بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الثالث / القسم الاول: الرؤیة القلبیة لله مع تزکیة النفس، الایمان بالغیب شرط الفلاح، مواعظ الاما...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع إلی المجلد الثانی

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

الحمد لله‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی العظيم‌

وصلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

(مطالب‌ أُلقيت‌ في‌ اليوم‌ الخامس‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 

اشتراط‌ رؤية‌ الله‌ أو نزول‌ الملائكة‌ للإيمان‌ ناشي‌ عن‌ الاستكبار

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلآ أُنْزِلَ علینَا الْمَلَـ'ئِكَةُ أُوْ نَرَي‌' رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي‌´ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَـ'ئِكَةَ لاَبُشْرَي‌' يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا * وَقَدِمْنَآ إلَي‌' مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـ'هُ هَبَآءً مَّنْثُورًا * أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً. [1]

 يقول‌ الذين‌ لا يرجون‌ زيارتنا ولقاءنا: لماذا لا تنزل‌ علینا الملائكة‌؟ ولماذا لا نري‌ الله‌؟!

 أي‌ أنـّهم‌ يقولون‌ للنبي‌ّ: إنْ أريتَنا الله‌ عياناً، أو أنزلتَ علینا الملائكة‌ فلمسناهم‌ وشاهدناهم‌ لآمنّا آنذاك‌؛ أمّا ونحن‌ لم‌ نَرَ الله‌ ولم‌ينزل‌ علینا مَلَك‌، فهيهاتَ أن‌ نؤمن‌ لك‌! وكلامهم‌ هذا مُجانب‌ للصواب‌ كثيراً، وناشي‌ء عن‌ روح‌ التكبّر والاستكبار فيهم‌، إذ حين‌ سيرون‌ الملائكة‌ فإن‌ أمرهم‌ سيكون‌ قد قُضي‌ وانتهي‌.

 علی‌ أنّ أمثال‌ هؤلاء المعاندين‌ المتمرّدين‌ الذين‌ لا يخضعون‌ للحقّ بسبب‌ استكبارهم‌ النفسي‌ّ وتعاليهم‌، لن‌ يتلقّون‌ من‌ الملائكة‌ أي‌ّ بشارة‌، بل‌ سيُهاب‌ بهم‌ بالطرد والمنع‌ فيُحجر علیهم‌ ويُمنعون‌ من‌ الورود في‌ عوالم‌ المسرّة‌ والبهجة‌.

 ولانّ عملهم‌ في‌ الدنيا لم‌ يدرْ علی‌ محور رضانا والامل‌ في‌ التقرّب‌ إلينا، فقد قدمنا إليه‌ واستولينا علیه‌ وجعلناه‌ بإرادتنا القاهرة‌ هباءً متناثراً في‌ الفضاء الفسيح‌، مُضمحلاً مُتبدّداً مُتشتّتاً.

 أمّا أصحاب‌ الجنّة‌ الذين‌ كانوا يرجون‌ لقاءنا، فسيستقرّون‌ ذلك‌ اليوم‌ في‌ مكان‌ يفيض‌ طمأنينة‌ وأمناً، ويخلدون‌ إلی الراحة‌ في‌ ذلك‌ المكان‌ المريح‌.

 وتتضمّن‌ هذه‌ الآيات‌ العائدة‌ إلی البرزخ‌ نكاتٍ عجيبة‌ ودقائق‌ جمّة‌ غريبة‌، في‌ أنّ سبب‌ التمرّد وعدم‌ القبول‌ بالآيات‌ الإلهيّة‌ وبرسالة‌ الرسول‌ أمرٌ ناجم‌ عن‌ استكبار النفس‌. وعلی‌ هذا فما دام‌ الاستكبار ـ أي‌ التعالي‌ والعُجب‌ وامتداح‌ النفس‌ وتضخيمها ـ باقياً، فإنّ سبيل‌ الوصول‌ إلی الحقائق‌ سيكون‌ مسدوداً، لانّ هذا العتوّ والتمرّد سيقف‌ حائلاً في‌ وجه‌ جميع‌ الافكار المنطقيّة‌ الصائبة‌، ويبرّر منطق‌ جميع‌ الافكار السقيمة‌ الخاطئة‌ ويوظّفها للوصول‌ إلی نوايا هذه‌ النفوس‌ المتمرّدة‌. ومن‌ ثمّ سيُقبر صاحب‌ النفس‌ المستكبرة‌ ويُدفن‌ إلی الابد في‌ سجن‌ الجهل‌ ومقبرة‌ النظر الخاطي‌ والرؤية‌ الفجّة‌ غير المقبولة‌ النابعة‌ من‌ الغرور والعُجب‌.

 يقول‌ المستكبرون‌: إنّنا لن‌ نؤمن‌ ما دُمنا لا نري‌ الله‌، وما دامت‌ الملائكة‌ لم‌ تنزل‌ علینا!

 فما أبعد هذا الكلام‌ في‌ ميزان‌ الواقع‌ ووجدان‌ الحقيقة‌ عن‌ الصواب‌ والاعتبار!

 فبعد أنْ علم‌ هؤلاء أنّ النبي‌ّ صادقٌ ومُصيب‌ في‌ دعواه‌، وأنـّه‌ مُرسَل‌ من‌ قبل‌ الله‌ تعالي‌، وأنّ قلبه‌ متّصل‌ بعالم‌ الغيب‌، وأنـّه‌ أقام‌ البيّنات‌ والحُجج‌ للشهادة‌ علی‌ ذلك‌.

 وبعد علمهم‌ بأنّ هذا الرجل‌ لا يتحرّك‌ في‌ إطار الموازين‌ العاديّة‌ والطبيعيّة‌ وأنـّه‌ مرتبطٌ بعالم‌ الغيب‌ وملكوت‌ العالم‌، ومستقرٌ في‌ منهل‌ معدن‌ الوحي‌ والعظمة‌، فهو يتعامل‌ من‌ هناك‌ مع‌ عالمنا هذا، عالم‌ الطبع‌ والمقاولة‌ والتكليف‌؛ فإنّ حجّتهم‌ في‌ عدم‌ الإيمان‌ إلاّ برؤية‌ الله‌ ستكون‌ حجّة‌ مغلوطة‌ ومرفوضة‌.

 فالانبياء ـ أساساً ـ يأتون‌ بما يمكن‌ من‌ المعجزات‌ اللازمة‌ لإقرار واعتراف‌ البشر، وحينذاك‌ فإنّ إحالة‌ الإيمان‌ بالله‌ علی‌ رؤيته‌ وعلی‌ نزول‌ الملك‌ ـوهو أمر محال‌ للناس‌ العاديّين‌ ـ لا يمكن‌ أن‌ يُحمل‌ إلاّ علی‌ التمرّد وعدم‌ الرضوخ‌ لقول‌ الحقّ والصدق‌. إنّهم‌ يريدون‌ مشاهدة‌ الله‌ عياناً، وليس‌الله‌ بجسم‌، ولا يُري‌ بالعين‌ التي‌ تدرك‌ الاجسام‌ والمحسوسات‌، والله‌سبحانه‌ لا يرضي‌ أساساً بذلك‌ الإيمان‌ الذي‌ تريدون‌ أن‌ تصلوا إليه‌ بعد رؤيتكم‌ لله‌ عياناً، إذ ليس‌ ذلك‌ إيماناً، بل‌ هو الكفر المبين‌.

 وكيف‌ من‌ ثمّ ـ علی‌ فرض‌ المحال‌ ـ يجسّد الله‌ نفسه‌ لكم‌ علی‌ هيئة‌ جسم‌ ـ وليس‌ ذلك‌ إلاّ حقيقة‌ الكفر ـ لكي‌ تؤمنوا إيماناً صحيحاً من‌ خلال‌ هذه‌ المقدّمة‌ الكفريّة‌؟ أو يمكن‌ أن‌ يكون‌ الكفرمقدّمة‌للإيمان‌؟!

 أو هل‌ سُدّت‌ جميع‌ طرق‌ وسبل‌ الإيمان‌ فلم‌ يبقَ إلاّ هذه‌ المقدّمة‌ الكفريّة‌ ليستعين‌ بها الله‌ في‌ جعلكم‌ مؤمنين‌؟!

 يقولون‌: لن‌ نؤمن‌ حتّي‌ تنزل‌ علینا الملائكةُ!

 لكنّ نزول‌ المَلَك‌ ملازم‌ لصفاء الروح‌ وتزكية‌ النفس‌؛ فالنبي‌ّ كان‌ يري‌ الملك‌ لانّ قلبه‌ كان‌ ملكوتيّاً، فذلك‌ القلب‌ الصافي‌ المشرق‌، وذلك‌ الضمير الواعي‌ الطاهر يمكنه‌ أن‌ يري‌ المَلَك‌ عياناً.

 فطهّروا أنتم‌ أيضاً قلوبكم‌ بأوامر الله‌ وتعاليم‌ هذا النبي‌ّ، واجلوها من‌ صدأ الشهوة‌ والغضب‌ وخواطر النفس‌ الامّارة‌، واضطرابات‌ الخيالات‌ التمويهيّة‌ لتسكن‌ وتستقرّ ليمكنكم‌ مشاهدة‌ المَلَك‌!

 أمّا والحال‌ أنـّكم‌ لم‌ تؤمنوا بعدُ، فما برحتم‌ مشركين‌ مدنّسين‌ بالرذائل‌ الاخلاقيّة‌ وقبائح‌ الاعمال‌، فأنـّي‌ لقلبكم‌ المدنّس‌ المضطرب‌ أن‌ يتمكّن‌ من‌ رؤية‌ الملك‌؟!

 علیكم‌ أن‌ تؤمنوا بالله‌ سبحانه‌ تبعاً لامر هذا النبي‌ّ، ليتجلّي‌ نور الله‌ في‌ قلوبكم‌ شيئاً فشيئاً بالاعمال‌ الصالحة‌ والنزعات‌ الحميدة‌ إلی عالم‌ الغيب‌. أمّا رؤية‌ الله‌ فليست‌ بالاعين‌ التي‌ في‌ الرأس‌، بل‌ بعين‌ الباطن‌، كما أنّ لقاءه‌ إنّما يحصل‌ بالقلب‌ والوجدان‌ والضمير، وسيزول‌ الكدر ويجلي‌ من‌ القلب‌ تدريجاً باتّباع‌ أوامر النبي‌ّ والعمل‌ بالقرآن‌ الكريم‌، فتتّجهون‌ إلی مقصد الإنسانيّة‌. وستزول‌ الملكات‌ الرذيلة‌ تاركة‌ محلّها للملكات‌ الحسنة‌ التي‌ تظهر بالإيمان‌ والمجاهدة‌ والعبوديّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

رؤية‌ الله‌ بنظر القلب‌، ومستلزمة‌ لتزكية‌ النفس‌

 إنّ لقاء الله‌ مترتّب‌ علی‌ الإيمان‌ به‌ واتّباع‌ نبيّه‌، لانّ القلب‌ سيطهر آنذاك‌ فيجد قابليّة‌ عكس‌ أنوار العالم‌ المجرّدة‌ الملكوتيّة‌، ولربّما أمكن‌ له‌ رؤية‌ الملائكة‌ أيضاً، بَيدَ أنّ ذلك‌ يحصل‌ بعد الإيمان‌ والعمل‌ الصالح‌ لاقبلهما، وإلاّ لزم‌ منه‌ ترتّب‌ العلّة‌ علی‌ المعلول‌، وهو محال‌! ثمّ إنّ عقلكم‌ ووجدانكم‌ يحكمان‌ بأنّ علیكم‌ الرجوع‌ إلی النبي‌ّ في‌ هذا الامر والتسليم‌ لامره‌، فرجوع‌ الجاهل‌ للعالم‌ من‌ الاحكام‌ الفطريّة‌ والعقليّة‌. وعلی‌ الإنسان‌ أن‌ يرجع‌ إلی أهل‌ الفنّ في‌ كلّ أمر ليس‌ له‌ فيه‌ تخصّص‌ أو بصيرة‌، فيتّبع‌ إرشاداتهم‌ الواعية‌، فيرفع‌ بها جهله‌ ويمهّد بها سبيله‌. فإن‌ قال‌ ( إنّني‌ لاأرجع‌ إلی أهل‌ الفنّ حتّي‌ أفهم‌ دليل‌ ذلك‌ ) فإنّه‌ سيكون‌ قد ألقي‌ بنفسه‌ في‌ ألف‌ مخاطرة‌ وتهلكة‌. وَ مَآ أُوتِيتُم‌ مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً.[2]

 لقد أُوتينا قليلاً من‌ العلم‌، فكيف‌ سيمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يقف‌ بشكل‌ كامل‌ علی‌ كلّ علم‌ من‌ علوم‌ الدنيا ومن‌ العلوم‌ الإلهيّة‌ والعلوم‌ المجرّدة‌ لعالم‌ الملكوت‌، ثمّ يكون‌ في‌ صدد العمل‌ والفعل‌؟!

