بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السابع / القسم العاشر:المعنی الصحیح للمولی فی حدیث الغدیر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كلام‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ معني‌ المَوْلَي‌ عند ردّه‌ علی الفخر الرازي‌ّ

 وبعد أن‌ عرض‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ أكثر ما ذكرناه‌ هنا عن‌ الفخر الرازي‌ّ، نقل‌ كلاماً له‌ عن‌ كتاب‌ « نهاية‌ العقول‌ »، قال‌ فيه‌: إنّ تصرّف‌ الواضع‌ في‌ الالفاظ‌ والكلمات‌ ليس‌ إلاّ في‌ وضع‌ الالفاظ‌ المفردة‌ لافي‌ وضع‌ الجمل‌ التركيبيّة‌؛ مثلاً، وضع‌ لفظ‌ الإنسان لمعني‌ منظور، ولفظ‌ الحيوان‌ لمعني‌ منظور آخر. فإذا نسبنا الحيوان‌ إلی‌ الإنسان وقلنا: الإنسانُ حَيْوَانٌ فهذه‌ النسبة‌ ليست‌ متعلّقة‌ بالوضع‌ بل‌ هي‌ أمر عقلي‌ّ. لذلك‌ لو كان‌ للفظة‌ المَوْلَي‌، ولفظة‌ الاولي‌ معني‌ واحد من‌ غير زيادة‌ ولا نقصان‌، لاستطعنا أن‌ نضع‌ أحدهما مكان‌ الآخر في‌ تركيبات‌ الكلام‌. لانـّنا علمنا أنّ النسبة‌ غيرمتعلّقة‌ بالوضع‌، بل‌ الكلمات‌ المفردة‌ وحدها تتعلّق‌ بالوضع‌. ولمّا كنّا لانستطيع‌ أن‌ نضع‌ لفظة‌ المَوْلَي‌ بدلاً عن‌ الاولي‌ أو العكس‌، فلهذا ينبغي‌ أن‌ نقول‌: المَوْلَي‌ والاولَي‌ لهما معنيان‌ مختلفان‌.[1]

 وقال‌ أيضاً: وللرازي‌ّ كلمة‌ أُخري‌ صعّد فيها وصوّب‌ في‌ كتابه‌ « نهاية‌ العقول‌ »، قال‌: إنّ أحداً من‌ أئمّة‌ النحو واللغة‌ لم‌ يذكر مجي‌ء مَفْعَل‌ الموضوع‌ للزمان‌، أو المكان‌، أو الحدثان‌ بمعني‌ أفْعَل‌ الموضوع‌ لإفادة‌ التفضيل‌.

 وتبعه‌ القاضي‌ عَضُد الإيجي‌ّ في‌ «المَوَاقف‌»، و شَاه‌ صَاحِب‌ الهندي‌ّ في‌ «التُّحْفَة‌ الاثنا عَشَريّة‌»، و الكَابُلي‌ّ في‌ «الصَواقِع‌»، و عَبْدُ الحَقِّ الدهْلَوي‌ّ في‌ «اللَّمَعات‌»، و القاضي‌ سَناءُ اللَهِ الباني‌ّ پِتي‌ في‌ «السَّيْف‌ المَسْلُول‌». وفيهم‌ من‌ بالغ‌ في‌ إنكار مجي‌ء صيغة‌ مَفْعَل‌ بدل‌ أفْعَل‌ حتّي‌ أسند ذلك‌ إلی‌ إنكار أهل‌ العربيّة‌.

 إنّ أساس‌ هذه‌ الشبهة‌ من‌ الرازي‌ّ الذي‌ ذكرها في‌ كتبه‌ ولم‌يسندها إلی‌ غيره‌. وقلّده‌ أُولئك‌ تقليداً أعمي‌ حيثما وجدوا طعناً في‌ دلالة‌ الحديث‌ علی ما ترتأيه‌ الإماميّة‌.

 وبناءً علی هذا الاصل‌، قال‌ شَاه‌ وَلي‌ُّ الله‌ صَاحِب‌ الهندي‌ّ في‌ «التُّحْفَة‌ الاثنا عَشَريّة‌»: لاتتمّ دلالة‌ حديث‌ الغدير علی الإمامة إلاّ إذا جاء المَوْلَي‌ بمعني‌ الوَلِي‌، بينما لم‌ تأتِ صيغة‌ مَفْعَل‌ بمعني‌ فَعِيل‌.

 فهو يريد دحض‌ ما نصّ به‌ أهل‌ اللغة‌ علی مجي‌ء المولي‌ بمعني‌ الولي‌ّ، ونحن‌ نعلم‌ أنّ المَوْلَي‌ بمعني‌ وَلِي‌ّ الامْر قد استعمل‌ في‌ اللغة‌ والمحاورات‌ كثيراً إذ يراد به‌ ولي‌ّ المرأة‌، وولي‌ّ إلیتيم‌؛ وولي‌ّ العبد، وولاية‌ السلطان‌، وولي‌ّ العهد، وأمثال‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

استدلال‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی أنّ معني‌ المَوْلَي‌ هو الاَوْلَي‌

 لقد تصدّي‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ لدحض‌ شبهات‌ الرازي‌ّ بكلّ إصرار، وكان‌ في‌ صدد إرجاع‌ المعني‌ الحقيقي‌ّ والاصلي‌ّ لكلمة‌ المَوْلَي‌ إلی‌ الاوْلَي‌ بِالشَّي‌ء. فهو يقول‌: العجب‌ كلّ العجب‌ أن‌ يعزب‌ عن‌ الرازي‌ّ اختلاف‌ الاحوال‌ في‌ المشتقّات‌ لزوماً وتعدية‌ بحسب‌ صيغها المختلفة‌. إنّ اتّحاد المعني‌ أو الترادف‌ بين‌ الالفاظ‌ إنّما يقع‌ في‌ جوهريّات‌ المعاني‌ لاعوارضها الحادثة‌ من‌ أنحاء التركيب‌ وتصاريف‌ الالفاظ‌ وصيغها. فالاختلاف‌ الحاصل‌ بين‌ كلمة‌ المَوْلَي‌، وكلمة‌ الاولَي‌ بلزوم‌ مصاحبة‌ الثاني‌ للباء فنقول‌: الاولَي‌ به‌؛ والاوّل‌ متجرّد عن‌ الباء فنقول‌: المَوْلَي‌. وهذا إنّما حصل‌ من‌ ناحية‌ صيغة‌ أفْعَل‌ من‌ هذه‌ المادّة‌؛ كما أنّ مصاحبة‌ مِن‌ هي‌ مقتضي‌ تلك‌ الصيغة‌ ونقول‌: أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ فُلاَن‌. إذَنْ فمفاد فُلاَن‌ أَوْلَي‌ بِفُلاَن‌ و فُلاَنٌ مَوْلَي‌ فُلاَن‌ واحد. حيث‌ يراد به‌ الاولي‌ به‌ من‌ غيره‌.

 كما أنّ صيغة‌ أَفْعَل‌ بنفسه‌ يستعمل‌ مضافاً إلی‌ المثنّي‌ والجمع‌ أو ضميرهما بغير أداة‌، فنقول‌: زَيْدٌ أفْضَلُ الرَّجُلَيْنِ وَأفْضَلُهُمَا؛ وَأَفْضَلُ القَوْمِ وَأَفْضَلُهُمْ. ولا يستعمل‌ كذلك‌ إذا كان‌ ما بعده‌ مفرداً؛ فلايقال‌: زَيْدٌ أفْضَلُ عَمْرُوٍ. بل‌ نستعمله‌ بالاداة‌ فنقول‌: أفْضَلُ مِنْ عَمْرُوٍ.

 ولا يرتاب‌ عاقل‌ في‌ اتّحاد المعني‌ في‌ الجميع‌. وهكذا الحال‌ في‌ بقيّة‌ صيغ‌ أفْعَل‌ كأعْلَمْ، وأشْجَعْ، و أحْسَن‌، و أسْمَع‌، و أجْمَل‌، ونظائرها.

 ودعم‌ كلامه‌ بما ذكره‌ التفتازاني‌ّ في‌ « شرح‌ المقاصد »، والقوشجي‌ّ في‌ « شرح‌ التجريد » إذ لم‌ ينكر هذان‌ الاثنان‌ مجي‌ء المَوْلَي‌ في‌ الحديث‌ بمعني‌ الاوْلَي‌؛ وكذلك‌ مير سيّد شريف‌ الجرجاني‌ّ في‌ « شرح‌ المقاصد » فإنّه‌ حذا حذوهما في‌ القبول‌؛ وزاد بأنـّه‌ ردّ بذلك‌ مناقشة‌ القاضي‌ّ عضد بأنّ مَفْعَلاً بمعني‌ أفْعَل‌ لم‌ يذكره‌ أحد، فقال‌: أُجيب‌ عنه‌ بأنّ المَوْلَي‌ بمعني‌ المُتَوَلِّي‌، والمَالِكِ لِلامْر، وَالاولَي‌ بالتَصَرُّف‌ شائع‌ في‌ كلام‌ العرب‌ منقول‌ من‌ أئمّة‌ اللغة‌.

 وابن‌ حجر في‌ « الصواعق‌ » ص‌ 24 علی تصلّبه‌ في‌ ردّ الاستدلال‌ بحديث‌ الغدير، سلّم‌ مجي‌ء المَوْلَي‌ بمعني‌ الاولَي‌ بالشَي‌ْء، لكنّه‌ ناقش‌ في‌ متعلّق‌ الاولويّة‌ في‌ أنـّه‌ هل‌ هي‌ عامّة‌ الاُمور، أو أنـّها الاولويّة‌ من‌ بعض‌ النواحي‌؟ واختار الاخير. ونسب‌ فهم‌ هذا المعني‌ من‌ الحديث‌ إلی‌ الشيخين‌: أبي‌ بكر، وعمر في‌ قولهما لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: أَمْسَيْتَ مَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.

 وحكي‌ الشيخ‌ عبد الحقّ في‌ « اللَّمَعات‌ » هذا المعني‌ عن‌ ابن‌ حجر. وكذا حذا حذوه‌ الشيخ‌ شهاب‌ الدين‌ أحمد بن‌ عبد القادر الشافعي‌ّ في‌ «ذَخيرة‌ المآل‌» عن‌ ابن‌ حجر فقال‌: التَوَّلِّي‌: الوَلاَيَة‌، وهو الصديق‌ و الناصر و الاولَي‌ بالاتّباع‌ والقرب‌ منه‌، كقوله‌ تعإلی‌: إِنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِإِبر ' هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ. [2] وهذا هو المعني‌ الذي‌ فهمه‌ عمر من‌ الحديث‌، فإنّه‌ لمّا سمعه‌، قال‌: هَنِيئاً يَابْنَ أبِي‌ طَالِبٍ! أمْسَيْتَ وَلِي‌َّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ـ انتهي‌ كلام‌ ابن‌ حَجَر.

 ونقل‌ الشريف‌ المرتضي‌ عن‌ أبي‌ العبّاس‌ المُبَرِّد أنّ أصل‌ يَا وَلِي‌ُّ، الَّذِي‌ هُوَ أَوْلَي‌ وَأَحَقُّ، ومثله‌ المَوْلَي‌.

 وقال‌ أبو نَصْر الفارابي‌ّ الجوهري‌ّ في‌ « صحاح‌ اللُّغَة‌ » في‌ مادّة‌ وَلِي‌ في‌ شرح‌ بيت‌ لُبَيد، إنّه‌ يريد: أَوْلَي‌ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ الخَوْفُ. وأبو زكريّا الخطيب‌ التبريزي‌ّ في‌ شرح‌ « ديوان‌ الحماسة‌ » ج‌ 1، ص‌ 22 في‌ قول‌ جعفربن‌ علبة‌ الحارثي‌ّ:

 ألَهْفِي‌ بِقُرِّي‌ سَحْبَلٍ[3] حِينَ أحْلَبَتْ                      علَيْنَـا الوَلاَيَـا وَالعَـدُوُّ المُبَـاسِـلُ

 عدّ من‌ وجوه‌ معاني‌ المولي‌ الثمانيّة‌ الوَلي‌ّ، و الاولي‌ بالشَي‌ء. وعن‌ عمربن‌ عبدالرحمن‌ الفارسي‌ّ القزويني‌ّ في‌ «كَشْف‌ الكَشَّاف‌» في‌ بيت‌ لُبَيد: مَوْلَي‌ المَخَافَةِ. أي‌: أَوْلَي‌ وَأحْرَي‌ بِأن‌ يَكُونَ فِيهِ الخَوْفُ. وعدّ سبط‌بن‌ الجوزي‌ّ في‌ « التذكرة‌ » ص‌ 19 الاولَي‌ من‌ معاني‌ المولي‌ العشرة‌ المستندة‌ إلی‌ علماء العربيّة‌. ومثله‌ ابن‌ طلحة‌ الشافعي‌ّ في‌ كتاب‌ «مَطَالِبُ السَّؤول‌» ص‌16، وذكر الاوْلي‌ في‌ طليعة‌ المعاني‌ التي‌ جاء بها الكتاب‌. وتبعه‌ الشَبْلَنْجي‌ّ في‌ كتاب‌ «نُور الابْصَار» ص‌ 78 وأسند ذلك‌ إلی‌ العلماء. وقال‌ شارحا المُعَلَّقات‌ السبع‌: عبد الرحيم‌ بن‌ عبد الكريم‌، ورشيد النبي‌ في‌ بيت‌ لُبَيد: إنّه‌ أراد بِولي‌ّ المَخَافَة‌: الاَوْلَي‌ بِالمَخَافَةِ. [4]

 أجل‌، يصرّ المرحوم‌ الاميني‌ّ علی أنّ الاصل‌ اللغوي‌ّ للمولي‌، الاولَي‌، و حتّي‌ في‌ بقيّة‌ المعاني‌ الستّ والعشرين‌ التي‌ تحدّث‌ عنها للمولي‌، نجده‌ يبحث‌ في‌ كلّ واحدة‌ منها ويرجعها علی أنـّها بمعني‌ الاوْلَي‌. بينما يصرّ الفخر الرازي‌ّ ومن‌ تبعه‌ علی أنّ المعني‌ الاصلي‌ّ للمَوْلَي‌ ليس‌ الاوْلي‌، وأنّ صيغة‌ مَفْعَل‌ لم‌ تأت‌ بديلاً عن‌ أفعل‌ التفضيل‌. لذلك‌ لايمكن‌ أن‌ نستدلّ بالحديث‌ المأثور. مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ علی الإمامة كما ذهب‌ إلیه‌ الشريف‌ المرتضي‌ في‌ « الشافي‌ّ ».

 وأعتقدُ أنّ الامر قد التبس‌ علی هذين‌ العالمين‌ كليهما من‌ خلال‌ تضارب‌ رأييهما. أمّا الفخر الرازي‌ّ فإنّه‌، وإن‌ زعم‌ أنّ المعني‌ الحقيقي‌ّ للمولي‌ ليس‌ الاولي‌، بَيدَ أنـّه‌ يعترف‌ باستعماله‌ في‌ موضع‌ الاولي‌. وحسب‌ الإماميّة‌ هذا القدر من‌ الاستدلال‌. ولا يستفاد من‌ استدلال‌ الشريف‌ المرتضي‌ أيضاً أكثر من‌ هذا. فهو يقول‌: أحد معاني‌ المَوْلَي‌، الاوْلَي‌. ولمّا كانت‌ بقيّة‌ المعاني‌ إمّا بَيِّنة‌ الثُّبوت‌، أو بيِّنة‌ الكِذب‌، فالمعني‌ المراد والمقصود من‌ هذا الحديث‌: الاولي‌. وهذا الاستدلال‌ صحيح‌.

 وأمّا العلاّمة‌ الاميني‌ّ: فإنّه‌ يجعل‌ المعاني‌ الموضوعة‌ للمولي‌ تصبّ في‌ معني‌ الاولي‌. ولا دليل‌ عندنا علی أنّ الاولي‌ هو المعني‌ الموضوع‌ له‌ والحقيقي‌ّ للمولي‌، بل‌ ورد الدليل‌ علی خلاف‌ ذلك‌. فلهذا لا حاجة‌ إلی‌ هذا الاُسلوب‌ المسهب‌ لإثبات عقيدة‌ الإماميّة‌. إنّنا نثبت‌ الولاية‌ والإمامة من‌ حديث‌ الغدير بأُسلوب‌ بسيط‌، ونجد أنفسنا في‌ غني‌ عن‌ استشهادات‌ الفخر الرازي‌ّ بعدم‌ مجي‌ء بعض‌ الصِّيَغ‌ بديلة‌ عن‌ صيغ‌ أُخري‌. ونحتاج‌ هنا إلی‌ مقدّمتين‌ لتوضيح‌ هذا الموضوع‌:

 الرجوع الي الفهرس

استدلالنا علی أنّ المعني‌ الحقيقي‌ّ للمولي‌ محلّ الولاية‌ واسم‌ المكان‌

 المقدّمة‌ الاولي‌: إنّ اختلاف‌ الالفاظ‌ والصيغ‌ المتنوّعة‌ هو من‌ أجل‌ إفادة‌ المعاني‌ المتفاوتة‌، وإلاّ فإنّ وضع‌ الكلمات‌ المختلفة‌ والصيغ‌ المتباينة‌ عبث‌ لاطائل‌ تحته‌. وفي‌ ضوء هذه‌ الحقيقة‌ يعتقد الكثيرون‌ أنّ اللغة‌ تخلو من‌ الالفاظ‌ المتردافة‌، وما يبدو أنـّه‌ مترادف‌، أو أنّ أهل‌ اللغة‌ ذكروه‌ في‌ كتبهم‌ بوصفه‌ مترادفاً، هو غير مترادف‌ في‌ الحقيقة‌. ولم‌يوضع‌ لمعني‌ مشترك‌ في‌ جميع‌ النواحي‌، بل‌ لكلّ واحد من‌ تلك‌ المعاني‌ خاصيّة‌ وُضِعَ اللفظ‌ لاجلها؛ وإن‌ كان‌ اللفظان‌ أو الالفاظ‌ المتعدّدة‌ تشترك‌ في‌ الانطباق‌ علی المعاني‌ المشتركة‌. فعلی سبيل‌ المثال‌، يبدو أنّ الإنسان والبَشَر مترادفان‌، وقد وضعا لحقيقة‌ معني‌ الإنسان، بَيدَ أنّ البَشَر أُطلق‌ علی الإنسان بسبب‌ بَشَرته‌ وجلده‌، في‌ مقابل‌ المَلَك‌ والجنّ اللذين‌ لا بَشَرة‌ لهما. وأنّ الإنسان أُطلق‌ عليه‌ لانـّه‌ كائن‌ فيه‌ أُنس‌ أو نسيان‌ فيما إذا اشتقّ من‌ الفعل‌ أنِسَ أو نَسِي‌َ ( نسيان‌ ). ومن‌ هذا المنطلق‌ جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌ أنّ الانبياء يخاطبون‌ الناس‌ قائلين‌ لهم‌: إن‌ نحن‌ بَشَر مثلكم‌، أي‌: لنا بَشَرة‌ مثل‌ بَشَرتكم‌. قال‌ تعإلی‌: قَالَتْ لَهُمْ رَسُلُهُمْ إِن‌ نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ. [5] وقال‌: قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَي‌'´ إلی أَنـَّمَآ إِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ ' حِدٌ. [6]

 ذلك‌ أنّ الكفّار في‌ هذه‌ المحاورات‌ كانوا ينكرون‌ رسالة‌ الرسول‌ لانـّها صادرة‌ عن‌ إنسان‌ له‌ جلد وبَشَرة‌، أي‌: طبيعي‌ّ ومادّي‌ّ. أو أنـّنا نقرأ في‌ القرآن‌ الكريم‌ أنّ مريم‌ تخاطب‌ المَلَك‌ السماوي‌ّ متعجّبة‌ من‌ ولدٍ يكون‌ لها، وهي‌ الطاهرة‌ التي‌ لم‌ يمسسها بشر. والنجيبة‌ التي‌ تجلّ عن‌ البغاء! قال‌ تعإلی‌: قَالَتْ أَنـَّي‌' يَكُونُ لِي‌ غُلَـ'مٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي‌ بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.[7] ذلك‌ أنّ شرط‌ الحمل‌ والإنجاب‌ هو أنّ يباشر المرأة‌ إنسان‌ له‌ بَشَرة‌، لا أن‌ يباشرها إنسان‌ بنفسه‌ الملكوتيّة‌.

 وفي‌ ضوء هذا الكلام‌، وضعت‌ صيغة‌ مَفْعَل‌ للحديث‌، أو للزمان‌، أو للمكان‌، وصيغة‌ أفْعَل‌ لإفادة‌ التفضيل‌. وهذان‌ معنيان‌ مختلفان‌ علی الرغم‌ من‌ اشتراكهما في‌ أصل‌ المعني‌ المشترك‌ الذي‌ اشتقّا منه‌.

