|
|
الصفحة السابقةبحث كلاميّ في مفاد حديث المنزلةوأمّا البحث الكلاميّ، أي: البحث في مفاده ومحتواه ومضمونه وكيفيّة دلالته علی خلافة أميرالمؤمنين علیه صلوات الله وصلوات المصلّين ووصايته ووزارته وإمامته، فلميكن مستقلاّ، إلاّ ما ورد منه علی سبيل الإشارة أو كان كلاماً موجزاً للعلاّمة الامينيّ. وقد نقلناه في هذا الجزء. وقد بلغنا بتتمّة البحث. وتحدّث الشريف المرتضي علم الهدي عن هذا الموضوع حديثاً مفصّلاً ووافياً في كتاب «الشافي»[1] و «تلخيص الشافي» [2] ، وحديثه شرح لكلام الصدوق وبحثه وتتمّته في «معاني الاخبار» [3]. ونقل المجلسيّ كلام ذينك العلمين في «بحار الانوار»[4] . وذكره أيضاً كلّ من الشيخ المفيد في «الإرشاد»[5] ، والشيخ الطبرسيّ في «إعلام الوري»[6] ، وابن شهرآشوب في «المناقب»[7] ، والشيخ محمّد حسن المظفّر في «دلائل الصدق»[8] ، وغيرهم من الاعلام والاساطين. ويحسن بنا قبل الخوض في هذا البحث أن نذكر روايتين تبيّنان هذا الحديث المبارك وتشرحانه: الاُولي: روي الشيخ الصدوق عن الحسنبن محمّدبن سعيد الهاشميّ بالكوفة بسنده المتّصل، عن أبي هارون العبديّ، قال: سألت جابربن عبدالله الانصاريّ عن معني قوله صلّيالله علیه وآله وسلّم لعلیّ علیه السلام: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إِلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي! قَالَ: اسْتَخْلَفَهُ بِذَلِكَ وَاللَهِ علی أُمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَفَرَضَ علیهِمْ طَاعَتَهُ، فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بَعْدَ هَذَا القَوْلِ بِالخِلاَفَةِ فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ[9] . الثانية: روي الشيخ الصدوق عن أحمد بن الحسن القطّان بسنده المتّصل عن أبي خالد الكابليّ، قال: قيل لسَيِّدِ العَابِدِينَ علیِّبْنِ الحُسَيْنِ علیهما السلام: إنّ الناس يقولون: إنّ خير الناس بعد رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ علیّ علیه السلام! قال ( الإمام ): فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيِّب، عن سعدبن أبي وقّاص، عن النبيّ صلّيالله علیه وآله وسلّم أ نّه قال لعلیّ علیه السلام: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إِلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي[10] ؟! وقال الشيخ المفيد بعد أن ذكر مجيء أمير المؤمنين علیه السلام إلی رسولالله بالجرف، وشكواه من المنافقين، وكذلك بعد أن ذكر جواب رسولالله له إذ قال: ارْجِعْ يَا أَخِي إلی مَكَانِكَ! فَإِنَّ المَدِيْنَةَ لاَتَصْلَحُ إِلاَّ بِي أَوْ بِكَ! فَأَنْتَ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِ بَيْتِي وَدَارِ هِجْرَتِي وَقَوْمِي! أَمَا تَرْضَي أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إِلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي. تضمّن هذا القول من رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم نصّه علی أميرالمؤمنين بالإمامة؛ وإبانته من كافّة الناس بالخلافة؛ ودلّ به علی فضل لميشركه فيه أحد سواه، وأوجب له به جميع منازل هارون من موسي، إلاّ ما خصّه العُرف ( من تلك الخصائص والآثار ) كالاُخوّة؛ واستثناه هو من النبوّة. ألا تري أ نّه جعل له كافّة منازل هارون من موسي إلاّ المستثني منها لفظاً وعقلاً ؟! وقد علم من تأمّل معاني القرآن وتصفّح الروايات والاخبار أنّ هارون كان أخا موسي لابيه وأُمّه، وشريكه في أمره ( أي الولاية والإمامة )؛ ووزيره علی نبوّته، وتبليغه رسالات ربّه. وأنّ الله شدّ به أزره، وأ نّه كان خليفته علی قومه، وكان له من الإمامة علیهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته، وأ نّه كان أحبّ قومه إلیه وأفضلهم لديه. قال الله عزّ وجلّ حاكياً عن موسي: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي´ أَمْرِي * واحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي * واجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَـ'رُونَ أَخِي* اشْدُد بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي´ أَمْرِي * كَي نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا[11] . فأجاب الله مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأُمنيته حيث يقول: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـ'مُوسَي[12] . وقال الله أيضاً حاكياً عن موسي: وَقَالَ مُوسَي' لاِخِيهِ هَـ'رُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين[13] . وفي ضوء هذه الآيات، لمّا جعل رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم أميرالمؤمنين علیه السلام منه بمنزلة هارون من موسي، أوجب له بذلك جميع المقامات والدرجات التي كانت لهارون إلاّ ما خصّه العرف من الاُخوّة، واستثناه من النبوّة لفظاً. وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق أميرالمؤمنين علیه السلام، ولا ساواه في مفاد هذه الحقيقة ومعناها، ولاقاربه فيها علی أيّ حال من الاحوال[14] . وقال الشيخ المظفّر بعد بيان هذه الآيات، وحديث المنزلة، ودعاء رسولالله بعد نزول هذه الآيات بقوله: واجعل لي وزيراً من أهلي علیاً أخي، واستجابة دعائه: يَا أَحْمَدُ! قَدْ أُوْتِيتَ مَا سَأَلْتَ[15] : إنّ هذه الآية المباركة وإن لميكن لنزولها دخل بأمير المؤمنين علیه السلام، لكن لمّا أمكن أخذ الدليل لإمامته منها بضميمة الاحاديث الحاكية لدعاء النبيّ صلّيالله علیه وآله وسلّم له علیه السلام بمضمونها، صحّ لنا ذكرها في طيّ الادلّة القرآنيّة علی إمامته .[16] وبعد أن ذكرنا هاتين الروايتين وكلام المفيد والمظفّر، وعرفنا أنّ هذه الآيات المباركة بضميمة الاحاديث النبويّة في المنزلة، ودعاء النبيّ بجعل علیّ في المنزلة الهارونيّة، واستجابة دعائه كاستجابة دعاء موسي، كلّ ذلك يزيل أيّ شبهة تطرأ علی القاري أو المستمع في جميع منازل أميرالمؤمنين علیه السلام ومراتبه من الإمامة والولاية والخلافة والوزارة. نأتي الآن علی شرح الكلام وتفصيله مع ذكر النكات الواردة في حديث المنزلة، ونقول: نلاحظ في هذا الحديث بنحو عامٍّ وشامل أنّ جميع منازل هارون ومقاماته قد تمّ تثبيتها وتقريرها لامير المؤمنين علیه السلام ما عدا الاُخوّة كما هو معلوم، وكذلك ماخلا النبوّة التي استثناها رسولالله نفسه. ومن جملة مقامات هارون: الإمامة والرئاسة علی الاُمّة عند غيبة موسي في ذهابه إلی الطور. ومنها: الخلافة والوزارة التي تمثّل المنصب الثاني بين كافّة الاُمّة سواء في الحياة أو في الممات، مع التسليم ببقاء هارون بعد موسي. وجميع هذه المقامات ثابتة لامير المؤمنين علیّبن أبي طالب بالنصّ الصريح المتمثّل بعموميّة حديث المنزلة من وزارة، ومعاونة مختصّة في أمر النبوّة، وإمامة وولاية، وخلافة ونيابة سواء في حياة رسولالله أو بعد وفاته. ويتحصّل هذا الاستيعاب والاستغراق في مفاد الحديث بالنسبة إلی جميع المنازل من جهتين: الاُولي: من جهة إجراء مقدّمات الحكمة في لفظ المنزلة كما يتناوله علم الاُصول بالبحث والدراسة. أي: إذا كان المراد من لفظ المنزلة منزلة خاصّة كخصوص الوزارة، أو الإمامة وغيرهما، فينبغي أن يُوضَّح، وإلاَّ لزم الإطلاق وعدمبيان قيده مع فرض لزوم القيد وإرادة المقيّد بما هو مقيّد. وصدور هذا الضرب من التلفّظ عن شخص حكيم خطأ. وإذا