|
|
بسم الله الرحمن الرحيم كنّا قد وعدنا أن تبلغ دورة «معرفة الإمام» بحول الباري تعإلی شأنه العزيز وقوّته اثني عشر جزءاً تستوعب مائة وثمانين درساً. ونشكر الله سبحانه إذ مَنّ علینا بإكمال هذه الدروس في اثني عشر جزءاً، وذلك في العاشر من شهر جُمادي الاُولي، سنة 1408 الهجريّة القمريّة. ولمّا أزمعنا تأليف دورة «معرفة الله»، دار في خلدنا أن نصنّف كتاب «توحيد علميّ وعينيّ» ( = التوحيد العلميّ والعينيّ )، يتلوه كتاب «نور ملكوت قرآن» ( = نور ملكوت القرآن ) من دورة أنوار الملكوت، ثمّ نعرّج علی دورة «معرفة الله». وبدأنا في تأليف كتاب «التوحيد العلميّ والعينيّ» فاستغرق قرابة خمسة أشهر، ثمّ قُمنا بتأليف كتاب « نور ملكوت القرآن » الذي بلغ أربعة أجزاء، فطال زُهاء سنة وسبعة أشهر، وهذا ما أدّي إلی إرجاء تأليف كتاب « معرفة الله » قرابة سنتين. ولمّا أردت الشروع في تأليف الكتاب المذكور هذا اليوم المصادف الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1410 ه. ق، جال في ظنّي أن لو أضفت جزءين آخرين إلی أجزاء كتاب «معرفة الإمام»، لكان أفضل وذلك لما يأتي: أوّلاً: علی الرغم من أنّ كتاب « معرفة الإمام » كتاب جامع وشامل من كلّ الجهات بحمد الله تعإلی، إلاّ أنّ البحث في حديث الثقلين لم يرد فيه بنحو مفصّل ووافٍ. ومع أنّ الحديث قد ذُكر في مواطن كثيرة، وورد مشفوعاً ببعض أسانيده أيضاً، لكنّا لم نفصّل الكلام في سنده ودلالته وهو من أعظم أدلّة الشيعة. فحريّ بنا أن ندرسه بصورة مفصّلة كي يتبصّر إخواننا الشيعة والسنّة علی السواء. ثانياً: ينبغي أن يكون لنا حديث أيضاً في تعريف الشيعة، وحقيقة التشيّع، ومزايا الشيعة علی سائر الفرق، وما يستلزمه التشيّع. ويتضمّن هذا القسم مسائل من قبيل مسألة الرجعة، و وجود إمام العصر عجّل الله تعإلی فرجه، و مسألة البداء، و مسألة التولّي والتبرِّي كليهما، إذ إنّ مَن تولّي آل محمّد ولم يتبرّأ من أعدائهم، فليس شيعيّاً، يُضاف إلی ذلك الانضواء تحت لواء ولايتهم، والنظر إلی أوامرهم علی أ نّها واجبة الإطاعة. ومن جملة المزايا: أنّ الجمهور ـ صورة عامّةـ يري أنّ الصلاح والعدالة والرشاد كلّ ذلك هو العمل الصالح نفسه، نحو: الصلاة، والصيام، والصدق في الحديث. ويعتقد أنّ الانضمام إلی راية طاغٍ منتهك، والقتال من أجله، ودعم حكومته، كلّ ذلك ليس جوراً وظلماً. وعلی سبيل المثال، يذهب أحمد بن حنبل إلی أنّ خالد بن عُرفطة المذكورة ترجمته في كتاب « الإصابة » رجل صالح، بينما كان علی مقدّمة جيش عمربن سعد يوم عاشوراء. وعلی هذا المنوال وُثِّق شمرُ بن ذي الجوشن، وعمربن سعد وأشباههما الواردة سيرتهم في كتب التراجم. ويري الشيعة الاثنا عشريّة أنّ الإمام مفترض الطاعة سواء قام بالسيف، أم لم يقم. أمّا الزيديّة فيشترطون فيه قيامه بالسيف. إنّ العامّة أو الجمهور مسلمون طاهرون، ولا يمكن الحكم بكفرهم، بَيْدَ أ نّهم مفتونون بالدنيا، وكان أمير المؤمنين علیه السلام يُنزلهم بمنزلة فتنة لابمنزلة ردّة. ولابدّ لنا من التطرّق إلی معني الإمام واشتقاقه واختصاصه في عرف الشيعة واصطلاحهم، إذ ينطبق علی الإمام المعصوم، ولا يراد منه المعني اللغويّ. وكذلك التطرّق إلی معني الغلوّ عند الشيعة ـلانّ كثيراً من علماء الشيعة يُحسبون من الغلاةـ وسير الحديث عند الشيعة منذ عصر الرسول الاكرم، وسيره عند العامّة بعد قرن من الزمان ؛ والاجتهاد عند الشيعة، وغلق باب الاجتهاد عند العامّة، وحصر المذاهب في أربعة ؛ وولاية الإمام وحدودها؛ وولاية الفقيه وحدودها، والحديث عن مقام الإمام الصادق علیه السلام، ووجه تسمية المذهب الشيعيّ بالمذهب الجعفريّ. والجهاد والهجرة إلی الإمام في عصر الإمام وَلاَ يَقَعُ اسمُ الهِجْرَةِ عَلَی أَحَدٍ إلاَّ بِمَعْرِفَةِ الحُجَّةِ فِي الاَرْضِ. وما ماثل ذلك من المسائل في الاُصول والفروع، ممّا يميّز الشيعة عن السنّة. فلهذا نبدأ حديثنا فيما يأتي عن هذه المسائل. وستبلغ أجزاء هذا الكتاب بحول الله وقوّته ثمانية عشر جزءاً بعد تأليف ستّة أجزاء أُخري. ثمّ نأتي علی دورة «معرفة الله». وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَهِ عَلَیهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
الدرس الثمانون بعد المائة إلی الخامس والثمانين بعد المائة :أمر رسول الله صلّي الله علیه وآله بتدوين الحديث وكتابة حديث الثقلين
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلَّي اللَهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرِينَ ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلیِّ العَظِيمِ
آيات سورة آل عمران في الفارّين يوم أُحدقال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَی'´ أَعْقَـ'بِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَی' عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَهَ شَيْـًا وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ. [1] نزلت هذه الآية في غزوة أُحُد، وهي تتحدّث عن الذين ولّوا هاربين وتركوا النبيّ وحده في تلك المعركة الدامية عندما شنّ علیهم العدوّ غارة شديدة. ولم يثبت مع رسول الله إلاّ أمير المؤمنين علیه السلام، وأشخاص قليلون كأبي دُجانة الانصاريّ، [2] وسهل بن حنيف، وهم يذبّون عن نفسه القدسيّة، ولم يتركوه فريسةً لسهام العدوّ وأسنّته وسيوفه وحجارته، ولميُسلموه إلی أعدائه المتعطّشين بأجمعهم إلی قتله. وتقع هذه الآية بين عدد من الآيات في سورة آل عمران. وهي تصوّر الوضع تصويراً حسناً. وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ و وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ( ونذيق الناس جميعهم المصائب ونُنزل بهم المشاكل والحوادث الواحد تلو الآخر ) وَلِيَعْلَمَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَهُ لاَ يُحِبُّ الظَّـ'لِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَـ'فِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَهُ الَّذِينَ جَـ'هَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّـ'بِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ( فَلِمَ لُذتم بالفرار ؟!) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَی'´ أَعْقَـ'بِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَی' عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَهَ شَيْـًا وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ * ( ويؤجرهم أجراً جميلاً ويثيبهم ثواباً لايعدّ ولايحصي ) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَهِ كِتَـ'بًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الاْخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّـ'كِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَـ'تَلَ مَعَهُ و رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَهُ يُحِبُّ الصَّـ'بِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلآ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي´ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَی الْقَوْمِ الْكَـ'فِرِينَ * فَـَاتَب'هُمُ اللَهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاْخِرَةِ وَاللَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. [3] قال سماحة أُستاذنا الاكرم آية الله العلاّمة الطباطبائيّ في ذيل الآية: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ، في تفسير قوله: أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَی'´ أَعْقَـ'بِكُمْ: المراد به الرجوع عن الدين دون التولّي عن القتال، إذ لاارتباط للفرار من الزحف بموت النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله أو قتله، وإنّما النسبة والرابطة بين موته أو قتله وبين الرجوع إلی الكفر بعد الإيمان. ويدلّ علی أنّ المراد به الرجوع عن الدين ما ذكره تعإلی في قوله: وَطَآنءِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَـ'هِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الاْمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الاْمْرَ كُلَّهُ و لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي´ أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الاْمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَـ'هُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَیهِمُ الْقَتْلُ إلَی' مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَهُ علیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَـ'نُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ. [4] و [5] وصفهم الله تعإلی في هـذه الآيات بأ نّهم يهتمّون بإنعاش أنفسـهم ويظنّون ظنّ الجاهليّة. وقد زلّوا في الدين بسبب بعض ممارساتهم الذميمة، وتركوا النبيّ صلّي الله علیه وآله وحده في مثل هذه الواقعة الخطرة. علی أنّ نظير ما وقع في أُحد من فرارهم من الزحف وتولّيهم عن القتال تحقّق في غيره كغزوة حنين وخيبر وغيرهما، ولم يخاطبهم الله بمثل هذا الخطاب وما عبّر عن تولّيهم عن القتال بمثل هذه الكلمة، قال تعإلی: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيـًا وَضَاقَتْ عَلَیكُمُ الاْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرينَ. [6] فالحقّ أنّ المراد بالانقلاب علی الاعقاب الرجوع إلی الكفر السابق. فمحصّل معني الآية علی ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ: أنّ محمّداً صلّيالله علیه وآله وسلّم ليس إلاّ رسولاً من الله مثل سائر الرسل، ليس شأنه إلاّ تبليغ رسالة ربّه لا يملك من الامر شيئاً. وإنّما الامر للّه والدِّين دينه باقٍ ببقائه. فما معني اتّكاء إيمانكم علی حياته حيث يظهر منكم أن لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين، ورجعتم إلی أعقابكم القهقري واتّخذتم الغواية بعد الهداية ؟! وهذا السياق أقوي شاهد علی أ نّهم ظنّوا يوم أُحد بعد حمي الوطيس أنّ النبيّ صلّي الله علیه وآله قد قُتل فانسلّوا عند ذلك وتولّوا عن القتال. فيتأيّد بذلك ما ورد في الرواية والتأريخ ـكما في ما رواه ابن هشام في « السيرة » ـ أنّ أنَس بن النضر ـعمّ أنس بن مالكـ انتهي إلی عمربن الخطّاب، وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والانصار ـوقد ألقوا بأيديهمـ فقال: ما يحبسكم ؟! قالوا: قُتل رسول الله. قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟! فموتوا علی ما مات علیه رسول الله. ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّي قُتل. معني الشكر في الآية: وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَوبالجملة: فمعني هذا الانسلال والإلقاء بالايدي أنّ إيمانهم إنّما كان قائماً بالنبيّ صـلّي الله علیه وآله وسـلّم يبقـي ببقائه ويزول بموته. وهو إرادة ثواب الدنيا بالإيمان. وهذا هو الذي عاتبهم الله علیه. ويؤيّد هذا المعني قوله بعده: وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ. فإنّ الله سبحانه كرّر هذه الجملة في الآية التالية بعد قوله: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الاْخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، حيث قال: وَسَنَجْزِي الشَّـ'كِرِينَ فافهم ذلك. لانّ هذا الموضوع الدقيق جدير بالإمعان. وقوله: وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ. بمنزلة الاستثناء ممّا قبله علی ما يعطيه السياق. وهوالدليل علی أنّ القوم كان فيهم من لم يظهر منه هذا الانقلاب ] ورجوع القهقري [ أوما يشعر به كالانسلال والتولّي، وهم الشاكرون. وحقيقة الشكر إظهار النعمة، كما أنّ الكفر الذي يقابله هو إخفاؤها والستر علیها. وإظهار النعمة هو استعمالها في محلّها الذي أراده منعمها وذكر المنعم بها لساناً وهو الثناء وقلباً من غير نسيان. ] وبناءً علی هذا [ فشكره تعإلی علی نعمة من نعمه أن يذكر عند استعمالها ويوضع النعمة في الموضع الذي أراده منها ولا يتعدّي ذلك. وإن من شيء إلاّ وهو نعمة من نعمه تعإلی، ولا يريد بنعمة من نعمه إلاّ أن تُستعمل في سبيل عبادته. قال تعإلی: وَءَاتَب'كُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ الإنسَـ'نَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ. [7] فشكره علی نعمته أن يطاع فيها ويذكر مقام ربوبيّته عندها. وعلی هذا فشكره المطلق من غير تقييد، ذكرهُ تعإلی من غير نسيان، وإطاعته من غير معصيته. فمعني قوله: وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [8]: اذكروني ذكراً لا يخالطه نسيان، وأطيعوا أمري إطاعة لا يشوبها عصيان ولايُصغي إلی قول مَن يقول: إنّه أمر بما لا يُطاق، فإنّه ناشٍ من قلّة التدبّر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبوديّة. وقد عرفتَ فيما تقدّم من الكتاب أنّ إطلاق الفعل لا يدلّ إلاّ علی تلبّس ما، بخلاف الوصف فإنّه يدلّ علی استقرار التلبّس وصيرورة المعني الوصفيّ مَلَكةً لا تفارق الإنسان. ففرقٌ بين قولنا: الَّذِينَ أَشْرَكُوا، و الَّذِينَ صَبَرُوا، و الَّذِينَ ظَلَمُوا، و الَّذِينَ يَعْتَدُونَ، وبين قولنا: الْمُشْرِكِينَ، و الصَّـ'بِرِينَ، و الظَّـ'لِمِينَ، و الْمُعْتَدِينَ. فالشاكرون هم الذين ثبت فيهم وصف الشكر واستقرّت فيهم هذه الفضيلة. وقد بان أنّ الشكر المطلق هوأن لا يذكر العبد شيئاً، وهو نعمة، إلاّ وذكر