بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب رسالة بدیعة / القسم الثالث: بحث المؤلف حول الآية في نكات ثمانية، البحث‌ في‌ آية‌: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذي‌ عَلَيْهِن...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

نكتٌ ثمانية‌ ملحوظة‌ في‌ الآية‌

وها نحن الآن بحول الله وقوَّته نورد نِکاتاً من البَحث فی الآیة المبارکة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَی بَعضٍ وَ ِبَما أنفَقُوا مِن أموَالِهِم، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ــ الآیة.

النُّکتةُ الاُولی: قَوَّامُونَ صیغةٌ مبالغة فی القیام بالأمر، وهو أدلُّ فی المبالغة من القَیِّم والقَیَّام، والمراد منه القائِم بالأمر علی المَقُوم علیه والمُسَیطِر والمُسَلَّط والنَّافذ الحکم فی حقِّه مثل قیام الوالی علی الرَّعیَّة والأمیر علی المأمور فی الحفظ والإدارة والتَّدبیر وَالذَّبِّ عنه فی طارءٍ یَشینه ویُوهِنه.

فالقوَّام هو المُسَیطِر، والمَقُوم علیه هو الَّذی یکون تحت سَیطرة القوَّام، کأنَّ حیاتَه قائِمةٌ به و وجودَه محتاجٌ إلیه.

وقد صرَّح بعضُ علماءِ علم النَّفسِ بأنَّ الرَّجل یَجد فی أوان بلوغه حسَّ قیمومته علی امرأةٍ یقوم بأمرها ویحفظها؛ والمرأة تَجد فی نفسها أوان بلوغها أنَّها تحتاج إلی رجلٍ تَتَّکیءُ علیه، وأصل تَعتمد إلیه، و وَلیجةٍ تکون لها کَهفاً ومَلاذاً.

النُّکتةُ الثَّانیة: الألف واللَّام فی الرِّجال والنِّساءِ للعهد الذِّهنیِّ؛ ولمکان دخولها علی صیغة الجمع یفید تعریف استغراق أفراد الجنس فی الخارج؛ فیُعطی أنَّ الحکم واردٌ علی کلِّ واحدٍ واحدٍ من الأفراد من حیث تحقُّق معنی الجنس فیها؛ فیُفهَم منه أنَّ حکم القیام إنَّما هو لکلِّ واحدِ من الرِّجال بالنِّسبة إلی کلِّ واحدٍ من النِّساءِ، ولکن لا بالمشخِّصاتِ الفردیَّة الموجودة فیهما من الأغراض والصِّفات، بل لمکان تحُّقق معنی الجنسیَّة فیهما.

النُّکتةالثَّالثة: الإتیان بالجملة الاسمیَّة فی المقام یدلُّ علی الدَّوام والاستمرار، مضافاً إلی أنَّ القوَّامُون من المشتقَّات، وهی تدلُّ علی الثُّبوت والدَّوام، بخلاف الفعل وهو یدلُّ علی معنی الحدث دون ثبوته؛ وصَرَّحَ بذلک علماءُ الأدب.

فإذن هذه الآیة تدلُّ بأبلغ وجه علی أنَّ الرِّجال قائِمُونَ علی النِّساءِ بأقوی قیامٍ دائِمیٍّ استمراریٍّ. والجملة و إن کانت إخباراً إلّا أنَّها وَقَعَت موقعَ الإنشاءِ، فأفادت معنی الأمر بوجهٍ بلیغٍ.

النُّکتة الرَّابعة: تعلیله عزَّوجلَّ بقوله: بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَی بَعضٍ وَ بِمَا أنفَقُوا مِن أموَالِهِم یدلُّ علی أنَّ القیام إنَّما هو لعلَّة خارجیَّة واقعیَّة، لا أنَّه منوط بالاعتبار فقطُّ.

والتَّفضیل الموهبیُّ الإلهیُّ هو ما یزید فی الرِّجال بحسب الطَّبع علی النِّساءِ، وذلک بزیادة قوُّة التَّعقُّل فیهم، وما یتفرَّع علیه من شرح الصَّدر و سعة التَّحمُّل فی الواردات النَّفسانیَّة، والخواطر القارعة، وشدَّة البأس والقوَّة والطَّاقة علی الشَّدائِد من الأعمال والمصائِب.

وعموم هذه العلَّة یعطی أنَّ الحکم المبنیَّ علیها أعنی قوله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَی النِّسَاءِ غیر مقصور علی الأزواج بأن یختصَّ القوَّامیَّة بالرَّجل علی زوجته، بل الحکم مجعول لقبیل الرِّجال علی قبیل النِّساءِ فی الجهات العامَّة الَّتی ترتبط بها حیوة القبیلتین جمیعاً.

فالجهات العامَّةالاجتماعیَّة التی تنوط بشدَّة قوَّة التَّعقُّل وشدَّة البأس، هی الَّتی ترتبط بفضل الرِّجال، کالدِّفاع الحَربیِّ، والجِهاد، والحکومة، والقَضاءِ.

فعلیهذا، التَّفضیل بما فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَی بَعضٍ یُعطی مناطاً عاماً و مِلاکاً شاملاً ینطبقان علی مورد الجِهاد والحُکومة والقَضاءِ علی وضوحٍ؛ بل هذه الموارد الثَّلاثة من أوضح مصادیق لزوم قیمومتهم علیهنَّ، ولا ینافی قولُه بعدُ: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ــ الخ الظَّاهر فی الختصاص بما بین الرَّجل وزوجته؛ فهو فرع من فروع هذا الحکم المُطلق وجزئِیٌّّ من جزئِیَّاته ونتیجةٌ من هذا الأصل الکلِّیِّ، من غیر أن یَتَقَیَّدَ به إطلاقُه.

فالتَّمسُّک بهذه الآیة المبارکة هو الحَجَر الأساسیُّ فی الاستدلال علی منع النِّساءِ عن هذه الثَّلاثة وإن کانت هذه المسألة من مُسلَّمات الإسلام، وأجمع علیها الطائفتانِ من الخاصَّة والعامَّة؛ لکنّ الظَّاهر أنَّ معتمدَ المجمعین نصُّ الکتاب.

النُّكتة‌ الخامسة‌: أنَّ التَّعليل‌ بما فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ عَلَي‌ بَعْضٍ يكون‌ بمعني‌ فَضَّلَهُمُ اللَهُ عَلَيهِنَّ؛ فضمير الجمع‌ المضاف‌ اليه‌ في‌ بِمَا فَضلَ اللَهُ بَعْضَعُهُم‌ لكلتا الطائِفتين‌ تغليباً؛ و إنَّما عدل‌ عنه‌ إلي‌ هذا التَّعبير لا لظهور المعني‌ فقطُّ كما في‌ «روح‌ المعاني‌»، بل‌ لاءفادة‌ الاشتراك‌ في‌ الجنس‌ و أنَّ الرِّجَالَ وَ النِّساءَ جنسٌ واحدٌ و التَّفضيل‌ إنَّما وقع‌ في‌ أفراد هذا الجنس‌ لا في‌ الاجناس‌ المتغايرة‌، حمايةً لجانب‌ المرأة‌ حتّي‌ لا تَتخيَّل‌ أنَّها بسبب‌ تفضيل‌ الرَّجل‌ عليها صارَت‌ من‌ جنسٍ آخر دون‌ جنسِ الرَّجل‌.

 و هذا من‌ ادَب‌ القران‌ كي‌ لا يقصر في‌ شأن‌ المرأة‌ بشي‌ء.

