|
|
الصفحة السابقةبِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ الحمد لله ربّ العالمين ولا حول ولا قوة إلاّ باللَه العلی العظيم وصلَّي اللهُ علی محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللَه علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين (مطالب أُلقيت في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك)
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ و وَالْمُؤْمِنُونَ وَسُتُرَدُّونَ إِلَي' عَـ'لِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـ'دَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ.[1] يدور بحثنا هنا عن تأثير موجودات عالم الملكوت في موجودات عالم المُلك وارتباطها بها، وكيفيّة تأثير موجودات عالم الملكوت الاعلی ـ وهو عالم الاسماء والصفات الإلهيّة الكلّيّة ـ وتأثير الارواح القدسيّة والنفوس المجرّدة في موجودات عالم الملكوت الاسفل ـ أي عالم المثال والصورةـ وأخيراً عن كيفيّة تأثير الموجودات المثاليّة في عالم المُلك والناسوت ـ أي عالم الطبع والمادّة ـ وهو بحث يمتاز بالدقّة، إلاّ أنـّنا سنسعي ـ قدر وسعنا ـ لبيان المطالب بشكل جليّ ويسير. كما يتطرّق البحث في النهاية إلی كيفيّة ارتباط نفس الإنسان مع مثاله وبرزخه، وإلي كيفيّة ارتباط برزخ الإنسان مع المادّة والطبع والبدن الوارد في قبره. ويتوجّب ملاحظة وضع البدن الذي يوضع في القبر، ألَهُ نصيب من الثواب والعقاب أم لا؟ أو يصل إلی هذا البدن أيضا الثواب والعقاب الواصلان إلی البدن البرزخيّ في عالم البرزخ، فيُثاب هذا البدن أو يعذّب أملا؟ بطبيعة الحال فإنّ بحثنا هنا يتعلّق فقط بكيفيّة ارتباط البدن المثاليّ والبرزخيّ مع البدن المادّيّ الملقي في القبر، وليس بعنوان بحث كلّيّ فلسفيّ، إلاّ أنـّنا مجبرون ـ من أجل هذا البحث الجزئيّ ـ علی إيراد بحث كلّيّ. جميع موجودات عالم المادّة تحت سيطرة عالم الملكوتإنّ جميع الموجودات في هذا العالم تُدار وتدبّر من قبل موجود مدبّر إلهيّ، فالإنسان المادّيّ له مَلَك مقرّب يرشده ويحفظه؛ وكلّ واحد من أصناف الحيوانات والنباتات والجمادات، بل وكلّ ذرّة من موجودات هذا العالم، وبصورة عامّة فإنّ جميع عالم الشهادة، أي عالم الظاهر وعالم الملك، يخضع لإدارة وسيطرة عالم ملكوتيّ، وذلك العالم الملكوتيّ هو عالم الحقيقة والمعني والباطن الذي له قدرة وعظمة تفوق هذا العالم، ويمكنه ـلذلكـ أن يربّي ويسيّر هذه الموجودات ضمن شرائطه، ويُقال لتلك الموجودات: الملائكة. والملائكة يضيقون علی الحصر، فهناك منهم بعدد الذرّات الموجودة في هذا العالم والمخلوقة في عالم المُلك، وهناك ملك بعدد كلّ قطرة مطر تنهمر من السماء موكّل بحفظها وحراستها وإنزالها. وهكذا الامر في كلّ بذرة تنمو في الارض، وكلّ حبّة تنبت وتنمو وتنضج، حتّي بذرة الحرمل. حيث ورد في الروايات أنّ هناك ملكاً موكّلاً بكلّ منها ليحفظها وفق الوظيفة والشرط والسنّة الإلهيّة التي فُوّض بها، ويجعلها تنمو وتنضج وتصل إلی حدّ كمالها، وليحرسها ويُعني بها، غيرمقصّر في مهمّة رعاية جهات حياتها وتغذيتها وتنميتها. وهكذا فإنّ الريح التي تهبّ لها مَلَك، بل إنّ الرياح المختلفة من شَمال وجنوب وريح الصَّبا وريح الدبور لها ملائكة مختلفون، كما أنَّ لكلّ واحد من رياح الرحمة وعواصف الغضب، الرياح المهلكة المسمومة والنسائم اللطيفة المنعشة، غيوم السماء البيضاء والسوداء، المتراكمة المثقلة والخفيفة وغيوم المطر والثلج ملائكة يمتلك كلّ منهم مهمّة خاصّة تتفاوت حسب اختلاف القوي والمواهب التي أعطاها الله لهم. ثمّ إنّ مراتب حياة الإنسان، من قوي الهضم والتغذية والنموّ، والقوي الرافعة والجاذبة والدافعة والمبدّلة والماسكة وغيرها تخضع جميعاً لتدبير وإدارة ملائكة مختلفين. وهذه حقيقة قائمة علی أساس حقيقة فلسفيّة، وهي أن موجودات عالم الطبع والمادّة خاضعة لسيطرة موجودات عالم المثال والصورة، وتلك بدورها خاضعة لسيطرة عالم النفس والملكوت الاعلی، وصولاً إلی مقام الاسماء والصفات الإلهيّة، وأخيراً إلی الاسم الاعظم للحضرة الواحديّة ومقام لا اسم ولا رسم للحضرة الاحديّة جلّ وعزّ وتبارك وتقدّس. ومن هنا فإنّ نور الوجود تنزّل أوّلاً من ذاته المقدّسة جلّ وعلا إلی مقام الاسماء والصفات الكلّيّة، وظهر وتجلّي ـ من ثمّ ـ تدريجاً في المراتب المختلفة لعالم الإمكان، من الموجودات المجرّدة والمثاليّة، ثمّ في الموجودات الطبيعيّة والجسميّة. ولم يكن الامر بحيث تمثّل الطبيعة مبدأ وجود القوي في العوالم، ترقيّاً إلی ظهور عالم المثال والصورة، ثمّ النفس والعوالم المجرّدة، وهو ما يمثّل مقولة غير صائبة تمثّل أساس فلسفة المادّيّين القائلين بأصالة المادّة، والذين يعدّون الروح والملكوت أثراً ضعيفاً من المادّة وترشّحاً عنها. وفي الحقيقة فإنّ منهجهم ومدرستهم يمكن أن يُدعي بمنهج ومدرسة أصالة المادّة. أمّا منهج المتألـّهين ـ في المقابلـ فهو منهج أصالة الله وأصالة التوحيد وأصالة المعني، وذلك أوّلاً: لانـّه يقول بوجود الله المجرّد البسيط الذي لا حدّ له ولا عدّ، واللامتناهي بلحاظ القدرة والعظمة والعلم والحياة، علی نحو الاستقلال في الوجود، ثمّ إنّ الموجودات المجرّدة، الروحانيّة والمادّيّة توجد بعد ذلك الوجود المقدّس، علی أنّ كيفيّة وجودها علی نحو الخلقة وبنفس مجرّد الإرادة، لاعلی نحو الإخراج والخروج، أي الولادة. خلقة الموجوداتالمادّيّة لا منافاة لهامعالحركةالجوهريّة لصدر المتألّهينولا منافاة لهذا الكلام مع مبني صدر المتألـّهين في سير الموجودات المادّيّة وتكاملها إلی الموجودات المجرّدة. فهو يقول في النفس بأنّ مبدأها جسمانيّ ونهايتها روحانيّة: النّفْسُ جِسْمَانِيَّةُ الْحُدُوثِ، رَوْحَانِيَّةُ البَقَاءِ. [2] وإنّ سير تكامل الإنسان وترقّيه هو من المراتب المادّيّة إلی المراتب المعنويّة والروحانيّة، وتبعاً للحركة الجوهريّة؛ حيث يتحرّك الجوهر في ذاته وكينونته؛ فإنّ الموجودات المادّيّة تتحرك في ذاتها بنفس قابليّتها الهيولانيّة، ثمّ تصل إلی مرحلة التجرّد بعد خَلْع ولبس متعدّدين. ذلك لانّ صدر المتألـّهين نفسه ـ وهو من أعاظم الفلاسفة المتألـّهينـ قائل بسيطرة وهيمنة عالم الملكوت علی عالم المُلك، وأنّ كلّ ذرّة في هذا العالم تدار تحت سيطرة القوي المعنويّة والروحانيّة؛ حتّي أنّ سلالة الطين والتراب التي تمثّل مبدأ خلقة الإنسان، خاضعة لإرادة واختيار الموجودات المثاليّة، والنفسيّة والتجرّديّة