بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الثالث / القسم الخامس: وساطة الملائکة فی التدبیر، آداب التکفین و الغسل و الدفن، اسباب ضغطة القبر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

دلالة‌ «إرادة‌ الربّ في‌ مقادير أُموره‌ تهبط‌ إليكم‌» علی‌ الولاية‌ التكوينيّة‌

 12 ـ روي‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ رحمه‌ الله‌ عن‌ عدّة‌ من‌ أصحابنا، عن‌ أحمد بن‌ محمّد، عن‌ القاسم‌ بن‌ يحيي‌، عن‌ جدّه‌ حسن‌بن‌ راشد، عن‌ الحسين‌ بن‌ ثوير، قال‌: كنتُ أنا ويونس‌ بن‌ ظبيان‌ والمفضّل‌بن‌ عمر وأبو سلمة‌ السرّاج‌ جلوساً عند أبي‌ عبد الله‌ ] علیه‌ السلام‌ [، وكان‌ المتكلّم‌ يونس‌ وكان‌ أكبر منّا سنّاً. إلی أن‌ يصل‌ إلی قوله‌:

 قلتُ: جُعلت‌ فداك‌، إنِّي‌ أُريد أن‌ أزوره‌ فكيف‌ أقول‌ وكيف‌ أصنع‌؟

 قَال‌: إذا أتيت‌ أبا عبد الله‌ علیه‌ السلام‌ فاغتسل‌ علی‌ شاطي‌ الفُرات‌ ثمّ البس‌ ثيابك‌ الطاهرة‌ ثمّ امش‌ حافياً، فإنّك‌ في‌ حرم‌ من‌ الله‌ وحرم‌ رسوله‌ وعلیك‌ بالتكبير والتهليل‌ والتسبيح‌ والتحميد والتعظيم‌ لله‌ عزّ وجلّ كثيراً والصلاة‌ علی‌ محمّد وأهل‌ بيته‌،... ثمّ يذكر ليونس‌ زيارةً من‌ جملة‌ فقراتها:

 وَبِكُمْ تُنْبِتُ الاْرْضُ أَشْجَارَهَا وَبِكُمْ تُخْرِجُ الاْشْجَارُ أَثْمَارَهَا وَبِكُمْ تُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وَرِزْقَهَا وَبِكُمْ يَكْشِفُ اللَهُ الْكَرْبَ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ اللَهُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ تَسِيخُ [1] الاْرْضُ الَّتِي‌ تَحْمِلُ أَبْدَانَكُمْ وَتَسْتَقِرُّ جِبَالُهَا عَنْ مَرَاسِيهَا.

 إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي‌ مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَالصَّادِرُ عَمَّا فُضِّلَ [2] مِنْ أَحْكَامِ الْعِبَادِ.

 ومن‌ الجليّ في‌ هذه‌ الفقرات‌ أنّ المراد بتأثير النفوس‌ القدسيّة‌ لائمّة‌ الدين‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌ في‌ الكائنات‌، يعني‌ كونها واسطة‌ فيض‌ الرحمة‌ الإلهيّة‌، وأنّ نفوسهم‌ مرآة‌ ونافذة‌ لتلقّي‌ الرحمة‌ من‌ مقام‌ العزّ الإلهيّ وبثّها ونشرها في‌ عالم‌ الإمكان‌.

 أمّا احتمال‌ أنّ المراد بذلك‌ أنّ الارض‌ والسماء ستُملآن‌ بالبركة‌ والخير ببركة‌ تبليغهم‌ وترويجهم‌ للاُمور الدينيّة‌ والاحكام‌ التشريعيّة‌ الإلهيّة‌ فمخالف‌ للظاهر، وهو معني‌ مجازي‌ّ لا يمكن‌ قبوله‌ دون‌ نصب‌ قرينة‌ علیه‌. علی‌ أنّ بعض‌ الفقرات‌ التي‌ تسبق‌ هذه‌ الفقرات‌ صريحة‌ في‌ تأثير شهادته‌ علیه‌ السلام‌ وسفك‌ دمه‌ المقدّس‌ في‌ الاُمور التكوينيّة‌؛ كهذه‌ الفقرات‌:

 أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي‌ الْخُلْدِ، وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ [3]، وَبَكَي‌ لَهُ جَمِيعُ الْخَلاَئِقُ، وَبَكَتْ لَهُ السَّـمَاوَاتُ السَّـبْعُ وَالاْرَضُونَ السَّـبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي‌ الْجَنَّـةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُـرَي‌ وَمَا لاَيُـرَي‌ [4].

 فكيف‌ يمكن‌ ـ مع‌ هذه‌ الصّراحة‌ في‌ هذه‌ الفقرات‌ في‌ عموميّة‌ تأثير دمه‌ علیه‌ السلام‌ في‌ جميع‌ المخلوقات‌ ـ أن‌ يُحمل‌ ذلك‌ علی‌ المعني‌ المجازي‌ّ؟!

 الرجوع الي الفهرس

الارواح‌ المقدّسة‌ لرسول‌ الله‌ والصدّيقة‌ وأئمّة‌ الهدي‌ من‌ عالم‌ النور والتجرّد

 13 ـ نقل‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ «بحار الانوار» عن‌ كتاب‌ «المختصر» تأليف‌ الشيخ‌ حسن‌ بن‌ سليمان‌ من‌ تلامذة‌ الشهيد الثاني‌ أنـّه‌ روي‌ أنـّه‌ وُجد بخطّ مولانا أبي‌ محمّد الحسن‌ العسكري‌ّ علیه‌ السلام‌:

 أَعُوذُ بِاللَهِ مِنْ قَوْمٍ حَذَفُوا مُحْكَمَاتِ الْكِتَابِ وَنَسُوا اللَهَ رَبَّ الاْرْبَابَ وَالنَّبِي‌َّ وَسَاقِي‌ الْكَوْثَرِ فِي‌ مَوَاقِفِ الْحِسَابِ وَلَظَي‌ وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَي‌ وَنَعِيمِ دَارِ الثَّوَابِ.

 فَنَحْنُ السِّنَامُ الاْعْظَمُ، وَفِينَا النُّبُوَّةُ وَالْوَلاَيَةُ وَالْكَرَمُ وَنَحْنُ مَنَارُ الْهُدَي‌ وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَي‌، وَالاْنْبِيَاءُ كَانُوا يَقْتَبِسُونَ مِنْ أَنْوَارِنَا وَيَقْتُفُونَ آثَارَنَا. وَسَيَظْهَرُ حُجَّةُ اللَهِ علی‌ الْخَلْقِ بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ لإظْهَارِ الْحَقِّ.

 وهذا بخطِّ الحَسَنِ بْنِ علی بْنِ مُحَمّدِ بْنِ علی بْنِ مُوسي‌ بْنِ جَعْفرِبْنِ مُحمّدِ بْنِ علی بْنِ الحُسينِ بْنِ علی أَميرِ المؤمنينَ.[5]

 كما رُوي‌ أنـّه‌ وُجد بخطّ الإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ علیه‌ السلام‌:

 قَدْ صَعَدْنَا ذُرَي‌ الْحَقَائِقِ بِأَقْدَامِ النُّبُوَّةِ وَالْوَلاَيَةِ، وَنَوَّرْنَا سَبْعَ طَبَقَاتِ أَعْلاَمِ الْفَتْوَي‌ بِالْهِدَايَةِ.

 فَنَحْنُ لُيُوثُ الْوَغَي‌ وَغُيُوثُ النَّدَي‌ وَطَعَّانُ الْعِدْي‌، وَفِينَا السَّيْفُ وَالْقَلَمُ فِي‌ الْعَاجِلِ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ وَالْحَوْضِ فِي‌ الآجِلِ.وَأَسْبَاطُنَا حُلَفَاءُ الدِّينِ، وَخُلَفَاءُ النَّبِيِّينَ وَمَصَابِيحُ الاْمَمِ وَمَفَاتِيحُ الْكَرَمِ. فَالكَلِيمُ أُلْبِسَ حُلَّةَ الاصْطِفَاءِ لِمَا عَهِدْنَا مِنْهُ الْوَفَاءَ، وَرُوحُ الْقُدُسِ فِي‌ جِنَانِ الصَّاغُورَةِ [6] ذَاقَ مِنْ حَدَائِقِنَا الْبَاكُورَةَ [7].

 14 ـ جاء في‌ زيارة‌ الصدّيقة‌ فاطمة‌ الزهراء سلام‌ الله‌ علیها:

 السَّلاَمُ علیكِ يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذِي‌ خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً.