 فلهذا قال‌ الفخر: الخليل‌ وأضرابه‌ لم‌ يذكروا معني‌الاولي‌في‌كتبهم‌.[8]وقال‌ مير سيّد شريف‌ في‌ « شرح‌ المواقف‌ »: لم‌ يذكر أحد من‌ أئمّة‌ اللغة‌ مجي‌ء صيغة‌ مَفْعَل‌ بمعني‌ أفْعَل‌. وقوله‌ تعإلی‌: وَمَأْوَیـ'كُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَیـ'كُمْ، أي‌: مَقَرُّكُمْ وَمَا إلیهِ مَآلُكُمْ وَعَاقِبَتُكُمْ. ولذلك‌ قال‌ في‌ ذيلها: وَبِئسَ الْمَصِيرُ. [9]

 ويستفاد ممّا قيل‌ أنّ كثيراً من‌ التفاسير قد ذكرت‌ إرادة‌ معني‌ الاوْلَي‌ من‌ لفظ‌ المَوْلَي‌، بناءً علی إيصال‌ المعني‌ بألفاظ‌ تناسب‌ المعني‌ الحقيقي‌ّ لذلك‌ اللفظ‌ في‌ كثير من‌ الجهات‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ معناها الحقيقي‌ّ. ويُلاحَظ‌ هذا الاُسلوب‌ أيضاً في‌ كثير من‌ كتب‌ اللغة‌ التي‌ لا تتطرّق‌ إلی‌ المعاني‌ الحقيقيّة‌ فحسب‌، بل‌ وتذكر مواطن‌ استعمال‌ الالفاظ‌ معها أيضاً.

 المقدّمة‌ الثانية‌: الحَمْل‌ علی قسمين‌: أوَّلي‌ ذَاتِي‌ّ، و شائع‌ صَناعِي‌ّ.

 المراد من‌ الحمل‌ الاوَّلي‌ّ اشتراك‌ اسمين‌ في‌ مفهوم‌ واحد؛ أي‌: نريد أن‌ نقول‌ بأنّ المفهوم‌ المحمول‌ متّحد مع‌ المفهوم‌ الموضوع‌، مثل‌: الإنسانُ حَيْوَانٌ نَاطِقٌ إذ لا تفاوت‌ بين‌ مفهوم‌ الإنسان، ومجموع‌ الحيوان‌ الناطق‌.

 والمراد من‌ الحَمل‌ الصناعي‌ّ اشتراك‌ مفهومين‌ في‌ مصداق‌ واحد، أي‌: نريد أن‌ نقول‌: يشترك‌ المفهوم‌ المحمول‌ مع‌ المفهوم‌ الموضوع‌ في‌ المصداق‌ والتحقّق‌ الخارجي‌ّ، وإن‌ كان‌ ذانك‌ المفهومان‌ لايشتركان‌ معاً، مثل‌: زَيْدٌ إنْسَانٌ، و زَيْدٌ قَائِمٌ. فمفهوم‌ الإنسان اتّحد مع‌ زيد في‌ الخارج‌. ويصدق‌ المفهومان‌ علی هذا الموجود الخارجي‌ّ. واتّحد مفهوم‌ «قائم‌» مع‌ «زيد» أيضاً. وبناءً علی ذلك‌، فإنّ هذا الموجود الخارجي‌ّ ينطبق‌ عليه‌ المفهومان‌ « قائم‌ » و « زيد ».

 وبعد أن‌ استبانت‌ هاتان‌ المقدّمتان‌ نقول‌: لا ريب‌ أنّ مفهوم‌ صيغة‌ مَفْعَل‌ يختلف‌ عن‌ مفهوم‌ صيغة‌ أفْعَل‌ التفضيل‌؛ ولكنّهما كثيراً ما يتّحدان‌ في‌ المصداق‌. وعلی هذا، إذا قلنا: فُلاَنٌ مَوْلَي‌ فُلاَنٍ، وأردنا من‌ المولي‌ أفعل‌ التفضيل‌، صحّ الحمل‌ الشائع‌ الصناعي‌ّ هنا، وإذا قلنا: المَوْلَي‌ هو الاَوْلَي‌، صحّ الحمل‌ الشائع‌ أيضاً.

 وإذا قلنا: فُلاَنٌ لَيْسَ مَوْلَي‌ فُلاَنٍ، وكان‌ المراد من‌ المُوْلَي‌ أفعل‌ التفضيل‌، صحّ الحمل‌ الشائع‌ أيضاً. وكذلك‌ إذا قلنا: المَوْلَي‌ لَيْسَ الاَوْلَي‌، فلايصحّ الحمل‌ الشائع‌، بل‌ يصحّ الحمل‌ الاوّلي‌ّ، ذلك‌ أنـّهما ليسا متّحدي‌ المفهوم‌. كما أنّ قولنا: زَيْدٌ لَيْسَ بِقَائِم‌ لا يصحّ علی الحمل‌ الشائع‌، ويصحّ علی الحمل‌ الاوّلي‌ّ؛ عندما يكون‌ زيد قائماً في‌ الخارج‌.

 استبان‌ ممّا عرضناه‌ أنّ كلاّ من‌ الفخر الرازي‌ّ، والعلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ زاوية‌ واحدة‌ من‌ البحث‌، ويثبتان‌ شيئاً لا ينبغي‌ لهما أن‌ يثبتاه‌؛ وينفيان‌ شيئاً لاينبغي‌ لهما أن‌ ينفياه‌.

 يقول‌ الفخر الرازي‌ّ: المَولَي‌ لَيْسَ الاوْلَي‌. وهو أمرٌ صحيح‌ بحسب‌ الحمل‌ الاوَّلي‌ّ الذاتي‌ّ، بَيدَ أنـّه‌ غير صحيح‌ بحسب‌ الحمل‌ الشائع‌؛ لانـّنا لانعتزم‌ إثبات‌ الاتّحاد بين‌ مفهوميهما. بل‌ نطلب‌ الاتّحاد الوجودي‌ّ في‌ الخارج‌ لمثل‌ قولهم‌: زَيْدٌ انْسَانٌ؛ وهذا المعني‌ يتمّ بالحمل‌ الشائع‌ أيضاً، لانّ الاتّحاد المصداقي‌ّ والخارجي‌ّ لمعني‌ المَوْلَي‌ مع‌ معني‌ الاوْلَي‌ يكفي‌ لإثبات الولاية‌. بَيدَ أنّ الفخر الرازي‌ّ يريد أن‌ يستنتج‌ عدم‌الاتّحاد بين‌ المصداقين‌ من‌ عدم‌ الاتّحاد بين‌ المفهومين‌؛ ولذلك‌ ظنّ تمسّك‌ الشريف‌ المرتضي‌ باطلاً. وهذا الكلام‌ خاطي‌.

 يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ: المَوْلَي‌ هُوَ الاوْلَي‌. وهذا صحيح‌ بحسب‌ الحمل‌ الشائع‌ الصناعي‌ّ، ولكنّه‌ غير صحيح‌ بحسب‌ الاوّلي‌ّ الذاتي‌ّ، لعدم‌الاتّحاد بين‌ مفهوميهما. وحسبنا الاتّحاد المصداقي‌ّ. بَيدَ أنّ العلاّمة‌ الاميني‌ّ يريد أن‌ يستنتج‌ الاتّحاد بين‌ المصداقين‌ من‌ الاتّحاد بين‌ المفهومين‌، ويقول‌: لمّا كان‌ المفهومان‌ شيئاً واحداً، فمفهوم‌ الاولويّة‌ ينطبق‌ علی الإمام علی عليه‌ السلام‌ في‌ الخارج‌. وهذا خطأ، لانـّنا في‌ غنيً عن‌ الاتّحاد المفهومي‌ّ من‌ أجل‌ الاتّحاد المصداقي‌ّ. دع‌ المفهومين‌: المَوْلَي‌، والاَوْلَي‌ يتباينان‌ فيما بينهما، واسم‌ المكان‌ يتفاوت‌ مع‌ أفعل‌ التفضيل‌، ولكن‌ بعد الاتّحاد المصداقي‌ّ، والحمل‌ الشائع‌، وانطباق‌ معني‌ الاولي‌ علی علی عليه‌ السلام‌ في‌ الخارج‌ بعد عدم‌إمكان‌ انطباق‌ المعاني‌ الاُخري‌ المذكورة‌ للمَوْلَي‌، فإنّ الإمامة تثبت‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌؛ ولا مناص‌ لمنكري‌ الولاية‌ من‌ الإقرار بذلك‌.

 واستبان‌ ممّا عرضناه‌ إلی‌ الآن‌ أنّ حقيقة‌ لفظ‌ المَوْلَي‌ عند العلاّمة‌ الاميني‌ّ بمعني‌ الاولي‌ بالشي‌ء، ولكنّ حقيقتها عند الحقير أنـّها اسم‌ مكان‌ لموضع‌ فيه‌ حقيقة‌ الولاية‌. والولاية‌ ـكما بيّناها مراراًـ ارتفاع‌ الحجاب‌ بين‌ شيئين‌ بحيث‌ لا يفصل‌ بينهما ما ليس‌ منهما. وكافّة‌ المعاني‌ المذكورة‌ للمَوْلَي‌، والوَلِي‌ّ، والاولَي‌، وغيرهما هي‌ بواسطة‌ هذا المعني‌ الذي‌ يستعمل‌ في‌ كلّ مصداق‌ من‌ المصاديق‌ عبر انطباق‌ هذا المعني‌ عليه‌. وَأشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّاً وَلِي‌ُّ اللَهِ؛ أي‌: أشهد أنّ عليّاً قد بلغ‌ درجة‌، وتسنّم‌ منزلةً ارتفع‌ فيها الحجاب‌ بينه‌ وبين‌ الله‌ في‌ مقام‌ العبوديّة‌ المحضة‌، وهذا هو معني‌ الولاية‌ الكاملة‌، وهذا هو معني‌ العبوديّة‌ التامّة‌. اللَهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِوَلاَيَتِهِ. وفي‌ هذا المقام‌ تقع‌ الولاية‌ التي‌ تمثّل‌ مظهر تجلّي‌ جميع‌ الصفات‌ والاسماء الإلهيّة‌ الكلّيّة‌، ومنشأ ظهور الجمال‌ والجلال‌، مرآةً وآيةً عظيمةً لاتُظهر نفسها بل‌ تُظهر الله‌، فهي‌ تقتبس‌ من‌ الله‌، وتفيض‌ علی ما سوي‌ الله‌.