الله معه، ولا يمسّ شيئاً، وهو نعمة، إلاّ ويطيع الله فيه. مقام الشاكرين هو مقام المخلَصين الذي لا سبيل للشيطان إليهفقد تبيّن أنّ الشكر لا يتمّ إلاّ مع الإخلاص للّه سبحانه علماً وعملاً، فالشاكرون هم المخلصون للّه، الذين لا مطمع للشيطان فيهم. وتظهر هذه الحقيقة ممّا حكاه الله تعإلی عن إبليس. قال تعإلی: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. [9] وقال أيضاً: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لاَزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الاْرْضِ وَلاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [10]. فلم يستثنِ من إغوائه أحداً إلاّ المخلَصين، وأمضاه الله سبحانه من غير ردّ. وقال تعإلی: قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لاَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَ ' طَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لاَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـ'نِهِمْ وَعَن شَمَآنءِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـ'كِرِينَ. [11] وقوله: وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـ'كِرِينَ بمنزلة الاستثناء. فقد بدّل المخلصين بالشاكرين وليس إلاّ، لانّ الشاكرين هم المخلصون الذين لامطمع للشيطان فيهم، ولا صنع له لديهم. إنّما صنعه وكيده إنساء مقام الربوبيّة والدعوة إلی المعصية ] وأنّ آلته الحادّة وسلاحه كليلان لايؤثّران في هؤلاء المخلَصين الغارقين في بحر ذِكر الله والتوجّه إليه، والذين لاتصدر منهم المعصية كملكة متمكّنة في نفوسهم [. وممّا يؤيّد ذلك من هذه الآيات النازلة في غزوة أُحد قوله تعإلی فيما سيأتي من الآيات: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَـ'نُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ. [12]مع قوله في هذه الآية التي نحن فيها: وَسَيَجْزِي اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ، وقوله فيما بعدها: وَسَنَجْزِي الشَّـ'كِرِينَ. وقد عرفتَ أ نّه في معني الاستثناء، ] فهذه كلّها تدلّ علی نفسها بنحو أبلغ [. فتدبّر فيها ] أي في الآية [ واقضِ عجباً ممّا ربّما يقال: إنّ الآية، أعني قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ ناظرة إلی ما روي أنّ الشيطان نادي يوم أُحد: « ألاَ قد قُتِل محمّد » فأوجب ذلك وهن المؤمنين وتفرّقهم عن المعركة ! فاعتبر إلی أيّ مهبط أهبط كتاب الله من أوج حقائقه ومستوي معارفه العالية ؟! فالآية تدلّ علی وجود عدّة منهم يوم أُحد لم يهنوا ولم يفتروا ولميفرّطوا في جنب الله سبحانه سمّاهم الله شاكرين. وصدّق أ نّهم لاسبيل للشيطان إليهم ولا مطمع له فيهم ؛ لا في هذه الغزوة فحسب، بل هو وصف لهم ثابت فيهم مستقرّ معهم. ولم يطلق اسم الشاكرين في مورد من القرآن علی أحد بعنوان علی طريق التوصيف إلاّ في هاتين الآيتين. أعني: قوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ، وقوله: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَهِ. ولم يذكر ما يجازيهم به في شيء من الموردَين إشعاراً بعظمته ونفاسته. [13] استبسال علیّ علیه السلام وشجاعته يوم أُحدوأجمعت التواريخ الثابتة التي يقرّ بها العامّة علی أنّ أبا بكر لم يُجرح في غزوة أُحد قطّ، وأ نّه لجأ إلی الجبل مع عمر، وكلاهما اعتزل القتال، وظنّا أنّ محمّداً قد قُتل. وفرّ عثمان مختفياً ثلاثة أيّام، ثمّ دخل المدينة. وما كان إلاّ أمير المؤمنين علیّ بن أبي طالب، وحمزة سيّد الشهداء علیهما السلام، وأبو دُجانة، وسهل بن حُنيف الانصاريّ، إذ نهضوا بالحرب وبادروا إلی تفريق الجيش وإبادته. وهم الذين ثبتوا مع النبيّ الاعظم من أوّل الحرب حتّي اللحظة الاخيرة منها، وفدوه بأرواحهم مستبسلين قُدّامه، ذائدين عن بيضة الإسلام، وعن حياته المقدّسة. ونقل الواقديّ في مغازيه، والطبريّ، وابن الاثير في تأريخيهما أنّ كبش الكتيبة وصاحب الراية في عسكر قريش ـوكان من بني عبدالدار، واسمه طلحة بن أبي طلحةـ لمّا وقف أمام عسكر المسلمين، وطلب مبارزاً وقال: يا معشر أصحاب محمّد ! إنّكم تزعمون أنّ الله يعجّلنا بسيوفكم إلی النار، ويعجّلكم بسيوفنا إلی الجنّة ! فهل أحد منكم يعجّله الله بسيفي إلی الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلی النار ؟ فمضي إليه أسد الله الغالب ليث التوحيد والشجاعة أميرالمؤمنين علیه أفضل صلوات المصلّين، وقال: بلي والله ؛ لا أُفارقك حتّي أعجّلك بسيفي إلی النار أو تعجّلني بسيفك إلی الجنّة فضربه علیّ فقطع رِجله، فسقط فانكشفت عورته ؛ فكبّر رسول الله صلّي الله علیه وآله. [14] ثمّ أخذ لواء المشركين جماعة من بني عبد الدار واحداً بعد الآخر، وقتلهم أميرالمؤمنين علیه السلام بأجمعهم، وسقط لواؤهم علی الارض، ولميحمله أحد منهم. النداء السماويّ: لاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ، لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِوذكر الطبريّ وابن الاثير أنّ علیّ بن أبي طالب علیه السلام لمّا قتل أصحاب اللواء من المشركين، أبصر النبيّ صلّي الله علیه وآله جماعة من المشركين، فقال لعلیّ: احمل علیهم، فحمل علیه السلام علیهم ففرّقهم، وقتل عمروبن عبد الله الجُمَحيّ. ثمّ أبصر رسول الله صلّي الله علیه وآله جماعة أُخري، فقال لعلیّ علیه السلام: احمل علیهم. فحمل علیهم ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي. فقال جبرئيل: يا رسول الله ! إنّ هذه لَلْمواساة ! فقال رسول الله صلّي الله علیه وآله: إنّه منّي وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً: لاَ سَـيْفَ إلاَّ ذُو الفقار، وَلاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ. [15] وشرح خواند مير هذا الحديث الشريف في كتاب « روضة الصفا ». وقال بعد عرض مفصّل في إيثار أمير المؤمنين علیه السلام ومواساته يوم أُحد، وهو ممّا يثير العجب حقّاً: روي الحافظ أبو محمّد بن العزيز ( الجنابذيّ ) في كتاب « معالم العترة النبويّة » مرفوعاً عن قيس بن سعد، عن أبيه قال: سمعتُ علیاً يقول: أصابتني يوم أحد ستّة عشرضربةسقطتُإلی ارض في أربع منهنّ [16] فجاءني رجلٌ حسن الوجه، طيّب الريح، فأخذ بضبعي فأقامني ثمّ قال: أقبل علیهم فإنّك في طاعة الله وطاعة رسوله وهما عنك راضيان. قال علیّ: فأتيتُ رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم فأخبرته، فقال: يا علیّ ! أما تعرف الرجل ؟ قلت: لا، ولكنّي شبّهته بدحية الكلبيّ، فقال: يا علیّ أقرّ الله عينك؛ كان جبرئيل. وذكر محمّد بن حبيب في « الامإلی » أ نّه لمّا هُزم جُلُّ الجيش الإسلاميّ، توجّهت أفواج الكفّار نحو رسول الله صلّي الله علیه وآله كأمواج البحر. واقترب منه زُهاء خمسين فارساً من بني عبد مناف. وحمل علیّ المرتضي علیه السلام علی أولاد صفوان بن عوف، وأبي الشعثاء، وأبي الحمراء، وستّة آخرين من أولاد أبي سفيان. وقتلهم بسيفه البتّار وأرسلهم إلی دار البوار. ونقل بعض أصحاب السير أنّ جبرئيل قال لرسول الله بعد ذلك: يَا مُحَمَّدُ! إنَّ هَذِهِ لَلْمَوَاسَاةُ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِمُوَاسَاةِ هَذَا الفَتَي. فقال رسولالله: إنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. فقال جبرئيل: وَأَنَا مِنْكُمَا. وَسُمِعَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ صَوْتٌ مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ وَلاَ يُرَي شَخْصُ الصَّارِخِ يُنَادِي مِرَاراً: لاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ، لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ. وسئل رسول الله صلّي الله علیه وآله عن الصارخ، فقال: هو جبرائيل. ثمّ قال محمّد بن حبيب صاحب « الامإلی »: رواه جمع من المحدِّثـين. وهو من الاخـبار المشـهورة. ووجـدتبعضنسـخكتاب « المغازي » لمحمّدبن إسحاق وهي تخلو من هذا الحديث. وسألتُ أُستاذي وشيخي عبدالوهّاب رحمة الله علیه عن هذا الخبر، فقال: صحيح. فقلتُ: لِمَ لاتذكره كتب الصحاح ؟ قال: أَوَكُلُّ مَا كَانَ صَحِيحاً يَشْتَمِلُ عَلَیهِ كُتُبُ الصِّحَاحِ مِنَ الخَبَرِ؟ [17] ويستبين هنا أنّ ما نقله صاحب « السيرة الحلبيّة » عن أبي العبّاسبن تيميّة في زعمه كذبَ هذا الحديث [18] بعيد عن الإنصاف جدّاً، وفيه خروج عن جادّة الحقيقة. ولا غَرْوَ إذا صدر ذلك عن ابن تيميّة المعروف بعدائه الشديد لامير المؤمنين علیه السلام، والمعدود في زمرة النواصب لرذالته وخباثته، والمنكر للحكايات والاخبار الصحيحة بحمله لها علی محامل بعيدة. وهو الذي عقد نيّته علی العناد واللجاجة والخصومة أ نّي وجد حديثاً وخبراً في فضيلة سيّد الاولياء. وإنّما العجب من بعض أتباعه إذ يقبلون كلامه علی عميً مع ما يتّصفون به من الاطّلاع وسعة العلم، وقد صدّقوه إذ أوردوه في كتبهم بلا تحقيق حفظاً للسَّلَف ! أمير المؤمنين علیه السلام حامل الراية واللواء في حرب أُحدونذكر فيما يأتي كلام الشيخ المفيد رضوان الله علیه في كتاب « الإرشاد » حتّي تتبيَّن درجة كمال أمير المؤمنين علیه السلام وجهاده في هذه الغزوة، وكذلك نزول جبرائيل علی النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم بخبر لاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ. قال الشيخ المفيد: وكانت راية رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم يوم أُحُد بِيَدِ أميرالمؤمنين علیه السلام كما كانت بيده يوم بدر، فصار اللواء إليه يومئذٍ، فهو صاحب الراية واللواء جميعاً. [19] وكان الفتح له في هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء. واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر وثبوت القدم عندما زلّت من غيره الاقدام. وكان له من العناء برسول الله صلّي الله علیه وآله ما لميكن لسواه من أهل الإسلام، وقتل الله بسيفه رؤوس أهل الشرك والضلال. وفرّجالله به الكرب عن نبيّه علیه السلام. وخطب بفضله في ذلك المقام جبرائيل علیه السلام في ملائكة الارض والسماء. وأبان نبيّ الهدي علیه السلام من اختصاصه به ما كان مستوراً عن عامّة الناس. فمن ذلك مارواه يحيي بن عمارة، عن الحسن بن موسي بن رياح مولي الانصار، عن أبي البختريّ القرشيّ، قال: كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بِيَدِ قُصَيّ بن كلاب. ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبدالمطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتّي بُعِث رسول الله صلّي الله علیه وآله فصارت راية قريش وغيرها إلی النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله فأقرّها في بني هاشم. فأعطاها رسول الله صلّي الله علیه وآله علیّ بن أبي طالب علیه السلام في غزاة ودّان. وهي أوّل غزاة حُمِل فيها راية في الإسلام مع النبيّ صلّيالله علیه وآله ثمّ لم تزل معه في المشاهد ببدر، وهي البَطْشَةُ الكُبْرَي. وفي يوم أُحد. وكان اللواء يومئذٍ ـوهو أصغر من الرايةـ في بني عبد الدار، فأعطاه رسولالله مصعب بن عمير، فاستُشهد. ووقع اللواء من يده، فتشوّفته القبائل، فأخذه رسول الله صلّي الله علیه وآله فدفعه إلی علیّ بن أبي طالب علیه السلام [20] فجمع له يومئذٍ الراية واللواء، فهما إلی اليوم في بني هاشم. وعقد الشيخ المفيد رضوان الله علیه فصلاً مستقلاّ في مزايا الجهاد العظيم الذي اضطلع به أمير المؤمنين علیه السلام في غزوة أُحد، وقال: فَصْلٌ: روي المفضَّل بن عبد الله، عن سِماك، عن عكرمة، عن عبداللهبن عبّاس أ نّه قال: لامير المؤمنين علیّ بن أبي طالب علیه السلام أربع ماهنّ لاحد: هُوَ أَوَّلُ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ صَلَّي مَعَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَهُوَ صَاحِبُ لِوَائِهِ فِي كُلِّ رَجْفٍ، [21] وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَ المِهْرَاسِ [22] يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَفَرَّ النَّاسُ، وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ. وروي زيد بن وهب الجهنيّ عن أحمد بن عمّار، عن شريك، عن عثمانبن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: وجدنا من عبد الله بن مسعود يوماً طيب نفس فقلنا له: لو حدّثتنا عن يوم أُحد وكيف كان. فقال: أجل. ثمّ ساق الحديث حتّي انتهي إلی ذكر الحرب فقال: قال رسول الله صلّيالله علیه وآله وسلّم: اخرجوا إليهم علی اسم الله. فخرجنا وصففنا لهم صفّاً طويلاً. وأقام علی الشِّعب خمسين رجلاً من الانصار، وأمّر علیهم رجلاً منهم، وقال: لاَ تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا، وَلَوقُتِلْنَا عَنْ آخِرِنَا. فَإنَّمَا نُؤْتَي مِنْ مَوْضِعِكُمْ هَذَا. وأقام أبو سفيان صخر بن حرب بإزائهم خالد بن الوليد. وكان اللواء من قريش في بني عبد الدار. وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة، يُدعي كبش الكتيبة. ودفع رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم لواء المهاجرين إلی علیّبن أبي طالب علیه السلام وجاء حتّي وقف تحت لواء الانصار. وجاء أبو سفيان إلی أصحاب اللواء فقال: يا أصحاب الالوية ! إنّكم قد تعلمون أ نّما يؤتي القوم من قبل ألويتهم. وأ نّما أُوتيتم يوم بدر من قِبَلِ ألويتكم؛ فإن كنتم ترون أ نّكم قد ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفكموها. فغضب طلحةبن أبي طلحة وقال: ألنا تقول هذا ؟ والله لاوردنّكم بها اليوم حياض الموت. قال ابن مسعود: وكان طلحة يسمّي كبش الكتيبة، فتقدّم، وتقدّم علیّبن أبي طالب علیه السلام، فقال: من أنت ؟! قال: أنا طلحة بن أبي طلحة أنا كبش الكتيبة. فمن أنت ؟! قال: أنا علیّ بن أبي طالببن عبدالمطّلب. ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان. فضربه علیّبن أبي طالب علیه السلام ضربة علی مقدّم رأسه، فبدرت عينه وصاح صيحة لميُسمع مثلها قطّ، وسقط اللواء من يده، فأخذه أخ له يقال له: مصعب. فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله. ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له: عثمان فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله. فأخذه عبدٌ لهم يقال له: صواب، وكان من أشدّ الناس. فضرب علیّ علیه السلام يده فقطعها، فأخذ اللواء بيده اليُسري، فضربه علیّ علیه السلام علی يده اليُسري فقطعها، فأخذ اللواء علی صدره، وجمع يديه، وهما مقطوعتان علیه، فضربه علیّ علیه السلام علی أُمّ رأسه، فسقط صريعاً، فانهزم القوم، وأكبّ المسلمون علی الغنائم. إخلاء الخندق القتالی وهجوم خالد بن الوليدولمّا رأي أصحاب الشِّعب الناس يغنمون قالوا: يذهب هؤلاء بالغنائم ونبقي نحن ! فقالوا لعبد الله بن عمر بن حزم الذي كان رئيساً علیهم: نريد أن نغنم كما غنم الناس. فقال: إنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا. فقالوا له: إنّه أمرك بهذا وهو لا يدري أنّ الامر يبلغ إلی ما نري، ومالوا إلی الغنائم، وتركوه. ولم يبرح هو من موضعه، فحمل علیه خالد بن الوليد فقتله ؛ ثمّ جاء من ظهر رسول الله صلّي الله علیه وآله يريده. فنظر إلی النبيّ صلّي الله علیه وآله في خفّ من أصحابه، فقال لمن معه: دونكم هذا الذي تطلبون فشأنكم به. فحملوا علیه حملة رجل واحد ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، ورمياً بالنبل، ورضخاً بالحجارة. وجعل أصحاب النبيّ صلّي الله علیه وآله يقاتلون عنه، حتّي قُتل منهم سبعون رجلاً وفرّ الباقون. وثبت أميرالمؤمنين علیه السلام وأبو دجانة، وسهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله وكثر علیهم المشركون. صمود أمير المؤمنين وأبي دُجانة ودفاعهما عن نفس النبيّففتح رسول الله صلّي الله علیه وآله عينيه، ونظر إلی أميرالمؤمنين علیه السلام وكان أغمي ممّا ناله. فقال: يا علیّ ! ما فعل الناس ؟ فقال: نَقَضُوا العَهْدَ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ. فقال له: فاكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي ! فحمل علیهم أميرالمؤمنين علیه السلام فكشفهم. ثمّ عاد إليه وقد حملوا علیه من ناحية أُخري، فكرّ علیهم، فكشفهم. وأبو دجانة، وسهل بن حنيف قائمان علی رأسه، بِيَدِ كلّ واحد منهما سيفاً ليذبّ عنه. وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً، منهم: طلحةبن عبيد الله، وعاصم بن ثابت، وصعد الباقون الجبل. وصاح صائح بالمدينة: قُتِلَ رَسُولُ اللَهِ فانخلعت لذلك القلوب، وتحيّر المنهزمون، فأخذوا يميناً وشمالاً. وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلاً علی أن يقتل رسول الله، أو أمير المؤمنين، أو حمزة بن عبد المطّلب علیهم السلام. فقال وحشي: أمّا محمّد، فلا حيلة لي فيه لانّ أصحابه يطيفون به. وأمّا علیّ، فإنّه إذا قاتل، كان أحذر من الذئب. وأمّا حمزة فإنّي أطمع فيه، لا نّه إذا غضب لم يبصر بين يديه. وكان حمزة يومئذٍ قد أعلم بريشة نعامة في صدره. [23] فكمن له وحشيّ في أصل شجرة، فرآه حمزة، فبرز بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه. قال وحشيّ: وهززتُ حربتي حتّي إذا تمكّنت منه رميته فأصبته في أربيّته فأنفذته وتركته حتّي إذا برد، صرت إليه. فأخذتُ حربتي وشغل عنّي وعنه المسلمون بهزيمتهم. وجاءت هند فأمرت بشقّ بطن حمزة وقطع كبده والتمثيل به. فجدعوا أنفه وأُذنيه ومثّلوا به، ورسولاللهصلّي الله علیه وآله مشغول عنه لا يعلم بما انتهي إليه الامر. قال الراوي للحديث وهو زيد بن وهب: قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله صلّي الله علیه وآله حتّي لم يبق معه إلاّ علیّ بن أبي طالب علیه السلام وأبو دجانة، وسهل بن حنيف ؟! فقال: انهزم الناس إلاّ علیّبن أبي طالب علیه السلام وحده. وثاب إلی رسول الله نفر. وكان أوّلهم عاصمبن ثابت، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، ولحقهم طلحةبن عبيدالله. [24] فقلت له: وَأَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ قال: كانا ممّن تنحّي. قلتُ: وَأَيْنَ كَانَ عُثْمَانُ ؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة. [25] فقال له رسول الله: لَقَدْ ذَهَبْتَ فِيهَا عَرَيضَةٍ. [26] فقلت له: وأين كنتَ أنت ؟ قال: كنت ممّن تنحّي. قلتُ له: فمن حدّثك بهذا ؟! قال: عاصم، وسهلبن حنيف. قلتُ له: إنّ ثبوت علیّ علیه السلام في ذلك المقام لعجب، فقال: إن تعجّبت من ذلك، فقد تعجّب منه الملائكة. أما علمتَ أنّ جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلی السـماء: لاَ سَـيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ، وَلاَ فَتَـي إلاَّ علیٌّ؟ قلتُ: فمن أين عُلم ذلك من جبرئيل ؟! قال: سمع الناس صائحاً يصيح في السماء بذلك، فسألوا رسولالله صلّيالله علیه وآله عنه، فقال: ذاك جبرئيل. وجاء في حديث عِمران بن حصين أ نّه قال: لمّا تفرّق الناس عن رسولالله صلّي الله علیه وآله في يوم أُحد، جاء علیّ علیه السلام متقلّداً سيفه حتّي قام بين يديه. فرفع رسول الله صلّي الله علیه وآله رأسه إليه، فقال له: مَا بَالُكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ النَّاسِ ؟! فقال علیه السلام: يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَرْجِعُ كَافِراً بَعْدَ إسْلاَمِي؟! [27] فأشار له رسول الله إلی قوم انحدروا من الجبل، فحمل علیهم فهزمهم. ثمّ أشار إلی قوم آخر، فحمل علیهم فهزمهم. ثمّ أشار إلی قوم آخر، فحمل علیهم فهزمهم. فجاء جبرئيل علیه السلام فقال: يَا رَسُولَ اللَهِ ! لَقَدْ عَجِبَتِ المَلاَئِكَةُ وَعَجِبْنَا مَعَهَا مِنْ حُسْنِ مُوَاسَاةِ علیٍّ لَكَ بِنَفْسِهِ؟! فقال رسول الله صلّي الله علیه وآله: وَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ هَذَا وَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ؟ فقال جبرئيل: يَا رَسُولَ اللَهِ ! وَأَنَا مِنْكُمَا. هزم أمير المؤمنين علیه السلام الكتائب وحدهوروي الحكم بن ظهير عن السُّدِّي، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس أنّ طلحةبن أبي طلحة خرج يومئذٍ فوقف بين الصفَّين، فنادي: يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ! إنَّكُمْ تَزْعَمُونَ أَنَّ اللَهَ يُعَجِّلُنَا بِسِيُوفِكُمْ إلَی النَّارِ، وَيُعجِّلُكُمْ بِسِيُوفِنَا إلَی الجَنَّةِ، فَأَيُّكُمْ يَبْرُزُ إلَی؟! فبرز إليه أمير المؤمنين علیه السلام فقال: والله لا أُفارقك اليوم حتّي أُعجّلك بسيفي إلی النار. فاختلفا ضربتين، فضربه علیّ علیه السلام علی رِجلَيه، فقطعهما، فسقط. فانكشف عنه، فقال له: يَابْنَ العَمِّ ! أَنشُدُكَ اللَهَ وَالرَّحِمَ. فانصرف عنه إلی موقفه. فقال له المسلمون: ألا أجهزتَ علیه ! فقال: ناشدني الله والرحم. ووالله لا عاش بعدها أبداً. فمات طلحة في مكانه. وبُشِّر النبيّ صلّي الله علیه وآله فسُرَّ به [28] وقال: هذا كبش الكتيبة. [29] وقد روي محمّد بن مروان، عن عمارة، عن عكرمة، قال: سمعت علیاً علیه السلام يقول لمّا انهزم الناس يوم أُحد عن رسول الله صلّيالله علیه وآله: لحقني من الجزع علیه ما لم يلحقني قطّ ولم أملك نفسي وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه. فرجعت أطلبه فلم أره. فقلتُ: ما كان رسولالله ليفرّ وما رأيته في القتلي. وأظنّه رفع من بيننا إلی السماء. فكسرتُ جفن سيفي وقلت في نفسي: لاُقاتلنّ به عنه حتّي أُقتل. وحملت علی القوم، فأفرجوا عنّي وإذا أنا برسول الله صلّي الله علیه وآله قد وقع علی الارض مغشيّاً علیه. فقمتُ علی رأسه، فنظر إلی فقال: مَا مَنَعَ النَّاسَ يَا علیُّ؟! فقلتُ: كَفَرُوا يَا رَسُولَ اللَهِ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ مِنَ العَدُوِّ وَأَسْلَمُوكَ! [30] فنظر النبيّ صلّي الله علیه وآله إلی كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: ردّ عنّي يا علیّ هذه الكتيبة ! فحملتُ علیها أضربها بسيفي يميناً وشمالاً حتّي ولّوا الادبار. فقال الرسول الاكرم صلّي الله علیه وآله: أَمَا تَسْمَعُ يَا علیُّ مَدِيحَـكَ فِي السَّـمَاءِ، إنَّ مَلَكاً يُقَالُ لَهُ رِضْـوَانٌ يُنَـادِي: لاَ سَـيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ، وَلاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ؟! فَبَكيتُ سروراً وحمدت الله سبحانه وتعإلی علی نعمته. وقد روي الحسن بن عرفة عن عمارة بن محمّد، عن سعدبن طريف، عن أبي جعفر محمّد بن علیّ علیه السلام عن آبائه علیهم السلام، قال: نادي ملك في من السماء يوم أُحُد: لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ، وَلاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ. [31] وروي مثل ذلك إبراهيم بن محمّد بن ميمون، عن عمروبن ثابت، عن محمّدبن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه قال: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ يَقُولُونَ: نَادَي فِي يَوْمِ أُحُدٍ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ، وَلاَ فَتَي إلاَّ علیٌّ. وروي سلام بن مسكين عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: لَو رَأَيْتَ مَقَامَ علیٍّ عَلَیهِ السَّلاَمُ يَوْمَ أُحُدٍ لَوَجَدْتَهُ قَائِماً عَلَی مَيْمَنَةَ رَسُولِ اللَهِ يَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَقَدْ وَلَّي غَيْرُهُ الاَدْبَارَ. وروي الحسن بن المحبوب عن جميل بن صالح، عن أبي عُبيدة. عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه علیهم السلام، قال: كان أصحاب لواء المشركين يوم أُحد تسعة، قتلهم علیّ بن أبي طالب علیه السلام عن آخرهم، وانهزم القوم، وطارت مخزوم فضحها علیّ علیه السلام يومئذٍ. قال: وبارز علیّ علیه السلام الحكم بن الاخنس، فضربه، فقطع رجله من نصف الفخذ، فهلك منها. ولمّا جال المسلمون تلك الجولة، أقبلأُميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، وهو دارع، وهو يقول: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ فعرض له رجل من المسلمين، فقتله أُميّة بن أبي حذيفة، وصمد له علیّبن أبي طالب، فضربه بالسيف علی هامته، فنشب في بيضة مغفره، وضربه أُميّة بسيفه، فاتّقاها أمير المؤمنين علیه السلام بدرقته، فنشب فيها. [32] ونزع أمير المؤمنين علیه السلام سيفه من مغفره، وخلّص أُميّة سيفه من درقته أيضاً، ثمّ تناوشا. فقال علیّ علیه السلام: فنظرت إلی فتق تحت إبطه، فضربته بالسيف فيه، فقتلته، وانصرفت عنه. ولمّا انهزم الناس عن رسول الله صلّي الله علیه وآله في يوم أُحُد وثبت أميرالمؤمنين علیه السلام، قال له النبيّ: مَا لَكَ لاَ تَذْهَبُ مَعَ القَوْمِ ؟ قال أمير المؤمنين: أَذْهَبُ وَأَدَعُكَ يَا رَسُولَ اللَهِ ؟! وَاللَهِ لاَ بَرِحْتُ حَتَّي أُقْتَلَ أَو يُنْجِزَ اللَهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النُّصْرَةِ. فقال له رسول الله صلّي الله علیه وآله: أَبْشِرْ يَا علیُّ ! فَإنَّ اللَهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَلَنْ يَنَالُوا لَنَا مِثْلَهَا أَبَداً. [33] ثمّ نظر رسول الله إلی كتيبة قد أقبلت إليه، فقال له: لوحملتَ علی هذه ياعلیّ ! فحمل أمير المؤمنين علیه السلام علیها، فقتل منها هِشامبن أُميّة المخزوميّ، وانهزم القوم. ثمّ أقبلت كتيبة أُخري، فقال له الرسول الاكرم صلّيالله علیه وآله: احمل علی هذه ! فحمل علیهم، فقتل منها عمروبن عبدالله الجُمَحيّ، وانهزمت أيضاً. ثمّ أقبلت كتيبة أُخري فقال له النبيّ صلّيالله علیه وآله: احمل علی هذه ! فحمل علیها، فقتل منها بُشربن مالك العامريّ، وانهزمت الكتيبة، ولم يعد بعدها أحد منهم. [34] وتراجع المنهزمون من المسلمين إلی النبيّ الاكرم، وانصرف المشركون إلی مكّة، وانصرف المسلمون مع النبيّ صلّي الله علیه وآله إلی المدينة. واستقبلته فاطمه علیها السلام [35] ومعها إناء فيه ماء، فغسل به وجهه، ولحقه أمير المؤمنين علیه السلام وقد خضّب الدم يده إلی كتفه، ومعه ذوالفقار، فناوله فاطمة علیها السلام، وقال لها: خُذِي هَذَا السَّيْفَ فَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ. وأنشأ يقول: أفَاطِمُ هَاكِ السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ فَلَسْتُ بِرِعْدِيدٍ وَلاَ بِمُلِيمِ لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِي نَصْرِ أَحْمَدٍ وَطَاعَةِ رَبِّي بِالعِبَادِ علیمِ [36] أَمِيطِي دِمَاءَ القَوْمِ عَنْهُ فَإنَّهُ سَقَي الَ عَبْدِ الدَّارِ كَأْسَ حَمِيمٍ [37] وقال رسول الله صلّي الله علیه وآله: خُذُيـهِ يَا فَاطِمَةُ ! فَقَدْ أَدَّي بَعْلُكِ مَا عَلَیهِ، وَقَدْ قَتَلَ اللَهُ بِسَيْفِهِ [38] صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ. [39] وعقد الشيخ المفيد رضوان الله علیه هنا فصلاً مستقلاّ في أسماء أعلام المشركين الذين قُتلوا علی يد أمير المؤمنين علیه السلام