 كما في‌ قوله‌ تعالي‌: المُنَـ'فِقُونَ وَ الْمُنَـ'فِقَـ'تِ بَعضُهُمْ مِن‌ بَعضٍ. [1]

 و أصرح‌ منه‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ سورة‌ آل‌ عمران‌ بعدَ أن‌ ذكر خمسَ آياتٍ في‌ أحوال‌ أوليِ الالباب‌ بأنَّهم‌ الَّذِينَ يَذكُرونَ اللَهَ قِيَامًا وَ قُعُودًا، و أنهاه‌ إلي‌ قوله‌ حكاية‌ دعائهم‌ بتوفّيهم‌ اللهُ مَعَ الابرار: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي‌ لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَاملٍ مِنكُمْ مِن‌ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي‌ بَعْضُكُمْ مِن‌ بَعْضٍ[2]؛ للدِّلالة‌ علي‌ أنّ إعطاءَ أجرِ العامل‌ يَتَرَّتَب‌ علي‌ العمل‌ بلا فرق‌ في‌ المقام‌ بين‌ أن‌ يكون‌ العامل‌ ذَكراً أو أنثي‌؛ فهما من‌ جنسٍ واحدٍ لم‌ يُلاحَظ‌ فيه‌ خصوصيّةُ الذُّكورة‌ و الانوثة‌.

 و في‌ المقام‌ دلَّت‌ الآية‌ علي‌ أنّ القيام‌ بالامر للرَّجل‌ لمكان‌ لياقته‌ بهذا المقام‌، لا يذخرجه‌ من‌ جنس‌ المرأة‌ إلي‌ جنس‌ أعلي‌ من‌ جنسها بل‌ كان‌ الطَّائفتانِ من‌ جنسٍ واحدٍ.

 و امّا ما قيل‌: إنَّ هذا التَّعبير للاءبهام‌، للاءشارة‌ إلي‌ أنَّ بعض‌ النِّساء أفضل‌ من‌ كثيرٍ من‌ الرِّجال‌ فليس‌ بشي‌.

 هذا كلُّه‌ مضافاً إلي‌ أنَّ الله‌ تعالي‌ عبَّر في‌ الآية‌ السَّابقة‌ عند النَّهي‌ عن‌ تَمَنِّي‌ ما فَضَّلَ اللهُ به‌ الرِّجال‌ علي‌ النِّساء في‌ بعض‌ الاُمور كالاءرث‌، بقوله‌: وَ لاَ تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي‌ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ اسْئَلُوا اللَهَ مِن‌ فَضْلِهِ إِنَّ اللَهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا. [3]

 فجعل‌ بَعضَكُمْ مكان‌ الرِّجال‌ و البَعض‌ مكان‌ النِّساء؛ و الامر فيما نحن‌ فيه‌ كذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

 و استواؤهما في‌ مقام‌ الجنس‌ و الهويّة‌ لا يُنافي‌ أفضليَّةَ بعضهنَّ علي‌ كثيرٍ منهم‌ في‌ مقام‌ التَّربية‌ و الفعليَّة‌.

 النُّكتة‌ السَّادسة‌: أنَّ تفريع‌ قوله‌: فَالصَّالحاتُ قَانِتَاتٌ، و مقابلته‌ لقوله‌: وَ الَّلاتِي‌ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ، يفيدان‌ أنَّ المرأة‌ الصَّالحة‌، و هي‌ الَّتي‌ تُرتَّب‌ أمرَها عَلي‌ الحقِّ و العدل‌، و تَتَّبع‌ نظامَ الفطرة‌ و الشَّرع‌، هي‌ الَّتي‌ كانَت‌ مطيعةً لزوجها، و تستمرُّ إطاعتُها له‌ في‌ حضوره‌، و تحفظه‌ في‌ نفسِها و ماله‌ عند غيبته‌.

 و أمّا المرأة‌ الّتي‌ تخرج‌ عن‌ الطَّاعة‌، و تَنشُزُ عن‌ تأدية‌ حقوق‌ زَوجها، هي‌ الَّتي‌ تَخرج‌ عن‌ مجري‌ حيوتها الفطريَّة‌، فتحتاج‌ بان‌ يُحْكَمَ عليها بالتَّأديب‌ حتَّي‌ تَعْتَدلَ وَ تستقيمَ.

 النُّكتة‌ السَّابعة‌: أجمع‌ الفُقهاء علي‌ أنَّه‌ يُقتصُّ للمرأة‌ من‌ الرَّجل‌ في‌ الطَّرفِ من‌ غير ردّ حتَّي‌ تبلُغ‌ ديةُّ الطَّرف‌ ثلثَ دية‌ الحرِّ فصاعداً، فحينئذٍ يُقتصر علي‌ النِّصف‌؛ و هكذا الامر في‌ الجراح‌ يتساويان‌ فيها دِيةً و قصاصاً ما لم‌ تبلغ‌ إلي‌ ثلثِ الدِّية‌؛ فإذا بَلَغْتُه‌ رُدَّتْ ديةُ المرأة‌ إلي‌ النِّصف‌؛ و مستند هذا التَّفصيل‌ أخبار كثيرة‌.

 و لا فرق‌ في‌ هذا التّفصيل‌ بين‌ الزَّوج‌ و زوجتِه‌ و بينَ غيرهما من‌ أفراد الرِّجال‌ و النِّساء؛ فإذا ضرب‌ رجلٌ امرأتَه‌ فَلَها القصاص‌؛ إلاّ في‌ مقامٍ نشَزَتِ الزَّوجة‌ عن‌ تأدية‌ حقوقه‌. فما وردت‌ من‌ الرِّوايات‌ في‌ سبب‌ نزول‌ قوله‌ تعالي‌: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي‌ النِّسَاءِ في‌ سَعْدِبنِ الرَّبيعِ بنِ عَمْروٍ وَ زوجته‌: حبيبة‌ بنت‌ زيد حيث‌ لَطَمَها فانطَلَقَ أبوها معها إلي‌ النَّبِيِّ صلَّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فحكم‌ النَّبيُّ بالقِصاص‌ ثمَّ حكم‌ برفع‌ القصاص‌ بنزول‌ جبرائيل‌ و إخباره‌ بآية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي‌ النِّسَاءِ إلي‌ آخر آيات‌ النُّشوز و بَعْثِ الحَكَم‌ إنَّما هو في‌ خصوص‌ مورد نُشوز المرأة‌، حيث‌ صُرّح‌ فيها بأنَّها نَشَزَتْ عليه‌.

 فالنَّبيُّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إنَّما حَكَمَ بالقصاص‌، للحكم‌ الكُّلِّيِّ الوارد فيه‌ نظير آية‌ وَ إِن‌ عَاقَبْتُم‌ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ؛[4] و آية‌ وَ لَكُمْ فِي‌ الْقِصَاصِ حَيَوةٌ يَا أُولِي‌ الاْلْبَـ'بِ. [5]

 لكنّ الآية‌ الواردة‌ في‌ المقام‌ خَصَّصَتْ هذه‌ العمومات‌ بغير موارد نُشوز المرأة‌.

 فدلَّت‌ علي‌ أنَّهنَّ يَسْتَحْقِقْنَ الضَّرب‌ إذا خيف‌ منهنَّ النُّشوز. فالحكم‌ الَّذي‌ أراده‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلَّم‌ إنَّما هو حكمٌ عامٌّ؛ و هذا الحكم‌ الّذي‌ أراده‌ اللَه‌ حكم‌ خاصٌّ و هو خيرٌ.

 النُّكتة‌ الثَّامنة‌: أنَّ الرَّجال‌ لمّا كانوا قوَّامين‌ علي‌ النِّساء بجهات‌ من‌ التَّفضيل‌ فلابدَّ من‌ أن‌ يُراعُوا جانِبَهنَّ؛ فلا يُؤذُوهنَّ و لا يشتموهنَّ و لا يضربوهنَّ، و أن‌ يُلاحظوا فيهنَّ ما يُلاحِظ‌ الرَّاعي‌ في‌ رعيَّته‌ في‌ المراقبة‌؛ قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلَّم‌: كُلُّكُمو رَاعٍ وَ كُلُّكُم‌ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.