لميكن المراد من المنزلـة منزلـة خاصّـة، بل علی نحـو المهملـة، أي: منزلة غيرمعيّنة، كيفما كانت، فإنّ هذا الضرب من التلفّظ هذر وعبث أيضاً. والحكيم لايهذر، ولاينطلق هذراً وعبثاً. إذَاً لابدّ أ نّه أراد من لفظ المنزلة جميع المنازل، وهو المطلوب. الثانية: الاستثناء عبارة عن إخراج معني أو شيء، إذا لميُخرج، فإنّه يدخل في جملة المستثني منه علی نحو العموم. أي: الخروج من معني عامّ وشامل مراد في جملة المستثني منه. ولمّا وردت في هذا الحديث عبارة إلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي، فإنَّ المستفاد منها هو أنّ النبوّة التي هي أحد المنازل وقد استُثنيت، قد استثنيت من معني عامّ وشامل، وجاءت النبوّة في العبارة بوصفها مستثني منه؛ وذلك المعني العامّ هو لفظ المنزلة. فلفظ المنزلة يعني هنا جميع المنازل والمقامات. ومن الجدير ذكره هنا أيضاً أنّ كلمة ( بعدي ) في قوله: إلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي لاتعني بعد موتي، بل تعني بعد نبوّتي. ويريد رسولالله أن يقول: لانبوّة بعد نبوّتي سواء كان ذلك النبيّ في حياتي، أو بعد مماتي. ومن هنا يستبين أنّ قوله: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي يشمل جميع منازله من وزارة، وإمامة، وخلافة، سواءً كان رسولالله حيّاً، أو ميّتاً، كما أنّ تلك المنازل كلّها كانت ثابتة لهارون علی هذا النحو؛ وكذلك فإنّ استخلاف رسولالله أميرَالمؤمنين علی المدينة في غزوة تبوك -وهو بلاشكّ أحد مواطن هذا الحديث ومواقفه- يدلّ علی هذا المعني. وبعامّة ، كلّ من نظر في هذا الحديث ، يجد أنّ رسول الله قد بيّن المقام الرفيع لامير المؤمنين بوصفه الشخص الثاني بعده. وجعله في الدرجة الثانية علی كافّة الاصعدة من معالجة الشؤون المختلفة ، والقضاء، والحكومة، وقيادة الجيش، والسيادة والولاية. وكان رسولالله هو الشـخص الاوّل. ولمتكن إمامة أميرالمؤمنين علیه السلام بعد وفاة رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم فحسب ، بل كانت في حياته أيضاً ، إذ كان إماماً ووإلیاً لمقام الولاية. غاية الامر أ نّها كانت في الدرجة الثانية؛ وفي طول إمامة رسول الله وولايته ، لافي عرضهما. وهذا هو مقام الشخص الثاني المستفاد من الحديث، وهو موضع بحث ونقاش بوصفه استخلافاً. أي: كان في الدرجة الثانية وعند غيبة رسولالله أو وفاته؛ أو في حضوره ولكن في الرتبة الثانية كما يدلّ معني الوزير علی هذه الحقيقة [17]. وإذا قال قائل: إنّ حديث المنزلة يثبت مقامات هارون لعلیّبن أبيطالب؛ ولمّا كنّا نعلم أنّ هارون خَلَفَ موسي في حياته عند غيبته، ولميخلفه بعد موته، لا نّه توفيّ قبل أخيه موسي، فلايسعنا أن نثبت بهذا الحديث خلافة أميرالمؤمنين علیه السلام بعد وفاة رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم! نقول في جوابه: نثبت بحديث المنزلة هذا جميع منازل هارون من موسي لاميرالمؤمنين من رسول الله؛ ونلاحظ هنا ثبوت وصفين لهارون: أحدهما تعلیقي، والآخر تحقيقيّ. والتعلیقيّ هو أن نقول: إنّ أحد مقامات هارون هو أ نّه لو كان حيّاً، لخلف موسي بعد وفاته. ويثبت هذا الوصف التعلیقيّ لعلیّبن أبي طالب أيضاً. أي: إذا كان حيّاً، فإنّه يخلف رسولالله بعد وفاته. غاية الامر أنّ موضوع هذه القضيّة الشرطيّة لم يتحقّق في هارون، أي: لميكن حيّاً. وتحقّق في علیّبن أبي طالب، إذ كان حيّاً. وقال المناطقة جميعهم: لايناط صدق القضيّة الشرطيّة بصدق المقدّم وشرطه. فمتي وجد المقدّم والشرط، وجد الجزاء والتإلی، والعكس هو الصحيح. ومجيء الجملة الشرطيّة أو عدممجيئها لايرتبط بصدق أصل القضيّة أبداً، إذ القضيّة صادقة في كلّ حال، فلو وُجد