بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الاسلام / المجلد الثالث عشر / القسم الثالث: حدیث نبوی فی فرار عمر یوم احد، صبر رسول الله صلی الله علیه و آله

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

حديث‌ نبوي‌ّ صريح‌ في‌ فرار عمر يوم‌ أُحُد

 ومن‌ الادلّة‌ الرصينة‌ علی‌ فرار عمر بن‌ الخطّاب‌ رواية‌ ذكرها الواقدي‌ّ في‌ مغازيه‌ وهي‌ تدور حول‌ قصّة‌ الحُدَيبيّة‌، عن‌ أبي‌ سعيد الخُدري‌ّ قال‌: كنت‌ جالساً يوماً عند عمر بن‌ الخطّاب‌ فقال‌: لقد دخلني‌ يومئذ من‌ الشكّ، وراجعت‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يومئذٍ مراجعة‌ ما راجعته‌ مثلها قطّ. ولقد عتقتُ فيما دخلني‌ يومئذٍ رقاباً، وصمتُ دهراً وإنّي‌ لاذكر ما صنعتُ خالياً فيكون‌ أكبر همّي‌.

 وينقل‌ عمر القصّة‌ هنا مفصّلاً، ويستمرّ الراوي‌ فيقول‌: وقال‌ عمر ورجال‌ معه‌ من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: يا رسول‌الله‌ ! ألم‌ تكن‌ حدّثتنا أ نّك‌ ستدخل‌ المسجد الحرام‌، وتأخذ مفتاح‌ الكعبة‌ وتعرّف‌ مع‌ المعرّفين‌ ؟! وهَدْينا لم‌ يصل‌ إلی البيت‌ ولا نحن‌ !

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: قُلْتُ لَكمْ فِي‌ سَفَرِكُمْ هَذَا ؟! قال‌ عمر: لاَ. فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أَمَا إنَّكُمْ سَتَدْخُلُونَهُ، وآخُذُ مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ، وَأَحْلِقُ رَأْسِي‌ وَرُؤُوسَكُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، وَأُعَرِّفُ مَعَ المُعَرِّفِينَ.

 ثم‌ أقبل‌ علی‌ عمر، فقال‌: أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَی‌ أَحَدٍ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي‌ أُخْرَاكُمْ ؟! أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الاَحْزَابِ [1] إِذْ جَاؤُوكُمْ مِن‌ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الاَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ؟! أَنَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا ؟!

 وَجَعَلَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُهُمْ أُمُوراًـ أَنَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا ؟

 فقال‌ المسلمون‌: صدق‌ الله‌ ورسوله‌ يا نبي‌ّ الله‌، ما فكّرنا فيما فكّرت‌ فيه‌. لاَنتَ أعلم‌ بالله‌ وبأمره‌ منّا.

 فلمّا دخل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عام‌ القضيّة‌ ( عمرة‌ القضاء ) وحلق‌ رأسه‌، قال‌: « هذا الذي‌ وعدتكم‌ ». فلمّا كان‌ يوم‌ الفتح‌ أخذ المفتاح‌ فقال‌: « ادعوا لي‌ عمر بن‌ الخطّاب‌، فقال‌: هذا الذي‌ قلتُ لكم‌ ». فلمّا كان‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ بعَرَفة‌ فقال‌: « أي‌ عمر، هذا الذي‌ قلت لكم‌ ». [2]

 يقول‌ المستدلّون‌ علی‌ فرار عمر أ نّه‌ لو لم‌ يفرّ يوم‌ أُحُد، لما قال‌ له‌ رسول‌الله‌: « أنسيتم‌ يوم‌ أُحُد إذ تُصعِدون‌ ولا تلوون‌ علی‌ أحد » ؟ [3]

 الرجوع الي الفهرس

لم‌ يشهد رسول‌ الله‌ لابي‌ بكر بالجنّة‌

 وشهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ أنّ جميع‌ المقتولين‌ في‌ غزوة‌ أُحُد من‌ أهل‌ الجنّة‌، وأنّ كتاب‌ أعمالهم‌ خُتم‌ بخير، وأ نّهم‌ أبلوا بلاءً محموداً، وأنّ السعادة‌ مكتوبة‌ لهم‌ في‌ دار الآخرة‌.

 بَيدَ أنّ هذا لشهداء أُحُد فحسب‌، وليس‌ لكلّ من‌ اشترك‌ وجاهد في‌ أُحُد. إذ إنّ من‌ الممكن‌ أن‌ تمرّ بلاءات‌ بعد أُحُد فلا يثبت‌ فيها المغرورون‌ بأنفسهم‌ ومناصبهم‌، المتظاهرون‌ بالتقوي‌ والصلاح‌، وهم‌ ينشدّون‌ إلی عالم‌ الغرور في‌ تلك‌ النكات‌ الدقيقة‌. وتتجلّي‌ أنفسهم‌ في‌ الاُمّة‌ بطابع‌ فرعوني‌ مع‌ جميع‌ ما لهم‌ من‌ أرصدة‌ السبق‌ والقِدَم‌، فينكرون‌ الحقّ ويؤثِرون‌ أنانيّتهم‌ علی‌ الحقّ والانقياد المحض‌ إليه‌. وحينئذٍ، كيف‌ تكون‌ عاقبتهم‌ خيراً إذا هلكوا وهم‌ علی‌ هذه‌ الحالة‌ من‌ الاستكبار والزهو والعُجب‌ وحبّ الذات‌، حتّي‌ لو كانوا بارزين‌ في‌ الزهد، بارعين‌ في‌ علوم‌ القرآن‌، متشرّفين‌ بصحبة‌ رسول‌ الله‌ سنين‌ طويلة‌ ! كما أنّ شهداء بدر من‌ أهل‌ الجنّة‌ أيضاً، لا كلّ من‌ شهد بدراً، لا نّه‌ قد يتعرّض‌ للبلاء، فلا يثبت‌ فيه‌ ولايخرج‌ منه‌ مفلحاً.

 إنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ التي‌ تتحدّث‌ عن‌ مجاهدي‌ بدر وأصحاب‌ بيعة‌ الرضوان‌ تحت‌ الشجرة‌ أثنت‌ علیهم‌ ثناءً مؤقّتاً كما يتطلّبه‌ موقفهم‌ يومئذٍ، ولم‌تثن‌ علیهم‌ ثناء مطلقاً إلی الابد. وفي‌ بدر أدلّة‌، وفي‌ أُحُد أدلّة‌ أيضاً.

 كان‌ طلحة‌ بن‌ عبيد الله‌ من‌ الذين‌ ثبتوا ولم‌ يفرّوا يوم‌ أُحُد. وقد آزر النبي‌ّ كثيراً، لكنّه‌ نكث‌ بيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ خلافته‌، فأُريقت‌ دماء الآلاف‌ من‌ الابرياء علی‌ أثر ذلك‌. وكذلك‌ دأب‌ الزبيربن‌ العوّام‌، وعبدالرحمن‌بن‌ عوف‌، وسعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ علی‌ اختلاف‌ مراتبهم‌ ودرجاتهم‌.

 وذكر مالك‌ حديثاً عجيباً في‌ « الموطّأ »، ويمكن‌ استنتاج‌ أشياء مفيدة‌ كثيرة‌ منه‌ بالمناط‌ العامّ:

 حَدَّثَني‌ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي‌ النَّضْرِ مَوْلَي‌ عُمْرَ بنِ عُبَيْدِ اللَهِ أَ نَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ: هَؤُلاَءِ أَشْهَدُ عَلَیهِمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَهِ إخْوَانَهُمْ ؟ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ: بَلَي‌، وَلَكِنْ لاَ أَدْرِي‌ مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي‌ ؟! فَبَكَي‌ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ بَكَي‌، ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ ؟! [4]

 يقول‌ محمّد فؤاد عبد الباقي‌ في‌ تعلیقته‌: هذا الحديث‌ مرسل‌ عند جميع‌ الرواة‌، لكنّ معناه‌ يستند من‌ وجوه‌ صحاح‌ كثيرة‌. وذكر السيوطي‌ّ هذا اللفظ‌ نفسه‌ في‌ شرحه‌. [5]

 وقال‌ في‌ شرح‌ قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ واله‌: هَؤُلاَءِ أَشْهَدُ عَلَیهِمْ: يَعْنِي‌ أَشْهَدُ لَهُمْ بِالإيمَانِ الصَّحِيحِ وَالسَّلاَمَةِ مِنَ الذُّنُوبِ المُوبِقَاتِ وَمِنَ التَّبدِيلِ وَالتَّغْيِير وَالمُنَافَسَةِ فِي‌ الدُّنْيَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ البِرِّ. [6]

 ونفهم‌ من‌ هذا الحديث‌ ما يأتي‌:

 أوّلاً: أنّ الجهاد في‌ أُحُد لم‌ ينفع‌ أبا بكر شيئاً، وأنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ لم‌ يؤيِّد سلامَة‌ دينه‌، وخلاصَه‌ من‌ الذنوب‌ الموبقة‌، ومن‌ التغيير والتبديل‌ في‌ العقيدة‌ والنيّة‌، والحوادث‌، والتنافس‌ علی‌ الرئاسة‌ وحبّ الجاه‌، ولم‌ يشهد له‌ بالإيمان‌ الصحيح‌. وبعبارة‌ موجزة‌: لم‌يؤيِّد كونه‌ من‌ أهل‌ الجنّة‌.

 ثانياً: لمّا كان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ عالِماً بالغيب‌، وأ نّه‌ أخبر بالوقائع‌ والحوادث‌ قبل‌ وقوعها وحدوثها بسنين‌ طويلة‌، فإنّ كلامه‌: « لا أدري‌ ما تُحدِثون‌ بعدي‌ ». بمنزلة‌ قوله‌: « لا نّي‌ أعلم‌ ما تُظهرون‌ بعدي‌ من‌ البدع‌ وما تفتعلون‌ من‌ الحوادث‌ ». فلهذا أنتم‌ لستم‌ كشهداء أُحُد الذين‌ رحلوا عن‌ هذه‌ الدنيا طاهرين‌ مطهّرين‌. فأنتم‌ ـ لا جرم‌ ـ ستكونون‌ من‌ أصحاب‌ النار !