 قال‌ في‌ «الميزان‌»: «و من‌ أجمع‌ الكلمات‌ لهذا المعني‌ مع‌ اشتماله‌ علي‌ أُسِّ ما بني‌ عليه‌ التَّشريع‌ ما في‌ «نهج‌ البلاغة‌»، و رواه‌ أيضاً في‌ «الكافي‌» بإسناده‌ عن‌ عبدالله‌ بن‌ كثير، عن‌ الصّادق‌ عليه‌ السّلام‌، عن‌ علي‌ ـ عليه‌ أفضل‌ السَّلام‌ ـ، و بإسناده‌ أيضاً عن‌ الاصبغ‌ بن‌ نباتة‌، عنه‌ عليه‌ السّلام‌ في‌ رسالته‌ إلي‌ ابنه‌: إنَّ المَرأة‌ رَيْحَانَة‌ وَ لَيْسَت‌ بِقَهْرَمانَةٍ. و ما روي‌ في‌ ذلك‌ عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: إنَّمَا المَرأةُ لُعْبَةٌ مَنِ اتَّخَذَهَا فَلاَ يُضَيِّعْهَا. و قد كان‌ يتعجَّب‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: كَيْفَ تُعَانَق‌ المَرأةُ بِيَدٍ ضُرِبَتْ بِهَا. ففي‌ «الكافي‌» أيضاً بإسناده‌ عن‌ أبي‌ مريم‌، عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ واله‌ وسلّم‌: أَيَضْرِبُ أَحَدَكُمْ المَرأةُ ثُم يَظِلُّ مُعَانِقَهَا؟ و أمثال‌ هذه‌ البيانات‌ كثيرةٌ في‌ الاحاديث‌؛ و من‌ التَّامُّل‌ فيها يظهر رأي‌ الإسلام‌ فيها». [6]

 هذا كلُّه‌ ما وفَّقنا الله‌ له‌ من‌ البحث‌ عن‌ الآية‌ الاولي‌ في‌ المقام‌.

 الرجوع الي الفهرس

 

الفصل‌ الثّاني‌

البحث‌ في‌ آية‌: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذي‌ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ

 

أَمَّا الآية‌ الثانية‌: فقول‌ الله‌ جلَّ و عزَّ: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي‌ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. [7]

المعروف‌ هو الّذي‌ يعرفه‌ الناسُ، و يقبله‌ العرف‌ من‌ جهة‌ الحضارة‌ الاجتماعيّة‌ المتداولة‌ بينهم‌؛ و يقابله‌ المنكر، و هو الّذي‌ يُنكره‌ العرف‌ و لا يقبله‌ في‌ الحيوة‌ الاجتماعيّة‌. فالمعروف‌ لابدَّ و أن‌ يَحوي‌ أمراً أمضاه‌ العقل‌، و حكم‌ به‌ الشَّرع‌ من‌ سُنّة‌ الآداب‌ و فضائل‌ الاخلاق‌.

 و لمّا كان‌ الإسلام‌ أسَّسط‌ شريعَتَه‌ علي‌ بناء الفطرة‌ الواقعيّة‌ و الخِلقةِ الا8صليَّة‌، يكون‌ المعروف‌ عنده‌ ما يعرف‌ النَّاس‌ إذا سَلَكوا مَسلكَ الفِطرة‌، و لم‌ يتعدُّوا عن‌ منهاجها القويم‌ و صراطها المستقيم‌.

 و من‌ الاحكام‌ المبنيَّة‌ علي‌ هذا الاساس‌، تساوي‌ الافراد في‌ الحكم‌ الوارد عليهم‌؛ فيكون‌ ما عليهم‌ مثل‌ ما لهم‌.

 و لا يخفي‌ أنَّ هذا التَّساوي‌ علي‌ الطَّريق‌ الاحسن‌ لا يتحقَّق‌ إلاّ مع‌ حفظ‌ ما لكلٍّ من‌ الافراد في‌ المجتمع‌ من‌ الخصوصيّات‌ المعطاةِ من‌ الفطرة‌ و الآثار اللازمة‌ للخِلقة‌ في‌ شؤون‌ الحيوة‌ دون‌ الاعتبارات‌ المَوهُومة‌ و الملاحظات‌ المجعولة‌ علي‌ أساس‌ الوَهم‌ في‌ المدينة‌ الدنيَّة‌ الخَسِيسَة‌.

 فلابدَّ في‌ المدينة‌ الفاضلة‌ من‌ مراعاة‌ حال‌ الضَّعيف‌ و القويَّ، و الجاهل‌ و العالم‌، و المحتاج‌ و الغنيّ، و ملاحظة‌ كلِّ فطرةٍ في‌ بنائها الاوَّليَّ؛ فتُعطي‌ لها الموادّ الحياتيَّة‌ علي‌ ميزان‌ الافتقار و مرتبة‌ الاحتياج‌.

 و هذا هو التَّسوية‌ الصَّحيحة‌ الواقعيّة‌، و علي‌ هذا جري‌ الإسلام‌ في‌ الاحكام‌ الّتي‌ جعلها للمرأة‌ و عليها؛ فجعل‌ لها مثلَ ما عليها، مع‌ حفظ‌ وزنها في‌ الحيوة‌ الفطريّة‌ الّتي‌ أعطاها اللهُ تبارك‌ و تعالي‌ مع‌ الرّجل‌ في‌ دائِرة‌ الاجتماع‌، للتّناكح‌ و التّناسل‌.

 الإسلام‌ يري‌ أنّ للرِّجال‌ عليهنَّ درجةً في‌ هذه‌ المواهب‌ الاجتماعيّة‌؛ فقوله‌ تعالي‌: وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ قَيدٌ مُتمِّم‌ للحكم‌ السَّابق‌؛ فالكلُّ يفيد معنيً واحداً، و هو أنّ النِّساء قد سَوَّت‌ الفطرة‌ بينهنَّ و بين‌ الرِّجال‌ من‌ الاحكام‌ مع‌ حفظ‌ ما للرّجال‌ عليهنَّ درجة‌ في‌ هذه‌ المواهب‌ الاجتماعيّة‌.

 فبهذا المعيار سوَّي‌ اللهُ بينهَما و ضَرَب‌ لهما الاحكام‌، فَجعلَ لهنَّ مثلَ ما عليهنَّ.

 الرجوع الي الفهرس

وجوه‌ الاشتراك‌ و الافتراق‌ بين‌ الرّجل‌ و المرأة‌

و علي‌ هذا البناء المَتين‌ سَوَّي‌ الإسلام‌ بين‌ الرَّجل‌ و المرأة‌ من‌ حيث‌ تدبير شؤون‌ الحيوة‌ في‌ الاءرادة‌ و العمل‌؛ فكما أنّ الرَّجل‌ مُستقلُّ الاءرادة‌ فيما يحتاج‌ إليه‌ البُنيةُ الاءنسانيّة‌ في‌ الاكل‌ و الشُّرب‌ و غيرهما من‌ لوازم‌ الحيوة‌، فكذلك‌ المرأة‌ فلها أن‌ تستقلَّ بالاءرادة‌ و العمل‌ و تتملَّك‌ نتيجةَ مصنوعاتها؛ إلاّ أنَّه‌ قَرَّر الإسلام‌ فيها خصوصيَّتين‌ مَيَّزها بهما الخلقة‌ الاءلهيّة‌.

 إحديها: أنّها بمنزلة‌ الحَرث‌ في‌ تكوُّن‌ النَّوع‌ و نمائه‌، فعليها يكون‌ اعتماد النّوع‌ في‌ بقائه‌؛ فتختصُّ من‌ الاحكام‌ بما يختصُّ به‌ الحَرث‌، و تمتاز بذلك‌ عن‌ الرّجل‌، نِسَائُكم‌ حَرْثٌ لَّكُم‌ فَأَتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي‌ شِئْتُمْ. [8]

 والثَّانية‌: أنَّ خِلقتها مبنيّةٌ علي‌ رِقَّة‌ الاءحساس‌ و دقّة‌ العاطفة‌ و لطافة‌ البُنيَة‌. و هذا الخصوصيّات‌ لها مدخليّة‌ تامَّةٌ في‌ أحوالها بالنّسبة‌ إلي‌ الوظائف‌ الاجتماعيّة‌ الّتي‌ تكون‌ علي‌ عُهدتها، و عليها القيام‌ بأدائها في‌ المجتمع‌ الصّالح‌.

