بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد التاسع / القسم السادس: ورود الآیه سال سائل لمخالف ولایة علی علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

همّة‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ وجهوده‌ في‌ تشييد المذهب‌ الشيعي‌ّ (العلاّمة‌ الحلّيّ من‌ نوادر الدهر)

 كان‌ العلاّمة‌ الحلّيّ من‌ نوادر الدهر المرموقة‌، وقد كتب‌ اسمه‌ علی‌ صفحة‌ التحقيق‌ والتدقيق‌ إلی‌ الابد. وهو محيط‌ من‌ العلم‌، وبحر لاحدّ له‌ من‌ المعرفة‌ والتحقيق‌ حتّي‌ أنّ فقهاء الشيعة‌ منذ ذلك‌ الزمان‌ إلی‌ يومنا هذا محتاجون‌ إلی‌ كتبه‌ الفقهيّة‌ مثل‌ «التذكرة‌»، و «التحرير»، و «المختلف‌»، و «المنتهي‌»، و «القواعد»، و «التبصرة‌».

 وأ لّف‌ في‌ العلوم‌ العقليّة‌ والكلام‌ كتباً هي‌: «كَشْفُ المُرادِ في‌ شَرْحِ تَجْرِيدِ الاعْتِقادِ»، و «أنْوَارُ المَلَكُوتِ في‌ شَرْحِ فَصِّ إلیاقُوتِ» في‌ الكلام‌، و «نِهَايَةُ المَرَامِ في‌ عِلْمِ الكَلاَمِ»، و «القَوَاعِدُ وَالمقاصِدُ» في‌ المَنْطِقِ وَالطبِيعي‌ّ وَالاءلَهي‌ِّ، و «الاَسْرَارُ الحَقِّيَّة‌ في‌ العُلُومِ العَقْلِيَّة‌»، و «الدُّرُّ المَكْنُونُ في‌ عِلْمِ القَانُونِ» في‌ المنطق‌، و «المُبَاحِثَاتُ السَّنِيَّةُ وَالمُعَارِضَاتُ النَّصيريَّةُ»، و «المُقاوِمَات‌» الذي‌ ناقش‌ فيه‌ الحكماء السابقين‌، و «حَلُّ المُشْكِلاَتِ مِنْ كِتَابِ التَّلْوِيحاتِ»، و «إيضَاحُ التَّلْبيس‌ في‌ كَلاَمِ الرئيس‌»، الذي‌ ناقش‌ فيه‌ ابن‌ سينا، و «القَواعِدُ الجَلِيَّةُ في‌ شَرْحِ الرِّسالَةِ الشَّمْسِيَّة‌»، و «الجَوْهَرُ النَّضِيدُّ في‌ شَرحِ التَّجْرِيد» في‌ علم‌ المنطق‌، و «إيضَاحُ المَقاصِدِ مِنْ حِكْمَةِ عَيْنِ القَوَاعِدِ»، و «نَهْجُ العِرْفَانِ في‌ عِلْمِ المِيزانِ»، و «كَشْفُ الخِفَاء مِنْ كِتَابِ الشِّفَاء» في‌ الحِكْمَةِ، و «تَسْلِيكُ النَّفْسِ إلی‌ حَظيرَةِ القُدْسِ» في‌ عِلْمِ الكَلاَمِ، و «مَرَاصِدُ التدقِيقِ وَمَقَاصِدُ التَّحْقِيق‌» في‌ المَنْطِقِ وَالطَّبِيعِي‌ّ وَالاءلَهي‌ِّ، و «المُحاكِمَاتُ بَيْنَ شُرَّاحِ الاءشَارَاتِ»، و «مِنْهَاجُ الهِدَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ» في‌ علم‌ الكلام‌، و «اسْتِقْصَاءُ النَّظَر في‌ القَضَاءِ وَالقَدَر».

 وأ لّف‌ العلاّمة‌ في‌ أُصول‌ المذهب‌ ـمضافاً إلی‌ كتاب‌ «منهاج‌ الكرامة‌» ـ كتباً أُخري‌ مثل‌: «مَنَاهِج‌ إلیقين‌»، و «نهج‌ الحقّ» الذي‌ ردّ علیه‌ فَضْل‌بن‌ رُوزبَهان‌، و «نهج‌ المسترشدين‌»، و «رسالة‌ واجب‌ الاعتقاد»، و «كشف‌ الحقّ ونهج‌ الصدق‌»، الذي‌ يدور حول‌ مناظرة‌ العلاّمة‌ مع‌ علماء المذاهب‌ الاربعة‌ بحضور السلطان‌ خدابنده‌. وأشار القاضي‌ السيّد نورالله‌ الشوشتري‌ّ في‌ بداية‌ كتابه‌: «إحقاق‌ الحقّ» إلی‌ قسم‌ من‌ هذه‌ المناظرة‌ وذكر سبب‌ تغلّب‌ العلاّمة‌ علی‌ فقهاء المخالفين‌ بالادلّة‌ الباهرة‌ والبراهين‌ الساطعة‌، إذ أدانهم‌ عند السلطان‌ حتّي‌ أقرّوا بعجزهم‌ وخُذلوا جميعاً.

 وفي‌ كتاب‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» للشهيد القاضي‌ نورالله‌ أ علی‌الله‌ تعإلی‌ مقامه‌ نقلاً عن‌ تاريخ‌ حَافِظ‌ أبْرو السني‌ّ المتعصِّب‌، وغيره‌ أنّ السلطان‌ الجاتيو محمّد المغوليّ الملقّب‌ بشاه‌ خدابنده‌ لمّا ذكر في‌ خاطره‌ حقّيّة‌ مذهب‌ الاءماميّة‌ علی‌ الاءجمال‌، أمر بإحضار علمائهم‌، وكان‌ ممّن‌ حضر لديه‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ جماعة‌ من‌ علماء الشيعة‌، فصدر الامر الاقدس‌ بقيام‌ الشيخ‌ نظام‌ الدين‌ عبد الملك‌ المراغيّ الذي‌ كان‌ هو أفضل‌ علماء الشافعيّة‌ بالمناظرة‌ مع‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ أمر الاءمامة‌.

 فاتّفق‌ أن‌ غلب‌ العلاّمة‌ علیه‌ بإقامة‌ البراهين‌ القاطعة‌ علی‌ إثبات‌ خلافة‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌، وفساد دعوي‌ الخلفاء الثلاثة‌، بحيث‌ لم‌يبق‌ لاحد من‌ الحاضرين‌ شبهة‌ فيه‌.[1] ولمّا رأي‌ الشيخ‌ نظام‌ الدين‌ المراغيّ بهت‌ نفسه‌ وخجلها وانكسارها، أخذ في‌ الثناء علی‌ العلاّمة‌، وبيان‌ محاسنه‌ ومحامده‌، وقال‌:

 قوّة‌ أدلّة‌ هذا الشيخ‌ (العلاّمة‌) في‌ غاية‌ الظهور، إلاّ أنّ السلف‌ منّا سلكوا طريقاً، وسكت‌ الخلف‌ عن‌ زلل‌ أقدامهم‌ لاءلجام‌ العوامّ، ودفع‌ شقّ عصا أهل‌ الإسلام‌. فحريّ أن‌ لاتهتك‌ أسرارهم‌، ولايُتَظاهَر في‌ اللعن‌ علیهم‌.

 قال‌ حافظ‌ أبْرُو بعد هذا الكلام‌: جرت‌ بعد ذلك‌ مناظرات‌ كثيرة‌ بين‌ العلاّمة‌ الحلّيّ والشيخ‌ نظام‌ الدين‌ المراغي‌ّ، وكان‌ نظام‌ يلتزم‌ باحترامه‌ العلاّمة‌ فيها جميعاً، ويسعي‌ في‌ تعظيم‌ حرمته‌ كثيراً [2] ـ انتهي‌.

 وهذه‌ منقبة‌ للعلاّمة‌ يقيناً إذ له‌ منّة‌ علی‌ مذهب‌ التشيّع‌، وأ نّها عناية‌ عظيمة‌ للشيعة‌ وأهل‌ الحقّ. ولا ينكر ذلك‌ أحد من‌ المخالفين‌ والمؤالفين‌ حتّي‌ أ نّي‌ رأيت‌ في‌ بعض‌ تواريخ‌ العامّة‌ أنّ أصحابها سردوا القصّة‌ بالنحو الآتي‌:

 من‌ الوقائع‌ المرّة‌ سنة‌ 707 ه إظهار خدا بنده‌ التشيّع‌ بإضلال‌ ابن‌ المُطَهَّر الحلّي‌ّ.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ هذا الكلام‌ نابع‌ من‌ قلب‌ محروق‌ لامجال‌ عنده‌ لاءنكاره‌. [3]

 وأخذ العلاّمة‌ بعد ذلك‌ بتشييد أساس‌ الحق‌، وترويج‌ المذهب‌ علی‌ حسب‌ ما يريد بمعونة‌ هذا السلطان‌ الواعي‌ والمستبصر الرؤوف‌ المحبّ للعلم‌. وكتب‌ باسمه‌ كتاب‌ «مِنْهَاج‌ الكَرَامة‌» في‌ الاءمامة‌، وكتاب‌ «إلیقين‌» المتقدّم‌. وبلغ‌ من‌ المنزلة‌ والقرب‌ لدي‌ السلطان‌ بما لامزيد علیه‌. وفاق‌ في‌ ذلك‌ سائر علماء حضرة‌ السلطان‌ مثل‌: القاضيّ ناصرالدين‌ البيضاوي‌ّ، والقاضي‌ عضدالدين‌ الاءيجي‌ّ، ومحمّد بن‌ محمود الآملي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌» و «شرح‌ المختصر» وغيرهما، و «الشيخ‌ نظام‌الدين‌ عبداللمك‌ المراغي‌ّ، المولي‌ بدرالدين‌ الشوشتري‌ّ، و المولي‌ عزّالدين‌ الاءيجي‌ّ، و السيّد برهان‌ الدين‌العبري‌ّ، وغيرهم‌. وجميعهم‌ كانوا خاضعين‌ لهيمنة‌ العلاّمة‌ ونظره‌.

 وكان‌ العلاّمة‌ في‌ القرب‌ والمنزلة‌ عند السلطان‌ بحيث‌ كان‌ لايرضي‌ أن‌ يفارقه‌ في‌ حضر ولاسفر، وذلك‌ حرصاً منه‌ علی‌ حفظ‌ أفكاره‌ في‌ الاستقامة‌ علی‌ طريق‌ الحقّ، وعدم‌ تشويش‌ ذهنه‌ بالوساوس‌ الشيطانيّة‌ للمخالفين‌ والمنحرفين‌. وأ نّي‌ ظهرت‌ وسوسة‌ من‌ ملحد، فإنّه‌ يجيب‌ بعلمه‌ وحكمته‌. لذلك‌ أمر السلطان‌ لجنابه‌ بترتيب‌ مدرسة‌ سيّارة‌ ذات‌ حجرات‌ للطلاّب‌، ومدارس‌ من‌ الخيام‌ الكرباسيّة‌[4] للتدريس‌. وأينما كان‌ يذهب‌ خدابنده‌ مع‌ جيشه‌ أو بدونه‌، كانت‌ هذه‌ المدرسة‌ السيّارة‌ للعلاّمة‌ ترافقه‌. وإذا ما وقف‌ السلطان‌ في‌ مكان‌، ونزل‌ في‌ منزل‌، فإنّ هذه‌ المدرسة‌ الكرباسيّة‌ تنصب‌ فوراً، ويشرع‌ الطلاّب‌ والمدرّسون‌ في‌ المطالعة‌ والتإلیف‌ والتصنيف‌ مع‌ ذلك‌ العالم‌ الجليل‌.