 ثالثاً: لوكان‌ أبو بكر باحثاً عن‌ الحقّ والحقيقة‌، لسأل‌ رسول‌ الله‌ بعد إخباره‌ الصحابة‌، وبعد بكاء أبي‌ بكر نفسه‌: وماذا نفعل‌ إذَن‌ ؟ أرشدنا إلی سبيل‌ النجاة‌ من‌ تلك‌ الحوادث‌ والكوارث‌، كي‌ لا نُمني‌ بتلك‌ الذنوب‌ الموبقة‌ المهلكة‌، ولا نُحدث‌ تلك‌ البدع‌، ولنظلّ سالمين‌ ونكون‌ من‌ أهل‌ الوجوه‌ المبْيَضَّة‌ شامخين‌ كشهداء أُحُد ! بَيدَ أ نّه‌ قطع‌ كلام‌ رسول‌الله‌، وحسم‌ الموضوع‌ ببكائه‌ وقوله‌: أئنّا لكائنون‌ بعدك‌. [7]

 الرجوع الي الفهرس

لقاء آية‌ الله‌ المعزّي‌ّ الملايري‌ّ مع‌ العقيد سنبل‌ في‌ جدّة‌

 يحسن‌ بنا وقد بلغنا هذا الموضع‌ أن‌ نذكر آية‌ الله‌ العظمي‌ البروجردي‌ّ تغمّده‌ الله‌ برضوانه‌ ونعيمه‌ فنورد ما نقله‌ عنه‌ صديقنا العزيز الكريم‌ ورفيقنا البرّ الشفيق‌ الذي‌ تربطنا به‌ صحبة‌ يزيد أمدها علی‌ أربعين‌ سنة‌. وهو سماحة‌ آية‌الله‌ الشيخ‌ إسماعيل‌ المعزّي‌ّ الملايري‌ّ دامت‌ بركاته‌.

 حدّثني‌ هذا الرجل‌ حديثاً قبل‌ ثلاثين‌ سنة‌ تقريباً، ثمّ طلبت‌ منه‌ أن‌ يكتبه‌. فكتبه‌ وأرسله‌ لي‌ بالبريد من‌ قم‌ إلی طهران‌، وخطّه‌ الآن‌ بين‌ يدي‌ّ. وها أنا أذكر فيما يأتي‌ كلامه‌ نصّاً.

 قال‌ بعد البسملة‌ والتحميد والصلوات‌ والسلام‌ والسؤال‌ عن‌ الاحوال‌، والآداب‌ المألوفة‌ في‌ المجاملات‌:

 « وأمّا الموضوع‌ فهو أ نّي‌ تشرّفت‌ بالمثول‌ بين‌ يدي‌ المرحوم‌ آية‌الله‌ العظمي‌ السيّد البروجردي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌ سنة‌ 1378 ه. ق‌ لاُودّعة‌ قبل‌ سفري‌ إلی حجّ بيت‌ الله‌ الاعظم‌، وكان‌ كتاب‌ « الموطّأ » لمالك‌ بن‌ أنس‌ في‌ يده‌، فقلَّبَ عدداً من‌ أوراقه‌. ثمّ دفعه‌ إلی وقال‌: احفظ‌ هذا الحديث‌ فإنّه‌ سينفعك‌ يوماً ! ثمّ أردف‌ قائلاً: كان‌ أبو بكر ماكراً إلی درجة‌ أ نّه‌ تباكي‌ وقطع‌ الموضوع‌.

 فحفظتُ الحديث‌. وبعد تشرّفي‌ بزيارة‌ مكّة‌، قدمنا جدّة‌ لنعود إلی إيران‌، فراجعنا دائرة‌ شؤون‌ الحجّاج‌، وكان‌ مديرها عقيداً يُدعي‌ « سنبل‌ »، ولمّا ذهبتُ إليه‌ لتوقيع‌ الجواز، دار بيني‌ وبينه‌ حديث‌ طُرحَتْ فيه‌ مسائل‌ شتّي‌، وواصلناه‌ حتّي‌ سألني‌ قائلاً: هل‌ ترون‌ الشيخين‌ من‌ الذين‌ حضروا بيعة‌ الرضوان‌. [8]

 قلت‌: ورد في‌ بعض‌ الاحاديث‌ أ نّهما حضراها وبايعا رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ أيضاً.

 قال‌: فَلِمَ ترون‌ أ نّهما من‌ أهل‌ جهنّم‌ ؟!

 قلتُ: لا، لا نري‌ أ نّهما كذلك‌.

 قال‌: فهل‌ تعتقدون‌ أ نّهما من‌ أصحاب‌ الجنّة‌ ؟

 قلتُ: لا. الجنّة‌ والنار للّه‌ تعإلی، ونحن‌ لا نعلم‌ من‌ يسوقه‌ الله‌ إلی الجنّة‌ ومن‌ يسوقه‌ إلی جهنّم‌. يَفْعَلُ اللَهُ مَا يَشَآءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ.

 قال‌: أنتم‌ لستم‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهاب‌ أحد إلی الجنّة‌ ؟

 قلتُ: ولِمَ ذلك‌ ! نحن‌ علی‌ يقين‌ أنّ رسول‌ الله‌ يذهب‌ إلی الجنّة‌.

 قال‌: كيف‌ تقول‌ ذلك‌ ؟

 قلتُ: إذا لم‌ يذهب‌ إلی الجنّة‌ وهو صفوة‌ الخلق‌ ونقاوته‌، فَلِمَ خَلَقَ الله‌ الجنّة‌ !

 قال‌: وهل‌ أنتم‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهاب‌ غيره‌ إليها ؟

 قلتُ: نعم‌، نحن‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهاب‌ الحسن‌ والحسين‌ علیهما السلام‌ إليها أيضاً.

 قال‌: ما الدليل‌ علی‌ ذلك‌ ؟

 قلتُ: حديث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: الحسن‌ والحسين‌ سيّدا شباب‌ أهل‌ الجنّة‌.

 قال‌: وهل‌ أنتم‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهاب‌ غيرهما إليها ؟

 قلتُ: نعم‌، نحن‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهاب‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ إليها أيضاً.

 قال‌: ما الدليل‌ علی‌ ذلك‌ ؟

 قلتُ: ما جاء في‌ ذيل‌ الحديث‌ السابق‌، وهو قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: أَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا، فإذا ذهب‌ الحسن‌ والحسين‌ إلی الجنّة‌، فلاجرم‌ أنّ أباهما، وهو خير منهما، يذهب‌ إليها أيضاً.

 قال‌: وهل‌ تعتقد أنّ شخصاً آخر يذهب‌ إليها حتماً ؟

 قلتُ: نعم‌، فاطمة‌ الزهراء علیها السلام‌.

 قال‌: ما الدليل‌ ؟

 قلتُ: ما ورد في‌ الحديث‌، وهوقوله‌: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي‌، مَنْ آذَاها فَقَدْ آذَانِي‌، وَمَنْ آذَانِي‌ فَقَدْ آذَي‌ اللَهَ... إلی آخره‌، فإذا ساق‌ الله‌ فاطمة‌ إلی جهنّم‌، فقد آذي‌ فاطمة‌ ونبيّه‌، والله‌ لا يؤذي‌ نبيّه‌ أبداً.

 قال‌: يا خبيث‌ ؛ أراك‌ تشكّ في‌ ذهاب‌ أبي‌ بكر وعمر فحسب‌ إليها.

 قلتُ: لا أجد أخبث‌ منّي‌ إلاّ أنت‌ ! علیك‌ أن‌ تتحدّث‌ بدليل‌ وبرهان‌ وتضرب‌ عن‌ التعصّب‌ صفحاً، وإذا كان‌ النبي‌ّ وأبو بكر قد ارتابا في‌ ذهاب‌ أبي‌ بكر إلی الجنّة‌، فكيف‌ تزعم‌ أ نّك‌ علی‌ يقين‌ من‌ ذهابه‌ إليها !

 قال‌: أين‌ ورد أ نّهما قد ارتابا في‌ ذلك‌ !

 فقرأتُ الحديث‌، وقلتُ: لا يستبين‌ من‌ هذا الحديث‌ شكّ النبي‌ّ فحسب‌، بل‌ يُشَمُّ منه‌ أيضاً كفر القوم‌ ودخولهم‌ في‌ جهنّم‌، لانّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌ بصراحة‌: لا أشهد.

 علی‌ أيّة‌ حال‌، هذا الحديث‌ وارد، وأنت‌ تقول‌: أنا علی‌ يقين‌. وإذا لم‌يشكّ أبو بكر، فَلِمَ سأل‌ ذلك‌ ! وإذا لم‌ يشكّ رسول‌ الله‌، فَلِمَ قال‌: لا ! ويتّضح‌ من‌ هذا الحديث‌ أيضاً أنّ بيعة‌ الرسول‌، وقتال‌ أعداء الدِّين‌، وأداء سائر الفرائض‌، كلّ ذلك‌ ينفع‌ المرء إذا ظلّ مستقيماً ولم‌ يقترف‌ عملاً مخالفاً للّه‌ ورسوله‌ حتّي‌ آخر عمره‌، وإلاّ فيمكن‌ أن‌ تُحبط‌ بعضُ المعاصي‌ أثر العبادات‌ الماضية‌.

 ثمّ قال‌: أرني‌ هذا الحديث‌ !

 قلتُ: هات‌ مُوَطَّأَ مالك‌ لاُريك‌. وعندما رجعتُ إلی وطني‌، حدّثتُ المرحوم‌ آية‌ العظمي‌ السيّد البروجردي‌ّ بالحوار المذكور فسُرّ كثيراً ».

