|
|
الصفحة السابقةبِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ الحمد لله ربّ العالمين ولا حول ولا قوة إلاّ باللَه العلی العظيم وصلَّي اللهُ علی محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللَه علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين (مطالب أُلقيت في اليوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك)
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّیـ'هُمُ الْمَلَـ'ئكَةُ ظَالِمِي´ أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الاْرْضِ قَالُو´ا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَهِ وَ ' سِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـ'ئِكَ مَأْوَي'هُمُ جَهَنَّمْ وَسَآءَتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُستَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ ' نِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَـ'ئِكَ عَسَي اللَهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَهُ عَفُوًّا غَفُورًا. [1] يُجمع فقهاء الشيعة رضوان الله علیهم، بل وجميع فقهاء الإسلام علیأنّجميع التكاليف الإلهيّة مشروطة بالعلم والقدرة، ويعدّون هاتين الصفتين من الشروط العامّة للتكليف، أي أنّ هذين الشرطين لا يختصّان ببعض أوامر الخالق سبحانه أو نواهيه، بل يجب تحقّقهما لدي المكلّفين في جميع التكاليف ليتنجّز التكليف ويتحقّق في شأنهم. أمّا بشأن العلم، فيستدلّون أوّلاً بالآية الكريمة: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّي' نَبْعَثَ رَسُولاً[2]. والآية الكريمة: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [3] فَيُضِلُّ اللَهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4]. والآية الكريمة: لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي' مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ [5]. والآية الكريمة: وَلَوْ أَنـَّآ أَهْلَكْنَـ'هُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـ'تِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَي'[6]. وبكثير من الآيات التي استُعمل فيها لفظ البيّنة، والتي جُعل عذاب الله النازل بأُمم الانبياء السابقين منوطاً ومشروطاً بتلك البيّنة. كما يستدلّون بحديث الرفع، وأصل هذا الحديث الشريف في « خصال الشيخ الصدوق » بابالتسعة[7]؛ وفي « أُصول الكافي » باب ما رُفع عن الاُمّة، ضمن حديثيْن[8]، وفي « تحف العقول » [9]، و « وسائل الشيعة » عن الشيخ الصدوق[10]. وبالرغممن وجود اختلاف يسير في ألفاظ هذا الحديث، إلاّ أنـّها لاتختلف عن بعضها في المعني. ونورد الرواية هنا وفقاً للالفاظ الواردة في كتاب « الخصال ». التكاليف الإلهيّة مشروطة بالعلم والقدرةيقول الشيخ الصدوق: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيي العطّار، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن زيد، عن حمّاد بن عيسي، عن حريزبن عبدالله، عن أبي عبد الله جعفر الصادق علیه السلام، قال: قال رسولالله صلّي الله علیه وآله: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ: الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا أُكْرِهُوا علیهِ، وَمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا لاَ يُطِيقُونَ، وَمَا اضْطُرُّوا إلَيْهِ، وَالْحَسَدُ، والطِّيَرَةُ، والتَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِشَفَةٍ. لقد رفع عن أُمّتي المؤاخذة والعذاب في تسعة أشياء: الاوّل: الاعمال التي يفعلونها خطأً دون عمد أو قصد. الثاني: الاعمال التي يفعلونها نسياناً أو سهواً دون انتباه أو التفات. الثالث: الاعمال التي يُكرهون علیها، أي التي لا يرغبون في فعلها بَيدَ أنّ شخصاً آخر يُجبرهم علی فعلها؛ كأن يقول ظالم ما: إن لم تفطر في شهر رمضان قتلتُك! الرابع: الاعمال التي يفعلونها دون علم، كأن يجهلون أنّ الله سبحانه كلّفهم بالشيء الفلاني فيتركونه، هذا إن لم يكن جهلهم ناشئاً عن تقصيرهم. الخامس: الاعمال التي تخرج عن قدرتهم وطاقتهم. السادس: الاعمال التي يفعلونها اضطراراً، كأن يطرحهم ظالم أرضاً في شهر رمضان فيصبّ في فمهم الماء؛ أو أن تضطرّهم الضرورة في أُمور المعيشة التي لا تسدّ الكفاف إلی الاقتراض بالرِّبا. السابع: الحسد في القلب دون إظهاره ودون أن يستعملوا في الخارج وسائل سلب تلك النعمة التي حسدوا المحسود لاجلها. الثامن: الطيرة والتشاؤم، إذ ينبغي للإنسان أن لا يتشاءم من شيء فيرتّب علیه أثراً، وعلیه كلّما تطيّر وتشاءم أن لا يعتني بذلك ويعمل بخلاف ما تفأل به ويتابع ذلك، أمّا ورود الطيرة والتشاؤم في القلب دون اختيار ودون ترتيب الاثر فليس بذنب ولا يؤاخذ علیه. التاسع: بعض الخَطَرات التي تخطر علی قلبه فيشكّ في مبدأ الخلقة جلّ وعزّ، فيقول في نفسه مثلاً: لقد خلق الخالق هذه المخلوقات، فمن هو خالق الله؟ ونظير هذه الافكار التي تخالف الواقع وترجع إلی ارتباط الخلق مع عالم الربوبيّة. فهذه الخطرات إن عرضت أحياناً دون اختيار، فلميُجرِها الإنسان علی لسانه أو يتحدّث بها فإنّه لن يؤاخذ علیها. تنجّز التكليف والمؤاخذة عند التقصير في التعلّم والسؤالبلي، هناك موضوع يلزم التذكير به، وهو أنّ عدم التكليف التنجيزيّ وعدم المؤاخذة والعقاب إنّما هو في حال عدم العلم بالاحكام، وفي حال أنّ المكلّف في صدد التفحّص عن الدليل لكنّه لم يعثر علیه، أمّا في حال التقصير وعدم البحث والتفحّص عن الدليل، فإنّ العقاب والمؤاخذة سيبقيان مكانهما ولو كان المكلّف جاهلاً بالحكم. ونذكر عدّة أحاديث هنا كمثال علی الامر: الاوّل: روي الشيخ البرقيّ في « المحاسن » عن أبيه، عن يونسبن عبدالرحمن، عن أبي جعفر الاحول وهو محمّد بن النعمان مؤمن الطاق عنالإمامجعفر الصادق علیه السلام قال: لاَ يَسَعُ النَّاسُ حَتَّي يَسْألُو´ا أوْ يَتَفَقَّهُوا. [11] ويمكن الاستدلال بهذه الرواية الشريفة علی وجوب التقليد بالنسبة إلی الافراد الذين لا يمتلكون القدرة علی استنباط الاحكام، وعلی انحصار الحكم بشكل عامّ في التقليد أو الاجتهاد وعدم جواز الاحتياط كما ذهب إليه المشهور[12]. الثاني: رواه أيضا أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ في « المحاسن » عن أبيه وموسي بن قاسم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابهما قال: سُئل أبو الحسن موسي بن جعفر علیه السلام: هَلْ يَسَعُ النَّاسُ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ؟ قَالَ: لاَ[13]. وقد جري في هذه الرواية أيضاً بيان لزوم التقليد ووجوبه بشكل صريح. الثالث: روي البرقيّ أيضاً في « المحاسن » عن الحسين بن يزيد النوفليّ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكونيّ، عن الإمام جعفر الصادق عنآبائهعلیهم السلام، عن رسول الله أنـّه قال: أُفٍّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لاَ يَجْعَلُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ يَوْماً يَتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَيَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ. وَرَوَي بَعْضُهُمْ: أُفٍّ لِكُلِّ رَجُلٍ [14]. الرابع: حدّث الشيخ المفيد في « المجالس » في تفسير الآية المباركة قُلْ فَلِلَهِ الْحُجَّةُ الْبَـ'لِغَةُ [15]، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن محمّدبن عبداللهبن جعفر الحميريّ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: سمعت جعفر بن محمّد علیهما السلام وقد سئل عن قوله تعالي فَلِلَهِ الْحُجَّةُ الْبَـ'لِغَةُ، فقال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ قَالَ اللَهُ تَعَالَي لِلْعَبْدِ أَكُنْتَ عَالِماً؟ فَإنْ قَالَ:نَعَمْ قَالَلَهُ: أَفَلاَ عَمِلْتَ؟ وَإنْ قَالَ: كُنْتُ جَاهِلاً، قَالَ لَهُ: أَفَلاَ تَعَلَّمْتَ حَتَّي تَعْمَلُ؟ فَيَخْصِمُهُ فَتِلْكَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لِلَهِ عَزَّ وَجَلَّ علی خَلْقِهِ[16]. التكاليف الإلهيّة مشروطة بالسعةكان ما جري بيانه حتّي الآن راجعاً إلی لزوم العلم؛ أمّا ما يعود إلی لزوم القدرة في تحقّق التكاليف الإلهيّة، سواء القدرة العقليّة أو القدرة الشرعيّة (وهي السعة وعدم نشوء العسر والحرج)، فيمكن الاستدلال بآيات من كلام الله المجيد: 1 ـ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَهُ ذُو فَضْلٍ علی الْمُؤْمِنِينَ [17]. والفضل بمعني الزيادة؛ أي أنـّه تعالي يفيض علی المؤمنين أكثر من مقدار القدرة، ويبقيهم دوماً في سعة، فهو يبقي للمؤمنين قدراً من التحمّل والقدرة أمام تكاليفه. 2 ـ إِنَّ اللَـهَ لَـذُو فَضْلٍ علی النَّاسِ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَـرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ[18]. 3 ـ وَلَـ'كِنَّ اللَهَ ذُو فَضْلٍ علی الْعَـ'لَمِينَ[19]. ونظير هذه الآيات التي تصف الخالق بصفة الفضل كثير في القرآن الكريم. وبالطبع فكما أنّ أحد مصاديق الفضل العطاء أكثر من حقّ الجزاء فإنّأحد مصاديقه أيضاً التكليف أقلّ من مقدار القدرة العقليّة وإبقاء المكلّف في سعة وفسحة وطاقة. 4 ـ يُرِيدُ اللَهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [20]. 5 ـ مَا يُرِيدُ اللَهُ لِيَجْعَلَ علیكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـ'كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ و علیكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [21]. 6 ـ هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ وَمَا جَعَلَ علیكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ ' هِيمَ هُوَ سَمَّـ'كُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ [22]. 7 ـ لاَ يُكَلِّفُ اللَهُ نَفْسًا إِلاَّ مَآ ءَاتَـ'هَا.[23] 8 ـ لاَ يُكَلِّفُ اللَهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَاكَسَبَتْ وَعلیهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ علینَآ إِصْرًاكَمَا حَمَلْتَهُ و علی الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مُوْلَيـ'نَا فَانْصُرْنَا علی الْقَوْمِ الْكَـ'فِرينَ.