في غزوة أُحُد. وكان جمهورهم قتلاه فحسب. ثمّ قال: ارجاعات [1] ـ الآية 144، من السورة 3: آل عمران. [2] ـ ذكر المامقانيّ ترجمته في «تنقيح المقال» ج 2، ص 68، وقال: سماك بن خراشة أبودجانة الانصاريّ الخزرجيّ الساعديّ. شهد بدراً وأُحُداً وجميع المشاهد مع رسول الله. [3] ـ الآيات 139 إلي 148، من السورة 3: آل عمران. [4] ـ الآيتان 154 و 155، من السورة 3: آل عمران. [5] ـ ذكر السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ والاجتهاد» ص 252 و 253، الطبعة الثانية: أنّ الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله نزل يوم أُحد بأصحابه ـوهم سبعمائةـ في عُدوة الوادي (مكان بعيد في الصحراء)، وجعل ظهره إلي الجبل، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومائتا فارس، ومعهم خمس عشرة امرأة. وفي المسلمين مائتا دارع وفارسانـ انتهي. أقول: عُدوة بضمّ العين: المكان المتباعد. وبكسرها وفتحها: المكان المرتفع. [6] ـ الآية 25، من السورة 9: براءة. [7] ـ الآية 34، من السورة 14: إبراهيم. [8] ـ الآية 152، من السورة 2: البقرة. [9] ـ الآيتان 82 و 83، من السورة 38: ص. [10] ـ الآيتان 39 و 40، من السورة 15: الحجر. [11] ـ الآيتان 16 و 17، من السورة 7: الاعراف. [12] ـ الآية 155، من السورة 3: آل عمران. [13] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 4، ص 37 إلي 40. [14] ـ «المغازي» للواقديّ، ج 1، ص 225، طبعة الاعلميّ، بيروت ؛ و«تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 509، طبعة دار المعارف، مصر ؛ و«الكامل في التاريخ» ج 2، ص 152، طبعة دار صادر، بيروت. [15] ـ قال في «القاموس»: ذوالفقار (بالفتح) سيف العاص بن منبّه قتل يوم بدر كافراً، فصار إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، ثمّ صار إلي عليّ. وقال ابن الاثير في «النهاية»: إنّه كان اسم سيف النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم ذا الفقار، لا نّه كان فيه حفر صغار حسان. والمفقّر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنّة ] عن متنه [ وقال دهخدا في «لغت نامه» (= المعجم اللغويّ): ذو الفقار، أي صاحب الفقرات. والفقرة واحدة من فقرات الظهر التي يتكوّن منها العمود الفقريّ. قيل: لمّا كانت فقر صغار لَدِنة في ظهر سيف (ذو الفقار) لذلك عُرِف بهذا الاسم. وهذا السيف ممّا استخلصه رسولالله لنفسه ثمّ أعطاه عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وإذا ظُنّ أنّ (ذو الفقار) له ظُبّتان أوحدّان فلا أساس لذلك. وجاء في ترجمة «تاريخ الطبريّ» في ذكر خبر غزوة أُحد أنّ الكفّار غلبوا وأحدقوا بالمسلمين، ووقف النبيّ صلّي الله عليه وآله في مكان ولم يرجع. وكان يدعو الناس ولم يجبه أحد كما قال الله تعالي: حَتَّي'´ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـ'زَعْتُمْ فِي الاْمْرِ ـ الآية. ولميبرح النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم مكانه وكان يحرّض الناس علي الحرب. وكان عليّ عليه السلام يتقدّم الصفوف وهو يقاتل، وضرب بالسيف الذي كان عنده رأس كافر فاتّقاها بلامته. وانكسر سيفه لقوّة الحديد. ورجع أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يارسولالله! كنت أُقاتل وانكسر سيفي. فلا سيف لي. فدفع إليه النبيّ صلّي الله عليه وآله (ذوالفقار) وقال: خذه يا عليّ ! فأخذه الإمام وقذف نفسه في لهوات الحرب. ورآه النبيّ يقاتل بشجاعة ويضرب به يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً، فقال: لاَ فَتَي إلاَّ عَلِيٌّ، لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ. حيدر كرّار كوتا بگه كارزار از گهر لطف اوآب دهد ذو الفقار للشاعر الخاقانيّ: يقول: «أين حيدر الكرّار فيأتي وقت الحرب ليُكسب ذا الفقار شأناً من جوهر لطفه (فيسقيه دماء الكفّار)؟». وأورد دهخدا أبياتاً كثيرة نظمها شعراء فُرس في (ذو الفقار). (أنظر: مادّة ذو الفقارـ حرف الذال). [16] ـ قال عبد الحليم الجنديّ مستشار المجلس الاعلي للشؤون الإسلاميّة بمصر في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص 21: في يوم أُحد ـأخطر معارك الإسلامـ كان عليّ في الحرس إلي جوار النبيّ، حين أُصيب النبيّ في المعركة. وكان طبيعيّاً أن يصاب عليّ بستّ عشرة ضربة، كلّ ضربة تلزمه الارض. وكما يقول سعيد بن المسيِّب سيّد التابعين: فما كان يرفعه إلاّ جبريل عليه السلام. فلمّا اشتدّ الخطب، وقتل حامل الراية ـ صعببن عميرـ دفع الرسول الراية لعليّ. [17] ـ «روضة الصفا» ج 2، في غزوة أُحد، الطبعة الحجريّة ؛ وذكره أيضاً مير خواند في «حبيب السير» ج 1، ص 345. [18] ـ «السيرة الحلبيّة» تصنيف عليّ بن برهان الدين الحلبيّ الشافعيّ، ج 2، ص 249. [19] ـ قال في «مجمع البحرين» ص 75، الطبعة الحجريّة، مادّة لواء: اللواية العَلَم الكبير، واللواء دون ذلك. والعرب تضع اللواء موضع الشهرة. ومنه قوله صلّي الله عليه وآله وسلّم: لِوَاءُ الحَمْدِ بِيَدِي. يريد انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به علي رؤوس الخلائق. وقال في ص 39، مادّة راية: والراية العَلَم الكبير واللواء دون ذلك والراية هي التي يتولاّها صاحب الحرب ويقاتل عليها، وإليها تميل المقاتلة. واللواء علامة كبكبة الامير تدور معه حيث دار. وفي الحديث ذكر الراية وهي القلادة التي توضع في عنق الغلام الآبق ليُعلَم أ نّه أبق. وفي «لسان العرب» ج 14، ص 351: الراية العَلَم لا تهمزها العرب، والجمع رايات ورايٌ وأصلها الهمز... إلي أن قال: وفي حديث خيبر: سَأُعْطِي الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّهُ اللَهُ وَرَسُولُهُ. الراية ها هنا العلم. يقال: ريَّيتُ الراية أي ركزتُها. ] وقال [ ابن سِيدة: أرأَيتُ الراية ] أي [ ركزتها. وفي الحديث: الدِّينُ رَايَةُ اللَهِ فِي الاَرْضِ يَجْعَلُهَا فِي عُنُقِ مَنْ أَذَلَّهُ. وقال ابن الاثير: الراية حديدة مستديرة علي قدر العنق تُجعل فيه. وفي «لسان العرب» ج 15 ص 266: اللواء: لواء الامير، ممدود، واللؤاء: العَلَم والجمع ألوية وأَلويات... إلي أن قال: اللواء: الراية ولا يمسكها إلاّ صاحبُ الجيش. وفي الحديث: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمُ القِيَامَةِ. أي علامة يشهر بها في الناس، لانّ موضوع اللواء شهرة مكان الرئيس. وقال في «صحاح اللغة» في مادّة لواء: ولواء الامير ممدود. وقال: غَدَاةَ تَسايلت من كلّ أوبٍ كتائب عاقدين لهم لوايا. وهي لغة لبعض العرب، تقول: احتميتُ احتمايا. وذكر في مادّة روا: والراية: العَلَمـ انتهي. وكانت الراية في غزوة أُحد في يد أمير المؤمنين، وكان لواء المهاجرين في يد مصعببن عمير، ولواء