 ذاك‌ أمر محال‌، لانّ وجود الإنسان‌ محدود، ولن‌ يمكنه‌ ـمن‌ ثمّـ الإحاطة‌ بالعلوم‌ غير المحدودة‌.

 إنّ المريض‌ الذي‌ يُراجع‌ الطبيب‌ لا يمكنه‌ أن‌ يقول‌ له‌: إنّني‌ لن‌أستعمل‌ الدواء الذي‌ تريد إعطاءه‌ حتّي‌ أعلم‌ ما هو، وما هي‌ تركيباته‌، وممّ استُخلصتْ موادّه‌، وما الفعل‌ والانفعالات‌ التي‌ سيؤثرها في‌ بدني‌؟ ولو قال‌ ذلك‌، فلن‌ يكون‌ أمام‌ الطبيب‌ من‌ سبيل‌ إلاّ أن‌ يقول‌ له‌: لاتستعمل‌ الدواء، واذهب‌ لتموت‌!

 الطبيب‌ يقول‌: لقد درستُ وطالعتُ سنين‌ طويلة‌ متمادية‌ حتّي‌ حصلت‌ علی‌ الخبرة‌، ولقد أنفقت‌ عمري‌ حتّي‌ فهمتُ وأدركت‌؛ وعلیك‌ أنت‌ أيضاً ـ وفق‌ هذا المنوال‌ ـ أن‌ تقضي‌ العمر في‌ المطالعة‌ والتجربة‌ لتفهم‌ دليل‌ ذلك‌!

 لكنّك‌ لم‌ تفعل‌ شيئاً من‌ هذا، وها أنت‌ مريض‌ قد راجعتني‌ بعد ثقتك‌ بإخلاصي‌ وخبرتي‌، وعلیك‌ ـ بحكم‌ الفطرة‌ والعقل‌ ـ أن‌ تسلّم‌ أمرك‌ لي‌ وتقلّدني‌ دون‌ مناقشة‌، فليس‌ هنا مكان‌ ل ( لِمَ وبِمَ ولعلّ ولكنّ )!

 فإن‌ أصغي‌ المريض‌ لكلام‌ الطبيب‌ هذا، فسينقذ حياته‌ ويحصل‌ علی‌ حياة‌ جديدة‌، وإلاّ فإنَّه‌ سيسلك‌ طريق‌ الهلاك‌ ويحفر قبره‌ بيده‌.

 وفي‌ موسم‌ الحجّ تتوجّه‌ القوافل‌ إلی بيت‌ الله‌ الحرام‌، فإن‌ جلس‌ أحد المسافرين‌ في‌ زاوية‌ من‌ المطار قائلاً: إنّني‌ لن‌ أصعد إلی الطائرة‌ حتّي‌ أعلم‌ كيف‌ تتحرّك‌، وأعلم‌ أي‌ّ خاصيّة‌ للتحريك‌ يوجدها البنزين‌ في‌ محرّكها، وكيف‌ يتمّ تبديل‌ البنزين‌ إلی الغاز، أبواسطة‌ المراوح‌ أم‌ بالامتصاص‌؟ وأعلم‌ ـ أساساً ـ كيف‌ تقوم‌ المكابس‌ فيها بتحشيد الهواء وضغطه‌، وكيف‌ تقوم‌ بإخراجه‌؟ وكيف‌ يتمّ نقل‌ حركة‌ المكبس‌ إلی محور التدوير في‌ محرّك‌ الطائرة‌؟ وأسئلة‌ أُخري‌ عن‌ آلاف‌ التفاصيل‌ الدقيقة‌ الكهربائيّة‌ والميكانيكيّة‌ والفيزيائيّة‌ والكيميائيّة‌ وغيرها، التي‌ صرف‌ في‌ كلٍّ منها آلاف‌ الاشخاص‌ سنين‌ طويلة‌ من‌ عمرهم‌ فحصلوا علی‌ الخبرة‌ والعلم‌ فيها.

 فسيُقال‌ في‌ جوابه‌: لعلك‌ مُختبط‌ قد اضطربت‌ حواسك‌! تعالَ واركب‌ فالطائرة‌ ستتحرّك‌ الآن‌، بينما ستبقي‌ جالساً في‌ زاوية‌ الجهل‌ هذه‌. حسناً، فلتجلس‌ وتفكرّ ثمّ اركب‌ بعد ذلك‌! ثم‌ تتحرّك‌ الطائرة‌ بالحجّاج‌ فيقومون‌ بأداء مناسك‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌، ويتشرّفون‌ بزيارة‌ المدينة‌ المنوّرة‌ ثمّيعودون‌ بينما هذا السيّد لا يزال‌ جالساً في‌ زاوية‌ المطار مشغولاً في‌ التفكير وفي‌ الحصول‌ علی‌ برهان‌ ودليل‌. وكفي‌ به‌ جهلاً يؤدّي‌ إلی البؤس‌ والتخلّف‌ عن‌ قافلة‌ عالم‌ الوجود، وإلي‌ الحرمان‌ من‌ آلاف‌ العبادات‌ السمعيّة‌ والبصريّة‌ واللسانيّة‌، ومن‌ مشاهدة‌ الآيات‌ الإلهيّة‌ التي‌ وجدت‌ طوال‌ هذا السفر.

 إذَاً فعلی‌ من‌ يريد بناء عمارة‌ ما، أن‌ يذهب‌ إلی المهندس‌ المختصّ، وعلی‌ من‌ يريد خياطة‌ لباس‌ ما أن‌ يراجع‌ الخيّاط‌. أفيمكنه‌ ـتري‌ـ أن‌ يقول‌ للمهندس‌ وللخيّاط‌: ليس‌ لكما الحقّ في‌ الشروع‌ في‌ عملي‌ هذا مالم‌ تعلّماني‌ تفاصيله‌ وأسراره‌ وتقوما بشرحها لي‌؟

 وعلی‌ ضوء ذلك‌ لا يمكن‌ لاي‌ّ إنسان‌ يريد العيش‌ في‌ هذه‌ الدنيا بهذا العمر القصير وبهذه‌ الفرص‌ الضئيلة‌ والحدود والقيود التي‌ لا تُحصي‌، أن‌ يُجيز لنفسه‌ الاجتهاد والتخصّص‌ في‌ جميع‌ الفنون‌. وعلیه‌ حتماً أن‌ يقلّد في‌ كثير من‌ الفنون‌، بل‌ في‌ معظمها، فيرجع‌ فيها إلی المختصّ في‌ ذلك‌ الفنّ ويتبعه‌. وإذا ما كان‌ الإنسان‌ إخصائيّاً في‌ أحد الفنون‌، فإنّه‌ مقلّد في‌ الباقي‌.

 أي‌ أنّ الطبيب‌ الاخصّائي‌ّ في‌ معالجة‌ الابدان‌ هو مقلّد في‌ فنّ الهندسة‌ الميكانيكيّة‌، كما أنّ المهندس‌ الذي‌ صار مجتهداً خبيراً في‌ علم‌ طبقات‌ الارض‌، هو مقلّد في‌ فنّ الطبابة‌، بل‌ إنّ طبيب‌ العيون‌ مقلّد لطبيب‌ الاسنان‌ وطبيب‌ الاسنان‌ ـ بدوره‌ ـ مقلّد لطبيب‌ العيون‌.

 والامر كذلك‌ بالنسبة‌ إلی الطبيب‌ الاخصّائي‌ّ في‌ عمليات‌ القلب‌ الجراحيّة‌، إذ هو مقلّد للطبيب‌ الاخصّائي‌ّ في‌ فنّ المجاري‌ البوليّة‌ وأمراض‌ الكلية‌ والمثانة‌، والعكس‌ صحيح‌. فتلك‌ هي‌ السنّة‌ الجارية‌ منذ القدم‌ في‌ عالم‌ الطبع‌ هذا، وستبقي‌ كذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

اشتراط‌ رؤية‌ الله‌ أو نزول‌ الملائكة‌ للإيمان‌ مخالف‌ لاساس‌ المنطق‌

 وها هم‌ يتخيّلون‌ أنـّهم‌ وردوا عالم‌ الملكوت‌ فهم‌ يقولون‌: إنّنا لن‌نؤمن‌ حتّي‌ نري‌ الله‌ عياناً أو تنزل‌ علینا الملائكة‌؛ يضاهي‌ كلامهم‌ مقولة‌ لاحد الجرّاحين‌ الاخصّائيّين‌ مفادها: أنـّني‌ لا أعترف‌ بالله‌ لانـّني‌ لم‌أجده‌ تحت‌ مبضع‌ الجراحة‌

 إنّ كلام‌ المادّيّين‌ والطبيعيّين‌ في‌ العصر الحاضر يماثل‌ تماماً كلام‌ الدهريّين‌ من‌ السابقين‌ مع‌ تغيير شكل‌ البحث‌ وصورته‌، وإلاّ فإنّ الاصل‌ والمحتوي‌ والمفاد واحد ليس‌ إلاّ.

 لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي‌´ أَنفُسِهِمْ.

 أي‌ أنّ كلامهم‌ لا يرتكز علی‌ منطق‌ صائب‌، ويفتقر البلاغة‌ والاصالة‌ ويستمدّ نشأته‌ من‌ الاستكبار والتعالي‌.

 فهؤلاء الافراد يأبون‌ الاستسلام‌ لمنطق‌ الصواب‌ والإصغاءإلي‌ أمر الحقّ؛ لذا فإنّهم‌ يعدّون‌ أنفسهم‌ معذورين‌ ومأجورين‌ بمثل‌ هذه‌ الاعذار، أمّا في‌ الحقيقة‌ فإنّ الاستكبار هو علّة‌ عدم‌ قبولهم‌، إذ يُخال‌ إليهم‌ أنـّهم‌ أنزه‌ وأقدس‌ وأعلی‌ رتبة‌ من‌ أن‌ يخضعوا لاوامر شخص‌ مثلهم‌ يدعوهم‌ من‌ قِبل‌ الله‌ تعالي‌ باسم‌ النبي‌ّ والرسول‌. يشهد علی‌ هذا المدّعي‌ كلامهم‌ حيث‌ يقولون‌: أَبَعَثَ اللَهُ بَشَرًا رَسُولاً؟!