 وهنا جري‌ بيت‌ العارف‌ الكامل‌ ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ علی لسانه‌ بلااختيار.

 فَكُلُّ مَلِيحٍ حُسْنُهُ مِنْ جَمَالِهَا     مُعَارٌ لَهُ بَلْ حُسْنُ كُلِّ مَلِيحَةِ [10]

 الرجوع الي الفهرس

حكاية‌ عرض‌ أمير المؤمنين‌ علی الناس‌ كعرض‌ يوسف‌ علی نسوة‌ مصر

وما أروع‌ أن‌ ننقل‌ هنا القصّة‌ التي‌ ذكرها شيخ‌ التفسير: أبوالفتوح‌ الرازي‌ّ أعلی الله‌ تعإلی‌ مقامه‌ الشريف‌:

 « ثمّ أومأ إلی‌ أمير المؤمنين‌ علی، ودعاه‌، ورقي‌ ذلك‌ المنبر وهو معه‌، وأخذ بعضديه‌، ورفعه‌، وعرضه‌ علی الناس‌ كما تعرض‌ العروس‌ حَتَّي‌ رَأي‌ النَّاسُ بَيَاضَ إبْطَيِهِمَا. وكان‌ صامتاً ساعةً. ونُقل‌ أنّ الشبلي‌ّ دنا من‌ أحد العلويّين‌ المعروفين‌ يوم‌ الغدير، وهنّأه‌، ثمّ قال‌ له‌: يَاسَيِّدي‌! هل‌ تعلم‌ السرّ من‌ أخذ جدّك‌ يدَ أبيك‌ ورفعها دون‌ أن‌ يتكلّم‌؟! قال‌: لاأعلم‌.

 قال‌: كانت‌ إيماءة‌ إلی‌ أنّ النسوة‌ اللاّئي‌ جهلنَ بجمال‌ يوسف‌، فَلُمْنَ زليخا، وقلن‌: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَ ' وِدُ فَتَبـ'هَا عَن‌ نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَرَب'هَا فِي‌ ضَلَـ'لٍ مُّبِينٍ. فأرادت‌ أن‌ تريهنّ شيئاً من‌ جمال‌ يوسف‌، فصنعت‌ لهنّ وليمة‌ ودعتهنّ إلیها. ولمّا جئنها، أجلستهنّ في‌ بيت‌ ذي‌ بابين‌؛ وألبست‌ يوسف‌ قميصاً أبيض‌ وقالت‌ له‌: ادخل‌ من‌ هذا الباب‌ واخرج‌ من‌ ذلك‌ الباب‌ لاجلي‌! وقالت‌ لهنّ: أُريد أن‌ أُريكنّ مَن‌ أُحبّ مرّة‌ واحدة‌، وأرجو منكنّ أن‌ تبررنه‌ لاجلي‌!

 قلن‌: مذا نصنع‌؟! قالت‌: آتي‌ كلّ واحدة‌ منكنّ سكّيناً وأُتْرُجّاً؛ فإذا خرج‌ عليكنّ، فلتأخذ كلّ واحدة‌ منكنّ قطعة‌ من‌ أُترجّها وتعطيها إيّاه‌! قلن‌: نفعل‌. ولمّا خرج‌ ووقع‌ بصرهنّ علی جماله‌، أردن‌ أن‌ يقطّعن‌ الاُترج‌، فقطّعن‌ أيديهنّ انبهاراً وذهولاً. ولمّا انصرف‌، قلن‌: حَـ'شَ لِلَّهِ مَا هَـ'ذَا بَشَرًا إِنْ هَـ'ذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ.

 قالت‌: رأيتُنّ! فَذَ ' لِكُنَّ الَّذِي‌ لُمْتُنَّنِي‌ فِيهِ.

 فكذلك‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ واله‌ أومأ وقال‌: ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ لو قلتُ في‌ حقّه‌ شيئاً، لما راق‌ لكم‌، وللُمتموني‌ فيه‌. فانظروا إلیوم‌ ماذا يقول‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ حقّه‌؟ وأين‌ يضعه‌؟ وما هي‌ المنزلة‌ التي‌ يتحفه‌ بها؟ ثمّ قال‌: ألَسْتُ أوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟!

 قَالُوا: بَلَي‌. قرّرهم‌ فأقرّوا. ولمّا أقرّوا كلّهم‌، قال‌ علی الفور: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا علی مَوْلاَهُ؛ اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَن‌ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. ثمّ قال‌: اللَهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟! قالوا: بلي‌.

 قال‌: اللَهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ. إلی‌ آخر القصّة‌.[11]

 وقد أنشد جلال‌ الدين‌ الرومي‌ّ في‌ هذا المجال‌ قائلاً:

 زين‌ سبب‌ پيغمبر با اجتهاد                        نام خود وآنِ علی مولا نهاد

 گفت‌: هر كس‌ را منم‌ مولا و دوست‌             ابن عمّ من‌ علی، مولاي‌ اوست‌

 كيست‌ مولا، آن‌ كه‌ آزادت‌ كند                     بندرقّيّت‌ زِ پايت‌ بركند

 چون‌ به‌ آزادي‌ نبوّت‌ هادي‌ است                 مؤمنان‌ را ز انبيا آزادي‌ است‌

 أي‌ گروه‌ مؤمنان‌ شادي‌ كنيد                      همچوسرووسوسن آزادی کنید[12]

 الرجوع الي الفهرس

الحديث‌ «ألَسَتُْ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» مفسّر لمعني‌ المَوْلَي‌ أيضاً

 الثاني‌: الشاهد والدليل‌ علی أنّ المراد من‌ المَوْلَي‌ في‌ حديث‌ الغدير، الإمامة والولاية‌ الكلّيّة‌، قول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قبل‌ عرض‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ الخطبة‌، إذ خاطب‌ الناس‌ وسألهم‌ بأُسلوب‌ الاستفهام‌ التقريري‌ّ: أَلَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ قالوا: بلي‌. وعلی هذا الاساس‌ فرّع‌ كلامه‌ قائلاً: فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ.

 ولمّا كانت‌ عبارته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: أَلَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نتيجة‌ متفرّعة‌ عن‌ الآية‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌: النَّبِيُّ أَوْلَي‌ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ. [13] التي‌ تبيّن‌ أنّ ولاية‌ النبي‌ّ علی المؤمنين‌ أكثر من‌ ولايتهم‌ علی أنفسهم‌؛ وهذه‌ الولاية‌ تعني‌ بلا شكّ الاولويّة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ الروحيّة‌ والمادّيّة‌، والظاهريّة‌ والباطنيّة‌، والدينيّة‌ والدنيويّة‌؛ فعلی هذا، فإنّ المراد من‌ الاستفهام‌ التقريري‌ّ الذي‌ أثاره‌ رسول‌ الله‌ بقوله‌: أَلَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ هو هذا الضرب‌ من‌ الولاية‌. وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ الولاية‌ المعطاة‌ لامير المؤمنين‌ في‌ كلامه‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ. ستكون‌ هذه‌ الولاية‌ نفسها.

 هذه‌ الجملة‌ الاستفهاميّة‌ لرسول‌ الله‌ كحديث‌ الولاية‌ نفسه‌، ذكرها علماء الشيعة‌ قاطبة‌، وذكرها أيضاً أعلام‌ أهل‌ السنّة‌ وحفّاظهم‌، مثل‌: أحمدبن‌ حنْبَل‌، والترمذي‌ّ، وابن‌ ماجَة‌، والنسائي‌ّ، والطبري‌ّ، والطَّبَراني‌ّ، وأبي‌ حاتم‌، والدارقُطْني‌ّ، والذَّهَبي‌ّ، والحاكم‌، وأبي‌ نُعَيْم‌، والثَّعْلَبي‌ّ، والبَيهَقي‌ّ، والخطيب‌، والحَسْكَاني‌ّ، وابن‌ المَغَازِلي‌ّ، والسِجستاني‌ّ، والخوارزمي‌ّ، وابن‌ عَسَاكِر، والبَيضاوي‌ّ، وابن‌ الاثير، وأبي‌ الفَرَج‌، والتفتازاني‌ّ، والحَمُّوئي‌ّ، والكنجي‌ّ، والإيجي‌ّء، وابن‌ صبّاغ‌، وابن‌ حَجَر، والسيوطي‌ّ، ذكرها هؤلاء وكثيرون‌ غيرهم‌ في‌ كتبهم‌. وقد أحصي‌ أسماء هؤلاء الاعلام‌ من‌ أهل‌ السنّة‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ أربعة‌ وستّين‌ شخصاً. [14]

 وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ هذه‌ المقدّمة‌ الاستفهاميّة‌ نفسها قد بلغت‌ وحدها حدّ التواتر، وكثير من‌ صحابة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الذين‌ رووا حديث‌ الولاية‌، نقلوا هذه‌ المقدّمة‌ معه‌.

 ونقول‌ الآن‌: المراد من‌ المَوْلَي‌ في‌ حديث‌ الولاية‌، الاوْلَي‌ في‌ مقدّمة‌ هذه‌ الخطبة‌ عبر الاستفهام‌ الذي‌ أثاره‌ رسول‌ الله‌. وبعبارة‌ أُخري‌ فإنّ قوله‌: ألَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وقوله‌: فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ ذوا معني‌ واحد، وإلاّ لانفصلت‌ الجملة‌ الاُولي‌ عن‌ الثانية‌، وأصبحت‌ بلامغزي‌، وسقطت‌ عن‌ درجة‌ البلاغة‌.

 والشاهد علی هذا الموضوع‌ هو أنّ كثيراً من‌ الاعلام‌ الذينَ نقلوا الحديث‌ ـ كما رأينا في‌ تضاعيف‌ الكلام‌ ضمن‌ الدروس‌ السابقة‌ـ نقلوه‌ بهذه‌ العبارة‌، وهي‌ أنّ رسول‌ الله‌ قال‌ بعد طرحه‌ السؤال‌: أَلاَ فَمَنْ كُنْتُ أَوْلَي‌ بِهِ فَعلی مَوْلاَهُ، وهذه‌ الجملة‌ تشعر بالارتباط‌ بين‌ الجملتين‌ الاستفهاميّة‌ والإخباريّة‌ اللتين‌ قالهما رسول‌ الله‌.