 ونقل‌ أنّه‌ وجدت‌ في‌ أواخر بعض‌ الكتب‌ للعلاّمة‌ هذه‌ الجملة‌: وقع‌ الفراغ‌ من‌ هذا الكتاب‌ في‌ المدرسة‌ السيّارة‌ السلطانيّة‌ في‌ كرمانشاهان‌.

 وإنّ تأسيس‌ هذه‌ المدرسة‌ المهمّة‌ من‌ قبل‌ خدابنده‌ غيربعيد، إذ جاء في‌ كتب‌ التأريخ‌ أنّه‌ كان‌ يحبّ العلم‌، ويحبّ العلماء حبّاً شديداً، ويعتني‌ بالعلماء والصلحاء، فلهذا حصل‌ للعلم‌ والفضل‌ في‌ زمانه‌ ازدهار تامّ، ورواج‌ كثير. ومن‌ العجيب‌ أنّ وفاة‌ العلاّمة‌ اتّفقت‌ في‌ سنة‌ وفاة‌ السلطان‌ المذكور. [5]

 درس‌ العلاّمة‌ علم‌ الكلام‌ والفقه‌ والاُصول‌ والعربيّة‌ وسائر العلوم‌ الشرعيّة‌ عند خاله‌ المحقّق‌ نجم‌ الدين‌ أبي‌ القاسم‌ صاحب‌ الشرائع‌، وعند أبيه‌ الشيخ‌ سديدالدين‌ يوسف‌، ودرس‌ المطالب‌ العقليّة‌ والفلسفة‌ والحكمة‌ عند أُستاذ البشر والعقل‌ الثاني‌ عشر: الخواجة‌ نصيرالدين‌ الطوسي‌ّ، والشيخ‌ عمر الكاتبيّ القزويني‌ّ، وغير هؤلاء سواء كانوا من‌ الخاصّة‌ أو العامّة‌. واستفاد علميّاً من‌ الاخوين‌ العظيمين‌ علی‌ّبن‌ طاووس‌، وأحمدبن‌ طاووس‌ أيضاً. [6]

 الرجوع الي الفهرس

حسد ابن‌ تيميّة‌ العلاّمة‌ الحلّيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌

 أجل‌، لمّا طار ذكر العلاّمة‌ وعلومه‌ ومقامه‌ وتقدّم‌ مدرسته‌ العلميّة‌ والمذهبيّة‌ في‌ الآفاق‌، افتضح‌ المخالفون‌ في‌ الاطراف‌ والاكناف‌ وخذلوا، وكانوا يستنسخون‌ كتبه‌ في‌ نسخ‌ متعدّدة‌، ويدرّسونها الناس‌ في‌ المجالس‌ والمحافل‌، ومن‌ هذه‌ الكتب‌: «منهاج‌ الكرامة‌» الذي‌ وقع‌ بيد ابن‌ تيميّة‌ و علی‌ الرغم‌ ممّا يكنّه‌ هذا الرجل‌ من‌ حقد وحسد في‌ قلبه‌ بسبب‌ بغض‌ الخلفاء وفقدان‌ منزلتهم‌ في‌ قلوب‌ الناس‌. وبسبب‌ علوّ شأن‌ أهل‌ البيت‌ والائمّة‌ الطاهرين‌ ورفع‌ أسمائهم‌. فإنّه‌ أ لّف‌ كتاب‌ «منهاج‌ السُّنَّة‌» في‌ ردّ مذهب‌ أهل‌ البيت‌. ومعلوم‌ أنّ كتاباً يكتب‌ في‌ دحض‌ مذهب‌ الحقّ، كيف‌ يكون‌، وما هو الطابع‌ الذي‌ يتّسم‌ به‌. فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلَـ'لُ فَأَ نَّي‌' تُصْرَفُونَ* كَذَ ' لِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ علی‌ الَّذِينَ فَسَقُو´ا أَ نَّهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ. [7]

 إنّه‌ يعتبر الشيعة‌ في‌ كتابه‌ من‌ أتباع‌ إلیهود. وخصّص‌ الصفحات‌ الثلاث‌ الاُولي‌ من‌ كتابه‌ تقريباً لقياس‌ عقائد الشيعة‌ بعقائد إلیهود.[8] ولم‌ يتورّع‌ عن‌ ذلك‌، ولم‌ يتوان‌ لحظة‌ واحدة‌ عن‌ الافتراء علیهم‌ وإلصاق‌ التهم‌ بهم‌، ولم‌يرعوِ عن‌ السبّ والشتم‌ والتفوّه‌ بالكلمات‌ البذيئة‌.

 ثمّ يذكر العلاّمة‌ باسم‌ الرافضي‌ّ. وينقل‌ عباراته‌ وجمله‌ من‌ «منهاج‌ الكرامة‌» واحدة‌ تلو الاُخري‌، ويدحضها قائلاً: كذب‌. وبلغت‌ به‌ صفاقته‌ حدّاً أنّه‌ ينكر بيعة‌ الغدير بصراحة‌ ويقول‌: اختلقها الروافض‌. وهنا ينبغي‌ أن‌ نقول‌ له‌ أيّها الحَسُودُ العَنُود!

 اين‌ جهان‌ پر آفتاب‌ و نور و ماه‌                                 تو بخفته‌ سر فرو برده‌ به‌ چاه‌

 كه‌ اگر حقّ است‌ پس‌ كو روشني‌                                سر بر آر از چاه‌ و بنگر أي‌ دَنِيّ [9]

 جمله‌ عالم‌ شرق‌ وغير آن‌ نور يافت‌                             تا تو در چاهي‌ نخواهد بر تو تافت‌ [10]

 ويستشهد بالقرآن‌ وأحاديثه‌ التي‌ لا سند لها ولا دلالة‌ علی‌ مراده‌، ويكتفي‌ بقوله‌: لمّا كان‌ السلف‌ الصالح‌: الخلفاء الثلاثة‌ مع‌ رسول‌الله‌، وأعطوا من‌ أموالهم‌، فلا يحقّ لنا أن‌ نعترض‌ علیهم‌ أبداً. وهم‌ كلّهم‌ صلحاء وعدول‌، وهم‌ سادة‌ هذه‌ الاُمّة‌.

 إنّ نتيجة‌ تكذيب‌ الحقّ والحقيقة‌، والسحق‌ علی‌ المسلّمات‌ والضروريّات‌ علی‌ أساس‌ التعصّب‌ الجاهليّ والحميّة‌ الجاهليّة‌، تكذيب‌ للّه‌ ورسوله‌ وولايته‌. وهنا تدّل‌ الآيات‌ المباركة‌ الآتية‌ علی‌ معناها جيّداً:

 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم‌ بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَانءِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا* ذَ'لِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُو´ا ءَايَـ'تِي‌ وَرُسُلِي‌ هُزُوًا. [11]

 إنّ عقائد الوهّابيّة‌ الذين‌ يتمسّكون‌ بالمذهب‌ الحنبليّ مأخوذة‌ من‌ ابن‌ تيميّة‌، وإنّ جميع‌ البدع‌ التي‌ تشاهدونها هذا إلیوم‌ من‌ جمود وتعنّت‌، وقسوة‌، وعدم‌مروءة‌، وعدم‌امتلاك‌ العقل‌ الصحيح‌، والمنطق‌ التامّ، كلّها من‌ مدرسة‌ ابن‌ تيميّة‌.

 إنّكم‌ لا تستطيعون‌ أن‌ تناقشوا وهّابيّاً! لا نّه‌ لايدع‌ مجالاً للنقاش‌. وما إن‌ يتفوّه‌ بشي‌ء إلاّ ويكفّر ويلصق‌ تهمة‌ الشرك‌ بمن‌ هو بري‌ء منها، ويقول‌: أنتم‌ لستم‌ مسلمين‌ أساساً! أسلموا، حتّي‌ نناقشكم‌، وبهذا الاُسلوب‌ حجبوا أذهان‌ عوامّهم‌ وألجموهم‌. يقولون‌: الإسلام‌ هو الوهّابيّة‌ فحسب‌. كونوا وهّابيّن‌، ثمّ نناقشكم‌! تفرّجوا وانظروا! كيف‌ يصادرون‌ الحقائق‌، ويعتبرون‌ الدور الذي‌ هم‌ من‌ المستحيلات‌ ممكناً. أي‌: أنّ المنطق‌ والنقاش‌ والبحث‌، كلّ ذلك‌ خطأ. ولا وجود إلاّ للسوط‌. أُفٍّ لَكم‌!!

 يقولون‌: لماذا تسجدون‌ علی‌ التربة‌؟ لماذا تقنتون‌ في‌ صلاتكم‌؟! لماذا تقولون‌: حي‌ّ علی‌ خير العمل‌ في‌ صلاتكم‌؟! ونحن‌ نقول‌: لماذا لاتسجدون‌ أنتم‌ علی‌ التربة‌؟ ولماذا لاتقنتون‌؟! ولماذا لاتقولون‌: حي‌ّ علی‌ خير العمل‌؟!

 هذه‌ مسائل‌ فقهيَّة‌، وكلّ شخص‌ تابع‌ لكلّيّات‌ مذهبه‌ وأُصوله‌، فلماذا تجعلون‌ النزاع‌ بيننا في‌ هذه‌ الاُمور؟ والخلاف‌ قائم‌ بين‌ الفقهاء في‌ المسائل‌ الفقهيّة‌ دائماً. وهو موجود بكثرة‌ بين‌ المذاهب‌ السنّيّة‌ الاربعة‌ أيضاً. ونحن‌ لانقاش‌ لنا في‌ هذه‌ الاُمور مبدئيّاً. وبعد ثبوت‌ المذهب‌، كلّ امري‌ٍ يتبع‌ الفقيه‌ المتخّصص‌ في‌ مذهبه‌. وينبغي‌ له‌ طبيعيّاً أن‌ ينتهج‌ خطّه‌ علی‌ أساس‌ المبادي‌ المسلّمة‌ الثابتة‌ لذلك‌ المذهب‌ نفسه‌.

 الرجوع الي الفهرس

نزاع‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ أُصول‌ الشريعة‌

 إنّ إشكالنا علیكم‌ في‌ الاُصول‌! وفي‌ أصل‌ الولاية‌ بالذات‌! وفي‌ غصب‌ الخلفاء الثلاثة‌ حقّ الخلافة‌ من‌ صاحبها الشرعي‌ّ. ومخالفتهم‌ نصَّ القرآن‌، وإيذائهم‌ رسولَالله‌، وإنكار الحقّ بعد عرفانه‌.

 يقول‌ الشيعة‌: نحن‌ لا نستطيع‌ أن‌ نتغاضي‌ عن‌ النّص‌ الصريح‌ للقرآن‌، ونهمل‌ الاخبار الصحيحة‌ المستفيضة‌ التي‌ ذكرها أهل‌ السنّة‌ أنفسهم‌ في‌ كتبهم‌. وهذا القرآن‌، وهذه‌ سنّة‌ الرسول‌ الاكرم‌ يأمراننا أن‌ نتبرّأ من‌ أبي‌ بكر، وعمر، وعثمان‌. وجعلهم‌ القرآن‌ هدفاً للعنة‌الله‌ وعذابه‌ المهين‌. فكيف‌ نخالف‌ القرآن‌؟!