 وفي‌ زيارة‌ أُخري‌ لها علیها السلام‌:

 السَّلاَمُ علیكِ يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذِي‌ خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ وَكُنْتِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً. [8]

 والمراد به‌ الامتحان‌ قبل‌ الخلقة‌ في‌ هذا العالم‌، ولهذا الدعاء دلالة‌ علی‌ عالم‌ الذرّ. أي‌ أنّ روحك‌ كانت‌ قد خُلقت‌ وامتُحنت‌ في‌ عالم‌ التجرّد قبل‌ نشوء هذا العالم‌.

 15 ـ الدعاء الذي‌ أورده‌ الشيخ‌ الكفعمي‌ّ في‌ كتاب‌ «البلد الامين‌» عن‌ ليلة‌ مبعث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 اللَهُمَّ إِنِّي‌ أَسْأَلُكَ بِالتَّجَلِّي‌ الاْعْظَمِ فِي‌ هَذِهِ الَّلَيْلَةِ مِنَ الشَّهْرِ الْمُعَظَّمِ. ثمّ يذكر فقرات‌ كثيرة‌ حتّي‌ يصل‌ إلی هذه‌ الجملة‌:

 وَبِاسْمِكَ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْجَلِّ الاْكْرَمِ الَّذِي‌ خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي‌ ظِلِّكَ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْكَ إلی غَيْرِكَ.

 والمراد من‌ هذا الاسم‌ الحجاب‌ الاقرب‌، والاوّل‌ الصادر، والاسم‌ الاعظم‌ الذي‌ يمثّل‌ نقطة‌ الوحدة‌ بين‌ الاحديّة‌ والواحديّة‌ الذي‌ خُلقت‌ بواسطته‌ جميع‌ الموجودات‌؛ وهو في‌ سلسلة‌ مراتب‌ عالم‌ الكثرة‌ بشكل‌ مخروط‌ رأسه‌ ـبلاتشبيه‌ـ نقطة‌ الذات‌ التي‌ لم‌ تزل‌ ولا تزال‌، وقاعدته‌ الكبيرة‌ عالم‌ الطبع‌ والمادّة‌ الهيولي‌، أمّا قواعده‌ الاُخري‌ فالعوالم‌ المختلفة‌ وموجوداتها علی‌ حسب‌ القُرب‌ والبُعد من‌ نقطة‌ الوحدة‌.

 وينبغي‌ العلم‌ أنّ الادلّة‌ التي‌ تُفصح‌ عن‌ تأثير الموجودات‌ المجرّدة‌ العالية‌ والنفوس‌ القدسيّة‌ والارواح‌ الملكوتيّة‌ في‌ هذا العالم‌، فهي‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌ والتي‌ تفوق‌ الحصر والعدّ. وقد ذكرنا هنا عدّة‌ روايات‌ كمثال‌ علی‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

الملائكة‌ هم‌ للوساطة‌ في‌ التدبير

 أمّا بلحاظ‌ المنطق‌ القرآني‌ّ، فإنّ هذا الكتاب‌ الإلهيّ يُسند الحوادث‌ الكونيّة‌ بشكل‌ قاطع‌ إلی الملائكة‌، ويعتبرهم‌ مؤثّرين‌ في‌ هذا العالم‌ وواسطة‌ في‌ التدبير بعنوان‌ حكم‌ عامّ وسُنّة‌ دائميّة‌. والآيات‌ التي‌ نوردها هنا تبيّن‌ هذه‌ الحقيقة‌ بجلاء، سواءً في‌ مقام‌ إرسال‌ الانبياء وبيان‌ الاحكام‌ ودفع‌ الشياطين‌ ومنع‌ تدخّلهم‌ تسديداً للوحي‌، وتأييد المؤمنين‌ وتطهيرهم‌ بالاستغفار، أو في‌ مقام‌ عودة‌ الإنسان‌ إلی الله‌ وظهور آيات‌ قبض‌ الروح‌ ومسائل‌ البرزخ‌ والقيامة‌ وسَدَنة‌ الجنّة‌ وحَفَظة‌ جهنّم‌ وسائر ملائكة‌ الشفاعة‌ والحضور والعرض‌، ولجميع‌ الوقائع‌ التي‌ تقع‌ في‌ ذلك‌ العالم‌؛ وسواءً في‌ مقام‌ وساطتهم‌ في‌ تدبير أُمور هذا العالم‌ من‌ المرض‌ والصحّة‌ والتوفيق‌ والسعادة‌، والليل‌ والنهار، والفصول‌ الاربعة‌، والتغيّرات‌ الجويّة‌ والحوادث‌ الكونيّة‌ البريّة‌ والبحريّة‌ وهبوب‌ الرياح‌، والسحاب‌ المسخّر بين‌ السماء والارض‌، وتعيين‌ الآجال‌.

 وإذا ما تأمّل‌ شخص‌ ما في‌ آيات‌: وَالنَّـ'زِعَـ'تِ غَرْقاً [9]، وآية‌: جَاعِلِ الْمَلَا'ئكَةِ رُسُلاً أُولِي‌´ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَي‌' وَثُلَـ'ثَ وَرُبَـ'عَ. [10] وآية‌: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ* لاَ يَسْبِقُونَهُ و بِالْقَوْلِ وَهُم‌ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. [11] وآية‌: يَخَافُونَ رَبَّهُم‌ مِّن‌ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. [12]

 فإنّه‌ سيدرك‌ أنّ الله‌ قد خلق‌ الملائكة‌ لسُنّته‌ وفوّض‌ إليهم‌ وظائف‌ هذا العالم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الملائكة‌ هم‌ واسطة‌، والفعل‌ والصفة‌ منحصران‌ بالله‌ سبحانه‌

 فالملائكة‌ ـ إذَن‌ ـ هم‌ واسطة‌ فقط‌ في‌ الفيض‌ والرحمة‌ الإلهيّة‌ بين‌ الله‌ وخلقه‌، وليس‌ من‌ قبيل‌ المصادفة‌ أن‌ يكونوا أحياناً واسطةً وأن‌ تحصل‌ أُمور الخلق‌ أحياناً أُخري‌ دونما واسطة‌، إذ إنّ الله‌ قد جعلهم‌ لهذا الغرض‌ جَاعِلِ الْمَلَا'ئكَةِ رُسُلاً، وهذه‌ هي‌ وظيفتهم‌ وحدود مهمّتهم‌، وليس‌ في‌ السنّة‌ الإلهيّة‌ تغيير أو تحويل‌:

 فَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَبْدِيلاً وَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَحْوِيلاً. [13]

 وكذلك‌:

 إِنَّ رَبِّي‌ علی‌' صِرَ ' طٍ مُّسْتَقِيمٍ. [14]

 إنّ ربّي‌ يدبّر أُمور الخلق‌ ويفيضها وفق‌ منهاج‌ مستقيم‌ وصراط‌ لاأَمَت‌ فيه‌ ولا انحراف‌.

 يقول‌: وهذا الصراط‌ مستقيم‌، أي‌ أنـّه‌ ثابت‌ ودائم‌ لا تطرأ علی‌ عموميّته‌ وشموله‌ ثلمة‌ ولا يُشاهد فيه‌ خلل‌ أو نقص‌.

 ولا منافاة‌ بين‌ هذه‌ الآيات‌ التي‌ تعدّ الملائكة‌ واسطة‌ في‌ الفيض‌ الإلهيّ علی‌ أساس‌ الآية‌ المباركة‌:

 وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ. [15]

 والآية‌ المباركة‌:

 مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. [16]

 أي‌ أنّ جبرئيل‌، وهو الامين‌ علی‌ الوحي‌ الإلهيّ، في‌ المقام‌ المقدّس‌ الذي‌ يُطيعه‌ فيه‌ الملائكة‌.

 والآية‌ المباركة‌:

 حَتَّي‌'´ إِذَا فُزِّعَ عَن‌ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ. [17]

 أي‌ حين‌ يُزال‌ الفزع‌ والخوف‌ عن‌ قلوب‌ الملائكة‌ يوم‌ القيامة‌، وحين‌ تحين‌ مهمّة‌ الشفاعة‌، فتسأل‌ بعضُ طوائف‌ الملائكة‌ بعضها الآخر: ماذا قال‌ ربّكم‌؟ قالوا الحقّ.

 وكذلك‌ علی‌ أساس‌ الروايات‌ المستفيضة‌، بل‌ المتواترة‌ التي‌ تذكر لهم‌ درجات‌ مختلفة‌ ومقامات‌ متباينة‌.

 وبين‌ آية‌: إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ و وَلَهُ و يَسْجُدُونَ. [18]

 وآية‌: وَمَنْ عِندَهُ و لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ. [19]

 لانّ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ المراد بعبادة‌ الملائكة‌ وتسبيحهم‌ وسجودهم‌ هو عين‌ وظيفتهم‌ المقرّرة‌ في‌ تدبير أُمور العالم‌ وإفاضة‌ الفيض‌ وامتثال‌ الاوامر الإلهيّة‌ المفوّضة‌ والموكلة‌ لهم‌.

 وعلی‌ هذا فإنّ كلّ ملك‌ من‌ الملائكة‌ منهمك‌ ومنشغل‌ بما عُهد إليه‌، فإنّ فعله‌ عين‌ عبادته‌ وتسبيحه‌، وعين‌ سجوده‌.

 وربّما أشار إلی هذا المعني‌ قوله‌ تعالي‌:

 وَلِلَهِ يَسْجُدُ مَا فِي‌ السَّمَـ'وَ'تِ ومَا فِي‌ الاْرْضِ مِن‌ دَآبَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ. [20]

كما ينبغي‌ العلم‌؛ بناءً علی‌ التحقيق‌ الذي‌ أجريناه‌ في‌ هذا المعني‌، وأثبتنا فيه‌ وساطة‌ الملائكة‌ في‌ القيام‌ بالاُمور التكوينيّة‌ والحوادث‌ في‌ هذا العالم‌ وبالاُمور والوقائع‌ بعد الموت‌؛ أنـّه‌ لم‌ يُلاحظ‌ هناك‌ أيّ جانب‌ للاستقلال‌ في‌ فعل‌ الملائكة‌، بل‌ كان‌ لهم‌ عنوان‌ الواسطة‌ فقط‌ لا غير. فالمَلَك‌ المقرّب‌ الذي‌ يأخذ من‌ الاسم‌ الاعظم‌ للربّ فيفيض‌ علی‌ المَلَك‌ الذي‌ دونه‌، ومنه‌ إلی المَلَك‌ الادني‌، وصولاً إلی الملائكة‌ الثانويّين‌ الذين‌ يتصدّون‌ بأنفسهم‌ مباشرة‌ ويراقبون‌ أُمور العالم‌. وأخيراً فإنّ جميع‌ الحول‌ والإرادة‌ والقدرة‌ والقوّة‌ والعلم‌ والحياة‌ مختصّ بذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌؛ أمّا عنوان‌ الواسطة‌ والآليّة‌ والمرآتيّة‌، فلا منافاة‌ له‌ أبداً مع‌ انحصار هذه‌ الاسماء والصفات‌ في‌ ذات‌ الحقّ تعالي‌.

 تَعَالَي‌ اللَهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيراً ـ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَهِ الْعلی الْعَظِيمِ.

 ولتقريب‌ الذهن‌ فإنّ مثال‌ القلم‌ واليد والكتابة‌ الذي‌ أورده‌ الحكماء والمتكلّمون‌ الاعلام‌ تشبيه‌ ومثال‌ جيّد، مع‌ أنّ أيّ مثال‌ وتشبيه‌ يقرّب‌ المطلب‌ من‌ جهة‌ ويبعّده‌ من‌ جهة‌ أو جهات‌ أُخري‌.

 يقولون‌: إنّ من‌ يمسك‌ القلم‌ بيده‌ فيكتب‌، يمكننا أن‌ ننسب‌ الكتابة‌ إلی القلم‌، كما يمكننا نسبتها لليد، أو للكاتب‌، إلاّ أنّ هذه‌ النسب‌ الثلاث‌ ليست‌ عرضيّة‌، أي‌ أنـّها ليست‌ في‌ عرض‌ بعضها، بل‌ هي‌ في‌ طول‌ بعضها. وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ نسبة‌ الكتابة‌ مختصّة‌ بالكاتب‌ إلاّ أنـّها تُنسب‌ إلی اليد والقلم‌ مجازاً وعَرَضاً، وهذا هو معني‌ الواسطة‌. وقد بحثنا هذه‌ المسألة‌ مفصّلاً وأوضحنا المطلب‌ بحمد الله‌ في‌ المجلس‌ السادس‌، وهو البحث‌ عن‌ قبض‌ الروح‌ من‌ قبل‌ الله‌ تعالي‌ وملك‌ الموت‌ وسائر الملائكة‌. وقد جعلنا هذا البحث‌ العامّ فيما يتعلّق‌ بارتباط‌ عالم‌ التجرّد والمعني‌ مع‌ عالم‌ المادّة‌ والطبع‌، لنستنتج‌ منه‌ كذلك‌ ارتباط‌ عالم‌ البرزخ‌ مع‌ القبر.

 الرجوع الي الفهرس

آداب‌ بدن‌ الميّت‌ باعتبار عدم‌ قطع‌ الروح‌ لعلاقتها به‌ تماماً

إنّ الإنسان‌ يرحل‌ عن‌ الدنيا وتتّخذ روحه‌ لنفسها شكلاً وصورة‌ في‌ القالب‌ المثالي‌ّ، لكنّها لا تقطع‌ علاقتها بالبدن‌ كلّيّاً، شأن‌ النوم‌ الذي‌ تقلّل‌ الروح‌ فيه‌ علاقتها بالبدن‌ فيبرد حال‌ النوم‌، إلاّ أنـّها لا تقطع‌ علاقتها به‌ تماماً، بل‌ تعود الروح‌ إلی البدن‌ فيسري‌ الدف‌ء فيه‌. أمّا عند الموت‌ فإنّ الروح‌ تقطع‌ تلك‌ العلاقة‌ بدرجة‌ أكبر، لذا يري‌ الإنسان‌ بدنه‌ وقت‌ خروج‌ النفس‌ ويسير خلفه‌ إلی القبر، ومن‌ هنا نري‌ بواسطة‌ هذه‌ العلاقة‌ الجزئيّة‌، أنّ قبور الائمّة‌ الاطهار علیهم‌ السلام‌ وقبور العلماء بالله‌ وأوليائه‌ هي‌ منشأ أثر ونزول‌ البركات‌ وقضاء الحاجات‌، وإلاّ فإنّ من‌ الجليّ أنّ المخاطب‌ بالسلام‌ والتحيّات‌ والصلوات‌ هو أرواحهم‌ البرزخيّة‌ لا الابدان‌ المقبورة‌.

 وعلی‌ هذا الميزان‌ فإنّ هناك‌ آداباً وسُنناً معيّنة‌ للبدن‌، فينبغي‌ أن‌ لايُلقي‌ البدن‌ في‌ المزبلة‌ أو يُترك‌ ملقي‌ في‌ الفلوات‌، إذ إنّ احترام‌ هذا البدن‌ احترام‌ للروح‌.

 وعلی‌ هذا الاساس‌ فقد جري‌ التعبير عن‌ عالم‌ البرزخ‌ بعالم‌ القبر، وإلاّ فإنّ عالم‌ البرزخ‌ أكبر من‌ الدنيا آلاف‌ المرّات‌ فضلاً عن‌ القبر، بَيدَ أنـّهم‌ عبّروا عنه‌ بعالم‌ القبر لنفس‌ هذا الارتباط‌ والعلاقة‌. كما عبّروا عن‌ الاسئلة‌ البرزخيّة‌ بالسؤال‌ في‌ عالم‌ القبر. وهكذا فإنّ المؤمن‌ المتوفّي‌ يجب‌ أن‌ يُحترم‌، كما أنّ بدنه‌ يجب‌ أن‌ يُحترم‌ هو الآخر.

 وفي‌ ضوء ذلك‌ فإنّه‌ يجب‌ مراعاة‌ أن‌ يكون‌ القبر بقدر بدن‌ المتوفّي‌، ليضجعوا الميّت‌ في‌ قبره‌ في‌ راحة‌، ثمّ إنّ علیهم‌ أن‌ يعمّقوا القبر بقدرٍ كاف‌ وأن‌ يجتنبوا في‌ الامكنة‌ التي‌ يحتضر فيها شخص‌ ما يمنع‌ نزول‌ الملائكة‌، فلايدخلها أحد جُنباً، وينبغي‌ أن‌ يُتلي‌ القرآن‌ هناك‌، وأن‌ تُمدّ أرجل‌ المحتضر تجاه‌ القبلة‌، وأن‌ يُقرأ عنده‌ دعاء العديلة‌ وسورتي‌ يس‌ والصافّات‌، وأن‌ لا يُوضع‌ علی‌ بطنه‌ حديد أو شي‌ء ثقيل‌، والافضل‌ أن‌ يكون‌ الواردون‌ علیه‌ علی‌ وضوء، لانّ ذلك‌ المكان‌ محلّ نزول‌ الملائكة‌ والارواح‌ المقدّسة‌ للمعصومين‌ علیهم‌ السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآداب‌ المستحبّة‌ للغسل‌ والتكفين‌ والدفن‌

 أمّا حين‌ يرحل‌ عن‌ الدنيا فإنّ علی‌ المؤمنين‌ الاجتماع‌ لتشييعه‌، وعلیهم‌ غسله‌ بماء السدر والكافور والماء الخالص‌ ثلاث‌ مرّات‌، ثمّ تكفينه‌ في‌ ثلاثة‌ أثواب‌ أو في‌ خمسة‌، وأن‌ يكتبوا علی‌ الكفن‌ دعاء الجوشن‌ الكبير وأسماء الله‌ تعالي‌، ويكتب‌ المؤمنون‌ شهاداتهم‌ علی‌ كفنه‌ أيضاً.