 و بهذه‌ الفلسفة‌ المُتَّخذة‌ من‌ الفطرة‌ تنحلُّ جميعُ الاحكام‌ المشتركة‌ بينهما و الاحكام‌ الّتي‌ يختصّ به‌ أحدُكما في‌ الإسلام‌. و قد تقدّم‌ قوله‌ تعالي‌: وَ لاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي‌ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ لِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْئَلُوا اللَهَ مِن‌ فَضْلِهِ إِنَّ اللَهَ كَانَ بِكُلِّ شَي‌ءٍ عَلِيمًا. [9] يريدُ الله‌ تعالي‌ بهذا البيان‌ أنّ الاعمال‌ الّتي‌ حَوَّلَت‌ إليهما الفِطرة‌ هي‌ الملاك‌ الوحيد فيما يختصُ به‌ الرّجل‌ من‌ الفضل‌؛ فالرّجال‌ قوّامون‌ علي‌ النّساء بهذا المعيار الرَّصين‌.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ تسوية‌ الرَّجل‌ و المرأة‌ في‌ الحقوق‌

 فالمرأة‌ تشترك‌ مع‌ الرّجل‌ في‌ جميع‌ الحقوق‌ الاجتماعيّة‌ و الاحكام‌ العباديّة‌، فلها الاستقلال‌ في‌ التكسُّب‌ و التملُّك‌ و التعليم‌ و التعلُّم‌ و جلب‌ منافعها و دفع‌ مضارِّها، إلاّ ما كان‌ خارجاً عن‌ عهدتها بملاحظة‌ هاتين‌ الخصوصيّتين‌ اللَّتين‌ أعطتهما الفطرةُ لبقاء النَّوع‌، و هما كونها حرثاً و فيها رقّةٌ و لطافة‌؛ و بهما خرجت‌ عن‌ مرتبة‌ الرّجل‌ في‌ كونه‌ فاعلاً و ذا بأس‌ و حيوة‌ تعقُّليّةٍ.

 فلم‌ تتمكّن‌ المرأة‌ من‌ الاعمال‌ الصَّعبة‌ المحتاجة‌ إلي‌ خشونةٍ حادَّةٍ و تَحمُّلٍ شديدٍ؛ و عمدتها القتال‌ و الفضاءُ و الحكومة‌.

 بخلاف‌ الرّجل‌ الّذي‌ جُعل‌ في‌ فطرته‌ هذا البأس‌ و هذا التعقُّل‌، و هو الرّجل‌؛ فللرّجل‌ عليها درجةٌ، و هذه‌ الدّرجة‌ هي‌ درجة‌ التعقّل‌ و البُنيَة‌، و هي‌ بسطةٌ في‌ العلم‌ و الجسم‌، فللرّجال‌ عليهنَّ درجةٌ.

 كما فضّل‌ الله‌ علي‌ معيارٍ كلّي‌ كلاً من‌ المجاهدين‌ علي‌ القاعدين‌ درجةً بقوله‌ عزّوجلّ: فَضَّلَ اللَهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ عَلَي‌ الْقَـ'عِدينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسنَي‌. [10]

 فَفضّل‌ الله‌ الرّجال‌ علي‌ النّساء درجةً مع‌ أنّ ما لَهُنَّ مِثْلُ مَا عليهنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

 و هذا يوجب‌ منعهنّ عنا لقِتال‌ و القضاء و الحكومة‌ بتّاً و عن‌ كثير من‌ الاحكام‌ تنزيهاً.

 و قد ورد في‌ «تفسير عليّ بن‌ إبراهيم‌ القمّيّ» في‌ قوله‌ تعالي‌: وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ قال‌: قال‌ عليه‌ السلام‌: حَقُّ الرِّجَالَ عَلَي‌ النِّساء أفْضَلُ مِن‌ حَقِّ النِّسَاءِ عَلَي‌ الرِّجَالِ، و هذا لا يتنافي‌ التَّساوي‌ في‌ الحُقوق‌ كما بيّنّا.

 تنبيهان‌:

 الاوّل‌: إنّ الإسلام‌ عند تقنينه‌ جَعل‌ أحكام‌ الزّوجية‌ علي‌ أساس‌ خِلقة‌ الفُحولة‌ و الاءناث‌، لانّ التَّجاذُب‌ الجنسيَّ الواقع‌ فيهما ممّا لا يُردُّ؛ و الطَّبيعة‌ جَهَّزت‌ كلاًّ منهما بتجهزات‌ خاصّة‌ لتوليد المثل‌؛ و لم‌ تكن‌ هباءً و لا باطلاً.

 و هذا التَّجهيز لا غاية‌ له‌ إلاّ توليد المثل‌ لبقاء النَّوع‌. فعملُ النّكاح‌ مبنيُّ علي‌ هذه‌ الواقعيّة‌؛ و لهذا رتَّب‌ الاحكام‌ علي‌ العِفَّة‌ و الحجابِ و اختصاص‌ الزَّوجة‌ بالزَّوج‌ و جَعل‌ العِدَّة‌ و نحو ذلك‌ لاءحكام‌ هذا الاساس‌.

 و لكنّ القوانين‌ الحاضرة‌ الغربيَّة‌ منها و الشَّرقي´ّة‌ قد وَضعت‌ أساس‌ النّكاح‌ علي‌ تشريك‌ الزَّوجين‌ في‌ الحيوة‌ المنزليّة‌، و هي‌ نوعُ اشتراك‌ في‌ العيش‌ أضيقُ دائرةً من‌ الاجتماع‌ البلديّ بدون‌ لحاظ‌ أصل‌ التَّوليد و حفظِ الاولاد؛ و لذلك‌ لم‌ تكن‌ القوانين‌ الحاضرة‌ مُتعرضةً لشي‌ءٍ ممّا تعرّض‌ له‌ الإسلام‌ من‌ العفّة‌ و الحِجاب‌ و النَّفقة‌ و غيرها.

 الثاني‌: زعم‌ كثيرٌ من‌ أبناء الزَّمان‌ من‌ الزّمان‌ اكتفوا بظاهرٍ من‌ القول‌، و لا خبرة‌ لهم‌ بالعلم‌، أنّ معني‌ التّسوية‌ في‌ حقوق‌ الرّجل‌ و المرأة‌ هو إعطاءُ كلَّ منهما من‌ الاحكام‌ و الوظائف‌ و الثّمرات‌ بعين‌ ما يُعطي‌ للآخر؛ و هذا شَطَطٌ من‌ الكلام‌.

 لانّهم‌ لم‌ يَدروا أنّ معني‌ التّسوية‌ هو التَّعديل‌، و العدل‌ إعطاءُ كلِّ ذي‌ حقٍّ حقّه‌ لا أزيد و لا لادِّيَ إلي‌ خلاف‌ المطلوب‌ و نَقض‌ الغَرَض‌؛ كُل‌ شَي‌ءٍ جاوز عن‌ حدِّه‌ انعكس‌ إلي‌ ضدِّه‌.

 فمعني‌ التّسوية‌ بين‌ كلّ إنسان‌ في‌ الاكل‌ و الشُّرب‌ هو إعطاءُ كلٍّ منهم‌ ما يَستحِقُّه‌، لا أن‌ يُعطي‌ كلُّ منهم‌ بقَدْر ما يُعطي‌ الآخر كمًّا و كيفًّا. فكيف‌ و قد يحتاج‌ الرَّضيع‌ إلي‌ قليلٍ من‌ اللَّبن‌ بامتصاصِهِ ثَدْيَ اُمِّه‌، و أمّا البَطَلُ المِقْدَام‌ قد يحتاج‌ إلي‌ نَعجةٍ يذبحها و يأكلها عن‌ آخرها في‌ دقعةٍ واحدةٍ؛ فكيف‌ يُعقل‌ التّساوي‌ بينهما.

 إنَّ لبن‌ الرَّضيع‌ لا يكفي‌ لجُرعةٍ واحدةٍ لهذا البَطَل‌؛ و لقمةٌ واحدةٌ من‌ لحم‌ النَّعجَةِ كافيةٌ لهلاك‌ الرَّضيع‌.