 يقول‌ الشيعة‌: إنّ علماءكم‌ الكبار كالبخاري‌ّ، ومسلم‌، وغيرهما رووا أنّ رسول‌الله‌ لمّا مات‌، أرسلت‌ فاطمة‌ إلی‌ أبي‌ بكر، وطلبت‌ إرثها ممّا ترك‌ أبوها من‌ فدك‌، وما بقي‌ من‌ خمس‌ خيبر، فأبي‌ أبوبكر أن‌ يدفع‌ إلیها شيئاً فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ علی‌ أَبِي‌ بَكْرٍ وَجْداً شَدِيداً وَهَجَرَتْهُ وَلَمْتُكَلِّمْهُ حَتَّي‌ مَاتَتْ وَهِي‌َ وَاجِدَةٌ علیهِ. [12]

 الرجوع الي الفهرس

العامّة‌ يتبعون‌ حكّام‌ الجور مع‌ العلم‌ والوجدان‌

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فإنّ أئمّتكم‌ في‌ الحديث‌ وأكابركم‌ كالحميديّ صاحب‌ «الجمع‌ بين‌ الصحيحين‌»، يروون‌ أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي‌ يُؤْذيني‌ مَنْ آذَاهَا.

 يأخذ الشيعة‌ هذين‌ الحديثين‌، ويجعلونها صغري‌ وكبري‌ الشكل‌ الاوّل‌ في‌ القياس‌ البرهاني‌ّ، ويقولون‌:

 أبُو بَكْرٍ آذَي‌ فَاطِمَةَ علیهَا السَّلاَمُ، وَمَنْ آذَي‌ فَاطِمَةَ آذَيَ رَسُولَاللَهِ. وَيُسْتَنْتَج‌ منه‌ أنّ أبا بكر آذي‌ رسول‌ الله‌.

 ولمّا ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ قوله‌ تعإلی‌: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَهَ وَرَسُولَهُ و لَعَنَهُمُ اللَهُ فِي‌ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا. [13]

 ف علی‌ هذا يكون‌ مفاد الآية‌ القرآنيّة‌ كبري‌ قياس‌ آخر قد استُنتِج‌ صغراه‌ كالآتي‌: أبُوبَكْرٍ آذَي‌ رَسُولَ اللَهِ، وَمَنْ آذَي‌ رَسُولَاللَهِ لَعَنَهُ اللَهُ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً مُهِيناً.

 في‌ ضوء ذلك‌، فإنّ أبا بكر مطرود من‌ الرحمة‌، مشمول‌ بلعنة‌الله‌ حسب‌ ما نصّ علیه‌ القرآن‌ صريحاً.

 ماذا يمكن‌ للسنّة‌ أن‌ يقولوا في‌ مقابل‌ هذا البرهان‌؟! إذ هو برهان‌. وليس‌ خطابة‌ أو شعراً أو مغالطة‌، أو حتّي‌ جدلاً. ومقدّماته‌ من‌ المسلّمات‌ وإلیقينيّات‌.

 هل‌ يتسنّي‌ للسنّة‌ أن‌ يقولوا: لا نقبل‌ القرآن‌ الذي‌ هو كبري‌ المسألة‌! أو لانقبل‌ الصغري‌ الواردة‌ في‌ كتب‌ معظمهم‌ كالصحيحين‌؟ إنّهم‌ يقولون‌ فقط‌: القرآن‌ مسلَّم‌ ثابت‌، والاحاديث‌ الصحيحة‌ مسلَّمة‌ ثابتة‌، وهذه‌ الاحاديث‌ صحيحة‌ أيضاً، ولكن‌ اتركوا انتقاء الصغري‌، ووضع‌ الكبري‌، والاستنتاج‌! هذا القياس‌ والمنطق‌ لاينفعانكم‌ شيئاً. والسَّلَف‌ الصالح‌ كلّهم‌ عدول‌. ولاينبغي‌ مؤاخذتهم‌ حفظاً للاءسلام‌! هذا هو منطق‌ المناوئين‌! وهذا هو منطق‌ ابن‌ تيميّة‌. إذ يقول‌ هو وأمثاله‌: ينبغي‌ أن‌ ندوس‌ علی‌ الفهم‌، ونمحق‌ العقل‌، ونتّبع‌ حكّام‌ الجور اتّباعاً أعمي‌.

 حسناً! نحن‌ نقول‌ أيضاً: لا علاقة‌ لنا بأعمالهم‌، صالحة‌ كانت‌ أم‌ سيئة‌، فهي‌ من‌ شأنهم‌، لقد جاؤوا وذهبوا، ولكلّ واحد منهم‌ كتاب‌ عمله‌ مستقلاّ، و علی‌ الله‌ حسابهم‌، فماذا يخصّنا نحن‌ حتّي‌ نكرّس‌ أوقاتنا وأعمارنا فنكشف‌ الستار عن‌ إضبارة‌ شخص‌ كان‌ يعيش‌ قبل‌ أربعة‌ عشر قرناً؟! ولكنّ موضع‌ الحديث‌ هنا، وهو: لو قدّر أن‌ نتّخذ أعمال‌ أُولئك‌ وسلوكهم‌، وخطبهم‌، وقوانينهم‌، وت علیماتهم‌ أُسوة‌ لنا، وعلمنا بها، وتصرّفنا تبعاً لسنّتهم‌، فيمكن‌ القول‌ أيضاً: ما هي‌ الضرورة‌ للتحقيق‌ والتفحّص‌؟ وهل‌ التجسّس‌ إلاّ متلفة‌ للعمر؟ أو لا. ينبغي‌ أن‌ نصرف‌ ليس‌عمراً واحداً فحسب‌، بل‌ أعماراً كثيرة‌ لنكشف‌ النقاب‌ عن‌ زلّتهم‌ فضلاً عن‌ زلاّتهم‌، وأخطائهم‌، وخياناتهم‌، وجرائمهم‌، ونعلن‌ بصراحة‌ أنّ هؤلاء الجهّال‌ المتنسّكين‌ لايستحقّون‌ الاءمامة‌ والخلافة‌. وليس‌ لهم‌ أن‌ يكونوا قدوة‌ الناس‌ في‌ أعمالهم‌ وأخلاقهم‌ وعقائدهم‌.

 إنّ ابن‌ تَيْميَّة‌ لمّا رأي‌ أن‌ لاشكّ ولاتردّد في‌ هذه‌ الروايات‌ الكثيرة‌ الواردة‌ في‌ الكتب‌ المعتبرة‌ عند العامّة‌ مثل‌ «تفسير الثعلبي‌ّ»، و «تفسير أبي‌ السُّعُود» وغيرهما، وهي‌ مرويّة‌ عن‌ الصحابيّ الجليل‌ حُذَيفة‌بن‌ إلیمان‌، وعن‌ سُفيان‌بن‌ عُيَيْنَةَ الذي‌ لا تردّد في‌ إمامته‌ في‌ الحديث‌ والتفسير والوثاقة‌ لدي‌ العامّة‌، جاء وقال‌ ما قال‌ في‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌: سأَلَ سَآئِلٌ، ولو قُدِّر أن‌ يقرّ بسبب‌ نزولها، فإنّها تضعضع‌ أساس‌ خلافة‌ أبي‌ بكر، وعمر، إذ إنّ ما جاء في‌ الروايات‌ هو أنّ ذلك‌ المنكر السائل‌ جادل‌ النبي‌ّ، وقال‌: ألم‌ يكفك‌ أ نّك‌ أمرتنا بكلّ هذه‌ الفروض‌، حتّي‌ رفعت‌ ضَبْعَي‌ ابن‌ عمّك‌ وأمّرته‌ علینا؟! فهل‌ هذا منك‌ أم‌ من‌ الله‌؟!

 تدّل‌ هذه‌ الروايات‌ بصراحة‌ أنّ المراد من‌ المولي‌ في‌ الحديث‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی‌ٌّ مَوْلاَهُ هو الاءمارة‌ والاءمامة‌ والخلافة‌ وتدبير الشؤون‌ العامّة‌. ولايفسّر السنّة‌ الولاية‌ بهذا المعني‌، لذلك‌ يحجمون‌ عن‌ الاعتراف‌ بمفاد حديث‌ الغدير ومعناه‌ الحقيقيّ مع‌ تسليمهم‌ بوجوده‌. إنّهم‌ يقولون‌: إنّ عمر وأبابكر سمعا حديث‌ الغدير أيضاً. وهنّئا علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ بقولهما: بَخٍّ بَخٍّ، بَيدَ أنّه‌ لو كان‌ معني‌ الولاية‌ هو الاءمامة‌، لما خالفا، فلايعني‌ المولي‌ ـإذَن‌ـ أنّه‌ الاءمام‌. بل‌ هو الناصر، ابن‌ العمّ، والمحبّ، ونظائر ذلك‌.

 ولكنّ اعتراض‌ الحارث‌ بن‌ النعمان‌ الفهريّ علی‌ رسول‌الله‌ في‌ الآية‌: سَأَلَ سَآئلٌ كان‌ علی‌ أساس‌ فهمه‌ أنّ المراد هو الاءمامة‌ والخلافة‌، لا نّه‌ فهم‌ الاءمامة‌ من‌ قوله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ. فلهذا نجد أنّ ابن‌ تيميّة‌ المتعصّب‌ لابدّ له‌ أن‌ ينكر ذلك‌ كيفما كان‌، وإلاّ فإنّ أُسس‌ مذهبه‌ سوف‌ تنهار.

 وللّه‌ الحمد فقد انهارت‌ ولم‌ تبق‌ لمذهبه‌ ومذهب‌ أصحابه‌ كرامة‌ واعتبار من‌ خلال‌ بحوث‌ العلماء الابرار حماة‌ التشيّع‌.

 الرجوع الي الفهرس

أعيان‌ علماء العامّة‌ ذكروا الآية‌: سَأَلَ سَآئِلٌ في‌ منكر علی‌ّ علیه‌ السلام‌

 إنّ ابن‌ تيميّة‌ يسجّل‌ علی‌ هذا الحديث‌ عدداً من‌ الاءشكالات‌: الاوّل‌: أنّ أصل‌ هذه‌ النسبة‌ كذب‌ وافتراء، وأنّ إجماع‌ العلماء علی‌ أنّ الآية‌ نزلت‌ في‌ شأن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ كذب‌ أكبر وافتراء أهمّ، لا نّه‌ لم‌يرو هذا الحديث‌ أحد من‌ العلماء الذين‌ يفهمون‌ ماذا يقولون‌.

 الجواب‌: إنّ نسبة‌ الكذب‌ إلی‌ هذا الحديث‌ كذب‌ محض‌ وافتراء، وقوله‌ إنّ أحداً من‌ العلماء الذين‌ يفهمون‌ ماذا يقولون‌ لم‌يروه‌، كذب‌ أكبر وافتراء أهمّ.

 هل‌ أمثال‌ أبي‌ عُبيدة‌ الهروي‌ّ، والثعلبي‌ّ، وأبي‌ بكر النقّاش‌، وسفيان‌بن‌ عُيينة‌، والقزويني‌ّ، والقرطبي‌ّ، والحاكم‌ الحسكاني‌ّ، والسَّمْهُودِي‌ّ، وابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌ّ، حتّي‌ يصل‌ النصاب‌ إلی‌ ثلاثين‌ شخصاً من‌ كبار العامّة‌ وأعلامهم‌ الذين‌ نقلوا هذا الحديث‌ في‌ كتب‌ التفسير والحديث‌ والتأريخ‌ التي‌ أ لّفوها، كانوا علی‌ درجة‌ من‌ الغباء بحيث‌ لم‌يفهموا ماذا يقولون‌؟ وهل‌ كان‌ نقلهم‌ هذا الحديث‌ في‌ كتبهم‌ من‌ باب‌ نقل‌ الهذيان‌ والهذر؟! أو من‌ باب‌ نقل‌ الروايات‌ والقصص‌ والاساطير؟!

