذلك السراج وأزاحوا عنه كلّ الحُجُب حتّي أضاء نورهم الباطن مُغشياً كلّ العالَم بشعاعه . وكان إبراهيم علیه السلام قد قال في صغره وحداثة سنّه : إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ و قَوْمُهُ و قَالَ أَتُحَـ'´جُّو´نِّي فِي اللَهِ وَقَدْ هَدَب'نِ وَلاَ´ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ´ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْـًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ علیكُمْ سُلْطَـ'نًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالاْمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُو´ا إِيمَـ'نَهُم بِظُلْمٍ أُولَـ'´نءِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـ'هَآ إِبْرَ هِيمَ علی' قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـ'تٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ علیمٌ . [19] واعلم أنّ مُحاجّة إبراهيم علیه السلام هذه لقومه ومجادلتهم له وجوابه المنطقيّ علی ذلك قد حدثت بعد أن ألزمهم الحجّة بتقريب قياس البرهان وتعيين صغري الفلسفة وكبراها كما تدلّ علی ذلك الا´يات السابقة للا´يات الا´نفة الذكر : فَلَمَّا جَنَّ علیهِ إلَیلُ رَءَا كَوْكَبًا قَالَ هَـ'ذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاَ´ أُحِبُّ الاْفِلِينَ * فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـ'ذَا رَبِّي فَلَمَّا´ أَفَلَ قَالَ لَنءِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّإلینَ * فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـ'ذَا رَبِّي هَـ'ذَا´ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَـ'قَوْمِ إِنِّي بَرِي´ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . [20] نلاحظ في الا´يات أعلاه مسألة إثبات ربوبيّة الكوكب والقمر والشمـس أوّلاً بالقياس الصغـرويّ والكبرويّ علی النمـط التإلی : هذا كوكب مُضيء هو ربّ ؛ ونتيجة ذلك : هذا الكوكب المضيء هو ربّي ! وهذا قمر منير ، وكلّ قمر منير هو ربّ ؛ ونتيجة ذلك : هذا القمر المنير هو ربّي ! وهذه شمس مشرقة لا نّها أكبر ، وكلّ شمس مشرقة كبيرة هي ربّ ؛ ونتيجة ذلك : هذه الشمس المشرقة الاكبر هي ربّي ! ولكن لكون أمر كبري هذه المسائل إمّا أن يعود إلی نظرته البدائيّة أو من وجهة نظر قومه ؛ وهذا مرجعه استحقاق كوكب السماء ما للإضاءة والإشراق والتأ لُّق علی الإطلاق وإن صاحبَ ذلك أُفول وغروب ، وفي هذه الحال فهي لا تستحقّ صفة الربوبيّة ، لذا نراه يقوم بتصحيح ذلك ثانية ، حيث قال : إنّ ربّاً يأفل ويغرب لا يستحقّ الربوبيّة ! وعلی هذا الترتيب : فإنّ هذا الكوكب قد أفل ، وكلّ كوكب يأفل ويغرب لا يستحقّ الربوبيّة ؛ ونتيجة ذلك : أنّ هذا الكوكب الا´فل لا يستحقّ الربوبيّة . وهذا القمر المنير قد أفل ، وكلّ قمر منير آفل لا يستحقّ الربوبيّة ؛ ونتيجة ذلك : أنّ هذا القمر المنير الا´فل لا يستحقّ الربوبيّة . وهذه الشمس المشرقة الاكبر قد أفلَتْ ، وكلّ شمس مشرقة أكبر تأفل لا تستحقّ الربوبيّة ؛ ونتيجة ذلك ؛ هذه الشمس المشرقة الاكبر الا´فلة لا تستحقّ الربوبيّة . ويتّضح هنا أ نّه يُشير إلی بطلان كلّيّة الكبري في