[24] ويتضمّن مفاد هذه الآيات الطلبات والاشياء التي تمنّاها رسولالله صلّيالله علیه وآله ليلة المعراج من الربّ العظيم، فاستجابَ له الإله الرحيم تلك الادعية والطلبات، كما قد ورد في تفسير علیّ بن إبراهيم القمّيّ وفي تفسير العيّاشيّ أنّ رسول الله حين عرج إلی السماء ليلة المعراج فإنّ ممّا تبودل بينه وبين مقام عظمة الربّ جلّ وعزّ، هذه الطلبات التي أُلهم قلب النبيّ بسؤالها من الله، فطلبها صلّي الله علیه وآله واستجاب الله له فيها بعد أن جعل سبحانه التكليف مشروطاً بمقدار الوسع. فكان طلب النبيّ أن قال: ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. فخاطبه الله: لا أؤاخذك. ثمّ سأله النبيّ فقال: ربّنا ولا تحمل علینا إصراً كما حملته علی الذين من قبلنا. فخاطبه الله: لا أحملك. فسأل النبيّ: ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين. فقال الله تبارك وتعالي: قد أعطيتُكَ ذلك لك ولاُمّتك. ثمّ قال الإمام الصادق علیه السلام الذي يروي الحديث: ما وفد إلی الله تعالي أحدٌ أكرم من رسول الله صلّي الله علیه وآله حيث سأل لاُمّته هذه الخصال[25]. والآن وقد علمنا أنّ التكاليف الإلهيّة مشروطة بالعلم والقدرة، فإنّ الافراد الذين لا قدرة لهم علی العمل بالتكليف، أو الذين كانوا قاصرين غيرمقصّرين في تعلّمها فحصلت لهم المخالفة للاوامر في النتيجة، سوف لنيؤاخذوا أو يعذّبوا علی ذلك. وإحدي المجاميع التي يؤمّل بالعفو عنها: المستضعفون، إلاّ أنـّهم أُولئك الجماعة من المستضعفين الذين ليس لهم سبيل للوصول إلی الحقائق. ومن ثمّ فإنّ المستضعفين ينقسمون إلی فئتين: الاُولي: المستضعفون الذين لهم سبيل للوصول إلی الحقائق. الثانية: المستضعفون الذين لا سبيل لهم للوصول إلی الحقائق. ونجد أنفسنا مجبرين ـ من أجل إيضاح هذا المعني ـ علی تفسير لفظ المستضعف أوّلاً. معني المستضعف في القرآن الكريمإنّ المستضعفين في لغة القرآن هم الذين تعرّضوا في الارض لاعتداء وغلبة الافراد الظالمين، ففقدوا اختيارهم وحرّيّتهم نتيجة سيطرة وغلبة أُولئكم، وخضعوا لقيموميّة وهيمنة تلك الطائفة الظالمة. أمّا المستكبرون ـ مقابل المستضعفين ـ فهم الافراد الذين يدفعهم الطغيان والتعالي ـ وباستمرار ـ إلی الاعتداء علی الحقوق البديهيّة للناس وإلي التجاوز علیهم بأنواع الحيل والاحابيل، ومن هنا فإنّ الاستكبار هو في مقابل الاستضعاف. وقد عُبّر في القرآن الكريم عن المستكبرين بلفظ المَلاَ، أي الافراد الذين ملاوا مواقعهم الظالمة بلحاظ الشخصيّات الاجتماعيّة الجائرة فلميتركوانقطة خالية فيها. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الاْرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآنءِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَآءَهُمْ إِنـَّهُ و كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ علی الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَنءِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَ ' رِثِينَ[26]. لقد علافرعون وطغي في الارض فجعل ساكنيها مجاميع وطوائف، فاعتدي علی طائفة منها وهيمن علیها وجعلها ـ في قبضة قدرته ومخالب قهرهـ ضعيفةً لا قدرة لها ولا قيمة، وكان يذبّح الابناء ويترك النساء للخدمة أو يُجبرهنّ علی الاعمال المنافية للعفّة، ولقد كان فرعون من المفسدين في الارض حقّاً. ولقد كان من دأبنا وسنّتنا الاختياريّة أن نمنّ علی أُولئك في الارض فنجعلهم أئمّة ونجعلهم ورثة الارض وقدراتها المسخّرة. قَالَ الْمَلاَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـ'لِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُو´ا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُو´ا إِنَّا بِالَّذِي´ ءَامَنتُم بِهِ كَـ'فِرُونَ.[27] لقد قالت الطائفة المتعالية المستكبرة الباحثة عن الجاه والشهرة من قوم صالح نبيّ الله لتلك الطائفة من المستضعفين الذين آمنوا به: أتعلمون أنّ صالحاً أُرسل بالنبوّة من قبل ربّه؟ قالوا مجيبين: إنّا مؤمنون بجميع ما جاء به صالح من قِبل الله. فقال المستكبرون المتجاوزون علی حقوق الضعفاء: إنّا كافرون بجميع ما آمنتم به. وَلَوْ تَرَي'´ إِذِ الظَّـ'لِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَي' بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُو´ا أَنَحْنُ صَدَدْنَـ'كُمْ عَنِ الْهُدَي' بَعْدَ إِذْ جَآءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَهِ وَنَجْعَلَ لَهُ و´ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الاْغْلَـ'لَ فِي´ أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ.[28] وهذه الآيات راجعة للمستضعفين الذين امتلكوا سبيلاً للوصول إلی الحقائق، بَيدَ أنـّهم قصّروا بالرغم من ذلك. فليتك تري أيـّها النبيُّ المستكبرينَ والمستضعفين من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم، وكلا الطائفتين موقوفة عند ربّها يوم القيامة للعرض والسؤال، وكيف انّ بعضهم يريد إلقاء التبعة والذنب والجرم علی البعض الآخر. لو رأيتَ المستضعفين الذين صُودرت حقوقهم من قبل المستكبرين، والذين كانوا قادرين علی رفع نير الظلم والخروج من ربقة استكبار أُولئكم وعلی تحرير أنفسهم من استضعافهم، أو علی الهجرة ـعلی الاقلّـ إلی محلّ آمن يمكنهم فيه القيام بالتكاليف الإلهيّة بحرّيّة. لكنّهم قصّروا فبقوا رازحين تحت قيموميّة أُولئكم واستكبارهم. لو رأيتَهم وهم يقولون للمستكبرين: إنّ ذنبنا الذي ارتكبناه يقع علی عاتقكم فأنتم تبوءون به، فلولاكم ولولا تسلّطكم لكنّا قد آمنّا وانشغلنا بأداء أعمالنا الدينيّة. فيردّ علیهم المستكبرون المتعالون: أفصددناكم عن الهدي جبراً وقهراً بعد إذ عرفتم الحقّ بعقولكم، وبعد أن نزلت علیكم الحجج الإلهيّة؟! كلاّ، بل تبعتم ـ بسوء اختياركم ـ تعلیماتنا وإعلامنا، فأنتم أنفسكم المجرمون. فتقول طائفة المستضعفين لطائفة المستكبرين: بل إنّ محن الزمان وشرائط التأريخ ومقتضيات الزمان وإمكاناته التي واجهتنا، وأمركم لنا بهذه الاعمال القبيحة، قد أوجب نسياننا لله، فجعلنا له شركاء وأنداداً في أُمور المعيشة، من قبيل الرؤساء الظالمين والحكّام الجائرين وغيرهم حتّيانحرفنا في نهاية المطاف عن طريق التوحيد والإيمان وتنكّبنا الصراط المستقيم، ونَهَجنا سبيلَ الغيّ والضلال. بلي، حيث يشاهد أُولئكم طلائع العذاب وآثاره التي تعود علیهم نتيجة أعمالهم، فإنّهم سيتأسّفون في قرارة قلوبهم وسيسود الاسي والندم سويداء قلوبهم، ثمّ يضع ملائكة الغضب الإلهيّ الاغلال والسلاسل الثقيلة في أعناق الكافرين ويقولون لهم: أليس هذا الجزاء إلاّ تلك الاعمال التي كنتم تجترحونها في الدنيا؟ بلي، كانت هذه الآيات عائدة إلی مقام العرض في القيامة، إلاّ أنـّنا أوردناها هنا ـ حيث بحثنا عن البرزخ وعقاب المستضعفين ـ بمناسبة لفظ الاستكبار والاستضعاف المستعمل فيها، بالرغم من أنّ هذا البحث له عموميّة في إحدي جهاته، ويمكن عنونته في العذاب البرزخيّ وكذلك في عذاب يوم القيامة. المستضعفون فئتانوالآن وقد اتّضح معني الاستضعاف فنقول: إنّ المستضعفين فئتان، الاُولي أُولئك الذين كانوا يتمكّنون من الخروج بأنفسهم من الاستضعاف وجعل أنفسهم ـ بهجرتهم ـ في محلّ أمين وآمن ليستمرّوا في أعمالهم الدينيّة. وهؤلاء الافراد سيكونون مورد المؤاخذة والعقاب، لانـّهم بالرغم من حرمانهم من أعمالهم الدينيّة تحت شرائط قيموميّة المستكبرين وهيمنتهم، إلاّ أنـّهم كانوا قادرين علی الهجرة، وعلی الإتيان ـ منثمّ ـ بالاعمال والتكاليف الدينيّة، بَيدَ أنـّهم لم يأتوا بها. يقول الاُصوليّون: الوُجُوبُ بالاخْتِيَارِ لا يُنَافِي الاخْتِيَارَ، والامْتِنَاعُ بالاخْتِيَارِ لايُنَافِي الاخْتِيَار. أي أنّ الإنسان لو أوجب علی نفسه عملاً ما بالمقدّمات الاختياريّة، أو جعله محالاً وممتنعاً علیه، فإنّ هذا الوجوب والامتناع لن يتنافيا مع كون ذلك العمل اختياريّاً. والفئة الثانية: فئة المستضعفين الذين لم يمتلكوا ـ بأيّ وجه ـ القدرة الفكريّة أو العمليّة للخروج من تحت نير ظلم المستكبرين، أو أنّ الهجرة إمّا لم تخطر في فكرهم وعقلهم أساساً، أو أنـّهم لم يمتلكوا القدرة علی الإتيان بها. وقد كانت الآية القرآنيّة التي تؤمّل المستضعفين بالعفو عائدة إلی خصوص هذه الفئة. وجوب الهجرة إلی دار الإسلامونشرع الآن بتفسير الآية المباركة التي ذُكرت مطلع الحديث لنلحظ ماهي النكات التي تستفاد منها، وما هي شرائط الاستضعاف الذي تشمله رحمةالله تعالي عند التخلّف عن الاوامر الإلهيّة. إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّـ'هُمُ الْمَلَـ'ئكَةُ ظَالِمِي´ أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الاْرْضِ قَالُو´ا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَهِ وَ ' سِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـ'ئِكَ مَأْوي'هُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيرًا. إنّ الفئة من الناس الذين ظلموا أنفسهم بسبب مخالفة التكاليف الإلهيّة وعدم تزكية النفس والتخلّق بالاخلاق الربّانيّة، ولعدم تحصيل المعارف الشرعيّة والملكات الرحمانيّة ولقاء المعبود جل وتعالي وشأنه قدجعلوا نفوسهم ـ نتيجة لذلك ـ أسري وادي الحرمان، وحرموها من التكامل والرقيّ والوصول إلی مدارج الإنسانيّة ومعارجها، وحبسوها في ظلمات البُعد وآثاره من الغفلة والشهوات. وهذه المحروميّات التي صارت من سهمهم وحظّهم، إنّما حصلت بسبب استضعاف قوم مستكبرين جعلوهم تحت قيمومتهم، وحرموهم ـ بتسلّطهم علیهم ـ من حقوقهم البسيطة والبديهيّة، وهي الحرّيّة في أداء المناسك الدينيّة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الشعائر الإلهيّة، وتشكيل حكومة حقّة تؤمن العدل والإنصاف الإسلاميّ؛ فجعلوهم أتباعاً وذيولاً لهم يقتفون آثارهم في العمل والسلوك الفرديّ والاجتماعيّ. وهؤلاء سيخاطبهم الملائكة حين يريدون قبض أرواحهم: أين كنتم وفي أيّ ظرف ووضع كنتم؟ ذلك لان هؤلاء الملائكة حين يصلون إليهم فيشاهدون نفوسهم المظلمة المعتمة المحرومة الجامدة الراكدة الخاضعة لضغط الكفر، فإنّهم سيفهمون أيّ مصيبة وبليّة عظيمة صُبّت علیهم فأُصيبوا بالحرمان الشديد ـإذ إنّ هذا البلاء والمصيبة العظيمة يسقطان الإنسان من مستوي العبوديّة للهـ لذا فإنّهم سيتساءلون تعجّباً: أيّ ظروفٍ واجهتكم؟ وفي أي بيئة ومجتمع كنتم تعيشون، فأصاب نفوسكم هذا التلف والفساد؟ فيجيب الافراد المحتضرون: كنّا من المستضعفين في الارض، وهذا البلاء والمحنة اللذان لزمانا من قِبل المستكبرين الذين علوا علینا، وإلاّ فإنّنا لمنكن لنرغب في الانحراف من تلقاء أنفسنا، وكان البقاء تحت قيموميّة الاُمّة الكافرة، ذلك البقاء الذي كان يستتبع سلب نورانيّة النفس وسلب عبوديّة الربّ وطاعة نبيّه أمراً يشقّ علینا. أو أنـّنا ـ علی أقلّ تقديرـ لمنكن راضين بذلك ولا مرتاحين له. فيقول الملائكة: فَلِمَ لَمْ تهاجروا؟ أَفَلَمْ تسعكم أرض الله الواسعة الفسيحة؟ كان علیكم أن تهاجروا إلی بلاد أُخري يمكنكم فيها إقامة شعائركم الدينيّة بأمن وأمان وفراغ بال، وإلي حيث يمكنكم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإجراء الحدود الإلهيّة والخضوع لولاية وإشراف الإمام المعصوم أو حاكم الشرع المطاع والمجتهد الفقيه العادل البصير الخبير بالاُمور، وحيث تشكّلون حكومة إسلاميّة فيمكنكم ـ من ثمّ ـ إقامة صلاة الجمعة، وانتزاع حقّ المظلوم من الظالم، والاذان من علی المآذن بلا خوف ولاتقيّة، فتوقظوا بنداء « الله أكبر » عند الصلوات الخمس الراقدين من نوم الغفلة وتقودونهم إلی المساجد. ولمّا كان بإمكانكم الهجرة إلی دار الإسلام أو إلی نقطة أُخري يمكنكم فيها تأسيس حكومة إسلاميّة بأنفسكم والعمل بأحكام الله، إلاّ أنـّكم لم تهاجروا اختياراً، فإنّ مأواكم ومسكنكم سيكون في جهنّم وساءت مصيراً. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ ' نِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَيَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَـ'ئِكَ عَسَي اللَهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَهُ عَفُوًّا غَفُورًّا[29]. وباعتبار أنّ هناك فئة بين المستضعفين لا تتمكّن من الهجرة، أو لاتمتلك إمكانيّة فكريّة أو عقليّة، أو قدرة ماليّة أو بدنيّة، أو أنـّه ـ والعياذباللهـ ليس هناك قربهم حكومة إسلاميّة يمكنهم الوصول إليها مثلاً، كبعض الرجال والنساء والولدان الذين لا يمتلكون أيّ سبيل وحيلة للخلاص بأنفسهم من تسلّط أُولئكم المستكبرين، ولا يهتدون إلی طريق لتحرير أنفسهم. فإنّ هذه الجماعة مصانة من مؤاخذة ملائكة قبض الارواح وفيأمان من المصير إلی جهنّم، لانّ هناك أملاً بعفو الله عن ذنوبهم واللههو العفوّ الغفور. النكات المستفادة من آية استثناء المستضعفينوهناك نكات جديرة بالتأمّل مستفادة من هاتين الآيتين غير ما ذُكر سابقاً، الاُولي: وجوب الهجرة من دار الكفر إلی دار الإسلام؛ لانّ توبيخ الملائكة بعدم الهجرة ليس مبتنياً علی الامر بالحياة المرفّهة والمجتمع المنزليّ والمدنيّ، فهذه أُمور يشترك فيها المؤمنون والكفّار؛ بل مبتنٍ علی لزوم الحياة الدينيّة والعقائديّة بحيث يمكن ـ من خلال الهجرة ـ الانصراف إلی إقامة التكاليف الإلهيّة. ولانّنا نعلم أنّ الدين الإسلاميّ دين شامل وكامل وكافل جري فيه مراعاة وملاحظة الجوانب الاجتماعيّة والسياسيّة علی أحسن وجه. وأنّ إجراء الحدود والاحكام وإقامة الجمعة [30] والقضاء بين المسلمين وسائر أحكامه العامّة علی يد حاكم الشرع المطاع، هو من أُسسه الاصيلة ودعائمه التي لا تنفكّ عنه، لذا ينبغي الهجرة إلی مثل هذا المكان المدعو بلسان الشرع بـ (دار الإسلام) من أجل العمل بالتكاليف الشرعيّة من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر التعاليم والآداب الاجتماعيّة المذكورة، أوالهجرة إلی أيّ نقطة من نقاط الارض وتأسيس حكومة الإسلام هناك علی يد حاكم الشرع المطاع. النكتة الثانية: حرمة السكني والتوطّن في بلاد الكفر، سواءً كان المسلم المتوطّن معدوداً من أتباع تلك البلاد أم لا. فبناءً علی فرض كلا التقدرين، فإنّ إمكان الإتيان بالتكاليف الإلهيّة وإقامة الحدود ودائرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سيكون منتفياً هناك، وسيصبح الشخص المسلم ـإذا ما صار من أتباع ذلك البلد ـ تحت ولايتهم، وسيكون ـإن كان مُقيماًـ تحت حمايتهم وإشرافهم. وَلَن يَجْعَلَ اللَهُ لِلْكَـ'فِرِينَ علی الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[31]. شرط ولاية الفقيه الهجرة إلی دار الإسلامفإن قيل إنّ السكني والتوطّن هناك ممكن مع وجود وليّ الشرع المطاع، فإنّه يجب القول في جوابهم إنّ حكومة حاكم الشرع وولايته إنّما تمضيان من قبل الشارع حين لا يكون قد اختار السكني في بلاد الكفر، وعلی فرض توطّنه السابق فإنّ علیه الهجرة إلی دار الإسلام. ومن هنا فإنّ مقرّ ولاية حاكم الشرع وواليه يجب أن يكون في دار الإسلام؛ وتوضّح الآية72، من السورة 8: الانفال هذا الامَر بجلاء: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَنَصَرُو´ا أُولَـ'ئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْيُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِّن وَلَـ'يَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّي' يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعلیكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ علی' قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَـ'قٌ وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. والنكتة الثالثة في الآية المباركة للامل فيالعفو عن المستضعفين، هي ضمّها الاولاد إلی الرجال والنساء. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ ' نِ. أي أنّ الولدان سيكون لهم نصيب من الرحمة الإلهيّة، وأنّ الامل بالعفو سيشملهم أيضاً، وبقرينة المقابلة فإنّ تلك الفئة من المستضعفين الذين امتلكوا القدرة علی الهجرة بَيدَ أنـّهم لم يهاجروا، والذين سيردون جهنّم فتكون مسكنهم ومأواهم، ستشمل أولادهم أيضاً؛ وسيكون الولدان ـعلی هذاـ هدفاً للتوبيخ والشماتة والعقاب، شأنهم شأن البالغين، وإلاّ كانذكرهم في هذه الآية لغواً. وذلك لانّ الولدان لو لم يكونوا مأمورين بالهجرة، فإنّ التكليف والخطاب لن يتوجّه إليهم في حالٍ من الاحوال، سواءً أمكن لهم الحصول علی سبيلٍ وحيلة للهجرة أم لا. الاطفال المميزّون مأمورون بالهجرة إلی دار الإسلامويستفاد من هذا أنّ الولدان الذين لميدركوا سنّ البلوغ إلاّ أنـّهم ـ مع ذلك ـ يمتلكون إدراكاً وتعقّلاً « ويستطعيون حيلة ويهتدون سبيلاً » فإنّ الهجرة إلی دار الإسلام تجب علیهم أيضاً، من أجل أن يتمتّعوا بجميع المواهب التي منّ الله بها علی المؤمنين في دار الإسلام، وليكونوافي مأمن وصون عن جميع الاضرار التي ستواجههم خلال إقامتهم في دار الكفر. وما أكثر ملائمة هذا المعني مع ما عنونه فقهاؤنا رضوان الله علیهم من أنّ عبادة الطفل ليست تمرينيّة، بل إنّ عبادته صحيحة وأنـّه سيتمتّع بملاكات وفوائد العبادة ونتائجها شأنه شأن البالغين. كلّ ما في الامر أنّ قلم الوجوب والإلزام قد أُزيح عنه، وأنّ الشارع الحكيم قد خفّف عنه، وأنّ الشريعة السمحة السهلة قد راعت حاله. وينتج من إزالة الإلزام والوجوب في التكاليف وبقاء أصل ممدوحيّة الفعل أو منكريّته، أنّ جميع واجبات البالغين ستكون مستحبّة لهم، وأنّ جميع محرّمات البالغين ستكون مكروهة لهم، إضافة إلی أنّ مستحبّات ومكروهات البالغين ستبقي علی حالها بالنسبة لهم، وستكون مورد الخطاب الإلهيّ بعنوان مستحبّ ومكروه. وليس معني إزالة قلم التكليف الإلزاميّ بالنسبة إلی الاطفال أنـّهم سيكونون أحراراً مجازين في ارتكاب كلّ ذنب، بل يعني انعدام تلك الدرجة من التأكيد والتشديد الموجودة للبالغين. وعلی هذا الاساس فإنّ الطفل المميّز لو سرق أو زني أو ارتكب بعض المحرّمات الاُخري، فإنّ حكومة الإسلام لن تُقيم علیه الحدّ، لكنّها ستعزّره لذلك، فيجلده حاكم الشرع وفق نظره وبصيرته وتقديره للمصلحة من جلدة واحدة إلی خمس وعشرين جلدة. يروي الشيخ الصدوق في كتاب « الخصال » عن الحسن بن محمّدبن السكونيّ، عن الحضرمي، عن إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الاعمش، عن ابن ظبيان، قال: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ علیٌّ علیهِ السَّلاَمُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّي يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّي يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّي يَسْتَيْقِظَ[32]. وفي ضوء ذلك فإنّ الحدّ الشرعيّ لا يقام علی الطفل غير البالغ، إلاّ أنّ علی الحاكم أن يُعزّره. وبعد ظهور التعارض بين آية وَالْوِلْدَ ' نِ التي يستفاد منها وجوب هجرة الولدان إلی دار الإسلام، وبين الإجماع المدّعي والروايات الدالّة علی عدم إلزام التكليف بالنسبة للولدان غير البالغين، وتبعاً للقواعد الاُصوليّة فلانّالآية الشريفة مختصّة بأمر الهجرة، ولانّ هذه الروايات لها العموميّة بالنسبة لهذا المورد ولسائر الموارد، فيجب تقديم الآية الشريفة كمخصّص، مع تخصيص ذلك الإجماع المدّعي والروايات الواردة بسائر موارد التكليف غير الامر بالهجرة. وربّما كان سرّ هذا الامر هو أهميّة الهجرة التي تستدعي إعارتها كلّ هذا الاهتمام، بحيث لا يرضي الشارع المقدّس حتّي للاطفال غير البالغين بالمكث في دار الكفر. النكتة الرابعة: أنّ خصوصيّة حال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان قد بُيّنت في آية الاستثناء المباركة، وتلك الخصوصيّة هي عدم التمكّن من فعل حيلة أو وسيلة وعدم الاهتداء إلی سبيل للفرار. لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. أي أُولئك الرجال والنساء والولدان الذين من خصوصيّة حالهم عدم إتقانهم فعل وسيلة وحيلة وعدم اهتدائهم إلی سبيل ينجيهم. وقد قال العلماء: تَعلیقُ الْحُكْمِ علی الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعلیةِ. فإن قيل مثلاً: احترز من الرجال الذين يحملون مرضاً معدياً! فإنّ وجوب الاحتراز ليس من الرجال مطلقاً، بل من الرجال الذين يحملون مرضاً معدياً، لذا يستفاد من هذه الجملة أنّ علّة الحكم بوجوب الاحتراز هي حمل المرض المعدي. وبناءً علی هذه الاستفادة من علیة الحكم فإنّهم يقولون: يجب علی الإنسان الاحتراز من كلّ من يحمل مرضاً معدياً، رجلاً كان أم امرأة. الملحقون بالمستضعفين وفق مناط العفووينتج من الآية مورد البحث عموماً أنّ كلّ رجل وامرأة وولد لايتمكّن من إيجاد سبيل خلاص لنفسه ولا الاهتداء إلی طريق للنجاة، فإنّه سيكون مصوناً عن مؤاخذة