|
|
الصفحة السابقةالاستدلال الجميل للسيّد حيدر علی وحدة الوجود بحديث كميلالسيّد حيدر : إثبات وحدة الوجود من آية : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُومع هذا فإنّنا سنشرع توّاً في بيان ذلك وتفسيره مرّة أُخري ، بل مرّات عديدة ، بأحسن وجه وألطف الامثلة ؛ وسنسعي إلي إيصال هذه المعاني إلي ذهنك ، متّكلين في ذلك علی الله تعالي . وعلی هذا الاساس نقول : أعلم أ نّك لمّا تحقّقت في هذه المسألة وبرهنت علی أنّ الوجود واحد ، وأنّ ذلك الوجود مطلق لا مقيّد ، وأنّ الموجودات المقيّدة منسوبة إلي ذلك الوجود المطلق ؛ وعلمتَ في هذه الحالة أنّ الموجودات المقيّدة لا وجود لها في الحقيقة ، ذلك أنّ وجودها إضافيّ نسبيّ ، لا نّها عبارة إضافة ونسبة المطلق إلي المقيّد وهذه الإضافة وتلك النسبة لا تحقّق لهما في الخارج . وعلمتَ كذلك أنّ الوجود المطلق هو نفسه المقيّد بعينه ولكن بوجه آخر . وعلمتَ أنّ المقيّد هو المطلق نفسه مع قيد الإضافة . وعلمتَ أنّ لا وجود لموجود آخر في الخارج إلاّ للوجود المطلق ، وذلك أ نّك لو أسقطتَ الإضافات والنسب عن جميع الموجودات فإنّك ستري الوجود علی صرافة وحدته ومحوضة إطلاقه ، وستجد كذلك أنّ الوجود المقيّد إنّما هو موجود بوجود المطلق ومعدوم بعدمه . وهذا معني كلامهم : التَّوْحِيدُ إسْقَاطُ الإضَافَاتِ .[1] ومثال هذا الامر بعينه ـ أي مثال ذلك الوجود المطلق مع الوجود المقيّد ، والموجوديّة المقيّدة ومعدوميّتها مثال الشمس والظلال الموجودة من أثرها وتكوّن هذه الظلال وتلاشيها ، ذلك لانّ الظلال لا موجوديّة لها إلاّ بواسطة الشمس ، من جهة أ نّه لو لم تكن الشمس موجودة لم يكن هناك وجود للظلّ علی الإطلاق ، مع أنّ الشمس لو طلعت بنفسها ، لما كان هناك وجود للظلال . إذَن فوجود الظلال منوط بالشمس ، وأمّا غيابها وانعدامها عن الشمس فسببه إلي جرم الشمس وأشعّتها . وهذا من جهة أنّ الشمس لو ظهرت بشكلها وشعاعها لزالت الظلال وتلاشت عن أصل وجودها وكينونتها . ولو غابت الشمس بذاتها وجرمها عن الظلال وبقي أثر ظهورها علیها ، فإنّ تلك الظلال ستبقي علی أصل حالها الوجوديّ ، فتغدو آنئذٍ ظلالاً متعيّنة بوجود ظلّيتها . فالواقع أ نّه لا وجود إلاّ للشمس وأثرها ، ولا تمتلك الظلال شيئاً سوي الاسم والاعتبار ونحن نعلم أنّ الاسم والاعتبار إنّما هما أمران عدميّان ولا موجوديّة لهما في الخارج ، وعلی هذا فإنّ كلّ وجود للموجودات يكون بهذا الوجه بالنسبة إلي وجود الحقّ . فلو ظهر الحقّ بوجوده ، لن يبقي عندها للمخلوق وجود ، لانّ وجود الخلق ـ كما تقدّم ليس إلاّ أمراً إضافيّاً اعتباريّاً ، ولا توجد الإضافة والاعتبار في الخارج . واستناداً إلي ذلك ، لا وجود لوجود إلاّ من أجل الحقّ ؛ وهذا معني قوله تعالي : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ و لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . [2] أي جميع الموجودات التي لها ( صفة ) الإضافة والنسبة مع الحقّ كلّها هالكة وفانية إلاّ ذاته . فالذات باقيّة أبداً . لَهُ الْحُكْمُ أي أنّ البقاء الحقيقيّ الابديّ له . وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بمعني أنّ جميع هذه الموجودات بعد طرح النسبة وإسقاط الإضافة عنها راجعة إلي الله . وكلمة «وجه» باتّفاق العلماء يُراد بها الـ «الذات» ولهذا يجب أن يكون التقدير في الا´ية راجع إلي لفظة ذات كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ، أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ . [3] ولهذا يقول : كُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ . [4] وإنّما أراد بكلمة «علیها» حقيقة الوجود التي بها يكون قيام الموجودات وقد مرّ تفسير هاتين الا´يتين مراراً . والحقّ أنّ هاتين الا´يتين بعد قول الله تعالي : اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ إلي آخر الا´ية ، [5] وقوله تعالي : سَنُرِيهِمْ إ يَـ'تِنَا فِي´ الاْفَاقِ وَفِي´ أَنفُسِهِمْ [6] إلي آخر الا´ية ؛ هما من أعظم آيّ القرآن وأشرفها في باب التوحيد والتحقيق . وَتِلْكَ الاْمْثَـ'لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا´ إِلاَّ الْعَـ'لِمُونَ . [7] ولو أشكلْتَ فقلتَ : إنّ هذا المثال لا يطابق دعواك ولا يواءم ادّعائك ، لا نّك قد قلتَ : فلن يكون هناك وجود للظلال إلاّ بعد غيبوبة الشمس عنها . وقلتَ كذلك : لا وجود لايّ شيء في هذا العالم