 المريضُ يحتاج‌ إلي‌ الاستراحةِ و الحِميد و شربِ الدَّواء؛ و المعافي‌ يَسيحُ في‌ الارض‌ مع‌ أقراصِ خُبزِهِ و ماء كُوزِهِ؛ و الحكيم‌ يُعطي‌ كلَّ واحدٍ منهما ما هو لازم‌ لحياتهما، فيُعطي‌ الاوَّل‌ للاوَّلِ، و الثاني‌ للثَّاني‌؛ و لو عَكَسز لاهلكمها بلا تأمّلٍ، و حاشا للحكيم‌ أن‌ يَفعَلَه‌، فتنقلب‌ حكمتهُ الي‌ سفاهةٍ و اسمُه‌ الحكيم‌ إلي‌ السَّفيه‌.

 و الّذي‌ تقتضيه‌ الفِطرة‌ في‌ الوظائف‌ و الحقوق‌ الاجتماعيّة‌ بين‌ الافراد أن‌ يساوي‌ بينهم‌ في‌ الحقوق‌، و هذا التّساوي‌ بمعني‌ إعطاء كلّ ذي‌ حقّ حقَّه‌، لا التّساوي‌ في‌ الكمِّ و الكيفِ و الجِدَة‌ و الاين‌ و ساير الاعراض‌.

 و لا يوجب‌ أن‌ يُحبي‌ بعضٌ و يُضطهد آخرون‌ بإبطال‌ حقوقهم‌، لكن‌ مقتضي‌ هذا المعني‌ من‌ التَّسوية‌ السَفهية‌ أن‌ يُبذَل‌ كلُّ مقامٍ المعلّم‌ الشامخ‌، و للجَبان‌ الضَّعيف‌ مقامُ البَطلِ الشُّجاع‌؛ و هل‌ هذا إلاّ إفساد كلِّ منهما ثمّ إفساد المجتمع‌؟!

 بل‌ الّذي‌ يقتضيه‌ العدلُ الاجتماعيُّ هو التّساوي‌ بين‌ الافراد بميزان‌ حقوقهم‌ الفطريَّة‌ و استحقاقهم‌ الاكتسابي‌، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. [11]

 فالتّساوي‌ في‌ نيل‌ كلِّ ذي‌ حقّ حقّه‌ لا يوجب‌ أن‌ يُزاحم‌ حقُّ حقّاً أو يُهمِلَ أو يُبْطِلَ حقّاً علي‌ سبيل‌ التحكُّم‌ و البَغي‌ و العُدوان‌.

 و هذا هو الّذي‌ أفاد قوله‌ تعالي‌: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذي‌ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

 فالآية‌ نَادَت‌ بأعلي‌ صوتها التَّساوي‌ بينهما في‌ عين‌ تقرير الاختلاف‌ و تثبيت‌ التّفاوت‌.

 و أنت‌ خبير بأنّ المُساواة‌ السَّفهيّة‌ بين‌ الرّجل‌ و المرأة‌ علي‌ أنّها لا يمكن‌ أصلاً أن‌ تتحقَّق‌ و إلاّ لانجرّ إلي‌ الالتزام‌ بحمل‌ الرّجال‌ النتائج‌ و وضعِهم‌ و ارضاعهم‌ إيّاها فتكون‌ حَرثاً، و إلي‌ فُحوليَّة‌ النّساء فيُتَّخَذْنَ للضِّراب‌؛ و هل‌ هذا إلاّ اُضحوكةٌ للشابِّ و الهَرِم‌؛ يُؤدِّي‌ إلي‌ خرابهنَّ و خرابهم‌ و هَدمهنَّ و هَدمهم‌.

 و ها نحن‌ ننظر الآن‌ إلي‌ المَدَنية‌ الغربيّة‌ كيف‌ هَدَمَت‌ أساس‌ الاجتماع‌ المنزليِّ، و أزَالَت‌ الرَّاحَةَ و السُّكونَ عن‌ المجتمع‌ بإدخال‌ النّساء في‌ اجتماعات‌ الرّجال‌ و إعطائهنَّ من‌ الحقوق‌ ما يساوي‌ كمّا و كيفاً بعين‌ ما تعطيه‌ الرّجالَ من‌ الحقوق‌.

 أمّا الإسلام‌ فينازعُ هذا التّفكير، و يُخاصم‌ هذا التَّدبير، و يَحْكُم‌ باشتراك‌ الرّجل‌ و المرأة‌ في‌ اُصول‌ المَواهب‌ الاءنسانيّة‌ و هي‌ الاختيار و ما يتولّدُ منه‌ من‌ الفِكر و الاءرادة‌ و العَمل‌.

 فلمرأة‌ الاستقلال‌ بالتّصرف‌ في‌ جميع‌ شؤون‌ حيوتها الفرديّد و الاجتماعيّة‌؛ و قد أعطاها الإسلام‌ هذا الاستقلال‌ علي‌ أتمّ الوجوه‌؛ فصارت‌ بنعمة‌ الله‌ و فضله‌ مستقلّة‌ بنفسها، مُنفكّة‌ الاءرادة‌ و العمل‌ عن‌ الرّجال‌، واجدةً لما لم‌ يَسمح‌ لها الدُّنيا في‌ جميع‌ أدوارها؛ و خَلت‌ عنه‌ صحائفُ تاريخ‌ وجودها؛ قال‌ الله‌ تعالي‌: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم‌ فِي‌ مَا فَعَلْنَ فِي‌ أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ. [12]

 لكنّها مع‌ وجود هذه‌ العوامل‌ المشتركة‌ في‌ وجودها تختلف‌ عن‌ الرّجال‌ من‌ جهةٍ أُخري‌؛ فإنّه‌ ثبت‌ في‌ علم‌ وظائف‌ الاعضاء، أنّ المتوسطةَ ما النِّساء تتأخَّر عن‌ المتوسِّط‌ من‌ الرِّجال‌ في‌ الجهات‌ الكماليّة‌ من‌ بُنَيتِها كالدِّماغ‌ و القَلب‌ و الشَّرائين‌ و الاعصاب‌ و القامة‌ و الوزنِ؛ و بإثر هذا تكون‌ جُسمها أنعم‌ و ألطف‌ كما أنّ جسمَ الرّجل‌ أخشنُ و أصلبُ؛ و أنّ الاءحساسات‌ اللطيفة‌ كالحبِّ و رِقّة‌ القَلب‌ و الميل‌ إلي‌ الجَمال‌ و الزّينة‌ أغلب‌ عليها من‌ الرّجل‌، كما أنّ التعقّل‌ أغلب‌ عليه‌ من‌ المرأة‌.

 و بالجملة‌ حيوتها حيوةٌ إحساسيّة‌ عاطفيَّةٌ؛ و حيوة‌ الرجل‌ حيوة‌ تعقّليّة‌ تفكيريّةُّ. و هذه‌ العلّة‌ توجب‌ أن‌ يُفَرِّق‌ الإسلام‌ بينهما في‌ الوظائف‌ و التئكاليف‌ العامَّة‌ الاجتماعيّة‌ الّتي‌ يرتبط‌ قوامُها بأحد الامرين‌ أعني‌ التعقُّل‌ و الاءحساس‌.

 فَخَصَّ القِتالَ و القضاءَ و الحكومة‌ بالرّجال‌، لاحتياجها المُبرم‌ إلي‌ التعقّل‌، و الحيوة‌ التعقّلية‌ إنّما هي‌ للرّجل‌ دون‌ المرأة‌؛ و خَصَّ حضانة‌ الاولاد و تربيتها و تدبير المنزل‌ بالمرأة‌، و جعل‌ نَفَقزتَها علي‌ الرّجل‌، لتتمكَّن‌ من‌ القيام‌ بهذه‌ الامور.

 فهل‌ هذا إلاّ عدلٌ و إحكامٌ؟ فَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ؛ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزيزِ الْعَلِيمِ. [13] فسبحانك‌ ما أعدلك‌ و أحكمك‌؛ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَهُ مَن‌ هُو مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ. [14]

 هذا كلُّه‌ ما استفدناه‌ ممّا أفاده‌ الاستاذ الاكرم‌ العلاّمة‌ الطّباطبائي‌ ـ مدّ ظلّه‌ ـ في‌ تفسيره‌؛ [15] بتلخيصٍ و توضيحٍ منّا.

 تمّ بحثنا بحولِ اللهِ و قوّته‌ حولَ الآيتينِ الكريمتين‌ من‌ القرآن‌ العظيم‌.