 الرجوع الي الفهرس

كثير من‌ انتظارات‌ الناس‌ ناشئة‌ عن‌ الاستكبار

 ونظير هذا المرض‌ الروحي‌ّ موجود في‌ كثيرٍ منّا، حيث‌ نطرح‌ آلاف‌ الانواع‌ من‌ التشكيكات‌ في‌ مقام‌ تقليد المجتهد العادل‌، ولا نريد الانضواء تحت‌ تبعيّته‌ العلميّة‌ والعمليّة‌، ثمّ نتوقّع‌ بالنسبة‌ إلی حكومة‌ الإسلام‌ ودولته‌ أن‌ تتشكّل‌ حتماً علی‌ يد إمام‌ العصر أرواحنا فداه‌، ونعيب‌ علی‌ كلّ حكومة‌ وإن‌ أقيمت‌ علی‌ يد الفقيه‌ العالم‌ العادل‌ ونسقطها من‌ درجة‌ الاعتبار، ونحصر أمر إجراء الحدود وتعيين‌ الحكّام‌ وإقامة‌ صلاة‌ الجمعة‌ بالإمام‌ علیه‌ السلام‌.

 ومع‌ إمكان‌ تشكيل‌ دولة‌ الإسلام‌ علی‌ يد الفقيه‌ الجليل‌ زمن‌ الغيبة‌، إلاّ أنـّنا نرضخ‌ لآلاف‌ المظالم‌ والجرائم‌ المختلفة‌، ونلائم‌ أنفسنا مع‌ الحكومات‌ الظالمة‌ الجائرة‌ لانـّنا نتصوّر أنّ تشكيل‌ الحكومة‌ يجب‌ أن‌ يحصل‌ فقط‌ علی‌ يد الإمام‌ علیه‌ السلام‌.

 ولو أصدر الإمام‌ نفسه‌ تبعاً للادلّة‌ والموازين‌ الشرعيّة‌، وبعناوين‌ عامّة‌ أو خاصّة‌، أمراً بتشكيل‌ حكومة‌، فإنّنا ـ مع‌ ذلك‌ كلّه‌ ـ سنحاول‌ إسقاط‌ تلك‌ الحكومة‌ بأنواع‌ الشبهات‌ الواهية‌ المختلفة‌، غير عالمين‌ بأنَّ تشكيل‌ حكومات‌ تُقام‌ علی‌ أساس‌ العدل‌ في‌ العالم‌ وإجراء الحدود الإلهيّة‌ ونصرة‌ المظلوم‌ يُعدّ بنفسه‌ عاملاً مساعداً في‌ إقامة‌ حكومة‌ العدل‌ العالميّة‌ وفي‌ التعجيل‌ بالفرج‌.

 وهذه‌ الخيالات‌ والشبهات‌ ناشئة‌ بأجمعها من‌ الاستكبار، أي‌ أنـّنا نعدّ نفوسنا في‌ الذروة‌ من‌ النزاهة‌، فلسنا ـ من‌ ثم‌ ـ مستعدّين‌ للمشاركة‌ في‌ صلاة‌ جمعة‌ يُقيمها فرد مثلنا، وللانضواء تحت‌ حكومة‌ فقيه‌ مثلنا أو مبايعته‌. حتّي‌ أنـّنا لسنا مستعدّين‌ للحضور في‌ جماعة‌ رجل‌ عادل‌ لنكون‌ مأمومين‌ بدل‌ أن‌ نكون‌ إماماً، إذ ستختلق‌ لنا أنفسنا عذراً وحجّة‌ باسم‌ العدالة‌ علی‌ نحو عامّ، كما ستلد آلاف‌ الشبهات‌ والتشكيكات‌ تجاه‌ ذلك‌ الإمام‌ موضوعاً علی‌ نحو جزئي‌ّ، بينما لا تصدر أمثال‌ هذه‌ الشبهات‌ في‌ سائر الاُمورالاُخري‌ بل‌تقوم‌ ـ علی‌ العكس‌ ـ بتبرير الشبهات‌ الواقعيّة‌ وتأويلها ـ بنحوٍ ما ـ علی‌ محمل‌ صحيح‌.

 ولقد وضع‌ القرآن‌ الكريم‌ اسماً لهذا المرض‌ الروحي‌ّ هو الاستكبار، وما أعجبها من‌ تسمية‌!!

 وعلی‌ نحو الإجمال‌ فإنّ أكثر الاعمال‌ ذات‌ الظاهر المقدّس‌ الصادرة‌ من‌ المتلبّسين‌ بالظواهر المقدّسة‌ ناشئة‌ من‌ روح‌ الاستكبار والعُجب‌، إذ يُقحمها هؤلاء ـ عمداً أو عفواً ـ في‌ عنوان‌ القدسيّة‌، ويقضون‌ أعمارهم‌ معها، ويُمرّرونها علی‌ المحرومين‌ وعلی‌ عوامّ الناس‌، فيخيّل‌ لاُولئك‌ المساكين‌ أنّ أمثال‌ هؤلاء المستكبرين‌ زهّاد عُبّاد من‌ أهل‌ التقوي‌ والورع‌ فَضَلّوا وَ أَضلّوا عَن‌ سَواء السَّبِيل‌.

 ويذكر القرآن‌ الكريم‌ علی‌ لسان‌ المستكبرين‌ أنـّهم‌ كانوا يتحاشون‌ ـ علی‌ أساس‌ من‌ القدسيّة‌ والاحتياط‌ والنهج‌ المتحفّظ‌ـ أن‌ يتّبعوا رسول‌الله‌ ـ لاسامح‌ الله‌ـ دون‌ دليل‌؛ لذا فقد كانوا يسألونه‌ دليلاً متقناً، وهو رؤية‌ الله‌ سبحانه‌ أو نزول‌ المَلَك‌، ويعدّون‌ ذلك‌ عذرهم‌ الموجّه‌ وحجّتهم‌ القاطعة‌ النافذة‌؛ بَيدَ أنـّهم‌ انغمروا في‌ جهلهم‌ المركّب‌ وأغلقوا ـ بهذا المنطق‌ والبيان ‌ـ السبيلَ لاي‌ّ تكامل‌ ورقي‌ّ.

 إنّ هذا العالم‌ هو عالم‌ المادّة‌ والجسميّة‌، أمّا المَلَك‌ فموجود ملكوتي‌ّ ومجرّد عن‌ المادّة‌، فإن‌ شاء النزول‌ إلی هذا العالم‌ فإنّ علیه‌ التلبّس‌ بلباس‌ الجسم‌، بينما ليس‌ الملائكة‌ بجسم‌؛ أو أنّ علی‌ الإنسان‌ ـ من‌ أجل‌ رؤية‌ الملائكة‌ـ أن‌ يرقي‌ عن‌ هذه‌ الدنيا فيخلع‌ لباس‌ المادّة‌ والجسميّة‌، ويذهب‌ إلی عالم‌ المثال‌ والبرزخ‌ ليُشاهدهم‌. وهذا الامر ـ بالنسبة‌ إلی الافراد الذين‌ لم‌تشرق‌ قلوبهم‌ بنور الله‌ والعاجزين‌ عن‌ خلع‌ البدن‌ وارتدائه‌ ـ سيحصل‌ بعد الموت‌ الطبيعي‌ّ، ومن‌ ثمّ فإنّ رؤية‌ الملائكة‌ للناس‌ العاديّين‌ أمر محال‌.

 لقد كانوا يعترضون‌ علی‌ رسول‌ الله‌: لماذا لم‌ يرسل‌ الله‌ إلينا مَلَكاً نبيّاً، فلقد كان‌ من‌ الاجدر أن‌ يرسل‌ الله‌ بالرسالة‌ ملكاً نتّبعه‌، فنزلت‌ الاية‌:

 وَلَوْ جَعَلْنَـ'هُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـ'هُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا علیهِم‌ مَّا يَلْبِسُونَ. [3]

 فافرضوا الآن‌ ـ علی‌ هذا الاساس‌ ـ أنّ نبيّكم‌ هو مَلَك‌ ارتدي‌ لباس‌ المادّة‌ وهبط‌ إلی هذا العالم‌، إذ ليس‌ من‌ مَلَك‌ يهبط‌ إلی عالم‌ المادّة‌ إلاّ ويرتدي‌ لباس‌ المادّة‌، وإذا ما شاء الإنسان‌ مشاهدته‌ توجّب‌ أن‌ يراه‌ علی‌ هيئة‌ جسم‌، كما أنّ الإنسان‌ يستطيع‌ رؤية‌ الملك‌ في‌ هيئته‌ الحقيقيّة‌ المجرّدة‌ حين‌ يكون‌ ـ بدوره‌ ـ قد صار مجرّداً.

 الرجوع الي الفهرس

طلب‌ رؤية‌ الملائكة‌ كلام‌ جائر خارج‌ عن‌ السنّة‌ الإلهيّة‌

 وهكذا فإنّ من‌ يرحل‌ عن‌ هذا العالم‌؛ إمّا بالخلع‌ الاختياري‌ّ ونسيان‌ عالم‌ الكثرة‌ أو بالموت‌ والخلع‌ الاضطراري‌ّ؛ فإنّه‌ سيري‌ الملك‌. كما أنّ الشخص‌ المحتضر يري‌ ملك‌ الموت‌ لانـّه‌ اكتسب‌ حالة‌ التجرّد، بينما لايري‌ المحيطون‌ به‌ شيئاً لانـّهم‌ لم‌ يحصلوا علی‌ تلك‌ الحالة‌ ولم‌ تتوفّر لهم‌ شرائطها. لذا فإنّ طلب‌ رؤية‌ الملك‌ بدون‌ حصول‌ شرط‌ التجرّد هو تمنٍّ مشروط‌ بدون‌ حصول‌ شرطه‌:

 وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا.

 وهو كلام‌ جائر قد تخطّي‌ القاعدة‌ والقانون‌ والسنّة‌ الإلهيّة‌، كما أنّ أصحاب‌ هذا المنطق‌ هم‌ من‌ الجائرين‌المعتدين‌.

 وتبعاً للقواعد الفطريّة‌ والعقليّة‌ فإنّه‌ يجب‌ تقليد رسول‌ الله‌ واتّباعه‌ كما أنّ القاعدة‌ الشرعيّة‌ ـ بدورها ـ تُمضي‌ ذلك‌ وتقرّه‌؛ وإلاّ فإنّ قافلة‌ المؤمنين‌ ستشدّ الرحال‌ وتصل‌ بتعاليم‌ الله‌ إلی حيث‌ مقام‌ قاب‌ قوسين‌ أو أدني‌، بينما يبقي‌ المتمرّدون‌ والمستكبرون‌ أسري‌ جهنّم‌ الجهل‌ ومظاهر عالم‌ البُعد، محرومين‌ معذّبين‌ في‌ شرنقة‌ العُجب‌ والغُرور.

 وفي‌ سورة‌ الإسراء، يطالب‌ منكرو رسالة‌ رسول‌ الله‌ بشواهد مادّيّة‌ وثروات‌ طبيعيّة‌، ويعتبرون‌ إيمانهم‌ منوطاً بها، ثمّ يطلبون‌ طلباً مماثلاً لموضوع‌ البحث‌.

 تقول‌ الآية‌:

 أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ علینَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَهِ وَالْمَلَـ'´نءِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن‌ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَي‌' فِي‌ السَّمَآءِ وَلَن‌ نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّي‌' تُنَزِّلَ علینَا كِتَـ'بًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي‌ هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً* وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن‌ يُؤْمِنُو´ا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَي‌'´ إلاَّ أَن‌ قَالُو´ا أَبَعَثَ اللَهُ بَشَرًا رَّسُولاً* قُل‌ لَّوْ كَانَ فِي‌ الاْرْضِ مَلَـ'´نءِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَنءِنِّينَ لَنَزَّلْنَا علیهِم‌ مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَي‌' بِاللَهِ شَهِيدًا بَيْنِي‌ وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ و كَانَ بِعِبَادِهِخَبِيرًا بَصِيرًا. [4]

 يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَـ'ئِكَةَ لاَ بُشْرَي‌' يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا[5].