غير الحقّ تعالي . بل وقلتَ أكبر من هذا إنّ وجود الخلق ليس إلاّ أمراً إضافيّاً اعتباريّاً . في حين أنّ الظلال ليست كذلك . ذلك أنّ الظلّ لا يمكنه أن يكون هو الشمس بعينها بأيّ وجه من الوجوه . فأُجيبُكَ قائلاً : إنّ المطابقة في المثال أعلاه تكفي من وجهة واحدة ؛ وتلك الوجهة عبارة عن : أنّ الظلال لا وجود لها إلاّ بالشمس ، وبغياب الشمس عنها بجسمها وذاتها ؛ وكذا الخَلق بالنسبة إلي الحقّ فهو علی هذا الشكل أيضاً ، لانّ لا وجود للخَلق إلاّ بالحقّ وبغيبة الحقّ عنه ( أي عن الخَلق ) ذاتاً وحقيقة . إذَن ، فكما أنّ غياب الشمس يمثّل استقرار الظلّ وقيامه بنفسه وتعيّنه ، وأنّ حضور الشمس يعني فَناء الظلّ وعدمه ، فكذلك غَيبة الحقّ التي تمثّل قيام الخَلق بنفسه وتقيّده ، وحضوره تعالي يعني فَناء ذلك الخَلق وعدمه . وكلام الله تعالي القائل : كُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ إشارة ( صريحة ) إلي هذا المعني . فافْهَم هذا المهمّ لا نّه دقيق ؛ لكنّه لطيف مع وجود الدقّة ! وليس هذا المثال ( الشمس والظلّ ) محصوراً بي ومقتصراً عَلَیّ ، بل اعتمده جميع المفكّرين وأرباب التحقيق ، ولا يخفي هذا الامر علی أهل وأصحابه ، وإن شاء الله تعالي ستجد ذلك في كلامهم فيما بعد . وقد أشار الحقّ جلّ جلاله إلي هذا المعني في كلامه : أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ و سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَـ'هُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا . [8] ولا يمكن أن يكون مراد الحقّ تعالي من الظلّ والشمس في هذه الا´ية هو الليل والنهار ؛ وهو ما سار علی نهجه أرباب التفسير . لا نّه تعالي ذكر بعد ذلك قائلاً : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا . [9] بل المراد من الشمس والظلّ هو « الوجود والعدم » كما أشرنا إلي ذلك في الاصل الثاني والثالث من هذا الكتاب . وأمّا تأويل هذه الا´ية فطويل مطنب وتفسيرها عريض مسهب وهو ما لا يتّسع له المجال هنا . ومعني كلامنا هو أنّ المراد بالظلّ وتمديده يشير إلي الوجود الإضافيّ الاعتباريّ المقرّر علی جميع الموجودات أزلاً وأبداً . والمراد بسكونه إعدام تلك الموجودات وإهلاكها علی الوجه الذي ذُكِرَ آنفاً . والمراد بجعل الشمس دليلاً له هو أنّ الشمس حقيقة ولها وجود مطلق مُسَمّيً بالنور ، في قوله تعالي : اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ . والمراد من قبضه عدم إضافته إلي الوجود المطلق ونسبته إليه ، وإسقاط ذلك بالجملة . وأمّا المراد من يسيراً هو يسر إسقاط الإضافة والاعتبار وسهولتهما ، وإبقاء الوجود علی صرافة وحدته . فكلّ ما ذكرناه بهذا الخصوص إنّما كان يستند إلي اصطلاحات العرفاء بالله ، وذلك لا نّهم ذكروا هذا الاصطلاح في هذه المسألة ؛ فشرعوا بدءاً بتعريف الظلّ وتحقيقه ، ثمّ قسّموا الظلال وأطلقوا علی تلك الاقسام أسماءً مثل الظلّ الاوّل والظلّ الثاني وهكذا ، ثمّ بعد ذلك عمدوا إلي تفصيل الظلال وتعيينها . فأمّا ما قالوه في تعريف ذلك فهو : إنّ الظلّ عبارة عن وجود إضافيّ يظهر بتعيّن أعيان الممكنات ؛ وأمّا أحكام الظلال التي هي معدومات فهي تظهر باسم الحقّ الذي هو « نور » ووجود خارجيّ والذي إليه تُنسَب التعيّنات . وعلی هذا فإنّ النور الظاهر بصور الاعيان الممكنة يتسبّب في زوال ظُلمة عدميّتها . ولذا تغدو الاعيان الممكنة ظلاّ ، وذلك لانّ ظهور الظلّ إنّما يكون بوساطة النور وعدميّته في نفسه وبواسطته هو . قال الله تعالي : أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ، أي أنّ الله تعالي أضفي علی الممكنات وجوداً إضافيّاً . وعلیه فإنّ الظُّلمة المتكوّنة في مقابل هذا النور إنّما هي عبارة عن العدم ، فكلّ ظُلمة تعني انعدام النور من شيء له شأنيّة الاستنارة . وعلی هذا الاساس سُمِّيَ الكُفرُ ظُلمة وذلك لانعدام نور الإيمان في القلب الذي له شأنيّة الاستنارة . يقول الله تعالي : اللَهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إِلَي النُّورِ إلي آخر الا´ية . [10] كانت تلك عباراتهم ( أي عبارات العرفاء بالله ) في تعريف الظلّ ، وأمّا كلامهم في تفصيل الظلال وتقسيمها فهو من جهة أنّ هؤلاء العرفاء اعتبروا العقل الاوّل « ظلاّ أوّلاً » ، واعتبروا جميع العالَم « ظلاّ ثانياً » . فأمّا اعتبارهم العقل الاوّل ظلاّ أوّلاً فهو من جهة كلامهم القائل : إنّ الظلّ الاوّل