|
|
الصفحة السابقةمعيّة أتباع أولياء الله لهماتّباع أولياء الله يستلزم اللحوق بهمو يلزم هنا بيان نكتة مهمّة، و هي أنّ الذين يطيعون أولياء الله يصيرون في زُمرتهم، و يُصرف عنهم عذاب القبر أيضاً. و قد ورد في الآيتين 69 و 70 من سورة النساء: وَ مَن يُطِعِ اللَهِ وَ الرَّسُولَ فَأُوْلَـ'ئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَالشُّهَدآءِ وَالصَّـ'لِحِينَ وَ حَسُنَ أُوْلَـ'نءِكَ رَفِيقًا * ذَ ' لِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَ كَفَي' بِاللَهِ عَلِيمًا. و هاتان الآيتان تبعثان كثيراً علی البهجة و الامل في قلوب الناس، بأنـّهم و إن لم يُدركوا مرتبة الولاية الإلهيّة، إلاّ أنـّهم يجدون المعيّة مع أولياء الله بطاعتهم لهم، كما أنـّهم سيُحشرون معهم و يصبحون جلساءَهم ومصاحبيهم. فما هو السرّ في هذا الامر؟ السرّ في ذلك أنّ معني إطاعة المطيع للآمر المُطاع يتمثّل في تنصّل المرء من إرادته في العمل الذي أوكل إليه، فلا اختيار له فيه و لاإرادة، بل أنّ إرادة الآمر و اختياره قد حلاّ محلّها، و هذا هو معني الطاعة. فالطفل ـ مثلاً ـ حين يطيع أباه، فإنـّه يُصغي إلی كلّ ما يقوله له ثمّ يعمل وفقاً له، و للطفل اختيارات في مأكله و مشربه و ملبسه و محلّ استراحته و لعبه مع أترابه كثيراً ما تؤدي إلی الإضرار به أو إلی هلاكه، فهو بطاعته لابيه يتخلّي عن إرادته و اختياره لتحلّ إرادة الاب و اختياره بدلهما، فيُقال عندئذٍ إنّ للاب مقام الولاية و للطفل مقام الطاعة. كما أنّ الطفل حينما يذهب إلی المدرسة فإنّه يضع نفسه، في جميع حالاته و حركاته و سكناته تحت اختيار و إرادة أُستاذه، فيتعلّم تحت إشرافه. و مع أنّ الطفل يرغب في جميع الاحوال باللعب و العبث و العدو خلف رفيقه و في تناول الحلويّات، فهذا هو اختياره، إلاّ أنّ أُستاذه يقيّده بالجلوس في الصفّ فيقوم بتعليمه، و علی الطفل في جميع هذه الحالات أن يطيع أمره، فيقوم عوضاً عن إرادة اللعب و تناول الحلوي بإرادة كتابة ما يُعهد إليه و بالقراءة و المطالعة. كما أنّ مَن يطيعون الله و رسوله قد استبدلوا و نفّذوا في أذهانهم إرادة الله و رسوله بدل إرادتهم و اختيارهم في جميع أُمور المعاش والمعاد، في الاُمور الفرديّة و الاجتماعيّة، و في أُمور العبادات و المعاملات. و قد أثبتنا من جانب آخر أنّ أولياء الله هم أُولئك الذين قدّموا لله كلّ ما يملكون، و غرقوا في الاسماء الكلّيّة و صفات الحضرة الاحديّة، فلاافتراق بينهم و بين خالقهم، أُولئكم الذين لا نفس لديهم و لا إنّيّة ولاشخصيّة، كلّ ما هو موجود: الاندكاك في الاسماء الحُسني و الصفات العُليا للخالق سبحانه. و ما هو موجود: الخالق المتصرّف في وجودهم. و لذلك فإنّ أُولئك الذين يطيعون الله فيصبح وليّهم، سيصبح النبيّون و الصدّيقون و الشهداء و الصالحون ـ الذين هم أولياء الله ـ أولياءَهم، لانّ الله وليّهم. و ذلك لانـّه ليس هناك بين الله و بين أوليائه تفاوت و لا افتراق من وجهة نظر الإنّيّة، و ليس هناك فاصل مميّز بينهم؛ و علی هذا الاساس فإنّ الله هو وليّ المطيعين، و جميع أولياء الله سيكونون أولياءهم أيضاً. يقول الملائكة لهم: نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَ فِي الاْخِرَةِ.[1] و أساس بُرهان هذا المطلب أنّ ولاية الله أمرٌ واحد لا يقبل التعدّد، و ولاية أولياء الله هي في الحقيقة عين ولاية الله تعالي. يشهد علی هذا المعني أنّ الولاية قد حُصرت في بعض آيات القرآن الكريم بالذات المقدّسة للخالق سبحانه، كالآية 257 من سورة البقرة: اللَهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلی النُّورِ. و الآية 68 من سورة آل عمران: وَاللَهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. و كالآية 51 من سورة الانعام: لَيْسَ لَهُم مِّنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. و الآية 26 من سورة الكهف: مَا لَهُم مِّنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً. و الآية 44 من نفس السورة: هُنَـ'الِكَ الْوَلَـ'يَةُ لِلهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَ خَيْرٌ عُقْباً. كما نُسبت الولاية في بعض آخر من الآيات مع الله سبحانه سواه وأُثبتت للنبيّ و أميرالمؤمنين عليهما السلام و بعض المؤمنين الحقيقيّين المخلصين؛ كما في الآية 55 من سورة المائدة: إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَهُ وَ رَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُوا. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَو'ةَ وَ هُمْ رَ ' كِعُونَ. و قد وردت الروايات المتظافرة من الشيعة و العامّة أنّ هذه الآية نزلت في شأن أميرالمؤمنين عليه السلام: و كالآية 6 من سورة الاحزاب: النَّبِيُّ أَوْلَي' بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَ ' جُهُ و´ أُمَّهَـ'تُهُمْ. و الآية 71 من سورة التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَـ'تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيآءُ بَعْضٍ. وعلّة ختم النبيّ و أميرالمؤمنين و بعض المؤمنين في مقام الولاية الكلّيّة الوحدانيّةُ الإلـ'هِيّة ما ذكرناه؛ و مع وجود وحدة الولاية الإلـ'هِيّة مع ولاية هؤلاء، فلن يوجد هناك انثلام و انشقاق في الامر. و هكذا فإنـّه تبعاً للآية التي تُلحق المطيعين بأولياء الله من النبيّين والصدّيقين و الشهداء و الصّالحين، فإنّ جميع الشيعة و الاتباع سيُلحقون بأوليائهم و سيكونون في أمان من المؤاخذة و من سكرات الموت ومَهولات العوالم