 الرجوع الي الفهرس

الإيمان‌ بالغيب‌ شرط‌ الفلاح‌

 إنّ الإنسان‌ سيري‌ الملائكة‌ حين‌ يكون‌ قد شدّ الرحال‌ عن‌ هذه‌ الدنيا وحال‌ الموت‌ بينه‌ وبين‌ هذا العالم‌، ولن‌ يكون‌ هناك‌ آنذاك‌ من‌ بشري‌ للمجرمين‌، فالطريق‌ قد أُغلق‌ والاختيار قد انتهي‌ دوره‌، وسيلقون‌ هناك‌ ملائكة‌ غلاظاً شداداً فيهم‌ من‌ حميم‌ جهنّم‌ علامات‌ وآيات‌، فيقولون‌ لهم‌: سنحجر علیكم‌ ونمنعكم‌ أشدّ المنع‌ من‌ الورود إلی عالم‌ القُرب‌ والجنّة‌. لقد كنتم‌ تريدون‌ رؤيتنا في‌ الدنيا كي‌ تؤمنوا، وهذا الإيمان‌ لايغني‌ شيئاً، ولقد ربح‌ الذين‌ آمنوا دون‌ أن‌ يشاهدوا: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ هم‌ الفائزون‌ والرابحون‌.

 وقد ورد في‌ الرواية‌ أنّ من‌ نظر إلی امرأة‌ أجنبيّة‌ فغضّ بصره‌لله‌، فإنّ الله‌ سبحانه‌ سيهبه‌ حوريّة‌ في‌ الجنّة‌ جزاء له‌ علی‌ فعله‌ هذا. [6]

 وهكذا فإنّهم‌ يعطون‌ الحوريّة‌ لمن‌ لم‌ يشاهدها جزاء غضّ بصره‌؛ وإلاّ فلو رأي‌ امرؤ الحوريّة‌ أوّلاً ثمّ عمد إلی غضّ بصره‌ فإنّه‌ لن‌ يكون‌ قد فعل‌ ما يستدعي‌ العجب‌. فمن‌ ـ يا تري‌ ـ لن‌ يفعل‌ ذلك‌ ويبادل‌ الحوريّة‌ بنظرة‌ واحدة‌؟!

 وإذا تقرّر أن‌ يشاهد الإنسان‌ الجنّة‌ أوّلاً ثمّ يصلّي‌ ويدفع‌ الزكاة‌ ويجاهد ويصمد في‌ المحن‌ والشدائد باستقامة‌ وصبر، ويخطو في‌ ذلك‌ بقدم‌ صادقة‌، فسوف‌ لن‌ يوجد في‌ جميع‌ العالم‌ شخص‌ جهنّمي‌ّ واحد، وسيكون‌ جميع‌ الافراد ـ علی‌ أساس‌ هذه‌ المعادلة‌ ـ من‌ أصحاب‌ الجنّة‌ متّقين‌ صالحين‌ مؤمنين‌ بشكل‌ محض‌.

 لكنّ هذه‌ الجنّة‌ هي‌ جنّة‌ العالم‌ الذي‌ سبق‌ هذا العالم‌، هي‌ جنّة‌ عالم‌ الذرّ لا جنّة‌ عالم‌ التكليف‌. وينبغي‌ أن‌ يُصار في‌ جنّة‌ الدنيا إلی التغلّب‌ علی‌ المقاصد الشيطانيّة‌ بالصبر والتحمّل‌ وبالإرادة‌ والاختيار، ومن‌ ثمّ ينقسم‌ الناس‌ إلی فئتين‌: سعيد وشقي‌ّ. وينبغي‌ علی‌ المرء ـ إجمالاً ـ أن‌ يؤمن‌ بالغيب‌ وأن‌ يعمل‌، وهذا العمل‌ سيوجب‌ ازدياد الإيمان‌، وسيوجب‌ الإيمان‌ الاكثر ـ بدوره‌ ـ ازدياد العمل‌، وهكذا ستدعم‌ كلّ مرتبة‌ من‌ مراتب‌ الإيمان‌ والعمل‌ ومراحله‌ المرتبةَ الاُخري‌ وتقوّيها باستمرار، وصولاً إلی مرحلة‌ الإخلاص‌ وعالم‌ القرب‌. قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.

 وقال‌ تعالي‌: وَقَدِمْنَآ إِلَي‌' مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـ'هُ هَبَآءً مَّنْثُورًا.

 وبصفة‌ أنَّ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها الكفّار والمشركون‌، لم‌ تكن‌ لاجل‌ رضانا وتقرّباً إلينا، وباعتبار انبعاثها من‌ النوايا المادّيّة‌ والدنيويّة‌ من‌ رياء وسمعة‌ وصيت‌ وعُجب‌ وأنانيّة‌، ومن‌ أجل‌ أن‌ تُدوّن‌ أسماؤهم‌ في‌ تأريخ‌ المدنيّة‌ وعلم‌ الاجتماع‌ من‌ أجل‌ نيل‌ الجوائز العالميّة‌ والحصول‌ علی‌ المفاخر القوميّة‌ والغرور الوطني‌ّ وأمثال‌ هذه‌ الدعاوي‌ التافهة‌ التي‌ لاأساس‌ لها، فإنّها لاتمتلك‌ لدينا قيمة‌ ولا ثمن‌، وسنعمد إليها بإرادتنا الراسخة‌ فنجعلها هباءً وغباراً متناثراً في‌ الفضاء الفسيح‌ الممتدّ.

 ولانّ هذه‌ الاعمال‌ المشتّتة‌ لم‌ تمتلك‌ أصالة‌ كلمة‌ التوحيد، فإنّها لن‌تستند إلی أصل‌ وأساس‌ راسخ‌ ومتين‌، وستتفرّق‌ لذلك‌ وتتشتّت‌ علی‌ أساس‌ عالم‌ الكثرة‌ والاعتبار الواهي‌، ولن‌ تغني‌ عن‌ أصحابها شيئاً.

 أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً.

 أمّا أصحاب‌ الجنّة‌ الذين‌ كانوا يرجون‌ لقاءنا، والذين‌ أرسوا علی‌ تلك‌ القاعدة‌ الاصيلة‌ حياتهم‌ الدنيويّة‌، وأسّسوا برنامجهم‌ في‌ الاجتماع‌ والخلوة‌ والجلوة‌ وسائر جهات‌ أُمورهم‌، فإنّهم‌ سيكونون‌ عند نزول‌ ملائكة‌ الموت‌ في‌ أفضل‌ مأوي‌ ومقرّ، مطمئنّين‌ مستقرّين‌ دون‌ دغدغة‌ أو وسوسة‌ أو خواطر شيطانيّة‌، مخلدين‌ إلی الراحة‌ علی‌ أفضل‌ وجه‌ في‌ محلّ الاستراحة‌ الذي‌ يسبق‌ الوصول‌ إلی الهدف‌ الاقصي‌ والمنزل‌ الاسني‌، مطمئنّين‌ فارغي‌البال‌ في‌ استراحة‌ القيلولة‌ الممتعة‌.

 وهذه‌ الآية‌ عائدة‌ إلی البرزخ‌، لانّ مَقِيل‌ إمّا بمعني‌ قَيْلُولَة‌، أي‌ النوم‌ قبل‌ الظهر، أو بمعني‌ اسم‌ مكان‌، مثل‌ مَبِيت‌، أي‌ محلّ نوم‌ القيلولة‌ والمبيت‌.

 الرجوع الي الفهرس

الملازمة‌ بين‌ الموت‌ الدنيوي‌ّ والحياة‌ البرزخيّة‌

 وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ الآيات‌ التي‌ يرد فيها ذكر زمانٍ ما، كالصبح‌ والعصر والظهر وغير ذلك‌ مختصّة‌ بالبرزخ‌، بالرغم‌ من‌ أنـّه‌ ليس‌ هناك‌ نوم‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌، إلاّ أنّ نفي‌ النوم‌ نسبة‌ إلی الدنيا، لا بشكل‌ مطلق‌، فالناس‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ هذه‌ الدنيا هم‌ نائمون‌ جميعاً، فإذا ماتوا استيقظوا.

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌:

 النَّاسُ نِيَامٌ إذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. [7]

 ومن‌ هنا فإنّ عالم‌ البرزخ‌ هو عالم‌ اليقظة‌، إلاّ أنّ عالم‌ البرزخ‌ هذا هو عالم‌ النوم‌ قياساً إلی القيامة‌، لانّ الاخيرة‌ تمثّل‌ الصحو المحض‌ المطلق‌، أمّا عالم‌ البرزخ‌ الواقع‌ بين‌ الدنيا والقيامة‌، والواقع‌ بين‌ العالمين‌ حقيقةً في‌ الآثار والكيفيّات‌ وسائر الخصائص‌ بلحاظ‌ قوّة‌ الحياة‌ وقوّة‌ العلم‌ والقدرة‌، فإنّه‌ عالمٌ بين‌ العالمين‌ وبرزخٌ بين‌ النشأتين‌. كما أنّ الحياة‌ والعلم‌ والقدرة‌ في‌ ذلك‌ العالم‌ أقوي‌ بدرجات‌ من‌ الدنيا وأضعف‌ بدرجات‌ من‌ الآخرة‌، لذا فإنّ الإدراكات‌ فيه‌ أقوي‌ من‌ الدنيا. فهو ـ إذَن‌ ـ قياساً إلی الدنيا في‌ حكم‌ عالم‌ الصحو واليقظة‌ قياساً إلی عالم‌ النوم‌. كما أنّ له‌ حكم‌ عالم‌ النوم‌ قياساً إلی القيامة‌.

 يقول‌ أهل‌ البرزخ‌ يوم‌ القيامة‌ لربّهم‌:

 قَالُوا رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَي‌' خُرُوجٍ مِّن‌ سَبِيلٍ. [8]

 والمراد من‌ الإماتة‌ مرّتين‌: الإماتة‌ في‌ الدنيا باتّجاه‌ البرزخ‌، والإماتة‌ في‌ البرزخ‌ باتّجاه‌ القيامة‌؛ والمراد من‌ الإحياء مرّتين‌: الإحياء في‌ البرزخ‌ بالارتحال‌ من‌ الدنيا إليه‌، والإحياء في‌ القيامة‌ بالارتحال‌ من‌ البرزخ‌ إليها.

 فالإنسان‌ الذي‌ يرحل‌ عن‌ الدنيا ويرد في‌ البرزخ‌ هو ميّت‌ نسبة‌ إلی نشأة‌ الدنيا ومبعوث‌ من‌ الموت‌ بالنسبة‌ إلی نشأة‌ البرزخ‌. ثمّ إنّه‌ يخرج‌ من‌ البرزخ‌ عند النفخ‌ في‌ الصور فيرد القيامة‌، فيكون‌ ميّتاً بالنسبة‌ إلی نشأة‌ البرزخ‌ ومبعوثاً من‌ الموت‌ بالنسبة‌ إلی نشأة‌ القيامة‌، وهناك‌ ـ إذَن‌ ـ تلازم‌ بين‌ الموت‌ من‌ عالم‌ الطبيعة‌ وبين‌ الحياة‌ البرزخيّة‌، كما أنّ هناك‌ تلازماً بين‌ الموت‌ من‌ عالم‌ البرزخ‌ وبين‌ حياة‌ النفس‌ والقيامة‌. ومن‌ ثمّ فإنّ كلّ موت‌ سيستلزم‌ حياةً بعده‌، وأنّ أمامنا موتين‌ وحياتين‌. وبشكل‌ عامّ فإنّ الوصول‌ إلی كلّ درجة‌ من‌ درجات‌ التكامل‌ في‌ سلسلة‌ مدارج‌ الكمال‌ ومعارجه‌ سيتلازم‌ مع‌ طي‌ّ الدرجة‌ السابقة‌ وفناء وزوال‌ جميع‌ الدرجات‌ السابقة‌ في‌ هيئة‌ مُعِدّات‌.