 يقول‌ الحافظ‌ أبو الفرج‌ يحيي‌ بن‌ سعيد الثقفي‌ّ الإصفهاني‌ّ في‌ كتاب‌ « مَرَجُ البَحْرَينِ » بعد نقل‌ المقدّمات‌ المتعلّقة‌ بخطبة‌ الغدير: أخذ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بِيَدِ علی وقال‌: مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ وَأَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعلی وَلِيُّهُ.

 ويقول‌ سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ بعد ترجيحه‌ معني‌ الاولَي‌ في‌ حديث‌ الغدير: المراد من‌ المَوْلَي‌ في‌ الحديث‌ الطاعة‌ المحضة‌ المخصوصة‌، والاوْلَي‌، فيكون‌ المعني‌: مَنْ كُنْتُ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعلی أَوْلَي‌ بِهِ. [15]

 ويقول‌ ابن‌ طلحة‌ الشافعي‌ّ: يري‌ جماعة‌ أنّ المراد من‌ الحديث‌، الاولويّة‌. [16]

 الرجوع الي الفهرس

«اللَهُمَّ وَالِ مَن‌ وَالاَهُ» مؤيّد لاستنباط‌ معني‌الإمامة من‌ كلمة‌ المولي‌

 ونستخلص‌ ممّا عرضناه‌ عدم‌ صحّة‌ ما قاله‌ بعض‌ العامّة‌ من‌ أنّ دلالة‌ تقديم‌ أَلَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ، علی مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ علی الولاية‌ التامّة‌ والإمامة تتمّ عندما لا يستتلي‌ الحديث‌ دعاءُ رسول‌ الله‌: اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. وهذا الدعاء الدالّ علی موالاة‌ أولياء علی. الوارد بلفظ‌ « وَالِ » يفيدنا أنّ المراد من‌ المَوْلَي‌، المحبّ أيضاً. وحينئذٍ لاتتمّ دلالة‌ الحديث‌ علی الولاية‌.

 فهذا الاستدلال‌ غير صحيح‌ لانـّه‌ يستند علی أنّ المراد من‌ قوله‌: اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، المحبّة‌ أو النصرة‌. وليس‌ كذلك‌، بل‌ المراد هو المعني‌ الحقيقي‌ّ للولاية‌. فمعني‌ اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ: اللَهُمّ تولَّ مَن‌ يلتزم‌ بولاية‌ علی! وتعهّد من‌ انضوي‌ تحت‌ لواء علی بالرعاية‌ والحماية‌! وقم‌ بأمر من‌ جعل‌ عليّاً ولي‌ّ أمره‌! لانـّنا قلنا إنّ الولاية‌ تعني‌ رفع‌ الحجاب‌، ويستعمل‌ لفظ‌ المَوْلَي‌ والولي‌ّ بالنسبة‌ إلی‌ الطرفين‌. ويقع‌ تصريف‌ الفعل‌ في‌ كلا الطرفين‌ أيضاً. وكلمة‌ « وَالِ » وهي‌ فعل‌ أمر تعني‌ تعهّد بأمر الولاية‌، و « وَالاَهُ » وهي‌ صيغة‌ الفعل‌ الماضي‌ تعني‌: انضوي‌ تحت‌ ولايته‌.

 فهذه‌ الفقرة‌ من‌ دعاء رسول‌ الله‌، مضافاً إلی‌ أنـّها لا تتنافي‌ مع‌ الولاية‌ في‌ المقدّمة‌ والحديث‌، فهي‌ تؤيّدها وتسدّدها.

 ذلك‌ لانـّها أوّلاً: أوجبت‌ ولاية‌ علی علی جميع‌ الناس‌ بصيغة‌ العموم‌، ودعت‌ الجميع‌ إلی‌ اتّباعه‌ وطاعته‌. وهذا المعني‌ ينسجم‌ مع‌ الولاية‌، لامع‌ المحبّة‌ أو النصرة‌.

 وثانياً: أمرت‌ الناس‌ كافّة‌ بالمؤازرة‌ والمعاضدة‌ حتّي‌ يتيسّر رفع‌ العقبات‌ التي‌ تعترض‌ إمامته‌ وولايته‌، وذلك‌ بغية‌ ترسيخهما. ومن‌ المعلوم‌ أنّ الإمامة منصب‌ عامّ يحتاج‌ إلی‌ مؤازرة‌ الناس‌ وطاعتهم‌؛ وإلاّ فإنّ المحبّة‌ والنصرة‌ لاتحتاج‌ عموميّتها إلی‌ كلّ هذا التأكيد والإصرار.

 وثالثاً: يمكن‌ الاستدلال‌ بهذه‌ الفقرة‌ علی عصمته‌ عليه‌ السلام‌، لانّ دعوة‌ الناس‌ عامّتهم‌ بلا قيد وشرط‌ إلی‌ لزوم‌ التَوَلِّي‌ والنُّصرة‌، والبراءة‌ من‌ الاعداء، ومن‌ الخذلان‌ وعدم‌ الاهتمام‌ بالاوامر والنواهي‌، لامعني‌ لها بدون‌ تحقّق‌ معني‌ العصمة‌ وحقيقتها.

 ويستبين‌ ممّا عرضناه‌ أنّ جعل‌ قوله‌: وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. عِدلاً وقرينةً لقوله‌: وَالِ مَنْ وَالاَهُ ليس‌ دليلاً علی معني‌ المحبّة‌ والنصرة‌ من‌ كلمة‌: وَالِ مَنْ وَالاَهُ، لانّ من‌ لوازم‌ عدم‌ الولاية‌ والبعد ـطبعاًـ ظهور الخصومة‌ والعداء.

 ناهيك‌ عن‌ أنّ كلّ جملة‌ من‌ الجمل‌ المأثورة‌: مَنْ كُنْتُ مَولاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، واللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ مستقلّة‌ وحدها، ولها معني‌ خاصّ بها، وعلی فرض‌ أنّ المراد من‌ قوله‌: وَالِ مَنْ وَالاَهُ، المحبّة‌ والنصرة‌، فإنّ ظهور قوله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ علی الولاية‌ الكلّيّة‌ والإمامة بخاصّة‌ مع‌ تفريع‌ قوله‌: أَلَسْتُ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ ثَابت‌ فِي‌ حدّ نفسه‌ أحد ولامحلّ للتشكيك‌ في‌ حجّيّة‌ الظهورات‌ في‌ المحاورات‌ والكلمات‌.

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ شواهد الخطبة‌ علی معني‌الإمامة المتّخذة‌ من‌ لفظ‌ المولي‌

 الشاهد والدليل‌ الثالث‌، العبارات‌ الواردة‌ في‌ الخطبة‌، فكلّ واحدة‌ منها تدلّ وحدها علی أنّ المراد من‌ كلمة‌ المولي‌، الإمامة. وعلی هذا فكلّ واحدة‌ منها قرينة‌ للمعني‌ المنظور.

 منها، أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ دعا الناس‌ إلی‌ اتّباع‌ الكتاب‌ والعترة‌. وأطلق‌ علی هذين‌ الاثنين‌: الثَّقَلين‌ ( والثقل‌ يعني‌ كلّ شي‌ء نفيس‌ ) وذكر أنـّهما لن‌يفترقا حتّي‌ يوم‌ القيامة‌، وقال‌ فيهما: فَلاَتُقَدِّموهُمَا فَتَهْلِكُوا! وَلاَتَقْصُروا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا! إلیس‌ في‌ التقدّم‌ عليهما، والقصور عنهما معني‌ يمكن‌ تصورّه‌ غير المعني‌ الوارد في‌ مواطن‌ الطاعة‌ ولزوم‌ الاتّباع‌ ككتاب‌ الله‌؟ ولزوم‌ الطاعة‌ من‌ آثار الإمامة.

 ومنها، أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بعد أن‌ أخذ من‌ الناس‌ الإقرار والاعتراف‌ بتوحيد الله‌ ورسالته‌، جعل‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ مترتّبة‌ عليهما مباشرة‌. ومن‌ الواضح‌ البيّن‌ أنّ اقتران‌ الولاية‌ برسالة‌ الرسول‌، وتوحيد الله‌ لا يعني‌ شيئاً آخر غير الزعامة‌ والإمامة. قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌:

 يَا أيُّهَا النَّاسُ! بِمَ تَشْهَدُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ! قَالَ: ثُمَّ مَه‌؟! قَالُوا: وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ! قَالَ: فَمَنْ وَلِيُّكُمْ؟! قَالُوا: اللَهُ وَرَسُولُهُ مَوْلاَنَا.

 وضرب‌ بيده‌ يؤمئذٍ علی عضد علی، فرفعها، وقال‌: مَنْ يَكُنِ اللَهُ وَرَسُولُهُ مَولاَهُ فَإنَّ هَذَا مَوْلاَهُ.

 إنَّ إلقاء نظرة‌ خاطفة‌ علی هذه‌ العبارات‌ يبيّن‌ لنا بجلاء أنّ ولاية‌ علی هي‌ ولاية‌ الله‌ ورسوله‌ بنفس‌ المعني‌ والمفاد، ولا تنفصل‌ عنها أبداً. ولايُتَصَوَّر معني‌ آخر غير هذا؛ وإلاّ فالعبارة‌ لغو، والكلام‌ هراء.

 وجاء في‌ عبارة‌ مأثورة‌ عن‌ أحمد بن‌ حنبل‌ قال‌ فيها: فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: اللَهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ!

 قَالَ: إنَّ اللَهَ مَوْلاَي‌َ وَأَنَا مَوْلَي‌ المُؤْمِنِينَ وَأَنَا أَولَي‌ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ. وكرّر الجملة‌ الاخيرة‌ ثلاث‌ مرّات‌، وفي‌ رواية‌ أحمد ابن‌ حنبل‌، أربع‌ مرّات‌.

 أجل‌، إنّ اقتران‌ الولاية‌ ووحدتها، واتّحاد سنخيّة‌ الإمارة والاولويّة‌ بين‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ وولاية‌ أمير المؤمنين‌ عليهما أفضل‌ الصلوات‌ والتحيّات‌ في‌ هذه‌ الفقرات‌ من‌ الخطبة‌ بديهي‌ّ، ولا يحتاج‌ إلی‌ التفكير والتأمّل‌.

 ومنها، أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌ في‌ بداية‌ الخطبة‌: كَأَنـِّي‌ دُعِيتُ فَأُجَبْتُ. أو: يُوشَكُ أَنْ أُدْعَي‌ فَأُجِيبَ. أو: أَلاَ وَإنِّي‌ أُوشِكُ أَنْ أُفَارِقَكُمْ. أو: يُوشِكُ أنْ يَأتِي‌َ رَسُولُ رَبِّي‌ فَأُجِيبَ.