بعده. و الحقّ أنّ هذا المعني يبعث علی غبطة الشيعة و الاتباع الحقيقيّين من أنـّهم بالرغم من عدم وصولهم جميعاً إلی مقام الاسماء و الصفات الكلّيّة الإلهيّة، و عدم طيّهم لمراحل عالم التجرّد و المعني، و عدم انكشاف الحُجب الغيبيّة لهم، و بالرغم من عدم ارتباطهم بالملائكة المقرّبين والارواح الطيّبة لمنزّهي العالم، و عدم مشاهدتهم للجنّة ومقاماتها ومنازلها؛ إلاّ أنّ عليهم الابتهاج في أنـّهم قد خطوا خطوات راسخة في مقام التشيّع و الطاعة، فإنّ طاعتهم هذه ستجعلهم يلتحقون بأوليائهم وتوصلهم إليهم و تجعلهم يأمنون الاخطار و المحن و يتنعّمون في ظلّ ولاية أوليائهم. و الامر كذلك في الاُمور الاعتباريّة، فقد ورد في روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أن أطعِموا خدمكم و جواريكم ممّا تأكلون وألبِسوهم ممّا تلبسون، و أجلسوهم معكم في طعامكم و علی موائدكم، فإنّ الله سبحانه لايحبّ أن يكون لربّ البيت طعام خاصّ و لخدمه طعام آخر، أو أن يعيش السيّد في غرفة فخمة فاخرة و يعيش هؤلاء في محلّ وضيع، أو أن يرتدي السيّد الملابس الفخمه و يلبسون البسيط من اللباس. لقد كان نبيّنا صلّي الله عليه و آله و الائمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين يعيشون علی هذا النحو[2]. و كان الإمام علی بن موسي الرضا عليه السلام يُجلس معه جميع مماليكه علی مائدته فيجلسون علی فراش واحد وعلی أرضٍ واحدة و يتناولون طعاماً واحداً. [3] إنّ أُولئك الخدم و المماليك لم يكن لهم مقام الإمام الرضا عليه السلام، لكنـّهم كانوا غلماناً مُطيعين، فأبي الإمام أن يَطْعَم طعاماً فلا يشركهم فيه. و لو اتّفق تمرّد الغلام و تجرّأ فوثب أمام مولاه و ضرب أحد أطفال المنزل و اعتدي علی ربّة البيت، لَعاقبه ربُّ البيت و لقيّده بالاغلال في زاوية البيت حتّي يثوب إلی عقله فيكفّ عن تمرّده و اعتدائه، و لَجَلده بالسوط كلّ يوم بعد نُصحه و توبيخه علی مواجهته له و تمرّده عليه بدلاً من طاعته و الانقياد إليه، و علی استبداده في عمله و نزوعه إلی الاستقلال والعصيان. و مهما عمل هذا الغلام من الاعمال الصالحة فإنّ ذلك لن يشفع له أو يُجديه نفعاً، أي أنّ عمله لن يكون صالحاً إذا اقترن بتمرّده علی مولاه وعصيانه له. أمّا الغلام و العبد المطيع و خادم المولي فإنّ المولي و الإمام يحبّه كنفسه. الغلام المطيع يقول بلسان حاله: سيّدي! مولاي! ليس لي علمك، وليس لي مالك و ثروتك، و ليس لي قدرتك و لا كمالاتك و فضائلك، لكنّني قدمتُ إلی هذا الفِناء لاُطيع، فليس لي إرادة و اختيار معك، بل الإرادة و الاختيار لك، و الحكم و الامر اليك. بندگانيم جان و دل بركف چشم بر حكم و گوش بر فرمان گر سر صلح داري اينك دل ور سر جنگ داري اينك جان [4] تماماً كمثل القصّة المشهورة لاباز و مولاه السلطان محمود الغزنوي التي سُطرت في التواريخ و الامثال. إنّ الشيعة الذين لا يدّخرون وسعاً في طاعة مواليهم، و الذين يتحلّون بلباس التقوي، و الذين هم أهل التفويض و التسليم. سيُلحقون بأئمتهم وسيُنعمون بالمرافقة معهم في جميع المنازل و المراحل. و لقد أمرنا أئمّتنا أن نُطعم خدمنا و مطيعينا في الدنيا ممّا نأكل، فأنـّي لهم أن يحرموا هم أيضاً المخلصين و المطيعين لهم من النعم الإلهيّة التي يتمتّعون بها. مَا هَـ'كذا الظَّنُّ بِهِمْ وَ لاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِهِمْ وَ لاَ مُشْبِهٌ لِما عَامَلُوا بِهِ الْمُحِبِّينَ وَالْمُطِيعِينَ مِنْ مَوالِيهِمْ. حضور الائمّة عند احتضار أولياء الله و أصحابهم لهم إلی الجنّةإنّ إلحاق المطيعين بأولياء الله هو نصّ الآية القرآنية؛ كما ورد في مفاد روايات كثيرة في هذا الباب عن أنّ الاستار تزاح من أمام عين المؤمن أثناء سكرات الموت فتحضر أمامه الارواح المقدّسة لرسول الله وأميرالمؤمنين و الصدّيقة الكبري و الحسنين و سائر الائمّة عليهم السلام بصورهم المثاليّة و البرزخيّة فيقولون له: نحن رفقاؤك فتعال نذهب معاً لنسكن الجنان و لنعيش سويّاً في جميع الاحوال متصاحبين متجالسين في قصر واحد في مقام الامن، مشغولين بالتطلّع إلی بعضنا في الجلوات الإلهيّة علی' سُرُرٍ مُّتَقـ'بِلِينَ (الآية 47 من سورة الحجر، و الآية 44 من سورة الصافّات)؛ و قد وردت روايات جمّة (كثيرة) في هذا الشأن بحيث فاقت حدّ الإحصاء. و قد وَرَدتْ في المجلّد الثالث من كتاب «بحار الانوار» للمرحوم المجلسيّ رضوان الله عليه ـ و هو في باب العدل و المعاد حيث خصّص نصفه لبحث هذه الموضوعات، وردت مئات الروايات المنقولة عن «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه»، و «الامالي» للشيخ المفيد، و«الامالي» للشيخ الصدوق، و «الامالي» للشيخ الطوسيّ، و «الاحتجاج» للشيخ الطبرسيّ، و «الدعوات» للراونديّ، و «جامع الاخبار»، و «محاسن البرقيّ»، و «الاختصاص» للشيخ المفيد، و «معاني الاخبار»، و «عيون أخبار الرضا» و غيرها، في أنّ المؤمن يتشرّف عند موته بلقاء أئمّته الذين يأخذونه معهم إلی الجنّة. و قد نقلنا رواية في المجلس السابق، و ننقل اليوم أيضاً رواية أُخري، و ذلك لانـّنا إذا شئنا بيان جميع الروايات الواردة في هذا الشأن والبحث فيها لانقضي شهر رمضان بأكمله و بقينا نبحث حول مسألة سكرات الموت فقط. يروي المرحوم الكلينيّ في كتاب «فروع الكافي» عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير الصيرفيّ قال: قُلتُ لابي عبدِالله عليه السلامُ: جُعلتُ فداكَ يابنَ رسولِ الله! هلْ يُكْرَهُ المؤمنُ علی قبض رُوحه؟ قال: لا واللَهِ! إنّه إذا أَتاهُ مَلَكُ الموتِ لقبضِ روحهِ جزعَ عند ذلك، فيقولُ له ملكُ الموتِ: ياوليَّاللَهِ لا تجزعْ، فوالذي بعثَ محمّداً صلّي الله عليه و آله لاَنا أَبَرُّ بِكَ وَأَشفقُ عليكَ من والدٍ رحيم لَو حضرك. افتحْ عينيك وانظر! قال: و يُمثّلُ له رسولُ الله صلّي الله عليه و آله و أميرالمؤمنين وفاطمةُ و الحسنُ و الحسينُ و الائمّةُ من ذرّيّتهم عليهم السلام، فيقول له: هذا رسولُ الله و أميرالمؤمنين و فاطمةُ و الحسنُ و الحسينُ و الائمّةُ عليهم السلام رفقاؤكَ. قالَ: فيفتح عينَه فينظر فينادي روحَه منادٍ من ربِّ العزّةِ فيقول: يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَنءِنَّةُ (إلَي' مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ) ارْجِعِي´ إِلَي' رَبِّكِ رَاضِيَةً (بِالوِلاَيَةِ) مَّرْضِيَّةً (بِالثَّوابِ) فَادْخُلِي فِي عِبَـ'دِي (يَعْني مُحَمَّداً وَأَهْلَ بَيْتِهِ) وَادْخُلِي جَنَّتِي. فَمَا شَيءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ اسْتَلاَلِ رِوحِهِ وَاللُّحُوقِ بِالْمُنَادِي.[5] و قد وردت رواية في تفسير «العيّاشيّ» و هو من نفائس كتب الشيعة، و يعدّه البعض من أهل الفنّ أوثق و أكثر اعتباراً من كتاب «الكافي»، إلاّ أنـّه و للاسف الشديد ليس في متناول اليد غير نصف هذا الكتاب فقط من أوّل القرآن إلی سورة الكهف، أمّا نصفه الآخر فلم يُعثر علی نسخة منه في أيّ من المكتبات الموجودة. عن عبدالرحيم قال: قال أبوجعفر عليهالسلام: إنَّمَا أَحَدُكُمْ حِينَ يَبْلُغُ نَفْسُهُ هَي'هُنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوتِ فَيَقُولُ: أَمَّا مَا كُنْتَ تَرْجُو فَقَد أُعْطِيْتَهُ، وَ أَمَّا مَا كُنتَ تَخَافُهُ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنهُ، وَ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلی مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَ يُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلی مَسْكَنِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَانْظُر هَذا رَسُولُ اللَهِ وَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ رُفَقَاؤُكَ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَهِ: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ كَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْري' فِي الْحَيَو'ةِ الدٌّنْيَا وَ فِي الاْخِرَةِ. [6] و هذه الاُمور جميعاً نتيجة الطاعة، و هذا هو اللقاء و الرفقة و المعيّة في الوهلة الاُولي، و سيُذكر بالترتيب إن شاءالله تعإلی ما سيلقاه المؤمنون طوال عالَم البرزخ و القيامة. معيّة أصحاب سيّدالشهداء عليهالسلام له و قصّة جون العبد الجيش الاسودلقد وجد أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام بأجمعهم المعيّة والمصاحبة له، حتّي ذلك الغلام الاسود، فقد كان لسيّد الشهداء عليه السّلام غلام اسمه جون كان موليً لابي ذرّ الغفاريّ فوهبه للاءمام، و كان له مهارة في إصلاح الاسلحة. و ليلة عاشوراء كان الإمام جالساً في خيمته يترنّم بهذه الابيات: يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ كَمْ لَكَ بِالإشْرَاقِ وَالاْصِيلِ مِنْ صَاحِبٍ وَ طَالِبٍ قَتِيلِ وَالدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بِالْبَدِيلِ وَ إنَّمَا الاْمْرُ إلی الْجَلِيلِ وَ كُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِ[7] و كان هذا الغلام مشغولاً بإصلاح سلاح الإمام، فبشّر الإمام أصحابه جميعاً أنـّهم سيكونون معه في العوالِم الاُخري. و لم يصدّق الغلام الاسود أنّ الله سبحانه سيحشره مع الإمام الحسين يوم القيامة. فقد كان عبداً يلفّه السواد من قمّة رأسه إلی أخمص قدميه، و كان في لسانه لكنة، و كان ينتمي إلی بلد آخر، و لم يكن له قوام متناسب، و كانت شفتاه غليظتين كبيرتين و شعر رأسه مجعّد خشناً. إلاّ أنّ هذه الاُمور ستُزال جميعاً، فهناك في عالم المعني اتّحاد للارواح، هناك حيث يُزال عنه السواد، فيُلبس لباساً أبيض، و يصبح بدنه أبيض برّاقاً كاللُّجَيْنِ. و لقد قدموا ليلة الحادي عشر من المحرّم ليفصلوا باقي الرؤوس عن أجسادها، فرأوا إلی جانب القتلي بدناً ملقيً يلمع كالفضّة (لا يوجد هذا لافي «مقتل المقرم» ولافي «ابصار العين في أنصار الحسين عليهالسلام») والرائحة العطرة تتصاعد فوّاحة منه، رائحة لم تُصافح أنفاسهم قبلُ كمثلها، كان هو بدن ذلك الغلام الاسود، فقد كان أسودَ فصار أبيض فضّيّاً، وصارت رائحته زكيّة عطرة، فقد أُلحق بمولاه المُطاع سيّد الشهداء عليهالسلام.[8] لحوق فضّة و سلمان بأهل البيت عليهم السلامكيف أُلحقت فِضَّةُ خادمة الزهراء سلام الله عليها بمولاتها فشملتها سورة «هل أتي» التي نزلت في شأن أهل البيت؟ و كذلك سلمان الفارسيّ الذي أُلحق أثر الطاعة و التسليم لاهل البيت رسول الله بهم، فقال عنه النبيّ سَلْمَانٌ مِنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ. و لدينا باب في المعارف باسم: باب اللحوق؛ في أنّ الارواح المتجانسة تلتحق ببعضها، سواءً في ذلك الارواح التي تُساق إلی الجنّة، أو التي تُساق إلی النار. و لقد أُلحق أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام بمولاهم أيضاً، فكانوا يتسابقون يوم عاشوراء بمنتهي التسليم و صفاء الباطن فيفدون أرواحهم لمولاهم. و لقد أدركوا جميعاً درجة معيّتهم للاءمام: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ كَانُوا يَتَّقُونَ. و لقد رحلوا جميعاً ملبّين نداء ذلك المنادي، و أيّ منادٍ؟ ذلك الذي ينادي من قبل الربّ سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَهُ ثُمَّ اسْتَقَـ'مُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـ'ئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَ لاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. و لم يكن لديهم خوف و لا حزن، فقد نسوا الازواج و الاولاد والمِلك و التجارة و الوطن، نسوا كلّ ما كان لديهم. قال برير: أين أنصرف؟!! و تكلّم حبيب، و تكلّم أولاد عقيل، وتكلّم الإخوة، و كانوا جميعاً عشّاقاً للقتل فداءً لابن رسول الله. لِلّهِ دَرُّهُمُ مِنْ فِتْيَةٍ صَبَرُوا مَا إنْ رَأَيْتُ لَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْثَالاً. كيفيّة تجلّي صفات الله في أوليائهو ما أجمل ما أنشد الشاعر: داديم به يك جلوة رويت دل و دين را تسليم تو كرديم هم آن را و هم اين را ما سير نخواهيم شد از وصل تو آري لب تشنه قناعت نكند ماءِ معين را ميديد اگر چشم ترا لعل سليمان ميداد در اوّل نظر از دست نگين را در دايرة تاجوَران راه ندارد آن سر كه نسائيده بهپاي تو جبين را[9] كما أبد في شعره حين قال: أي حمد تو از صبح أزل همنفس ما كوتاه ز دامان تو دست هوس ما با قافلة كعبة عشقيم كه رفتهاست سرتاسر آفاق صداي جَرس ما در پاي تو آلوده لب از مي چه بيفتيم رانند ملائك به پَرِ خود مگس ما[10]
بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ (مطالب أُلقيت في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك) الحمد لله ربّ العالمين و لا حول و لا قوّة إلاّ باللَه العليّ العظيم و صلَّي اللهُ علی محمّد و آله الطَّاهرين و لعنة اللَه علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: يُثَبّـِتُ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيو ' ةِ الدُّنْيَا وَ فِي الآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَهُ الظَّـ'لِمِينَ، وَ يَفْعَلُ اللَهُ مَا يَشَآءُ * أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ. [11] إنّ الدنيا التي نعيش فيها دنيا امتزج بها الحسن و السيّء، و هناك أفراد في هذه الدنيا امتزج فيهم الحسن و السيّء فلم يتميّزا من الوجهة الظاهريّة، إلاّ أنّ البواطن تختلف و تمتاز عن بعضها. فهناك البعض ممّن لهم باطن حسن، بينما البعض الآخر لهم باطن سيّء؛ و كما أنّ باطن البعض يغلب علی ظاهرهم، بينما ظاهر البعض الآخر يغلب علی باطنهم. و هناك البعض الآخر ممّن تتساوي لديهم الحسنات و السيّئات. و يمكن أن تتغيّر البواطن إثر الاعمال الصالحة أو الاعمال السيّئة، فيصبح الباطن الحسن سيّئاً و يصير الباطن السيّء حسناً، كمثل الفاكهة التي يتسرّب التلف إلی بقعة صغيرة فيها، فإذا ما استؤصلت تلك البقعة بقيت الفاكهة سالمة، و إلاّ سري التلف إلی جميع الفاكهة فأتلفها. لحوق الحسنات و السيّئات عند التجرّد و الموت بأصلهماإنّ الافراد الذين يمتلكون باطناً جيّداً هم الذين قد آمنوا بالله وعمروا باطنهم إلی حدٍّ ما و ذلك باتباع رسول الله بالاعمال الصالحة، إلاّ أنّ من الممكن أن تصدر منهم أعمال قبيحة أحياناً. كما أنّ الافراد الذين يمتلكون باطناً سيئاً قد أشركوا و كفروا و انهمكوا بالفسق و الفجور، إلاّ إنّ من الممكن أيضاً أن تصدر منهم أعمال حسنة أحياناً. فما الذي ستكوّنه عاقبة هاتين المجموعتين يا تري؟ و هل سيأخذون معهم عند رحيلهم من هذه الدنيا هذه الاعمال الحسنة و الاعمال السيّئة بشكل منفصل؟ و ما الذي سيكون عليه مقامهم و منزلتهم؟ أوْ هَلْ أنّ عالم ما بعد الموت هو الآخر عالم تمتزج فيه الحسنات والسيّئات؟ أو تمتزج هناك الحسنات و السيّئات، الذنوب و التقوي، النور و الظلمة، السعادة و الشقاء مع بعضها فتتحرك سويّاً في مصافّ بعضها؟ أم أنّ العالم هناك عالم يمثلّ السعادة و النور المحضيْن، فهو جنّة و فرح و محض لذّة للصادقين، لا غلّ و لا غشّ و لا كدر فيه أبداً؛ و سيكون كمصداق للآية43 من سورة الاعراف: وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الاْنْهَـ'رُ. و للآية 47 من سورة الحجر: وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً علی' سُرُرٍ مُتَقَـ'بِلِينَ. أو أنـّه ظُلمة محضة و كدر و غلّ محض و شقاء لا يشوبه سعادة للخاسرين و الضالّيين و المسيئين. إنّ الناس السعداء و الاشقياء ليسوا منفصلين عن بعضهم في الدنيا، بل أنّ السعادة الكاملة و الشقاء الكامل ليسا مشهودين في كلّ واحد من أفراد الناس، بل انّ ذلك شيء يتعلّق بما سيفعلونه بمرور الايّام، و بالمبدأ الذي سينزعون إليه مستقبلاً، و بما ستكون عليه عاقبتهم في الختام؛ أللسعادة سيذهبون أم للشقاء؟ و مادام الإنسان يعيش في عالم التكليف، و مادام مشرّفاً من قبل الخالق بهذا الشرف، فإنّ احتمال السعادة و الشقاء سيكون وارداً بالنسبة له، و لن يكون بمقدور أحد أبداً ان يعدّ نفسه من السعداء أو من الاشقياء. أنّ الحسنات و السيّئات، و الإلهامات الربّانيّة و الخواطر الشيطانيّة ممتزجة في داخل الافراد، فهناك معجون من أجزاء هذه المتضادّات في نفس كلّ فرد. و بغضّ النظر عن هذا فإنّ أفراد البشر يعيشون في الدنيا علی أساس من الحياة الماديّة، فيأنسون ببعضهم البعض، و يعيشون في بيت واحد. و ما أكثر ما جلس الافراد الاشقياء و السعداء علی مائدةٍ واحدة، باطن أحدهم ظلمة محضة و باطن الآخر نورٌ صرف؛ يميل باطن أحدهم إلی الإنفاق و الإيثار، و ينزع باطن الآخر إلی البُخل و الإمساك. و لانـّهم محدودون في هذه الدنيا، و لانّ الظاهر له الغلبة علی الباطن، و لانّ حواس الإنسان من الذوق و الشمّ و السمع و البصر و اللمس هي و سيلة ارتباط الإنسان بهذا العالم، فإنّ الإنسان يتمكّن فقط من إدراك الظاهر، في حين تخفي عليه البواطن و النوايا و السرائر. أمّا عند الارتحال و الموت،و حين يستعدّ الإنسان للهجرة و الرحيل، فإنـّه يوضع في محكّ يفصل الحسنات عن السيّئات، و بمجرّد أن يصل الإنسان إلی نقطة الموت و يفقد فيها اختياره و إرادته الدنيويّة، فإنـّه سيواجه هناك أمّا عالم الخير المحض أو الشرّ المحض، فهو إمّا سالك طريق الجنّة أو منكفي في طريق النار، و ليس هناك من معني للشكّ و الاختلاط بعد عالم الموت. و بواسطة ذلك المحكّ الإل'هي فإنّ حسنات كلّ امري ستتّجه إلی عالم الحسنات، في حين تتحرّك سيّئاته إلی عالم السيّئات. ذلك العالم هو عالم ظهور الخفيّات و بروزها، و هو عالم كشف البواطن و السرائر، تذهب فيه البواطن الحسنة إلی الجنّة، و البواطن السيّئة إلی جهنّم، فيزول هذا الاختلاط و الامتزاج بين الحسنات و السيّئات. هناك عالم تتجمّع فيه الحسنات إلی بعضها، و السيّئات إلی بعضها، فهي تتجزّأ عن بعضها كما يحصل في تجزئة الماء و تحلّله اثر مرور شرارة كهربائيّة إلی غازين مختلفي الهويّة. فهذا الغازان ماكانا منفصلين عن بعضهما، إلاّ انـّهما فُصلا في شروط معيّنة إثر مرور الشرارة التي جعلت أحد الغازين يتّجه اليْ قطب، و الآخر المتخلف عنه في هويّته و جنسه إلی قطب آخر. إنّ الشخص الجميل الذي له ظاهر ملوّث في الدنيا، ملابسُهُ قذرة وبدنه متّسخ و وجهه مغطّي بغبار الفحم، فإنـّه بالنظر إلی جمال شمائله وحسن شكله الحقيقيّ ينبغي أن يؤخذ فيُغسل في الحمام و تُزال عنه الادران و الكدورات و تُبدّل ملابسه لتتشخّص حقيقته جهاراً و عياناً. كما أنّ هناك أشخاصاً قبيحي المنظر مُنفري السّحنة، إلاّ أنـّهم زيّنوا أنفسهم بزينات مختلفة و احتلّوا مكان الجميلين وسيمي الطلعة. أولئك أيضاً سيؤخذون إلی الحمّام فتغسل الزينة ليظهر شكلهم الواقعيّ علی حقيقته، ثم يُقال لهم: اذهبوا إلی من يُماثلونكم. إنّ الافراد الذين أحيوا باطنهم و عمروه ب الإیمان بالله و العمل الصالح، و الذين تجمّلوا بالجمال الإلهيّ سيكون مكانهم الجنّة، لان باطنهم جميل و حسن، و الباطن مركز ترشّح العواطف و الاحاسيس الإنسانيّة، كالمروءة و العدل و العبوديّة لله سبحانه؛ بيد أنّ ظاهر هؤلاء قد تلوّث و تدنّس بسبب المعاصي التي بدرت منهم أحياناً، إلاّ أنّ هذه المعاصي لم تسرِ إلی الباطن بل شملت الظاهر وحده، لذا فإنّ أمثال هؤلاء يجب أن يُغسلوا. و هكذا فإنـّهم يطهرون و يتنزّهون بواسطة المشاكل التي يواجهونها في الدنيا، و بالمصائب التي ترد عليهم، و بظهور الامراض، وبسكرات الموت و قبض الروح، و مجيء منكر و نكير؛ و حين يطهرون فإنـّهم سيذهبون فيلتحقون بالاطهار. أمّا أُولئك الافراد الذين تدنّس باطنهم في الدنيا بالشرك و الكفر، والذين أفسدوا ذلك الباطن و أتلفوه بالعمل السيّء و بالاعتداء علی حقوق الناس و التعدّي علی حريم الله سبحانه، ثم جمّلوا ظاهرهم أحياناً ببعض الاعمال الحسنة، إلاّ أنّ هذه الزينة لم تتمكّن من النفوذ إلی باطنهم لتصلحه، فإنّ هذا الحجاب الظاهري و هذا الستار سيُزاح جانباً بلذّة مؤقته و نعمة سريعة الزوال، أو بامتحان بسيط يمرّون به، فيبرز باطنهم الملوّث بصورته الحقيقيّة و يُقال لهم: اذهبوا فالتحقوا بالملوّثين. ذرّه ذرّه كاندرين أرض و سماست هر يكي همجنس خود را كهرباست نوريان مر نوريان را طالبند ناريان مر ناريان را جاذبند [12] انفصال الحسنات عن السيّئات عند التجرّد و الموت و لحوق كلّ منها بأصلهإنّ المؤمن الذي زيّن باطنه ب الإیمان و لوازمه، و الذي قد يحدث أن يتلوّث ظاهره بالمعصية أحياناً، ستنفصل عنه المعصية بشرارة كهربائيّة ملكوتيّة تتّصل به، فيحلّق ذلك الباطن الجميل الحسن إلی محلّه الحقيقيّ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ.[13] كما أنّ الكافر الذي زيّن ظاهره ببعض الاعمال الصالحة و الاخلاق الحميدة، إلاّ أنّ باطنه فاسد متعدٍّ متجاوز، سيمرّ هو الآخر بامتحان تسلّط عليه فيه شرارة كهربائيّة ملكوتيّة للتجزئة و التحليل، فينهار ظاهره و يتحرّك باطنه إلی محلّه و مستقرّه. و خلاصة الامر فإنّ كلّ صفة ستعود بعد التجزئة و الإمتحان إلی أصلها، تماماً كما يحدث حين يحرق الحطب المركّب من المواد الترابيّة والموادّ الناريّة، فتتحرّك النار صوب مبدأه أي الشمس، و يعود الرماد إلی مبدأ أي الارض، بعد أن كانا ممتزجين متآلفين في الفحم و الحطب؛ كُلُّ شَيءٍ يَرْجِعُ إلی أَصلِهِ، أصل الجنّة الطهارة و النزاهة، و أصل جهنّم القذارة و الدَّنَس، و علی المؤمن الذي يريد الذهاب إلی الجنّة أن يتخلّي عن جوانبه الظلمانيّة العارضة فيذهب دونها، و إلاّ لما قدر علی الذهاب. كما أنّ علی الكافر الذي يريد الحركة إلی جهنّم أن يترك جوانبه النورانيّة العارضة، و إلاّ لما تمكّن من الحركة في ذلك الاتّجاه. و هناك نكتة مهمّة أُخري يلزم ذكرها، و تستحقّ العناية و التأمّل، وهي انّ من كان باطنه جميلاً حسناً فسعي ـ بالايمان الحقيقي بالله تعإلی وبالتقوي و العمل الحسن ـ في حفظ هذا الباطن غضّاً حيّاً، فإنّ العمل القبيح الذي يبدر منه ليس قبيحاً في الحقيقة، بل أنّ له صورة قبيحة فقط. و ذلك لانّ باطنه الحسن لا يتقبّل هذا العمل و لا يسمح له بالاقتراب منه، فإذا ما بدر من المؤمن أحياناً عمل بسبب غضبه. و شهوته، متعمّداً كان أم غير متعمّد، فإنّ ذلك الباطن سيُبعد ذلك العمل عنه و يطرده باستمرار. كما أنّ الشخص المتعدّي المتجاوز الذي ينزع باطنه إلی الدنيا، والذي