 ثمّ إنّ علیهم‌ إدخاله‌ إلی المقبرة‌ وحمله‌ إلی قبره‌ تدريجاً، فإن‌ كان‌ رجلاً سُلّ من‌ قِبَلِ رِجليه‌، أمّا إن‌ كان‌ امرأة‌ فإنّها تؤخذ بالعرض‌ من‌ قِبَلِ اللحد، ثمّ يكشف‌ عن‌ وجهه‌ في‌ القبر فيُوضع‌ خدّه‌ علی‌ التراب‌، لكأنـّه‌ يقول‌: يا إلهي‌ّ ها أنا أُعفّر في‌ التراب‌ ـ أمام‌ عظمتك‌ وجلالك‌ ـ خدّي‌ الذي‌ كان‌ مدعاة‌ لشرفي‌ وحيثيّتي‌.

 ثمّ إنّ علیهم‌ تلقينه‌ ووضع‌ جريدتين‌ تحت‌ إبطه‌، وأن‌ يرشّوا من‌ تربة‌ سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ في‌ أطراف‌ القبر الاربعة‌، وأن‌ يلبسوه‌ قلادة‌ وسواراً من‌ تلك‌ التربة‌، وأن‌ يضعوا علی‌ عينيه‌ شيئاً منها، وأن‌ يكتبوا علی‌ الجريدتين‌ الخضراوين‌ بالإصبع‌ الشهادة‌ بالتوحيد والرسالة‌ والولاية‌.

 وبالرغم‌ من‌ أنّ هذه‌ السُّنن‌ تجري‌ علی‌ بدنه‌ المقبور الملقي‌، إلاّ أنّ روحه‌ تسعد بذلك‌ وتسرّ، كما أنّ هذه‌ السُّنن‌ تمثّل‌ الاحترام‌ بالنسبة‌ إلی روحه‌، لانّ هذا البدن‌ كان‌ وسيلة‌ نفسه‌ عمراً، استخدمه‌ للوصول‌ إلی الكمال‌، لذا فإنّه‌ يصبح‌ مورداً للاحترام‌ والتقدير. فما أحسن‌ وأفضل‌ من‌ أن‌ يُغسل‌ الإنسان‌ ويكفّن‌ ويُدفن‌ وفق‌ الآداب‌ والسُنن‌ المستحبّة‌! وحقّاً لو علم‌ الإنسان‌ كيف‌ يُعامل‌ المؤمنون‌ جنازته‌ بمحبّة‌ وعطف‌ لاشتهي‌ الموت‌. ولقد رحل‌ بعض‌ أصدقائنا وإخواننا الإيمانيّين‌ والاخلاّء الروحانيّين‌ فاشتركتُ في‌ تجهيزهم‌، ورغبتُ في‌ الموت‌ واشتهيتُه‌ حقّاً.

 لقد كان‌ المؤمنون‌ سابقاً علی‌ هذه‌ الحال‌، وكانوا يدفنون‌ الجنازة‌ علی‌ هذه‌ الكيفيّة‌، فكان‌ الجيران‌ والاقارب‌ والارحام‌ والمعارف‌ والاصدقاء يأتون‌ إلی المنزل‌ فيعدّون‌ الماء الحارّ في‌ نفس‌ المنزل‌، ثمّ يشرعون‌ وسط‌ الصلوات‌ وقراءة‌ التعزية‌ والبكاء والدعاء والقرآن‌ بغسل‌ البدن‌ وتطهيره‌ وتطييبه‌، وفي‌ تحنيطه‌ بالكافور، ثمّ في‌ تكفينه‌ في‌ الكفن‌ الذي‌ جلبه‌ المتوفّي‌ من‌ مكّة‌ أو كربلاء وغَسَلَه‌ بماء زمزم‌ أو الفرات‌ وأخذه‌ للتبرّك‌ إلی الكعبة‌ أو حرم‌ المشاهد المقدّسة‌ فمسحه‌ بها، ثمّ زيّنه‌ بكتابة‌ أسماء الله‌ ووشّحه‌ وختمه‌ بشهادة‌ أربعين‌ مؤمناً علی‌ إيمانه‌. فأنعم‌ بحال‌ أفراد كأُولئكم‌ علی‌ تلك‌ النوايا الطاهرة‌ النزيهة‌ والعقائد الراسخة‌!

 أمّا الآن‌ فإنّ الشخص‌ المسكين‌ ذا السنين‌ التسعين‌ يخشي‌ أن‌ يُذكر عنده‌ الموت‌ أو الوصيّة‌. وها هو مصاب‌ بأمراض‌ عديدة‌، قد نزل‌ في‌ عينيه‌ ماء العمي‌، وصار مرض‌ السُّكّري‌ّ يهدّده‌ كلّ لحظة‌، إضافة‌ إلی أمراض‌ ضغط‌ الدم‌ والكلية‌ والاعصاب‌ وورم‌ غدد البروستات‌، والبواسير، وقد أُصيب‌ بالسكتة‌ القلبيّة‌، إلاّ أنّ قلبه‌ خواطره‌ ـ في‌ الوقت‌ نفسه‌ ـ لاتزال‌ متّجهة‌ صوب‌ الدنيا.

 ثمّ إنّهم‌ لم‌ يعودوا يحتملونه‌ في‌ المنزل‌، وها هو ولده‌ يصرخ‌ بهم‌: خذوا أبي‌ إلی المستشفي‌! فيحملونه‌ مغميً علیه‌ إلی المستشفي‌ فيتنقّل‌ بين‌ الايدي‌، يغرسون‌ فيه‌ أبر الدواء حتّي‌ يعجزون‌ عن‌ العثور علی‌ أوردته‌، فقد سُدّت‌ وأُغلقت‌. ثمّ يعمد المستشفي‌ والطبيب‌ المعالج‌ ـ من‌ أجل‌ إعداد قائمة‌ نفقات‌ مفصّلة‌ ـ إلی جرّ هذا البائس‌ المحتضر من‌ هذه‌ القاعة‌ إلی تلك‌ لإجراء التحليلات‌ ولاخذ الصور الشعاعيّة‌، ليموت‌ أخيراً ببدن‌ متنجّس‌ بالكحول‌، فلا من‌ أحد يوجّهه‌ صوب‌ القبلة‌، ولا مَن‌ يقرأ له‌ القرآن‌ والدعاء، ولا من‌ سلام‌ وصلوات‌.

 ثمّ إنّهم‌ ينقلونه‌ فوراً إلی ثلاّجة‌ المستشفي‌ ومنها إلی « جنّة‌ الزهراء[21] » فليس‌ من‌ أحد ليقول‌ «لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ». ثمّ يغسله‌ الغسّال‌ دون‌ أن‌ يعرف‌ أحدٌ ماذا كانت‌ نيّته‌ عند الغسل‌، وها هو ولده‌ المحترم‌ يتمشّي‌ وقد ألقي‌ علی‌ كتفه‌ جهاز التصوير الفوتوغرافي‌ (الكاميرا)، وها هم‌ أرحامه‌ وأقاربه‌ يخشون‌ دخول‌ المغسلة‌ ليرون‌ كيف‌ يغسل‌ الغسّال‌، فإن‌ دخلوها دخلوها جاهلين‌ لا يعلمون‌ شيئاً. والامر كذلك‌ بالنسبة‌ للنساء من‌ الارحام‌ والاقارب‌ اللاتي‌ يخشين‌ دخول‌ مغسلة‌ النساء. لذا يجلس‌ الرجال‌ تحت‌ ظلال‌ الاشجار والسقوف‌ يدخّنون‌ السجائر لا يكفّون‌ عن‌ السؤال‌: أتمّ الامر؟ أتمّ الامر؟ من‌ أجل‌ أن‌ يُسرعوا بتشغيل‌ السيارة‌ ويجلسوا خلف‌ مقودها فيغادروا المقبرة‌.

 عسي‌ أن‌ لا يقسم‌ الله‌ لاحد موتاً كهذا! ورحم‌ الله‌ واعظاً محترماً كان‌ في‌ قم‌ أيّام‌ دراستنا فيها، كان‌ رجلاً فاضلاً عالماً من‌ أهل‌ العلم‌ والمطالعة‌، وكان‌ هناك‌ رجل‌ في‌ قم‌ يغسل‌ الموتي‌ اسمه‌ (مشهدي‌ نوروز)، فارتقي‌ ذلك‌ الواعظ‌ المنبر في‌ مناسبة‌ ما فقال‌: إذا كان‌ مَن‌ سيغسل‌ الإنسان‌ (مشهدي‌ نوروز) فلا قدّر الله‌ للإنسان‌ أن‌ يموت‌ في‌ قم‌!