 وهذا النمط‌ من‌ الكلام‌ يشعر أنّ أمراً مهمّاً للغاية‌ لم‌ يُبَلَّغ‌، وأنّ النبي‌ّ كان‌ يخشي‌ أن‌ يأتيه‌ الموت‌، ولم‌ يبادر إلیه‌ فيبقي‌ دين‌ الله‌ ناقصاً ورسالته‌ خداجاً.

 ونحن‌ لا نلاحظ‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ إلاّ الوصيّة‌ بالعترة‌ الطاهرة‌، ونصب‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ أفضل‌ صلوات‌ المُصَلِّين‌. ولم‌ تضمّ تعليماً آخر. ومن‌ المعلوم‌ أنّ ذلك‌ الامر المهمّ ـالذي‌ يُخشي‌ من‌ عدم‌ المبادرة‌ إلیه‌ قبل‌ حلول‌ الاجل‌ـ ليس‌ إلاّ الولاية‌. وعلی هذا، فهل‌ يمكن‌ أن‌ نفترض‌ لهذه‌ الولاية‌ الواردة‌ في‌ الخطبة‌ معني‌ آخر غير الإمامة والحكومة‌ التي‌ تمثّل‌ الامتداد الطبيعي‌ّ لإمامة‌ رسول‌ الله‌ وإمارته‌. ونقول‌: إنَّها المحبّة‌ والنصرة‌، مع‌ وجود هذا القلق‌ الذي‌ كان‌ يعانية‌ رسول‌ الله‌؟ حَاشَا وَكَلاّ.

 ومنها، أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: وَلْيُبَلِّغُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ. فلو كان‌ المراد من‌ الولاية‌ النصرة‌ أو المحبّة‌. مع‌ فرض‌ لزوم‌ هذين‌ الامرين‌ علی المؤمنين‌، المستفاد من‌ الكتاب‌ والسنّة‌، فما معني‌ التأكيد علی ضرورة‌ إيصالها للغائبين‌؟ إذَن‌، يستبين‌ لنا أنّ هذه‌ الرسالة‌ رسالة‌ جديدة‌ ومهمّة‌ يتوجب‌ علی الشاهد إبلاغها الغائب‌.

 بخاصّة‌ ونحن‌ نقرأ أنـّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أشْهَدَ الله‌ بعد الإبلاغ‌، فقال‌: اللَهُمَّ أنْتَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ أَنـِّي‌ قَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ! وإشهاد الله‌ علی هذا الامر الذي‌ تكرّر في‌ هذه‌ الخطبة‌: اللَهُمَّ اشْهَدْ، اللَهُمَّ اشْهَدْ دليل‌ علی أنّ أمراً جديداً قد حدث‌ ذلك‌ إلیوم‌، ولم‌ يكن‌ قبله‌ شيئاً مذكوراً.

 ومنها، قول‌ رسـول‌ الله‌ صلّـي‌ الله‌ عليه‌ وآلـه‌ فـي‌ عقبـي‌ الحديث‌: اللَهُ أَكْبَرُ علی إكْمالِ الدِّينِ، وإتْمامِ النِّعْمَةِ، ورِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتي‌ وَالوَلاَيَةِ لِعلی بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍِ مِن‌ بَعْدِي‌. [17]

 وجاء في‌ رواية‌ مأثورة‌ عن‌ شيخ‌ الإسلام‌ الحَمُّوئي‌ّ قوله‌: اللَهُأكْبَرُ علی تَمَامِ نُبُوَّتِي‌ وَتَمَامِ دِينِ اللَهِ بِوَلاَيَةِ علی بَعْدِي‌. ومنها قول‌ رسول‌الله‌ بعد الفراغ‌ من‌ الخطبة‌: هَنِّئُوني‌! هَنِّئُونِي‌! إِنَّ اللَهَ خَصَّنِي‌ بِالنُّبُوَّةِ وَخَصَّ أهْلَ بَيْتِي‌ بِالإمامة!

 وصريح‌ العبارة‌ إمامة‌ أهل‌ البيت‌، وفي‌ طليعتهم‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌. ومن‌ المعلوم‌ أنّ عقد الاجتماع‌ يومئذٍ، ونصب‌ خيمة‌ مستقلّة‌ لتقديم‌ التهاني‌ والتبريكات‌، وجلوس‌ الإمام صلوات‌ الله‌ عليه‌ في‌ تلك‌ الخيمة‌ بوصفه‌ أميرَ المؤمنينَ، ومفزع‌ الناس‌، وأمر المؤمنين‌ بالذهاب‌ إلی‌ تلك‌ الخيمة‌ وتقديم‌ التهاني‌، وإرسال‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ زوجاته‌ إلیه‌ لتقديم‌ التبريكات‌ والتهاني‌، كلّ أُولئك‌ دليل‌ علی تخويل‌ الإمام منصب‌ الإمارة والإمامة والولاية‌.

 فلهذا رأينا الشيخين‌: أبي‌ بكر، وعُمَر لمّا التقيا الإمام قاما بتهنئته‌ بالولاية‌، وكلّ منهما يقول‌: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَابْنَ أبي‌ طَالِبٍ! أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلاَي‌َ وَمَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةً. [18]

 ومنها، جاء التعبير عن‌ الموقف‌ يوم‌ الغدير في‌ أحاديث‌ جمّة‌ بلفظ‌ النَّصْب‌، فقال‌ رسول‌ الله‌ ما مضمونه‌: أمرني‌ ربّي‌ أن‌ أنصب‌ لكم‌ إمامكم‌. وورد لفظ‌ النَّصْب‌ في‌ كثير من‌ طُرق‌ الحديث‌ مقروناً بلفظ‌ الولاية‌ أيضاً، وجاءت‌ الولاية‌ بوصفها نصباً، وفي‌ ذلك‌ دلالة‌ علی درجة‌ تكون‌ الحكومة‌ مطلقة‌ فيها لجميع‌ أفراد الاُمّة‌، وهذا هو معني‌ الإمامة الملازم‌ للاولويّة‌ في‌ الشؤون‌ المتعلّقة‌ بالاُمّة‌.

 ويتبيّن‌ هذا اللفظ‌ درجة‌ جديدة‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ منّ الله‌ بها عليه‌ في‌ ذلك‌ إلیوم‌، ولم‌ يسبق‌ بها. ولا يمكن‌ أن‌ تكون‌ هذه‌ الدرجة‌ المحبّة‌ والنصرة‌. فقد كانت‌ هذه‌ الدرجة‌ موجودة‌ منذ القديم‌، وهي‌ واضحة‌ بصورة‌ عامّة‌ لجميع‌ أفراد المسلمين‌.

 إنّ لفظ‌ النَّصْب‌ في‌ موارد الإقامة‌ هو لامر الحكومة‌ وتقرير الولاية‌. مثلاً يقولون‌: نصب‌ السلطان‌ فلاناً وإلیاً وحاكماً علی المحافظة‌ الفلانيّة‌. ولايقولون‌: نصبه‌ محبّاً، أو ناصراً، أو محبوباً، أو مَنْصُوراً، وأمثال‌ ذلك‌ من‌ العناوين‌ التي‌ يشترك‌ فيها أفراد المجتمع‌ كافّة‌. وهذا هو مقام‌ الخلافة‌ والإمامة والوصاية‌ والقيام‌ بالاُمور، الذي‌ نصب‌ رسول‌ الله‌ فيه‌ عليّاً بأمر الله‌.

 روي‌ شيخ‌ الإسلام‌ الحَمُّوئي‌ّ بسنده‌ عن‌ سُلَيم‌ بن‌ قَيس‌ الهلإلی‌ّ، قال‌: رأيت‌ عليّاً عليه‌ السلام‌ في‌ مسجد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ في‌ خلافة‌ عثمان‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ وجماعة‌ يتحدّثون‌ ويتذاكرون‌ العلم‌ والفقه‌ والحديث‌. ثمّ ذكر الحديث‌ مفصّلاً حتّي‌ بلغ‌ قوله‌: « قام‌ زَيدبن‌ أرقم‌، والبَراءبن‌ عَازِب‌، وسَلمان‌، وأبو ذرّ، والمِقداد، وعمّار، وقالوا: نشهد لقد حفظنا قول‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وهو قائم‌ علی المنبر وأنت‌ إلی‌ جانبه‌ وهو يقول‌: يَا أَيَّهُا النَّاسُ! إِنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي‌ أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إمَامَكُمْ وَالقَائِمَ فِيكُمْ بَعْدِي‌ وَوَصِيَّي‌ وَخَلِيفَتِي‌، وَالَّذِي‌ فَرَضَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ علی المُؤْمِنِينَ فِي‌ كِتَابِهِ طَاعَتَهُ، فَقَرَنَهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَتِي‌، وَأَمَرَكُمْ بِوَلاَيَتِهِ. وَإِنِّي‌ رَاجَعْتُ رَبِّي‌ خَشْيَةَ طَعْنِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَتَكْذِيبِهِمْ فَأوْعَدَنِي‌ لاِبَلِّغَهَا(ظ‌) أَوْ لِيُعَذِّبَنِي‌. [19]

 وروي‌ السيّد علی شهاب‌ الدين‌ الهَمَداني‌ّ عن‌ عُمَر بن‌ الخطّاب‌ أنـّه‌ قال‌: نَصَبَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ، عَلِيَّاً عَلَمَاً، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، اللَهُمَّ أنْتَ شَهِيدي‌ عَلَيْهِمْ. [20]

 ومنها، أنّ ابن‌ عبّاس‌ قال‌ بعد فراغ‌ النبي‌ّ من‌ خطبته‌: وَجَبَتْ واللَهِ فِي‌ رِقَابِ القَوْمِ. [21]

 إذا كان‌ المراد من‌ الولاية‌ المحبّة‌ أو النصرة‌، فهل‌ يمكن‌ أن‌ نتصوّر وجهاً لكلام‌ ابن‌ عبّاس‌؟ ذلك‌ أنّ أيّاً من‌ النصرة‌ والمحبّة‌ لايحتاج‌ إلی‌ الوجوب‌ في‌ الرقاب‌، بَيدَ أنّ منصب‌ الإمامة والخلافة‌ المستلزم‌ للإمارة‌ والحكومة‌ يجب‌ في‌ رقاب‌ من‌ يريد التنصّل‌ من‌ المسؤوليّة‌، وعدم‌ الانضواء تحت‌ لواء تلك‌ الحكومة‌.