عبارة عن العقل الاوّل لا نّه كان أوّل تعيُّنٍ ظهر بنور الحقّ تعالي وتقبّل صورة الكثرة ـ والتي هي من شؤون الوحدة الذاتيّة علی نفسه . وكذلك من جهة أنّ الإنسان الكامل المُسمّي بـ « الإنسان الكبير » هو حقيقة هذا العقل أو قل هو العقل نفسه ؛ وسَمّوه بـ « ظلّ الإله » قائلين : ظِلُّ الإلَهِ هُوَ الإنْسَانُ الكَامِلُ المُتَحَقِّقُ بِالحَضْرَةِ الوَاحِدِيَّةِ . وكذا يقاس هذا الامر في تسميتهم خلفاء الله بـ « الظلّ » في كلامهم الذي يقولون فيه : أُولَئِكَ ظِلُّ اللَهِ فِي الاَرْض . وهكذا الحال في ما قالوه مجازاً عن السلاطين من أ نّهم : ظلُّ الله في الارض ؛ وأمثال ذلك . وأمّا اعتبارهم جميع العالَم ظلاّ ثانياً ، فذلك لقولهم : العالَم هو الظلّ الثاني ولا شيء في عالَم الوجود غير وجود الحقّ الظاهر بصور جميع الممكنات . ولهذا سُمّيَ الوجود الحقّ بـ « سِوَي » و « غَير » لظهور الحقِّ بتعيّنات الممكنات باعتبار إضافة الحقّ ونسبته إلي الممكنات ، وذلك لا نّه لا وجود للممكن إلاّ بهذه النسبة ، وإلاّ فالوجود هو عين الحقّ ، والممكنات ثابتة في عِلم الحقّ علی الرغم من عدميّتها ؛ فالممكنات شؤون ذاتيّة للحقّ . وبناءً علی ذلك فإنّ العالَم هو صورة الحقّ ، والحقُّ هو هُويّة العالَم وروحه . وهذه التعيّنات في الوجود هي أحكام للاسم « الظاهر » للحقّ حيث إنّ « الظاهر » مجليً للاسم « الباطن » ؛ والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب » . [11] توضيح شرح السيّد حيدر لحديث كميلوعموماً كان هذا شرح وتفصيل لحديث كميل والذي ذكره السيّد حيدر ، والحقّ أ نّه لم يترك في توضيح ذلك وتفسيره شيئاً من الشرع والعقل والشهود إلاّ واستخدمه فيهما . إلاّ أ نّه قد استند في موضعين إلي ظاهر لفظ القرآن بدل تأويله : الاوّل : قال في الا´ية كُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَانٍ : وَأَرَادَ بِـ «عَلَیهَا» حَقِيقَةَ الوُجُودِ القَائِمَةَ بِهَا المَوْجُودَاتُ . [12] مع أ نّه واضح من جهة لفظة القرآن وإرادة المعاني الظاهريّة أنّ مرجع الضمير في علیها يجب أن يكون إلي الارض لا إلي حقيقة الوجود . ثمّ إذا كان بالإمكان استنتاج تلك المعاني بالمعني التأويلي فلا إشكال فيه . فليس لمعاني القرآن الباطنيّة أيّة تنافٍ أو ضدّيّة مع المعاني الظاهريّة له ، بل إنّهما سائران علی خطّ واحد ، فبالحفاظ علی المعاني يمكن التمسّك ببواطن القرآن ؛ لا أن يُبطِل المعني الباطنيّ فيه المعني الظاهريّ ، ويمتنع أو يتجنّب التمسّك بذلك والاستظهار به فيُزيل ذلك الظاهر من الاصل . الثاني : قال في الا´ية أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ إلي آخر الا´ية : وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالظِّلِّ وَالشَّمْسِ ، اللَيْلَ وَالنَّهَارَ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَرْبَابِ التَّفْسِيرِ ؛ لاِ نَّهُ قَالَ عَقِيبَهُ : «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا» . بَلِ المُرَادُ بِهِمَا الوُجُودُ وَالعَدَمُ . [13] وهنا يقال كذلك : بناءً علی أصل حجّيّة ظواهر كتاب الله الكريم ، يجب أن يكون لفظ الشمس والظلّ والليل والنهار بهذا المعني المصطلح علیه والمفهوم عند العرف والعامّة ، وإناطة استنتاج المعني التأويليّ من ذلك إلي حقيقة وجود الحقّ والتعيّنات ؛ لا أن نسلخ الا´ية من معناها الظاهر بشكل مجرّد ونستعيض عنه بالمعني الباطنيّ ! ومضافاً إلي هذا لم يتبيّن استدلاله واستشهاده بحسب مدّعاه هو بالا´ية التي تلتها : «وَهُوَ الَّذِي» . فما الإشكال والاختلاف بين هاتين الا´يتين لو أ نّنا أخذنا لفظتي الشمس والظلّ بمعناهما الظاهريّ والاحتفاظ بمعني الليل والنوم في الا´ية التي بعدها ؟! تفسير سماحة الاُستاذ العلاّ مة لا´ية : أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّولهذا نري أنّ سماحة أُستاذنا الاعظم قدّس الله تربته قد أبقي علی ظاهر معاني الشمس والظلّ في تفسيرها لهذه الا´يات ، حيث قال في تفسيره : « وأمّا ما ذكروه من أنّ هذه الا´يات نزلت ببعض الادلّة عن التوحيد علی أثر جهل المعرضين عن ذلك وضلالهم ، فإنّ سياق الا´يات لا يعين علی هذه الدعوي . ونتطرّق هنا لإيضاح ذلك بإيجاز ، فنقول : إذن فإنّ كلام الله تعالي : أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ و سَاكِنًا ، تنظير لشمول جهالة بني آدم وضلالتهم ورفع الله تعالي ذلك