من الاسماء العلیا والصفات الحسني الإلهيّة. كلّ ما في الامر أنّ هذا الموجود المادّيّ الذي يمثّل مبدأ خلقة الإنسان، والسائر بنفسه درجة درجة إلی التكامل حتّي يصل إلی مرحلة التجرّد والروحانيّة، خاضع في كلّ حال ـ بلحاظ الوجود والعلم والقدرة وسائر الجهاتـ إلی تعاهُد ومراقبة ومعلوليّة العوالم العلیا. وبتعبير آخر، فإنّ من لوازم الحركة من قوس النزول إلی مقام أوج بدء الخلقة، أي إنّا لله وإنّا إليه راجعون؛ ومن لوازم قوس النزول من بدء الخلقة إلی أظلم العوالم، أي المادّة الصرفة والهيولي المحضة والقابليّة الخالصة، أن ينزل نور وجود الحقّ جلّ وعلا من أعظم الاسماء الإلهيّة في مراتب التجرّدات الملكوتيّة، ثمّ في عالم المثال، ثمّ يتنزّل عنه إلی عالم الملك، ثمّ يصعد تدريجاً من عالم المادّة وظلمة الهيولي التي لا شعور لها ولاعلم ولاقدرة، متحرّكاً تجاه الحضرة الاحديّة جلّ وعزّ. وهذا المعني لايتحقّق إلاّ أن تتحقّق تلك المادّة التي لا شعور لها ولا إرادة، وتلك الهيولي المحضة التي تمثّل القابليّة الصرفة ومبدأ خلقة الإنسان، إثر تدبير وإرادة وسيطرة عوالم التجرّد والملكوت. ومن ثمّ فلا علاقة لجسمانيّة حدوث الإنسان وروحانيّة بقائه بأصالة المادّة. وحصيلة القول فإنّ بعض الافراد الذين شاهدوا أو سمعوا روايات وآيات تدبير الملائكة وحفظهم وحراستهم، أرادوا القول في مقام التحليل وفق تصوّراتهم المنفتحة بأنّ المراد بالمَلَك الذي ينزل بقطرة المطر إلی الارض، حياة تلك القطرة والخاصيّة الموجودة فيها، أو أنّ المراد بذلك الجاذبيّة الارضيّة. فالبرق والصاعقة والغيوم وهبوب الرياح بواسطة قوي الجذب والدفع والخواصّ الفيزيائيّة، بل والكيميائيّة أيضاً، هي التي تُوجد هذه الظواهر، كلّ ما في الامر أنّ قوي الجاذبيّة والمسائل الفيزيائيّة والكيميائيّة لمتكن معهودة في ذلك الوقت، فكانوا يعبّرون عن علل الظواهر المادّية بالمَلَك والجنّ وغيرها؛ وهو كلام خاطي غير صائب. العلل والشرائط الطبيعيّة هي نفسها تحت سيطرة القوي الملكوتيّةوبطبيعة الحال فإنّ جميع الموجودات المادّيّة لها علل وأسباب مادّيّة، فالرعد والبرق والصاعقة والغيوم والامطار والعواصف الثلجيّة والطيف الشمسيّ والخسوف والكسوف لها علل وشرائط طبيعيّة، فهي تحدث وتقع بتحقّق تلك العلل. كما أنّ إحدي الجهات المؤثّرة فيها هي قوي الجذب والدفع، بَيدَ أنّ هذه القوي المادّيّة خاضعة ـبدورهاـ لحكم قوي معنويّة وسماويّة، كما أنَّ الجاذبيّة الارضيّة خاضعة ـبدورهاـ للقوي الملكوتيّة. وعلی هذا فإنّ جميع الظواهر التي لا تدركها حواسّ الإنسان، مع جميع أسبابها وعللها المادّيّة التي لا تُدرك بالحواسّ، مثل الطاقة الحركيّة والطاقة الحيويّة والكهرباء والنور والامواج التي ملات العالم والتي لاتدركها العين هي بأجمعها مادّيّة تدار بإشراف القوي الملكوتيّة للملائكة الإلهيّين، والكلام إنّما يقع في هذا القسم. يذكر في الدعاء الثالث من أدعية الصحيفة السجّاديّة المباركة أصناف وأنواع الملائكة المقرّبين وحملة العرش وأنواع الملائكة الثانويّين المأمورين بالحوادث الارضيّة والجويّة، ثمّ يذكر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ومَلَك الموت وأعوانه، ومنكراً ونكيراً، ورومان فتّان القبور. وبغضّ النظر عن ذلك فإنّ الموجودات الروحانيّة الطيّبة والطاهرة في هذا العالم مرتبطة بالملائكة الروحانيّين للعالم العلويّ، كما أنّ لاُولئكم ـ بدورهمـ أُنساً ومحبّة وشوقاً إلی الموجودات الطيّبة والطاهرة في هذا العالم. فملائكة الرحمة ـ مثلاً ـ يحبّون البيت النظيف والغرفة النظيفة والإنسان النظيف المتطهّر، ويحبّون الوضوء والغسل والطهارة، ويحبّون الملابس البيضاء، ويحبّون الرائحة الطيّبة، فهم يتوجّهون صوب الرائحة الطيّبة أينما كانت، كما أنـّهم يحبّون القرآن، ويحبّون منزل الإمام والنبيّ ووليّ الله فينزلون هناك. ومع أنّ الملائكة موجودات ملكوتيّة، والملكوت مجرّد عن المادّة ولوازم المادّة من الوضع والكيفيّة والكميّة والزمان والمكان، إلاّ أنّ تلك الموجودات الملكوتيّة يمكنها أن تتّصل بهذا العالم علی نحو ما، وأن يكون لهم نسبة وجهة مع هذا العالم. ارتباط المَلَك بالموجودات الطيّبة؛ وارتباط الجنّ بالموجودات الخبيثةكما أنّ أيّ موجود ملكوتيّ ذي تجرّد قليل إذا كان من الاسماء الجزئيّة للربّ، وكان قريباً من هذا العالم، فإنّه سيمكنه إدارة عالم الملك هذا دون واسطة من خلال توجّهه المعنويّ. فملائكة الرحمة يتوجّهون إلی الموجودات الطيّبة والطاهرة في هذا العالم، وعلی العكس فإنّهم ينفرون من المكان المظلم ذي الرائحة العفنة. كما أنّ الملك لا يرد غرفة فيها إنسان جُنب، ولا في مكان يحوي تمثالاً أو صورة ذي روح، ولا يدخل بيتاً فيه كلب، أو تُشرب فيه الخمر، أو فيه آلات للموسيقي والقمار، كما لاترد الملائكة في مواقد الحمّام والامكنة المتّسخة. وليس هذا المعني بلحاظ أنّ الملائكة تعني الوضوء والغسل والملابس البيضاء والعطر، إذ إنّ الملك موجود معنويّ بينما العطر موجود مادّيّ؛ بل بمعني أنّ الارتباط بين ذلك الملكوت وهذه المادّة بهذه الكيفيّة: أنّ ذلك الموجود المعنويّ الطيّب له محاذاة وتوجّه إلی العطر واللباس الابيض وقراءة القرآن. علی العكس من الجانّ والشياطين الذين يتوجّهون إلی الموجودات الفاسدة في هذا العالم، فيذهبون إلی الامكنة المظلمة الحالكة، ويحبّون المزابل والامكنة المتعفّنة، ويتراكمون ويتحشّدون حيث يُرتكب الزنا والمعصية وحيث يُشرب الخمر ويُلعب بالقمار، ويردون البيوت إذا كان فيها كلب، وفي الغرفة التي فيها تصوير لذوات الارواح، بينما يخرج الملك منها، ويمثّل هذا نوعاً من الارتباط بين عالم الظاهر وعالم المعني. وقد ورد في الروايات أن خُذوا من أظفاركم فإنّ الجنّ يجتمعون تحتها، وأنّ هناك محلاّ للشياطين والجانّ [3]. ولا تشربوا من عند عروة قدح الماء، فهناك مقعد الشيطان، ولا تدعوا وعاء النفايات والازبال في المنزل ليلاً، فإن تركتموه فغطّوه لئلاّ يجتمع فيه الجنّ. ويُخال للبعض أنـّه قد تفحّص جميع عالم المُلك والملكوت وتجوّل فيه، وأنـّه قد أخضعه لعلومه المادّيّة وعرّضه للتحليل في مختبره الكيميائيّ والفيزيائيّ، فهم يقولون: إنّ الجنّ هو الميكروب، فالاقذار التي تحت الاظفار إنّما هي الميكروبات، ووعاء النفايات والازبال محلّ اجتماع الميكروبات، وعروة قدح الماء ـ باعتبار إمساك الايدي لها ـ هي محلّ تجمّع الاقذار، وبالنتيجة فهي محل تجمّع الميكروبات. كما