 الرجوع الي الفهرس

القصيدة‌ الكوثريّة‌ للسيّد رضا الهندي‌ّ

 وإذ نصل‌ الآن‌ إلی‌ ختام‌ البحث‌ في‌ معني‌ المَوْلَي‌ في‌ حديث‌ الغدير، أري‌ من‌ المناسب‌ جدّاً أن‌ أذكر قصيدة‌ المرحوم‌ السيّد رضا الهندي‌ّ المعروفة‌ بالقصيدة‌ الكوثريّة‌، ونتوسّل‌ إلی‌ الله‌ ببركات‌ النفس‌ النفيسة‌ لرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ و أمير المؤمنين‌ سلام‌ الله‌ عليه‌، ونستمدّ من‌ تينك‌ الروحين‌ المقدّستين‌ اللتين‌ هما أعلی من‌ روح‌ القدس‌. ونطلب‌ من‌ الذات‌ الاحديّة‌ الخير والرحمة‌ لرفع‌ عقبات‌ السير، وطي‌ّ درجات‌ القرب‌ من‌ ذينك‌ العظيمين‌.

 تضمّ هذه‌ القصيدة‌ أربعة‌ وخمسين‌ بيتاً، موضوع‌ الابيات‌ الاربعة‌ والعشرين‌ الاُولي‌ التوسّل‌ برسول‌ الله‌، وسائر الابيات‌ في‌ التوسّل‌ بأمير المؤمنين‌، وذكر محامد ومناقب‌ وفضائل‌ ذلك‌ الدرّ الثمين‌ لعالم‌ الإمكان‌:

 أمُفَلَّجُ ثَغرُكَ أَمْ جَوْهَرْ            وَرَحِيقُ رُضَابُكَ أَمْ سُكَّرْ

 قَدْ قَالَ لِثَغْرِكَ صَانِعُهُ                     إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ

 وَالخَالُ لِخَدِّكَ أمْ مِسْكٌ              نَقَّطْتَ بِهِ الوَرْدَ الاَحْمَرْ

 أمْ ذَاكَ الخَالُ بِذَاكَ الخَدّ              فَتَّيْتَ النَّدَّ علی مَجْمَرْ

 عَجَباً مِنْ جَمْرَيهِ تَذْكُو                    وَبِهَا لاَ يَحْتَرِقُ العَنبَرْ

 يَامَنْ تَبْدُو لِي‌ وَفْرَتُهُ                  في‌ صُبْحِ مُحَيَّاهُ الاَزْهَرْ

 فَأُجِنُّ بِهِ فِي‌ اللَّيْلِ إذَا             يَغْشَي   وَالصُّبْحِ إذَا أسْفَرْ

 إرْحَمْ أرِقَا لَوْ لَمْ تَمْرَض                بِنُعَاسِ جُفُونِكَ لَمْ يَسْهَرْ

 تَبْيَضُّ لِهِجْرِكَ عَيْنَاهُ                           حزَناً وَمَدَامِعُهُ تَحْمَرْ

 يَا لَلْعُشَّاقِ لِمَفْتُونٍ                    بهَوَي‌ رَشَأٍ أحْوَي‌ أحْمَرْ

 إنْ يَبْدُ لِذِي‌ طَرَبٍ غَنَّي                       أَوْ لاَحَ لِذِي‌ نُسُكٍ كَبَّرْ

 أمَنْتُ هَويً بِنُبُوَّتِه                              وَبِعَيْنَيْهِ سِحْرٌ يُؤثَرْ

 أصْفَيْتُ الوُدَّ لِذِي‌ مَلَلٍ                        عَيْشِي‌ بِقَطِيعَتِهِ كَدَّرْ

 يَا مَنْ قَدْ آثَرَ هِجْرَانِي                     وَعلی بِلُقْيَاهُ اسْتَأْثَرْ

 أقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِمَا أُوْلَتْكَ            النَّظْرَةَ مِنْ حُسْنِ المَنْظَرْ

 وَبِوَجْهِكَ إذْ يَحْمَرُّ حَياً                     وبِوَجْهِ مُحِبِّكَ إذْ يَصْفَرْ

 وَبِلُؤْلُؤِ مَبْسَمِكَ المَنْظُومْ                        ولَؤْلُؤِ دَمْعِي‌َ إذْ يُنْثَرْ

 أَنْ تَتْرُكَ هَذَا الهَجْرَ فَلَيْسَ                      یلِيقُ بِمِثْلِي‌َ أَنْ يُهْجَرْ

 فَأَجِلِ الاَقْدَاحَ بِصَرْفِ الرَّاحِ                  عَسَي‌ الاَفْرَ'حُ بِهَا تُنْشَرْ

 وَأَشْغِلْ يُمْنَاكَ بِصَبِّ الكَأ                      س وَخَلِّ يُسْرَاك‌ لِلْمَزْهَرْ

 فَدَمُ العُنْقُودِ وَلَحْنُ العُود                        يُعِيدُ الخَيْرَ وَيَنْفَي‌ الشَّرْ

 بَكِّرْ لِلسُّكْرِ قُبَيْلَ الفَجْرِ                           فَصَفْوُ الدَّهْرِ لِمَنْ بَكَّرْ

 هَذَا عَمَلِي‌ فَاسْلُكْ سُبُلِي                 إنْ كُنْتَ تَقِرُّ علی المُنْكَرْ

 فَلَقْد أَسْرَفْتُ وَمَا أَسْلَفْتُ                       لِنَفْسِي‌ مَا فِيهِ أعْذَرْ

 سَوَّدْتُ صَحِيفَةَ أَعْمَالی                         وَوَكَلْتُ الاَمْرَ إلی‌ حَيْدَرْ

 هُوَ كَهْفِي‌ مِنْ نَوْبِ الدُّنْيَا            وَشَفِيعِي‌ فِي‌ يَوْمِ المَحْشَرْ

 قَدْ تَمَّتْ لِي‌ بِوَلاَيَتِهِ                            نِعَمٌ جَمَّتْ عَنْ أَنْ تُشْكَرْ

 لاِصِيبَ بِهَا الحَظَّ الاَوفَي                     وأُخَصَّصَ بِالسَّهْمِ الاَوْفَرْ

 بِالحِفْظِ مِنَ النَّارِ الكُبْرَي                         وَالاَمْنِ مِنَ الفَزَعِ الاَكْبَرْ

 هَلْ يَمْنَعُنِي‌ وَهُوَ السَّاقِي                 أَنْ أشْرِبَ مِنْ حَوْضِ الكَوْثَرْ

 أَمْ يَطْرُدني‌ عَنْ مَائِدَةٍ                        وضِعَتْ لِلْقَانِعِ وَالمُعْتَر

 يَا مَنْ قَدْ أَنْكَرَ مِنْ آياتِ                       أبي‌ حَسَنٍ مَا لاَ يُنْكَرْ

 إنْ كُنْتَ لِجَهْلِكَ بِالاَيَّامِ                    جحَدْتَ مَقَامَ أبِي‌ شُبَّرْ

 فَاسْأَلْ بَدْراً وَاسْأَلْ أُحُداً                 وَسَلِ الاَحْزَابَ وَسَلْ خَيْبَرْ

 مَنْ دَبَّرَ فِيهَا الاَمْرَ وَمَنْ                      أرْدَي‌ الاَبْطَالَ وَمَنْ دَمَّرْ

 مَنْ هَدَّ حُصُونَ الشِّركِ وَمَنْ               شَادَ الإسلام وَمَنْ عَمَّرْ

 مَنْ قَدَّمَهُ طَـ'ه‌ وَعَلَي                                أهْلِ الإيمَانِ لَهُ أَمَّرْ

 قَاسَوْكَ أَبَا حَسَنٍ بِسِوَاكَ                       وهَلْ بَالطَّودِ يُقَاسُ الذَّرْ

 أَنـِّي‌ سَاوَوْكَ بِمَنْ نَاوَوْكَ                      وهَلْ سَاوَوْا نَعلی قَنْبَرْ

 مَنْ غَيْرُكَ مَنْ يُدْعَي‌ لِلحَرْبِ                         ولِلمِحْرَابِ وَلِلمِنْبَرْ

 أَفْعَالُ الخَيْرِ إذَا انْتَشَرتْ                    في‌ النَّاسِ فَأنْتَ لَهَا مَصْدَرْ

 وَإذَا ذُكِرَ المَعْرُوفُ فَمَا                               لِسِوَاكَ بِهِ شَي‌ءٌ يُذْكَرْ

 أَحْيَيْتَ الدِّينَ بِأَبْيَضَ قَدْ                           أَوْدَعْتَ بِهِ المَوْتَ الاَحْمَرْ

 قُطْباً لِلحَرْبِ يُدِيرُ الضَّرْبَ                        وَيَجْلُوا الكَرْبَ بِيَوْمِ الكَرْ   

 فَاصْدَعْ بِالاَمْرِ فَنَاصِرُكَ التَّبَّارُ[22]                    البَّتَّارُ وَشَانِئُكَ الاَبْتَرْ

 لَوْ لَمْ تُؤْمَرْ بِالصَّبْرِ وَكَظْمِ                            الغَيْظِ وَلَيْتَكَ لَمْ تُؤْمَرْ

 مَا نَالَ الاَمْرَ أخُو تَيمٍ                                   ولاَ تَنَاوَلَهُ مِنْهُ حَبْتَرْ

 مَا آلَ الاَمْرُ إلی‌ التَّحْكِيمِ                         وَزَايَلَ مَوْقِفَهُ الاَشْتَرْ

 لَكِنَّ أعْرَاضَ العَاجِلِ مَا                           عَلِقَتْ بِرِدَائِكَ يَا جَوْهَرْ

 أَنْتَ المُهْتَمُّ بِحِفْظِ الدِّينِ                             وَغَيْرُكَ بِالدُّنْيَا يَغْتَرْ

 أَفْعَالُكَ مَا كَانَتْ فِيهَا                                  إلاَّ ذِكْرَي‌ لِمَنِاذَّكَّرْ

 حُجَجاً ألْزَمْتَ بِهَا الخُصَمَاءَ                      وَتَبْصِرَةً لِمَنِ اسْتَبْصَرْ

 آيَاتُ جَلاَلِكَ لاَ تُحْصَي                             وَصِفَاتُ كَمَالِكَ لاَ تُحْصَرْ

 مَنْ طَوَّلَ فِيكَ مَدَائِحَهُ                            عَنْ أَدْنَي‌ وَاجِبِهَا قَصَّرْ

 فَاقْبَلْ يَا كَعْبَةَ آمَإلی                      مِنْ هَدْي‌ مَدِيحِي‌َ مَا اسْتَيْسَرْ

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ في‌ القصيدة‌ الكوثريّة‌

 أقول‌: المعروف‌ بين‌ العلماء أنّ هذه‌ القصيدة‌ كلّها منظومة‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. بَيدَ أنـّي‌ أري‌ أنّ الابيات‌ الاربعة‌ والعشرين‌ الاُولي‌ منها في‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. فالبيت‌ الاوّل‌:

 * أمُفَلَّجُ ثَغْرُكَ أَمْ جَوْهَر *

 لايناسب‌ أن‌ يكون‌ المخاطب‌ به‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. والشواهد علی ذلك‌ كثيرة‌:

 أوّلاً: نقل‌ جميع‌ المؤرّخين‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ مُفَلَّج‌ الاسنان‌، أي‌: أسنانه‌ الاماميّة‌ متفارقة‌.