الشرط، تحقّق الجزاء؛ وإذا لميوجد، لميتحقّق. ونريد بالوصف التعلیقيّ هو أنّ خلافة هارون علی التسليم ببقائه حيّاً هي لاميرالمؤمنين. ولميتحقّق شرط هذه القضيّة في هارون، فلميكن خليفة، بَيْدَ أ نّه تحقّق في علیّبن أبي طالب، فصار خليفة. وضرب الشيخ الصدوق مثالاً حلواً لطيفاً صحيحاً يفيدنا في الوقوف علی حقيقة هذا المطلب. قال: لو أنّ الخليفة قال لوزيره: لزيد علیك في كلّ يوم يلقاك فيه دينار! و لعمرو علیك مثل ما شرطتُه لزيد! فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد. فإذا جاء زيد إلی الوزير ثلاثة أيّام فأخذ ثلاثة دنانير؛ ثمّ انقطع ولميأته؛ أتي عمرو الوزير ثلاثة أيّام فقبض ثلاثة دنانير؛ فلعمرو ( الحقّ ) أن يأتي يوماً رابعاً وخامساً وأبداً وسرمداً ما بقي عمرو ( حيّاً ). وعلی هذا الوزير ما بقي عمرو أن يعطيه في كلّ يوم أتاه ديناراً، وإن كان زيد لميقبض من الوزير شيئاً إلاّ ثلاثة أيّام. وليس للوزير أن يقول لعمرو: لا أُعطيك إلاّ مثل ما قبض زيد، لا نّه كان في شرط زيد أ نّه كلّما أتاك فأعطه ديناراً! ولو أتي زيد ( أكثر من تلك الايّام الثلاثة ) لقبض ( دنانير أُخري ) ، وفعل هذا الشرط لعمرو وقد أتي ( إلی الوزير ) ، فواجب ( علی الوزير ) أن يعطيه دنانير أُخري. فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصيّ أن يخلف موسي علیه السلام علی قومه. ومثل ذلك لعلیّ، فبقي علیّ علی قومه ومثل ذلك لعلیّ علیه السلام، فواجب أن يخلف النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم في أُمّته نظير ما مثّلناه في زيد وعمرو؛ وهذا ما لابدّ منه ما أعطي القياس حقّه[18] . أمّا الوصف التحقيقيّ فهو أنّ خلافة هارون كانت في حياته علی سبيل التحقيق، وهي محقّقة لاميرالمؤمنين علیه السلام. أي: أنّ هارون كان خليفة في حياة موسي تحقيقاً وفعلاً؛ وقد انقطعت هذه الخلافـة بموته قبل موت موسـي، فخُتـم أمرها. وكان أميرالمؤمنين علیه السلام خليفة أيضاً في حياة رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم تحقيقاً وفعلاً؛ واستمرّت هذه الخلافة باستمرار حياته بعد ممات رسولالله. فلهذا كان خليفته، وكان إماماً ووإلیاً علی الاُمّة بعد وفاته. ولا يخفي أنّ هذين الوصفين التعلیقيّ والتحقيقيّ وصفان ثابتان من أوصاف هارون وأميرالمؤمنين. وكلّ واحد منهما علی حدة يمكن أن يكون في قياس ولاية أميرالمؤمنين وبرهانها. والفرق بينهما في التعلیق والتحقيق فحسب، وإن كان منبعهما واحد. ويعني التعلیق تعلیق خلافة هارون علی حياته بعد موسي. أمّا التحقيق فيعني تحقيق وصف خلافته في حياة موسي. ويسـتفاد كلّ واحـد من هذين الوصـفيـن مـن حـديث المنزلة لاميرالمؤمنين علیه السلام. وإذا قال قائل كيف يُعْلَمُ أنّ هارون -علی التسليم ببقائه حيّاً بعد وفاة موسي- يخلف موسي ؟ ونقول في الجواب: هذه الاستفادة هي من مقامات هارون ودرجاته . فقد كان نبيّاً، وكان أفضل أهل زمانه بعد موسي، وأوثق الناس عنده، وكان نائبه في جميع العلوم. هذه المنازل والمقامات مشهورة لهارون. وإذا أنكر شخص واحداً منها، فقد أنكرها كلّها. وعلی هذا، فإنّ خلع هارون من مقام الخلافة بعد ثبوتها لابدّ أن يكون لمنقصةٍ أو جهالةٍ أو ضلالةٍ بدرت منه؛ ولايجوز عروض هذه العوارض علی النبيّ. ولذلك فإنّ ممّا لاشكّ فيه هو أ نّه لو كان بقي حيّاً بعد وفاة موسي، لَخَلَفَهُ[19]. إنّ هذا البحث الذي ذكرناه هنا يمثّل حقيقة الموضوع، كما يمثّل جواباً عن الشبهات الواهية التي يثيرها المخالفون. وأمّا ما ذكره الشيخ الصدوق في جواب هذه الشبهة القائلة بأنّ النبيّ جعل هذه المنزلة لعلیّ في حياته، فلا يتمّ إذ تثار علیه بعض الإشكالات. قال: فثبت أنّ المراد من المنزلة التي جعلها رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم لعلیّ علیه السلام في حديث المنزلة، هي المنزلة التي جعلها له بعد وفاته، لافي حياته. وانبري بعد شرح وتفصيل طويلين إلی إثبات ذلك بدليلين: الاوّل: لمّا حصل نفي النبوّة في قوله: إلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي بسبب الفضيلة والمنزلة التي كانت توجب النبوّة، فإنّ نفي النبوّة عن علیّ ينبغي أن يكون في الوقت الذي جعلت فيه تلك الفضيلة له كما لهارون؛ ولمّا كان نفي النبوّة عنه بعد وفاة رسول الله، فلا يمكن أن تكون هذه المنزلة لعلیّ في حياته، لانّ ذلك من لغو الكلام، إذ نجعل قوله: أِنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي في حياة رسول الله. فقوله: إلاَّ أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدِي كان بعد وفاته، ولابدّ أن يجتمع المستثني والمستثني منه في زمان واحد. الثاني: كان استثناء النبوّة بعد الحياة، ولو كانت منزلة توجب النبوّة في الحياة، للزم أن يكون علیّ نبيّاً في حياة رسول الله، وهذا أمر فاسد. وإن قال قائل: إنّ المراد من قول رسول الله: بعدي ، أي: بعد النبوّة، لابعد الوفاة. وهذا سهو؛ لا نّه يلزم من الخبر الذي رواه المسلمون أَ نَّهُ لاَنَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّي الله علیه وآله وسلّم من أ نّه لانبيّ في حياة رسولالله، ولكن لاإشكال في أن يكون بعد وفاته أنبياء[20] . ختم الكتاب وسبب عدم اتّباع الاكثريّة المنحرفة أمير المؤمنينومني الشيخ الطبرسيّ أيضاً بسهو آخر في الاستدلال، فقد قال في الوجه الثاني من استدلاله بهذا الحديث: لمّا دلّ قوله: بعدي علی ما بعد وفاة رسولالله، فإنّ هذا الخبر يدلّ علی ثبوت جميع منازل هارون لاميرالمؤمنين علیه السلام بعد وفاة رسول الله. لانّ الاستثناء ( في الخبر دلّ ) علی أنّ ما لم يستثنه حاصل لامير المؤمنين علیه السلام بعد رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم. ] إذ [ إنّ الاستثناء إذا كان مطلقاً ] فإنّه [ يوجب ثبوت مالم يستثن مطلقاً، فكذلك إذا قيّد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت مالم يستثن في ذلك الوقت وفي تلك الحال، ألا تري أنَّ قول القائل: ضربت أصحابي إلاّ أنّ زيداً في الدار يدلّ علی أنّ ضربه أصحابه كان في الدار[21] . وسها ابن شهرآشوب أيضاً كهذا السهو، إذ قال:... ولانّ الحال التي ينفي المستثني فيها يجب أن يثبت المستثني منه لوجوب المطابقة بينهما. وإذا نفي رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم بالاستثناء النبوّة بعد وفاته، وجب أن يكون ما عداها ثابتاً في تلك الحال [22]. يكمن سهو هؤلاء العظماء في أ نّهم فسّروا كلمة بعدي بما بعد وفاة رسولالله؛ فلهذا اضطُرُّوا إلی أن يفسّروا صدر الحديث أيضاً في ذلك الوقت. وتُسجّل علی هذا الفهم إشكالات كثيرة، منها: أنّ كلمة ( بعد ) مطلقة سواء كانت في الحياة أو في الممات. لا نّنا إذا فسّرناها بما بعد النبوّة، فلايجب الإشعار بجواز مجيء نبيّ بعد الممات، بل إنّ إطلاقها ينفي مجيء أيّ رسول. وإذا كانت جملة المستثني مطلقة، فلاضير أن تكون جملة المستثني منه مقيّدة. كأن نقول: أكرمت أصحابي كافّة إلاّ زيداً في الدار. وهذا لايُشعر أنّ إكرام الاصحاب كلّهم كان في الدار. ويضاف إلی ذلك كلّه أنّ ممّا لا شكّ فيه هو صدور هذا الحديث عند التحرّك إلی تبوك؛ وهذا ما أجمع علیه الفريقان. وحينئذٍ كيف يمكننا أن نثبت انتصاب أميرالمؤمنين علی المدينة بهذا الحديث في الوقت الذي نري أنّ مفاده ومعناه المتمثّلين بالمنزلة كانا بعد رسولالله ؟! ويشعرنا هذا الحديث مبدئيّاً أنّ أميرالمؤمنين علیه السلام كان كهارون مطلقاً له مناصب ومقامات في عصر رسولالله صلّي الله علیه وآله وسلّم؛ وكان الشخص الثاني في عالم النبوّة والرسالة. وهذا المعني المستفاد من الحديث يتنافي مع منازله بخصوص الزمان الذي تلا وفاة رسولالله. ولو قال قائل بعد جميع هذه النصوص والتصريحات النبويّة في نصب وتعيين أمير المؤمنين في مقام الخلافة، ومنحه المنزلة الهارونيّة: كيف يمكن أن نخالف هذه النصوص ؟ وكيف يسوغ لنا أن نعزل علیاً في بيته ؟ وكيف يجوز أن نغصب حقّه الثابت المسلّم ؟ وكيف نتصوّر أنّ معظم الناس تمرّدوا علی بيعته بعد وفاة رسول الله ؟ والجواب هو ما تفضّل به أُستاذنا الاكرم العلاّمة الطباطبائيّ رضوانالله علیه في تعريف الشيعة علی سبيل الإجمال: « توصّلت الشيعة إلی هذه النتيجة المتمثّلة بوجود النصّ الكافي الصادر عن النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم بشأن تعيين الإمام والخليفة بعده عبر البحث والتنقيب في الإدراك البشريّ الفطريّ، وسيرة ذوي الالباب من بني آدم، والتعمّق في النظرة الجوهريّة للدين الإسلاميّ المتجسّدة في إحياء الفطرة، والنهج الاجتماعيّ للنبيّ الاكرم، ودراسة الحوادث المؤسفة الواقعة بعد وفاته، والملمّات والخطوب التي نزلت بالإسلام والمسلمين، والتي تعود إلی تقصير وإهمال الحكومات الإسلاميّة في القرون الاُولي من الهجرة. ودلّت الآيات والاخبار المتواترة علی هذا المعني كآية الولاية، وحديث الغدير، وحديث السفينة، وحديث الثقلين، وحديث الحقّ، وحديث المنزلة، وحديث دعوة العشيرة الاقربين، وغيرها. بَيدَ أ نّها أُوِّلت وعُمِّيَ علیها لمآرب معيّنة[23]». والجواب أيضاً هو ما ذكره ابن مكّي النيليّ في أشعاره، إذ لو كان الإجماع صحيحاً، فإنّهم أجمعوا دائماً علی مكابرة الحقّ وإبطاله. وقال في الردّ علی بيتَي يوسف الواسطيّ الذي قدح في أميرالمؤمنين علیه السلام لتخلّفه عن بيعة السقيفة بعد رسولالله: أبيات القاضي الجليس في محبّة أهل البيت علیهم السلام
أَلاَ قُلْ لِمَنْ قَالَ فِي كُفْرِهِ وَرَبِّي علی قَوْلِهِ شَاهِدُ (إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ في وَاحِدٍ وَخَالَفَهُمْ فِي الرِّضَا واحِدُ فَقَدْ دَلَّ إجْمَاعُهُمْ كُلِّهِمْ علی أَ نَّهُ عَقْلُهُ فَاسِدُ) كَذَبْتَ وَقَوْلُكَ غَيْرُ الصَّحِيحْ وَزَعْمُكَ يَنْقُدُهُ النَّاقِدُ فَقَدْ أَجْمَعَتْ قَوْمُ مُوسَي جَميعاً علی العِجْلِ يَا رِجْسُ يَا مَارِدُ وَدَامُوا عُكُوفَاً علی عِجْلِهِمْ وَهَارُونُ مُنْفَرِدٌ فَارِدُ فَكَانَ الكَثِيرُ هُمُ المُخْطِئُونَ وَكَانَ المُصِيبُ هُوَ الوَاحِدُ[24] ونروم هنا أن نختم هذا الجزء من « معرفة الإمام » بحول الله تعإلی وقوّته. وكم يناسب المقام أن نترنّم بأبيات القاضي الجليس:
حُبِّي لآلِ رَسُولِ اللَهِ يَعْصِمُنِي مِنْ كُلِّ إثْمٍ، وَهُمْ ذُخْرِي وَهُمْ جَاهِي يَا شِيعَةَ الحَقِّ قَوْلي بِالوَفَاءِ لَهُمْ وَفَخِرِي بِهِمْ مَنْ شِئْتُ أو بَاهِي إِذَا عَلِقْتُ بِحَبْلٍ مِنْ أَبِي حَسَنٍ فَقَدْ عَلِقْتُ بِحَبْلٍ في يَدِ اللَهِ حَمَي الإلَهُ بِهِ الإسلام فَهْوَ بِهِ يُزْهِي علی كُلِّ دِينٍ قَبْلَهُ زَاهِ بَعْلُ البَتُولِ وَمَا كُنَّا لِتَهْدِيَنَا أَئمَّةٌ مِنْ نَبِيِّ اللَهِ لَوْلاَ هِي نَصَّ النَّبِيُّ علیهِ في الغَدِيرِ فَمَا زَوَاهُ إِلاَّ ظَنِينٌ دِينُهُ وَاهِ[25] والحمد للّه وله المنّة، إذ تمّ هذا الجزء من كتاب « معرفة الإمام » وهو الجزء العاشر منه. وكلّه يدور حول حديث المنزلة. وفرغت منه لخمس وعشرين ليلة خلون من شهر جمادي الاُولي سنة ألف وأربعمائة وسبع من الهجرة، علی هاجرها ووصيّ هاجرها آلاف التحيّة والسلام.