أنّ الاقذار والاوساخ الموجودة في المزابل ومواقد الحمّامات هي محلّ اجتماع الميكروبات التي عُبّر عنها بلسان الروايات بالجنّ. وهذه تفسيرات خاطئة يفتعلها أُولئكم من عند أنفسهم، فليست تلك الاُمور جنّاً، بل ميكروبات، والميكروب ظاهرة مادّيّة، في حين أنّ ذلك الموجود ذا الفهم والشعور والشيطنة والمكر الذي يأنس بالموجودات الفاسدة لهذا العالم كالاقذار والميكروبات ويرتبط معها فيذهب إلی الامكنة المتعفّنة إنّما هو الجنّ، لذا فقد وردت الكراهة الشديدة لارتداء الإنسان ملابس سوداء، فالملابس السوداء لباس أهل جهنّم، بينما يستحبّ للإنسان ارتداء ملابس بيضاء، لانـّها لباس الملائكة. إنّ الجنّ موجود كالإنسان يمتلك شعوراً وفهماً، كلّ ما في الامر أنـّه أضعف بكثير من الإنسان، لانّ خلقته من الدُخان، أي من الغازات والابخرة والدخان، لذا فإنّه لا يُري من قبل الناس العاديّين. والجنّ يفرح بدخول الامكنة التي تُرتكب فيها المعصية، وتُشرب فيها الخمور، وأماكن الزنا والقمار والنميمة، والاماكن القذرة المتعفّنة، كما يأنس بالنساء اللاتي لا يرتدين حجاباً لرؤوسهنّ، ولو كنّ في المنزل، وهذا بالطبع من أصناف الكفّار من الجنّ. ذلك لانّ فيالجنّ ـ كما في البشرـ المسلم والكافر، وقد وردت سورة في القرآن الكريم باسم سورة الجنّ جري فيها بيان بعض حالاتهم. وصفوة القول فإنّ الملائكة يهتزّون جذلاً من النساء المحجّبات، ويُسرّون من النساء ذوات الرؤوس المغطّاة المحجّبة فيردون منازلهنّ، بينما يخرج الجنّ من أمثال تلك البيوت. وعلی كلّ حال فليس هناك من وجهة نظر القرآن الكريم والبحوثَ الفلسفيّة العقليّة والروايات الواردة عن الائمّة المعصومين علیهم السلام أيّ شبهة ولا شكّ في أنّ الموجودات العقلائيّة الملكوتيّة لعالم القدس والتجرّد هي المربّية والحافظة والمدبّرة لجميع أُمور هذا العالم. الآيات القرآنيّة الدالّة علی تأثير الملائكة في عالم الطبعأصناف الملائكة التي تقوم بتدبير أُمور هذا العالمأمّا من وجهة نظر القرآن الكريم فهناك آيات كثيرة جمّة، نكتفي بذكر مثال من بعض النماذج المختلفة. 1 ـ وَالنَّـ'زِعَـ'تِ غَرْقًا * وَالنَّـ'شِطَـ'تِ نَشْطًا * وَالسَّـ'بِحَتِ سَبْحًا* فَالسَّـ'بِقَـ'تِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّر'تِ أَمْرًا.[4] قسماً بالملائكة التي تتحرّك عند أمر الله، فتشرع بالنزول بشدّة وجدّيّة من موقف الخطاب لاداء ما أُمروا به في هذا العالم. وقسماً بالملائكة الذين ينشطون ويخرجون من موقف الخطاب بتمام معني الكلمة لإنجاز مهامهم. وقسماً بالملائكة الذين يُسرعون بعد حركتهم وخروجهم من الموقف غاية السرعة لإنجاز ما أُمروا به. وقسماً بأُولئك الملائكة الذين يسبقون في إنجاز ما أُمروا به وفق قضاء الله المبرم الحتميّ سائرَ الملائكةَ الذين لم يُبرم بَعدُ ما أُمروا به، فينجزون ما أُمروا به علی سبيل الجزم والحتم.[5] 2 ـ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمـ'نُ وَلَدًا سُبْحَـ'نَهُ و بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَيَسْبِقُونَهُ و بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.[6] 3 ـ قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ و نَزَّلَهُ و علی' قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَهِ[7]. 4 ـ قُلْ نَزَّلَهُ و رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهُدًي وَبُشْرَي' لِلْمُسْلِمِينَ.[8] 5 ـ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ علی قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ.[9] 6 ـ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي علیكُمْ وَمَلَـ'´نءِكَتُهُ و لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلی النُّورِ.[10] 7 ـ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَهُ ثُمَّ اسْتَقَـ'مُوا تَتَنَزَّلُ علیهِمُ الْمَلَـ'ئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ.[11] 8 ـ إِذْ تَقُولُ [12] لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَـ'ثَةِ ءَالَـ'فٍ مِّنَ الْمَلَا'ئكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَي'´ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـ'ذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالَـ'فٍ مِّنَ الْمَلَا'ئكَةِ مُسَوِّمِينَ [13]. 9 ـ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الاْرْضِ أَلآ إِنَّ اللَهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.[14] 10 ـ قُلْ یتَوَفَّي'كُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلی رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ. [15] 11 ـ الَّذِينَ تَتَوَفَّي'هُمُ الْمَلَـ'ئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـ'مٌ علیكُمُ أدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ.[16] 12 ـ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَـ'ئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـ'رَهُمْ.[17] يقول أُولئك الذين في قلوبهم مرض، ممّن ارتدّوا علی أعقابهم القهقري بعد أن تبيّن لهم الهدي، للمكذّبين بآيات الله المُرسلة: سنطيعكم في بعض الامر، والله سبحانه خبير بأسرارهم، مطّلع علی بواطنهم. فكيف بهم حين يضربهم ملائكة لغضب الإلهيّ علی وجوههم وأدبارهم حين يريدون قبض أرواحهم وانتزاعها؟ 13 ـ وَانْشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ علی'´ أَرْجَآنءِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَـ'نِيَةٌ [18]. 14 ـ يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُو´ا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ علیهَا مَلَـ'´نءِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.