أفسد ذلك الباطن بعمله الغير مقبول فأدّي إلی فساده و تعفّنه، إذا ما صدر منه عمل حسن، فإنّ ذلك العمل ليس عملاً صالحاً، بل أنّ ظاهره حسن فقط، لانّ باطن هذا الشخص لا يسمح له بفعل عمل حسن، و سيقوم ذلك الباطن باستمرار بإبعاد هذا العمل الصالح عنه رافضاً قبوله. و إذا ما خضع العمل الحسن الذي يصدر من رجل خبيث الذات إلی منطق العقل و إلی واقع التجزئة و التحليل، فإنّ رائحة الرياء و التظاهر ودواعي الصيت و السُمعة و الشُهرة ستتصاعد منه فتزكم الاُنوف. و حين يريد كلّ إنسان أن يرحل عن الدنيا، و حين يريد الله الحقّ أن يعيد كلّ موجود إلی أصله، فيأخذ الملكوت إلی الملكوت، و العلّيّين إلی العلّيّين، وا لسجّين إلی السجّين، فإنّ عالم الحقّ و الحقيقة سيظهر و حجاب الاعتبار سيُهتك و يُزاح جانباً، فيُساق أهل الجنّة إلی الجنّة و يوضع كلّ منهم في درجته الخاصّة، و يُساق أهل جهنّم إلی جهنّم و يوضع كلّ منهم في الدرك الخاصّ به، ثم يُصار إلی تجزئة الإنسان بالمحكّ الملكوتي والشرارة الكهربائيّة الربّانيّة، فتذهب الحسنات إلی جهة و السيّئات إلی أُخري، و تتحرّك الحسنات العارضة إلی الحسنات الذاتيّة الثابتة، في حين تتحرّك السيّئات العارضة صوب السيّئات الذاتيّة. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ.[14] تقول الآية 37 من سورة الانفال: لِيَمِيزَ اللَهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ علی' بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَـ'ئِكَ هُمُ الْخَـ'سِرُونَ. و من جانب آخر، و بالملازمة، فان الطيّب سيُجعل بعضه علی بعض فيُركم جميعاً فيُجعل في الجنّة. رُوي في كتاب «علل الشرايع» رواية مفصّلة عن أبي إسحـاق إبراهيم الليثيّ، عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام في طينة المومن و المنافق و أعمال المؤمنين و المعاندين، إلی قول الإمام عليه السلام: إحتجاج الإمام الباقر علی إبراهيم الليثيّ في لحوق المؤمنين و المنكرين بأُصولهمأَخْبِرنِي يَا إبْرَاهِيمُ عَنِ الشَّمْسِ إذَا طَلَعَتْ وَ بَدَا شُعَاعُهَا فِي الْبُلْدَانِ، أَهُوَ بَايِنٌ مِن الْقُرصِ؟ قُلْتُ: فِي حَالِ طُلُوعِهِ بَايِنٌ. قَالَ: أَلَيْسَ إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ اتَّصَلَ ذَلِكَ الشُّعَاعُ بِالْقُرْصِ حَتَّي' يَعُودُ إلَيْهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَلِكَ يَعُودُ كُلُّ شَيءٍ إلی سِنْخِهِ وَ جَوْهَرِهِ وَ أَصْلِهِ؛ فَإذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَعَ اللَهُ تَعَالَي' سِنْخَ النَّاصِبِ وَ طِينَتَه مَعَ أَثْقَالِهِ وَ أَوْزَارِهِ مِنَ الْمُؤمِنِ فَيُلْحِقُهَا كُلَّهَا بِالنَّاصِبِ؛ وَ يَنْزِعُ سِنْخِ الْمُؤمِنِ وَ طِينَتَهُ مَعَ حَسَنَاتِهِ وَ أَبْوَابِ بِرِّهِ وَاجْتِهَادِهِ مِنَ النَّاصِبِ فَيُلْحِقُهَا كُلَّهَا بِالْمُؤمِنِ. أَفْتَرَي' هَاهُنَا ظُلْمَاً وَ عُدْوَانَاً؟ قُلْتُ: لاَ، يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ. قَالَ: هَذَا وَاللَهِ الْقَضَاءُ الْفَاصِلُ وَالْحُكْمُ الْقَاطِعُ وَ الْعَدْلُ الْبَيِّنُ، لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ. هَذَا يَا إبْرَاهِيمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ؛ هَذا مِنْ حُكْمِ الْمَلَكُوتِ. قُلْتُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ، وَ مَا حُكْمُ الْمَلَكُوتِ؟ قَالَ: حُكْمُ اللَهِ وَ حُكْمُ أَنْبِيائِهِ وَ قِصَّةِ الْخِضْرِ وَ مُوسَي' عَلَيْهِما السَّلاَمُ حِينَ اسْتَصْحَبَهُ، فَقَالَ: اِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَ كَيْفَ تَصْبِرُ علی' مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً. إفْهَمْ يَا اِبْرَاهِيمُ وَاعْقِلْ، أَنْكَرَ مُوسي' علی' الْخِضْرِ وَاسْتَفْظَعَ أَفْعَالَهُ؛ حَتَّي' قَالَ لَهُ الْخِضْرُ: يَا مُوسَي'؟ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، إنَّمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِ اللَهِ تَعَالَي'، مَنْ هَذَا وَيْحَكَ يا إبراهيمُ قُرآنٌ يُتْلي وَ أخبارٌ تُؤْثَرُ عَنِ اللَهِ تَعإلی مَن رَدَّ مِنْها حَرْفَاً فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ وَ رَدَّ علی' اللَهِ تَعَالَي'. قَالَ اللَّيثيُّ: فَكَأَنِّي لَمْ أَعْقِلُ الآيَاتِ وَ أَنَا أَقْرَأُهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً إلاَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. فَقُلْتُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! مَا أَعْجَبَ هَذاَ، تُؤخَذُ حَسَنَاتُ أَعْدَائِكُمْ فَتُرَدُّ علی' شِيعَتِكُمْ؛ وَ تُؤخَذُ سَيِّئاتُ مُحِبِّيكُمْ فَتُرَدُّ علی' مُبْغِضِيكُمْ؟ قَالَ: إي وَاللَهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، فَالِقُ الْحَبَّةِ وَ بَارِيُ النَّسْمَةِ وَ فَاطِرُ الاْرْضِ وَ السَّمَاءِ؛ مَا أَخْبَرْتُكَ إلاَّ بِالْحَقِّ، وَ مَا أَنْبَئْتُكَ إلاَّ الصِّدْقَ، وَ مَا ظَلَمَهُمُ اللَهِ، وَ مَا اللَهُ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ، وَ أَنَّ مَا أَخْبَرْتُكَ لَمَوْجُودٌ فِي الْقُرءَانِ كُلَّهُ. قُلْتُ: هَذا بِعَيْنِهِ يُوجَدُ فِي الْقُرآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُوجَدُ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلاثِينَ مَوضِعَاً فِي الْقُرآنِ.