اللَهُمَّ صَلِّ علی مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ علی مَلاَئِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ! وَصَلِّ علیهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ علی أَنْبِيَائِكَ المُرْسَلِينَ! وَصَلِّ علیهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ علی عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ! وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَارَبَّ العَالَمِينَ؛ صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا، وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا، وَيُسْتَجَابُ لَهَا دُعَاؤُنَا، إنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إلیهِ؛ وَأَكْفَي مَنْ تُوُكِّلَ علیهِ وَأَعْطَي مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْتَ علی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[26]! [2] - «تلخيص الشافي» ج 2، ص 206 إلي 234، طبعة النجف، سنة 1383 ه. [3] - «معاني الاخبار» ص 74 إلي 79، طبعة مطبعة الحيدريّ سنة 1379. [4] - «بحار الانوار» ج 9، ص 242 إلي 246، طبعة الكمبانيّ. [5] - «الاءرشاد» ص 83 إلي 85، الطبعة الحجريّة. [6] - «إعلام الوَرَي بأعلام الهدي» ص 170 إلي 172 طبعة مطبعة الحيدريّ. [7] - «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، ج 1، ص 522 و 523، الطبعة الحجريّة. [8] - «دلائل الصدق» ج 2، ص 223 إلي 225، طبعة النجف. [9] - «معاني الاخبار» ص 74. [10] - «معاني الاخبار» ص 74. [11] - الآيات 25 إلي 34، من السورة 20: طه. [12] - الآية 36، من السورة 20 طه. [13] - الآية 142، من السورة 7: الاعراف. [14] - «الاءرشاد» ص 84 و 85، الطبعة الحجريّة. ويستبين ممّا ذكرناه ضعف ووهن ما أورده صاحب «السيرة الحلبيّة» ج 3، ص 151 من تضعيف دلالة هذا الحديث علي إمامته. فقال بعد أن نقل حديث المنزلة: إنّ ما ادّعته الرافضة والشيعة من أنّ هذا الحديث نصّ تفضيليّ علي خلافة عليّ كرّم الله وجهه من حيث عموم المنزلة واستثناء النبوّة مرفوض بأ نّه غيرصحيح كما قال الآمديّ؛ وعلي تسليم صحّته -بل صحّته هي الثابتة، لا نّه في الصحيحين- نقول: هو من قبيل الآحاد؛ وكلّ من الرافضة والشيعة لايراه حجّة في الاءمامة. وعلي تسليم أ نّه حجّة، فلاعموم له، بل المراد ما دلّ عليه ظاهر الحديث أنّ عليّاً كرّمالله وجههخليفة عن رسول الله في أهله خاصّة مدّة غيبته بتبوك. كما أنّ هارون كان خليفة عن موسي في قومه مدّة غيبته عنهم لمناجاة ربّه؛ وعلي تسليم أ نّه عامّ لكنّه مخصوص. والعامّ المخصوص غيرحجّة في الباقي؛ أو حجّة ضعيفة، وقد استخلف رسولالله صلّيالله عليه وآله وسلّم في مرار أُخري غير عليّ. فعلي هذا يلزم أن يكون مستحقّاً للخلافة. [15] - «دلائل الصدق» ج 2، ص 223 و 224. [16] - «دلائل الصدق» ج 2، ص 224. [17] - استدلّ العلاّمة الطوسيّ في «تجريد الاعتقاد» بهذه الرواية علي إمامة الاءمام، وقال: ولحديث المنزلة المتواترة. وقال الشارح القوشجيّ في شرحه: نقول في بيان هذا الدليل: إنّ المنزلة اسم جنس أُضيف فيعمّ كما إذا عُرّف باللام، بدليل صحّة الاستثناء؛ وإذا استثني منها مرتبة النبوّة، بقيت عامّة في باقي مناصب هارون عليه السلام التي من جملتها كونه خليفة له ومتولّياً في تدبير الامر ومتصرّفاً في مصالح العامّة ورئيساً مفترض الطاعة لو عاش بعد موسي عليه السلام، إذ لايليق بمرتبة النبوّة زوال هذه المرتبة الرفيعة الثابتة في حياة موسي بوفاته، إذ قد صرّح بنفي النبوّة، لم يكن ذلك إلاّ بطريق الاءمامة. ثمّ انبري إلي الجواب، وأراد التغطية علي هذه الحقيقة بوجوه موهومة غيرصحيحة. منها أ نّه قال: هذه الرواية من خبر الواحد (ولا تَصمد) في مقابلة الاءجماع (علي خلافة الشيوخ الثلاثة). وقال في آخرها: وبعد اللتيّا والتي لا دلالة لهذا الحديث علي نفي إمامة (الخلفاء) الثلاثة قبل عليّ عليه السلام. وظهر بعد البحث الوافي الذي طرقناه أنّ هذا الحديث ليس متواتراً