 ولذلك‌ فقد سمّي‌ القرآن‌ الكريم‌ هذه‌ الحياة‌ في‌ القيامة‌ بعنوان‌ القيام‌، لانّجميع‌ العوالم‌ ستكون‌ قد انطوت‌ وتصرّمت‌، وحان‌ الحين‌ آنذاك‌ للقيام‌ ولحياة‌ النفس‌ والقيامة‌:

 يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ [9]

 كما ورد لفظ‌ قِيَامُ السَّاعَةِ في‌ كثيرٍ من‌ الروايات‌.

 ويُدعي‌ عالم‌ البرزخ‌ أيضاً بعالم‌ المثال‌، لانّ المثال‌ بمعني‌ النموذج‌ والشبيه‌؛ وعالم‌ البرزخ‌ هو نموذجٌ من‌ عالم‌ القيامة‌ وشبيهٌ له‌، وعالم‌ المثال‌ حاكٍ عن‌ القيامة‌ بقدر سعته‌ وظرفيّته‌، وسعة‌ عالم‌ المثال‌ تطابق‌ سعة‌ عالم‌ الصورة‌ الذي‌ يتضمّن‌ الكمّ والكيف‌؛ وحاكية‌ بنفس‌ القدر عن‌ الانوار النفسيّة‌ للقيامة‌ الكبري‌ وعن‌ درجات‌ الصدّيقين‌ وأصحاب‌ اليمين‌ وعن‌دركات‌ المنكرين‌ والجاحدين‌ وأصحاب‌ الشمال‌. تماماًكما تحكي‌ الصورة‌ المتجليّة‌ في‌ المرآة‌ ـ التي‌ هي‌ وعاء تشكّل‌ وتصوّر الصور بقدر قابليتها وسعتها ـ الإنسان الذي‌ يواجه‌ تلك‌ المرآة‌، فتشير إليه‌ وتمثّله‌؛ بَيدَ أنـّها لا تمتلك‌ إلاّ القدرة‌ علی‌ حكاية‌ تلك‌ الصورة‌ فقط‌.

 إنّ المرآة‌ تُظهر لون‌ الوجه‌، البكاء والضحك‌، الحزن‌ والفرح‌، الكِبر والصِّغر، الحُسن‌ والقُبح‌، الإضاءة‌ والعتمة‌، والزوايا الناشئة‌ من‌ القسمات‌ والسحنات‌ التي‌ تميّز بها الوجوه‌ عن‌ بعضها. لكنّها لا تستطيع‌ أبداً أن‌ تُظهر الشخصيّة‌، المقام‌، درجة‌ السعادة‌ والشقاء، الصفات‌ الحسنة‌ والسيّئة‌ والملكات‌الحميدة‌ وغير الحميدة‌، كالشجاعة‌ والعفّة‌ والعصمة‌ والعبوديّة‌أو البُخل‌ والحسد والشُهرة‌ والطمع‌.

 بلي‌، إنّ المرآة‌ لا صورة‌ فيها لنفسها، ولا لون‌ ولا شكل‌ ولاكم‌ ولاكيف‌، بل‌ إنّ صورتها ولونها وكمّها وكيفها تابع‌ للشكل‌ الذي‌ يواجهها ويقف‌ أمامها.

 والامر كذلك‌ بالنسبة‌ إلی عالم‌ البرزخ‌، فالموجودات‌ الصوريّة‌ والمثاليّة‌ التي‌ تتحقّق‌ فيه‌ تابعة‌ للحُسن‌ والقُبح‌ المعنويّين‌، وللسعادة‌ والشقاء والإيمان‌ والكفر، والعدالة‌ والفسق‌، وسائر خصائص‌ الشخص‌ الذي‌ تحكي‌ عنه‌ تلك‌ الصورة‌ والمثال‌.

 الرجوع الي الفهرس

فسح‌ قبر المؤمن‌ تابع‌ لامتداد نور بصره‌ المعنوي‌ّ وبصيرته‌

 وما أبدع‌ وأبلغ‌ التعبير الوارد عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ في‌ رواية‌ نقلها المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ كتابه‌ « الامالي‌ »، ونقلناها في‌ المجلّد الثاني‌ من‌ هذا الكتاب‌!

 فقد ورد في‌ تلك‌ الرواية‌ أنّ المؤمن‌ حين‌ يوضع‌ في‌ قبره‌ ويأتيه‌ المَلَكان‌ فتّانا القبر منكر ونكير فيسألانه‌ عن‌ ربّه‌ وعن‌ دينه‌ وعن‌ نبيّه‌ فيُجيبهمابالصواب‌:

 فَيَفْسَحَانَ لَهُ قَبْرَهُ مَدَّ بَصَرِهِ.[10]

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ هذا الانفساح‌ والسعة‌ ليسا انفساحاً وسعة‌ خارجيّين‌، كما أنّ القبر ليس‌ قبراً خارجيّاً؛ بل‌ المراد بالقبر عالم‌ برزخ‌ المؤمن‌، والمراد بالسعة‌ والانفساح‌ سعة‌ وفسحة‌ معنويّة‌ مثاليّة‌، وهذه‌ السعة‌ والانفساح‌ تابع‌ مباشر لمقدار شعاع‌ نور بصر المؤمن‌، فهما يفسحان‌ له‌ قبره‌ إلی الحدّ الذي‌ يمكن‌ لعينه‌ أن‌ تبصره‌. وبالطبع‌ فإنّ مقدار شعاع‌ نور البصر المعنوي‌ّ لاصحاب‌ اليمين‌ والابرار والمقرّبين‌ والمخلصين‌ مختلف‌، فكلّ واحد من‌ هذه‌ الاصناف‌ له‌ شعاع‌ نور بصر يمتاز عن‌ الفرد الآخر حسب‌ اختلاف‌ العمل‌ وتفاوت‌ درجة‌ الورع‌. من‌ ثمّ فإنّ شعاع‌ نور أبصار أصحاب‌ اليمين‌ هو مراتب‌ عالم‌ النفس‌ وسعتها الوجوديّة‌ التي‌ أحاطت‌ بالسماوات‌ والارض‌، وأمّا شعاع‌ نور أبصار المقرّبين‌ فقد تخطّي‌ ذلك‌، فصار يتمتّع‌ بالاسماء الحسني‌ الإلهيّة‌، وأمّا شعاع‌ نور أبصار المخلصين‌ وحملة‌ ألوية‌ مقام‌ الحمد وأصحاب‌ الشفاعة‌ الكبري‌؛ أي‌ المقام‌ المحمود؛ فيتخطّي‌ الاسماء والصفات‌ الإلهيّة‌ وينتهي‌ إلی الذات‌ القدسيّة‌ للحي‌ّ القيّوم‌ فيفني‌ فيها؛ هناك‌ حيث‌ يُزال‌ القُرب‌ والبُعد وتمّحي‌ الجهات‌، فليس‌ غير الحضرة‌ الربوبيّة‌ من‌ أحد يعلم‌ أو يمكنه‌ أن‌ يعلم‌ أو يُدرك‌ مدي‌ هذه‌ السعة‌ والانفساح‌. كما جاء في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ:

 أَعْدَدْتُ لِعِبَادي‌َ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ علی‌ قَلْبِ بَشَرٍ فَلَهُ مَا أَطْلَعْتُكُمْ علیهِ، إقْرَأُوا إِنْ شِئْتُم‌: فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُمْ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. [11]

 وكما جاء في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ:

 عَبْدِي‌ أَطِعْنِي‌ حَتَّي‌ أَجْعَلْكَ مِثْلِي‌؛ أَنَا حَي‌ٌّ لاَ أَمُوتُ أَجْعَلْكَ حَيّاً لاَتَمُوتُ؛ أَنَا غَنِي‌ٌّ لاَ أَفْتَقِرُ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لاَ تَفْتَقِرُ؛ أَنَا مَهْمَا أَشَاءُ يَكُونُ أَجْعَلْكَ مَهْمَا تَشَاءُ يَكُونُ. [12]

 ثمّ إنّه‌ يقول‌ بعد الآيات‌ التي‌ بحثناها: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـ'مِ وَنُزِّلَ الْمَلَـ'ئِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـ'نِ وَكَانَ يَوْمًا علی‌ الْكَـ'فِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ علی‌' يَدَيْهِ يَقُولُ يَـ'لَيْتَنِي‌ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَـ'وَيْلَتَي‌' لَيْتَنِي‌ لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي‌ عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي‌ وَكَانَ الشَّيْطَـ'نُ لِلإنْسَـ'نِ خَذُولاً [13].

 هنا يرتفع‌ أنين‌ الإنسان‌ فيضرع‌ أن‌: ربّ ارجعني‌ إلی الدنيا لاتلافي‌ ما فرّطت‌ في‌ أعمالي‌. فيصل‌ إليه‌ الخطاب‌: انّها لقلقة‌ لسان‌ وكلام‌ كنت‌ تردّده‌ مع‌ نفسك‌ في‌ الدنيا! أوَ لم‌ تكن‌ في‌ الدنيا؟ أوَ لم‌ تتمّ علیك‌ الحجّة‌؟ أما كان‌ الشمس‌ والقمر يطلعان‌ علیك‌ ويغربان‌! أوَ لم‌ ينفد الاجل‌ والمهلة‌؟

 ألم‌ تصلك‌ الحقائق‌؟ أفكنتَ عاجزاً؟ أفكنتَ من‌ المستضعفين‌؟

 أوَ لم‌ تمتلك‌ ثروات‌ العمر والعلم‌ والقدرة‌ والفراغ‌ والامن‌ والاختيار بما يكفيك‌ ويفيك‌ في‌ الاختيار! فَلِمَ لَمْ تعمل‌؟ لِمَ كنتَ تنام‌ مع‌ الغفلة‌ وتصحو معها؟ أوَ لم‌ يكن‌ النوم‌ واليقظة‌ مثالاً للموت‌ والحياة‌؟ أوَ لم‌ نقل‌ لك‌ أن‌ تقول‌ حين‌ تنهض‌ من‌ النوم‌:

 الْحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي‌ أَحْيَانِي‌ بَعْدَمَا أَمَاتَنِي‌ وَ إلَيْهِ النُّشُورُ.

 اَلْحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي‌ رَدَّ علی رُوحِي‌ لاِحْمِدَهُ وَ أَعْبُدَهُ. [14]

 لقد متنا وبُعثنا مئات‌ المرّات‌، أفلم‌ يكن‌ هذا القدر كافياً؟ ولقد شاركنا مئات‌ المرّات‌ في‌ تشييع‌ الجنائز، وحضرنا مجالس‌ التعزية‌، وسمعنا بآذان‌ قلوبنا صوت‌ آهات‌ وأنين‌ ذلك‌ المسكين‌ الذي‌ واروه‌ في‌ قبره‌ أن‌: ربِّ ارجعون‌ لعلی‌´ أعمل‌ صـ'لحًا.

 أفلم‌ يكن‌ ذلك‌ كافياً للتيقّظ‌ والتنبّه‌، وللسير في‌ طريق‌ لقاء المحبوب‌ المطلق‌ وشرف‌ زيارة‌ أسمائه‌ الحُسني‌؟

 إذا أَنْتَ حَمَلْتَ جَنَازَةً فَكُنْ كَأَنـَّكَ الْمَحمُولُ وَكَأَنـَّكَ سَألْتَ عَنْ رَبِّكَ الرُّجَوعَ إلی الدُّنْيَا فَفَعَلَ فَانْظُرْ مَاذَا تَسْتَأنِفُ؟

 الرجوع الي الفهرس

علّة‌ عدم‌ رجوع‌ أهل‌ البرزخ‌ إلی الدنيا

 وعلینا الآن‌ أن‌ نعلم‌ ما هي‌ علّة‌ عدم‌ رجوع‌ أهل‌ البرزخ‌ إلی الدنيا؟ هل‌ انّهم‌ لا يطلبون‌ العودة‌ حقيقة‌ من‌ الله‌؟ وليس‌ الامر كذلك‌. وهل‌ ـ والعياذ بالله‌ـ بخل‌ الله‌ سبحانه‌ علیهم‌ بنزول‌ الرحمة‌ في‌ تلك‌ الحال‌؟ وهذا الآخر ليس‌ صحيحاً، لانّ الرحمة‌ الواسعة‌ للحقّ تعالي‌ تُفاض‌ علی‌ عالم‌ الإمكان‌ بلاشحّة‌.