الملائكة وعن الورود إلی جهنّم، وأنّ الامل بعفو الله عنهم سيشملهم، سواءً كانوا من المستضعفين أم من غيرهم. وخلاصة الامر أنـّه لو كانت هناك جماعة من الناس تعيش في دار الإسلام ولا تخضع لظلم المستكبرين واعتدائهم، ولا ينطبق علیها عنوان الاستضعاف، بَيدَ أنّ أُولئكم كانوا قوماً من الرجال والنساء والولدان الذين لايعثرون علی سبيل لإدراك الحقائق والمعنويّات ولا يهتدون إلی حيلة ووسيلة للوصول إلی الاحكام الإلهيّة والمعارف الحقّة، فإنّهم سيكونون مصونين من الورود إلی جهنّم، وسيكونون مورد العفو الإلهيّ. فلو فرض مثلاً أنّ أطفالاً تربّوا منذ نعومة أظفارهم في أحضان آباء وأُمّهات كفّار، وكانوا علی الدوام مورد التلقين السيّي لوالديهم، فأُلقيت إليهم المطالب عكس حقيقتها، كأن يُوصف لهم نبيّ الإسلام منذ البدء كإنسان سيّي، والقرآن ككتابٍ محرّف غير قابل للعمل. وكان هؤلاء الاطفال جاهلين باللغة العربيّة أيضاً كي يقوموا عند بلوغهم سنّ الرشد بالمراجعة بصورة مستقلّة، وكان المسجد قد اتّخذ لنفسه في قلوبهم حكم معبد الاصنام منذ لحظة الوجود الاُولي، وكان قد خُيّل لهم أنّ رسولالله معاند مخالف للانبياء والمرسلين، وكانوا قد تلقّوا الدين الإسلاميّ الحنيف كدينٍ للانحراف والاعوجاج، فرسخت هذه التلقينات في أذهانهم بحيث لميكن خلافها متصوّراً لديهم كي يكونوا ـ علی الاقلّ ـ في صدد التحقيق، واعقب ذلك ابتعادهم عن قافلة الإسلام، إلاّ أنـّهم لم يكونوا ذاتاً مفسدين، ولو كانت الحقيقة قد أُلقيت إليهم كما ينبغي لقبلوها. أو أنّ أطفالاً قد كانوا منذ سنّ طفولتهم في أحضان آباء وأُمّهات علی مذهب أهل السنّة فلقّنوا الحقائق علی الدوام بشكل مخالف، بحيث لم يكونوا يحتملون في سويداء قلوبهم حقّانيّةً للتشيّع، ولم يكن لهم من العقل والذكاء والتفكير ما يجعلهم يستفيدون من العالِم الشيعيّ حين يلتقون به؛ أو أنّ أذهانهم قد لوّثت بحيث عدّوا تلك الحقائق باطلة بصورة حتميّة، ولم يكونوا ليحتملوا الواقعيّة فيها، فكانوا يتخيّلون في عقولهم وأذهانهم وأفكارهم أنّ الذين أعادوا مسير تأريخ الإسلام إلی الوراء هم مؤسّسو التأريخ الحقيقيّ الإسلاميّ. فإنّ هؤلاء الافراد ـ إذا ما انعدم الإنكار في وجودهم بحيث لو أُريت لهم الصورة الحقيقيّة للتشيّع لالتحقوا بمدرسة التشيّع ومذهبه، ذلك المذهب المجسّد للإسلام الحقيقيّ ـ سيكونون هم أيضاً مورد عفو ورحمة الحضرة الاحديّة وسيكونونبمأمن من الدخول في جهنّم. ويشكّل أهل العامّة من الرجال والنساء والولدان أغلب هؤلاء الافراد، خاصّةً إن افتقدوا العقل المتين والفكر الراسخ، وكانوا من البسطاء الطيّبين. إلاّ أنّ كثيراً من الرجال العلماء والمفكّرين قد يكونون غيرمصونين من هذا الخطر؛ فقد يكونون مع كثرة مطالعاتهم وتتبّعهم الزائدـ قد بقوا أسري إلی آخر العمر في خربة الانزواء إثر رسوخ تلقينات الآباء والاُمّهات والمعلّمين والبيئة، فتكون هذه التلقينات قد حجبت بينهم وبين إدراك الحقائق كسدّ الإسكندر. ولو صدق في شأنهم عنوان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَيَهْتَدُونَ سَبِيلاً ولميكونوافي نفس الوقت من المنكرين والمعاندين والمتطاولين، بحيث لو فهموا حقيقة النبوّة أو الولاية لخضعوا وأطاعوا علی الفور، فإنّهم سيكونون كذلك مورد العفوّ. ارجاعات [1] ـ الآيات 97 ـ 99، من السورة 4: النساء. [2] ـ الآية 15، من السورة 17: الاءسراء. [3] ـ أي ليبيّن لهم الاحكام والعقائد والسنن والآداب والاخلاق والعقائد والتوحيد. [4] ـ الآية 4، من السورة 14: إبراهيم. [5] ـ الآية 42، من السورة 8: الانفال. [6] ـ الآية 134، من السورة 20: طه. [7] ـ «الخصال» الطبعة الحروفيّة، ص 417. [8] ـ «أُصول الكافي» المجلّد الثاني، ص 462 و 463. [9] ـ «تحف العقول» ص 50. [10] ـ «وسائل الشيعة» كتاب الصلاة، ج 1، ص 516، طبع أمير بهادر، باب عدم بطلان الصلاة بترك شيءٍ من الواجبات سهواً أو جهلاً أو عجزاً أو إكراهاً عدا ما استثني بالنصّ. [11] ـ «المحاسن» للبرقيّ، ج 1، كتاب «مصابيح الظلم» ص 225؛ و«بحار الانوار» ج 1، الطبع الكبماني، باب طلب العلم، ص 57، عن «المحاسن». [12] ـ رأي الحقير في كيفيّة العمل هو عدم جواز الاحتياط عموماً كما قد ذهب إليه المشهور، ويوجد لهذا المدّعي أدلّة ينبغي ذكرها في مجال الفقه، وعمدتها وجهان، الاوّل: عدم معهوديّة هذا النوع من الاحتياطات في زمن المعصومين، وخاصّة إذا استلزم التكرار في العبادة. والثاني: أنّ العبادة للاحتياط مقرونة بالشكّ والتردّد في النيّة، وحال الشكّ هذه ستنجرّ تدريجاً إلی الوسواس وستسلب القاطعيّة من المؤمن، فينعكس أثر العبادة التي كان ينبغي أن تورث التقرّب، ويكون المؤمن متردّدأ علی الدوام ماكثاً في وادي الاحتمال والشكّ، أي محلّ الشيطان وخواطره، وهذا هو البُعد الذي يخالف مائة في المائة طريق اليقين والتقرّب. وبشكل عامّ فإنّ دأب الإسلام وسنّته في أن يجعل أفراد الامّة قاطعين في أعمالهم خارجين من الريب والشكّ، وذلك لانّ كثرة الريب والشكّ في الاعمال ستجعل الشكّ والتردّد يسريان إلی النفوس فيظهران لاصحابها تلك الحال من التزلزل والاضطراب، وهذه الحال من الامراض المهلكة للنفس تسبّب اليأس من رحمة الله؛ ذلك لانّ الإنسان سوف لن يُحرز العلم في كلّ عمل يفعله أكان مورداً للتكليف والقربة أم لا؟ ومن هنا فلم يشاهد في فترة إمامة الائمّة الاثني عشر سلام الله علیهم؛ كما لميكن دأب الاصحاب والفقهاء أن يحثّوا من يشكّ في صلاته مثلاً علی الاءعادة أو القضاء، أو يرغّبوا من ادّي صلواته وشكّ في صحّتها، في قضائها من باب الاحتياط، بل كانوا يأمرون دوماً بالنوافل بشكل قاطع ويقولون إنّ النوافل هي تدارك نقص الفرائض. كما يتّضح بجلاء من الروايات الواردة في هذا الباب أنـّهم أمروا بالقضاء عند ترك الصلاة فقط، حتّي أنـّهم أمروا بقضاء النوافل عند تركها. [13] ـ «المحاسن» للبرقيّ؛ كتاب «مصابيح الظلم» ص 225؛ و «بحار الانوار» ج 1، الطبعة الكمباني، باب طلب العلم، ص 57. [14] ـ «المحاسن» للبرقيّ، كتاب «مصابيح الظلم» ص 225؛ و«بحار الانوار» ج 1، الطبعة الكمباني، باب طلب العلم، ص 57. [15] ـ الآية 149، من السورة 6: الانعام. [16] ـ «الامالي» للمفيد، طبع النجف، المجلس 35؛ و«بحار الانوار» الطبعة الكمباني، ج 1، باب طلب العلم ص 57. [17] ـ الآية 152، من السورة 3: آل عمران. [18] ـ الآية 243، من السورة 2: البقرة؛ والآية 61، من السورة 40: غافر. [19] ـ الآية 251، من السورة 2: البقرة. [20] ـ الآية 185، من السورة 2: البقرة. [21] ـ الآية 6، من السورة 5: المائدة. [22] ـ الآية 78، من السورة 22: الحجّ. [23] ـ الآية 7، من السورة 65: الطلاق. [24] ـ الآية 286، من السورة 2: البقرة. [25] ـ «تفسير علیّ بن إبراهيم» ضمن حديث طويل رواه في أوّل سورة الاءسراء في شأن معراج رسول الله صلّي الله علیه وآله. وقد وردت هذه الفقرات في ص 375. و «تفسير العيّاشيّ» ضمن تفسير هذه الآية، ج 1، ص 158. كما وردت في «بحار الانوار» الطبعة الكمباني، المجلّد السادس في أحوال رسول الله، باب المعراج، ص 337، عن «تفسير علیّبن إبراهيم»؛ وأورده في ص 397 عن «تفسير العيّاشيّ». [26] ـ الآيتان 4 و 5، من السورة 28: القصص. [27] ـ الآيتان 75 و 76، من السورة 7: الاعراف. [28] ـ الآيات 31 ـ 33، من السورة 34: سبأ. [29] ـ يُبيّن الله في الآية 41، من السورة 22: الحجّ ـ بعد إعطائه الاءذن في الآيات السابقة في القتال للذين ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم وأهليهم، وأُجلوا من أوطانهم ظلماً، لانّ نداءهم كان «ربّنا الله»، وبعد منحهم الحقّ في تأسيس حكومة مستقلّة إلهيّة ـ أعمالَ أُولئك الافراد التي تمثّل القاعدة في تأسيس مثل تلك الحكومة: الَّذِينَ إِن مَّكَّنـَّـ'هُـمْ فِـي الاْرْضِ أَقَامُوا الصَّلَو'ةَ وَءَاتَـوُا الزَّكَــو'ةَ وَأَمَـرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَهِ عَـ'قِبَةُ الاْمُورِ. أي أنّ تشكيل حكومة الإسلام ينبغي حتماً أن يقام علی أساس إقامة الصلاة (الصلاة فرادي وجماعة وصلاة الجمعة والعيد) وإيتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي ينبغي حتماً أن تقام علی يد الحاكم الفقيه العادل. [30] ـ تمثّل صلاة الجمعة إحدي الفرائض الاءلهيّة التي لها وجوب عيني تعيينيّ علی جميع الافراد إلی يوم القيامة، إلاّ الطوائف التسع المستثناة: الصبيّ والمجنون والعبد والمريض والمرأة والمسافر والاعمي والهِمّ ] أي الشيخ الكبير البالي [ ومن كان علی رأس فرسخين. ولكن يجب عقدها في مكان بحيث إنّ صلاة جمعة أُخري لا تعقد إلی بعد فرسخ من جميع الجهات. ويجب أن تكون إقامتها علی يد المعصوم أو المنصوب من قِبل الإمام بتنصيب شخصيّ أو عامّ كمثل أدلّة ولاية الفقيه، وإلاّ كانت حراماً وبدعة وباطلاً. لكنّ إقامة الإمام أو الفقيه ليست من شرائط الوجوب كما هو الامر في شرطيّة الاستطاعة بالنسبة لوجوب الحجّ، بل من قبيل شرائط التحقّق والوجود، مثل شرطيّة الطهارة بالنسبة للصلاة. وعلی هذا فيجب علی جميع المكلّفين تحقيق هذا الشرط، أي القيام بهذه الفريضة الاءلهيّة بتأسيس حكومة الإسلام مع إمكان إقامة الإمام أو حاكم الشرع المطاع لها دون خوف أو تقيّة، في مكان يمكن فيه إقامة الحدود الشرعيّة، وحيث يمكن للحاكم بيان مصالح المسلمين في الخطبة دون خوف. كما يجب علیهم اجتناب ترك هذه الصلاة، ذلك الترك الموجب للموبقة المهلكة. ومن هنا فإنّ زمن عدم إقامة هذه الصلاة سيعني أنّ فريضة إلهيّة مهمّة قد تُركت عمداً، وهو ما وُعد علیه بالخذلان الدنيويّ والعذاب الاُخرويّ. غاية الامر، باعتبار عدم تحقّقها بدون إقامة المجتهد العادل مبسوط اليد، فإنّ علی المسلمين تأسيس حكومة الإسلام لتحقيق شرط وجودها، ومن أجل أن يمكن للحاكم إقامتها، فإن لميفعلوا فإنّهم سيكونون قد أذنبوا وعصوا باعتبار عدم تيسّر إقامتها من قبل الفقيه، وذلك لترك الواجب علی أساس ترك مقدّمته، كمثل ترك الصلاة بسبب ترك تحصيل الطهارة. وقد ألّف هذا الحقير رسالةً زمن إقامته في النجف الاشرف في الوجوب العينيّ والتعيّنيّ لصلاة ï ïالجمعة، وهي رسالة جديرة بالملاحظة. [31] ـ الآية 141، من السورة 4: النساء. [32] ـ «وسائل الشيعة» ج 1، طبع بهادري، كتاب الطهارة، الباب الرابع: اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام، 8. |
|
|