 إلی هنا تنتهي‌ رسالته‌ في‌ شأن‌ هذا الحديث‌، ثمّ قال‌: ولمّا تشرّفت‌ بالحجّ من‌ قابلٍ، التقيتُ بالعقيد سنبل‌ وسألته‌ عن‌ أحواله‌. فقال‌: وجدتُ الحديث‌ في‌ مُوَطّأ مالك‌. [9]

 ومن‌ الضروري‌ّ هنا أن‌ نشير إلی بعض‌ النقاط‌:

 الاُولي‌: نقل‌ دِهْخُدا في‌ معجمه‌ اللغوي‌ّ ( معجم‌ لغوي‌ّ فارسي‌ّ )، مادّة‌ ( ذوالفقار ) عن‌ ترجمة‌ تأريخ‌ الطبري‌ّ أنّ أبا بكر، وعمر جُرحا في‌ غزوة‌ أُحد ورجعا.[10]

 لقد بان‌ رجوع‌ أبي‌ بكر، وعمر من‌ الحرب‌، بَيدَ أنّ جرحهما كذب‌ محض‌. فأمّا حدث‌ تحريف‌ متعمَّد في‌ ترجمة‌ « تاريخ‌ الطبري‌ّ » أو في‌ النقل‌ عن‌ الترجمة‌. وعلی‌ أيّة‌ حال‌ فعندي‌ دورتين‌ مختلفتين‌ من‌ « تاريخ‌ الطبري‌ّ »، وليس‌ فيهما هذا الموضوع‌. وكذلك‌ هو لم‌ يرد في‌ تاريخ‌ « البداية‌ والنهاية‌ » لابن‌ كثير الدمشقي‌ّ مع‌ شدّة‌ تعصّبه‌ في‌ تسنّنه‌، ولم‌ يذكره‌ صاحب‌ « السيرة‌ الحلبيّة‌ »، ولا ابن‌ هشام‌ في‌ سيرته‌. كما لم‌ يُشَرْ إليه‌ في‌ كتاب‌ « الكامل‌ في‌ التأريخ‌ » لابن‌ الاثير الجزري‌ّ، و « روضة‌ الصفا » لميرخواند، و « حبيب‌ السير » لخواندمير، و « تاريخ‌ المسعودي‌ّ »، و « تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ » بل‌ لم‌يذكر في‌ مغازي‌ الواقدي‌ّ الذي‌ يعدّ من‌ أقدم‌ الوثائق‌ التأريخيّة‌، ولم‌ينقله‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ». [11]

 الرجوع الي الفهرس

 لم‌ يقصد رسول‌ الله‌ القتل‌ يوم‌ أُحُد

الثانية‌: أ نّنا ذكرنا هنا الآية‌ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ وشأن‌ نزولها في‌ غزوة‌ أُحُد فحسب‌، ولم‌ نتطرّق‌ إلی مواصفات‌ غزوة‌ أُحُد ووقائعها كلّها، وهي‌ كثيرة‌. ومَن‌ وقف‌ علی‌ تفاصيل‌ تأريخها، وجد أنّ المشركين‌ لم‌يحاربوا المسلمين‌ يومئذٍ، بل‌ ذبحوهم‌ وقطّعوهم‌ إرباً إرباً بسواطيرهم‌. مع‌ ذلك‌ لم‌ يفكّر النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ بإراقة‌ الدماء وارتكاب‌ المذابح‌، ولم‌ يحاول‌ التدارك‌ وتسكين‌ الفورات‌ العاطفيّة‌، بل‌ كان‌ يدافع‌ لاغير. وكان‌ هذا دأبه‌ كلّما حملوا علیه‌. ولم‌ يأمر بالقتل‌ والسلب‌ والغارة‌ بعد أن‌ وضعت‌ الحرب‌ أوزارها. إذ إنّ مهمّته‌ الربّانيّة‌ لم‌ تكن‌ القتل‌ والذبح‌، بل‌ كانت‌ مهمّته‌ هداية‌ المشركين‌ وارشادهم‌ إلی الإسلام‌. وأنّ أخلاقه‌ العظيمة‌ وصفاته‌ الكريمة‌ هي‌ التي‌ دفعتهم‌ إلی الإسلام‌، وقد أسلم‌ كثير من‌ أُمراء جيشهم‌ كخالد بن‌ الوليد، وعكرمة‌ بن‌ أبي‌ جهل‌. فلاحظوا كم‌ كانت‌ مهمّته‌ دقيقة‌، إذ جمع‌ بين‌ الدفاع‌ والقتل‌، وبين‌ إمساك‌ يده‌ رجاء إسلامهم‌ وهدايتهم‌.

 وكان‌ أُولئك‌ الكافرون‌ من‌ أرحام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، بل‌ كان‌ بعضهم‌ من‌ أرحامه‌ القريبين‌. وكانوا منه‌ بمنزلة‌ الابناء، ولكن‌ أي‌ّ أبناء ! أبناء متغطرسون‌ ومغرورون‌ قطعوا قرابة‌ خمسمائة‌ كيلومتر من‌ مكّة‌ إلی المدينة‌ لإطفاء النور النبوي‌ّ وبتلك‌ الطريقة‌ المعروفة‌ لئلاّ تكون‌ الرئاسة‌ والإمارة‌ للنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، ولكي‌ لا ينقادوا لحكمه‌.

 وهذا جهل‌، وهوجهل‌ عميق‌ مشوب‌ بالكبر والحسد والغِلّ والانتقام‌ والطمع‌، بَيدَ أنّ الرسول‌ الكريم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ واجه‌ تلك‌ الافعال‌ السيّئة‌ القبيحة‌ بدعائه‌ المعروف‌: اللهُمَّ اهْدِ قَوْمي‌ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. [12]

 ونقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ الواقدي‌ّ قوله‌: وروي‌ سعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ قال‌: ولقد حرصتُ علی‌ قتل‌ أخي‌ عتبة‌ بن‌ أبي‌ وقّاص‌ حرصاً ما حرصتُ علی‌ شـي‌ء قطّ، وإن‌ كان‌ ما علمـتُ لعاقّـاً بالوالـد، سـيّي‌ الخُلُـق‌، ولقد تخـرّقتُ صفوف‌ المشـركين‌ مرّتين‌ أطـلب‌ أخي‌ لاقتله‌، ولكنّه‌ راغ‌ منّـي‌ رَوَغان‌ الثعلب‌. فلمّا كان‌ الثالثة‌، قال‌ لي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: يَا عَبْدَ اللَهِ ! ما تُرِيدُ ؟! أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ ؟ فكففتُ. فقال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: اللهمّ لا تحولنّ الحول‌ علی‌ أحدٍ منهم‌ ! [13]

 ونقل‌ ابن‌ أبـي‌ الحديـد عن‌ الواقـدي‌ّ قال‌: ] لمّا [ رأي‌ رسـول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بحمزة‌ مَثْلاً شديداً، حزنه‌ ذلك‌. فقام‌ أبو قَتادة‌ الانصاري‌ّ فجعل‌ ينال‌ من‌ قريش‌ لما رأي‌ من‌ عَمّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسـلّم‌. وفي‌ كلّ ذلك‌ يشـير إليه‌ أن‌ أجلـس‌ ثلاثاً، فقال‌ رسـول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌: يَا أَبَا قَتَادَةَ ! إنَّ قُرَيْشاً أهْلُ أَمَانَةٍ، مَنْ بَغَاهُمُ العَوَاثِرَ [14] كَبَّهُ اللَهُ لِفِيهِ ! وَعَسَيَ أَنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَحْقِرَ عَمَلَكَ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفِعَالَكَ مَعَ فِعَالِهِمْ ! لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لاَخْبَرْتَهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللَهِ تَعَإلَی.

 فقال‌ أبو قتادة‌: والله‌ يا رسول‌ الله‌ ! ما غضبت‌ إلاّ للّه‌ ورسوله‌ حين‌ نالوا منه‌ ( من‌ حمزة‌ ) ما نالوا. فقال‌: صدقتَ ! بِئْسَ القَوْمُ كَانُوا لِنَبِيِّهِمْ. [15]

 الثالثة‌: نقل‌ ابـن‌ أبي‌ الحديـد عـن‌ الواقـدي‌ّ أ نّه‌ قال‌: إنّ الذي‌ شـجّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ في‌ جبهته‌ ابن‌ شهاب‌، والذي‌ أشظي‌ رباعيّته‌ وأدمي‌ شفتيه‌ عُتبة‌ بن‌ أبي‌ وقّاص‌، والذي‌ أدمي‌ وَجْنَتَيْهِ حتّي‌ غاب‌ الحلق‌ فيهما ابن‌ قميئة‌، وإنّه‌ سال‌ الدم‌ من‌ الشجّة‌ التي‌ في‌ جبهته‌ حتّي‌ أخضل‌ لحيته‌. وكان‌ سـالم‌ مولي‌ أبي‌ حذيفة‌ يغسـل‌ الدم‌ عن‌ وجهه‌ ورسـول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ يقول‌: كَيْفَ يَفْلَـحُ قَـوْمٌ فَعَلُـوا هَـذَا بِنَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَی اللَهِ تَعَإلَی ؟! فأنزل‌ الله‌ تعإلی قوله‌: لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَیهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَـ'لِمُونَ. [16] و [17]

 ونجد هنا أنّ الذات‌ الاحديّة‌ المقدّسة‌ العزيزة‌ العظيمة‌ لا تُبقي‌ لنبيّها حتّي‌ رجاءً واحداً، وتسلب‌ منه‌ الحكم‌ بعدم‌ الفوز والفلاح‌، ويقول‌ بجدّ: أنت‌ عبدي‌ وليس‌ لك‌ أن‌ تتدخّل‌ في‌ أمري‌ ! كيف‌ تحكم‌ بعدم‌ فلاحهم‌ ؟! إنّي‌ أنا الله‌، إنّي‌ ذو العزّة‌ والجلال‌، ولا يرد في‌ عظمتي‌ حتّي‌ رجاء الغير وحكمه‌، وإن‌ كان‌ صادراً من‌ خاتم‌ الانبياء والمرسلين‌.