المحاجّة الاُولي في الاستدلال الثاني . أي أ نّه لمّا كان البرهان الاوّل مستنداً علی أصل الكلّيّة القابلة لربوبيّة الكواكب السماويّة ، وهذه الكبري ليست صحيحة بالطبع ، لذا رأينا غلط نتيجة البرهان ، لا نّنا استخدمنا فيه كبري غير صحيحة . وأُشير في الاستدلال الثاني إلی أ نّه لا يجب علی الربّ الاُفول ، فالنورانيّة ليست الشرط الوحيد في الربوبيّة ؛ بل يلزم دوام تلك النورانيّة واستمرارها . لذا فإنّ الإله الذي إمّا أن يكون شرقيّاً أو غربيّاً أو شمإلیاً أو جنوبيّاً لا تليق به الربوبيّة ؛ لا نّه في هذه الحالة سيكون هو نفسه محتاجاً ومعوزاً ، وفقيراً وضعيفاً ومقهوراً وخانعاً . علی الربّ أن يكون لم يزليّاً ولا يزإلیاً ، لا شرقيّاً ولا غربيّاً ، بلا زمانٍ قبليّ أو بَعديّ . وقد انطوي استدلاله الحقّ في القياس المنطقيّ البرهانيّ علی كلّ تلك الكبريات . ولهذا نراه قام بعد هذا الاستدلال مباشرة ـ كما طالعنا ذلك آنفاً بمخاطبة قومه قائلاً : إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . أي أ نّني قُمتُ باتّخاذ ربّ لي لا يملك أيّ بُعد من أبعاد الزمان أو المكان ولا الكيف أو الكمّ ولا الحَدّ أو العَدّ ولا القَيْد أو الحَصر أو القياس . وهو خالق الجهات والابعاد والنور والظُّلمة والشروق والاُفول . وها أنا ذا أصدُّ بقلبي عن كلّ أنواع الاهواء التي من شأنها تحديده وتقييده والتي تؤدّي إلی ضعفه وفتوره وانحلاله في حرم قدسه ، وأتوجّه إلی هذا الربّ المحيط والمجرّد والنورانيّ المطلق وهو المُشعّ للنور ! النبيّ إبراهيم عليه السلام هو أوّل من أشرق في قلبه نور يقين الملكوتإنّ النقطة المهمّة والاساسيّة وذات الشأن العإلی التي نجدها في الا´ية الشريفة هي : في البدء أحكمَ الله سبحانه قلب إبراهيم علیه السلام بنور إلیقين الحاصل من مشاهدة ملكوت السماوات والارض ، ثمّ أرسله إلی قومه بمهمّة خاصّة وهي إظهار وإيفاء مسألة السير نحو سبيل التوحيد وعن طريق البرهان الفلسفيّ والقياس المنطقيّ ؛ ذلك أنّ نور إلیقين الحاصل في القلب أقوي وأشدّ وأسمي بكثير من استخدام القوي التفكيريّة والتفكّر والتعقّل الفلسفيّ الداخلة إلی الدماغ والذهن والفكر والخيال . ولم نشهد إبراهيم يَفُز بمهمّة مقارعة قومه بالاستدلال والمنطق إلاّ بعد أن تسلّح بالسلاح والحربة الإلهيّتَيْنِ الملكوتيّتَينِ السبحانيّتَينِ . ويمكن استنباط ذلك من الا´يات الشريفة التي سبقت الا´يات الشريفة الاخيرة ، حيث قال : وَكَذَ لِكَ نُرِي´ إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ .[21] ومحصّل الكلام أنّ علی الإنسان أن يخطو بخطوات ثابتة وعزم راسخ وإرادة متينة في طريق المجاهدة واجتياز البهرجة والزخارف الدنيويّة المغرية والخدّاعة ، وينأي بنفسه عن جميع هذه التعيّنات والاهواء الشيطانيّة الماكرة والانانيّة المضيِّعة لعمره ، وأن يستند إلی العمل ويترك القول . وكذلك أن يجتاز « لِمَ » و « بِمَ » و « لَعَلَّ » ، وهجر الدعاوي الباطلة والتجمّعات التي تنعقد تحت اسم مجالس العرفان وذكر الحقّ ، وأن يصل بنفسه إلی حقيقة العرفان وواقعيّة اسم الحقّ تعإلی . علی الإنسان أن يخطو إلی الامام خطوة فخطوة ؛ أن يحجّ ويصلّي ويؤدّي باقي أقسام العبادات بحذافيرها . أن يحيي