برسالة الرسل ودعوتهم الحقّة كما يشاء هو . ويلزم أن يكون المراد من امتداد الظلّ ، ذلك الظلّ الحادث الذي يصبح عارضاً بعد زوال الشمس ثمّ يتزايد شيئاً فشيئاً من جهة المغرب باتّجاه المشرق ، بحسب اقتراب الشمس من الاُفق وميزان ذلك ؛ بحيث لو غربت كان بلغ مقدار امتداد الظلّ غايته فيجنّ الليل . وهذا الظلّ متحرّك في جميع حالاته ولوشاء الله لجعله ساكناً . وقول الله تعالي : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیهِ دَلِيلاً ؛ دليل علی وجود هذا الظلّ والشمس وحدها بنورها هي التي يمكنها أن تدلّ علی وجود ظلّ ما ؛ وبانبساط ذلك النور واتّساعه بالتدريج ، تدلّ علی تمدّد وانبساط الظلّ تدريجيّاً . ولو لم تكن الشمس موجودة ما تنبّه أحد أصلاً لوجود الظلّ . وذلك أنّ السبب العامّ والعلّة الكلّيّة لتمييز الإنسان بعض المعاني عن بعضها الا´خر ، هو تحوّل الاحوال المختلفة واختلاف الحالات المتباينة التي تعرض له من فقدانها ووجدانها . فالإنسان يتفقّد وجود الشيء الذي كان بحوزته إذا فقده ؛ ولو عثر علی الشيء الذي كان قد فقده عندها يتنبّه إلي غيابه . ولا يمكن تصوّر أمر ثابت لا يعتريه أيّ تغيّر ولا يشوبه أيّ تبدّل علی الإطلاق . وقوله تعالي : ثُمَّ قَبَضْنَـ'هُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا معناه أ نّنا نزيل ذلك الظلّ بشروق الشمس وارتفاعها تدريجيّاً في الفضاء حتّي ننسخه تماماً ويمّحي . وقد استخدم تعالي لفظة « قبض » للتعبير عن معني إزالة الظلّ ونسخه ، واجتذابه نحوه ، ووصف القبض بالـ « يسير » ؛ وكلّ ذلك يدلّ علی كمال القدرة الإلهيّة ، وأن لا شيء يعسر علیه ، وأنّ فقدان الاشياء بعد وجودها لا يعني بطلان تلك الاشياء وانعدامها ، بل رجوعها إلي الله تعالي ومآلها إليه . فما ذكرناه في تفسير «مَدَّ الظِّلَّ» بتمديده بعد زوال الشمس مُستنبَط من سياق الا´يات ـ كما أشرنا إلي ذلك وإن كان يتأ لّف من معني لم يذكره المفسّرون ، إلاّ أ نّه غير مخالف لما قالوه . كقول بعضهم : المراد هو الظلّ الذي يكون ما بين طلوع الصبح الصادق إلي طلوع الشمس . وكقولهم : المراد هو الظّل الذي يكون ما بين غروب الشمس إلي طلوعها . أو كقول البعض الا´خر : هو ذلك الظلّ الذي يظهر ويتكوّن مقابل الجبال الشامخة أو الابنية أو الاشجار في مقابل ضوء الشمس . وكذلك قول بعضهم ـ وهو أسخف الاقوال المراد به هو ذلك اليوم الذي خلق الله فيه السماء وجعله علی شكل القُبّة ، ثمّ بسط الارض تحت تلك السماء فسقط ظلّ السماء علی الارض » . [14] تفسير الحقير لكيفيّة إطلاق آية «مدّ الظلّ»لا جَرَم ، أنّ ما تفضّل به حضرة الاُستاذ في هذا المقام ، والذي هو في منتهي الدقّة والإتقان ، لاغبار علیه ؛ ولكن خطرت في بال العبد الحقير ملاحظة فيما يخصّ أقواله وجدتُ من المناسب ذكرها هنا ، وهي : لماذا نأتي علی ذكر ظلّ الشمس من وقت زوالها وحتّي غروبها حصراً ؟ في حين يمكننا أنّ نعمّم الا´ية علی جميع الجهات ، وأن يكون المراد من الظلّ ، الظلّ في طوال الليل والنهار ، من زوال الشمس إلي الزوال اللاحق . نوضّح هنا : إلي أنّ الإنسان يري الظلّ يكبر شيئاً فشيئاً من مكانه باتّجاه المشرق وذلك وقت زوال الشمس من دائرة نصف النهار ، أي حينما تكون الشمس واقعة علی سمت رأسه ، ويكون أقلّ ذلك الظلّ عند الزوال وأكبره عند غروبها واستتارها وراء الاُفق . وحسب افتراضنا هذا أوّل الظلّ . وهو يظهر بوساطة شيء بارز كالجبل أو البناء أو الاشجار وغير ذلك . ثانياً ، أ نّه ظِلّ الليل ذلك الذي يصنع حقيقة الليل ، وهو عبارة عن الظلّ الحاصل من غروب الشمس وحتّي طلوعها . وعلی الرغم من أنّ هذا الظلّ غير متباين ، وذلك من جهة عدم سطوع النور علیه ، وأنّ الليل كلّه متساوٍ بالنسبة لوقوعه تحت ظلمة الظلّ المخروطيّ المحيط بنصف الكرة الارضيّة ، لكنّه يختلف من ناحية الشدّة والضعف . فكلّما ابتعدنا عن الغروب ، فإنّ ظلّ الليل يشتدّ ويثبت أكثر فأكثر ، حتّي تبلغ ظلمة الليل أقصي حدٍّ لها وذلك عند منتصف الليل حينما تكون الشمس واقعة علی سمت القدم في الطرف الا´خر من الارض . أمّا ابتداءً من منتصف الليل وحتّي طلوع الشمس فإنّ شدّة الظلّ وظلمته تضعف حتّي تصل إلي أضعف درجاتها وذلك قبيل شروق الشمس . ثالثاً ، أنّ ظلّ النهار يكون من لحظة طلوع الشمس وحتّي زوالها . وبمجرّد طلوع الشمس فإنّ ظلّ الليل يتواري ولا تحمل أيّة ذرّة أو نقطة منه أدني تحقّق وجوديّ ؛ ولكن ما أن تشرق الشمس حتّي