[19] حيث بيّن الله سبحانه في هذه الآيات المباركة كثيراً من وظائف الملائكة علی اختلافهم وتفاوت أصنافهم. الادلّة الفلسفيّة علی كيفيّة نشوء الكثرة من الوحدة:أمّا من وجهة نظر الادلّة الفلسفيّة فنقول: بعد تماميّة دليل « الواحد لايصدر منه إلاّ الواحد » ودليل « الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد » علی هذا الاساس لنزول نور الوجود والوحدة في عالم الكثرة والاسباب، فإنّ الحكماء يقولون بعقول عشرة: العقل الاوّل، والعقل الثاني، والعقل الثالث والرابع... إلی العقل العاشر أي العقل الفعّال. وكذلك الامر في النفوس الفلكيّة ونفوس تحت فلك القمر، فقرّبوا وأقرّوا ـ بهذا الترتيب ـ كيفيّة التكثّر في هذا العالم. وبطبيعة الحال فإنّنا لا نمتلك دليلاً عقليّاً علی العقول العشرة والنفوس الفلكيّة بهذه الكيفيّة، بل إنّها فرضيّة محضة صوّروا بها صدور الموجودات الكثيرة من علّة العلل. ولذلك فقد صوّر بعض الحكماء كيفيّة نشوء الموجودات المتكثّرة وأقرّوه بطريق آخر غير طريق العقول العشرة والنفوس الفلكيّة ووضعوا أُسسه علی فرضيّة أُخري. في تحقيق المُثُل الافلاطونيّة والمدبّرات أمراًوأمّا بشأن كيفيّة إدارة أُمور هذا العالم المتكثّرة والممتلكة لجهات مشتركة بحيث ترتبط جميعها بتلك الجهات وتداوم علیها، فقد استدلّوا علیه وأقرّوه عن طريق المُثُل الافلاطونيّة، بحيث إنّ هناك موجوداً روحانيّاً معنويّاً مجرّداً عن المادّة يسيطر علی جميع أفراد الموجودات المادّيّة التي تمتلك طلّسماً وقالباً جسميّاً، ويقوم بتغذيتها وتنميتها، ومن ثمّ فإنّ جهة مشتركة ستظهر في الجميع. فمثلاً أنّ جميع أفراد البشر في هذا العالم ممّن يمتلكون صورةً وقالباً جسميّاً، ويشتركون في جميع جهات الإنسانيّة المنتزعة من النفس الناطقة، لهم إنسان نوريّ مجرّد بتمام معني الكلمة وممتلك نفساً ناطقة كلّيّة، يحيط بهم بأجمعهم، كما أنّ الوجود والعلم والقدرة والغرائز والملكات، وجميع الآثار والشؤون التي تلزم الإنسان بما هو إنسان، والموجودة ـبلا استثناءـ في جميع هذه الافراد الكثيرة، مُفاضة جميعها من ذلك الإنسان المجرّد النوريّ الذي يُقال له «مِثال» هذه الافراد الكثيرة. وكذلك الامر بالنسبة إلی كلّ واحد من أنواع وأصناف الحيوانات الكثيرة في هذا العالم، حيث يوجد لها مثال نوريّ مجرّد واحد في عالم النور والتجرّد، بحيث يرتبط به جميع هؤلاء الافراد ويستفيضون منه. فالإبل الجسميّة لها جَمَل مثاليّ، والبَقَر الجسميّة لها بقرة مثاليّة، وهكذا في الديكة والغربان والنمل، وصولاً إلی النباتات والاشجار بأصنافها المختلفة. من ثمّ فإنّ شجرة الصنوبر الجسميّة مع الافراد الكثيرة التي كانت لها منذ القدم حتّي الآن، والتي ستكون لها بعد الآن إلی آلاف السنين القادمة، والمشتركة بأجمعهاً بلا استثناء في جهات معيّنة، تمتلك شجرة صنوبر مثاليّة نوريّة لها الهيمنة والسيطرة علی جميع أشجار الصنوبر. والامر ينطبق كذلك علی أشجار الصفصاف وأنواع الاشجار المثمرة كالنخل وأنواع الفواكه والاعشاب. وهكذا فإنّ أنواع وأصناف الجمادات والغازات والامواج والانوار المادّيّة والجسميّة يمتلك كلُّ منها مثالاً مجرّداً نوريّاً في عالم النور والتجرّد. يقول الحكيم السبزواريّ قدّس الله سرّه في هذا الشأن: فَكُلُّ هَذِي النِّسَبِ الْوَضْعِيَّة أَظْلاَلُ تِلْكَ النِّسَبِ النُّورِيَّة وَصَنَمٌ لِزينَةٍ جَا زِبرِجَا فَهُوَ لِنُورِ رَبِّهِ أُنْمُوذَجَا كَهَذِهِ الاْلْوَانِ فِي الطَّاووسِ بَل كُلُّمَا فِي الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ إنّ جميع هذه النسب الوضعيّة الموجودة هنا ظِلال وظهورات وتجلّيّات لتلك النسب المجرّدة النوريّة المثاليّة. والجسم الذي يوضع للزينة والجمال فيتخايل بذلك، ليس إلاّ أُنموذجاً من نور ربّ نوعه ومن مثاله المجرّد. وكمثل هذه الالوان اللطيفة العجيبة في الطاووس، بل وكلّ ما في هذا العالم الخارجيّ المادّيّ الذي ندعوه بالعالم المحسوس هو نماذج من أرباب نوعه ومُثُله النورانيّة المجرّدة. وَكُلُّ فِعْلٍ ذِي نَمَا مِنْ جِسْمِ لَدَيْهِمُ مِنْ صَاحِبِ الطِّلِسْمِ دُهْنَ السِّرَاجِ رَبُّهُ يَجْذِبْ لَه شَكْلاً صَنُوبَرِيَّاً أَعْطَي الْمِشعَلَه بِالرَّبِّ لِلنَّحْلِ الْمُسَدَّسَاتُ وَلِلْعَنَاكِبِ الْمُثَلَّثَاتُ وعِنْدَنا المِثالُ الافلاطُونيِّ لِكُلِّ نَوعٍ فَردُهُ العَقْلاَنِيَّ كُلُّ كَمَالٍ فِي الطِّلِسْمِ وَزَّعَه مِنْ جَهَةٍ بِنَحْوٍ أَعلی جَمَعَه [20] وعند الإشراقيّين القائلين بالمُثُل الافلاطونيّة فإنّ كلّ فعل ذي حركة ونموّ يحصل في أيّ جسم من الاجسام، عائد إلی صاحب الطلّسم والجسم، وهو المثال النوريّ المجرّد من الجسميّة والطلّسميّة. فالدهن داخل السِّراج حين يريد الاشتعال والإضاءة، فإنّ ربّ نوع ذلك الدهن يعطيه شكلاً صنوبريّاً فيظهر فيالمشعلة في هيئة شعلة صنوبريّة الشكل. والنحل تبني لنفسها الخلايا السداسيّة، فلم يُرَ أبداً أنّ نحلة واحدة تخلّفت عن هذه السنّة فبنت خليّة مربّعة أو مسبّعة أو مخمّسة الاضلاع. وما ذلك إلاّ بواسطة الاستلهام من ربّ أنواع النحل والخضوع لامر تكوينه، والامر كذلك فيالعناكب التي تبني بيوتها بالخيوط الرفيعة للعاب فمها فتجعل بيوتها مثلّثة الشكل، وعلّة ذلك أنـّها كانت بأجمعها مظهر ربّ نوعها الذي له بيت مثاليّ نوريّ مثلّث. وعندنا أنّ المثال الافلاطونيّ في كلّ نوع من الانواع هو فرده العقلائيّ المنزّه والمبرّء من الجسميّة وآثارها، والذي له حكم الكلّيّ لهذه الافراد الكثيرة، لكنّه ليس كلّيّاً منطقيّاً ولا كلّيّاً عقليّاً ولا موجوداً شخصيّاً طبيعيّاً خارجيّاً ليُدعي بالكلّيّ الطبيعيّ. بل هو فرد نوريّ متشخّص ندعوه ـبلحاظ سعته وتجرّدهـ بالفرد العقلائيّ، ولذلك الموجود المشخّص (أي الفرد العقلائيّ وربّ النوع) جميع الكمالات الموجودة في الطلاسم والاجسام والموادّ التي تخضع لتدبيره وإدارته وتندرج في إطار سعته؛ وهذه الكمالات الموجودة في هيئة موزّعة ومفرّقة، مجموعة فيه علی أتمّ نحو وأكمله. الروايات الواردة في موجودات العالم العلويّ المؤثّرة في العالم السفليّوأمّا من وجهة نظر الروايات فقد عُبّر عن تلك الموجودات المؤثّرة والمدبّرة بعناوين مختلفة، كالنور، والعقل، والملائكة، واسم الله وكلمةالله، والصور العارية المجرّدة عن الموادّ، وغير ذلك. ونذكر هنا من كلّ منها مثالاً من حديث واحد أو عدّة أحاديث: 1 ـ روي المجلسيّ رضوان الله علیه عن كتاب «غوالي اللئالي» لابن أبي جمهور الاحسائيّ، أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله قال: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ نُورِي. وفي حديث آخر قال: أَوَّلُ مَا خَلَق اللَهُ الْعَقْلُ [21]. 2 ـ كما روي المجلسيّ عن «علل الشرايع» باسناد العلوي عن أميرالمؤمنين علیه السلام: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مِمَّا خَلَقَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ؟ قَالَ: خَلَقَهُ مَلَكٌ لَهُ رُؤوسٌ بِعَدَدِ الْخَلاَئِقِ مَنْ خُلِقَ وَمَنْ يُخْلَقُ إلی يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِكُلِّ رَأْسٍ وَجْهٌ وِ لِكُلِّ آدَمِيٍّ رَأْسٌ مِنْ رُؤوسِ الْعَقْلِ. وَاسْمُ ذَلِكَ الإنسان علی وَجْهِ ذَلِكَ الْرَأْسِ مَكْتُوبٌ. وَعلی كُلِّ وَجْهٍ سِتْرٌ مُلْقيً لاَيُكْشَفُ ذَلِكَ السِّتْرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّي يُولَدُ هَذَا الْمَوْلُودُ وَيَبْلُغُ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ حَدَّ النِّسَاءِ؛ فَإذَا بَلَغَ كُشِفَ ذَلِكَ السِّتْرُ فَيَقَعُ فِي قَلْبِ هَذَا الإنسان نُورٌ فَيَفْهَمُ الْفَرِيضَةَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيَّ. أَلاَ وَمَثَلُ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ.[22] يقول الحقير: لا شكّ في دلالة هذا الحديث المبارك علی المُثُل الافلاطونيّة بالتقريب المذكور، وكأنـّه يريد أساساً شرح دعوي المثل الافلاطونيّة وتقريبه إلی الاذهان. دعاء الصحيفة السجّاديّة في الصلاة علی الملائكة العِلويّين3 ـ الدعاء الثالث من الصحيفة السجّاديّة: اللَهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ الَّذِينَ لاَ يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ وَلاَ يَسْأَمُونَ مِنْ تَقْدِيسِكَ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ وَلاَ يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ علی الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ وَلاَ يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ إِلَيْكَ. اللهمّ صلِّ علی الملائكة الموكّلين بعرشك وقصر عظمتك وإرادتك ومشيّتك في مظاهر عالم الإمكان، أُولئك الملائكة الذين لايفترون ولايسكنون من تسبيحك وتقديسك، ولا يملّون من تنزيهك وتقديسك، ولايكلّون عن عبادتك. ثمّ يذكر السجّاد علیه السلام إسرافيل وميكائيل وجبرائيل ووظائفهم ومهامهم، ويُصلّي علی الروح الموكّل بملائكة الحجب، والروح التي هي من أمره، وعلی جميع الملائكة من سكنة السماوات ممّن هم أوطأ درجة وأدني منزلة، ثمّ يسأل الله تعالي أن يفيض جوده ورحمته وسلامه علی سائر أصناف الملائكة علی اختلاف وظائفهم، من حملة أسرار الغيب إلی الانبياء، ومن سكنة أطباق السماوات وأرجائها وأكنافها، الذين يفعلون جميع ما وعد الله ونزل به أمره، وعلی الملائكة من خزّان المطر وزواجر السحب، ومُسبّبي الصواعق، ومُضيئي البروق، ومشيّعي الثلوج وعواصف البَرْد، والهابطين مع قطر الماء، والقوّام علی خزائن الرياح، والموكّلين بالجبال فلا تزول عن أمكنتها، وعلی الملائكة النازلين إلی الناس بالبلاء أو الرخاء بأمر الله، والحَفَظَة الكرام الكاتبين، ومَلَك الموت وأعوانه، ومنكر ونكير ورومان فتّان القبور، والطائفين بالبيت المعمور، ومالك وخزنة جهنّم، ورضوان وسَدَنة الجنان، وأخيراً علی جميع الملائكة من سكّان الهواء والارض والماء، وعلی الموكّلين بالمخلوقات. تأثير الاسماء الإلهيّة في الاُمور التكوينيّة4 ـ دعاء السمات [23] (ويدعي أيضاً بدعاء الشَبّور)، وهو من الادعية المشهورة والمعروفة، وفيه الاسم الاعظم. وكان الاعلام الكبار العُلماء بالله لايتركون قراءته في الساعات الاخيرة من أيّام الجمعة. وقد رواه كثيرٌ من العلماء كالشيخ الطوسيّ وابن طاووس والكفعميّ عن عثمان بن سعيد العمرويّ، وهو أوّل النوّاب الاربعة، ورووه كذلك بأسانيدهم عن الإمام الصادق علیه السلام.[24] اَللَهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الاْعْظَمِ الاْعَزِّ الاْجَلِّ الاْكْرَمِ الَّذي إِذَا دُعِيتَ بِهِ علی مَغَالِقِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ لِلْفَتْحِ بِالرَّحْمَةِ انْفَتَحَتْ * وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ علی مَضَائِقِ أَبْوَابِ الاْرْضِ لِلْفَرَجِ انْفَرَجَتْ * وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ علی الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ تَيَسَّرَتْ * وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ علی الاْمْوَاتِ لِلنُّشُورِ انْتَشَرَتْ* وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ علی كَشْفِ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَاءِ انْكَشَفَتْ. يدعو في هذا الدعاء الذات المقدّسة للحضرة الربوبيّة باسمه العظيم المقدّس، ثمّ يدعو الله سبحانه بأسمائه المقدّسة التي تجلّي بها لإبراهيم الخليل ولموسي بن عمران وعيسي ومحمّد بن عبد الله علیهم وعلیه الصلاة والسلام، وبأسمائه وكلماته التي تجلّي بها لسائر الانبياء وتحقّقت بها المعجزات وخوارق العادات. ومن الجليّ أنّ المراد بهذه الاسماء الحقائق المجرّدة التكوينيّة لا الاسماء اللفظيّة، ذلك لانّ الاسم شيء له دلالة علی المسمّي؛ والاسماء الحسني الإلهيّة هي حقائق تدلّ علی ذاته المقدّسة وتحكي عنه بقدر سعتها. فلفظ الله أو الرحمن أو الرحيم الدالّة علی تلك الحقائق المجرّدة الإلهيّة هي في الحقيقة اسم الاسم. ثمّ نقل العلاّمة المجلسيّ ذيل دعاء السمات عن «المصباح» للسيّد ابن باقي هذه التتمّة: اللَهُمَّ بِحَقِّ هَذَا الدُّعَاءِ وَبِحَقِّ هَذِهِ الاْسْمَاءِ الَّتِي لاَ يَعْلَمُ تَفْسِيرَهَا وَلاَتَأوِيلَهَا وَلاَ بَاطِنَهَا وَلاَ ظَاهِرَهَا غَيْرُكَ. فَأيّ اسم لا يعلم أحد ظاهره وباطنه وتفسيره وتأويله غير الذات المقدّسة للحضرة الاحديّة جلّ وعزّ؟ 5 ـ الدعاء الذي يُقرأ في ليالي عرفة وليالي الجمعة، ومطلعه: اللَهُمَّ يَا شَاهِدَ كُلِّ نَجْوَي وَمَوْضِعَ كُلِّ شَكْوَي. وقد ورد في هذا الدعاء: وَبِاسِمِكَ الَّذِي تَرْتَعِدُ مِنْهُ فَرَائِصُ مَلاَئِكَتِكَ، وَأسْأَلُكَ بِحَقِّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ. إلی أن يصل إلی قوله: وَبِالاسْمِ الَّذِي مَشَي بِهِ الْخِضْرُ علی قُلَلِ الْمَاءِ كَمَا مَشَي بِهِ علی جُدَدِ الاْرْضِ؛ إلی أن يقول: وَبِاسْمِكَ الَّذِي شَقَقْتَ بِهِ الْبِحَارَ وَقَامَتْ بِهِ الْجِبَالُ وَاخْتَلَفَ بِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. حتّي يصل إلی قوله: وَبِاسْمِكَ الَّذِي عَلَّمَتَهُ مَلَكَ الْمَوْتِ لِقَبْضِ الاْرْوَاحِ [25]. 