 فلماذا ـ تري‌ ـ لا يستجيب‌ الربّ الرحيم‌ دعاء أهل‌ البرزخ‌ وسؤالهم‌ في‌ الرجوع‌ إلی الدنيا إن‌ كانوا صادقين‌، وما دام‌ هناك‌ إمكان‌ لتكاملهم‌ وترقّيهم‌ في‌ الدنيا في‌ هذا الرجوع‌؟

 الرجوع الي الفهرس

الرجوع‌ إلی الدنيا مقرون‌ بالخصائص‌ النفسانيّة‌ والقوي‌ الشهوانيّة‌

 إنّ الإجابة‌ علی‌ هذه‌ المسألة‌ هي‌ أنّ هذا الطلب‌ والسؤال‌ بالرغم‌ من‌ صدوره‌ منهم‌ علی‌ هيئة‌ تمنٍّ صادق‌، إلاّ أنـّه‌ صدر في‌ حال‌ فقدوا فيها القوي‌ المختلفة‌ من‌ الشهوة‌ والغضب‌ والوهم‌، واختفي‌ فيهم‌ حقيقةً ـ بسبب‌ فساد البدن‌ واندراس‌ عالم‌ الطبع‌ ـ تصارع‌ القوي‌ المتضادّة‌ والاهواء المختلفة‌ والنزعات‌ إلی الذنب‌ والاعتداء والظلم‌ لمن‌ يرزح‌ تحت‌ سيطرتهم‌. ولم‌يبقَ لديهم‌ ـ بطلوع‌ نور التوحيد وظهوره‌ في‌ مرايا جلال‌ وعظمة‌ وكبرياء الحقّ جلّ وعزّ ـ مجالاً لظهور العُجب‌ والنهج‌ الاستكباري‌ّ والنزعات‌ الفرديّة‌ والغرور والتكبّر والتعالي‌ والطموح‌ الزائد، فهم‌ معترفون‌ في‌ تلك‌ الظروف‌ بجرائمهم‌ في‌ الدنيا، طالبون‌ العودة‌ للتدارك‌. لكنّ الدنيا هي‌ عالم‌ الطبع‌،عالم‌ الكون‌ والفساد، عالم‌ ظهور القوي‌ المادّيّة‌ والشهوات‌ والرغبات‌ الغريزيّة‌ والاهواء الطبعيّة‌؛ وهي‌ محلّ ظهور حسّ التفوّق‌ والتكبّر وجمع‌ الثروة‌ والتكاثر في‌ النساء والاولاد والاعتبارات‌، وإلاّ لما كانت‌ دنيا.

 وعلی‌ افتراض‌ أنّ أُولئك‌ يريدون‌ العودة‌ إلی الدنيا، فإن‌ ذلك‌ بصفة‌ انحصار مجال‌ التكامل‌ والترقّي‌ فيها. ولو أعادهم‌ الله‌ سبحانه‌ إلی الدنيا، لعادت‌ نفوسهم‌ إليها بوجوداتها الفعلیة‌، إذ لن‌ يخلق‌ الله‌ لهم‌ نفوساً زكيّة‌ نقيّة‌ طاهرة‌ ليعودوا بها إلی الدنيا، إذ إنّهم‌ سيخرجون‌ حينذاك‌ عن‌ ذواتهم‌، وسيكونون‌ موجودات‌ أُخري‌ لاعلاقة‌ لها بتلك‌ الموجودات‌ الاُولي‌، في‌ حين‌ أنّ شيئيّة‌ الموجودات‌ إنّما تتمثّل‌ بصورها الملكوتيّة‌، ووجود وشخصيّة‌ كلّ إنسان‌ بنفسه‌ الناطقة‌ لاببدنه‌ وجسمه‌، ولا بالصور النوعيّة‌ والكلّيّة‌ الاُخري‌. ولو عاد أُولئكم‌ إلی الدنيا بنفوسهم‌ تلك‌ الموجبة‌ لتشخّصهم‌، لعادوا من‌ جديد ـ بواسطة‌ هجوم‌ الاهواء والغرائز، وبعلّة‌ ظهور وبروز الوجود الفعلی‌ّ من‌ الغضب‌ والشهوة‌ والوهم‌ وحسّ الانانيّة‌ ـ إلی ارتكاب‌ نفس‌ الاعمال‌ التي‌ كانوا يفعلونها في‌ الدنيا قَبلاً.

 وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـ'ذِبُونَ. [15]

 وفي‌ ضوء ذلك‌ فإنّ صدق‌ كلامهم‌ ليس‌ قياساً إلی الدنيا وشرائطها، بل‌ قياساً إلی عالم‌ البرزخ‌ والشرائط‌ البرزخيّة‌، وأمّا قياساً إلی الدنيا فهو كلام‌ مخالف‌ للحقيقة‌ تماماً. وسيتّضح‌ ـ عند نيل‌ تلك‌ الشرائط‌ ـ كيف‌ سيعود هؤلاء إلی الذنب‌ والاعتداء والشرك‌ والاستكبار، وتتجلّي‌ طبيعة‌ كذبهم‌ وتخرّصهم‌ في‌ ادّعاء الطهارة‌ وطلب‌ تدارك‌ أعمالهم‌ القبيحة‌، لذا يُهاب‌ بهم‌ بخطاب‌:

 كَلآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئلُهَا.[16]

 الرجوع الي الفهرس

التوبة‌ والإيمان‌ حال‌ الاضطرار فقط‌، ثمّ العودة‌ إلی الحال‌ الاُولي‌

 ونظير هذه‌ الحالات‌ يصادف‌ الإنسان‌ في‌ هذا العالم‌ أيضاً، إذ إنّه‌ حين‌ ينهمك‌ في‌ المعاملات‌، وينغمر في‌ الاسباب‌، وينصبّ اهتمامه‌ وانتباهه‌ إلی الكثرات‌، فإنّه‌ سيغفل‌ عن‌ الله‌ وقدرته‌ وعلمه‌ وحياته‌ وتدبيره‌، فيستند إلی تلك‌ الاسباب‌. أمّا حين‌ تقصر يده‌ عن‌ نيل‌ تلك‌ الاسباب‌، وحين‌ ينقطع‌ أمله‌ ويتصرّم‌، فإنّه‌ يتّجه‌ إلی الله‌ سبحانه‌ فيضجّ ويضرع‌ ويصرخ‌ أن‌: اللهم‌ يارحمن‌ يا رحيم‌ يا عالم‌ الغيب‌ والشهادة‌ أدركني‌!

 وحين‌ يمرض‌ الإنسان‌ فإنّه‌ لا يعتمد علی‌ ربّه‌ ولا يتّكل‌ علیه‌، بل‌ يسعي‌ جادّاً إلی الطبيب‌ فيستمدّ منه‌ العون‌، ثمّ يتناول‌ الدواء ويلتزم‌ بالحمية‌ ويستعمل‌ أبر الدواء، ويأخذ صور الاشعة‌ لمحلّ المرض‌ والتحاليل‌المرضيّة‌ للإدرار والدم‌، ويأمل‌ في‌ أنّ مرضه‌ قد شُخّص‌ تماماً وأنّ التحسّن‌ قطعي‌ّ محرز.

 فإن‌ قال‌ له‌ أحد ما: أيّها السيّد، استمدّ العون‌ في‌ شفائك‌ من‌ الله‌. تصدَّقْ علی‌ الفقراء وانحرْ شاةً فأطعمها للمساكين‌ والبؤساء، وأرضِ أبويك‌ الساخطين‌ علیك‌، وانذرْ إن‌ شُفيت‌ أن‌ تتشرّف‌ بالحجّ الذي‌ هو فريضة‌ إلهيّة‌ في‌ ذمّتك‌، وأن‌ تستفيد من‌ هذه‌ المناسك‌ الإلهيّة‌، ثمّ أدم‌ معالجتك‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ تبعاً لتعاليم‌ الإسلام‌، لكن‌ طلبك‌ الشفاء يجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ الله‌ وحده‌، وعلیك‌ أن‌ تعدّه‌ المؤثّر في‌ تسبيب‌ الاسباب‌ وتأثير العلاج‌ والدواء وعمليّة‌ الدكتور الجراحيّة‌.

 فإنّه‌ سيردّ: لقد تقدّم‌ علم‌ الطبّ اليوم‌، وصار لنا ـ بحمد الله‌ ـ أطباء أخصّائيّون‌ حاذقون‌ يجترحون‌ الاعاجيب‌ في‌ العمليّات‌ الجراحيّة‌، ووصل‌ فنّ التحليل‌ والتصوير بالاشعة‌ ـ بدوره‌ ـ إلی ذروة‌ تقدّمه‌، فصار بالإمكان‌ ـوباستخدام‌ الحاسبة‌ الإلكترونيّة‌ـ تحليل‌ 24 قسماً من‌ الدم‌ خلال‌ دقائق‌ معدودات‌ وإعطاء جواب‌ فوري‌ّ. ثمّ إنّ ذبح‌ الشاة‌ وإطعام‌ الفقراء ليس‌ بالامر الممكن‌ في‌ المنزل‌ أساساً. ( ثمّ يتم‌لفّظ‌ بالعبارة‌ التي‌ يحفظها الجميع‌ أنـّه‌ سيتبرّع‌ بنفقات‌ ذلك‌ إلی « الاسد والشمس‌ الحمراء »[17].

 أمّا أبي‌ وأُمّي‌ فرجعيّان‌ قديمان‌ يدعوانني‌ للمسجد، ويقولان‌ إنّ علی‌ امرأتي‌ أن‌ تتحجّب‌، وإنّ علی‌ّ إخراج‌ كلبي‌ من‌ البيت‌؛ ولا أُريد الخضوع‌ لكلامهما، وأمّا عن‌ الحجّ، فلِمَ ننفق‌ أموالنا علی‌ العرب‌؟ سأذهب‌ إلی باريس‌ للتجوال‌ والنزهة‌ بعد تحسّني‌ فأتنزّه‌ في‌ شارعي‌ ( مونت‌ مارت‌ ) و ( مونت‌ بارنا ).

 ثمّ يستمرّ في‌ العلاج‌ دون‌ جدوي‌، ويرقد مخدّراً ليعمل‌ فيه‌ مبضع‌ الجرّاح‌، ويرقد للاستراحة‌ والنقاهة‌ في‌ أفضل‌ المستشفيات‌ المزوّدة‌ بأحسن‌ المعدّات‌، ولكن‌ بلا نتيجة‌! ثمّ يسافر إلی باريس‌ ولندن‌ مرّة‌ ومرّتين‌ فيصبّ في‌ جيوب‌ أُولئكم‌ ما أمكن‌ له‌ جمعه‌ من‌ أموال‌ هذا الشعب‌ المحروم‌ الذي‌ يمثّل‌ أبواه‌ الرجعيّان‌ أُنموذجاً له‌، ويخضع‌ هناك‌ لعمليّات‌ جراحيّة‌ عديدة‌، مرّة‌ في‌ الكلية‌، وأُخري‌ في‌ المثانة‌، والنتيجة‌ هي‌ الصفر! ثمّ يكتب‌ لابويه‌ من‌ هناك‌: توسّلا من‌ أجلي‌! أطعما الطعام‌! ثمّ يعود هزيلاً شاحباً ضعيفاً لا يقوي‌ علی‌ الكلام‌، قد هبط‌ وزنه‌ خمسة‌ عشر كيلو غراماً واتّفقت‌ كلمة‌ الاطباء أنّ لديه‌ سرطان‌ البروستات‌، وأنّ العلاج‌ لاينفعه‌ شيئاً.