 وعندما يعترف‌ ابن‌ تيميّة‌ نفسه‌ بهؤلاء الاعلام‌ أرباباً للعلم‌ والحديث‌، فإنّ نسبة‌ الجهل‌ وعدم‌ الفهم‌ إلیهم‌ تعني‌ نسبتهما إلیه‌ ذاته‌. وأ نّه‌ اعتراف‌ بالحسد، والحقد، والبغض‌.

 الرجوع الي الفهرس

مماحكة‌ ابن‌ تيميّة‌ في‌ معني‌ الابطح‌

 الابطح‌ لا يخصّ مكّة‌

الاءشكال‌ الثاني‌: جاء في‌ الاثر أنّ هذا الحديث‌ لمّا شاع‌ وانتشر في‌ الآفاق‌، ركب‌ الحَرْث‌بن‌ النعمان‌ ناقته‌، وجاء إلی‌ الابطح‌، وبينما كان‌ رسول‌الله‌ في‌ الابطح‌، نزل‌ وجاء إلیه‌ وقال‌ له‌ ما قال‌. علماً أنّ الابطح‌ كان‌ في‌ مكّة‌ وليس‌ في‌ المدينة‌. وأنّ رسول‌ الله‌ لم‌ يرجع‌ إلی‌ مكّة‌ بعد واقعة‌ الغدير التي‌ كانت‌ في‌ إلیوم‌ الثامن‌ عشر من‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ بإجماع‌ الشيعة‌ والسنّة‌، إلی‌ أن‌ وافاه‌ الاجل‌ بعد شهري‌ محرّم‌ وصفر.

 الجواب‌: هذا المسكين‌ كان‌ جاهلاً أو متجاهلاً أنّ الابطح‌ ليس‌عَلَماً لموضع‌ خاصّ في‌ مكّة‌، بل‌ إنّ الابطح‌ والبطحاء اسم‌ جنس‌ لكلّ مكان‌ واسع‌ تجمّع‌ فيه‌ دقاق‌ الحصي‌ بواسطة‌ السيل‌ أو هبوب‌ الرياح‌، وأرضه‌ غيرصالحة‌ للزراعة‌ لعدم‌وجود التراب‌ فيها. ومثل‌ هذه‌ الارض‌ موجود في‌ مكّة‌، والمدينة‌، والعراق‌، وفي‌ كثير من‌ النقاط‌ الاُخري‌ التي‌ تنشر الرياح‌ دقاق‌ الرمل‌ والحصي‌ في‌ أرضها، أو أنّ تلك‌ الرمال‌ تترسّب‌ فيها بعد مَغاض‌ الماء الذي‌ استوعب‌ الوادي‌ كلّه‌، فتصبح‌ أرضاً رمليّة‌ في‌ درجة‌ عإلیة‌ من‌ الرخاوة‌.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ أهل‌ اللغة‌ في‌ الابطح‌ أنّه‌ المسيل‌ الواسع‌ الذي‌ فيه‌ الرمل‌ والحصي‌

 قال‌ في‌ «تاج‌ العروس‌»: وَالبَّطِح‌ علی‌ وزن‌ كَتِف‌ رمل‌ في‌ بطحاء. وذكر الجوهري‌ّ وغيره‌ أنّ (البَطيحة‌، والبَطْحَاء، والابْطَح‌) مسيل‌ واسع‌ فيه‌ دقاق‌ الحصي‌. ومن‌ الاباطح‌ أبطح‌ مكّة‌ الوارد في‌ الحديث‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ بالابطح‌. يعني‌ أبطح‌ مكّة‌، وهو مسيل‌ واديها. وعن‌ أبي‌ حنيفة‌: الابطح‌ لاينبت‌ شيئاً، إنّما هو بطن‌ المسيل‌. وعن‌ النَضْر: البطحاء بطن‌ التلعة‌ والوادي‌، وهو التراب‌ السهل‌ في‌ بطونها ممّا قد جرّته‌ السيول‌. ويقال‌: أتينا أبطح‌ الوادي‌ فنمنا علیه‌، أو أتينا بطحاء الوادي‌ فنمنا علیها. أي‌: علی‌ ترابها وحصاها السهل‌ الليّن‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: وبطحاء مكّة‌ وأبطحها معروفة‌ لانبطاحها. وأرض‌ مني‌ من‌ الابطح‌. و قريش‌ البطاح‌ الذين‌ ينزلون‌ أباطح‌ مكّة‌ وبطحاءها. و قريش‌ الظواهر الذين‌ ينزلون‌ ما حول‌ مكّة‌.

 وفي‌ «تهذيب‌ اللغة‌» عن‌ ابن‌ الاعرابي‌ّ قريش‌ البطاح‌ هم‌ الذين‌ ينزلون‌ الشِّعْب‌ بين‌ أخشبي‌ مكّة‌. و قريش‌ الظواهر الذين‌ ينزلون‌ خارج‌ الشعب‌. وأكرمهما قريش‌ البطاح‌. وأخشبا مكّة‌ جبلاها أبو قبيس‌ والذي‌ يقابله‌.

 وجاء في‌ عبارة‌ أرباب‌ الانساب‌: قريش‌ الاباطح‌ وقريش‌ البطاح‌، صبابة‌ قريش‌ وصميمها الذين‌ اختطّوا بطحاء مكّة‌ ونزلوها. ويقابلهم‌ قريش‌ الظواهر الذين‌ لم‌ تسعهم‌ الاباطح‌، فنزلوا في‌ خارجها مضطرّين‌. [14]

 وقال‌ في‌ «لسان‌ العرب‌»: البطحاء مسيل‌ فيه‌ دُقاق‌ الحصي‌. وقال‌ ابن‌ سيدة‌: بطحاء الوادي‌ تراب‌ ليّن‌ ممّا جرّته‌ السيول‌. والجمع‌: بطحاوات‌ وبِطاح‌. ويقال‌: بِطَاح‌ وبُطَّح‌، كما يقال‌: أعوام‌ عُوَّم‌. فإنِ اتّسع‌ وعَرُضَ فهو الابطح‌، والجمع‌ الابَاطِح‌.

 وفي‌ حديث‌ عمر: إنّه‌ أوّلُ مَن‌ بَطَّحَ المسجد. والمراد من‌ الوادي‌ المبارك‌ وادي‌ العقيق‌ الذي‌ نام‌ فيه‌ رسول‌ الله‌.

 وقال‌ ابن‌ شُمَيِّل‌: بطحاء الوادي‌ وأبطحه‌ حصاه‌ السهل‌ اللين‌ في‌ بطن‌ المسيل‌.

 وبعد أن‌ نقل‌ كثيراً ممّا نقلناه‌ عن‌ «تاج‌ العروس‌»، قال‌: و البطيحة‌ ما بين‌ واسط‌. والبصرة‌، وهو ماء مستنقِع‌ لايري‌ طرفاه‌ من‌ سعته‌. وهو مَغيض‌ ماء دجلة‌ والفرات‌. وكذلك‌ مغايض‌ ما بين‌ البصرة‌ والاهواز. و الطَّفّ ساحل‌ البطيحة‌، وهي‌ البطائح‌. [15]

 وقال‌ في‌ «المصباح‌ المنير»: والبطيحة‌ والابطح‌ كلّ مكان‌ مُتَّسِع‌، والابطح‌ بمكّة‌ هو المحصّب‌. [16]

 وقال‌ في‌ «صحاح‌ اللغة‌»: بطحه‌، أي‌: ألقاه‌ علی‌ وجهه‌ فانبطح‌. والابطح‌ مسيل‌ واسع‌ فيه‌ دقاق‌ الرمل‌ والحصي‌، وجمعه‌: أباطح‌ وبِطاح‌. [17]

 وقال‌ في‌ «النهاية‌»: وجاء في‌ حديث‌ عمر: إنّه‌ أوّل‌ من‌ بطّح‌ المسجد، إلی‌ أن‌ قال‌: وجاء في‌ حديث‌ الصداق‌: لو كنتم‌ تعرفون‌ مِن‌ بطحان‌ ما زدتم‌. وبطحان‌ بفتح‌ الباء اسم‌ وادي‌ المدينة‌. والبطحانيّون‌ منسوبون‌ إلیه‌، وأكثرهم‌ يضمّون‌ الباء، ولعله‌ الاصحّ. [18]

 وقال‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: بَطَّح‌ المسجد: ألقي‌ الحصي‌ فيه‌ ووثّره‌. وفي‌ الحديث‌: فَأَهَابَ بالنَّاسَ إلی‌ بَطْحِهِ. أي‌: تسويته‌. و تَبَطَّحَ السَّيْلُ: اتّسع‌ في‌ البطحاء، وسال‌ سيلاً عريضاً. و البطيحة‌ مسيل‌ واسع‌ فيه‌ دقاق‌ الحصي‌. وجمعها بطائح‌. والبطيحة‌ والبطائح‌ أيضاً مغيض‌ ماء دجلة‌ والفرات‌، و البطحاء في‌ معني‌ البطيحة‌، والجمع‌ بِطاح‌ وبطحاوات‌. و الابطح‌ مثل‌ البطيحة‌ والبطحاء، وجمع‌ أباطح‌. [19]

 وقال‌ في‌ «معجم‌ البلدان‌»: البطحاء في‌ اللغة‌ المسيل‌ الواسع‌ فيه‌ دقاق‌ الحصي‌. وجمعها: أباطح‌. إلی‌ أن‌ قال‌: قال‌ أبوالحسن‌ محمّدبن‌ علی‌ّبن‌ نصر الكاتب‌: سمعتُ عوّادة‌ تغنّي‌ في‌ أبيات‌ طريح‌بن‌ إسماعيل‌ الثقفي‌ّ في‌ الوليد ن‌ يزيدبن‌ عبدالملك‌، وكان‌ من‌ أخواله‌:

 أنْتَ ابنُ مُسْلَنْطِحِ البِطَاح‌، وَلَمْ                تَطْرُقْ علیكَ الحُنِي‌ُّ وَالوُلُجُ [20]

 أي‌: أنتَ من‌ البطحاء المعروفة‌ والمشهورة‌! ولست‌ من‌ أهل‌ الارض‌ المنخفضة‌ والمناطق‌ الاُخري‌ فيخفي‌ نَسَبُك‌، ويستتر جذرك‌ وأصالتك‌.

 قال‌ بعض‌ الحاضرين‌: ليس‌ المراد بالبطاح‌ في‌ هذا البيت‌ غير بطحاء مكّة‌، فما معني‌ هذا الجمع‌؟

 فثار علوي‌ّ بطحاوي‌ّ كان‌ حاضراً وقال‌: المراد من‌ البطحاء الاُخري‌ بطحاء المدينة‌، وهي‌ أجلّ من‌ بطحاء مكّة‌، وجدّي‌ منها. وأنشد لها قائلاً:

 وَبَطْحاءُ المَدِينةِ لي‌ مَنْزِلٌ                       فَيَا حَبَّذا ذَاكَ مِنْ مَنْزِلِ

 فقال‌ بعض‌ الحاضرين‌: فهذان‌ بطحاوان‌، فما معني‌ الجمع‌؟!