تتكوّن الظلال علی الارض في إزاء الاشياء البارزة والابنية والاشجار والجبال وغيرها ، وذلك باتّجاه الغرب ، وأطول هذه الظلال تتكوّن لحظة الشروق ، وكلّما ارتفعت الشمس أخذت بالتقلّص تدريجيّاً حتّي تصل إلي أقلّ حدّ لها وذلك عندما تفصلها عن الزوال لحظة واحدة . وطِوال فترة الليل والنهار تلك يكون الظلُّ موجوداً ؛ ولامتداده ( أي امتداد الظلّ ) مصداق خارجيّ . ودلالة الشمس علیه متحقّقة أيضاً ؛ والله قادر علی أيقاف ذلك الظلّ في أيّة لحظة شاء ، وذلك بإيقاف حركة الارض وتباطؤ اختلاف الليل والنهار . وكذلك الحال مع جَذب الله الظلّ نحو الذي دعاه بالقبض ، فهو يمتلك مصداقاً خارجيّاً في كلّ لحظة من الليل والنهار . وسهولة جذب الظلّ وقبضه واحدة كذلك لدي الحقّ المتعال . إنّ شروق شمس الرسالة وتلالؤ نورها وبسطه للمؤمنين والتابعين موجود علی الدوام ؛ وكذلك عناد المعاندين وعدم إيقانهم وإيمانهم وضلالتهم وجهالتهم ، فهي موجودة بأشكال مختلفة علی الدوام ؛ فيزداد عنادهم شيئاً فشيئاً منذ الزوال الاوّل الذي عَبّرت عنه الا´ية في تنظيرها بالظلّ ، ويستمرّ بالتزايد تدريجيّاً حتّي غروب الشمس حيث تصل الضلالة أقصي حدّ لها دون توقّف ، بل وتصل الضلالة الحدّ الاعلی والاكمل لها عند منتصف الليل حين تكون شمس الرسالة في أبعد نقطة عنهم . وعندها يقبض الله سبحانه الضلالة نحوه ويبدأ الظلّ الليليّ بالتضاؤل حتّي طلوع الشمس حيث لن يبقي لذلك أيّ أثر . ومنذ طلوع الشمس حيث يوجد أطول ظلّ ممتدّ إلي جهة المغرب ، لا يزال حُكم ضلالتهم الصرفة وتَيْههم البحت قائماً ، حتّي تتحوّل تلك الضلالة إلي هداية وظُلمة الظلّ إلي نور وذلك بارتفاع شمس الرسالة وشروقها تدريجيّاً ؛ وهكذا فلن يبقي أثر لتلك الضلالات البحتة حتّي الزوال ، لانّ شمس الرسالة قد جذبت الكلّ نحوها فزالت جميع الظلال وامّحت . وعلی هذا يكون من الانسب التمثيل بحالة الشمس والظلّ في جميع أقسام الليل والنهار وذلك للتعبير عن الضلالة والهداية اللتين ورد ذكرهما في الا´يات السابقة وآية مَدَّ الظِّلَّ والتنظير عن ذلك . ومن وقت الزوال حتّي منتصف الليل حيث يزداد اتّساع الظلّ تدريجيّاً وتتوسّع رقعة الظلام يكون في حُكم المعاندين الذين لم يتّبعوا ضياء شمس الرسالة فكبرت دائرة ضلالتهم يوماً بعد آخر وغمرتهم الجهالة أكثر فأكثر حتّي وصل ذلك أقصي حدّ له . ومن منتصف الليل حتّي الزوال له حُكم المعاندين والضالّين والذين يبدأون بالتخلُّص من عنادهم فيتّجهون نحو الإيمان وصفائه ، ويستمرّ ذلك حتّي الزوال حيث لن تبقي في داخلهم ذرّة واحدة من تلك الظلمة ؛ فقد أصبح أولئك موحّدين خُلَّص وأُناساً كاملين ، وصاروا أطهاراً ومن أهل اليقين والعرفان ؛ فجذب الله ظلال وجودهم لتصدُقَ علیهم حينئذٍ عبارة قَبْضًا يَسِيرًا . نعم ، وقد تفضّل فخر الفلاسفة والحكماء المرحوم الحاجّ الملاّ هادي السبزواريّ قدّس الله تربته [15] بنظم بعض الغزليّات اللطيفة لطلاّب صومعته وعشّاق محيّاه في إمكان العبور من مراحلهم النفسيّة ومنازلها والوصول إلي مقام الفعلیة الإنسانيّة التامّة وحرم حضرة المتكبِّر سبحانه ؛ نكتفي هنا بنقل ثلاث غزليّات منه : أشعار غزليّة للحكيم السبزواريّ في العظمة العرفانيّة للمقام الإ نسانيّالغزليّة الاُولي : سينه بشوي از علومِ زادة سينا نور وسَنائي طلب ز وادي سينا يار عيان است بينقاب در اعيان ليك در أعيُن كجاست ديدة بينا [16] ساغر مينا ز دست پير مغان گير چند خوري غم به زير گنبد مينا طعنه به وَيْسِ قَرَنْ زنيّ وقرين است ديو وددت قرنها وسآءَ قَرينا نيست روا ما قرين ظلمت ديجور روي تو عالم فروغْ ماه جبينا پرتو مهر از فلك به خاك گر افتد خود چه شود ، عيسيا سپهر مكينا يك نفس اي خاك راهِ دوست خدا را بر سر اسرارِ زارِ خاك نشين آ [17] الغزليّة الثانية : ما ز ميخانة عشقيم گداياني چند باده نوشان وخموشان وخروشاني چند [18] اي كه در حضرت او يافتهاي بار ببر عَرضة بندگيِ بي سر وساماني چند كاي شه كشور حُسن ومَلِك مُلك وجود منتظر بَر سر راهند غلاماني چند عشق ، صلح كل وباقي همه جنگ است وجدل عاشقان جمع وفِرَق جمع پريشاني چند سخن عشق يكي بود ولي آوردند اين سخنها به ميان زمرة ناداني چند آنكه جويد حرمش گو به سر كوي دل آي نيست حاجت كه كند قطع بياباني چند زاهد از باده فروشان بگذر دين مفروش خرده بينهاست درين حلقه ورنداني چند نه در اختر حركت بود ونه در قطب ، سكون گر نبودي به زمين خاك نشيناني چند [19] اي كه مغرور به جاه دو سه روزي بر ما كشش سلسلة دهر بود آني چند هر در أسرار كه بر روي دلت بربندند رو گشايش طلب از همّت مرداني چند[20] الغزليّة الثالثة : اختران ، پرتو مشكوة دل انور ما دل ما مَظهر كل ، كل همگي مظهر ما نه همين اهل زمين را همه باب اللهيم نُه فلك در دورانند به دور سر ما برِ ما پير خرد طفل دبيرستان است فلسفي مُقتبِسي از دل دانشور ما گر چه ما خاك نشينان مرقّع پوشيم صد چو جم خفته به دريوزهگري بر در ما [21] چشمة خضر بود تشنه شراب ما را آتش طور شراري بود از مَجمر ما اي كه انديشة سر داري وسر ميخواهي به كدوئي است برابر سر وافسر برِ ما گو به آن خواجة هستيطلب وزهد فروش نبود طالب كالاي تو در كشور ما بازي بازوي نصريم نه چون نسر به چرخ دو جهان بيضه وفرخي است به زير پر ما ماه گر نور و ضيا كسب نمود از خورشيد خود بود مكتسِب از شعشعة اختر ما خسرو مُلك طريقت به حقيقت مائيم كُلَه از فقر به تارك ز فنا افسر ما عالم و آدم اگر چه همگي اسرارند بود أسرار كميني ز سگانِ در ما[22]
ارجاعات خراباتي شدن از خود رهائي است خودي كفر است اگر خود پارسائي است نشاني دادهاند اهل خرابات كه التـوحيـد إسـقاط الإضـافـات يقول : «إنّ ترك الدنيا ومتعلّقاتها والاهواء التي فيها معناه التحرّر (من كلّ القيود) ؛ والانانيّة أو التفكير في الذات الشخصيّة وإن كان الشخص عابداً وزاهداً هي كُفر . لقد أثبت الذين تركوا الدنيا وما فيها أنّ التوحيد هو عبارة عن إسقاط الإضافات» . وذكر الشيخ محمّد اللاهيجيّ من عرفاء القرن التاسع في شرح ذلك ، ص 625 من طبعة منشورات المحموديّ قائلاً : «ولانّ الخرابات هي مقام فناء الكثرات فقد قال : متن : نشاني دادهاندت از خرابات كه التّوحيد إسقاط الإضافات يقول : «لقد أُعطيتَ علامة وأثر عن ترك الدنيا ؛ وهي أنّ التوحيد إسقاط الإضافات» . أي أنّ أرباب العرفان وأهل الإيقان قد أعطوك العلائم عن «الخرابات» وقالوا : التوحيد إسقاط الإضافات ، أي أنّ التوحيد هو إسقاط إضافة الصفة والوجود والخلقة لغير الحقّ . واعلم أنّ ذات الحقّ هي عين جميع الاشياء باعتبار تجلّيه في المظاهر وظهوره فيها ؛ وأنّ كلّ الاشياء موجودة بالحقّ وهي معدومة بدونه . ولانّ ذات الحقّ متجلّية وظاهرة بصورة تلك الاشياء ، فإليها يضاف الوجود . فمتي ما أسقطت عنها هذه الإضافة فإنّها لا شكّ ستكون معدومة في حدّ ذاتها ولن يبقي غير الحقّ شيء . وهذا هو معني التوحيد إسقاط الإضافات . وقد أورد الحاجّ السبزواريّ شرحاً في معرض بحثه لاصالة الوجود وذلك عند قوله : لو لم يؤصَّل وحدةٌ ما حصلتْ إذ غيره مَثارَ كثرةٍ أتت ما وُحّد الحقُّ ولا كلْمتُه إلاّ بما الوحدةُ دارتْ معه قال فيه : «بيانُه أ نّه لو لم يكن الوجودُ أصيلاً لم يحصُل وحدة أصلاً ، لانّ الماهيّةَ مَثارُ الكثرة وفِطرتُها الاختلافُ ؛ فإنّ الماهيّاتِ بذواتها مختلِفاتٌ ومتكثِّرات وتُثير غبارَ الكثرةِ في الوجود» . وقال في تعليقته هنا : «قولنا وتُثير غبار الكثرة في الوجود ؛ ولذا قال العرفاءُ الشامخون : التوحيدُ إسقاطُ الإضافات» . [2] ـ ذيل الآية 88 ، من السورة 28 : القصص ؛ وصدر الآية هو : وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ لاَ´ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ . [3] ـ الآية 115 ، من السورة 2 : البقرة . وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ إِنَّ اللَهَ وَ سِعٌ عَلِيمٌ . [4] ـ الآيتان 26 و 27 ، من السورة 55 : الرحمن . [5] ـ وقد قمنا ببحث هذه الآية الكريمة المباركة في البحثين الاوّل والثاني في الجزء الاوّل من كتاب «معرفة الله» سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة . [6] ـ وقد بحثنا كذلك هذه الآية المباركة في البحثين الثالث والرابع من المصدر السابق . [7] ـ الآية 43 ، من السورة 29 : العنكبوت . [8] ـ الآيتان 45 و 46 ، من السورة 25 : الفرقان . [9] ـ صدر الآية 47 ، من السورة 25 : الفرقان . جاء في «أقرب الموارد» : السُّبات بالضَّمِّ : الدهر ، و : الداهيَة من الرجال ، و : النَّوم ، وقيل خفّتُه ، وقيل ابتداؤه في الرَّأْس حتّي يبلُغَ القلبَ ، قيل وأصلُه الرَّاحَة ؛ ومنه في القرآن : وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا . [10] ـ صدر الآية 257 ، من السورة 2 : البقرة . [11] ـ «جامع الاسرار ومنبع الانوار» للسيّد حيدر الآمليّ ، مع مقدّمة وتصحيح بقلم هنري كربن ، ص 170 إلي 180 ، برقم 327 إلي 343 ، الاصل الاوّل ، القاعدة الرابعة . [12] ـ «جامع الاسرار» ، ص 176 . [13] ـ «جامع الاسرار» ص 177 و 178 . [14] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 15 ، ص 244 و 245 . [15] ترجمة أحوال الحاجّ المولي هادي السبزواريّ بقلم الدكتور غني (ت)ـ كتبَ المرحوم الدكتور قاسم غني شرحاً في ترجمة أحوال الحكيم السبزواريّ قدّس الله سرّه في مجلة «يادرگار (=الذكري) لصاحبها عبّاس إقبال الآشتيانيّ ، السنة الاُولي ، العدد 3 ، ذي القعدة 1363 ، ص 43 إلي 48 ، فارتأينا أن ننقل هنا موجزاً من تلك الترجمة : «يُعتَبر الحاجّ الملاّ هادي من أعظم حكماء القرن الثالث عشر الهجريّ ، وربّما كان أكبر مدرّسي فلسفة الإشراق بعد الآخوند الملاّ صدرا . وكان قد انتشر في العالَم الإسلاميّ ، قبل هجوم المغول ، مسلكان فلسفيّان مهمّان ، أحدهما حِكمة (فلسفة) المشّائين بالشكل الذي سجّله وذكره أبو عليّ ابن سينا ، والآخر مبدأ الوحدة الوجوديّة لمحيي الدين بن عربي المؤلَّفة من الفلسفة الإشراقيّة والعرفان . وكان المدرّسون في تلك الايّام يدرّسون هاتين الفلسفتين وقد كتبوا شروحات وإيضاحات وتذييلات وتعاليق في هذه المسائل في العصور المختلفة وذلك بمقتضي الزمان والمكان . وانطفأ سراج الفلسفة والعلم علي أثر اجتياح المغول وتخريبهم للبلاد زمناً ، ثمّ استطاع صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازيّ والمعروف بـ (الآخوند الملاّ صدرا) أن يُشعل ذلك السراج من جديد خلال عهد الصفويّين ؛ بحيث يمكن اعتباره «مجدّد الفلسفة» في الفترات التي تلت غزو المغول . ولا يعتبر الملاّ صدرا مؤسّس أو مُوجِد فلسفة حديثة ، بل تكمن مهمّته المتميّزة في إحياء وترميم الفلسفة التي ظلّت متروكة لمدّة طويلة . أي أنّ الملاّ صدرا تمكّن من إحياء بحوث الحكمة والفلسفة التي شاعت في البلاد الإسلاميّة بفضل جهود كبار الفلاسفة أمثال الفارابيّ وأبي عليّ ابن سينا وابن رشد الاندلسيّ ومحيي الدين بن عربي والتي ظلّت مهملة سنين طوال بعد هجوم المغول . وتكمن براعة الملاّ صدرا في أ نّه قد ألبس الفلسفة لباساً شرعيّاً وواءم المسائل الدينيّة والفلسفيّة مع مقتضيات ذلك العصر ووَفّق بينها في العهد الصفويّ حيث كانت الفلسفة فيه تعاني من انحطاط وتدهور وخلّو العصر من رجال الفلسفة الكبار . وعلي هذا فإنّنا حين نقول إنّ الآخوند الملاّ صدرا ليس مُوجِداً لفلسفة جديدة ، علينا أن لا ننسي مسألة مهمّة وهي أنّ الملاّ صدرا لم يكن معلّماً عاديّاً ؛ بل أُستاذاً ماهراً مزج فلسفة المشّائين وحكمة محيي الدين بن عربي وأُصول الشرع مع بعضها فأنار للحكمة سراجاً جديداً . وبعد رحيل الملاّ صدرا انطفأ ذلك السراج ، إلاّ أ نّه بقي من يشتغل في الفلسفة وتدريسها . وينتمي المرحوم الحاجّ الملاّ هادي السبزواريّ إلي الجيل الخامس بعد الآخوند الملاّ صدرا ، فكان قبلة المشتغلين بالفلسفة في تلك الفترة . ففي الوقت الذي كان المدرّسون والفلاسفة من الطبقات الاربع منشغلين فقط في تدريس وشرح «الاسفار» للملاّ صدرا في الفترة ما بين الاخير والملاّ هادي السبزواريّ ، كان السبزواريّ قد لمع نجمه في الفلسفة وتبحّر فيها فعُدّ في مستوي الملاّ صدرا تقريباً . ومضافاً إلي البُعد العلميّ للحاجّ الملاّ هادي وإحاطته بالمسائل الفلسفيّة والعرفانيّة ، فقد كان سقراط عصره في مكارم الاخلاق ومحاسن الصفات والتقوي والعفّة والصدق والنقاء والمنعة والشخصيّة الذاتيّة والبساطة وعدم التكلّف والتواضع وخصوصاً بالنسبة إلي خواصّ أهل العلم مضافاً إلي تميّزه بسجايا فاضلة أُخري ، وكان لشخصيّته الممتازة وأخلاقه العالية دوراً كبيراً في خدمة الفلسفة ؛ أي أ نّه ألبس الحكمة والفلسفة اللباس اللائق بها ممّا أرغم المتشدّقين بالعلم الذين كانوا يتهجّمون علي الحكماء باستمرار علي احترام الفلسفة . والخلاصة أنّ الحاجّ الملاّ هادي كان متخلّقاً بأخلاق الحكماء المتأ لّهين مضافاً إلي تخصّصه في العلم والفلسفة اللتين كانتا حرفته الرئيسيّة حيث أ لّف فيهما كتباً قيّمة وتتلمذت علي يده مجموعة كبيرة من العلماء وكان لتصلّبه في الالتزام بسيرة الفلاسفة السابقين والعلماء العاملين دوراً كبيراً في الارتقاء بالحكمة إلي أعلي قممها وجعلها موضع تقدير الخاصّة والعامّة واحترامهم . ومضافاً إلي اتّصافه بالصفات العلميّة والاخلاقيّة ، فقد كان المرحوم الحاجّ الملاّ هادي ذا طبع شاعريّ موزون وصاحب ذوق لطيف