 وها هو الآن‌ ينذر أن‌ يذهب‌ إلی مكة‌!

 وها هو يقول‌ لآمّه‌: أطعمي‌ الطعام‌ وأرسلي‌ ثوابه‌ إلی أُمّ البنين‌!

 وها هو يقبّل‌ يدي‌ والده‌ فيقول‌: إن‌ شُفيت‌ فسآخذك‌ معي‌ إلی مكّة‌. ويقول‌: عجباً لهذا الطبّ الذي‌ لا ينفع‌ شيئاً. إنّ الطبابة‌ لا تنفع‌ إلاّ نفسها. إنّ هؤلاء الملاعين‌ ماهرون‌ فقط‌ في‌ مل‌ء جيوبهم‌. إنّهم‌ تجّار لا أطبّاء.

 وممّا يثير العجب‌ أنّ هذا السيّد المريض‌ نفسه‌ لو شُفي‌، فإنّ هذه‌ الحالة‌ النفسيّة‌ ستزول‌ تدريجاً وتحلّ محلّها تلك‌ الحالة‌ الاُولي‌، فيقع‌ بينه‌ وبين‌ المعنويّات‌ سدّ محكم‌ بواسطة‌ تسويف‌ الحجّ وتصوّر خرافة‌ تأثير القوّة‌ الغيبيّة‌ في‌ العلاج‌ وبالاتّكاء علی‌ العلوم‌ الظاهريّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

فَلَمَّآ أَنجَـ'هُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي‌ الاْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ

 هُوَ الَّذِي‌ يُسَيِّركُمْ فِي‌ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّي‌'´ إِذَا كُنتُمْ فِي‌ الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم‌ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن‌ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّو´ا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَنءِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـ'ذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـ'كِرِينَ.[18]

 الله‌ سبحانه‌ هو الذي‌ يسيّركم‌ في‌ البرّ والبحر، حتّي‌ إذا ركبتم‌ في‌ السفينة‌ وأشرعتم‌ الاشرعة‌، سارت‌ بكم‌ تحدوها من‌ خلفها ريحٌ رُخاء طيّبة‌ تهبّ من‌ الساحل‌، فجلستم‌ عند الدفّة‌ فرحين‌ مسرورين‌ غافلين‌ عن‌ الله‌ وعمّا يوجب‌ رضاه‌ من‌ العمل‌ الصالح‌، منهمكين‌ بالتفرّج‌ والتنزّه‌ ( بحيث‌ إنّ أحداً لو قال‌ لكم‌ ـ فرضاً ـ: استعينوا بالله‌! لقلتم‌: لقد أهدي‌ اكتشاف‌ «بابن‌» الفرنسي‌ّ لقوّة‌ البخار والاختراعات‌ الحاصلة‌ إثره‌، هذه‌ الموهبة‌ للبشر. عيناً كمثل‌ قارون‌ الذي‌ كان‌ يقول‌:

 إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ و علی‌' عِلْمٍ عِندِي‌´ [19].

 فأنتم‌ تقولون‌ أيضاً: من‌ يمكنه‌ أن‌ يُغرق‌ هذه‌ السفينة‌؟ هذه‌ المدينة‌ العجيبة‌ التي‌ تحمل‌ عدّة‌ آلاف‌ من‌ المسافرين‌؟ )

 ثمّ يعصف‌ إعصار الحوادث‌ شيئاً فشيئاً، ويطغي‌ الطوفان‌ الهائل‌ علی‌ فضاء البحر، فتتلاطم‌ اللجج‌ مع‌ بعضها، وما أن‌ يظن‌ أُولئكم‌ أنْ قد فات‌ الاوان‌ وأنْ لاتَ حين‌ مناص‌! وأنّ القدرة‌ اللامتناهية‌ قد وضعت‌ هذه‌ السفينة‌ في‌ يد الغرق‌ وفي‌ إرادة‌ الهلاك‌ والفناء، حتّي‌ يناجوا الله‌ من‌ صميم‌ قلوبهم‌ أن‌: أيّها الإله‌ الرحيم‌! لو أنجيتنا من‌ هذه‌ المهلكة‌ لتُبنا وكففنا أيدينا عن‌ الاعتداء والتجاوز، ولما استكبرنا في‌ العمل‌، ولَكُنّا من‌ الشاكرين‌.

 بلي‌! إنّ النفس‌ يجب‌ أن‌ تربّي‌ بالرياضة‌ الشرعيّة‌ لتُسلم‌ قيادها وترتاض‌، ولتستنير في‌ الصراط‌ المستقيم‌ بنور الله‌ سبحانه‌، وإلاّ فإنّها ستؤمن‌ حين‌ تصل‌ إلی الاضطرار، وتقرّ وتعترف‌ وتتوب‌ وتئن‌ وتضجّ شاكيةً واعدة‌ بالصلاح‌ والرشاد، ولكن‌ حالما تنتهي‌ حال‌ الاضطرار فإنّها ستقفز كمثل‌ لولب‌ مضغوط‌ مُغلق‌ زالت‌ عنه‌ عتلة‌ الامان‌ التي‌ كانت‌ تمسكه‌ متّجهةً نحو تلك‌ الحالة‌ العاديّة‌ وتلك‌ الملكات‌ والاخلاق‌ والسلوك‌، فتستقرّ في‌ عالم‌ ملكاتها المكتسبة‌ وتُدفن‌ هناك‌، حيث‌ قبرها ومضجعها.

 فَلَمَّآ أَنجَـ'هُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي‌ الاْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَـ'´أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ علی‌'´ أَنفُسِكُم‌ مَّتَـ'عَ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم‌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[20].

 لقد كبحنا هذا المحيط‌ الهائج‌ وأنهينا الطوفان‌ وهدّأنا الامواج‌ المتلاطمة‌ فهديناهم‌ إلی ساحل‌ الامن‌، فعادوا إلی الظلم‌ والاعتداء وصاروا يبغون‌ في‌ أرض‌ الله‌ بدون‌ حقّ.

 فاعلموا أيـّها الناس‌ أنّ الظلم‌ الذي‌ ترتكبون‌ سيكون‌ علیكم‌ وبالاً وأنـّكم‌ في‌ الحقيقة‌ إنّما أنفسكم‌ ظلمتم‌، وأنّ هذا العمل‌ الذي‌ فعلتموه‌ لصالحكم‌ عن‌ طريق‌ ظلم‌ الآخرين‌ والاعتداء علیهم‌، ليس‌ نفعاً لكم‌، بل‌ هو عين‌ الظلم‌ الذي‌ فعلتموه‌ لانفسكم‌، وأنـّكم‌ ستتمتّعون‌ في‌ هذه‌ الدنيا أيّاماً بهذه‌ الحياة‌ الحيوانيّة‌ الوضيعة‌ ثمّ ترجعون‌ إلينا فنُطلعكم‌ علی‌ كلّ ما اجترحتم‌.

 بلي‌، إنّ الله‌ لا يظلم‌ أحدأ، وهذا هو جزاء الظلم‌ الذي‌ يفعله‌ الناس‌ لانفسهم‌:

 وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَهُ وَلَـ'كِن‌ كَانُو´ا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.[21]

 لقد دخل‌ جُنادة‌ علی‌ الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ في‌ الساعات‌ الاخيرة‌ من‌ حياته‌ علیه‌ السلام‌، فطلب‌ منه‌ أن‌ ينصحه‌ ويعظه‌؛ وكان‌ علیه‌ السلام‌ قد شحب‌ لونه‌ وتغيّرت‌ حاله‌ ولم‌ يبقَ له‌ رمق‌، فقد استغرق‌ السمّ جميع‌ بدنه‌.

 الرجوع الي الفهرس

مواعظ‌ الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ إلی جُنادة‌

 ينقل‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ « بحارالانوار » عن‌ كتاب‌ « كفاية‌ الاثر في‌ النصوص‌ علی‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر » تأليف‌ علی‌ّ بن‌ محمّد بن‌ علی‌ّ الخزّاز القمّي‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ وهبان‌، عن‌ داود بن‌ الهيثم‌، عن‌ جدّه‌ إسحاق‌بن‌ بهلول‌ ] عن‌ أبيه‌ بهلول‌ [ بن‌ حسّان‌، عن‌ طلحة‌ بن‌ زيد الرقي‌ّ، عن‌ الزبيربن‌ عطاء، عن‌ عمير بن‌ ماني‌ العبسي‌ّ، عن‌ جُنادة‌ بن‌ أبي‌ أُميّة‌ قال‌:

 دخلتُ علی‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ في‌ مرضه‌ الذي‌ توفّي‌ فيه‌ وبين‌ يديه‌ طست‌ يقذف‌ فيه‌ الدم‌ ويخرج‌ كبده‌ قطعة‌ قطعة‌ من‌ السمّ الذي‌ أسقاه‌ معاوية‌ لعنه‌ الله‌[22]، فقلتُ: يا مولاي‌ مالك‌ لا تعالج‌ نفسك‌؟

 فقال‌: يا عبد الله‌ بماذا أعالج‌ الموت‌؟

 قلتُ: إِنَّا لِلَهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

 ثُمَّ الْتَفَتَ إلی فَقَالَ: وَاللَهِ لَقَدْ عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ إِنَّ هَذَا الاْمْرَ يَمْلِكُهُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ علی وَفَاطِمَةَ، مَا مَنَّا إلاَّ مَسْمُومٌ أَوْ مَقْتُولٌ، ثُمَّ رُفِعَتِ الطَّسْتُ وَبَكَي‌ صَلَوَاتُ اللَهِ علیهِ وَآلِهِ.

 قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: عِظْنِي‌ يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ!

 قَالَ: نَعَمْ، اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ وَحَصِّلْ زَاَدَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُكَ؛ وَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي‌ لَمْ يَأْتِ علی‌ يَوْمِكَ الَّذِي‌ أَنْتَ فِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لاَ تَكْسِبُ مِنَ الْمَالِ شَيْئاً فَوْقَ قُوتِكَ إلاَّ كُنْتَ فِيهِ خَازِناً لِغَيْرِكَ.

 وَاعْلَمْ أَنَّ فِي‌ حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَفِي‌ حَرَامِهَا عِقَابٌ وَفِي‌ الشُّبُهَاتِ عِتَابٌ فَأَنْزِلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ الْمِيْتَةِ؛ خُذْ مِنْهَا مَا يَكْفِيكَ فَإنْ كَانَ ذَلِكَ حَلاَلاً كُنْتَ قَدْ زَهِدْتَ فِيهَا، وَإنْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ فِيهِ وِزْرٌ. فَأَخَذْتَ كَمَا أَخَذْتَ مِنَ الْمِيتَةِ، وَإنْ كَانَ الْعِتَابُ فَإنَّ الْعِتَابَ يَسِيرٌ. وَاعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً وَاعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً.

 وَإذَا أَرَدْتَ عِزَّاً بِلاَ عَشِيرَةٍ وَهَيْبَةً بِلاَ سُلْطَانٍ فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِاللَهِ إلی عِزِّ طَاعَةِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 وَإذَا نَازَعَتْكَ إلی صُحْبَةِ الرِّجَالِ حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ وَإذَا خَدَمْتَهُ صَانَكَ، وَإذَا أَرَدْتَ مِنْهُ مَعُونَةً أَعَانَكَ، وَإنْ قُلْتَ صَدَّقَ قُوْلَكَ وَإنْ صُلْتَ شَدَّ صَوْلْتَكَ، وَإنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضْلٍ مَدَّهَا، وَإنْ بَدَتْ عَنْكَ ثُلْمَةٌ سَدَّهَا، وَإنْ رَأَي‌ مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإنْ سَأَلْتَهُ أَعْطَاكَ وَإنْ سَكَتَّ عَنْهُ ابْتَدَاكَ، وَإنْ نَزَلَتْ إحْدَي‌ الْمُلِمَّاتِ بِكَ سَاءَكَ [23].