6 ـ دعاء كميل الذي كان أمير المؤمنين علیه السلام يقرأه في سجوده ويدعو فيه الله سبحانه بأسمائه الحسني. يقول الشيخ: وقد ورد في الرواية أنّ كميل بن زياد رأي أميرالمؤمنين ليلة النصف من شعبان يدعو في سجوده بهذا الدعاء: اللَهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتِي قَهَرْتَ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَخَضَعَ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَذَلَّ لَهَاكُلُّ شَيْءٍ، وَبِجَبَروتِكَالَّتِي غَلَبْتَ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ... إلی آخر الدعاء [26]. 7 ـ نقل في تفسير «الميزان»، عن تفسير «البرهان»، عن سعدبن عبدالله، بسنده عن أبي بصير، قال: كنتُ مع أبي عبد الله علیه السلام فذكر شيئاً من أمر الإمام إذا وُلد فقال: استوجب زيادة الروح في ليلة القدر. فقلتُ: جُعلتُ فداك أليس الروح هو جبرئيل؟ فقال: جبرئيل من الملائكة والروح أعظم من الملائكة. أليس انّ الله عزّ وجلّ يقول: تَنَزَّلُ الْمَلَائكَةُ وَالرُّوحُ؟ [27] و[28] تأثير الروح والملائكة والاسماء الإلهيّة في عالم الإمكان8 ـ وجاء في «الغُرر والدُرر» للآمديّ أنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن العالم العلويّ، أي عالم المجرّدات الذي يسبق في المرتبة عالم الاجسام، فَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ: صُوَرٌ عَارِيَةٌ عَنِ الْمَوَادِّ، عَالِيَةٌ عَنِ الْقُوَّةِ وَالاسْتِعْدَادِ، تَجَلَّي لَهَا فَأَشْرَقَتْ، وَطَالَعَهَا فَتَلاَلاَتْ، وَأَلْقَي فِي هُويَّتِهَا مِثَالَهُ، فَأظْهَرَ عَنْهَا أَفْعَالَهُ. وَخَلَقَ الإنسان ذَا نَفْسٍ نَاطِقَةٍ إنْ زَكَّاهَا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فَقَدْ شَابَهَتْ جَوَاهِرَ أَوَائِلِ عِلَلِهَا؛ وَإِذَا اعْتَدَلَ مِزَاجُهَا وَفَارَقَتِ الاْضْدَادَ فَقَدْ شَارَكَ بِهَا السَّبْعَ الشِّدَادَ.[29] وقد ذكر المجلسيّ رحمة الله علیه هذا الحديث الشريف المعدود من دُرر وغُرر كلمات أمير المؤمنين، والحاوي لنكاتٍ عميقة وجهات رشيقة عند الاعلام وأرباب فنّ الفلسفة والعرفان، وذلك فيالمجلّد التاسع من «بحار الانوار» الخاصّ بأحوال أمير المؤمنين علیه السلام، نقلاً عن دُرر الآمديّ، [30] حيث أورده شاهداً علی أنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان أرجح من جميع الفلاسفة. ولذلك فقد أعقبه ـ تأييداً للمطلب ـ بكلام أبي علیّبن سينا، حيث قال: لَمْ يَكُنْ شُجَاعاً فَيْلَسُوفاً قَطُّ إِلاَّ علیٌّ علیهِ السَّلاَمُ. وأورده كذلك الحكيم السبزواريّ قدّس سرّه في «شرح المنظومة» في غرر «في إِثباتِ أَنَّ أوّلَ ما صَدَرَ هو العقل» في بحث الإلهيّات بالمعني الاخصّ.[31] بَيدَ أنّ آقا جمال الخونساريّ قال في شرح هذا الحديث: وهذا الكلام يمكن أن يكون مؤيّداً لعدّة أُصول من أُصول الحكماء، غاية الامر أنّ نسبته له صلوات الله وسلامه علیه لم تثبت بعدُ، بل إنّ الفقير يظنّ أنـّه كان كلام أحد الحكماء فنسبه البعضُ إليه علیه السلام لترويج ذلك، والله تعالي يعلم.[32] هذا وقد قال الحقير يوماً في محضر أُستاذنا الجليل العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه: لقد شكّك آقا جمال الخونساريّ في أمر هذا الحديث. فقال: مَن ـ يا تري ـ غير أمير المؤمنين علیه السلام يمكنه أن يقول كلاماً كهذا؟ أأبو حنيفة؟ أم الحسن البصريّ؟ إنّنا لا نعلم أبداً أحداً في التأريخ حتّي القرن الرابع له معرفة بهذه المعاني، أو يمكنه قول عبارة كهذه غير أمير المؤمنين علیه السلام. انتهي نصّ كلامه. النفس الكلّيّة الإلهيّة في حديث كميل وحديث الاعرابيّ9 ـ حديث الاعرابيّ الذي سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن النفس فَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ: أَيَّ الاْنْفُسِ تَسْأَلُ؟ فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ هَلِ الاْنْفُسُ عَدِيدَةٌ؟ فَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ: نَفْسٌ نَامِيَةٌ نَبَاتِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ حَيْوَانِيَّةٌ وَنَاطِقَةٌ قُدْسِيَّةٌ وَإِلهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ مَلَكُوتِيَّةٌ. ثمّ إنّ الاعرابيّ سأل عن كلّ من الانفس النامية النباتيّة، الحسيّة الحيوانيّة، والناطقة القدسيّة، فكان علیه السلام يجيبه[33]. حتّي إذا ما سأله عن الإلهيّة الكلّيّة الملكوتيّة أجابه علیه السلام بهذه الكيفيّة: فَقَالَ: مَاالنَّفْسُ الإلهِيَّةُ الْمَلَكُوتِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ؟ فَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ: قُوَّةٌ لاَهُوتِيَّةٌ وَجُوْهَرَةٌ بَسِيطَةٌ حَيَّةٌ بِالذَّاتِ، أَصْلُهَا الْعَقْلُ مِنْهُ بَدَتْ وَعَنْهُ دَعَتْ وَإِلَيْةِ دَلَّتْ؛ وَعَوْدَهَا إلَيْهِ إِذَا أَكْمَلَتْ وَشَابَهَتْ وَمِنْهَا بَدَتِ الْمَوْجُودَاتُ وَإِلَيْهَا تَعُودُ بِالْكَمَالِ. وَهِيَ ذَاتُ الْعلیا وَشَجَرَةُ طُوبَي وَسِدْرَةُ الْمُنْتَهَي وَجَنَّةُ الْمَأْوَي؛ مَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَشْقَ أَبَدَاً وَمَنْ جَهِلَهَا ضَلَّ وَغَوَي. فَقَالَ السَّائِلُ: مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: جَوْهَرٌ دَرَّاكٌ مُحِيطٌ بِالاْشْيَاءِ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا عَارِفٌ بِالشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ؛ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَوْجُودَاتِ وَنَهَايَةُ الْمَطَالِبِ.[34] 10 ـ حديث كميل بن زياد النخعيّ الذي سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن معرفة النفس: قَالَ كُمَيْلُ: سَأَلْتُ مَوْلاَنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیاً علیهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ تُعَرِّفَنِي بِنَفْسِي! قَالَ: علیهِ السَّلاَمُ: يَا كُمَيْلُ إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةٌ: النَّامِيَةُ النَّبَاتِيَّةُ، وَالْحِسِّيَّةُ الْحَيْوَانِيَةُ، وَالنَّاطِقَةُ الْقُدسِيَّةُ، وَالْكُلِّيَّةُ الإلَهِيَّةُ. ثمّ يبيّن أمير المؤمنين علیه السلام كلاّ من القوي الخمس لهذه النفوس وخاصيّتها [35]، حتّي يصل إلی النفس الكلّيّة الإلهيّة فيقول: وَالْكُلِّيَّةُ الإلَهِيَّةُ وَلَهَا خَمْسُ قُويً: بَقَاءٌ فِي فَنَاءٍ، وَنَعِيمٌ فِي شَقَاءٍ وَعِزُّ فِي ذُلٍّ، وَغِنيً فِي فَقْرٍ، وَصَبْرٌ فِي بَلاَءٍ. وَلَهَا خَاصِّيتَّانِ: الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ. وَهَذِهِ الَّتِي مَبْدَؤهَا مِنَ اللَهِ وَإِلَيْهِ تَعُودُ؛ قَالَ اللَهُ تَعَالَي: «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي»؛ وَقَالَ تَعَالَي: «يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَنءِنَّةُ* ارْجِعِي´ إِلَي' رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً»، وَالْعَقْلُ وَسَطُ الكُلِّ [36]. أي أنّ قوام هذه النفوس بالعقل؛ يرتبط به وجودها كما ترتبط الدائرة بمحورها الذي تدور علیه. تأثير النفوس القدسيّة المجرّدة في عالم الإمكان في دعاء شهر رجب11 ـ يقول الشيخ الطوسيّ رضوان الله علیه في «مصباح المتهجّد»: أخبرني جماعة عن ابن عيّاش، قال: حدّثني خير بن عبد الله أنـّه خرج هذا التوقيع الشريف من الناحية المقدّسة علی يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد رضي الله عنه: ادعُ في كلّ يوم من أيّام رجب: اَللَهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاَةُ أَمْرِكَ الْمَأمُونُونَ علی سَرِّكَ، الْمُسْتَبْشِرُونَ بِأَمْرِكَ، الْوَاصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ، الْمُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ. ثمّ يقول: أَسْأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ فَجَعَلْتَهُمْ مِعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ وَأَرْكَاناً لِتَوْحِيدِكَ وَآيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتِي لاَ تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ يَعْرِفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إِلاَّ أَنَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ فَتْقُهَا وَرَتْقُهَا بِيَدِكَ بَدْؤُهَا مِنْكَ وَعَوْدُهَا إِلَيْكَ. [37] و [38] ثمّ يقول بعد عدّة فقرات: بِاسْمِكَ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْجَلِّ الاْكْرَمِ الَّذِي وَضَعْتَهُ علی النَّهَارِ فَأَضَاءَ وَعلی اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ. والخلاصة فقد أورد العلماء الاعلام، من أمثال السيّد ابن طاووس والكفعميّ وغيرهما في كتبهم هذا الدعاء الشريف الحاوي لمطالب قيّمة وأُصول عرفانيّة، والدالّ علی تأثير النفوس القدسيّة المجرّدة في عالم الإمكان. [2] ـ أثبت هذا المعني صدر المتألـّهين قدّس الله سرّه، وقد وُضعت قواعده بلحاظ الحركة الجوهريّة التي هي أمر مُبرهن علیه، كما أنّ الآيات والروايات تشير إلی هذا المعني بدقّة ولطافة ملحوظة. فالقرآن الكريم يقول في شأن الإنسان: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءنسَـ'نَ مِن سُلَـ'لَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَـ'هُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلْقَنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـ'مًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـ'مَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَـ'هُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَهُ أَحْسَنُ الْخَـ'لِقِينَ (الآيات 12 ـ 14، من السورة 23: المؤمنون). مُبيّناً في هذه الآيات سير تكامل الإنسان وترقّيه من المراحل الاوّليّة علی نحو التغيّر والتبدّل، فقد خلقنا الإنسان أوّلاً من سُلالة من الطين والتراب، ثمّ جعلنا ذلك الجوهر مستقرّاً علی هيئة نُطفة في محلّ مكين هو رحم الاُمّ، ثمّ جعلنا النطفة علقة، ثمّ جعلنا العلقة مُضغة. فهو يقول أوّلاً إنّ المبدأ الاوّل للإنسان من جوهر الطين، ويبيّن ثانياً مراتب تغيّره ï ïوتبدّله التكامليّ فيقول إنّ النطفة فقدت هيئتها فصارت علقة، ثمّ فقدت العلقة هيئتها فصارت مُضغة، ثمّ فقدت المضغة هيئتها فصارت عظاماً. ويصل ثالثاً إلی نفخ الروح فيقول (ثُمَّ أَنشَأْنـ'هُ) أي أنـّنا خلقنا ـ من ثمّ ـ ذلك العظام المكسوّ باللحم خلقاً آخر، أي أخرجناه فيالتجرّد الإنسانيّ وجعلناه موجوداً حيّاً شاعراً وعالماً صاحب نفس ناطقة؛ وحقّاً فإنّ من المناسب أن يمدح نفسه هنا ويمجّدها فيقول تَبَارَكَ اللَهُ أَحْسَنُ الْخَـ'لِقِينَ. وما أبدع وصف العارف الروميّ جلال الدين في المثنوي حين يقول: از جمادي مُردم و نامي شدم و ز نَما مُردم بحيوان سر زدم مُردم از حيواني و آدم شدم پس چه ترسم كي ز مردن كم شدم حملة ديگر بميرم از بشر تا بر آرم از ملايك بال و پر و ز مَلَك هم بايدم جستن ز جو كُلُّ شيءٍ هالك اِلاّ وَجْهَهُ بار ديگر از مَلَك قربان شوم آنچه اندر وَهْم نايد آن شوم پس عدم گردد عدم چون ارغنون گويدم كَانّا إلَيهِ رَاجعون (المجلّد الثالث للمثوني، طبع ميرخاني، ص 99 وفي الترقيم العامّ للكتاب ص 300 ) يقول: مُتُّ من جمادٍ ونَمَوتُ، ثمّ مُتّ من النماء فطلعتُ حيواناً ثمّ متّ من الحيوان فصرت آدميّاً، فما بالي أخاف متي يخطفني الموت؟ إنْ هي إلاّ هجمة أُخري أموت بها من البشر، لاحصل من الملائكة علی ريش وجناح! وعلی ـ من ثمّ ـ أن أقفز من المَلَك، فكلّ شيء هالك إلاّ وجهه. علیّ أن أصبح قرباناً من مرتبة المَلَك، لاصبح ما لايرقي إليه الوهم والخيال. فلاكن عدماً إذَن، عدماًكالارغن، قائلاً: إنّا إليه راجعون! [3] ـ أورد ابن الاثير الجزريّ في «النهاية» ج 1، ص 230 مادّة (ثلم): (نَهي عن الشرب من ثلمة القدح) أي موضع الكسر فيه، وإنّما نهي عنه لانـّه لا يتماسك علیها فم الشارب، وربّما انصبّ الماء علی ثوبه وبدنه. وقيل: لانّ موضعها لا يناله التنظيف التامّ إذا غُسل الاءناء. وقد جاء في لفظ الحديث أنـّه «مقعد للشيطان»، ولعلّه أراد به عدم النظافة. [4] ـ الآيات 1 ـ 5، من السورة 79: النازعات. [5] ـ هذا التفسير هو محصّل البيان القرآنيّ للعلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظله في تفسير هذه الآيات ( «تفسير الميزان» ج 20، ص 282 ). ووفقاً لهذا البيان فإنّ هذه الاقسام الخمسة من القسم قسم بصفات خمس من صفات الملائكة التي تتحرّك من محلّها وموقفها حين تدبير أُمور العالم، والتي تتوجّه لاءنجاز ما يُعهد إليها من الاُمور، لا أن يكون قسماً بأنواع خمسة من أصناف الملائكة. [6] ـ الآيتان 26 و 27، من السورة 21: الانبياء. [7] ـ الآية 97، من السورة 2: البقرة. [8] ـ الآية 102، من السورة 16: النحل. [9] ـ الآيتان 193 و 194، من السورة 26: الشعراء. [10] ـ الآية 43، من السورة 33: الاحزاب. [11] ـ الآية 30، من السورة 41: فصّلت. [12] ـ الخطاب للنبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله؛ يذكر كلامـه مع المؤمنين في غزوة بدر. [13] ـ الآيتان 124 و 125، من السورة 3: آل عمران. [14] ـ الآية 5، من السورة 42: الشوري. [15] ـ الآية 11، من السورة 32: السجدة. [16] ـ الآية 32، من السورة 16: النحل. [17] ـ الآية 27، من السورة 47: محمّد. [18] ـ الآيتان 16 و 17، من السورة 69: الحاقّة. [19] ـ الآية 6، من السورة 66: التحريم. [20] ـ «المنظومة» للسبزواريّ، طبع ناصري، ص 193 و 194. [21] ـ «بحار الانوار» الطبعة الكمباني، المجلّد الاوّل، باب حقيقة العقل وبدو خلقه، ص 33. [22] ـ «بحار الانوار» الطبعة الكمباني، المجلّد الاوّل، باب حقيقة العقل وبدو خلقه، ص 34. [23] ـ السِمات، بكسر السين جمع السِمة وهي العلامة. وقد سمّي هذا الدعاء بهذا الاسم لاشتماله علی علامات كثيرة من الآيات الاءلهيّة والظهورات السبحانيّة ذُكرت فيه. ويدعي كذلك بدعاء الشَبّور علی وزن التنّور، وهو من البوق. وحسبما ذكر الكفعميّ في حاشية «البلد الامين» ضمن رواية عن الإمام الصادق علیه السلام، فإنّ يوشع بن نون وصيّ موسي علیه السلام حين حارب العمالقة وكان يحذرهم، فقد أمر بني إسرائيل أن يأخذ كلاّ منهم بيده قرناً من قرون الضأن فيقرأوا هذا الدعاء، فقرأوه فهلك جميع العمالقة كأنـّهم أعجاز نخلٍ خاوية. لذا يدعي بدعاء الشَبّور. [24] ـ روي الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 292، عن العمرويّ؛ وروي عنه الكفعميّ في «المصباح» ص 423؛ وروي في كتاب «البلد الامين» ص 89 عن أبي عمر والعمرويّ. ونقل علیّ بن طاووس في «جمال الاُسبوع» ص 533 بثلاثة طرق، الاوّل عن ï ïالحسين بن محمّد بن هارون بن موسي التلعكبريّ، قال: كتبتُ هذا الدعاء من كتاب أعطانيه الشيخ الفاضل أبو الحسن الخلف بن محمّد بن الخلف الماورديّ في سرّ من رأي في محضر مولانا أبي الحسن علیّ بن محمّد وأبي محمّد الحسن صلوات الله علیهما في شهر رمضان لسنة أربعمائة. وكان مكتوباً في ذلك الكتاب أنّ كتابة هذا الدعاء بهذا الطريق: حدّثنا أبي علیّبن عبد الله في بغداد، حدّثنا محمّد بن علیّ بن الحسن بن يحيي، عن حضوره في مجلس محمّد بن عثمان بن سعيد العمرويّ الاسديّ المنتجيّ رحمه الله. الثاني: محمّد بن علیّ بن الحسن بن يحيي، حدّثنا أبي عمر ومحمّد بن سعيد العمرويّ، حدّثنا محمّد بن أسلم، حدّثنا محمّد بن سنان، حدّثنا المفضل بن عمر الجعفيّ أنـّه روي هذا الدعاء عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام. وقال في هذه الرواية أنـّه يستحبّ قراءته آخر يوم الجمعة. الثالث: عن جدّه أبي جعفر الطوسيّ رضوان الله علیه، رواه عن العمرويّ وقال: يستحبّ قراءة هذا الدعاء في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة. [25] ـ أورد هذا الدعاء في «الاءقبال» ص 325 فما بعد. [26] ـ «مصباح المتهجّد» أعمال ليلة النصف من شعبان، ص 587؛ و «الاءقبال»، ص 706، ويقول ورأيتُ في رواية أُخري أنـّه يقرأ أيضاً ليالي الجمعة. [27] ـ الآية 4، من السورة 97: القدر. [28] ـ «الميزان» ج 20، ص 475. وقد أورد العلاّمة الطباطبائيّ في نفس المجلّد من التفسير، في تفسير سورة النبأ ( ص 272 ) بياناً عن معني الروح في القرآن الكريم. [29] ـ «شرح الغُرر والدُرر» آقا جمال الدين الخونساريّ، المجلّد الرابع، ص 218 ـ 220. [30] ـ «بحار الانوار» الطبعة الكمباني، المجلّد التاسع، ص 464. [31] ـ «شرح المنظومة» ناصري، ص 180. [32] ـ «شرح الغرر والدرر للآمديّ» المجلّد الرابع، ص 221. [33] ـ قال: يَا مَوْلايَ مَا النَّامِيةُ النَّباتيَّةُ؟ قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: قُوَّةٌ أَصْلُهَا الطَّبايِعُ الاْربَعُ، بَدْوُ إِيجَادِهَا عِندَ مَسْقَطِ النُّطْفَةِ، مَقَرُّهَا الْكَبِدُ، مَادَّتُهَا مِنْ لَطَائِفِ الاْغْذِيَةِ، فِعْلُهَا النُموُّ والزِّيَادَةُ، سَبَبُ افْتِراقِهَا اخْتِلاَفُ الْمُتَولِّدات؛ فَإذَا فَارَقَتْ عَادَتْ إلی مَا مِنْهُ بَدَتْ، عَوْدَ مُمَازَجةٍ لاَعَوْدَ مُجَاوَرَةٍ. فَقالَ: يَا مَوْلاَي مَا النَّفْسُ الْحَيْوَانِيَّةُ؟ قَالَ علیه السَّلاَمُ: قُوَّةٌ فَلَكِيَّةٌ وَحَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ ï ïأَصْلُهَا الاْفْلاَكُ. بَدْوُ إِيجَادِهَا عِنْدَ الْوِلاَدَةِ الجِسْمَانِيَّةِ، فِعْلُهَا الْقُوَّةُ والْحَرَكَةُ وَالظُّلْمُ وَالغَلَبَةُ وَاكْتِسَابُ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَويّةِ، مَقَرُّهَا الْقَلْبُ. سَبَبُ افْتِرَاقِهَا اخْتِلاَفُ المُتولّداتِ، فَإذَا فَارَقَتْ عَادَتْ إلی مَا مِنْهُ بَدَتْ عَوْدَ مُمَازَجَةٍ لاَ عَوْدَ مُجَاوَرَةٍ فَتَنْعَدِم صُورَتُهَا وَيَبْطُلُ فِعْلُهَا وَوُجُودُهَا وَيَضْمَحِلُّ تَركيبُهَا. فقال: ما النَّفْسُ النَّاطِقَةُ القُدْسِيَّةُ؟ قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: قُوَّةٌ لاَهُوتِيَّةٌ بَدْوُ إِيجَادِهَا عِنْدَ الوِلاَدَةِ الدُّنْيويَّةِ، مَقَرُّهَا الْعُلُومُ الْحَقِيقيّةُ، مَوَادُّهَا التَّأْيِيدَاتُ الْعَقْلِيّةُ، فِعْلُهَا الْمَعَارِفُ الربّانِيَّةُ سَبَبُ فِرَاقِهَا تَحلُّلُ الآلاتِ الجِسْمَانِيَّةِ؛ فَإذَا فَارَقَتْ عَادَتْ إلی مَا مِنْهُ بَدَتْ، عَوْدَ مُجَاوَرَةٍ لاَعَوْدَ مُجَاوَزَةٍ. [34] ـ «شرح دعاء الصباح» للسبزواريّ قدّس سرّه، ص 45 و 46. [35] ـ وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ خَمْسُ قُويً وَخَاصِّيَّتَانِ؛ فَالنَّاميةُ النَّبَاتِيَّةُ لَهَا خَمْسُ قُويً: جَاذبةٌ وَمَاسِكَةٌ وَهَاضِمَةٌ وَدَافِعَةٌ وَمُربّيّةٌ، وَلَهَا خَاصّيتّان: الزّيادةُ وَالنُّقْصَانُ وَانْبِعَاثُهَا من الكَبِدِ؛ والحِسِّيَّةُ الحَيوانيَّةُ لَهَا خُمسُ قُويً: سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَشَمُّ وَذَوْقٌ وَلَمْسٌ، وَلَهَا خَاصّيّتانِ: الشَّهْوَةُ وَالغَضَبُ، وَانبعاثُها منَ الْقَلْبِ؛ وَالنَّاطِقَةُ الْقُدْسِيَّةُ لَهَا خُمْسُ قَويً: فِكْرٌ وَذِكْرٌ وَعِلْمٌ وَحِلْمٌ وَنَبَاهَةٌ وَلَيْس لَها انْبعاثٌ، وَهِي أَشْبَهُ الاَشياءِ بالنُفوسِ الْملكيّةِ، وَلَهَا خاصّيتان: النَّزَاهَةُ وَالْحِكْمَةُ. [36] ـ «شرح دعاء الصباح» للحكيم السبزواريّ قدّس سرّه، ص 44 و 45. [37] ـ أعضادٌ وَأشهادٌ ومُنَاةٌ وَأذوادٌ وحفظةٌ وروّادٌ فبهم ملاتَ سماءكَ وأرضك حتّي ظهر أن لا إلَه إلاّ أنت. [38] ـ «مصباح المتهجّد» ص 559. |
|
|