 و الآن‌ بتوفيق‌ اللهِ و تسديده‌ نشرع‌ في‌ ساير الادلّة‌ الواردة‌ في‌ المقام‌ من‌ الرّوايات‌ و الاءجماع‌ و الشُّهرة‌ الجابرَة‌. و نُقدِّم‌ اوّل‌ البَحث‌ عن‌ سقوط‌ الجِهاد عن‌ المرأة‌، ثمّ نبحث‌ عن‌ منعها عن‌ القَضاء و الحكومة‌.

 الرجوع الي الفهرس

سقوط‌ الجهاد عن‌ المرأة‌ عزماً

 أمّا جِهاد المرأة‌: فلا إشكال‌ و لا خلاف‌ في‌ عدم‌ وجوبه‌ عليها، بل‌ سقوطه‌ عنها عزماً لا رخصةً، بل‌ الاءجماع‌ حاصلٌ بقسميه‌؛ و قد أرسله‌ الفُقهاءُ ارسال‌ المسلّمات‌، بحيث‌ تُعدُّ هذه‌ المسألة‌ من‌ المسائل‌ الّتي‌ لا شبهة‌ فيها.

 قال‌ الشيخ‌ (ره‌) في‌ «النّهاية‌»: «وَ يسقط‌ الجِهاد عن‌ النِّساء و الصِّبيان‌ و الشُّيوخ‌ الكِبار و المجانين‌ و المرضّي‌ و من‌ ليس‌ به‌ نهضةٌ القيام‌ بشرطه‌».

 و ذكر ابنُ ادريس‌ في‌ «السرائر» عَين‌ هذه‌ العبارة‌.

 و قال‌ في‌ «المبسوط‌»: «و لا يجب‌ الجهاد إلاّ علي‌ كلِّ ذَكَرٍ بالغٍ عاقلٍ ـ إلي‌ أن‌ قال‌ ـ و أمّا النساء فلا جِهاد عليهنَّ. و سُئل‌ النبيُّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: هَلْ عَلَي‌ النِّساء جِهَادٌ؟ قالَ: نَعَمْ، جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ؛ الحجُّ و العُمرَة‌».

 و قال‌ العلاّمة‌ في‌ «القواعد»: «و لا يجب‌ علي‌ الصِّبيِّ و لا المجنون‌ و لا العبد ـ إلي‌ أن‌ قال‌ ـ و لا المرأة‌ و الخنثي‌ المشكل‌».

 و قال‌ المحقَّق‌ في‌ «الشرائع‌»: «يجب‌ علي‌ كلِّ مكلَّف‌ حُرِّ ذَكَرٍ غيرِ هِمَّ؛ فلا يجب‌ علي‌ الصَّبيِّ و لا علي‌ المجنون‌ و لا علي‌ المرأة‌ و لا علي‌ الشَّيخ‌ الهِمَّ».

 و قال‌ العلاّمة‌ في‌ «التحرير»: «الذُّكورة‌ يشترط‌ في‌ وجوب‌ الجِهاد؛ فلا يجب‌ علي‌ المرأة‌ و الخُنثي‌ المشكل‌؛ و من‌ التَّحقق‌ بالرّجال‌ وجب‌ عليه‌ الجهاد».

 و قال‌ في‌ «التذكرة‌»: «يشترط‌ في‌ وجوب‌ الجهاد اُمورٌ ستَّةٌ: البلوغ‌ و و الذُّكورةُ و السَّلاَمةُ من‌ الضَّرر و وجودُ النَّفقة‌ ـ الي‌ أن‌ قال‌ ـ و النِّساء لا يجب‌ عليهنَّ الجِهاد لِضعفهنَّ عن‌ القيام‌؛ و لهذا لا يُسهم‌ لهنَّ».

 و قال‌ في‌ «الجواهر» عند قول‌ المصنِّف‌: « و لا علي‌ المرأة‌»: «بلا خلاف‌ أيضاً بل‌ الاءجماع‌ بقسميه‌ عليه‌ مضافاً إلي‌ ضَعفها عن‌ ذلك‌ و قول‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ خبر الاصبَغ‌: كَتبَ الله‌ الجِهَادَ علَي‌ الرِّجال‌ و النِّساء، فَجِهادُ الرَّجُل أن‌ يَبدلَ مَالَهُ و نفسَهُ حتَّي‌ يُقْتَل‌ فِي‌ سَبِيلِ اللهِ؛ وَ جِهادُ المَرأةِ أن‌ تَصْبِرَ عَلَي‌ أَذي‌ زَوْجِها؛ و لو باعتبار أنَّ التَّفصيل‌ في‌ معني‌ الجهاد بينهما قاطعٌ للشركة‌».

 و قال‌ في‌ «الرياض‌» لمّا عدَّ الشروط‌[16] الثَّمانِيَة‌ الّتي‌ منها الذُّكورة‌: «بلا خلاف‌ في‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ فيما أعلمه‌، بل‌ عليه‌ الاءجماع‌ في‌ عباير جماعةٍ كالمصرَّح‌ به‌ في‌ «الغُنية‌» في‌ الجميع‌ ـ إلي‌ أن‌ قال‌ ـ و في‌ «المُنتَهي‌» في‌ البلوغ‌ و الذُّكورة‌، بل‌ صرَّح‌ فيهما و في‌ الثّاني‌ و الثالث‌ و العَمَي‌ بالاءجماع‌».

 تنبيهات‌:

 التنبيه‌ الاوّل‌: أنَّ القدر المتيقّن‌ من‌ الجِهاد الّذي‌ كان‌ مرفوعاً عن‌ المرأة‌ هو ما كان‌ ابتداء5 من‌ المسلمين‌ لدعائهم‌ الكفَّار إلي‌ الإسلام‌؛ و أمّا ساير أقسام‌ الجِهاد فالمُنع‌ فيها غيرُ معلومٍ بل‌ الوجوب‌ في‌ بعضها مسلَّم‌.

 قال‌ في‌ «المسالك‌» بعد أن‌ شَرط‌ الذُّكورة‌: «إعلم‌ أنّ الجِهاد علي‌ أقسام‌: أحدها أن‌ يكون‌ ابتداءً من‌ المسلمينَ للدُّعاء إلي‌ الإسلام‌. و هذا هو المشروط‌ بالبلوغ‌ و العقل‌ و الحُريَّة‌ و الذُّكورية‌ و غيرها و إذن‌ الاءمام‌ أو من‌ نَصَبَه‌، و وجوبه‌ علي‌ الكفاية‌ إجماعاً.

 و الثاني‌ أن‌ يَدْهَمَ المسليمن‌ عدوٌ من‌ الكفّار يريد الاستيلاء علي‌ بلادهم‌، أو أسرِهم‌، أو أخذ أموالهم‌، و ما أشبهه‌ من‌ الحريم‌ و الذرِّيَّة‌. و جِهادُ هذا القسم‌ و دفعُه‌ واجبٌ علي‌ الحرِّ و العبد و الذَّكر و الانثي‌ إن‌ احتيج‌ إليها، و لا يتوقزف‌ علي‌ إذن‌ الاءمام‌ و لا حضوره‌، و لا يختصُّ بمن‌ قصدوه‌ من‌ المسلمين‌، بل‌ يجب‌ علي‌ من‌ علم‌ بالحال‌ النُّهوضُ إذا لم‌ يذعلم‌ قُدرة‌ المقصودين‌ علي‌ المقاومة‌، و يتأكّد الوجوب‌ علي‌ الاقربينَ فالاقربينَ؛ و يجب‌ علي‌ من‌ قُصد بخصوصه‌ المدافعة‌ بحسب‌ المكنة‌؛ سواءٌ في‌ ذلك‌ الذَّكر و الانثي‌ و السَّليم‌ و الاعمَي‌ و المريض‌ و الاعرج‌ و العبد و غيرهم‌.».