 مَنْ لاَ يَأْتِيكَ مِنْهُ الْبَوَائِقُ، وَلاَ يَخْتَلِفُ علیكَ مِنْهُ الطَّرَائِقُ، وَلاَيَخْذُلُكَ عند الحقائق‌، وَإنْ تَنَازَعْتُمَا مُنْقَسَماً آثَرَكَ.[24]

 ثمّ يقول‌ جُنادة‌: ثمّ انقطع‌ نفسه‌ واصفرّ لونه‌ حتّي‌ خشيتُ علیه‌، ودخل‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ والاسود بن‌ أبي‌ الاسود فانكبّ علیه‌ حتّي‌ قبّل‌ رأسه‌ وبين‌ عينيه‌، ثمّ قعد عنده‌ فتسارّا جميعاً؛ فقال‌ أبو الاسود: إنَّا للهِ إنَّ الحسنَ قد نُعيتْ إليه‌ نَفْسُه‌، وأوصي‌ إلی الحسين‌ علیه‌ السلام‌، وتوفّي‌ علیه‌ السلام‌ في‌ يوم‌ الخميس‌ في‌ آخر صفر سنة‌ خمسين‌ من‌ الهجرة‌ وله‌ سبع‌ وأربعون‌ سنة‌، ودُفن‌ بالبقيع‌ [25].

 الرجوع الي الفهرس

شهادة‌ الإمام‌ المجتبي‌ علیه‌ السلام‌

 وقد استشهد علیه‌ السلام‌ بالسمّ الذي‌ دسّته‌ إليه‌ جُعدة‌ بنت‌ الاشعث‌بن‌ قيس‌ الكندي‌ّ بأمر معاوية‌؛ وجُعدة‌ هي‌ بنت‌ أُم‌ فروة‌ أُخت‌ أبي‌ بكر وابنة‌ عمّة‌ عائشة‌.

 يروي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ عن‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ بن‌ إسحاق‌، عن‌ أحمدبن‌ محمّد بن‌ سعيد الكوفي‌ّ، عن‌ علی‌ّ بن‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ فضال‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ الإمام‌ الرضا، عن‌ أبيه‌ موسي‌ بن‌ جعفر، عن‌ أبيه‌ جعفربن‌ محمّد، عن‌ أبيه‌ محمّد بن‌ علی‌ّ، عن‌ أبيه‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌ الحسين‌بن‌ علی‌ّ علیهم‌ السلام‌ قال‌:

 لمّا حضرت‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ الوفاة‌ بكي‌ فَقِيلَلَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ، أَتَبْكِي‌ وَمَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ اللَهِ الَّذِي‌ أَنْتَ بِهِ وَقَدْ قَالَ فِيكَ رَسُولُ اللَهِ مَا قَالَ وَقَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً وَقَدْ قَاسَمْتَ رَبَّكَ مَالَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَتَّي‌ النَّعْل‌ والنَّعْلَ؟

 فَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ: إِنَّمَا أَبْكِي‌ لِخِصْلَتَيْنِ لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ [26] وَفِرَاقِ الاْحِبَّةِ.[27] ودَخَلَ علیهِ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ علیهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: أَنَا فِي‌ آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ علی‌ كُرْهٍ مِنِّي‌ لِفِرَاقِكَ وَفِرَاقِ إِخْوَتِي‌، ثُمَّ قَالَ: أسْتَغْفِرُ اللَهَ علی‌ مَحَبَّةٍ مِنِّي‌ لِلِقَاءِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَجَعْفَرٍ وَحَمْزَةٍ ثُمَّ أَوْصَي‌ إِلَيْهِ.[28]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآيات‌ 21ـ 24، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[2] ـ الآية‌ 85، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[3] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[4] ـ الآيات‌ 92 إلی 96، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[5] ـ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[6] ـ ورد في‌ «الوسائل‌» طبع‌ أمير بهادر، المجلّد الثالث‌، كتاب‌ النكاح‌، الباب‌ 104 (تحريم‌ النظر إلی النساء الاجانب‌ وشعورهنّ)، في‌ الرواية‌ التاسعة‌ التي‌ نقلها عن‌ الشيخ‌ الصدوق‌: وقال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: مَنْ نَظَرَ إلی امْرأةٍ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلی السَّماءِ أَو غَضَّ بَصَره‌ لم‌يَرتدّ إليه‌ بَصَرُهُ حتّي‌ زَوَّجَهُ اللَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ.

[7] ـ «مرصاد العباد» طبع‌ مؤسّسة‌ (ترجمه‌ ونشر كتاب‌)، ص‌ 468، و ص‌ 660.

[8] ـ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[9][9] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

[10] ـ «الامالي‌» للصدوق‌، ص‌ 174.

[11] ـ أورد هذا الحديث‌ القدسي‌ّ في‌ التفسير الصغير» للفضل‌ بن‌ الحسن‌ الطبرسي‌ّ، والثاني‌ عن‌ «أسرار كتاب‌ «كلمة‌ الله‌»؛ ص‌ 134. وقال‌ في‌ ص‌ 534 عند ذكر سنده‌ إنّه‌ نقله‌ عن‌ كتابين‌: الاوّل‌ عن‌ « الصلاة‌» للشهيد الثاني‌.

[12] ـ أورد هذا الحديث‌ في‌ «كلمة‌ الله‌» ص‌ 140. وقال‌ في‌ ص‌ 536 عند ذكر سنده‌ إنّه‌ نقله‌ عن‌ ثلاثة‌ كتب‌: الاوّل‌: «عدّة‌ الداعي‌» لاحمد بن‌ فهد الحلّي‌ّ. الثاني‌: «مشارق‌ أنوار اليقين‌» للحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ. والثالث‌: «إرشاد القلوب‌» للديلمي‌ّ. ثمّ قال‌ بعد بيان‌ هذا الحديث‌ إنّه‌ ورد أيضاً بهذه‌ الكلمات‌: يَابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِي‌ٌّ لاَ أَفْتَقِرُ؛ أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لاَ تَفْتَقِرُ يَابْنَ آدَمَ أَنَا حَي‌ٌّ لاَ أَمُوتُ؛ أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيّاً لاَتَمُوتُ؛ أَنَا أَقُولُ لِلشَّي‌ءٍ كُنْ فَيَكُونُ؛ أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ تَقُولُ لِلشَّي‌ْءِ كُنْ فَيَكُونُ.

[13] ـ الآيات‌ 25 إلی 29، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[14] ـ أورد هذين‌ الدعاءين‌ الشيخُ البهائي‌ّ في‌ «مفتاح‌ الفلاح‌» ضمن‌ أدعية‌ ما بين‌ انتصاف‌ الليل‌ إلی طلوع‌ الفجر وهو الباب‌ السادس‌، ص‌ 227، وقال‌: فإذا انتبهت‌ من‌ نومك‌ فأوّل‌ ما ينبغي‌ لك‌ فعله‌ أن‌ تسجد لله‌ تعالي‌، فقد روي‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ إذا انتبه‌ من‌ نومه‌ يسجد. ثمّ قل‌ في‌ سجودك‌ أو بعد رفع‌ رأسك‌ منه‌ هذا الدعاء. (وفي‌ «مفتاح‌ الفلاح‌» المترجم‌، ص‌ 252 ).

 وأورد الثاني‌ الآخوند الملاّ محمّد جواد الكلبايكاني‌ّ رحمه‌ الله‌ في‌ «مصباح‌ الفلاح‌» ص‌ 166، باب‌ النفس‌ وقولها، فصل‌ أنواع‌ التفكّر.

[15] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[16] ـ الآية‌ 100، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[17] ـ وهو ما يمثّل‌ الهلال‌ الاحمر زمن‌ الطاغية‌ البهلوي‌ّ. (م‌)

[18] ـ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[19] ـ الآية‌ 78، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[20] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[21] ـ الآية‌ 33، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[22] ـ ورد في‌ تعلیقة‌ البحار، الطبعة‌ الحيدريّة‌، بإنشاء الشيخ‌ محمّد باقر البهبودي‌ّ: فيه‌ غرابة‌، حيث‌ إنّ الكبد إذا ذابت‌ أثفلت‌ إلی الامعاء وخرجت‌ كالدم‌، وليس‌ تصعد إلی المعدة‌ حتي‌ تقذف‌ بها من‌ الفم‌. والصحيح‌ ما قد سمعت‌ في‌ سائر الاحاديث‌ أنـّه‌ كان‌ يوضع‌ تحته‌ طست‌ وترفع‌ أُخري‌ نحو أربعين‌ يوماً؛ وأنـّه‌ علیه‌ السلام‌ قال‌ «إنّي‌ لاضع‌ كبدي‌» وظاهره‌ خروج‌ الكبد ثافلاً، وأظنّ القصّة‌ أنـّها اختلطت‌ علی‌ أفهام‌ الرواة‌ فنقلوها كذلك‌ مع‌ ضعف‌ سندهاـانتهي‌.

 يقول‌ هذا الحقير: لا استبعاد من‌ خروج‌ الكبد علی‌ هيئة‌ ذائبة‌ من‌ المعدة‌، لانّ الاوعية‌ الدمويّة‌ الماساريقيّة‌ الرابطة‌ بين‌ الكبد والمعدة‌ يمكنها نقل‌ دم‌ الكبد الذائب‌ إلی المعدة‌، وقد شوهد نظير هذا التقيّؤ الدموي‌ّ في‌المصابين‌ بأمراض‌ الكبد؛ علاوة‌ علی‌ أنّ أصل‌ هذا الكلام‌ من‌ جنادة‌ لا من‌ الإمام‌ المجتبي‌. ويمكن‌ أن‌ يكون‌ جنادة‌ قد تصوّر الدماء المقاءة‌ دماء الكبد. وعلی‌ كلّ تقدير فالرواية‌ متينة‌ لا يرد علیها أي‌ّ إشكال‌.

[23] ـ أورد في‌ نسخة‌ «البحار» الطبعة‌ الكمباني‌ والطبعة‌ الحيدريّة‌: «وإن‌ نزلتْ إحدي‌ الملمّات‌ بك‌ ساءك‌» لذا نقلناه‌ هنا دون‌ تصرّف‌. ولكن‌ ورد في‌ كتاب‌ «معالي‌ السمطين‌» الذي‌ ينقل‌ هو الآخر عن‌ «البحار»: «وإنْ نزلتْ بك‌ إحدي‌ الملمّات‌ واساكَ» وهو بالطبع‌ معني‌ أصحّ وأليق‌ بالمقام‌.

[24] ـ أورده‌ في‌ كتاب‌ «معالي‌ السمطين‌» بلفظ‌ مقتسماً.

[25] ـ «بحار الانوار» الطبع‌ الكمباني‌، المجلد العاشر، ص‌ 132 و 133؛ والطبعة‌ الحيدريّة‌، المجلّد 44، ص‌ 138 ـ 140. وروي‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «معالي‌ السمطين‌ في‌ أحوال‌ السبطين‌»، ص‌ 34، نقلاً عن‌ «بحار الانوار».

[26] ـ أي‌ الاضطراب‌ والدهشة‌ الحاصلة‌ عند تجلّي‌ مقام‌ الاحديّة‌ ـ المؤلّف‌.

[27] ـ «الامالي‌» للصدوق‌، ص‌ 133 و 134؛ و«عيون‌ أخبار الرضا» الطبعة‌ الحجريّة‌ ص‌ 197.

[28] ـ «البحار» ج‌ 10، ص‌ 133 من‌ الطبعة‌ الكمباني‌، عن‌ «كفاية‌ الاثر».

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com