 الرابعة‌: نقل‌ أمين‌ الإسلام‌ أبو علی‌ّ الفضل‌ بن‌ الحسن‌ في‌ كتاب‌ « إعلام‌ الوري‌ » عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: انهزم‌ الناس‌ عن‌ رسول‌الله‌ يوم‌ أُحُد فغضب‌ غضباً شديداً، وَكَانَ إذَا غَضِبَ انْحَدَرَ مِنْ وَجْهِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ العَرَقِ. فنظر فإذا علی‌ّ علیه‌ السلام‌ إلی جنبه‌ فقال‌: مَا لَكَ لَمْ تَلْحَقْ بِبَنِي‌ أَبِيكَ! فقال‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌: يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَكُفْراً بَعْدَ الإسْلاَمِ ؟ إنَّ لِي‌ بِكَ أُسْوَةً ـ الحديث‌. [18]

 ونحن‌ نعلم‌ مقام‌ مولي‌ المتّقين‌ علیه‌ السلام‌ وعظمته‌ وإيثاره‌ وأُخوّته‌ وتضحيته‌ وسوابقه‌ المتألّقة‌، بَيدَ أنّ المكان‌ هنا هومكان‌ العزّة‌، ورسول‌ الله‌ في‌ مقام‌ الوحدة‌ المنيع‌ لا يستطيع‌ أن‌ يري‌ شخصاً آخراً غيره‌ حتّي‌ لو كان‌ علیاً. ولهذا قال‌: « ما لك‌ لم‌ تذهب‌ » ؟! إلاّ أن‌ يصير علی‌ٌّ هنا نفس‌ النبي‌ّ، وقد صار كذلك‌، وقال‌: أنا معك‌ ! « إنّ لي‌ بك‌ أُسوة‌ » !

 وينبغي‌ أن‌ يصدر مثل‌ هذا الخطاب‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وينبغي‌ أن‌ يُلقي‌ مثل‌ ذلك‌ الجواب‌ من‌ أمير الموحّدين‌، كخطاب‌ سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ أخاه‌ أبا الفضل‌ وأولاد عقيل‌ ليلة‌ عاشوراء.

 الخامسة‌: ذكر ابن‌ هـشـام‌ في‌ سـيرته‌ قائـلاً: لمّا رأي‌ رسـول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ جسد حمزة‌ وقد مُثِّل‌ به‌ قال‌: لَوْلاَ أَنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ، وَيَكُونَ سُنَّةَ مِنْ بَعْدِي‌، لَتَرَكْتُهُ حَتَّي‌ يَكُونَ فِي‌ بُطُونِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ. وَلَئِنْ أَظْهَرَنِي‌ اللَهُ عَلَی‌ قُرَيْشٍ فِي‌ مَوْطِنٍ مِنَ المَوَاطِنِ لاَمْثُلَنَّ بِثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ. [19]

 ونقل‌ ابن‌ هشام‌ عن‌ ابن‌ إسحاق‌ أنّ هذه‌ الآية‌ نزلت‌: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم‌ بِهِ وَلَنءِن‌ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّـ'بِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَیهِمْ وَلاَ تَكُ فِي‌ ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ. [20] و [21]

 الرجوع الي الفهرس

لا يقاوم‌ شي‌ء في‌ مقام‌ العِزّة‌ الربوبيّة‌

 ونلحظ‌ هنا أيضاً أنّ الله‌ جعل‌ نبيّه‌ في‌ ظلّ ذلّ العبوديّة‌ المحضة‌ وخاطبه‌ قائلاً: ليس‌ لك‌ أن‌ تحكم‌، فالحكم‌ للّه‌، وهو الذي‌ أمر أن‌ تكون‌ العقوبة‌ علی‌ قدر الجريمة‌، لا أكثر، وفي‌ الوقت‌ نفسه‌، فإنّ رفع‌ اليد عن‌ العقوبة‌ أفضل‌، وهو محمود دائماً عند المؤمنين‌ بالله‌.

 وهذه‌ الآية‌ قائمة‌ علی‌ أساس‌ قانون‌ العدالة‌، وقانون‌ الاخلاق‌ الكريمة‌ في‌ آن‌ واحد. وهذان‌ القانونان‌ كلاهما محمودان‌ ومرضيّان‌. وينبغي‌ أن‌ يتجلّيا في‌ نبي‌ّ الله‌ المتخلّق‌ بأخلاق‌ الله‌ من‌ طريق‌ أولي‌، كما ينبغي‌ أن‌ يعمل‌ بهما أفضل‌ من‌ غيره‌ وأكثر. فلهذا يصرّح‌ في‌ نطاق‌ عبوديّته‌ المطلقة‌ قائلاً: أصبر. وكان‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ يصـبر في‌ كلّ موطـن‌ وموضـع‌، ولم‌يمارس‌ أعماله‌ من‌ وحي‌ الثأر والانتقام‌، وكان‌ يتعامل‌ مع‌ الناس‌ كافّة‌ بالمواساة‌ والمساواة‌. صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیكَ يَا رَسُولَ اللَهِ !

 الرجوع الي الفهرس

صبر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وإحسانه‌

 وجاء في‌ كتب‌ التأريخ‌ جميعها أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: « لئن‌ أظهرني‌ الله‌ لامثلنّ بثلاثين‌ منهم‌ »، وانفرد صاحب‌ « روضة‌ الصفا » بقوله‌: بسبعين‌ منهم‌.

 ولعلّ درجة‌ الإحسان‌ تكون‌ من‌ نصيب‌ المؤمن‌ في‌ مثل‌ هذه‌ المواطن‌ من‌ الصبر والتحمّل‌، إذ قال‌ تعإلی بعد الآيتين‌ المذكورتين‌: إِنَّ اللَهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم‌ مُّحْسِنُونَ. [22]

 وفي‌ الخبر أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ سئل‌ عن‌ مقام‌ الإحسان‌، فقال‌ اعْبُدِ اللَهَ كَأَ نَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ !

 أجل‌، إنّ هدفنا من‌ الإسهاب‌ في‌ الحديث‌ عن‌ غزوة‌ أُحُد هنا عند شرحنا آية‌ الهداية‌: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن‌ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [23] هو أن‌ يعلم‌ الجميع‌ أنّ الفاتح‌ الوحيد والمتحمّس‌ الحميم‌ والمضحّي‌ المتفاني‌ والمولَع‌ برسول‌ الله‌ أي‌ّ ولع‌، والحامي‌ الفريد له‌، والذابّ الحقيقي‌ّ عن‌ الإسلام‌ والقرآن‌ هو أمير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌. وأنّ أبابكر، وعمر، وعثمان‌ كانوا من‌ الفارّين‌، وأنّ الآية‌ الكريمة‌: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ... أَفَإِين‌ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی‌'´ أَعْقَـ'بِكُمْ وَمَن‌ يَنقَلِبْ عَلَی‌' عَقِبَيْهِ فَلَن‌ يَضُرَّ اللَهَ شَيْـًا، نزلت‌ فيهم‌ وفي‌ أترابهم‌ ونظائرهم‌.

 وهؤلاء الذين‌ تحمّسوا من‌ أجل‌ الإسلام‌ بعد وفاة‌ النبي‌ّ ورفعوا عقيرتهم‌: وا إسلاماه‌ ! هم‌ الذين‌ تركوا النبي‌ّ وحده‌ بالامس‌، وأودعوه‌ بين‌ الحديد والنار بأيدي‌ المتهوّرين‌ من‌ مشركي‌ قريش‌، وأنقذوا أنفسهم‌ منهزمين‌ إلی الجبل‌، وكان‌ أحدهم‌ كالاُرْويّة‌ علی‌ حدّ تعبيره‌.

 وليس‌ اعتباطاً حين‌ يطلب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ كتفاً ودواةً ليُحْكِمَ أمر علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌، أن‌ ينسبه‌ عمر إلی الهَجْر والهذيان‌ والتخريف‌. وفي‌ الوقت‌ نفسه‌ يتلو رسول‌ الله‌ هذه‌ الآية‌ لفلذّة‌ كبده‌ فاطمة‌ الزهراء علیها السلام‌ ويقول‌ لها: بُنيّتي‌ فاطمة‌: اقرأي‌ هذه‌ الآية‌: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن‌ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ـ إلی آخر الآية‌.

 الرجوع الي الفهرس

اللحظات‌ الاخيره‌ من‌ عمر رسول‌ الله‌ ووصيّته‌ لفاطمة‌ علیها السلام‌

 قال‌ الشيخ‌ الكبير والمفسّر العظيم‌ أمين‌ الإسلام‌ أبو علی‌ّ الفضل‌بن‌ الحسن‌ الطبرسي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ صاحب‌ تفسير « مجمع‌ البيان‌ » في‌ كتابه‌ النفيس‌ الممتع‌ « إعلام‌ الوري‌ »: وضع‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ رأس‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ في‌ حجره‌، فأُغمي‌ علیه‌، وأكبّت‌ فاطمة‌ تنظر في‌ وجهه‌ وتندبه‌ وتبكي‌ وتقول‌:

 وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي‌ الغَمَامَ بِوَجْهِهِ                        ثِمَالُ اليَتَامَي‌ عِصْمَةٌ لِلاْرَامِلِ

 ففتـح‌ رسـول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ عينيه‌ وقال‌ بصـوت‌ ضـئيل‌: يَا بُنَيَّةُ ! هَذَا قَوْلُ عَمِّكِ أَبِي‌ طَالِبٍ، لاَ تَقُولِيهِ ! وَلَكِنْ قُولِي‌: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن‌ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين‌ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی‌'´ أَعْقَابِكُمْ».