الليإلی ويقوم الفجر ، ويقضي حوائج الناس ما استطاع إلی ذلك سبيلاً . وأن يهتمّ بالمصلحة العامّة علی حساب نفسه ، وأن لا يرمي بنفسه إلی التهلكة ويضرّ نفسه مادّيّاً ومعنويّاً من أجل إيصال المنفعة والخير إلی الا´خرين . هذا هو مذهب الانبياء ! وهذا هو سبيل وسلوك الانبياء ! وهذا هو المنهج والطريق إلی لقاء الله ! هذا هو مذهب العرفان الذي ليس من شأنه إبطال مذهب البرهان ؛ وهو القائل : إنّ ذلك المذهب لا يكفي لبلوغ الإنسان الحياة الخالدة . فذاك صحيح في محلّه ، وهذا صحيح ولازم في محلّه كذلك ، والإنسان بدون ذلك سيظلّ جائعاً وعطشاناً . إنّ النفحات الربّانيّة التي يجب أن تهبّ علی القلب وتنعشه وترضيه هي الطعام الهنيء والشراب السائغ الذي يحتاج إلیه القلب . إنّ مذهب الفلسفة والبرهان هو بمثابة رمح تقابل به العدوّ ؛ فما الذي تحمله لاجلك أنت ؟! إذا أردت أن تهنأ بطعامك وشرابك فعلیك أن تحمل سيفاً لتتمكّن من الدفاع عن نفسك في مقابل العدوّ أو حيوان مفترس ! وأمّا الرمح فهو لا يُسمن من جوع ولا يؤمن من خوف ! ولو أمسك امرؤٌ بيده سكّينةً لما شبع ، وعلیه أن يتناول الاطعمة المطبوخة والاشربة المأنوسة ليشبع ويرتوي ، وعلیه في نفس الوقت أن يمتلك حربةً يستفيد منها عند الضرورة . فلو اشتغل ألف سنة في مذهب البرهان واكتفي بمطالعة كتب الحكمة والفلسفة واقتنع بمجرّد الاطّلاع علی أفكار الإلهيّين في العالم فلن يصل إلی غايته المنشودة . ولن يهدأ قلب الإنسان أو يطمئنّ فؤاده حتّي يتمّ له لقاء الله ؛ لانّ الطمأنينة والسكينة تتلخّصان في ذكر الله وعدم الغفلة عنه ، ورؤية الجمال السرمديّ والنور الاحديّ بعين القلب . أَلاَ بِذِكْرِ اللَهِ تَطْمَنءِنُّ الْقُلُوبُ . [22] أبيات الفيض الكاشانيّ الراقية في طريق السلوك إلی الله تعإلیوما أجمل وأورع ما أنشد آية الحقّ فقيدنا المرحوم الملاّ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ تغمّده الله في بحبوحات رضوانه مبيّناً سبيل وطريق هذه المسألة المهمّة بأُسلوب واضح و جليّ : ايستادن نَفَسي نزد مسيحا نَفَسي به ز صد سال نماز است به پايان بردن [23] يك طواف سر كوي ولي حقّ كردن به ز صد حجِّ قبول است به ديوان بردن تا تواني ز كسي بار گراني برهان به ز صد ناقة حَمر است به قربان بردن يك گرسنه به طعامي بنوازي روزي به ز صوم رمضان است به شعبان بردن يك جو از دوش مَدِين ، دَين اگر برداري به ز صد خرمن طاعات به دَيّان بردن به ز آزادي صد بندة فرمان بردار حاجت مؤمن محتاج به احسان بردن دست افتاده بگيري ز زمين برخيزد به ز شب خيزي و شاباش ز ياران بردن [24] نَفسِ خود را شكني تا كه اسير تو شود به ز اشكستن كفّار و اسيران بردن خواهي ارجان به سلامت ببري تن در ده طاعتش را ندهي تن ، نتوان جان بردن سر تسليم بنه ، هر چه بگويد بشنو از خداوند اشارت ز تو فرمان بردن [25] وقال أيضاً : بهوش باش كه حرف نگفتني نجهد نه هر سخن كه به خاطر رسد توان گفتن يكي زبان و دو گوش است اهل معني را اشارتي به يكي گفتن و دو بشنفتن [26] سخن چه سود ندارد نگفتنش اولي است كه بهتر است ز بيداريِ عبث ، خفتن[27] ارجاعات [1] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 20 ، ص 543 إلي 548 ، تفسير سورة الإخلاص .