 و قال‌ في‌ «الرَّوضة‌ البهيّة‌»: «الجِهاد علي‌ أقسام‌: جهادُ المشركين‌ ابتداءً لدعائِهم‌ إلي‌ الإسلام‌. و جِهاد من‌ يَدْهَمُ علي‌ المسلمينَ من‌ الكُّفار، بحيث‌ يخافون‌ استيلاءَهم‌ علي‌ بلادهم‌، أو أخذ مالهم‌، وم‌ ا أشبهه‌ و إن‌ قلَّ. و جِهاد من‌ يُريد قتلَ نفسٍ محترمةٍ، أو أخذ مالٍ، أو سَبي‌ حريمٍ مطلقاً؛ و منه‌ جِهاد الاسيرين‌ المشركين‌ للمسلمين‌ دافعاً عن‌ نفسه‌؛ و ربما اُطلق‌ علي‌ هذا القسم‌ الدِّفاعُ لا الجهاد و هو أولي‌. و جِهاد البُغاةِ علي‌ الاءمام‌. ـ إلي‌ أن‌ قال‌ ـ و الذُّكوريّة‌ شرط‌ فلا يجب‌ علي‌ المرأة‌ هذا الجِهاد بالمعني‌ الاوّل‌؛ أمّا الثّاني‌ فيجب‌ الدَّفع‌ علي‌ القادر، سواءٌ الذَّكر و الانثي‌ و السليم‌ و الاعمي‌ وا لمريض‌ و العبد و غيرهم‌».

 الرجوع الي الفهرس

أقسام‌ الجهاد في‌ كلام‌ كاشف‌ الغطاء

 أقسام‌ الجهاد

 و أبسط‌ القول‌ في‌ المقام‌ ما أفاده‌ الشيخُ الاعظم‌ كاشفُ الغِطاء (ره‌) في‌ «كشفـ » ه‌ بقوله‌: «الجِهاد ينقسم‌ من‌ جهة‌ اختلاف‌ متعلِّقاته‌ إلي‌ أقسام‌ خمسة‌:

 أحدها: الجهاد لحفظ‌ بَيضةِ الإسلام‌ إذا أراد الكُفّار المستحقُّون‌ لغضب‌ الجَبَّار الهُجومَ علي‌ أراضي‌ المسلمينَ و بُلدانهم‌ قُرَاهُم‌، و قد استعدُّوا لذلك‌، و جمعوا لجموع‌ لاجله‌، لتعلو كلمةُ الكفر و تهبط‌ كلمةُ الإسلام‌، و يَضربوا فيها بالنَّاقيس‌، و يَبنُوا فيها البيعَ و الكنائسَ و يُعلنوا فيها سائر شعائر الكُفر، و يكون‌ الشَّرع‌ باسم‌ موسي‌ و عيسي‌ عليهما السلام‌، و يشتدَّ الكفر، و يتزايد باستيلاء القائلين‌ بالتَّثليث‌ و غيرها من‌ المناكر، النّافين‌ في‌ الحقيقة‌ لوحدة‌ الصَّانع‌ الخبير، كالفرقة‌ الاروسيّة‌، خَذَلَهم‌ الله‌ بمحمّد و آله‌.

 و الواجب‌ هنا أنّه‌ إن‌ حَصَل‌ من‌ يقوم‌ بذلك‌ سَقَطَ عن‌ المُكلَّفين‌، و إلاّ وجب‌ علي‌ جميع‌ أهل‌ الإسلام‌ ممَّن‌ له‌ قدرةٌ علي‌ الهِجرة‌ و مدخليَّة‌ في‌ إذلال‌ العَدوّ، و كلِّ من‌ له‌ قابليَّةُّ لجمع‌ الجُنود و العساكر أن‌ يقوم‌ بهذا الامر مع‌ غَيبة‌ الاءمام‌ و حضورِه‌ عليه‌ السّلام‌.

 و يُعتبر الاستيذان‌ منه‌ و حضور المجتهد و غيبته‌ علي‌ نحوما سيجي‌، و له‌ من‌ أموال‌ المسلمين‌ بقدر الحاجة‌.

 ثانيها: الجِهاد لدفع‌ المَلاعين‌ عن‌ التّسلُط‌ علي‌ دماء المسلمين‌ و أعراضهم‌، بالتَّعرضِ بالزِّنا بنسائهم‌ و اللَّواط‌ بأولادهم‌؛ فيجب‌ علي‌ ذلك‌ علي‌ من‌ غاب‌ أو حضر مع‌ عدم‌ قيام‌ الحاضرين‌ به‌، و يجوز للرئيس‌ المطاع‌ في‌ هذا القسم‌ أن‌ يأخذ من‌ أموال‌ المسلمين‌ ما يتوقّف‌ عليه‌ دفعُ عَدوِّهم‌ مع‌ قيامهم‌ بالدَّفع‌ مع‌ حضور الاءمام‌ عليه‌ السلام‌ و عدم‌ تسلُّطه‌، أو غيبته‌، و حضور المجتهد أو غيبته‌. و طلب‌ الاءذن‌ منه‌ أولي‌.

 ثالثها: الجِهاد لدفعهم‌ عن‌ طائفةٍ من‌ المسلمين‌ التقَت‌ مع‌ طائفةٍ من‌ الكُّفار فخيف‌ من‌ استيلائهم‌ عليها.

 رابعها: الجِهاد لدفعهم‌ عن‌ بُلدان‌ المسلمين‌ و قُراهم‌ و أراضيهم‌، و إخراجهم‌ منها بعد التّسلّط‌ عليها و إصلاح‌ بَيضَة‌ الاءسلالا بعد ثَلمها، و السَّعي‌ في‌ نجاة‌ المسلمين‌ من‌ أيد الكَفَرَة‌ المَلاعين‌. و يجب‌ علي‌ المسلمين‌ الحاضين‌ و الغائبين‌ إن‌ لم‌ يكن‌ في‌ الثُّغور من‌ يقوم‌ بدفعهم‌ عن‌ أرضهم‌ أن‌ يتركوا عِيالَهم‌ و أطفالهم‌ و أموالهم‌، و يُهاجروا إلي‌ أعداء الله‌ عن‌ أولياء الهل‌؛ فمن‌ كان‌ عنده‌ جاهٌ بَذَلَ جاهه‌، أو مالٌ بَذَلَ مالَه‌، أو سِلاحٌ بَذَلَ سِلاحَه‌، أو حيلةٌ أو ت‌ة‌ب‌يٌِ صَرَفها في‌ هذا المقام‌ لحفظ‌ بَيضَة‌ الإسلام‌ و أهل‌ الإسلام‌ من‌ تسلُّط‌ الكَفَرَة‌ اللِّئام‌.

 و هذا القسم‌ أفضل‌ الجهاد، و أعظم‌ الوسائل‌ إلي‌ ربّ العباد، و أفضل‌ من‌ الجِهاد لردِّ الكُفّار إلي‌ الإسلام‌، كما كان‌ في‌ أيّام‌ النبيِّ عليه‌ و آله‌ أفضل‌ الصَّلاة‌ و السّلام‌.

 و من‌ قتل‌ في‌ تلك‌ الاقسام‌، يقف‌ مع‌ الشُّهداء يَوم‌ المحشر، و الله‌ هذا هو الشّهيد الاكبر. فالسَّعيد من‌ قُتِل‌ بين‌ الصُّفوف‌، فإنَّه‌ عندالله‌ بمنزلة‌ الشُّهداء المقتولين‌ مع‌ الحُسين‌ عليه‌ السلام‌ يومَ الطُّفوف‌، قد زُخرفت‌ لهم‌ الجنان‌، و انتظر بهم‌ الحور العين‌ والولدان‌، و هم‌ في‌ القيامة‌ أضيافُ سَيد الاءنسِ و الجانَّ.