 فبكت‌ طويلاً فأومأ إليها بالدنو منه‌. فدنت‌ إليه‌. فأسرّ إليها شيئاً تهلّل‌ له‌ وجهها. [24] ثمّ قضي‌ ويد أمير المؤمنين‌ اليمني‌ تحت‌ حنكه‌، ففاضت‌ نفسه‌ فيها فرفعها إلی وجهه‌ فمسحه‌ بها. ثمّ وجّهه‌ وغمّضه‌ ومدّ علیه‌ إزاره‌ واشتغل‌ بالنظر إلی أمره‌.

 فسئلت‌: ما الذي‌ قال‌ لك‌ رسول‌ الله‌ فسري‌ عنك‌ ؟! قالت‌: أخبرني‌ أ نّي‌ أوّل‌ أهل‌ بيته‌ لحوقاً به‌ وأ نّه‌ لن‌ تطول‌ المدّة‌ بي‌ بعده‌ حتّي‌ أدركه‌ فسري‌ ذلك‌ عنّي‌. [25]

 ومن‌ الواضح‌ هنا أنّ رسول‌ الله‌ لم‌ يُرِدْ أن‌ يمنع‌ فاطمة‌ من‌ حقيقة‌ ومفاد الشعر الرفيع‌ الذي‌ أنشده‌ أبو طالب‌ علیه‌ السلام‌. بل‌ أراد أن‌ يُشعرها بأنّ يوماً عصيباً ينتظرها، وأنّ الراجعين‌ عن‌ الإسلام‌ سوف‌ يقتلونها ويغصبون‌ حقّها وحقّ بعلها، وكلّهم‌ سيعودون‌ إلی البربريّة‌ والجاهليّة‌ حسب‌ هذه‌ الآية‌. وأ نّها وبعلها علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ من‌ الشاكرين‌، وأنّ ذيل‌ الآية‌: وَسَيَجْزِي‌ اللَهُ الشَّـ'كِرِينَ سيكون‌ لهما.

 كيف‌ يمكن‌ أن‌ نتصوّر أنّ رسول‌ الله‌ يمنع‌ بنته‌ من‌ شعر حاميه‌ ومعينه‌ وناصره‌ الوحيد في‌ مكّة‌ في‌ حين‌ أ نّه‌ عندما ذكر شعر أبي‌ طالب‌ سُرَّ سروراً بالغاً حتّي‌ ضحك‌ من‌ شدّة‌ السرور والفرح‌ ؟

 الرجوع الي الفهرس

شعر أبي‌ طالب‌ في‌ مدح‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌

 ذكر علی‌ّ بن‌ عيسي‌ الإربلي‌ّ في‌ باب‌ معجزات‌ رسول‌ الله‌ أنّ من‌ معجزاته‌ نزول‌ المطر بدعائه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وذلك‌ حين‌ شكا إليه‌ أهل‌ المدينة‌ فدعا الله‌، فمطروا حتّي‌ أشفقوا من‌ خراب‌ دورها فسألوه‌ في‌ كشفه‌، فقال‌: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَینَا. فَاسْتَدَارَ حَتَّي‌ صَارَ كَالإكْلِيلِ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي‌ المَدِينَةِ، والمَطَرُ يَجِي‌ءُ عَلَی‌ مَا حَوْلَهَا يَرَي‌ ذَلِكَ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ.

 فضحك‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وقال‌: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي‌ طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيَّاً قَرَّتْ عَيْنَاهُ. فقام‌ أمير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ وقال‌: يارسول‌الله‌ ! كأ نّك‌ تريد قوله‌:

 وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي‌ الغَمَامَ بِوَجْهِهِ                        ثِمَالُ اليَتَامَي‌ عِصْمَةٌ للاَرَامِلِ

 يَطُوفُ بِهِ الهُلاَّكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ                           فَهُمْ عِنْدَهُ فِي‌ نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ [26]

 وأخرج‌ البخاري‌ّ في‌ صحيحه‌ عن‌ عبدالله‌ بن‌ عمر قال‌: ربّما ذكرتُ قول‌ أبي‌ طالب‌ وأنا أنظر إلی وجه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ علی‌ المنبر يستسقي‌. فما ينزل‌ حتّي‌ يجيش‌ كلّ ميزاب‌:

 وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي‌ الغَمَامَ [27] بِوَجْهِهِ                    ثِمَالُ اليَتَامَي‌ عِصْمَةٌ لِلاَرَامِلِ[28]

 وروي‌ البيهقي‌ّ في‌ « دلائل‌ النبوّة‌ » عن‌ أنس‌ أنّ أعرابيّاً جاء فقال‌: يارسول‌الله‌ ! لقد أتيناك‌ مَا لَنَا بعيرٌ يَنَطُّ، [29] وَلاَ صَبِي‌ُّ يَصِيحُ. فصعد صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ المنبر ثمّ رفع‌ يديه‌ فقال‌: اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً، مَرِيَّاً مَرِيعاً، غَدَقاً طَبَقاً، عَاجِلاً غَيْرَ رَابِثٍ، [30] نَافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ ! فما ردّ يديه‌ في‌ نحره‌ حتّي‌ ألقت‌ السماء بأردافها، وجاؤوا يضجّون‌: الغَرَقَ الغَرَقَ.

 فضحك‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ حتّي‌ بدت‌ نواجذه‌، ثمّ قال‌: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي‌ طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيَّاً قَرَّتْ عَيْنَاهُ، مَنْ يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ؟ فقام‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ فقال‌: يا رسول‌ الله‌ ! كأ نّك‌ أردت‌ قوله‌:

 وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي‌ الغَمَامَ بِوَجْهِهِ                        ثِمَالُ اليَتَامَي‌ عِصْمَةٌ لِلاَرَامِلِ

 يَلُوذُ بِهِ الهُلاَّكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ                  فَهُمْ عِنْدَهُ فِي‌ نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ [31]

 وقال‌ السيوطي‌ّ أيضاً: هذا من‌ قصيدة‌ لابي‌ طالب‌ يمدح‌ بها النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ ويصف‌ تمالا قريش‌ علیه‌، وأوّلها:

 وَلَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لاَ وِدَّ فِيهِمُ                    وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرَي‌ وَالوَسَائِلِ

 إلی أن‌ قال‌:

 كَذَبْتُمْ وَبَيْتَ اللَهِ نُبْزِي‌ مُحَمَّداً                 وَلَمَّا نُطَاعِنْ حَوْلَهُ وَنُنَاضِلِ

 وَنُسْلِمُهُ حَتَّي‌ نُصَرَّعَ حَوْلَهُ                                 وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلاَئِلِ

 وقال‌:

 وَمَا تَرَكَ قَوْمٌ لاَ أَبَا لَكَ سَيِّداً                                يَحُوطُ الذِّمَارَ فِي‌ مِكَرٍّ وَنَائِلِ [32]

 وأضاف‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ بعد البيتين‌ اللذين‌ يبدآن‌ بقوله‌: وأبيض‌... ويلوذ به‌ الهلاّك‌... هذا البيت‌:

 وَمِيزَانُ عَدْلٍ لايخيسُ شَعِيرَةً                 وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ هَائِلِ [33]

 يستبين‌ من‌ هذه‌ المطالب‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ كان‌ يحبّ السيّد أبا طالب‌ حبّاً شديداً، وكان‌ يهتمّ بشعره‌ اهتماماً تامّاً، بَيدَ أ نّه‌ كان‌ يري‌ في‌ تلك‌ المرحلة‌ العصيبة‌ ـوهو علی‌ فراش‌ الموت‌ـ وقائع‌ مقلقة‌ إلی درجة‌ أنّ شعر أبي‌ طالب‌ يُنسي‌ معها. [34]

 هل‌ يمكن‌ أن‌ نتصوّر خطراً أكثر من‌ طعن‌ رسول‌ الله‌ بالهذيان‌ والتخريف‌ ؟ ومن‌ ثمّ عزل‌ ولي‌ّ الدين‌ الاعظم‌ علی‌ّ المرتضي‌ سيّد الوصيّين‌ أحد الثقلَين‌ عن‌ رئاسة‌ المسلمين‌ وزعامتهم‌ ؟ والتجرّؤ علی‌ ساحة‌ الرسول‌ الاكرم‌ بوصفه‌ بالهجر حين‌ طلب‌ كتفاً ودواة‌ ليُحكم‌ أمر علی‌ّ، ويعلن‌ للناس‌ وصايته‌ بتعلیمات‌ خطّيّة‌ مؤكّدة‌، ناهيك‌ عن‌ خطبه‌ وكلماته‌ التي‌ كان‌ يُدلي‌ بها ! وإثارة‌ الضجّة‌ برفع‌ الصوت‌ عالياً بكلمة‌: كَفَانَا كِتَابُ اللَهِ، وإكثار اللغط‌ والجَلَبة‌ والضوضاء ؟ وإيذاء رسول‌ الله‌ وإعناته‌، ليفارق‌ الدنيا مغموماً مهموماً حزيناً، بعد ثلاث‌ وعشرين‌ سنة‌ من‌ القيام‌ بمهمّة‌ النبوّة‌ ؟

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ قال‌ المستشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ كتاب‌ «الإمام‌ جعفر الصادق‌» ص‌ 21: وفي‌ يوم‌ الخندق‌ أزفت‌ الآزفة‌ حيث‌ تيمّم‌ المشركون‌ مكاناً ضيّقاً فاقتحموه‌ بخيلهم‌. فخرج‌ لهم‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ في‌ نفر من‌ المسلمين‌ حتّي‌ أُخذوا عليهم‌ الثغرة‌ التي‌ اقتحموا منها. وكان‌ عمرو بن‌ عبد ودّ ـفارس‌ العرب‌ـ يريد أن‌ يعرف‌ مكانه‌ يوم‌ الخندق‌. فنادي‌ من‌ فوق‌ الخيل‌: هل‌ من‌ مبارز ؟ فبرز له‌ علي‌ّ. قال‌ له‌ عمرو: ما أُحبّ أن‌ أقتلك‌ لما بيني‌ وبين‌ أبيك‌. وأصرّ علي‌ّ ونزل‌ عمرو عن‌ فرسه‌، وتجاولا. فما انجلي‌ النقع‌ حتّي‌ قتله‌ علي‌ّ. وفرّ أصحاب‌ الثغرة‌ بخيولهم‌ منهزمين‌.