 قلنا: العرب‌ تتوسّع‌ في‌ كلامها وشعرها فتجعل‌ الاثنين‌ جمعاً. وقد قال‌ بعض‌ الناس‌: إنّ أقلّ الجمع‌ اثنان‌، لا ثلاث‌.

 إلی‌ أن‌ قال‌: هذا كلّه‌ تعسّف‌. وإذا صحّ بإجماع‌ أهل‌ اللغة‌ أنّ البطحاء الارض‌ ذات‌ الحصي‌. فكلّ قطعة‌ من‌ تلك‌ الارض‌ بطحاء. وقد سمّيت‌ قريش‌ البطاح‌ وقريش‌ الظواهر في‌ صدر الجاهليّة‌، ولم‌يكن‌ بالمدينة‌ منهم‌ أحد. [21]

 وقال‌ في‌ «مراصد الاطّلاع‌»: أصل‌ البطحاء المسيل‌ الواسع‌ فيه‌ دقاق‌ الحصي‌. وقول‌ عمر: ابْطَحُوا المَسْجِدَ! وهو موضع‌ بعينه‌ قريب‌ من‌ ذي‌قَار. و بطحاء مكّة‌ ممدود. و بطحاء ذي‌ الحُلَيْفَةَ، وبطحاء ابنِأزْهَر قريب‌ من‌ المدينة‌ وفيه‌ مسجد لرسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌.

 و بطحاء أيضاً مدينة‌ بالمغرب‌ قرب‌ تلمسان‌، بينهما ثلاثة‌ أيّام‌ أو أربعة‌.[22] وقال‌ في‌ كتاب‌ «البلدان‌»: من‌ واسط‌ إلی‌ البصرة‌ في‌ البطائح‌، لا نَّه‌ تجتمع‌ فيها عدّة‌ مياه‌، ثمّ يصير من‌ البطائح‌ في‌ دجلة‌ في‌ الاقسام‌ التي‌ لاينبت‌ فيها شي‌ء، ثمّ يصير إلی‌ البصرة‌، فيرسي‌ في‌ شطّ نهر ابن‌عمر.[23]

 ومضافاً إلی‌ إجماع‌ أهل‌ اللغة‌ علی‌ أنّ الابطح‌ ليس‌ عَلَمَاً خاصّاً لمكّة‌، بل‌ هو اسم‌ جنس‌، ويطلق‌ أيضاً علی‌ أبطح‌ المدينة‌ وهو ذو الحُلَيْفَة‌، فإنّ شواهد كثيرة‌ وردت‌ في‌ أشعار بلغاء العرب‌ وفصحائهم‌، وكذلك‌ في‌ عبارات‌ الاحاديث‌، وهي‌ تدلّ علی‌ هذا المعني‌. منها بيتان‌ منسوبان‌ إلی‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يخاطب‌ فيهما الوَليدبن‌ المُغيرة‌:

 يُهَدِّدُني‌ بِالعَظْيمِ الوَليدْ               فَقُلْتُ: أنَا ابْنُ أبي‌ طَالِبِ

 أنَا ابْنُ المُبَجَّلِ بِالاَبْطَحَيْن‌           وَبِالبَيْتِ مِنْ سَلَفي‌ غَالِبِ

 وقال‌ المَيْبُدِي‌ّ في‌ شرح‌ هذين‌ البيتين‌: المراد من‌ الابْطَحين‌ في‌ كلام‌ الاءمام‌: أبطح‌ مكَّة‌، وأبطح‌ المَدِينَة‌. [24]

 وروي‌ البُخاري‌ّ، ومُسْلِم‌ عن‌ عبد الله‌ بن‌ عمر أنّه‌ قال‌: إنّ رَسُول َاللَهِ أنَاخَ بِالبَطْحَاء بِذي‌ الحُلَيْفَةِ فَصَلَّي‌ بِهَا. [25]

 وجاء في‌ حديث‌ الغدير أيضاً عن‌ طريق‌ حُذَيفة‌ بن‌ أُسَيد، وعامربن‌ ليلي‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ لمّا رجع‌ من‌ حجّة‌ الوَدَاع‌ ـولم‌يحجّ غيرها من‌ المدينة‌ـ جاء وبلغ‌ الجُحْفَة‌، ونهي‌ في‌ البطحاء أن‌ تتقارب‌ المنازل‌ تحت‌ تلك‌ الاشجار، ثمّ خطب‌ هناك‌. [26]

 وقال‌ السيّد الحميريّ في‌ قصيدته‌ العينيّة‌ التي‌ أنشدها في‌ وصف‌ كوثر أميرالمؤمنين‌ يوم‌ القيامة‌:

 بَطْحَاءُهُ مِسْكٌ وَحَافَاتُهُ              يَهْتَزُّ مِنْهَا مُونِقٌ مُونِعُ [27]

 وقال‌ ابن‌ صيفي‌ شهاب‌ الدين‌ الشاعر المعروف‌ بحَيْص‌ وبَيْص‌ في‌ مرثيّته‌ التي‌ أنشدها في‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ علی‌ لسانهم‌ إذ يخاطبون‌ أعداءَهم‌ وقاتِلهم‌:

 مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً                                   فَلَمَّا مَلَكْتُمْ سَالَ بِالدَّمِ أبْطَحُ

 وَحَلَّلْتُمُ قَتْلَ الاُسَارَي‌ وَطَالَما                          غَدَونَا علی‌ الاَسْري‌ فَنَعْفُوا وَنَصْفَحُ

 فَحَسْبُكُمْ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا                                   وَكُلُّ إنَاءٍ بِالَّذِي‌ فِيهِ يَرْشَحُ[28]

 ومعلوم‌ أنّ سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ قد قتل‌ في‌ كربلاء. والمراد من‌ الابطح‌ هنا أبطح‌ العراق‌ والاراضي‌ الرمليّة‌ الممتدّة‌ من‌ الكوفة‌ إلی‌ البصرة‌.

 وإذا قال‌ أحد: إنّ الحسين‌ بن‌ علی بن‌ الحسن‌بن‌ الحسن‌بن‌ الحسن‌بن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ قتل‌ بمكّة‌.

 نجيب‌ قائلين‌: هو لم‌ يقتل‌ في‌ أبطح‌ مكّة‌ لانّ أبطحها يقع‌ في‌ شرقها، ويقال‌ له‌ وادي‌ المُحَصَّب‌، وهو قريب‌ من‌ مِنَي‌. وإنّما قُتل‌ الشخص‌ المذكور مع‌ جميع‌ أُسرته‌ ومرافقيه‌ في‌ وادي‌ فَخّ. قتلهم‌ الهادي‌ّ العبّاسي‌ّ (حفيد المنصور الدوانيقي‌ّ). فلهذا يقال‌ له‌: شهيد فخّ.

 ووادي‌ فخّ التنعيم‌ ومكّة‌، علی‌ فرسخ‌ من‌ شمال‌ مكّة‌.

 كما سمّي‌ سيّد الشهداء الاءمام‌ الحسين‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌: شهيد الطَّفِّ.

 ولو تغاضينا عن‌ ذلك‌ كلّه‌، فإنّ لفظ‌ الابطح‌ لم‌ يرد فيما ذكره‌ الحَلَبيّ في‌ سيرته‌، والشيخ‌ محمّد صدر العالم‌ في‌ «معارج‌ ال علی‌»، وسبط‌بن‌ الجوزيّ في‌ تذكرته‌، بل‌ قال‌ هؤلاء: جاء سائل‌ عند رسول‌الله‌ في‌ المسجد. والمراد من‌ المسجد مسجد المدينة‌. ونصّ الحلبيّ علی‌ أنّه‌ كان‌ في‌ المدينة‌. و علی‌ هذا إنَّ الاءشْكَالَ يَرْتَفِعُ بِحَذَافيرِهِ.

 الاءشكال‌ الثالث‌: أنّ سورة‌ المعارج‌: سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ من‌ السور المكّيّة‌. نزلت‌ في‌ مكّة‌ قبل‌ الهجرة‌ باتّفاق‌ أهل‌ العلم‌. إذَن‌، نزلت‌ قبل‌ واقعة‌ غدير خمَّ بعشر سنين‌، أو أكثر. فكيف‌ يمكن‌ أن‌ تكون‌ قد نزلت‌ بعد الواقعة‌؟!

 الجواب‌ من‌ عدّة‌ جهات‌: الاُولي‌: لو كانت‌ آيات‌ هذه‌ السورة‌ كلّها مكّيّة‌ باتّفاق‌ جميع‌ العلماء، فينبغي‌ أن‌ نحمل‌ الرواية‌ علی‌ تكرار النزول‌، أو نقول‌: إنّ جبرائيل‌، أو الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ نفسه‌ قد تلا ذلك‌ مراراً بمناسبة‌ الواقعة‌.

 والآيات‌ التي‌ نزلت‌ علی‌ النبي‌ّ الاكرم‌ مرّتين‌ كثيرة‌. وقد تكرّر نزولها لسبب‌ من‌ الاسباب‌ المهمّة‌ كالتذكير والموعظة‌، والاهتمام‌ بمفاد الآية‌ وموقعها، أو أنّ الموقف‌ تطلّب‌ نزولها في‌ حالتين‌.

 واتّفق‌ علماء الشيعة‌ والسنّة‌ تقريباً علی‌ أنّ سورة‌ فَاتِحَة‌ الكِتَاب‌ قد نزلت‌ مرّتَين‌، الاُولي‌ في‌ مكّة‌ عندما فرضت‌ الصلاة‌. والاُخري‌ في‌ المدينة‌ حينما تحوّلت‌ القبلة‌ من‌ بيت‌ المقدس‌ إلی‌ البيت‌ الحرام‌. ولذلك‌ سمّيت‌: سورة‌ المَثَانِي‌. [29] مثلها في‌ ذلك‌ مثل‌ البسملة‌: بِسْمِ اللَهِ الرَّحَمَـ'نِ الرَّحِيمِ الواردة‌ في‌ بداية‌ كلّ سورة‌، وهي‌ جزء من‌ كلّ سورة‌ بإجماع‌ الاُمّة‌. وكذلك‌ مثل‌ آيات‌ أُخري‌ كبداية‌ سورة‌ الروم‌،[30] وآية‌ الاستغفار: مَا كَانَ لِلنَّبِي‌ِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن‌ يَسْتَغْفِرُوا لِّلْمُشْرِكِينَ.[31] والآية‌: أَقِمِ الصَّلَو'ةَ طَرَفَي‌ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ إلیلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ،[32] والآية‌: إلیسَ اللَهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ،[33] وغيرها من‌ الآيات‌ التي‌ نصّ علماء الخاصّة‌ والعامّة‌ في‌ تفاسيرها علی‌ تكرّر نزولها، وخصّص‌ السيوطيّ الباب‌ الحادي‌ عشر من‌ «الاءتقان‌» للآيات‌ المتكرّرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لعلّ الآيات‌ الاُولي‌ من‌ سورة‌ المعارج‌ مدنيّة‌

 الثانية‌: يرجع‌ اتّفاق‌ العلماء جميعهم‌ إلی‌ أنّه‌ جاء في‌ بعض‌ الروايات‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌، وعَبْدِاللهِبْنِ الزُّبَير أنّ سورة‌ المعارج‌ المكّيّة‌. وهذه‌ الروايات‌ من‌ خبر الواحد، والاتّفاق‌ المستند إلی‌ خبر الواحد في‌ حكم‌ اعتبار خبر الواحد. وهذه‌ الرواية‌ المنقولة‌ عن‌ الثعلبي‌ّ، عن‌ سُفيان‌بن‌ عُيَيْنَة‌ في‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌: سأل‌ سآئل‌، في‌ واقعة‌ الغدير، وغيرهما ممّا نقل‌ عن‌ غير الثعلبي‌ّ، وسفيان‌، هي‌ من‌ أخبار الآحاد أيضاً، وحينئذٍ بأي‌ّ مُرَجِّحٍ يمكن‌ أن‌ نقول‌: إنّ تلك‌ الروايات‌ مرجَّحه‌ علی‌ هذه‌ الروايات‌؟!