[15] مصائب المؤمن في الدنيا كفّارة ذنوبه، و لذّات الكافر فيها أجر حسناته: ورد في أخبار كثيرد أنّ المؤمن الذي يخلو قلبه من الغلّ والغش والإنكار، و الذي لا يتظاهر الرياء، و لا يجحد الحقّ إذا وعاه في أيّ أمر كان، و يقوم بفعل ما يتمكّن عليه من الخير، إذا ما بدر منه غفلة أو ذنب، فإنّ الله يؤدّبه عليه في الدنيا ببعض المحن الدنيويّة كالمرض و الدَيْن والفقر و أمثالها، فيُزيل عنه الذنب و يُبرأه منه، و هكذا فإنّ أيّ حمّي تصيب المومن ليست إلاّ كفّارة ذنوبه. فمإذا تعني كفّارة الذنب؟ انّها تعني تساقط و تهاوي ذلك الدَّنس الظاهريّ. كما انّ الكافر حين يلتذّ بأيّ لذّة في الدنيا فليست إلاّ جزاء أعماله الحسنة التي فعلها، لانّ الكافر لا يفعل شيئاً لله، بل هو لا يعرف الله ولايُدرك معني التقوي و التقرّب، و ليست الاعمال الحسنة التي تصدر منه إلاّ من أجل النوايا و المقاصد الدنيويّة. لذا فإنّ الله سبحانه يؤجره عليها بأجر دنيويّ تبعاً لتلك النوايا و الاهداف، و ذلك بإعطاء المال و الجاه وأنواع النِعَم التي يعطيه إيّاها جزاء عمله و مقابل حسناته. لذا يموت هذا الكافر حين يموت و ليست لديه حسنة؛ فأيّ عمل سيتقاضي أجره من ربّه يا تري؟ لقد عمل العمل الحسن في الدنيا للمقاصد الدنيويّة ثمّ نال القصد و النتيجة الدنيويّة. أمّا السيّئة و الذنب الذي يرتكبه المؤمن فهو خارج عن حدود وجوده، و منفصل عن إيمانه و هدفه السامي، لذا يبتلي الله سبحانه ذلك المؤمن باتبلاءات من أجل محو ذلك الذنب، فتصبح تلك الابتلاءات سبباً لتيقّظه و انتباهه، و هو معني الكفّارة و محو الذنب. و هكذا فإنّ المؤمن يموت فيتحرّك ـ باعتباره صاحب هدف سامٍ والتزام و مسؤولية أمام الامر الإلهيّ ـ إلی ذلك المكان السامي، فقد جوزي علی ذنبه الذي ارتكبه في هذه الدنيا، و تحمّل عقاباً بأنواع الابتلاءات بما يتناسب مع ذلك الذنب، فإنّه يحلّق إلی عالم القدس بريئاً طاهراً منزّهاً. ظهور الشيطان محكّ فصل الحسنات عن السيّئاتورد كثيراً في الروايات انّ المؤمن حين يريد الرحيل عن الدنيا فإنّ الشيطان يأتي إليه فيحاول بمختلف الوسائل و الوعود و الآمال أن يزلزله وأن يُصادر منه إيمانه، إلاّ أنّ المؤمن الحقيقي يشخّصه جيداً فلا يقبل بوعوده و لا ينخدع بها أبداً. يروي الكلينيّ في كتاب «الكافي»، عن علی بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن محمّد بن علی، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ إلاَّ وَكَّلَ بِهِ إِبْلِيسُ مِنْ شَيْطَانِهِ أَنْ يَأمُرَهُ بِالْكُفْرِ وَ يُشَكِّكَهُ فِي دِيِنِه حَتَّي' تَخْرُجَ نَفْسُهُ، فَمَنْ كَانَ مُؤمِنَاً لَمْ يَقْدِرْ علَيْهِ، فَإذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَلَقِّنُوهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إلَ'هَ إلاَّ اللَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيه وَ آله حَتَّي' يَمُوتُ.[16] و من الواضح أنّ الشيطان يوسوس في باطن الإنسان و يتحكّم فيه عن طريق قوّة الخيال، فيجلّي له مناظر خلاّبة جميلة، و يذكّره بسلسلة نوايا و خواطر نفسانيّة، لينصرف الإنسان عن محبّة لقاء الله و يغفل عن الدرجات و المقامات العلويّة و عن رضوان الله تعإلي، و ليتعلّق قلبه من جديد بالدنيا و زينتها، فينفصم ميثاق ضميره مع الاُمور الابديّة و الموجودات المجرّدة الروحانيّة، مثل الله و رسوله و الائمّة خلفائه صلوات الله عليهم أجمعين، و ينعطف قلبه نحو أمور الغرور و زخرف الدنيا والآمال السابقة، ثمّ يقضي نحبه في هذه الحال التي التفت فيها إلی الدنيا و أقبل عليها. أمّا المؤمن الذي أوكل قلبه إلی الابديّة، و صار عاشقاً للقاء المحبوب، مولّهاً بمقام جماله و التطلّع إلی مظاهر الرحمة من النفوس القدسيّة الإل'هيّة و الارواح الطيّبة للمولّهين به، فأنـّي له الالتفات إلی هذه الوساسوس! فهو حين يري جميع هذه المناظر الخدّاعة و وساوس الشيطان يري أنـّها أحبولة خداع و شبكة صيد، فينظر إليها نظرة احتقار و نفور، ولايعطف باطنه إليها أبداً، بل هو بكلّه في انتظار أمر الدخول و التحليق في سماء التوحيد المطلق و السير في أسماء و صفات الربّ الودود، و في تلك الحال التي يلتفت فيها بقلبه إلی تلك الاجواء فإنّ روحه تخلد في عالم الخُلد. و بناءً علی هذا الامر فقد قال الصادق عليه السلام: إذَا حَضزَتُمْ مَوْتَاكُمْ فَلَقِّنُوهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ صلّي الله عليه و آله حَتَّي يَمُوتُ. و ذلك لتقوية الميّت في هذا الجانب ولكسر صولة الشيطان. و ينبغي أن لا يدخل في غرفة المحتضر جُنب، و أن يدخلها المرء علی و ضوء، و أن يُقرأ القرآن، و أن يقرأ فيها سورتي «ياسين» و «الصافّات» و دعاء «العديلة»، و أن تعطّر الغرفة لانـّها محلّ نزول الملائكة الذين يستأنسون برائحة العطر، عكس الشياطين التي تهرب من العطر و من القرآن و من ذكر «بسم الله الرحمن الرحيم». و بالطبع فإنّ مجيّ الشيطان و وسوسته هو للاءمتحان الذي يميّز المطهّرين عن الملوّثين المدنّسين، و يميّز الإیمان المستقرّ الثابت عن الإیمان المستودع المُعار، و يجعل الكلم الطيّب يرفع إلی الخالق جلّوعلا. تقول الآية 16 من سورة الحشر: كَمَثَلِ الشَّيْطَـ'نِ إذْ قَالَ لِلاءنْسَـ'نِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بَرِي´ءٌ مِّنكَ إنِّي´ أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَـ'لَمِينَ. إنّ الشياطين الذين خلقهم الله سبحانه هم محكّ لتمييز المدنّس من المطهّر، لذا فإنـّهم لم يُخلقوا عبثاً، بل خلقهم الله تعإلی لمصلحة معيّنة، فالشيطان