قطعيّ الصدور فحسب، بل يفوق التواتر. كما إذا أردنا أنّ نمثّل بحديث متواتر، فينبغي أن نمثّل بهذا الحديث. وما يُضحك أكثر من هذا كلّه هو كلامه الاخير أنّ هذا الحديث يثبت ولاية عليّ وإمامته، ولاينافي خلافة الخلفاء الثلاثة المتقدّمين، لا نّنا نقول أيضاً: عليّ خليفة وإمام، بَيدَ أ نّه في الدرجة الرابعة. ورأينا مثل هذا الكلام المضحك أيضاً في حديث الغدير المتواتر. فَسُبْحَانَكَ مَا أَضْيَقَ الطُّرُقَ عَلَي مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ. [18] - «معاني الاخبار» ص 76؛ و«بحار الانوار» ج 9، ص 242 طبعة الكمبانيّ، عن الشيخ الصدوق. [19] - من عبارات محيي الدين بن عربي التي يري البعض أ نّها دليل علي تشيّعه: فصّ الهارونيّة في كتابه «فصوص الحكم». ولمّا كان بدأ هذا الفصّ بقوله: فصّ حكمةٍ إماميّة في كلمةٍ هارونيّةٍ، فقد عدّ القاضي نور الله الشوشتريّ ذلك أحد الادلّة علي تشيّعه. وقال السيّد صالح الخلخاليّ أحد طلاّب السيّد أبو الحسن جلوه البارزين في مقدّمة «شرح المناقب الاثنيعشر» المنسوب إلي محيي الدين بن عربي: إنّ تفهيم إشعار هذه العبارة بحديث المنزلة يحتاج إلي شرح مفصّل. ثمّ نقل حديث المنزلة المستفيض، بل المتواتر عن أحمدبن حنبل، والشيخ المفيد في «الاءرشاد»، وقال: استخرج رؤساء علماء الاءماميّة رضوانالله عليهم أجمعين بالجملة برهاناً قاطعاً من هذا الحديث الشريف علي خلافة الاءمام أميرالمؤمنين عليه السلام. قالوا: إنّ جميع منازل هارون ثابتة للاءمام بقرينة عموم المنزلة ووجود استثناء النبوّة بمقتضي هذا الحديث المتواتر. ومن هذه المنازل خلافته لموسي، فكذلك كانت للاءمام خلافته بعد رسول الله بلا فصل من وحي الميزان العامّ لهذا الحديث كما في هارون لموسـي. وقال علماء السـنّة والجماعة الذين أجازوا لانفسـهم إطفاء نور هذاالبرهان بكلّ ما اتّسموا به من تعصّب، قالوا في جواب هذا الاحتجاج الواضح: يصحّ إثبات خلافة الاءمام بالميزان العامّ لهذا الحديث فيما إذا ثبت وجود الخلافة في هارون نفسه، فتثبت للاءمام مثل هذه الخلافة بالميزان العامّ للمنزلة، في حين كان هارون شريكاً في نبوّة موسي أصالة وليس خليفة له، كما قال الشارح القوشجيّ: ولو سلّم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرّف بطريق النيابة علي ما هو مقتضي الاءمامة، لا نّه شريك له في النبوّة. وقوله: اخلفني ليس استخلافاً، بل مبالغة وتأكيداً في القيام بأمر القوم. ولمّا استبانت هذه المعلومات نقول: لمّا كان للشيخ العارف هوي في التشيّع، فإنّه قدّم لنا بكلامه هذا بشارتين مستوحاتين من حديث المنزلة: الاُولي: جعل في ظاهر العبارة إيهاماً بحيث يمكن أن يُفهم منها علي سبيل الظنّ أنّ حكمة الطائفة الاءماميّة هي في الكلمة الهارونيّة المتمثّلة بحديث المنزلة ولفظ: اخلفني. الثانية: استكشف المقام الهارونيّ الذي صرّح به من خلال لفظ الاءمامة، ودحض إنكارَ علماء الجماعة الخلافةَ الهارونيّة، وهو ما يمثّل عقيدتهم، لميبال بمخالفة تلك الجماعة. («شرح المناقب»، ص 41 إلي 46 الطبعة الحجريّة، طبعة 1322 ). [20] - خلاصة كلام الصدوق في كتاب «معاني الاخبار» ص 76 إلي 78. [21] - «إعلام الوري» ص 171 و 172. [22] - «مناقب ابن شهرآشوب» ج 1، ص 523، الطبعة الحجريّة. [23] - «شيعه در اسلام» (= الشيعة في الاءسلام) للاُستاذ العلاّمة الطباطبائيّ، ص 113 و 114، الطبعة الاُولي 1389 ه. [24] - «الغدير» ج 4، ص 396. وكان ابن مكّي النيليّ من شعراء أهل البيت المعروفين المتفانين في محبّة العترة الطاهرة ومودّتهم. وكان أحد شعراء القرن السادس. توفّي سنة 565 ه. [25] - «الغدير» ج 4، ص 386. أنشد القاضي الجليس هذه الابيات ضمن قصيدة ذات عشرين بيتاً. والقاضي الجليس هو أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الاغلبيّ. تُوفّي سنة 561 ه. ويُخال أَ نّه لُقب بالقاضي الجليس، لا نّه كان من ندماء الملك طلايعبن زريّك. [26] - وردت هذه الصلوات ضمن الدعاء الخامس والاربعين من أدعية الصحيفة السجّاديّة. |
|
|