[2] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 607 إلي‌ 609.

 وذكر الشيخ‌ المفيد في‌ «الإرشاد» ص‌ 82، الطبعة‌ الحجريّة‌، أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ لمّا حاصر الطائف‌ بعد فتح‌ مكّة‌، ودام‌ ذلك‌ الحصار أكثر من‌ عشرة‌ أيّام‌، أنفذ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ليكسر كلّ صنم‌ وجده‌. فكسر الاصنام‌ وعاد إلي‌ رسول‌الله‌. فلمّا رآه‌ كبّر للفتح‌ وأخذ بيده‌ فخلا به‌ وناجاه‌ طويلاً. فأتاه‌ عمر بن‌ الخطّاب‌، فقال‌: أَتُنَاجِيهِ دُونَنَا وَتَخْلُو بِهِ؟! فقال‌: يَا عُمَرُ ! مَا أَنَا انْتَجَيْتُهُ، بَلِ اللَهُ انْتَجَاهُ. فأعرض‌ عمر وهويقول‌: هَذَا كَمَا قُلْتَ لَنَا يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ: لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامِ إن‌ شَاءَ اللَهُ آمِنِينَ، فَلَمْ نَدْخُلُهُ وَصُدِدْنَا عَنْهُ. فَنَادَاهُ النَّبِي‌ُّ: لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنَّكُمْ تَدْخُلُونَهُ فِي‌ ذَلِكَ العَامِ. ووردت‌ في‌ ص‌ 527 من‌ كتاب‌ «غاية‌ المرام‌» ثمانية‌ أحاديث‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌، وثمانية‌ عشر حديثاً عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ في‌ مناجاة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

[3] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد ج‌ 15، ص‌ 25، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌؛ ذكر ابن‌ أبي‌ الحديد غزوة‌ أُحُد مفصّلاً في‌ الجزء المذكور، ص‌ 3 إلي‌ 60.

[4] ـ «الموطّأ» لمالك‌، تحقيق‌ وتعليق‌ محمّد فؤاد عبدالباقي‌، ج‌ 2، ص‌ 461، و 462، كتاب‌ الجهاد، باب‌ الشهداء في‌ سبيل‌ الله‌ ؛ وكتاب‌ «تنوير الحوالك‌» للسيوطي‌ّ، في‌ شرح‌ موطّأ مالك‌، الكتاب‌ والباب‌ أنفسهما، ص‌ 18، أصل‌ الحديث‌ في‌ صدر الصفحة‌، وشرحه‌ وتفسيره‌ في‌ ذيلها.

 وذكـر محمّد بن‌ عمر الواقـدي‌ّ المتـوفّـي‌ سـنة‌ 207 فـي‌ كتاب‌ «المغـازي‌» ج‌ 1، ص‌ 310، مثل‌ هذا الحديث‌ مع‌ زيادة‌ ؛ قال‌: وكان‌ طلحة‌ بن‌ عبيد الله‌، وابن‌ عبّاس‌، وجابربن‌ عبدالله‌ يقولون‌: صلّي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ علي‌ قتلي‌ أُحُد وقال‌: أَنَا عَلَي‌ هَؤلاَء شَهِيدٌ. فقال‌ أبو بكر: يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَلَيْسُوا إِخْوَانَنَا، أَسْلَمُوا كَمَا أَسْلَمْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا ؟ قَالَ: بَلَي‌، وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَلاَ أَدْرِي‌ مَا تُحِدْثُونَ بَعْدِي‌؟! فَبَكَي‌ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ ؟!

 وذكر الواقدي‌ّ أيضاً في‌ كتابه‌ المشار إليه‌، ص‌ 309، أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌ في‌ حمزة‌ وسائر شهداء أُحُد: أَنَا الشَّهِيدُ عَلَي‌ هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

 وأورد المولي‌ علي‌ المتّقي‌ في‌ «كنز العمّال‌» ج‌ 11، ص‌ 179، طبعة‌ بيروت‌، حديثاً مماثلاً لهذا الحديث‌ ورقمه‌ 31122، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُـورِ ! لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَهُ مِنْهُ مِمِّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ ! هَؤُلاَءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ، إنَّ هَؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً وَخَرَجُوا وَأَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، وَإنَّكُمْ مَنْ أَكَلْتُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ وَلاَ أَدْرِي‌ مَا تُحْدِثُونَ مِنْ بَعْدِي‌. (ابن‌ المبارك‌، عن‌ الحسن‌ مرسلاً).

[5] ـ «المؤطّأ» لمالك‌، تحقيق‌ محمّد فؤاد عبد الباقي‌، ج‌ 2، ص‌ 461.

[6] ـ «تنوير الحوالك‌» ج‌ 2، ص‌ 18.

[7] ـ روي‌ الشيخ‌ المفيد في‌ أماليه‌، ص‌ 37 و 38، طبعة‌ جماعة‌ المدرّسين‌، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ ابن‌ أبي‌ مليكة‌، عن‌ عائشة‌ قالت‌: سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يقول‌: إنِّي‌ عَلَي‌ الحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَي‌َّ مِنْكُمْ وَلَيُقْطَعَنَّ بِرِجَالٍ دُونِي‌، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي‌ أَصْحَابِي‌، فَيُقَالُ: إنَّـكَ لاَ تَـدْرِي‌ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ! إنَّهُمْ مَا زَالُـوا يَرْجِعُـونَ عَلَي‌ أعْقَابِهِم‌ القَهْقَرَي‌.

 قال‌ في‌ التعليقة‌: قال‌ المجلسي‌ّ: اعلم‌ أنّ أكثر العامّة‌ علي‌ أنّ الصحابة‌ كلّهم‌ عدول‌، وقيل‌: هم‌ كغيرهم‌ مطلقاً. قيل‌: هم‌ كغيرهم‌ إلي‌ حين‌ ظهور الفتن‌ بين‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌ ومعاوية‌. وأمّا بعدها فلا يقبل‌ الداخلون‌ فيها مطلقاً.

 وقالت‌ المعتزلة‌: هم‌ عدول‌ إلاّ مَنْ عُلِمَ أ نّه‌ قاتل‌ عليّاً عليه‌ السلام‌ فإنّه‌ مردود.

 وذهبت‌ الإماميّة‌ إلي‌ أ نّهم‌ كسائر الناس‌ من‌ أنّ فيهم‌ العادل‌،وفيهم‌المنافق‌ والفاسق‌ والضالّ، بل‌ كان‌ أكثرهم‌ كذلك‌ ! ولا أظنّك‌ ترتاب‌ بعد ملاحظة‌ تلك‌ الاخبار المأثورة‌ من‌ الجانِبَيْنِ المتواترة‌ بالمعني‌ في‌ صحّة‌ هذا القول‌ـ انتهي‌ كلام‌ المجلسي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌.

 وذكر الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ في‌ «الشيعة‌ والتشيّع‌» ص‌ 13، أ نّه‌ جاء في‌ الحديث‌ النبوي‌ّ أنّ مُحَمَّداً يَرَي‌ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ أُمَّتِهِ تَدْخُلُ النَّارَ. وَحِينَ يَسْأَلُ عَنِ السَّبَبِ يُقَالُ لَهُ: إنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَي‌ أَدْبَارِهِمُ القَهْقَرَي‌ («كتاب‌ الجمع‌ بين‌ الصحيحين‌» الحديث‌ 267 ).

 وورد في‌ «صحيح‌ البخاري‌ّ» ج‌ 4، ص‌ 144. وفي‌ ج‌ 8، ص‌ 151، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌ لاصحابه‌. سَتَّتَبِعُونَ سُنَنَ مَن‌ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّي‌ لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ! قَالُوا: أَتَرَاهُمُ الَيَهُودَ وَالنَّصَارَي‌ ؟! قَالَ: فَمَنْ إذَنْ؟

 وجاء في‌ «صحيح‌ البخاري‌» ج‌ 7، ص‌ 209: و«صحيح‌ مسلم‌» في‌ باب‌ الحوض‌، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: يُؤْتَي‌ بِأَصْحَابِي‌ يَوْمَ القِيَامَةِ إلَي‌ ذَاتِ الشِّمَالِ. فَأَقُولُ: إلَي‌ أَيْنَ ؟ فَيُقَال‌: إلَي‌ النَّارِ وَاللَهِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ هَؤُلاَءِ أَصْحَابِي‌ ! فَيُقَالُ: إنَّكَ لاَ تَدْرِي‌ مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ! فَأَقُولُ: سَحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي‌ وَلاَ أَرَاهُ يَخْلَصُ مِنْهُمْ إلاَّ مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ.

 وفي‌ «سنن‌ الترمذي‌» كتاب‌ الإيمان‌ ؛ و«سند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌ 3، ص‌ 120 ؛ و«سنن‌ ابن‌ ماجه‌» كتاب‌ الفتن‌، ج‌ 2، الحديث‌ 3993، أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي‌ إلَي‌ ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ، كُلُّهَا فِي‌ النَّارِ إلاَّ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ.

[8] ـ يلاحظ‌ في‌ كتب‌ العامّة‌ كثيراً أنّ الشيخين‌ كانا حاضرين‌ في‌ بيعة‌ الرضوان‌، وقد وعدا برضا الله‌ تعالي‌، إذ قال‌: رضي‌ الله‌ عن‌ المؤمنين‌، فهما ـ إذن‌ ـ من‌ أهل‌ الجنّة‌. ولقد تحدّثنا عن‌ هذا الموضوع‌ مفصّلاً وقلنا:

 أوّلاً: إنّ الرضا هنا مؤقّت‌ حسب‌ ما يستدعيه‌ الحال‌، وما تستلزمه‌ الجنّة‌ هو عدم‌ العدول‌، والرضا الدائم‌، وهذا ما لا ينسجم‌ مع‌ الانحراف‌ وارتكاب‌ الإثم‌ والتلوّث‌ بعد البيعة‌.