 الرجوع الي الفهرس

أسباب‌ ضغطة‌ القبر

 إنّ الروايات‌ التي‌ وردت‌ عن‌ عذاب‌ القبر وثواب‌ القبر عائدة‌ إلی هذا البدن‌ البرزخي‌ّ، حيث‌ عُّبر عنها بعذاب‌ القبر وثوابه‌ لمناسبة‌ ارتباط‌ عالم‌ برزخ‌ كلّ إنسان‌ بقبره‌.

 يروي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ «علل‌ الشرايع‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ زيدبن‌ علی‌ّ، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌، عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

 قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ يَكُونُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَالْبَوْلِ وَعَزْبِ [22] الرَّجُلِ عَنْ أَهْلِهِ.[23]

 ويروي‌ كذلك‌ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عن‌ أبيه‌ عن‌ آبائه‌ علیهم‌ السلام‌:

 قال‌: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ضَغْطَةُ الْقَبْرِ لِلْمُؤمِنِ كَفَّارَةٌ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ تِضْيِيعِ النِّعَمِ. [24]

 ويروي‌ الكليني‌ّ عن‌ عدّة‌ من‌ الاصحاب‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّدبن‌ خالد، عن‌ عثمان‌ بن‌ عيسي‌، عن‌ علی بن‌ أبي‌ حمزة‌، عن‌ أبي‌ بصير.

 قَالَ: قُلْتُ لاِبِي‌ عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ: أَيُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ أَحَدٌ؟

 قَالَ: فَقَالَ: نَعُوذُ بِاللَهِ مِنْهَا؛ مَا أَقَلَّ مِنْ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ!

 ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا قَتَلَهَا عُثْمَانُ وَقَفَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ علی‌ قَبْرِهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلی السَّماء فَدَمَعَتْ عَيْناهُ وقَالَ للنَّاسِ: إِنّي‌ ذَكَرْتُ هَذِهِ وَمَا لَقِيَتْ فَرقَقْتُ لَهَا واسْتَوْهَبْتُها مِن‌ ضَغْطَةِ القَبْرِ.

 قَالَ: فَقَالَ: اللَهُمَّ هَبْ لِي‌ رُقَيَّةَ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ، فَوَهَبَهَا اللَهُ لَهُ. ثُمّ قال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌:

 وإنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌. خرج‌ في‌ جنازة‌ سعد وقد شيّعه‌ سبعون‌ ألف‌ مَلَك‌، فرفع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ رأسه‌ إلی السماء ثمّ قال‌: مِثْلُ سَعْدٍ يُضَمُّ؟

 قال‌: قلتُ: جُعلت‌ فداك‌، إنّا نحدَّث‌ أنـّه‌ كان‌ يستخفُّ بالبول‌.

 فقال‌: مَعَاذَ اللَهِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ زَعَّارَةٍ [25] في‌ خُلُقِهِ علی‌ أَهْلِهِ.

 قال‌ ] الصادق‌ علیه‌ السلام‌ [: فقالت‌ أُمُّ سعد: هنيئاً لك‌ يا سعد!

 قال‌: فقال‌ لها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: يا أُمّ سعد لاتُحتّمي‌ علی‌ الله‌. [26]

 كما يروي‌ الكليني‌ّ بإسناده‌ عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ أحد الصادقين‌ علیهما السلام‌، قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَهِ: الْحَقِي‌ بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ عُثْمَانِ بْنِ مَظْعُونَ وَأَصْحَابِهِ؛ قَالَ: وَفَاطِمَةُ علی‌ شَفِيرِ الْقَبْرِ تَنحَدِرُ دُمُوعُهَا فِي‌ الْقَبْرِ وَرَسُولُ اللَهِ يَتَلَقَّاهُ بِثَوْبِهِ قَائِماً.

 قَالَ: إِنِّي‌ لاَعْرِفُ ضَعْفَهَا وَسَأَلْتُ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجِيرَهَا مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ. [27]

 ويروي‌ الكليني‌ّ أيضاً عن‌ علی بن‌ إبراهيم‌، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ يونس‌:

 قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَصْلُوبِ يُعَذَّبُ عَذَابَ الْقَبْرِ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ الْهَوَاءَ أَنْ يَضْغَطَهُ. [28]

 وفي‌ رواية‌ أُخري‌: سُئل‌ أبو عبد الله‌ عن‌ المصلوب‌ يصيبه‌ عذاب‌ القبر؟

 فقال‌: إنَّ رَبَّ الارضِ هو ربُّ الهواءِ، فيوحي‌ اللهُ عزَّ وجلَّ إلی الهواءِ فيضغطهُ ضغطةً أشدّ من‌ ضَغطة‌ القبرِ. [29]

 الرجوع الي الفهرس

استحباب‌ وضع‌ الجريدتين‌

 ويروي‌ الكليني‌ّ بإسناده‌ عن‌ زرارة‌، عن‌ أبي‌ جعفر ] الباقر [ علیه‌ السلام‌، قال‌: قلتُ له‌: أرأيت‌ الميّتَ إذا ماتَ، لم‌ تُجعل‌ معه‌ الجريدةُ؟

 (الجريدة‌ العود الاخضر الذي‌ يؤخذ من‌ النخل‌ أو من‌ غيره‌ بطول‌ ذراع‌ واحد ـ أي‌ ما يقرب‌ من‌ نصف‌ متر ـ فإذا أُريد تكفين‌ الميّت‌ وُضعت‌ الجريدة‌ معه‌ داخل‌ الكفن‌ تحت‌ إبطه‌).

 قال‌: تجافي‌ عنه‌ العذاب‌ والحساب‌، مادام‌ العود رطباً، وإنّما الحسابُ والعذابُ كلّه‌ في‌ يومٍ واحدٍ في‌ ساعةٍ واحدة‌، قدر ما يدخل‌ القبر ويرجع‌ الناسُ عنه‌، فإنّما جُعل‌ السعفتان‌ لذلك‌، ولا عذابَ ولا حسابَ بعد جفوفها إن‌ شاءَ اللهُ. [30]

 كما يروي‌ الكليني‌ّ بسند آخر عن‌ حريز وفضيل‌ وعبد الرحمن‌ قالوا: قيل‌ لابي‌ عبد الله‌ علیه‌ السلام‌: لاِيّ شي‌ءٍ يُوضعَ مع‌ الميّت‌ الجريدةُ؟

 قال‌: إنّه‌ يَتجافي‌ عنه‌ مادامت‌ رَطبةً. [31]

 وهذه‌ بأجمعها هي‌ شواهد لارتباط‌ البدن‌ المثالي‌ّ بالبدن‌ الملقي‌ في‌ القبر.

 الرجوع الي الفهرس

بقاء جنازة‌ الصدوق‌ غضّة‌ طريّة‌ في‌ القبر بعدما يقرب‌ من‌ ألف‌ سنة‌

 ومن‌ جملة‌ مسائل‌ الارتباط‌ عدم‌ بلي‌ بدن‌ الانبياء والائمّة‌ الطاهرين‌ وأولياء الله‌ وبعض‌ الاخيار والابرار في‌ القبر. وقد شوهد في‌ بعض‌ المقابر التي‌ تُحفر علی‌ شكل‌ سرداب‌ فيه‌ فتوضع‌ الجنائز بجوار بعضها، أنّ جنازة‌ بعض‌ العلماء بالله‌ كانت‌ غضّة‌ طريّة‌ بعد مرور نصف‌ قرن‌.

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ مقام‌ الروح‌ والنفس‌ غير مقام‌ البدن‌، إذ سواءً بليت‌ الجنازة‌ في‌ القبر أم‌ لم‌ تبلَ، فإنّ البدن‌ يمثّل‌ لباساً جري‌ خلعه‌، أمّا الروح‌ فمنعّمة‌ في‌ مقامها الشامخ‌ بالنعم‌ الإلهيّة‌. ولو فرض‌ أنّ البدن‌ قُطّع‌ إرباً إرباً أو أُحرق‌ فذرّي‌ في‌الهواء، أو صُلب‌ فظلّ مصلوباً سنوات‌ عديدة‌ فبلي‌ وعشعشعت‌ الحمامة‌ في‌ بطن‌ الميّت‌، كما فُعل‌ ببدن‌ فقيه‌ الإسلام‌ ومتكلّمه‌ القاضي‌ نورالله‌ الشوشتري‌ّ حين‌ قطّعوه‌ تحت‌ السياط‌ الشائكة‌ إرباً إرباً؛ وكما صلبوا بدن‌ الفقيه‌ الجليل‌ المسلم‌ الشهيد الاوّل‌ ثمّ أحرقوه‌ فذرّوه‌ في‌ الهواء، وكما صلبوا بدن‌ زيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ أربع‌ سنوات‌ علی‌ خشبة‌ الصلب‌. إلاّ أنـّه‌ ومع‌ تلك‌ الاوضاع‌ كلّها، فإنّ ثواب‌ ذلك‌ المتوفّي‌ لن‌ينقص‌ ذرّة‌، بل‌ إنّ من‌ الممكن‌ أن‌ تؤدّي‌ تلك‌ الوقائع‌ ـ بواسطة‌ ارتباط‌ البرزخ‌ مع‌ البدن‌ المثالي‌ّـ إلی إعلاء درجة‌ ورفعة‌ مقام‌ أُولئك‌ الشهداء في‌ طريق‌ الولاية‌ الحقّ.