هو الموجود الذي يميّز الخبيث عن الطيّب. إنّ جميع الناس، سعيدهم و شقيّهم، يريدون الذهاب إلی الله تعإلی و الاستقرار في مقام الامن، الفاسق منهم و العادل، المؤمن و الكافر، الصائن لحقوق الناس و القائم بها و المتعدّي و المتجاسر عليها؛ و هم جميعاً يرغبون في السكن في مقام الصدّيقين، فيأتي الشيطان و يمتحن الناس بمحكّه الخاصّ فيميّز الاشقياء عن السعداء. فالذين هم أهل الله لن يستجيبوا له و لن يُخدعوا به مهما دعاهم إلی الاباطيل، أمّا الذين لم يتعمّق الإیمان فيهم و ظلّ سطحيّاً تقليديّاً، فسرعان ما يرتدّون، و سرعان ما يجد خداع إبليس الطافح بالمكر و التلبيس منفذاً إلی قلوبهم. لذا فإنّ الشيطان مأمور من جانب الله و مكلّف بوظيفته و واجبه، تماماً كمثل تلك الشرارة التي تحلّل الماء و تجزّأه إلی قسمين و مادّتين. كما أنّ الشيطان يضحك بعد قيامه بواجبه و خداعه للناس ذوي المذهب القشريّ السطحيّ، فيقول: لقد أوقعتُكم في حبائلي جيّداً و أظهرتُ باطنكم و نشرتُ علی الملا تدنّسكم و عفونتكم المغطّاة المستترة. و هو معنيْ الآية الكريمة السابقة. [2] ـ أورد الشيخ الطبرسيّ في «مكارم الاخلاق»، فصل «الدعاء عند اللبس»، ص 53 من الطبعة الحجريّة رواية مفصّلة عن مختار التمّار، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، و فيها أنّ الإمام ذهب مع غلامه قنبر إلی سوق الكرابيس فاشتري ثوبين، أحدهما بثلاثة دراهم و الآخر بدرهمين، فأعطي الذي بثلاثة إلی قنبر و لبس الذي بدرهمين، فقال قنبر: أنتَ أولي به، تصعد المنبر و تخطب الناس. قال: و أنت شاب و لك شرّة الشباب، و أنا أستحي من ربّي أن أتفضّل عليك. سمعتُ رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول: أَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأكُلُونَ. و قد ورد نظير هذا الحديث في ص 59 من هذا الكتاب. [3] ـ أورد في المجلّد 12 من «بحار الانوار»، طبعة الكمباني في كتاب تاريخ الإمام علی ابن موسي الرضا عليه السلام، ص 26، عن كتاب «عيون أخبار الرضا»، عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن عبّاس، قال:...حتّي ï ïيصل إلی قوله: و كان إذا خلا و نصبت مائدته أجلس معه علی مائدته مماليكه حتّي البوّاب والسائس. و يروي في ص 29 عن «الكافي» عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن عبدالله بن الصلت، عن رجل من أهل بلخ قال: كنتُ مع الرضا عليه السلام في سفره إلی خراسان، فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم، فقلتُ: جُعلتُ فداك لو عزلتَ لهؤلاء مائدة. فقال: مه إنّ الربّ تبارك و تعإلی واحد و الاُمّ واحدة والاب واحد و الجزاء بالاعمال. [4] ـ يقول: «نحن عبيدٌ، أرواحنا و قلوبنا علی أكفّنا، عيونُنا ترقب الحُكم و آذانُنا الامرَ والنداء. إن شئتَ صلحاً فهاك قلوبنا، أو شئتَ حرباً فهاك أرواحنا!» [5] ـ «فروع الكافي»، كتاب الجنائز، باب: «أنّ المؤمن لا يُكره علی قبض روحه»، الطبعة الحجريّة، ج 1، ص 35 و 36؛ والطبعة الحيدريّة، ج 3، ص 127 و 128. [6] ـ «بحار الانوار»، طبعة الآخوند، المجلّد السادس، ص 177 و 178. [7] ـ «الإرشاد» للمفيد ص 251؛ «اللهوف» الطبعة الحجريّة، ص 71؛ و «مقتل سيّد الشهداء» للسيّد عبدالرزاق المقرّم؛ و أضاف في اللهوف نصف البيت هذا: مَا أَقْرَبَ الْوَعْدَ مِنَ الرَّحِيلِ. [8] ـ مقتل المقرّم ص 289؛ و ينقل عن مقتل «العوالم» ص 88 أنّ الإمام كان قد دعا له: اللّهمَّ بَيِّضْ وَجْهَهُ، وَ طَيِّبْ ريحَهُ، وَاحْشُرْهُ مَعَ مُحَمَّدٍ صلّي الله عليه و آله، وَ عَرِّفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلِ مُحَمَّدٍ صلّي الله عليه و آله. فكان كلُّ من يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحةً طيّبة أذكي من المِسك. [9] ـ يقول: «فدينا لاءشراقةٍ واحدة لطلعتك القلبَ والدين كليهما، و سلّمنا إليك طوعاً هذا و ذاك. لن نرتوي قطّ من وصالك يوماً، فالشفة الظمأي لا تقنع بالماء المعين وحده. ï ïلو شاهدت عينيك ياقوتة سليمان، لاعطاك فصّ خاتمه من النظرة الاُولي. و لن يجد إلی دائرة الملوك ذوي التيجان سبيلاً، رأسٌ لم يُمرّغ جبينه علی قدميك.» [10] ـ يقول: «يا من تردّد مديحُك منذ صبح الازل مع أنفاسنا، و كانت أوهامنا تقصر عن نيل فضل ردائك. لقد طبّق الآفاق صوت جرسنا المتصاعد مع قافلة العشق الراحلة. و لو تهاوينا علی أقدامك بشفاهنا المدنّسة بالخمر، لَطَرَدَتْ ذُبَابَنَا، بأجنحتها الملائكةُ.» [11] ـ الآيات 27 إلی 29، من السورة 14: إبراهيم. [12] ـ يقول: إنّ كلّ ذرّة في باطن الارض أو في السماء ستجذب أمثالها في الجنس كالمغناطيس. فأهل النور يسعون إلی أمثالهم، و أهل النار يجذبون أشباههم. [13] ـ الآية 55: من السورة 54: القمر. [14] ـ الآية 98، من السورة 11: هود. [15] ـ «علل الشرايع»، الباب 385، نوادر العلل، الرواية 81، طبع المطبعة الحيدريّة في النجف سنة 1385، ص 606 ـ 610، و سند الرواية هو: الصدوق عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن محمّد بن السياريّ، عن محمّد بن عبدالله بن مهران الكوفيّ، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي إسحاق إبراهيم الليثيّ، عن الإمام الباقر عليه السلام. [16] ـ «فروع الكافي»، كتاب الجنائز، باب تلقين الميّت، الطبعة الحيدريّة، ج 3، ص 123، و الطبعة الحجريّة، ج 1، ص 34. ولكن حسب نقل «وسائل الشيعة» ج 2 ص 663 عن «الكافي» فقد ذكر بدل عبارة «شيطانه أن يأمره» عبارة «شياطينه مَن يأمره»، و ربّما كان هذا اللفظ أقرب للصواب.
|
|
|