 ثانياً: أُثر حديث‌ نبوي‌ّ شريف‌ في‌ الجزء العاشر من‌ كتابنا هذا، الدرس‌ 142، إلي‌ 148، عن‌ «المستدرك‌» للحاكم‌ وفيه‌ أنّ الرسول‌ الاكرم‌ قال‌ لعمر: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ؛ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وهذا ما يمنع‌ من‌ كونهم‌ من‌ أهل‌ الجنّة‌.

 ونقول‌ هنا: أجمعت‌ الشيعة‌ والسنّة‌ علي‌ أنّ رأس‌ المنافقين‌ والجاحدين‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ من‌ أهل‌ جهنّم‌، في‌ حين‌ أ نّه‌ شهد بيعة‌ الرضوان‌ وبايع‌ رسول‌ الله‌. فلو كانت‌ البيعة‌ في‌ الحديبيّة‌ تحت‌ الشجرة‌ وحدها كافية‌ لضمان‌ الجنّة‌، لكان‌ المذكور من‌ أهل‌ الجنّة‌ أيضاً.

 وقال‌ آية‌ الله‌ السيّد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌ العاملي‌ّ في‌ كتاب‌ «النصّ والاجتهاد» ص‌ 153، الطبعة‌ الثانية‌، في‌ المتن‌ والتعليقة‌: خرج‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ المدينة‌ مستهلّ ذي‌ القعدة‌ سنة‌ ستّة‌ للهجرة‌ يريد العمرة‌... فاستنفر الناس‌ إلي‌ العمرة‌ معه‌، فلبّاه‌ من‌المهاجرين‌ والانصار وغيرهم‌ من‌الاعراب‌ ألف‌وأربعمائة‌ رجل‌.وكان‌ ممّن‌ خرج‌ معه‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌، وعبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ بن‌ سلّول‌ وبايعاه‌ تحت‌ الشجرة‌.

 وقال‌ في‌ ص‌ 156: ثمّ أخذ منهم‌ البيعة‌ فبايعوه‌ بأجمعهم‌ علي‌ الموت‌ في‌ نصرته‌، وكانوا ألفاً وأربعمائة‌ رجل‌ فيهم‌ كهف‌ المنافقين‌ ابن‌ سلّول‌، لم‌ يتخلّف‌ منهم‌ عن‌ هذه‌ البيعة‌ إلاّ رجل‌ يدعي‌ الجدّ بن‌ قيس‌ الانصاري‌ّ.

[9] ـ قال‌ العالم‌ المصري‌ّ الخبير المتضلّع‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كتابه‌ القيِّم‌: «أضواء علي‌ السنّة‌ المحمّديّة‌» ص‌ 295 و 296، الطبعة‌ الثانية‌، في‌ المتن‌ والتعليقة‌: قال‌ الشافعي‌ّ: أصحّ الكتب‌ بعد كتاب‌ الله‌ موطّأ مالك‌. وقال‌ الدهلوي‌ّ في‌ «حجّة‌ الله‌ البالغة‌»: إنّ الطبعة‌ الاُولي‌ من‌ كتب‌ الحديث‌ منحصرة‌ بالاستقراء في‌ ثلاثة‌ كتب‌: «الموطّأ» و«صحيح‌ البخاري‌ّ» و«صحيح‌ مسلم‌»، والثانية‌: كتب‌ لم‌ تبلغ‌ مبلغ‌ «الموطأ» والصحيحين‌ ولكنّها تتلوها، «سنن‌ أبي‌ داود» و«الترمذي‌ّ» و«النسائي‌ّ»، والثالثة‌: مسانيد ومصنّفات‌ صنّفت‌ قبل‌ البخاري‌ّ ومسلم‌، وفي‌ زمانهما وبعدهما ـجمعت‌ بين‌ الصحيح‌، والحسن‌، والضعيف‌، والمعروف‌، والغريب‌، والشاذّ، والمنكر، والخطأ، والصواب‌، والثابت‌، والمقلوب‌ـ وعلي‌ الطبقة‌ الثانية‌ اعتماد المحدّثين‌. ونقل‌ السيوطي‌ّ في‌ «تنوير الحوالك‌» عن‌ القاضي‌ أبي‌ بكربن‌ العربي‌ّ أنّ «الموطّأ» هوالاصل‌ الاوّل‌، و«البخاري‌ّ» هوالاصل‌ الثاني‌. وأنّ مالكاً روي‌ مائة‌ ألف‌ حديث‌ اختار منها في‌ «الموطّأ» عشرة‌ آلاف‌، ثمّ لم‌ يزل‌ يعرضها علي‌ الكتاب‌ والسنّة‌ (أي‌: السنّة‌ العمليّة‌) حتّي‌ رجعت‌ إلي‌ خمسمائة‌ حديث‌، أي‌: الحديث‌ المسند *، ورواية‌ ابن‌ الهباب‌: ثمّ لم‌ يزل‌ يعرضه‌ علي‌ الكتاب‌ والسنّة‌ ويختبرها بالآثار والاخبار حتّي‌ رجعت‌ إلي‌ 500 حديث‌. ووردت‌ هناك‌ روايات‌ أُخري‌ منها: «ما علي‌ ظهر الارض‌ كتاب‌ بعد كتاب‌ الله‌ أصحّ من‌ كتاب‌ مالك‌»،و«لا أعلم‌ كتاباً في‌ العلم‌ أكثر صواباً من‌ كتاب‌ مالك‌»،«ما علي‌ الارض‌ كتاب‌ هو أقـرب‌ إلي‌ القرآن‌ من‌ كتاب‌ مالـك‌»، و«ما بعد كتاب‌ الله‌ أنفـع‌ من‌ الموطـأ». وأطلق‌ جماعة‌ علي‌ «الموطّأ» اسم‌ الصحيح‌.

 * ـ الحديث‌ المسند هوالحديث‌ الذي‌ رفعه‌ الصحابي‌ّ بسنده‌ إلي‌ الرسول‌ الاكرم‌. وهو ظاهر الاتّصال‌. والمُرسل‌ ما سقط‌ من‌ سنده‌ الصحابي‌ّ بأن‌ يرويه‌ التابعي‌ّ عن‌ رسول‌الله‌ مباشرة‌. والموقوف‌ ما أُضيف‌ إلي‌ الصحابي‌ّ قولاً أو فعلاً أو نحوه‌ متّصلاً كان‌ أو منقطعاً. والمرفوع‌ هو ما أخبر فيه‌ الصحابي‌ّ عن‌ رسول‌ الله‌. (الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ رحمه‌ الله‌).

[10] ـ حرف‌ الذال‌، ص‌ 86، العمود الثالث‌.

[11] ـ ذكر ابن‌ أبي‌ الحديد غزوة‌ أُحُد مفصّلاً في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 15، ص‌ 3 إلي‌ 60، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[12] ـ «روضة‌ الصفا» ميرخواند، ج‌ 2، الطبعة‌ الحجريّة‌. وقال‌ القمّي‌ّ في‌ «سفينة‌ البحار» ج‌ 1، ص‌ 412: قال‌ القاضي‌ عياض‌ في‌ «الشفاء»: وروي‌ أ نّه‌ لمّا كسرت‌ رباعيّته‌ وشجّ وجهه‌ يوم‌ أُحُد، شقّ ذلك‌ علي‌ أصحابه‌ شديداً وقالوا: لو دعوتَ عليهم‌ ! فقال‌: إنّي‌ لم‌أُبعث‌ لعّاناً ولكنّي‌ بُعِثتُ داعياً ورحمة‌. اللهمّ اهد قومي‌ فإنّهم‌ لايعلمون‌.

 ثمّ قال‌ القاضي‌ بعد رواية‌ أُخري‌ قريبة‌ من‌ ذلك‌: انظر ما في‌ هذا القول‌ من‌ جماع‌ الفضل‌ ودرجات‌ الإحسان‌ وحسن‌ الخُلق‌ وكرم‌ النفس‌ وغاية‌ الصبر والحلم‌، إذ لم‌يقتصر صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ علي‌ السكوت‌ عنهم‌ حتّي‌ عفي‌ عنهم‌ ثمّ أشفق‌ عليهم‌ ورحمهم‌ ودعا وشفّع‌ لهم‌، فقال‌: اللهمّ اغفر أو اهدِ، ثمّ أظهر بسبب‌ الشفقة‌ والرحمة‌ بقوله‌: لقومي‌، ثمّ اعتذر عنهم‌ بجهلهم‌، فقال‌: فإنّهم‌ لايعلمون‌.

 أقول‌: ما أجمل‌ ما أنشده‌ الشاعر الفارسي‌ّ في‌ وصفه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌:

 اي‌ قمر طلعت‌ ومكّي‌ مطلع‌                       مَدَني‌ مهد ويماني‌ برقع‌

 شقّة‌ برقع‌ توبرق‌ افروز                              لمعة‌ نور رُخت‌ برقع‌ سوز

 ليلة‌ القدر ز مويت‌ ثاري                              ‌ وحي‌ منزل‌ ز لبت‌ گفتاري‌

 با توآنان‌ كه‌ در جنگ‌ زدند                            دُرّ دندان‌ تورا سنگ‌ زدند

 گوهرين‌ جام‌ لبت‌ را خستند                       ساغر دولت‌ خود بشكستند

 دُر دندانت‌ به‌ خون‌ پنهان‌ شد                      رشتة‌ لؤلوتومرجان‌ شد

 گوئيا صيرفي‌ مُلك‌ ومَلَك‌                            زد از آن‌ سنگ‌ زرت‌ را به‌ محك‌

 لا جرم‌ حُقّه‌ات‌ از ضربت‌ سنگ‌                   اهد قومي‌ به‌ برون‌ داد آهنگ‌

 يقول‌: «يا قمر الطلعة‌ ويا مكّي‌ّ المطلع‌، يا مدني‌ّ المهد ويا يماني‌ّ البرقع‌.