 إلاّ أنّ من‌ الممكن‌ ـ مع‌ هذه‌ الاُمور جميعاً ـ أن‌ لا تبلي‌ الابدان‌ الموجودة‌ في‌ القبور، وأن‌ تؤثّر درجة‌ تقوي‌ الروح‌ وطهارتها في‌ هذا اللباس‌ الملقي‌ في‌ القبر فتبقيه‌ غضّاً. كما هو الامر في‌ جنازة‌ الشيخ‌ الصدوق‌ محمّدبن‌ علی بن‌ الحسين‌ بن‌ موسي‌ بن‌ بابويه‌ القمّيّ، وهو من‌ أعاظم‌ علماء الإسلام‌ الذين‌ يقلّ نظيرهم‌، ولربّما كان‌ منقطع‌ النظير في‌ فنونه‌، حيث‌ يقدّمه‌ الكثير من‌ العلماء علی‌ الشيخ‌ الكليني‌ّ من‌ جهة‌ الإحاطة‌ والدقّة‌. وهو من‌ فحول‌ العلماء وصاحب‌ كتاب‌ «من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌» أحد الكتب‌ الاربعة‌ الشيعيّة‌، وصاحب‌ مائة‌ كتاب‌ آخر، وكان‌ قد رحل‌ عن‌ الدنيا سنة‌381 هجريّة‌ ودُفن‌ في‌ الري‌.

 ولقد أمضي‌ هذا الرجل‌ قدراً من‌ عمره‌ في‌ زمن‌ الغيبة‌ الصغري‌، وكان‌ قد جاء إلی الدنيا بدعاء صاحب‌ العصر والزمان‌، لانّ أباه‌ لم‌ يكن‌ له‌ ذريّة‌، فسأل‌ الولد ووعده‌ صاحب‌ الزمان‌ علیه‌ السلام‌ أن‌ يولد له‌ ولدان‌، فولد له‌ محمّد وهو الاكبر، والحسين‌، وكان‌ كلاهما من‌ العلماء الاخيار الابرار، وخاصّة‌ محمّد الذي‌ كان‌ متميّزاً.

 وهذ العالم‌ الجليل‌ هو ابن‌ بابويه‌ المدفون‌ في‌ جنوب‌ طهران‌ في‌ طريق‌ عبد العظيم‌ الحسني‌ّ علیه‌ السلام‌، يلوذ بحماه‌ أهالي‌ طهران‌ بعد عبدالعظيم‌ الحسني‌ّ والحمزة‌ (وهو من‌ أولاد الائمّة‌).

 وكـان‌ لابن‌ بابويه‌ فـي‌ السـابق‌ بقعـة‌ صغيـرة‌ متـروكـة‌، وحـصـل‌ فـي‌ زمـن‌ فتح‌ علی‌ شاه‌ القاجاري‌ّ أن‌ هطلت‌ الامطار بغزارة‌ فحصل‌ في‌ قبره‌ ثغزة‌، فرأي‌ الافراد الذين‌ كانوا يعملون‌ من‌ ترميم‌ القبر سرداباً يرقد فيه‌ رجل‌ له‌ بدن‌ سالم‌ بكلّ معني‌ الكلمة‌. ثمّ إنّهم‌ أوصلوا الخبر إلی طهران‌، فطرق‌ أسماع‌ فتح‌ علی‌ شاه‌، فتحرّك‌ مع‌ جماعة‌ من‌ العلماء والوجهاء صوب‌ ابن‌ بابويه‌، وكان‌ الشاه‌ يرغب‌ في‌ دخول‌ السرداب‌ بنفسه‌ ليُشاهد جنازة‌ الصدوق‌، فمنعه‌ الاعلام‌ وقالوا له‌: لا تذهب‌ بنفسك‌ ودع‌ الآخرين‌ يذهبون‌ فيأتون‌ لك‌ بالخبر اليقين‌. فلم‌ يدخل‌ فتح‌ علی‌ شاه‌ بنفسه‌، ودخل‌ العلماء والوجهاء والاعيان‌ الواحد تلو الآخر فجاءوا بالخبر متّفقين‌ أنّ هناك‌ رجلاً نائماً، وكان‌ قد كفّن‌ إلاّ أنّ كفنه‌ قد أُزيح‌ فتعرّي‌ بدنه‌، وكان‌ بدنه‌ عرياناً إلاّ أنّ هناك‌ عنكبوتاً كان‌ قد نسج‌ علی‌ عورته‌ نسيجاً ساتراً. وكان‌ هناك‌ فوق‌ الكفن‌ المتهرّي‌ المستحيل‌ تراباً شي‌ء كحبل‌ ملفوف‌ علی‌ بدنه‌، لكأنـّه‌ من‌ تلك‌ الحبال‌ التي‌ تلفّ علی‌ بدن‌ الميت‌ فتحيط‌ بالكفن‌.

 وكان‌ ذلك‌البدن‌ طويلاً ووسيماً ذا قامة‌ حسنة‌، وكانت‌ شيبته‌ بلون‌ الحنّاء، ويداه‌ وأسفل‌ رجليه‌ بلون‌ الحناء، وعلی‌ أظفاره‌ صفار من‌ لون‌ الحناء.

 وقد حصلت‌ هذه‌ الواقعة‌ سنة‌ 1238 هجريّة‌، أي‌ قبل‌ حدود 158 سنة‌ لانـّنا الآن‌ في‌ شهر رمضان‌ لسنة‌ 1396 هجريّة‌.

 هذا وقد أصدر فتح‌ علی‌ شاه‌ أمراً بسدّ تلك‌ الفتحة‌ وبني‌ علی‌ مزاره‌ هذه‌ القبّة‌ والمقبرة‌ الحاليّة‌.

 وقد نقلنا هذه‌ المطالب‌ عن‌ «روضات‌ الجنّات‌» للخونساري‌ّ، و«تنقيح‌ المقال‌» للمامقاني‌ّ، و«قصص‌ العلماء» للتنكابني‌ّ، و«الفوائد الرضويّة‌» للقمّيّ.

 يكتب‌ آقا سيّد محمّد باقر الخونساري‌ّ في‌ «روضات‌ الجنّات‌»:

 وقد جاء إلی أصفهان‌ بعض‌ الذين‌ ذهبوا بأنفسهم‌ في‌ معيّة‌ فتح‌علی‌شاه‌ وشرحوا لبعض‌ أساتيذنا الامر.

 ويكتب‌ الشيخ‌ عبد الله‌ المامقاني‌ّ في‌ «التنقيح‌»:

 روي‌ لي‌ بسند صحيح‌ قبل‌ أربعين‌ سنة‌ عن‌ العدل‌ الثقة‌ الامين‌ السيّد إبراهيم‌ اللواساني‌ّ الطهراني‌ّ قدّس‌ سرّه‌... وكان‌ هو ممّن‌ دخل‌ القبر ورأي‌ أنّ جسده‌ الشريف‌ صحيح‌ سالم‌ لم‌ يتغيّر أصلاً.

 ويقول‌ المامقاني‌ّ: وهذه‌ القضيّة‌ هي‌ عندي‌ من‌ المسلّمات‌، فلايرقي‌ إليها الشكّ. [32] و [33]

 وينقضي‌ من‌ زمن‌ الشيخ‌ الصدوق‌ حتّي‌ الآن‌ 1015 سنة‌، وإلي‌ زمن‌ كشف‌ هذه‌ الواقعة‌ 857 سنة‌. أفيمكن‌ العثور علی‌ محملٍ آخر لهذه‌ القضيّة‌ غير ارتباط‌ عالم‌ البرزخ‌ مع‌ البدن‌ المقبور في‌ الارض‌؟

 ثمّ يأتي‌ دكتورٌ ما فيكتب‌ في‌ كتابه‌: وأمّا قولهم‌ إنّ بدن‌ الصدوق‌ غضّ طري‌ّ، فلانـّه‌ كان‌ يُمارس‌ الرياضة‌، والافراد الذين‌ لايتناولون‌ الاطعمة‌ الدسمة‌ واللحم‌ يتصلّب‌ بدنهم‌، وإذا ما وضع‌ في‌ محفظة‌ بحيث‌ لايكون‌ له‌ تماسّ مع‌ الهواء والرطوبة‌ فإنّ من‌ الممكن‌ أن‌ يبقي‌ البدن‌ عدّة‌ أيّام‌.