 ثانياً: ذكر في‌ البيت‌ الثاني‌ قوله‌ تعإلی‌:

 * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرْ *

 والمخاطب‌ في‌ هذه‌ الآية‌ هو رسول‌ الله‌.

 ثالثاً: قال‌ في‌ البيت‌ الثاني‌ عشر:

 * آمَنْتُ هويٍّ بِنُبُوَّتِهِ *

 والنبوّة‌ لرسول‌ الله‌.

 رابعاً: قال‌ في‌ البيت‌ السادس‌ عشر:

 * وَبِوَجْهِكَ إذْ يَحْمَرّ *

 وهذا الاحمرار بسبب‌ الحياء، وقد عدّ المؤرّخون‌ من‌ صفات‌ رسول‌الله‌، قالوا: وَهُوَ رَجُلٌ حَيّي‌ٌّ. وكذلك‌ سائر الابيات‌ فإنّها تناسبه‌.

 ويواصل‌ الشاعر قصيدته‌ في‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ البيت‌ الخامس‌ والعشرين‌ الذي‌ يقول‌ فيه‌:

 سَوَّدْتُ صَحِيفَةَ أعْمَإلی‌ وَوَكَلْتُ الاْمْرَ إلی‌ حَيْدَر

 وهذا البيت‌ وما يليه‌ من‌ الابيات‌ حتّي‌ آخر القصيدة‌ قد نظمت‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. والحقّ أنّ الشاعر قد أجاد وأجمل‌ كثيراً.

 ونقل‌ أنّ هذه‌ القصيدة‌ فازت‌ بالجائرة‌ الاُولي‌ في‌ المسابقات‌ الشعريّة‌ التي‌ أُقيمت‌ في‌ العراق‌ لمدح‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. وَلِكُلِّ بَيْتٍ بَيْتٌ فِي‌ الجَنَّةِ. رَحِمَهُ اللَهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَحَشَرَهُ مَعَ مَوَإلیهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.

 روي‌ ابن‌ عساكر بسنده‌ عن‌ عمّار الدُّهني‌ّ، عن‌ أبي‌ فاختة‌، قال‌: أقْبَلَ علی وَعُمَرُ جَالِسٌ فِي‌ مَجْلِسِهِ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ تَضَعضَعَ وَتَوَاضَعَ وَتَوَسَّعَ لَهُ فِي‌ المَجْلِسِ. فَلَمَّا قَامَ علی قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ! إنَّكَ تَصْنَعُ بِعلی صَنِيعاً ما تَصْنَعُهُ بِأحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ! قَالَ عُمَرُ: وَمَا رَأَيْتَنِي‌ أَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَ: رَأَيْتُكَ كُلَّمَا رَأَيْتَهُ تَضَعْضَعْتَ وَتَوَاضَعْتَ وَأَوْسَعْتَ حَتَّي‌ يَجْلِسَ! قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي‌ وَاللَهِ إِنَّهُ لَمَوْلاَي‌َ وَمَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ. [23]

 وجاء في‌ كتاب‌ « الفتوحات‌ الإسلاميّة‌ »: حكم‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ مرّة‌ علی أعرابي‌ّ بحكم‌، فلم‌ يرض‌ بحكمه‌. فتلبّبه‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ وقال‌ له‌: وَيْلَكَ! إنَّهُ مَوْلاَكَ وَمَوْلَي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. [24]

 وأخرج‌ الطبراني‌ّ أنـّه‌ قيل‌ لعمر: إنَّكَ تَصْنَعُ بِعلی ـأي‌ مِنَ التَّعْظِيمِ ـ شـَيئاً لاَتَصْنَعُ مَعَ أحَدٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ! فَقَالَ: إنَّهُ مَوْلاَي‌َ. [25]

 إلی المجلد الثامن

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ نقلنا ملخّصاً لما يستشفّ من‌ كلام‌ الرازي‌ّ، وليس‌ كلامه‌ نصّاً.

[2] ـ الا´ية‌ 68، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[3] ـ جاء في‌ «الغدير»: ألَهْفي‌ بُقِرِّي‌ سجل‌. ولمّا يكن‌ لها معني‌ صحيح‌، راجعنا شرح‌ «ديوان‌ الحماسة‌» في‌ قول‌ جعفر بن‌ علبة‌ الحارثي‌ّ، فوجدناه‌ هكذا: ألَهْفَا بُقِرَّي‌ سَحْبَلٍ. لذلك‌ نقلناه‌ كما ورد في‌ المصدر المذكور. وجاء فيه‌ «الهمزة‌: حرف‌ نداء، لَهْفَا: منادي‌ بحذف‌ الياء أو بدونها. قُرَّي‌ ـبضمّ القاف‌ وتشديد الراء المفتوحة‌ـ: أرض‌ أو معني‌ الاجتماع‌. سَحْبَل‌: مكان‌ واسع‌. ولايا جمع‌ وليّة‌ مؤنّث‌ ولي‌ّ بمعني‌ القريب‌، أو كناية‌ عن‌ النساء، أو بمعني‌ الضعفاء الناصرين‌ للاغنياء، أو بمعني‌ العشائر والقبائل‌. وربّما رُوي‌ الموالي‌ّ بمعني‌ بني‌الاعمام‌. ثمّ قال‌: يستعمل‌ المَوْلَي‌ لعدّة‌ معان‌: العبد، والسيّد، وابن‌ العمّ، والصهر، والجار، والحليف‌، والولي‌ّ، والاولي‌ بالشي‌ء».

[4] ـ ملخّص‌ لما يستنتج‌ من‌ كلام‌ الاميني‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 351 إلي‌ 362.

[5] ـ الا´ية‌ 11، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[6] ـ الا´ية‌ 110، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[7] ـ الا´ية‌ 20، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[8] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 359.

[9] ـ «شرح‌ المواقف‌» للاءيجي‌ّ ص‌ 612.

[10] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌»، ص‌ 70، البيت‌ 242 من‌ التائيّة‌ الكبري‌.

[11] ـ تفسير «رَوح‌ الجِنان‌ وروح‌ الجَنان‌» المشهور بـ «تفسير أبي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 192، طبعة‌ مظفّري‌.

[12] ـ «مثنوي‌» طبعة‌ ميرخاني‌، ج‌ 6، ص‌ 641، س‌ 23.

 يقول‌: «لهذا السبب‌ بذل‌ النبي‌ّ غاية‌ جهده‌ فوضع‌ (المولي‌) اسماً له‌ ولعلي‌ّ.

 قال‌: من‌ كنت‌ مولاه‌، فابن‌ عمّي‌ علي‌ّ مولاه‌.

 ومن‌ هو المولي‌؟ هو الذي‌ يطلقك‌ ويفصم‌ كُبولَ الرِقّ عن‌ أقدامك‌.

 و لانّ النبوّة‌ تهدي‌ إلي‌ الحرّيّة‌، فإنّ حرّيّة‌ المؤمنين‌ الاحرار من‌ الانبياء.

 فابتهجوا أيّها المؤمنون‌، و ارفلوا بالحرّيّة‌ كالسرو والسوسن‌».

[13] ـ الا´ية‌ 6، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[14] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 371.

[15] ـ «تذكرة‌ الخواصّ» ص‌ 20.

[16] ـ «مطالب‌ السَّؤول‌» ص‌ 16.

[17] ـ «فرائد السمطين‌»، ج‌ 1، ص‌ 74، ح‌ 40؛ و «شواهد التنزيل‌»، ج‌ 1 ص‌ 157. رواها بسنده‌ عن‌ الخوارزمي‌ّ متّصلاً عن‌ أبي‌ هارون‌ العَبْدي‌ّ، عن‌ أبي‌ سعيد الخُدري‌ّ، عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

[18] ـ «فرائد السمطين‌» ج‌ 1، ص‌ 65، الباب‌ 9، الرواية‌ 30 و 31، و ص‌ 71 الباب‌ 11، الرواية‌ 38، ص‌ 71، و ص‌ 77 الباب‌ 13، الرواية‌ 44؛ و «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 157، الرواية‌ 120، وص‌ 158، الرواية‌ 213؛ و «تاريخ‌ ابن‌ عساكر» ج‌ 2، ص‌ 48، الرواية‌ 546 و 547، و ص‌ 76، الرواية‌ 577، وص‌ 78، الرواية‌ 578، وص‌ 76، الرواية‌ 575. وجاء في‌ بعض‌ روايات‌ ابن‌ عساكر: أصبحتَ مَوْلاَي‌َ وَمَوْلَي‌ كُلّ مُسْلِمٍ.

[19] ـ «فرائد السمطين‌» ج‌ 1، ص‌ 315 و 316، الباب‌ 58، الحديث‌ 50.

[20] ـ كتاب‌ «مَوَدَّة‌ القُربي‌»، حسب‌ نقل‌ «ينابيع‌ الموَدَّة‌» ص‌ 249، طبعة‌ إسلامبول‌.

[21] ـ «كشف‌ الغُمَّة‌» علي‌ّ بن‌ عيسي‌ الاءربلي‌ّ، ص‌ 94.

[22] ـ التبار: المهلک المدمر.

[23] ـ «تاريخ‌ دمشق‌»، ج‌ 2، ص‌ 82، الحديث‌ 582.

[24] ـ «الفتوحات‌ الإسلاميّة‌»، ج‌ 2، ص‌ 307.

[25] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 382 و 383. وقال‌ أيضاً: ذكره‌ الزرقاني‌ّ المالكي‌ّ في‌ «شرح‌ المواهب‌» ص‌ 13، عن‌ الدارقطني‌ّ.

 إلی المجلد الثامن

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com