ورفيع وأدب راق وكان يكتب أشعاره باسم مستعار هو «أسرار» ، وله ديوان في الغزل طُبع مراراً وهو ديوان مليء بحقائق العرفان طافحاً بالوجد والشوق ، مكتوب بمنتهي الفصاحة والملاحة والظرافة ، وسنذكر في آخر هذه المقالة بعضاً من قصائده الغزليّة علي سبيل المثال لا الحصر» . ثمّ يقول «حتّي ذُكر بأنّ السجايا الاخلاقيّة والإحاطة العلميّة وحُسن تقرير الملاّ السبزواريّ قد جعلت منه علماً مشهوراً ، وبعد أن حلّ به المطاف في سبزوار واستقرّ فيها واشتغاله بالتدريس ، تدفّقَ علي حلقته التدريسيّة طلاّب العلم من الهند والممالك الغربيّة والبلاد العثمانيّة ، وليس فقط من إيران ، وقد واصل التدريس في مدرسته ما يقرب من أربعين سنة بالدقّة والانضباط والالتزام بالمواعيد والإخلاص في العمل بشكل يذكّرنا بالفيلسوف الالمانيّ «كانت» . ثمّ ينقل الدكتور غني بعضاً من ترجمة أحوال السبزواريّ بقلمه هو ، مع إيراد أربع قصائد في الغزل خاتماً مقالته بهذا . [16] ـ يقول : «دعك من علوم ابن سينا واطلب النور والسناء من وادي سيناء . فالحبيب ظاهر غير محجوب عن العيان ، ظاهر في الاعيان ولكن أين العين البصيرة» . [17] ـ يقول : «خذ الكأس من يد شيخ مجرّب وارتشف منه جرعات لتنس الهمّ والغمّ . إنّ الطعن علي أويس القرنيّ والقرين هو شيطان وسعلاة يقترن بك وساء قريناً . ليس من اللائق أن نغرق في ظلمة حالكة ونور جبينك يُنير العالم . ماذا يحصل إذا سقط ضياء الشمس علي الثري من الفلك ؛ كأ نّها العيس النازلة من العلياء . يا تراب سبيل أحبّة الله ! فليهبّ منك نَفَس واحد علي رأس «أسرار» المنتحب المتمرّغ في التراب !» . «ديوان الحاجّ الملاّ هادي السبزواريّ» المعروف بـ «أسرار» ص 16 ، منشورات مكتبة الثقفيّ ، إصفهان ؛ وكذلك سلسلة مجلّة «يادگار» (= الذكري) عبّاس إقبال الآشتيانيّ ، السنة الاُولي ، العدد 3 ؛ ذي القعدة 1363 ه ، ص 47 ، نقلاً عن الدكتور قاسم غني . [18] ـ يقول : «نحن فقراء حانة العشق مرتشفي الصهباء نهدأ ساعة ونهيج أُخري . [19] ـ يقول : «يا من سُعِدْتَ بحضرته اغتنم هذه الفرصة ؛ واعرضْ عبوديتكَ (وطاعتك) التي تكمن في عدم راحتك واستكانتك . يا سلطان الحُسن ومالك المُلْك والوجود فالغلمان منتظرون علي الطريق . العشق سلام يعمّ الجميع وكلّ ما سواه حرب وجدال ، والعاشقون مجتمعون وباقي الفِرَق مُشتّتة . فحديث العشق واحد لكنّ الجهلاء نسجوا حوله كلّ تلك الاحاديث . قل لمن يبحث عن حرمه : تعال إلي قمّة جبل القلب ، فليس من حاجة إلي قطعه الصحاري . أيّها الزاهد ! اترك بائعي الخمر ولا تبع دينك فليس عندهم غير الترّهات والسفاسف . لم تكن هناك حركة في نجم ولا سكون في قُطب ، لو لم تكن علي أرض المُعدمين» . [20] ـ يقول : «يا من تعاليتَ وتكبّرتَ علينا بمقامك الزائل ! فليس الدهر إلاّ لحظات . فإذا أغلقوا عليك باباً من الاسرار ، فتوجّه نحو الرجال واطلب حاجتك منهم» . «ديوان السبزواريّ» ص 58 و 59 ؛ وكذلك العدد المذكور في الهامش السابق من مجلّة «يادگار» ص 48 ، مع اختلاف في المجلّة بعدم إيراد البيت الاخير ، بل ورد عجز البيت الثاني مكان عجز البيت التاسع من الغزليّة . [21] ـ يقول : «الكواكب والنجوم شعاع مشكاة قلوبنا النيّرة ، فقلوبنا مظاهر الكلّ ، والكلّ مظهر لنا . ليس أهل الارض وحدهم باب الله ، فهناك تسعة أفلاك تدور حولنا . إنّ الشيخ العجوز والمجرّب ليس بالنسبة لنا إلاّ طفلاً في أوّل مراحل المدرسة والدراسة ؛ والفيلسوف بالقياس معنا ليس إلاّ مُقتَبس لبعض العلم من قلبنا العالِم بكلّ شيء . إنّا وإن كانت ثيابنا رثّة ومرقّعة وكنّا مُعدمين إلاّ أنّ هناك جمع غفير من المساكين مستلقين عند بابنا» . [22] ـ يقول : «نبع الخضر ظمآن لشرابنا ونار الطور شرارة من موقدنا . يا مَن تريد الزعامة والرئاسة اعلم أنّ الرأس وتاج الملوك عندنا مثل يقطينة . قل للخواجة الذي باع زهده ويبحث عن الوجود لا يوجد في بلدنا مشتر لبضاعتك . نحن الباز الواقف علي ذراع النصر ، ولسنا كالنسر السابح في الفضاء ، وإنّ العالَمين (الدنيا والآخرة) أضحيا كالبيضة والفرخ تحت جناحنا وظلالنا . إذا كان القمر يكتسب نوره من الشمس ، فإنّ الشمس تكتسب منّا ذلك النور وهذا الوهج . نحن ملوك عالَم الطريقة (في الواقع) ، ونحن المتوّجون بتاج الفقر والاستغناء عن الدنيا . إنّ العالم والإنسان وإن كانا محفوفين بالاسرار ، فهذه الاسرار هي أتفه من الكلاب التي تحرسنا» . «ديوان أسرار» ص 17 و 18 . |
|
|