 الثالثة‌: لو سلّمنا أنّ سورة‌ المعارج‌ مكّيّة‌، فبأي‌ّ دليل‌ نعتبر آياتها الاُولي‌ مكّيّة‌؟! إذ ما أكثر الآيات‌ التي‌ نزلت‌ في‌ المدينة‌، وأمر رسول‌الله‌ بوضعها في‌ السور المكّيّة‌، وما أكثر الآيات‌ التي‌ نزلت‌ في‌ مكّة‌، ووضعوها في‌ السور المدنيّة‌.

 هذه‌ كلّها كانت‌ بتعيين‌ رسول‌ الله‌، بل‌ عيّن‌ رسول‌الله‌ مكان‌ تلك‌ الآيات‌ أيضاً. مثلاً يكون‌ بين‌ الآية‌ الفلانيّة‌ والآية‌ الفلانيّة‌ الاُخري‌.

 قال‌ السيوطي‌ّ في‌ الفصل‌ الاوّل‌ من‌ «الاءتقان‌»: قال‌ البيهقي‌ّ في‌ «دلائل‌ النبوّة‌»: في‌ بعض‌ السور التي‌ نزلت‌ بمكّة‌ آيات‌ نزلت‌ بالمدينة‌، فأُلحقت‌ بها. وكذا قال‌ ابن‌ الحصّار: وكلّ نوع‌ من‌ المكّيّ والمدنيّ منه‌ آيات‌ مستثناة‌ (نزلت‌ في‌ غير محلّ نزولها، أي‌: المكّيّة‌ في‌ المدينة‌، والمدنيّة‌ في‌ المكّة‌).

 ] ثمّ [ قال‌: إلاّ أنّ من‌ الناس‌ من‌ اعتمد في‌ الاستثناء علی‌ الاجتهاد دون‌ النقل‌. وقال‌ ابن‌ حجر العَسْقلانيّ في‌ «شرح‌ صحيح‌ البخاري‌ّ»: قد اعتني‌ بعض‌ أئمّة‌ أهل‌ العلم‌ ببيان‌ ما نزل‌ من‌ الآيات‌ بالمدينة‌ في‌ السور المكّيّة‌. وأمّا عكس‌ ذلك‌، وهو نزول‌ شي‌ء من‌ سورةٍ بمكّة‌، تأخّر نزول‌ تلك‌ السورة‌ إلی‌ المدينة‌، فلم‌ أره‌ إلاّ نادراً.

 وقال‌ السيوطي‌ّ بعد هذا النقل‌: وها أنا أذكر ما وقفت‌ علی‌ استثنائه‌ من‌ النوعين‌. أي‌: بيان‌ الآيات‌ المدنيّة‌ في‌ السور المكّيّة‌، والآيات‌ المكّيّة‌ في‌ السور المدنيّة‌، مستوعباً ما رأيته‌ من‌ ذلك‌. [34]

 ف علی‌ هذا نقول‌: إذا كانت‌ سورة‌ المعارج‌ المكّيّة‌، فإنّ آياتها الاُولي‌ مدنيّة‌.

 وإذا قال‌ أحد: إنّ القدر المتيقّن‌ من‌ أنّ السورة‌ مكّيّة‌ أو مدنيّة‌ هو بدايتها فيما إذا مكّيّة‌ أو مدنيّة‌. أو إنّ الآية‌ المأخوذ منها اسم‌ السورة‌ مكّيّة‌ أو مدنيّة‌.

 والجواب‌ هو أنّ هذا الترتيب‌ الذي‌ علیه‌ القرآن‌ فعلاً هو علی‌ أساس‌ التوقيف‌، لا علی‌ أساس‌ نزول‌ الآيات‌. ولا يُسْتَبْعَدُ أن‌ تكون‌ هذه‌ الآيات‌ قد نزلت‌ أخيراً، ثمّ أُلحقت‌ بالآيات‌ النازلة‌ قبلها علی‌ أساس‌ التوقيف‌، وأُخذ اسم‌ السورة‌ منها أيضاً، وإن‌ كنّا نجهل‌ المصلحة‌ والحكمة‌ من‌ هذا التوقيف‌، كما نجهل‌ أكثر موارد الترتيب‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآية‌: «وَإِذْ قَالُوا اللَهُم‌» لا يمكن‌ أن‌ تكون‌ كلاماً صادر أعن‌ وثني‌ّ

 الاءشكال‌ الرابع‌: الآية‌ الشريفة‌: وَإِذْ قَالُوا اللَهُمَّ إِن‌ كَانَ هَـ'ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ علینَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَآءِ في‌ سورة‌ الانفال‌. واتّفق‌ المفسّرون‌ علی‌ أ نّها نزلت‌ بعد معركة‌ بدر، وقبل‌ واقعة‌ الغدير بسنين‌، وأجمع‌ المفسّرون‌ علی‌ أ نّها نزلت‌ قبل‌ الهجرة‌ بسبب‌ كلام‌ المشركين‌ كأبي‌ جهل‌ وأمثاله‌ مع‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌. وأراد الله‌ منها أن‌ يذكّر رسوله‌ بكلامهم‌ السابق‌. أي‌: اذكر كلامهم‌ إذ قالوا: كَيْتَ وكَيْتَ كقوله‌ تعإلی‌: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـ'´نءِكَةِ، [35] وقوله‌ تعإلی‌: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ. [36]

 ويستفاد من‌ هذا التذكير أنّ زمان‌ كلام‌ المشركين‌ سبق‌ نزول‌ هذه‌ الآية‌: وَإِذْ قَالُوا اللَهُمَّ.

 الجواب‌: لقد ظنّ ابن‌ تيميّة‌ المسكين‌[37] أو تظنّن‌ أنّ هذه‌ الروايات‌ تبيّن‌ أنّ الحَارِثَبن‌ النُّعْمَان‌ أو جَابربن‌ النَضْر بن‌ الحارث‌ قد دعا بهذا الدعاء وطلب‌ نزول‌ الحجر من‌ السماء أو العذاب‌ الإلیم‌، فنزلت‌ الآية‌: وَإِذْ قَالُوا اللَهُمَّ في‌ ذلك‌ إلیوم‌. ونحن‌ لا نجد هذا المطلب‌ في‌ أي‌ّ رواية‌ من‌ هذه‌ الروايات‌.

 هَبْ أنّ هذه‌ الآيات‌ كانت‌ قد نزلت‌ بعد معركة‌ بدر، وأ نّها تتعلّق‌ بالمشركين‌ قبل‌ الهجرة‌، فما هو الاءشكال‌ أن‌ يكون‌ هذا الرجل‌ المنكر للولاية‌ الذي‌ جاء ذلك‌ إلیوم‌ عند رسول‌ الله‌ قد صبّها في‌ قالب‌ الدعاء، وهو نفسه‌ أراد من‌ الله‌ عين‌ تلك‌ العبارات‌ والآية‌ النازلة‌؟

 وهل‌ كان‌ الدعاء وفقاً للآية‌ النازلة‌، أو وفقاً للدعاء الوارد في‌ القرآن‌ الكريم‌، ذو محظور طبيعي‌ّ من‌ حيث‌ تكوينه‌ وإمكان‌ التنطّق‌ به‌؟ و علی‌ هذا، فإنّ ذلك‌ الرجل‌ المنكر الولاية‌ قد أظهر كفره‌ بهذه‌ الكلمات‌، كما أظهر المشركون‌ في‌ مكّة‌ كلمات‌ الاءلحاد والكفر قبل‌ الهجرة‌.

 وبقطع‌ النظر عن‌ ذلك‌ كلّه‌، فما هو الاءشكال‌ من‌ أن‌ تكون‌ هذه‌ الآية‌ الموجودة‌ في‌ سورة‌ الانفال‌، النازلة‌ في‌ الايّام‌ الاخيرة‌ من‌ عمر النبي‌ّ قد وضعت‌ عند تإلیف‌ القرآن‌ في‌ زمرة‌ الآيات‌ النازلة‌ قبل‌ ذلك‌ بعدّة‌ سنين‌. قبل‌ سورة‌ المائدة‌ [38] كما في‌ آيات‌ الربا،[39] والآية‌ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلی‌ اللَهِ.[40] وهي‌ آخر الآيات‌ التي‌ نزلت‌ علی‌ النبي‌ّ، قد جعلت‌ في‌ سورة‌ البقرة‌. وسورة‌ البقرة‌ نزلت‌ في‌ أوائل‌ الهجرة‌، وبينها وبين‌ الفترة‌ الاخيرة‌ من‌ عمر النبي‌ّ عدّة‌ سنين‌.