[2]
ـ هذا الكلام لسماحة العلاّمة وقد نَقله الحقير في
كتاب «الشمس الساطعة» .
إنّ لسان حال ومقام كلّ العالَم يقول (لاإله إلاّ الله) سرّاً
وعلانية» . [4] ـ يقول : «تسمع روحي نداء (لا إله إلاّ الله) في كلّ لحظة من من جميع العالَم . إنّ المكان والزمان جميعاً يصرخان (لا إله إلاّ الله) من شدّة شوقهما إلي الحبيب . انصتْ واسمع كلمة (لا إله إلاّ الله) من كلّ ذرّة (بصورت جهوريّ) وواضح كالشمس الساطعة . اعلم أن ليس وحده المؤمن ينادي بالتوحيد ؛ فاستمع إلي كلمة (لا إله إلاّ الله) سومنات الزردشتيّة (وهو معبد في الهند كان فيه صنم معلّق بين السماء والارض) . إنّ كلمة لا إله إلاّ الله مكتوبة علی شوارب غلمان المعبد . إنّ جمال الاصنام وزينتها وغمزات المعشوقين ؛ كلّها (نطقت) مُبيِّنةً بالرموز كلمة (لا إله إلاّ الله) . مُرَّ علی حديقة الازهـار وتأمّل أوراق الزهـور ؛ واقرأ من خـلال عطرها ولونها كلمة (لا إله إلاّ الله)» .
[5]
ـ يقول : «انظر إلي البستان وتفرّج علی الآثار ؛
واسمَعْ من شجرة السرو العالية كلمة (لا إله إلاّ الله) .
مُرَّ علی الجبل أو اذهَب إلي ساحل البحر ؛ واسمَعْ من الجواهر
والمعادن الثمينة كلمة (لا إله إلاّ الله) .
مُرَّ علی البَرّ والبحر وتأمّل اليابس والرطب ؛ واسمع من الجميع ؛
كلمة (لا إله إلاّ الله) .
ستسمع بأُذنيكَ وعقلك أينما اتّجهتَ ؛ كلمة (لا إله إلاّ الله) .
أخرج من أُذنيك قطنة الغفلة ثمّ اسمع ؛ كلمة (لا إله إلاّ الله)
من لسان العاقل والكبير .
اصعَد وانزِل وفكِّرْ بـ (وحدة هو) ؛ واطلَقْ من أعماقك صرخة (لا
إله إلاّ الله) .
لتكن كلمة لا إله إلاّ صادرة من قلبك وروحك لا بلسانك فقط ؛ قلها
بحرارة وشوق» .
جاءني نداءٌ من هاتف الغَيب في السَّحَر ؛ أن يا أيّها الثقلان ! :
(لا إله إلاّ الله) .
كان الصوفيّ والشيخ الكبير يتبادلان الحديث : فماذا قال الشيخ
الكبير ؟ (لا إله إلاّ الله) .
سألتُ شيخ الحانة عن التوحيد ؛ فقال مُحدّثاً الخمرة ؛ اعلَمي أ
نّه (لا إله إلاّ الله) .
لا يكن كلامكَ ، يا فَيضُ ، مقتصراً علی حديث القلب والروح ؛ بل
قُل بلسانك وفمك : (لا إله إلاّ الله)» .