 فمن‌ عَلِم‌ بأنَّه‌ يجب‌ عليهم‌ أن‌ يقبل‌ منِّي‌ الكلام‌، و يأخذ عنِّي‌ الاحكام‌ الواردة‌ عن‌ سيد الانام‌ فليُخرج‌ سَيفَه‌ من‌ غِمده‌، و يرفَع‌ رُمحَه‌ من‌ بُعده‌، و ينادي‌ بأعلي‌ صوتِه‌: «أين‌ غيرةُ الإسلام‌؟ أين‌ الطَّالبون‌ بثأراتِ شريعة‌ سَيِّد الانام‌؟ أين‌ من‌ بَاعُوا أنفسهم‌ بالجنان‌ و الحورِ و الولدانِ، و رضيّ الرَّبِّ الرؤوف‌ الرَّحمن‌؟ أين‌ عبيدُ سَيِّدِ الاوصياء؟ أين‌ الطَّالبون‌ لان‌ يكونوا من‌ شُهداء كربلاء؟ أين‌ الدَّافعون‌ عن‌ شريعد سَيِّد الامم‌؟ أين‌ الَّذين‌ رُوِيز في‌ حَقِّهم‌ أنَّ أكثَرَ أنصارِ صاحب‌ الامر العجَمُ»؟

 خامسها: جِهاد الكفر و التَّوجُّه‌ إل‌ يمَحَالِّهم‌ للرَّد إلي‌ الإسلام‌، و الاءذعان‌ بما أتي‌ به‌ النَّبيُّ الاميُّ المبعوثُ من‌ عند المَلِكِ العلاّم‌ عليه‌ و آله‌ افضلُ الصَّلاة‌ و السّلام‌. و هذا المقام‌ من‌ خواصّ النبيّ و الاءمام‌ و المنصوب‌ الخاصّ منهما دونَ العامِّ، و يختصُ به‌ بعض‌ الاحكام‌ كما سيجي‌ بيانه‌ في‌ تفصيل‌ الاقسام‌، و باقي‌ الاقسام‌ يشترك‌ فيه‌ جميع‌ الانام‌.

 فكلُّ من‌ هذه‌ الاقسام‌ الخسمة‌ مندرج‌ في‌ الجهاد علي‌ سبيل‌ الحقيقة‌، و يجري‌ علي‌ قتلاهم‌ في‌ المعركة‌ حكمُ الشَّهيد في‌ الدنيا و الآخرة‌، فيثبت‌ لهم‌ في‌ الدُّنيا و الآخرة‌ مع‌ خلوص‌ النِّيَّة‌ ما أعَدَّه‌ اللهُ للشُّهداء، من‌ الدرَّجات‌ الرَّفيعةِ، و المراتب‌ العليَّة‌، و المساكن‌ الطَّيبة‌، و الحيوة‌ الدَّائِمةِ، و الرضوان‌ الّذي‌ هو أعلي‌ من‌ كلِّ مكرمة‌.

و يسقط‌ في‌ الدنيا وجوب‌ تَغسليهم‌ و تحنيطهم‌ و تكفينهم‌ إذا لم‌ يكونوا عُرَاةً؛ فَيُدفَنون‌ في‌ ثبابهم‌ مع‌ الدِّماء ـ و لا يُنزع‌ شي‌ءٌ منها سوي‌ ما كان‌ من‌ الفِرّي[17]و الجُلُودِ، و سوي‌ ما كان‌ إبقاؤه‌ مضرّاً ضَرَاً عَظيماً علي‌ الوَرَثة‌ ـ إذا قتل‌ بين‌ الصَّفَّين‌ و أدركه‌ المسلمون‌ و لم‌ يكن‌ به‌ رمقُ الحيوة‌».

 هذا كلُّه‌ ما أفاده‌ الشيخ‌ الاكبر (ره‌)؛ و إنّما أوردنا تفصيلَ كلامه‌، لما فيها من‌ الفوائِدِ الهامَّةِ. ثمّ قال‌: «و تفترق‌ الاربعةُ المتقدِّمة‌ عن‌ الخامس‌ بوجوهٍ». [18] فذكر أربعة‌ عشر وجهاً في‌ ما تفترق‌ الاربعة‌ المتقدِّمة‌ عن‌ القسم‌ الاخير. و لمّا دخل‌ في‌ الباب‌ الثالث‌ في‌ بيان‌ الشُّروط‌، غيَّرَ ترتيبَ الاقسام‌ المذكورة‌ ههنا فقال‌: «قد تقدَّم‌ بيانُ أقسام‌ الجِهاد، و ذكرنا أنّها تقع‌ علي‌ وجوهٍ خمسةٍ، هي‌:

 ما يكون‌ لحفظ‌ بَيضَةِ الإسلام‌ إذا أراد الكفّارُ الهجومَ عليها. و ما يكون‌ لدفعهم‌ عن‌ بُلدان‌ المسلمين‌ و قراهم‌ و أراضيهم‌ و إخراجهم‌ منها بعد سلطانهم‌ عليها. و ما يكون‌ لفدع‌ الملاعين‌ عن‌ التسلّط‌ علي‌ دماء المسلمين‌، و هتك‌ أعراضهم‌ علي‌ نحو ما مرٍّ. و ما يكون‌ لدفعهم‌ عن‌ طائفةٍ من‌ المُسلمين‌ التَّقتْ مع‌ طائفةٍ من‌ الكُفّار، فخيف‌ من‌ استيلائها عليهم‌ و ما يكون‌ لاجل‌ الدَّعوة‌ إلي‌ الإسلام‌. و إقرارهم‌ بشريعة‌ خير الانام‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌»[19].

 ثمَّ ذَكَرَ للجِهاد شروطاً ثمانيةً و قال‌: «سادسها الذُّكورة‌ فلا يجب‌ علي‌ من‌ عُلِم‌ خروجُه‌ عن‌ حقيقتها. أو شُكَّ فيه‌ كالخُنثي‌ المشكل‌ و المَمْسُوح‌، و هذا مخصوصٌ بالاخير أو القسمين‌ الاوَّلين‌». [20] انتهي‌.

 و من‌ هذا البيان‌ يتَّضح‌ أنَّ سقوطَ الجِهاد عن‌ المرأة‌ إنَّما هو في‌ القسم‌ الاخير، و هو الدَّعوة‌ إلي‌ الإسلام‌، أو مع‌ القسمين‌ الاوَّلين‌، و هما ما يكون‌ لحفظ‌ بَيضَة‌ الإسلام‌ إذا أراد الكُفَّار الهُجُومَ عليها، و ما يكون‌ لدفعهم‌ عن‌ بُلدانِ المُسلمين‌ بَعد سلطانهم‌ عليها.

 و أمّا في‌ القسم‌ الثالث‌ و الرّابع‌، و هما ما يكون‌ المَلاعين‌ عن‌ التَّسَلط‌ علي‌ دماء المسلمين‌ و هتكِ أعراضهم‌، و ما يكون‌ لدفعهم‌ عن‌ طائفةٍ من‌ المُسلمين‌ التَقَتْ مع‌ الكُفَّار فخيف‌ من‌ استيلائها عليهم‌؛ فالجِهاد للمرأة‌ ثابتٌ.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 67 من‌ سورة‌ 9: التوبة‌.

[2] ـ الآية‌ 195، من‌ سورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[3] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[4] ـ الآية‌ 126، من‌ السورة‌ 16: النَّحل‌.

[5] ـ الآية‌ 176، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ «الميزان‌» الجزء الرابع‌، ص‌ 373.

[7] ـ الآية‌ 228، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[8] ـ الآية‌ 223، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[9] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[10] ـ الآية‌ 95، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[11] ـ الآية‌ 286 من‌ سورة‌ 2: البقرة‌.

[12] ـ الآية‌ 234، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[13] ـ الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌؛ و الآية‌ 38 من‌ السورة‌ 36: يس‌؛ و الآية‌ 12: من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌.

[14] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 40: المؤمن‌.

[15] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، من‌ ص‌ 273 إلي‌ ص‌ 392.

[16] ـ و هذه‌ الشروط‌ عنده‌: البلوغ‌ و العقل‌ و الحريّة‌ و الذكورة‌، و أن‌ لا يكون‌ هِمّاً و لا مُقعداً و لا أعمي‌ و لا مريضاً.

[17] ـ الظاهر الفِراءُ بالمدّ، و هو جمع‌ فَرْو: جبّة‌ تتّخذ من‌ أوبار الاءبل‌.

[18] ـ «كشف‌ الغطاء» ص‌ 381.

[19] ـ «كشف‌ الغطاء» ص‌ 395.

[20] ـ «كشف‌ الغطاء» ص‌ 396.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com