 ولو تغاضينا عن‌ هذا أيضاً، فإنّ قوله‌: وَإِذَ قَالُوا اللَهُمَّ إِن‌ كَانَ هَـ'ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ الذي‌ هو تذكير وحكاية‌ لكلام‌ المشركين‌ قبل‌ الهجرة‌، كلام‌ بلادليل‌، وبيان‌ بلا حجّة‌، إن‌ لم‌ يقم‌ الدليل‌ والحجّة‌ علی‌ خلافه‌. ذلك‌ أنّ الشخص‌ العارف‌ بأُسلوب‌ الكلام‌ لا يرتاب‌ أنّ هذا القول‌: اللَهُمَّ إِن‌ كَانَ هَـ'ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ علینَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ إلیمٍ. ليس‌ كلام‌ مشرك‌ وثني‌ّ يهزأ بالله‌ ويضحك‌ علی‌ الحقّ. لا نّه‌ يقول‌: اللَهُمَّ إِن‌ كَانَ هَـ'ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ، وهذا الكلام‌ الذي‌ ذكر فيه‌ اسم‌ الاءشارة‌ ثمّ أكّده‌ بالضمير المنفصل‌، وبعد ذلك‌ نطق‌ بكلمة‌ الحقّ محّلاة‌ بالالف‌ واللام‌، ثمّ جاء بضمير الخطاب‌ (من‌ عندك‌)، ليس‌كلام‌ إنسان‌ مشرك‌ أبداً، بل‌ هو كلام‌ من‌ أذعن‌ بمقام‌ الربوبيّة‌، بَيدَ أنّه‌ توقّف‌ وشكَّ في‌ كلام‌ من‌ ذكر مطلباً، وقال‌: إنّه‌ حقّ فحسب‌، ومنسوب‌ إلی‌ الله‌ وكفي‌، ولم‌يستطع‌ أن‌ يتحمّله‌، وتبرّأ منه‌، ودعا علی‌ نفسه‌ بالموت‌ والثبور، وسأم‌ من‌ الحياة‌ ويفرّ منها.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ قال‌ القاضي‌ نور الله‌ الشوشتريّ في‌ كتاب‌ «مجالس‌ المؤمنين‌»، في‌ المجلس‌ الخامس‌، ص‌ 246 بعد نقل‌ هذه‌ القصّة‌ وقصّة‌ السيّد الموصليّ الذي‌اعترض‌ علی‌ العلاّمة‌ فيما يخصّ الصلوات‌ علی‌ آل‌ محمّد، وبهته‌ العلاّمة‌ بجوابه‌ البِكر والبديع‌ بداهةً: قال‌ المؤ لّف‌: إنّ من‌ بدائع‌ الاتّفاق‌ أ نّي‌ ناظرت‌ يوماً أحد السادة‌ السيفيّين‌ القزوينيّن‌ في‌ مبحث‌ الإمامة‌. وبعد أن‌ ثبتت‌ حجّتي‌ علیه‌، عجز وقال‌: لو كان‌ مذهب‌ الإماميّة‌ علی‌ حقٍّ في‌ موضوع‌ الإمامة‌، فلماذا لم‌ يناظر كثير من‌ علمائه‌ علماءَ أهل‌ السُّنّة‌ في‌ هذه‌ المدّة‌؟ ولم‌يُحقّوهم‌ بحقيقة‌ مذهبهم‌؟ ولم‌ يصرفوهم‌ عن‌ مذهب‌ السلف‌؟ فقلتُ: إنّ أهل‌ السنّة‌ هم‌ السواد الاعظم‌ دائماً، وإنّ السلاطين‌ كانوا يرون‌ مصلحتهم‌ في‌ الاقتداء بمذهبهم‌، وكانوا يجهدون‌ في‌ إطفاء نور التشيّع‌. ولا جرم‌ أنّ هذه‌ الطائفة‌ لم‌تستطع‌ أن‌ تظهر مذهبها. و علی‌ الرغم‌ من‌ هذا، فإنّ أفرادها متي‌ حصلوا علی‌ أقلّ دعمٍ ومددٍ من‌ سلاطين‌ عصرهم‌، فإنّهم‌ يفتحون‌ باب‌ المناظرة‌، وقد طووا في‌ هذا الباب‌ طريق‌ إلزام‌ الخصوم‌ وإفحامهم‌. كما حدث‌ ذلك‌ في‌ عصر البويهيّين‌ إذ ناظر الشيخ‌ المفيد والشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ وغيرهما من‌ علماء الإماميّة‌ معاصريهم‌ من‌ علماء السنّة‌، وألزموهم‌ وهزموهم‌. وناظر الشيخ‌ جمال‌الدين‌ علماء السنّة‌ في‌ عهد السلطان‌ محمّد خدابنده‌، وألزمهم‌ بحجّته‌ إلزاماً تامّاً. ولمّا كان‌ ذلك‌ القزوينيّ المعاند يزعم‌ أنّه‌ سيّد، وكان‌ من‌ حزب‌ السنّة‌ كالسيّد الموصلي‌ّ، لذا رأيتُ من‌ المناسب‌ نقل‌ المناظرة‌ المذكورة‌ التي‌ جرت‌ بين‌ الشيخ‌ والسيّد الموصلي‌ّ. ولمّا بلغت‌ قولي‌ إنّ الشيخ‌ خاطب‌ السيّد الموصليّ قائلاً: أي‌ّ مصيبة‌ أسوأ من‌ انتساب‌ ولد مثلك‌ إلیهم‌، وكنتُ أُشير بأنملتي‌ في‌ أثناء التقرير إلی‌ ذلك‌ القزوينيّ غير السيّد. وأعتبر مناظرته‌ معي‌ كمناظرة‌ السيّد الموصليّ مع‌ الشيخ‌ جمال‌ الدين‌، وذلك‌ من‌ ملاحظة‌ تلك‌ الإشارة‌، واشتراكه‌ مع‌ السيّد الموصليّ في‌ دعوي‌ السيادة‌ وإظهار مذهب‌ أهل‌ السنّة‌، وخجل‌ ووضع‌ يده‌ علی‌ صدره‌، وقال‌: الحقّ أ نّك‌ آذيتنا بظرافة‌ وبراعة‌.

 علماً سبق‌ أن‌ نقلنا قصّة‌ السيّد الموصليّ مع‌ العلاّمة‌ في‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتابنا هذا، في‌ الدرس‌ التاسع‌ والثلاثين‌.

[2] ـ «مجالس‌ المؤمنين‌»ص‌ 245 و 246، المجلس‌ الخامس‌ في‌ ترجمة‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ.

[3] ـ وردت‌ القصّة‌ المفصّلة‌ لتشيّع‌ السلطان‌ محمّد خدابنده‌ علی‌ يد العلاّمة‌ الحلّي‌ّ أ علی‌الله‌ مقامه‌ في‌ الجزء الثالث‌ من‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» ص‌ 460، وفي‌ الجزء الثاني‌ من‌ «سفية‌ البحار» ص‌ 734 في‌ مادّة‌ شَيَع‌. ونحن‌ ذكرناها أيضاً بحمدالله‌ ومنّه‌ في‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتابنا هذا، في‌ الدرس‌ الثامن‌ والثلاثين‌ والتاسع‌ والثلاثين‌. وذكر الشيخ‌ محمّد نبي‌ التويسركاني‌ّ في‌ أواخر كتاب‌ «لئإلی‌ الاخبار» من‌ ص‌ 651 إلی‌ ص‌ 656 مطالب‌ حول‌ تشيّع‌ خدابنده‌، وبطلان‌ المذاهب‌ الاربعة‌ والفتاوي‌ الخاطئة‌ والموحشة‌ لرؤساء المذاهب‌ الاربعة‌، والفسق‌ والفجور الشائعين‌ في‌ العامّة‌ وجاء هذا الموضوع‌ في‌ موضعين‌ من‌ كتاب‌ «مجالس‌ المؤمنين‌»: الاوّل‌: في‌ المجلس‌ الخامس‌ عند ترجمة‌ العلاّمة‌ من‌ ص‌ 245 إلی‌ 248. والثاني‌: في‌ المجلس‌ الثامن‌ عند ترجمة‌ السلطان‌ محمّد خدابنده‌، من‌ ص‌ 402 إلی‌ 405.

[4] الکرباس کلمة فارسیة تعنی قماش منسوج بالید من خیوط القطن.

[5] ـ إنّ ما ذكرناه‌ عن‌ العلاّمة‌ الحلّيّ هنا مقتطف‌ من‌ مطالب‌ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 2، ص‌ 269 إلی‌ 286، الطبعة‌ الحديثة‌.

[6] ـ جاء في‌ حاشية‌ «روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 2، ص‌ 287 عن‌ القاضي‌ ناصرالدين‌ البيضاوي‌ّ أنّه‌ كتب‌ إلی‌ العلاّمة‌ رسالة‌ صدّرها بقوله‌: يا مولانا جمال‌الدين‌ أدام‌الله‌ فواضلك‌ أنت‌ إمام‌ المجتهدين‌ في‌ علم‌ الاُصول‌...إلخ‌. ونقل‌ أحد سادتنا الاعزّاء عن‌ فضيلة‌ الشيخ‌ محمّدتقي‌ القمّيّ عضو دار التقريب‌، أنّه‌ قال‌: أعطيت‌ أحد العلماء من‌ الطراز الاوّل‌ في‌ الجامع‌ الازهر كتابين‌ أحدهما: «التذكرة‌» للعلاّمة‌ الحلّي‌ّ؛ والآخر: «الخلاف‌» للشيخ‌ الطوسي‌ّ: إذ كان‌ يرغب‌ في‌ الاطّلاع‌ علی‌ أقوال‌ الشيعة‌ وفتاواهم‌، ومواطن‌ خلافهم‌ مع‌ السنّة‌. ولمّا طالعهما، أولع‌ بهما، وراقه‌ تمكّن‌ هذين‌ العالمين‌ العظيمين‌، وتفوّق‌ آرائهما علی‌ آراء العامّة‌ في‌ كلّ مسألة‌، حتّي‌ قال‌: أستطيع‌ أن‌ أجد أقوال‌ علماء العامّة‌ كمالك‌، والشافعي‌ّ، وأبي‌ حنيفة‌، وأحمدبن‌ حنبل‌، وسفيان‌ الثوري‌ّ، وغيرهم‌ في‌ هذين‌ الكتابين‌ أفضل‌ ممّا أجده‌ في‌ كتبنا، لذلك‌ أشعر منذ أن‌ طالعتهما أ نّي‌ كلّما أردت‌ أن‌ أقع‌ علی‌ مسألة‌ توافق‌ قول‌ أحد علمائنا، فإنّي‌ أرجع‌ إلیهما، وأصدف‌ عن‌ مراجعة‌ كتبنا.

[7] ـ الآيتان‌ 32 و 33، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[8] ـ عن‌ كتاب‌ «التذكرة‌» للشيخ‌ نور الدين‌ علی‌ّ بن‌ عراق‌ المصري‌ّ أنّ تَقي‌ّالدين‌بن‌ تيميّة‌ الذي‌ كان‌ من‌ جملة‌ علماء السنّة‌ معاصراً للشيخ‌ جمال‌الدين‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ، ومنكراً علیه‌ في‌ الخفاء كثيراً، كتب‌ إلیه‌ العلاّمة‌ هذين‌ البيتين‌:

 لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ مَا عَلِمَ الوَرَي                  ‌ طُرَّاً لَصِرْتَ صَديقَ كُلِّ العَالِمِ

 لَكِنْ جَهِلْتَ فَقُلْتَ: إنَّ جَمِيعَ                    مَنْ يَهْوَي‌ خِلاَفَ هَوَاكَ لَيْسَ بِعَالِمِ

 («روضات‌ الجنّات‌» ج‌ 2، ص‌ 286).

[9] ـ تعريبهما: «هذا العالم‌ ملي‌ء بضياء الشمس‌ ونور القمر وأنت‌ في‌ سباتٍ قد قبعت‌ في‌ الحفرة‌.

 وتقول‌ إذا كانت‌ الشمس‌ والقمر حقّاً فأين‌ الضياء؟ أخرج‌ رأسك‌ من‌ الحفرة‌ وانظر أيّها الدني‌ء».

[10] ـ تعريبه‌: «لقد وجد العالم‌ شرقه‌ وغربه‌ ذلك‌ النور، وأنت‌ في‌ الحفرة‌ فلن‌ يشعّ علیك‌».

[11] ـ الآيات‌ 103 إلی‌ 106، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[12] ـ «صحيح‌ البخاري‌ّ»، طبعة‌ المطبعة‌ الاميريّة‌، بولاق‌ سنة‌ 1312 ه. روي‌ بإسناده‌ عن‌ عروة‌بن‌ الزبير، عن‌ عائشة‌: إنّ عائشة‌ أخبرته‌ أنّ فاطمة‌ علیها السلام‌ ابنَة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ سألت‌ أبابكر الصِّدِّيق‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أن‌ يُقْسم‌ لها ميراثاً ممّا ترك‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ممّا أفاء الله‌ علیه‌. فقال‌ لها أبوبكر: إنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: لا نُورِّث‌ ما تركناه‌ صَدَقَة‌. فغضبت‌ فاطمةُ بنت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ فهجرت‌ أبابكر. فلم‌ تزل‌ مهاجرة‌ حتّي‌ توفّيّت‌. ج‌ 4، ص‌ 79، باب‌ فرض‌ الخمس‌. وذكر البخاري‌ّ أيضاً في‌ هذه‌ الطبعة‌ ج‌ 5، ص‌ 139، باب‌ غزوة‌ خيبر أنّ فاطمة‌ طلبت‌ إرثها فأبي‌ أبوبكر أن‌ يدفع‌ إلی‌ فاطمة‌ منها شيئاً فَوَجَدَتْ فاطمة‌ علی‌ أبي‌بكر في‌ ذلك‌ فهجرته‌ فلم‌ تكلّمه‌ حتّي‌ توفّيّت‌. وعاشت‌ بعد النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ ستّة‌ أشهد. فلمّا توفّيّت‌، دفنها زوجها علی‌ّ علیه‌ السلام‌ ولم‌ يؤذنِ بها أبابكرٍ وصلّي‌ علیها.