 فَتَعَالَ أَيُّهَا العزيزُ وآمِنْ بِاللَهِ وَعَالَم‌ الْغَيْبِ!

 لقد كان‌ الصدوق‌ يتناول‌ اللحم‌ والاطعمة‌ الدسمة‌، وكان‌ بديناً، ولم‌يكن‌ يمارس‌ رياضةً، لكنّ بدنه‌ تحت‌ الارض‌ الرطبة‌ كان‌ لا يزال‌ غضّاً طريّاً بعدما يقرب‌ من‌ ألف‌ سنة‌ علی‌ وفاته‌.

 الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. [34]

 فما أعجبه‌ مرضاً مهلكاً: التغرّب‌ والتأثّر بالغرب‌، بل‌ عبادة‌ الغرب‌! إنّ هؤلاء السادة‌ المتأثـّرين‌ بالغرب‌ يحاولون‌ تأويل‌ جميع‌ أُسس‌ عالم‌ الغيب‌ وفق‌ صيغ‌ معيّنة‌، وإلي‌ حبسها في‌ إطار العلوم‌ التجريبيّة‌، وكفي‌ به‌ جهلاً!

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ الشاه‌ إسماعيل‌ الصفوي‌ّ والحرّ بن‌ يزيد الرياحي‌ّ

 ينقل‌ المامقاني‌ّ في‌ كتاب‌ «تنقيح‌ المقال‌» عن‌ الحائري‌ّ، عن‌ السيّد نعمة‌الله‌ الجزائري‌ّ في‌ كتاب‌ «الانوار النعمانيّة‌» قوله‌: حدّثني‌ جماعة‌ من‌ الثقات‌ أنّ الشاه‌ إسماعيل‌ لمّا ملك‌ بغداد أتي‌ إلی مشهد الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وسمع‌ من‌ بعض‌ الناس‌ الطعن‌ علی‌ الحرّ، أتي‌ إلی قبره‌ وأمر بنبشه‌، فنبشوه‌ فرآه‌ نائماً كهيئته‌ لمّا قُتل‌، ورأوا علی‌ رأسه‌ عصابة‌ مشدودٌ بها رأسه‌، فأراد الشاه‌ نوّر الله‌ مضجعه‌ أخذ تلك‌ العصابة‌ لما نقل‌ في‌ كتب‌ السير والتواريخ‌ أنّ تلك‌ العصابة‌ هي‌ دسمال[35] الحسين‌ علیه‌ السلام‌ شدّ به‌ رأس‌ الحرّ لمّا أُصيب‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌ ودُفن‌ علی‌ تلك‌ الهيئة‌، فلمّا حلّوا تلك‌ العصابة‌ جري‌ الدم‌ حتي‌ امتلا منه‌ القبر، فلمّا شدّوا علیه‌ تلك‌ العصابة‌ انقطع‌ الدم‌، فلمّا حلّوها جري‌ الدم‌، وكلّما أرادوا أن‌ يعالجوا قطع‌ الدم‌ بغير تلك‌ العصابة‌ لم‌يمكنهم‌، فتبيّن‌ لهم‌ حُسن‌ حاله‌، فأمر فبُني‌ علی‌ قبره‌ وعيّن‌ له‌ خادماً يخدم‌ قبره‌. [36]

 وهذه‌ المسائل‌ بأجمعها تدلّ علی‌ ارتباط‌ عالم‌ البرزخ‌ مع‌ هذا العالم‌، كما أنّ الروايات‌ الدالّة‌ علی‌ اطّلاع‌ عالم‌ الارواح‌ علی‌ أُمور هذا العالم‌ غاية‌ في‌العجب‌ والغرابة‌.

 الرجوع الي الفهرس

رؤيا آقا ميرزا نجم‌ الدين‌ شريف‌ العسكري‌ّ، جدّتنا بشأن‌ الغذاء الملكوتي‌ّ

 حصل‌ في‌ سنة‌ 1364 هجريّة‌ (أي‌ قبل‌ 32 سنة‌) أن‌ سافر إلی إيران‌ المرحوم‌ شيخ‌ الفقهاء والمحدّثين‌، مجلسيّ زمانه‌، آية‌ الله‌ آقا الميرزا محمّد الطهراني‌ّ أعلی‌ الله‌ تعالي‌ مقامه‌ الشريف‌ (وهو خالي‌ لابي‌) لزيارة‌ ثامن‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ مع‌ جميع‌ أقاربه‌، وكان‌ من‌ علماء الإسلام‌ الاعلام‌، وكان‌ يقيم‌ في‌ سامرّاء، وله‌ تأليفات‌ نفيسة‌ منها كتاب‌ «مستدرك‌ بحار الانوار» الذي‌ لم‌ يؤلّف‌ مثله‌ منذ زمن‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ.

 وكان‌ له‌ من‌ العمر آنذاك‌ خمس‌ وثمانون‌ سنة‌، وكان‌ رجلاً عابداً متهجّداً زاهداً حسن‌ الخُلق‌، كما كان‌ أولاده‌ وأصهاره‌ جميعاً من‌ العلماء وأصحاب‌ الفضل‌ والكمال‌ والتقوي‌.

 وبطبيعة‌ الحال‌ فقد ورد علی‌ والدنا المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ السيّد محمّد الصادق‌ الطهراني‌ّ وكان‌ من‌ علماء طهران‌، للقرابة‌ والصلة‌ بينهما، فكان‌ يتردّد علیه‌ لزيارته‌ كلّ يوم‌ جماعة‌ من‌ العلماء الاعلام‌ والتجّار وذوي‌ الحرف‌ المحترمين‌، فكان‌ المنزل‌ يحتشد بهم‌.

 وكان‌ أشخاصُ عدّة‌ قد اختصّوا باستقبال‌ الواردين‌، ومن‌ بينهم‌ أعمامنا (أبناء أُخته‌) سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد محمّد تقي‌، والحاجّ السيّد كاظم‌، والحاجّ السيّد محمّد رضا، فكانوا يأتون‌ في‌ بداية‌ موعد تقديم‌ طعام‌ الفطور ويمكثون‌ إلی ما بعد تقديم‌ طعام‌ العشاء وانقضاء شطر من‌ الليل‌ ثمّ يعودون‌ إلی منازلهم‌.

 وانقضت‌ علی‌ هذه‌ الحال‌ أيّام‌، ثمّ حصل‌ يوماً أن‌ التفتَ الابن‌ الاكبر للمرحوم‌ خالنا الميرزا محمّد (وهو الميرزا نجم‌ الدين‌ وكان‌ بدوره‌ من‌ العلماء البارزين‌ ومن‌ ذوي‌ التأليفات‌ العديدة‌) إلی أحد أعمامنا (الحاجّ السيّد محمّد رضا) فقال‌ له‌: رأيتُ ليلةَ البارحة‌ عمّتي‌ (أي‌ والدة‌ المُخاطَب‌) فقالت‌ لي‌ في‌ عالم‌ الرؤيا: قل‌ لمحمّد رضا: لماذا لم‌ تُرسل‌ طعامنا منذ عدّة‌ ليالٍ؟ فحاول‌ عمّنا أن‌ يتذكّر شيئاً بَيدَ أنـّه‌ لم‌ يفلح‌، ثمّ جاء إلی منزلنا في‌ اليوم‌ التالي‌ فقال‌: لقد وجدتُ معني‌ هذه‌ الرؤيا وتفسيرها، فلقد اعتدتُ منذ ثلاثين‌ سنة‌ أن‌ أُصلّي‌ ركعتي‌ صلاة‌ الوالدين‌ بعد صلاة‌ المغرب‌ والعشاء فأهدي‌ ثوابها إلی روح‌ أبي‌ وأُمّي‌. وها قد مرّت‌ عدّة‌ ليال‌ لم‌ استطع‌ خلالها أداء تلك‌ الصلاة‌ لانشغالي‌ باستقبال‌ الواردين‌، فجاءت‌ والدتي‌ في‌ عالم‌ النوم‌ إلی الميرزا نجم‌ الدين‌ فعتبت‌ علی‌ّ لعدم‌ إرسالي‌ طعامها الملكوتي‌ّ. وكان‌ الميرزا نجم‌ الدين‌ يسكن‌ سامرّاء وكان‌ قد قدم‌ حديثاً إلی طهران‌، أمّا عمّنا فكان‌ يسكن‌ طهران‌، ولم‌ يكن‌ للميرزا نجم‌ الدين‌ اطّلاع‌ علی‌ عمل‌ عمّي‌ أبداً. فكانت‌ هذه‌ الرؤيا مدعاة‌ لإثارة‌ تعجّب‌ جميع‌ الحاضرين‌، وهذا هو ارتباط‌ عالم‌ الارواح‌ مع‌ عالم‌ الطبع‌ والشهادة‌.