الانصار في يد سعد بن عبادة، فلمّا قُتل مصعب، أعطي رسولالله لواء المهاجرين إلي عليّ عليه السلام، فصار منذ يومئذٍ صاحب اللواء وصاحب الراية. [20] ـ قال ابن شهرآشوب في مناقبه، ج 1، ص 191 و 192 طبعة قم: جعل ] رسولالله صلّيالله عليه وآله [ علي راية المهاجرين عليّاً عليه السلام. وعلي راية الانصار سعدبن عُبادة. وقعد في راية الانصار وهو لابس دِرعَين. [21] ـ قال ابن كثير الدمشقيّ، في «البداية والنهاية» ج 4، ص 20: روي عن ابن إسحاق أنّ اللواء كان أوّلاً مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فلمّا رأي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم لواء المشركين مع ] بني [ عبد الدار، قال: نَحْنُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ مِنْهُمْ. ] فلهذا [ أخذ اللواء من عليّبن أبيّ طالب عليه السلام فدفعه إلي مصعب بن عمير ] من بني عبد الدار [ فلمّا قُتل مصعب، أعطي ] رسول الله صلّي الله عليه وآله [ اللواء عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وذكر ابن هشام في سيرته، ج 3، ص 592 قصّة أخذ أمير المؤمنين عليه السلام اللواء يوم أُحد. [22] ـ المهراس ماء في أُحُد. ولذا سُمّيت وقعة أُحُد بوقعة المهراس أيضاً. [23] ـ قال الواقديّ في «المغازي» ج 1، ص 259: كان أربعة من أصحاب النبيّ صلّيالله عليه وآله وسلّم يعلمون في الزحوف، أحدهم أبو دُجانة كان يعصب رأسه بعصابة حمراء، وكان قومه يعلمون أ نّه إذا اعتصب بها أحسن القتال. وكان ] أمير المؤمنين [ عليّ عليه السلام يُعلم بصوفة بيضاء. وكان الزُّبير يُعلم بعصابة صفراء. وكان حمزة يعلم بريش نعامة. [24] ـ قال الطبرسيّ في «إعلام الوري» ص 91: أُصيب من المسلمين في غزوة أُحد سبعون رجلاً منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبدالمطّلب، وعبدالله بن جحش، ومصعببن عمير، وشماس بن عثمان بن الشريد. والباقون من الانصار. وأقبل يومئذٍ أُبيّ ابن خلف وهو علي فَرَسٍ له وهو يقول: هذا ابن أبي كبشة، بُؤْ بِذَنْبِكَ لاَ نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ. ورسولالله صلّي الله عليه وآله وسلّم بين الحارث بن الصمّة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما، فحمل عليه، فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله ! فأخذ رسولالله صلّيالله عليه وآله وسلّم عَنَزة ] العنَزَة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئاً، وفيها سنان مثل سنان الرمحـ (م) [ فطعن أُبيّاً في جربّان الدرع فهو يخور خوار الثور ] حتّي هلك [ [25] ـ ذكر خواند مير في «روضة الصفا» هزيمة عمر وأبي بكر،وفرار عثمان ثلاثة أيّام. [26] ـ قال ابن الاثير في «النهاية» ج 3، ص 210: العريض: الواسع. وفي حديث أُحد قال رسولالله صلّي الله عليه وآله للمنهزمين: لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً، أيْ: وَاسِعَةً. [27] ـ ورد هذا الموضوع في «روضة الصفا» أيضاً. [28] ـ ذكر ابن هشام في سيرته ج 3، ص 593 هذه القصّة بتمامها وكمالها، وقال: لمّا اشتدّ القتال يوم أُحد، جلس رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم تحت راية الانصار، وأرسل رسولالله صلّي الله عليه وآله وسلّم إلي عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن قدّم الراية. فتقدّم عليّ ] أمير المؤمنين [ عليه السلام فقال: أنا أبو القَصْم أبو القُصَم. فناداه أبو سعد طلحةبن أبي طلحة ـوهو صاحب لواء المشركينـ أن هل لكَ يا أبا القُصَم في البراز من حاجة؟! قال: نعم. فبرزا بين الصفَّين، فاختلفا ضربتين... إلي آخر القصّة المذكورة. [29] ـ قال ابن الاثير في «النهاية»: الكتيبة: القطعة العظيمة من الجيش. وقال في ج 4، ص 148: وفي حديث السقيفة: نَحْنُ أنْصَارُ اللَهِ وَكَتِيبَةُ الإسلاَمِ. والجمع الكتائبـ انتهي. والكبش في اللغة السيّد وأمير الجيش. فينبغي ـ إذن ـ أن يكون معني كبش الكتيبة قائد الجيش فحسب. [30] ـ ذكر صاحب «روضة الصفا» هذه القصّة مع اختلاف يسير في اللفظ. [31] ـ قال ابن هشام في سيرته، ج 3، ص 615: روي بعض أهل العلم عن ابن أبي نجيح قال: نادي منادٍ يوم أُحد: لاَ سَيْفَ إلاَّ ذُو الفَقَارِ، وَلاَ فَتَي إلاَّ عَلِيٌّ. [32] ـ ذكر الواقديّ في «المغازي» ج 1، ص 279 قصّة قتال أُميّة بن أبي حذيفةبن المغيرة بهذا النحو وقتله علي يد أمير المؤمنين عليه السلام مفصّلاً. [33] ـ ذكره مؤلّف «روضة الصفا» في كتابه أيضاً. وجاء في سيرة ابن هشام: ج 3، ص 615. [34] ـ ذكره صاحب «روضة الصفا» في كتابه أيضاً ؛ وورد في سيرة ابن هشام: ج 3، ص 615. [35] ـ كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها قد ولدت الإمام الحسن عليه السلام قبل معركة أُحد بشهر واحد، إذ إنّ ولادة الإمام كانت في 15 رمضان سنة 3 ه، وغزوة أُحُد وقعت في 15 شوّال من نفس السنة. ذكر ذلك الطبريّ في تأريخه: ج 2، ص 537 وقال: وفيها علقت فاطمة بالحسين صلوات الله عليهما، وقيل: لم يكن بين ولادتها الحسن وحملها بالحسين إلاّ خمسون ليلةً. [36] ـ أورد الحمّوئيّ هذين البيتَين في «فرائد السمطين» ج 1، ص 252 ؛ وفي «بشارة المصطفي» ص 346. وجاء فيهما معاً: (رحيم) مكانَ (عليم). [37] ـ ذكر الطبريّ هذه الابيات عن أمير المومنين عليه السلام أربعة في تأريخه، ج 2، ص 533، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر. وكذلك فعل ابن شهرآشوب في مناقبه، ج 1، ص 152، طبعة المطبعة العلميّة، قم، نقلاً عنه. وأوردا البيتَين الثالث والرابع كالآتي: وَسَيْفِي بِكَفِّي كَالشِّهَابِ أَهُزُّهُ أَجُذُّ بِهِ مِنْ عَاشِقٍ وَصَمِيمِ فَمَا زِلْتُ حَتَّي فَضَّ رَبِّي جُمُوعَهُمْ وَحَتَّي شَفَيْنَا نَفْسَ كُلِّ حَلِيمِ [38] ـ المقصود من السيف هو ذو الفقار الذي أعطاه رسول الله صلّي الله عليه وآله أميرالمؤمنين عليه السلام في يوم أُحُد. وجاء في «ناسخ التواريخ» أ نّه عُرف بهذا الاسم لفقرات ونتوءات في ظهره كالعظم. وكان العلويّون يتوارثونه بعد استشهاد أميرالمؤمنين عليه السلام حتّي وصل إلي محمّد النفس الزكيّة بن عبد الله المحض بن الحسن المثنّيبن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام. ولمّا أحسّ بدنوّ أجله في حربه مع المنصور العبّاسيّ، دعا رجلاً من بني النجّار كان له عليه أربعمائة دينار ودفعه إليه وقال: خذه واحفظه عندك. فإذا رآه رجل من آل أبي طالب، يأخذه ويعطيك حقّك. ولمّا رُشّح جعفر بن سليمان العبّاسيّ لولاية المدينة واليمن، طلب الرجل المذكور ودفع إليه أربعمائة دينار وأخذه منه. [39] ـ «الإرشاد» للشيخ المفيد، ص 42 إلي 48، الطبعة الحجريّة. وذكر الواقديّ أصل القضيّة بلا أشعار، وذلك في مغازيه: ج 1، ص 249. |
|
|