«كلّيات أشعار مولانا الفيض الكاشانيّ» مع مقدّمة ومقابلة لمحمّد
پيمان ، ص 372 .
[10] تكفير أصحاب المعقول ناشي من عدم فهم القصد من كلامهم(ت)ـ ورد في كتاب «روضات الجنّات» ج 7 ، ص 324 إلي 326 ، طبعة دار المعرفة ، ضمن ترجمة لمحمّد بن طرخان أبي نصر الفارابيّ كلام عن المحدّث النيسابوريّ في تكفير المُترجَم ، ثمّ ورد كلام للقاضي نور الله الشوشتريّ في عظمة مقامه وجلاله . ولمّا كان كلا الكلامين جديراً بالمطالعة لذا ارتأينا نقل نصّهما هنا للفائدة : «ثمّ إنّ في كتاب «المنية» للمحدِّثِ النَّيسابوريِّ نقلُ كلامٍ يناسِب درجَ هذا المقامِ عن الرسالة الفارسيّة التي كتبها مولانا محمّد طاهر القمّيّ في بطلان طريقة الفلاسفة والطبيعيّة وخروجهم عن المراسم الدينيّة والشرائع الإسلاميّة ، وكذلك البسطاميّة والحلاّجيّة من الصوفيّة الكشفيّة والكَراميّة وهو في ذلك الكتاب بهذه الكيفيّة من السؤال والجواب : بيّنوا لنا زمان وسبب ظهور وشيوع المذاهب الفاسدة والباطلة للفلاسفة بين أهل الإسلام . بيِّنوا تُؤجَروا ! الجواب : هو المُعين والمُوفّق . اعلم رحمك الله أ نّه لم يكن للفلسفة وجود بين أهل الإسلام قبل عهد المأمون بن الرشيد . وذُكِر في كتاب «رَشف النصائح» أ نّه وقع كتاب من كتب الفلاسفة بِيَدِ أبو مُرّة الكنديّ في الشام فأتي به إلي عبد الله بن مسعود الصحابيّ . فدعي ابن مسعود بطست وماء ثمّ وضع فيه ذلك الكتاب حتّي زال مداده وانمحي . ولم تظهر آثار لكتبهم حتّي زمان المأمون الذي رأي أرسطو في منامه وأخذ من كلامه الكثير . فبعث برسول إلي بلاد الإفرنج وطلب من ملكهم بعض كتب الفلاسفة . فجيء بتلك الكتب إلي بلاد الإسلام وطلب من المترجمين نقل تلك الكتب إلي لغة الضاد . ولمّا كانت دراسة تلك الكتب ومطالعتها تُقرّب دارسيها إلي الخليفة قام أهل السنّة بدراستها والبحث فيها بتعمّق وصبر أملاً في نيل رضي الخليفة والحصول علی جوائزه المغرية وقضوا في ذلك أوقاتاً طويلة ، وبالاخصّ أهل السنّة من سكّان ما وراء النهر الذين كان شعارهم البؤس . وقد بالغ اثنان منهم ـ وأعني الفارابيّ وابن سينا في نشر كفر الفلاسفة وترويج مذهبهم وبذلوا جلّ جهدهم في ذلك ؛ ويُسمّي أهل السنّة الفارابيّ بـ «المُعلّم الثاني» وابن سينا بـ «الشيخ الرئيس» . ولا يخفي علی أهل البصيرة أنّ السبب في خبط دماغ هؤلاء وسقم عقولهم وفساد أفكارهم يعود إلي أقوال الفلاسفة السخيفة والضعيفة والباطلة والمتفلسفة . وقال مولانا النفيسيّ أحد أعظم الاطباء وأفضلهم في كتاب «شرح الاسباب» إنّ الفارابيّ كان مُصاباً بمرض السوداء (المَلَنخوليا) ونقل أنّ كثيراً من الفلاسفة كأفلاطون وأمثاله كانوا مصابين كذلك بهذا المرض . وكان ابن سينا كما يروي المؤرّخون معروفاً بمعاقرة الخمر ، وروي أصحاب