 ونقل‌ البخاري‌ّ أيضاً في‌ هذه‌ الطبعة‌ ج‌ 7، ص‌ 37 في‌ باب‌ ذبّ الرجل‌ عن‌ ابنته‌ في‌ الغيرة‌ والإنصاف‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: فاطمة‌ بَضْعَةٌ مِنّي‌ يُريبني‌ ما أرابها ويؤذيني‌ ما آذاها. وقال‌ ابن‌ قتيبة‌ الدينوريّ المتوفّي‌ سنة‌ 270 ه في‌ كتاب‌ «الإمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 14 و 15، طبعة‌ مطبعة‌ الاُمّة‌ بدرب‌ شغلان‌، سنة‌ 1328 ه: فقال‌ عمر لابي‌ بكر: انطلق‌ بنا إلی‌ فاطمة‌ فإنّا قد آغضبناها! فانطلقا جميعاً فاستأذنا علی‌ فاطمة‌، فلم‌تأذن‌ لهما، فأتيا علیاً فكلّماه‌، فأدخَلَهما علیها، فلمّا قعدا عندها، حوّلت‌ وجهها إلی‌ الحائط‌، فسلّما علیها فلم‌تردّ علیهما السلام‌. فتكلّم‌ أبوبكر. وبعد اعتذاره‌ عن‌ عدم‌ إرجاع‌ فدكاً إلی‌ فاطمة‌. فقالت‌: أرأيتكما إن‌ حدّثتكما حديثاً عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ تعرفانه‌ وتفعلان‌ به‌؟! قالا: نعم‌! فقالت‌: أنشدكما الله‌، ألم‌ تسمعا رسول‌الله‌ يقول‌: رضا فاطمة‌ من‌ رضاي‌ وسخط‌ فاطمة‌ من‌ سخطي‌. فمن‌ أحبّ فاطمة‌ ابنتي‌، فقد أحبّني‌. ومن‌ أرضي‌ فاطمة‌، فقد أرضاني‌، ومن‌ أسخط‌ فاطمة‌، فقد أسخَطَني‌؟! فقالا: نعم‌ سمعناه‌ من‌ رسول‌الله‌صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ قالت‌: فإنّي‌ أُشهد الله‌ وملائكته‌ أ نّكما أسخطتماني‌ وما أرضيتماني‌. ولئن‌ لقيت‌ النَّبِي‌َّ لاشكونّكما إلیه‌. ونلحظ‌ في‌ هذا الحديث‌ تصريحاً بأنّ أبابكر وعمر كليهما آذيا فاطمة‌ وفاطمة‌ تبرّأت‌ منهما، ولم‌ ترد علیهما السلام‌. أي‌: أ نّها رأتهما خارجين‌ عن‌ الإسلام‌، إذ إنّ جواب‌ سلام‌ المسلم‌ واجب‌ شرعاً. وقالت‌ لهما بصراحة‌: أنتما أسخطتماني‌. وأنا غيرراضية‌ عنكما. ولئن‌ رحلت‌ عن‌ هذه‌ الدنيا، لاشكونّكما إلی‌ رسول‌الله‌.

[13] ـ الآية‌ 57، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[14] ـ «تاج‌ العروس‌» للزبيدي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 124 و 125.

[15] ـ «لسان‌ العرب‌» لابن‌ منظور، ج‌ 2، ص‌ 412 إلی‌ 414.

[16] ـ «المصباح‌ المنير»، لشهاب‌ الدين‌ الفيّومي‌ّ، مادّة‌ بَطَحَ.

[17] ـ «صحاح‌ اللغة‌»، لابي‌ الوفاء الهوريني‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 170.

[18] ـ «النهاية‌ في‌ غريب‌ الحديث‌ والاثر»، ابن‌ الاثير الجزريّ، ج‌ 1، ص‌ 134 و 135.

[19] ـ «أقرب‌ الموارد في‌ فُصْح‌ العَرَبيّ والشَّوارد»، سعيد الخوريّ الشرتوني‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 47.

[20] ـ قال‌ في‌ «لسان‌ العرب‌» في‌ مادّة‌ سَلْطَحَ: الإسْلِنْطَاح‌: الطول‌ والعرض‌. والسلنطح‌ الفضاء الواسع‌. واسْلَنْطَحَ الوادي‌: اتّسع‌، واسْلَنْطَحَ الشَّي‌ءُ: طَالَ وَعَرُضَ.

 والحُنِي‌ّ ما انخفض‌ من‌ الارض‌. والوُلُج‌ جمع‌ وِلاج‌ بالكسرة‌ ما اتّسع‌ من‌ الاودية‌.

[21] ـ «معجم‌ البلدان‌» لياقوت‌ الحَمَوي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 213 و 214، طبعة‌ سنة‌ 1324 ه.

[22] ـ «مراصد الاطّلاع‌» لابن‌ عبد الحقّ البغدادي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 204.

[23] ـ كتاب‌ «البلدان‌» لليعقوبي‌ّ، ص‌ 84.

[24] ـ «شرح‌ ديوان‌ المَيْبُدي‌ّ».

[25] ـ «صحيح‌ البخاري‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 181؛ و«صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 1، ص‌ 382.

[26] ـ «سُنَن‌ الترمذي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 298، عن‌ سلمة‌ بن‌ كهيل‌، عن‌ أبي‌ الطُّفَيل‌، عن‌ حُذَيفة‌ أبي‌ سريحة‌.

[27] ـ ذكرنا قصيدة‌ السيّد الحِمْيَريّ مفصّلاً في‌ الجزء التاسع‌ من‌ كتابنا «معاد شناسي‌» (=معرفة‌المعاد) من‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌، في‌ المجلس‌ السادس‌ والستّين‌، وبحثنا فيها بحثاً تامّاً بحول‌ الله‌ وقوّته‌.

[28] ـ أورد المحدّث‌ القمّيّ في‌ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 1، ص‌ 110 القطع‌ الرحليّ في‌ ترجمة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ما نصّه‌: نقل‌ جمع‌ كثير من‌ علماء السنّة‌ في‌ كتبهم‌ أنّ أحد ثقات‌ أهل‌ السنّة‌ قال‌: رأيتُ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ في‌ المنام‌، وقلت‌ له‌: ياأميرالمؤمنين‌! عندما فتحت‌ مكّة‌ وأمّنت‌ دار أبي‌ سفيان‌، وقلت‌: من‌ دخل‌ دار أبي‌ سفيان‌ فهو آمن‌؟ إنّك‌ أحسنتَ إلی‌ أبي‌ سفيان‌ بهذا النحو! لكنّ حفيده‌ لم‌ يُجازِ ولدك‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ بالإحسان‌ عوضاً عن‌ ذلك‌، بل‌ قتله‌ في‌ كربلاء وفعل‌ ما فعل‌! فقال‌ الإمام‌: ألم‌ تسمع‌ أشعار ابن‌ الصيفي‌ّ في‌ هذا الباب‌؟ قلت‌: لا، لم‌ أسمعها! فقال‌: اسمع‌ جوابك‌ منه‌! قال‌: لمّا أفَقْتُ من‌ نومي‌، بادرت‌ إلی‌ بيت‌ ابن‌ الصيفي‌ّ المعروف‌ بحَيْص‌ وبَيص‌، ونقلتُ له‌ رؤياي‌. وما إن‌ سمعها، شهق‌ وبكي‌ بشدّة‌ وقال‌: وأيْمُ اللهِ، إنّ هذه‌ الاشعار التي‌ قالها أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ نظمتها في‌ تلك‌ الليلة‌. ولم‌ أُحدّث‌ بها شخصاً بَعْدُ. ولم‌ أكتبها لاحدٍ، فأنشد لي‌ تلك‌ الابيات‌: *مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً* إلی‌ آخر الابيات‌.

[29] ـ «الإتقان‌» للسيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 44، الباب‌ 11، أقدم‌ طبعة‌ في‌ المطبعة‌ الموسويّة‌ بمصر، سنة‌ 1278 ه. قال‌: ذَكَرَ قَوْمٌ مِنْهُ الفاتحة‌.

[30] ـ «الإتقان‌» نقل‌ عن‌ ابن‌ الحصار أنّ آخر سورة‌ النحل‌، وأوّل‌ سورة‌ الروم‌ قد تكرّر نزولهما.

[31] ـ «الإتقان‌»، نقله‌ عن‌ الزركشي‌ّ في‌ «البرهان‌». وهي‌ الآية‌ 113، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[32] ـ «الإتقان‌» نقله‌ عن‌ الزركشي‌ّ في‌ «البرهان‌». وهي‌ الآية‌ 114، من‌ السورة‌ 11: هود.

[33] ـ الآية‌ 36، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[34] ـ «الإتقان‌» للسيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 17 و 18، طبعة‌ سنة‌ 1278 ه.

[35] ـ الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[36] ـ الآية‌ 121، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[37] ـ قال‌ ابن‌ حجر في‌ كتابه‌ «الفتاوي‌ الحديثة‌»، ص‌ 86: ابن‌ تيميّة‌ عبد خذله‌ الله‌ وأضلّه‌ وأعماه‌ وأصمّه‌ وأذلّه‌. وبذلك‌ صرّح‌ الائمّة‌ الذين‌ بيّنوا فساد أحواله‌، وكذب‌ أقواله‌. ومن‌ أراد ذلك‌، ف علیه‌ مطالعة‌ كلام‌ الإمام‌ المجتهد المتّفَق‌ علی‌ إمامته‌ وجلالته‌ وبلوغه‌ مرتبة‌ الاجتهاد أبي‌ الحسن‌ السبكي‌ّ، وولده‌ التاج‌، والشيخ‌ الإمام‌ العزّبن‌ جماعة‌، وأهل‌ عصرهم‌، وغيرهم‌ من‌ الشافعيّة‌، والمالكيّة‌، والحنفيّة‌، ولم‌ يقصر اعتراضه‌ علی‌ متأخّري‌ الصوفيّة‌، بل‌ اعترض‌ علی‌ مثل‌ عمربن‌ الخطّاب‌، و علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌. والحاصل‌ أن‌ لايقام‌ لكلامه‌ وزن‌ بل‌ يُرمي‌ في‌ كلّ وعرٍ وحزن‌. ويُعْتَقَد فيه‌ أنّه‌ مبتدع‌ ضالّ مضلّ غال‌، عامله‌ الله‌ بعدله‌، وأجارنا من‌ مثل‌ طريقته‌ وعقيدته‌ وفعله‌.

[38] ـ أي‌: أنّ سورة‌ المائدة‌ نزلت‌ في‌ آخر عمر النبي‌ّ، وأنّ سورة‌ الانفال‌ نزلت‌ قبلها بعدّة‌ سنين‌.

[39] ـ الآيات‌ 275 إلی‌ 278: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِينَ يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ـ إلی‌ قوله‌: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن‌ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ.

[40] ـ الآية‌ 281، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com