 إنّ قطعة‌ برقعك‌ تضي‌ء البرق‌، وإنّ تأ لّق‌ نور وجهك‌ يُحرق‌ البرقع‌.

 إنّ ليلة‌ القدر شعرة‌ واحدة‌ منك‌، وإنّ الوحي‌ المنزل‌ كلام‌ من‌ شفتك‌.

 إنّ الذين‌ طرقوا عليك‌ باب‌ القتال‌، وحَصَبوا درّ أسنانك‌.

 وجرحوا شفتك‌ التي‌ هي‌ كالجوهرة‌، إنّما كسروا كأس‌ حظّهم‌.

 لقد اختفي‌ درّ أسنانك‌ بالدم‌، وصارت‌ أسنانك‌ مرجاناً.

 كأنّ صيرفي‌ّ المُلك‌ والمَلَك‌ (الله‌ تعالي‌) أراد أن‌ يضع‌ حجر ذهبك‌ علي‌ المحك‌ (أراد اختبارك‌).

 لا جَرَم‌ أنّ ما نطق‌ به‌ فمك‌ وما ردّدته‌ نغمة‌ صوتك‌ بعد ضربك‌ بالحجر هودعاؤك‌: اللهمّ اهدِ قومي‌ إنّهم‌ لايعلمون‌».

[13] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 15، ص‌ 5، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[14] ـ العاثور حفرة‌ تُحفر للاسد. ويعني‌ البئر أيضاً. جمعه‌ عواثر وعواثير.

[15] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 15، ص‌ 17 و 18، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[16] ـ الآية‌ 128، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[17] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 15، ص‌ 4. وذكـره‌ أيضـاً ابن‌ هـشـام‌ في‌ سـيرته‌ ج‌ 3، ص‌ 597، وميرخواند في‌ «روضة‌ الصفا» ج‌ 2 من‌ الطبعة‌ الحجريّة‌، والطبري‌ّ في‌ تاريخه‌، طبعة‌ دار المعارف‌، مصر، ج‌ 2، ص‌ 515. وقال‌ الواقدي‌ّ في‌ مغازيه‌، ج‌ 1، ص‌ 320 بعد ذكر هذه‌ الآية‌ المباركة‌ عند تفسير قوله‌: فَإِنَّهُمْ ظَـ'لِمُونَ: يعني‌ الذين‌ انهزموا يوم‌ أُحُد.

[18] ـ «إعلام‌ الوري‌ بأعلام‌ الهدي‌» ص‌ 91.

[19] ـ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 3، ص‌ 610 و 611.وذكر الطبري‌ّ في‌ تاريخه‌،ج‌ 2، ص‌ 529، طبعة‌ دار المعارف‌، مصـر: كانت‌ صـفيّة‌ أُخـت‌ حمـزة‌ لابيه‌ وأُمّه‌. وقال‌ رسـول‌ الله‌ لابنها الزبيربن‌ العوّام‌: ألقها فأرجعها، لا تري‌ ما بأخيها. فلقيها الزبير وأبلغها. فقالت‌: لِمَ أرجع‌! وذلك‌ في‌ الله‌ قليل‌. فما أرضانا بما كان‌ من‌ ذلك‌ ! لاحتسبنّ ولاصبرنّ إن‌ شاء الله‌.

[20] ـ الآيتان‌ 126 و 127، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[21] ـ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 3، ص‌ 611.

[22] ـ الآية‌ 128، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[23] ـ الآية‌ 144، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[24] ـ روي‌ البخاري‌ّ في‌ صحيحه‌، ج‌ 6، ص‌ 10، طبعة‌ بولاق‌، باب‌ مرض‌ النبي‌ّ من‌ كتاب‌ النبي‌ّ بسنده‌ عن‌ عائشة‌ قالت‌: دعا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ فاطمة‌ عليها السلام‌ في‌ شكواه‌ الذي‌ قبض‌ فيه‌، فسارّها بشي‌ء فبكت‌. ثمّ دعاها فسارّها بشي‌ء فضحكت‌. فسألنا عن‌ ذلك‌، فقالت‌: سارّني‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نّه‌ يُقبض‌ في‌ وجعه‌ الذي‌ توفّي‌ فيه‌ فبكيت‌. ثمّ سارّني‌ فأخبرني‌ أ نّي‌ أوّل‌ أهله‌ يتبعه‌ فضحكتُ.

[25] ـ «إعلام‌ الوري‌ بأعلام‌ الهدي‌» ص‌ 143. وذكرها الشيخ‌ المفيد أيضاً في‌ «الإرشاد» ص‌ 173، طبعة‌ إسلاميّة‌ الحديثة‌ سنة‌ 1364 ه. ش‌. وروي‌ ابن‌ سعد في‌ طبقاته‌، ج‌ 2، ص‌ 193، بسنده‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أ نّه‌ لمّا نزلت‌ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ فاطمة‌ فقال‌: إنّي‌ نُعِيَتْ إِلَي‌َّ نفسي‌. قالت‌: فبكيتُ. فقال‌: لاتبكِ فإنّكِ أوّل‌ أهلي‌ بي‌ لحوقاً فضحكتُ. وقال‌ رسول‌ الله‌ «إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ» وجاء أهل‌ اليمن‌ وهم‌ أرقّ أفئدة‌ والإيمان‌ يُمَان‌، والحكمة‌ يمانيّة‌. (فاستعدّ للارتحال‌ إلي‌ ربّك‌ بالحمد والتسبيح‌ والثناء، فهو التوّاب‌ الغفّار).

[26] ـ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 9، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[27] ـ قال‌ في‌ «جامع‌ الشواهد»: الغمام‌ منصوب‌ بنزع‌ الخافض‌. يعني‌: من‌ الغَمام‌ـ انتهي‌. فيكون‌ قوله‌: «بوجهه‌» نائب‌ فاعل‌ للفعل‌ المجهول‌: يُسْتَسْقَي‌.

[28] ـ «شرح‌ شواهد المغني‌» لجلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 398. علماً أنّ ابن‌ هشام‌ صاحب‌ كتاب‌ «مغني‌ اللبيب‌» ذكر هذا البيت‌ في‌ مُغنيه‌،الباب‌ الاوّل‌،حرف‌ (رُبَّ) وقال‌: قوله‌: «وأبيض‌» مجرور برُبّ المحذوفة‌،أي‌،وربّ أبيض‌،وربّ هنا للتقليل‌.وعلي‌ هذا النهج‌ ذكر «جامع‌ الشواهد» هذا البيت‌ مع‌ البيتين‌ الآخرين‌. أمّا السيوطي‌ّ فقد قال‌ في‌ «شرح‌ شواهد المغني‌»: «أبيض‌» منصوب‌ بالعطف‌ علي‌ قوله‌: «سيّداً» لا مجروراً بواو رُبّ (والواو واو العطف‌ لا واو رُبّ). وممّن‌ نبّه‌ علي‌ ذلك‌ الدماميني‌ّ ثمّ ابن‌ حجر في‌ «شرح‌ البخاري‌ّ» انتهي‌.أقول‌: يتمّ هذا الكلام‌إذا كان‌ «سيّداً» في‌البيت‌ السابق‌ للبيت‌ الذي‌فيه‌ قوله‌:«وأبيض‌» وأمّا علي‌ فرض‌ بعديّته‌، فلا يتمّ كما يستبين‌ ذلك‌ من‌ كلام‌ السيوطي‌ّ.

[29] ـ في‌ «الامالي‌» للمفيد: يئطّ. وأَطَّ الإبل‌: حنَّت‌.

[30] ـ وفيه‌ أيضاً: غير رائث‌، وراث‌: أبطأ.

[31] ـ «شرح‌ شواهد المغني‌» للسيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 398.

[32] ـ «شرح‌ شواهد المغني‌» للسيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 395 إلي‌ 398.

[33] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 346، عن‌ «شرح‌ صحيح‌ البخاري‌ّ» للقسطلاني‌، ج‌ 2، ص‌ 227 ؛ و«المواهب‌ اللدنّيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 48 ؛ و«الخصائص‌ الكبري‌» ج‌ 1، ص‌ 86 و 124 ؛ و«شرح‌ بهجة‌ المحافل‌» ج‌ 1، ص‌ 119 ؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 125 ؛ و«السيرة‌ النبويّة‌» لزيني‌ دحلان‌ في‌ حاشية‌ «الحلبيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 87 ؛ و«طلبة‌ الطالب‌» ص‌ 42.

[34] ـ كان‌ الدليل‌ الواضح‌ علي‌ أنّ قصد الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ عدم‌ قراءة‌ شعر أبي‌ طالب‌، وتلاوته‌ هذه‌ الآية‌، لفت‌ أنظار المسلمين‌ إلي‌ ارتداد وكفر طلاّب‌ السلطة‌ من‌ الصحابة‌. فقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ الكثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ في‌ مقام‌ وشأن‌ وعظمة‌ النبي‌ّ والمؤمنين‌ الحقيقيّين‌، كالآية‌ 29 من‌ السورة‌ 48: الفتح‌: مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ و´ أَشِدَّآءُ عَلَي‌ الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَب'هُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَهِ وَرِضْوَ ' نًا سِيمَاهُمْ فِي‌ وُجُوهِهِم‌ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ... إلي‌ آخر الآية‌. والآية‌ 2 من‌ السورة‌ 47: محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَي‌' مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن‌ رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُـمْ سَـيِّـَاتِهِمْ وَأَصْـلَحَ بَالَهُمْ. وحينئـذٍ ما هو الداعي‌ لرسـول‌ الله‌ أن‌ يغـضّ الطرف‌ عن‌ تلاوة‌ هذه‌ الآيات‌، ويقرأ آية‌ تدلّ علي‌ ارتداد الصحابة‌ وكفرهم‌ بعد وفاته‌؟

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com