الفارابيّ وأتباعه أ نّه كان يُحسن العزف وقيل إنّه كان يضرب علی العود بحيث يجعل الحضور يغطّون في نوم عميق في حين كان يظلّ هو مستيقضاً . وهذا جدّ طريف أن يَروي أصحابه عنه هذا الفسق ويحسبونه من كمالاته إلي آخر ما نُقِلَ عنه في تسوية هذا المرام بتحرير الطارفة من الكلام . وقال صاحب «مجالس المؤمنين» بعد إيراد سمته بعنوان الحكيم الربّانيّ والمعلّم الثاني : محمّد بن طَرخان الفارابيّ قدّس سرّه هو مُعلّم مقالات أهل اليونان ، ومُتمِّم كمالات نوع الإنسان ، الطائر الشاهق الطيران في عالم النفوس والعقول ، السائر في منازل العروج ومراحل الوصول ، فيّاض المعارف والعلوم ، مسلّم فارس والروم ، مُزيّن صحائف الليل والنهار ، مُباين حقائق السبعة والاربعة ، مُنكر آثار التكلّف والتصلّف ، مُظهر أنوار الإشراق والتصوّف . كان أوّل حكيم من فلاسفة الإسلام جلس علی كرسيّ الترجمان ، ناقلاً علم الحكمة من اللغة اليونانيّة إلي العربيّة حتّي لُقِّبَ بـ «المُعلّم الثاني» . قال صاحب كتاب «تاريخ الحكماء» إنّ أباه كان صاحب خيل وخدم وحشم . وهو فارسيّ الاصل إلي أن قال : ولا يخفي أنّ علماء أهل السنّة والجماعة بما فيهم حجّة الإسلام الغزّاليّ (قبل اعتناقه مذهب الإماميّة الحقّ) كفّروا الفارابيّ . وظاهر هذا التكفير هو وجودهم لكلام له في كتبه التي كانت أغلبها ترجمة لكتب حكمـاء اليونان ينـمّ عن القـول بِقدَم العالَم وإنكار المـعـاد الجسمانيّ وأمثال ذلك . والحقّ أ نّهم لم يعوا ما قصده في تلك التصانيف ، فظنّوا أ نّه قال ذلك الكلام عن اعتقاد منه به مع أنّ رسالة «الفصوص» المنسوب إليه يُظهر خلاف ذلك . ثمّ إنّه رحمه الله استدلّ علی تشيّع الرجل بصلاة السلطانِ المبرور المذكور علی جنازته في بضعة من الفضلاء الاجلّة ، وقال : إنّه لم يُرد بذلك إلاّ إيقاعها علی طريقة الشيعة الإماميّة ، وما كان يمكنه بهذا الوجه إلاّ في مقام الخلوة ؛ والظاهر أ نّه كان بمقتضي وصيَّة لهم بذلك . والله أعلم بسرائر الاُمور انتهي كلام صاحب المجالس» . [11] ـ «الإمام علیّ ، صوت العدالة الإنسانيّة» لجورج جرداق ، ص 17 و 18 ، فصل (علیٌّ وحقوق الإنسان) . [12] ـ يقول : «إنّ كفر مثلي ليس سهلاً ولا جزافاً ، فليس من أحد له إيمان ثابت كإيماني . لم يلد الدهر مثلي أبداً ، فإن كنت كافراً فإنّ أحداً في الدهر لم يكن مسلماً» . «روضات الجنّات» ، ج 3 ، ص 179 ؛ طبعة دار المعرفة ـ بيروت ؛ وقال : إنّ أكثر فقهاء العامّة في عصره قاموا بتكفيره . [13] ـ يقول : «إذا دعاني «النظام» الذي لا نظام له ولا قانون واتّهموني بالكفر ؛ فإنّ سراج الكذب لا نور له ولا ضياء . وأنا كذلك سأدعوه مسلماً مع أ نّه ليس كذلك ؛ فالكذب لا يُقابله إلاّ الكذب» . «ريحانة الادب» ج 2 ، ص 179 ، باب خ و ا . [14] ـ جاء في «روضات الجنّات» ج 4 ، ص 121 طبعة دار المعرفة ، ضمن شرح وترجمة أحوال الملاّ صدرا : «ويوجد في غير واحد من مصنَّفاته المذكورة كلمات لا تلائم ظواهر الشريعة ، وكأ نّها مبنيّة علی اصطلاحاته الخاصّة أو محمولة علی ما لا يوجِب الكفر وفساد اعتقادٍ له بوجه من الوجوه ؛ وإنْ أوجبَ ذلك سوء ظنِّ جماعةٍ من الفقهاء الاعلام به وبكُتبه بل فتوي طائفةٍ بكفرِه . فمنهم مَن ذكر في وصف شرحه علی «الاُصول» : شروح «الكافي» كثيرة جليلة قدراً ؛ وأوّل من شرحه بالكفر صدرا هذا» . [15] ـ قال في «الروضات» ج 6 ، ص 81 ضمن شرح وترجمة أحوال الملاّ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ : «ومن جملة مَن كان يُنكر علیه أيضاً كثيراً ، من علماء زمانه هوالفاضل المحدِّث المقدَّس المولي محمّد طاهر القمّيّ ، وصاحب كتاب «حجّة الإسلام» وغيره . وإن قيل إنّه رجع في أواخر عمره من اعتقاد السوء في حقِّه ، فخرج من قمٍّ المباركة إلي بلدة كاشان للاعتراف عنده بالخلاف والاعتذار لديه بحُسن الإنصاف ماشياً علی قدميه تمام ما وقع من البلدَين من المسافة إلي أن وصل إلي باب داره وأنافه ، فنادي : يا محسنُ قد أتاك المُسيءُ ! فخرج إليه مولانا المحسن وجعلا يتصافحان ويتعانقان ويستحلُّ كلٌّ منهما من صاحبه . ثمّ رجع من فوره إلي بلده ، وقال : لم أُرِدْ من هذه الحركة إلاّ هضم النفس وتدارُكَ الذنب وطلب رضوان الله العزيز الوهّاب» .
[16]
ـ «الروح المجرّد» في ذكري الموحّد العظيم والعارف
الكبير الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد .
[18]
ـ اسمه بالفرنسيّة «
Dieu dans la nature
» .
أزِح عن كاهل الآخرين الوزر والعبء ما استطعت ؛ فذلك أفضل من
تقديم مائة من النوق الحُمر كقربان .
وأن تُطعِمَ جائعاً في يوم ؛ لافضل من صوم رمضان حتّي شعبان .
وإذا استطعت إزاحة الثقل عن كاهل المَدين ولو بقَدر حَبّة شعير ؛
فهو أفضل من مائة إردَبّ من الطاعات تقدّمها إلي (الله) الديّان .
وإنّ قضاء حاجة المؤمن المحتاج إلي الإحسان ؛ لافضل من تحرير رقبة
مائة عبد مطيع مخلص .
وأخذك بِيَدِ الساقط علی الارض لتوقفه علی قَدميه ؛ أفضل من
قيام الليل وأغلي من حصولك علی الهدايا من أحبّائك وخلاّنك» .
إذا ابتغيتَ أن تؤمِّنَ علی روحك فافدِ بدنك ؛ فإيّاكَ أن تُطيعَ
بدنك ، فإنّك بذلك ستخسر روحك .
سلّم واخضع للّه واستمع لما يقول : وائتمر بأمره إذا أشار علیك» .
«الكني والالقاب» ، للمرحوم المحدّث القمّيّ ، ج 3 ، ص 32 ؛ مطبعة
العرفان صيدا ، نقلاً عن «روضات الجنّات» .
إنّ كلام أهل المعني (وأُولي الالباب) وقولهم ليس هناك إلاّ
لساناً واحداً وأُذنَيْنِ ؛ يُشير إلي أنّ القول يكون بواحد والسمع
إنّما يكون باثنينِ» .
«الكني والالقاب» ج 3 ، ص 33 .
|
|
|