 اليوم‌ هو السابع‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ ويوم‌ وقعة‌ بدر التي‌ منّ الله‌ تعالي‌ فيها علی‌ المسلمين‌، فنصر أُولئك‌ القّلة‌ علی‌ تلك‌ الجموع‌ الكثيرة‌ التي‌ جاءت‌ بعدّتها وعددها بهدف‌ استئصال‌ المسملين‌ والقضاء علی‌ رسول‌الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

رؤيا أمير المؤمنين‌ لرسول‌ الله‌ ليلة‌ التاسع‌ عشر سَحَراً وشكواه‌ له‌ من‌ أُمّته‌

 وقد صادفت‌ شهادة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ شهر رمضان‌ لسنة‌ أربعين‌ للهجرة‌، وكان‌ علیه‌ السلام‌ قد أحيا ليلة‌ التاسع‌ عشر من‌ الشهر إلی الصباح‌ شكراً لله‌ علی‌ الفتح‌ الذي‌ منّ به‌ علی‌ المسلمين‌ يوم‌ السابع‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ للسنة‌ الثانيّة‌ من‌ الهجرة‌، وكان‌ قد أبقي‌ أهل‌ بيته‌ أيقاظاً لإحياء تلك‌ الليلة‌.

 ورد في‌ نهج‌ البلاغة‌:

 وَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ سُحْرَةِ [37] الْيَومِ الَّذِي‌ ضُرِبَ فِيهِ:

 مَلَكَتْنِي‌ عَيْنَايَ وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ الاْوْدِ وَاللَّدَدِ!

 فَقَالَ: ادْعُ علیهِمْ، فَقُلْتُ: أَبْدَلَنِي‌ اللَهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدَلَهُمْ بِي‌ شَرَّاً لَهُمْ مِنِّي‌. [38]

 ويروي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد المعتزلي‌ّ في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» عن‌ أبي‌ الفرج‌ الإصفهاني‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ جرير الطبري‌ّ بإسناده‌ المذكور في‌ كتابه‌ عن‌ عبد الرحمن‌ السلمي‌ّ:

 قَالَ: قَالَ لِي‌ الْحَسَنُ بْنُ علی علیهِ السَّلاَمُ: خَرَجْتُ وَأَبِي‌ يُصَلِّي‌ فِي‌ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لِي‌: يَا بُنَيَّ إِنِّي‌ بِتُّ الَّليْلَةَ أَوقِظُ أَهْلِي‌ لاِنـَّهَا لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ صَبِيحَةُ يَوْمِ بَدْرٍ، لِتِسْعِ عَشْرَةَ لَيْلَة‌ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَمَلَكَتْنِي‌ عَيْنَايَ فَسَنَحَ لِي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الاْوْدِ وَالَّلدَدِ! فَقَالَ لِي‌: ادْعُ علیهِمْ فَقُلْتُ: اللَهُمَّ أَبْدِلْنِي‌ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي‌ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنِّي‌. قَالَ الْحَسَنُ: وَجَاءَ ابْنُ أَبِي‌ السَّاجِ[39] فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَخَرَجَ فَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ الرَّجُلاَنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي‌ الطَّاقِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَثْبَتَهَا فِي‌ رَأْسِهِ. [40]

 وكان‌ ينادي‌ في‌ تلك‌ الحال‌: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فقد كانت‌ الشهادة‌ فوزاً لديه‌ علیه‌ السلام‌، والقتل‌ في‌ سبيل‌ الله‌ سعادة‌ ونعيماً وجنّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

قدوم‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ إلی كربلاء وشمّه‌ تربتها

 يروي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» عن‌ نصر، بإسناده‌ عن‌ هرثمة‌بن‌ سليم‌، قال‌: غزونا مع‌ علی علیه‌ السلام‌ صفّين‌، فلمّا نزل‌ بكربلاء صلّي‌ بنا، فلمّا سلّم‌ رفع‌ إليه‌ من‌ تربتها فشمّها ثمّ قال‌:

 وَاهاً لَكِ يَا تُرْبَةُ لَيُحْشَرَنَّ مِنْكِ قَوْمٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

 قال‌: فلمّا رجع‌ هرثمة‌ من‌ غزاته‌ إلی امرأته‌ جرداء بنت‌ سمير ـ وكانت‌ من‌ شيعة‌ علی علیه‌ السلام‌ ـ حدّثها هرثمة‌ فيما حدث‌ فقال‌ لها: ألا أعجبك‌ من‌ صديقك‌ أبي‌ حسن‌؟ قال‌: لمّا نزلنا بكربلاء وقد أخذ حفنة‌ من‌ تربتها وشمّها وقال‌:

 وَاهاً لَكِ يَا تُرْبَةُ لَيُحْشَرَنَّ مِنْكِ قَوْمٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وما علمه‌ بالغيب‌؟

 فقالت‌ المرأة‌ له‌: دعنا منك‌ أيّها الرجل‌، فإنّ أمير المؤمنين‌ لم‌يقل‌ إلاّ حقَّاً.

 قال‌: فلمّا بعث‌ عبيد الله‌ بن‌ زياد البعث‌ الذي‌ بعثه‌ إلی الحسين‌ علیه‌ السلام‌ كنتُ في‌ الخيل‌ التي‌ بعث‌ إليهم‌، فلمّا انتهيتُ إلی الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وأصحابه‌ عرفتُ المنزل‌ الذي‌ نزلنا فيه‌ مع‌ علی علیه‌ السلام‌ والبقعة‌ التي‌ رفع‌ إليه‌ من‌ تربتها والقول‌ الذي‌ قاله‌، فكرهتُ سيري‌، فأقبلتُ علی‌ فرسي‌ حتّي‌ وقفتُ علی‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ فسلّمتُ علیه‌ وحدّثته‌ بالذي‌ سمعتُ من‌ أبيه‌ في‌ هذا المنزل‌.

 فقال‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌: أمعنا أم‌ علینا؟ فقلتُ: يابن‌ رسول‌ الله‌ لامعك‌ ولا علیك‌! تركتُ ولدي‌ وعيالي‌ أخاف‌ علیهم‌ من‌ ابن‌ زياد.

 فقال‌ الحسين‌: فتولّ هرباً حتّي‌ لا تري‌ مقتلنا، فو الذي‌ نفسُ حُسين‌ بيده‌ لا يري‌ اليوم‌ مقتلنا أحد ثمّ لا يُعيننا إلاّ دخل‌ النار.

 قال‌: فأقبلتُ في‌ الارض‌ أشتدّ هرباً حتّي‌ خفي‌ علی مقتلهم‌.

 وروي‌ نصر عن‌ أبي‌ جحيفة‌، قال‌: جاء عروة‌ البارقيّ إلی سعدبن‌ وهب‌ فسأله‌ وقال‌: حديث‌ حدّثتناه‌ عن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌.

 قال‌: نعم‌، بعثني‌ مخنف‌ بن‌ سليم‌ إلی علی علیه‌ السلام‌ عند توجّهه‌ إلی صفّين‌، فأتيته‌ بكربلاء فوجدتُه‌ يُشير بيده‌ ويقول‌: هَاهُنَا هَاهُنَا.

 فقال‌ له‌ رجل‌: وما ذاك‌ يا أمير المؤمنين‌؟

 فقال‌: ثَقَلٌ لآلِ مُحَمَّدٍ يَنْزِلُ هَاهُنَا، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْكُمْ وَوَيْلٌ لَكُمْ مِنْهُمْ.

 فقال‌ له‌ الرجل‌: ما معني‌ هذا الكلام‌ يا أمير المؤمنين‌؟

 قال‌: ويلٌ لهم‌ منكم‌: تقتلونهم‌، وويلٌ لكم‌ منهم‌: يدخلكم‌ الله‌ بقتلهم‌ إلی النار.

 قال‌ نصر: وقد روي‌ هذا الكلام‌ علی‌ وجه‌ آخر، أنـَّهُ علیهِ السَّلاَمُ قَالَ: فَوَيْلٌ لَكُمْ مِنْهُمْ وَوَيْلٌ لَكُمْ علیهِمْ.

 فقال‌ الرجل‌: أمّا ويلٌ لنا منهم‌ فقد عرفناه‌، فويلٌ لنا علیهم‌ ما معناه‌؟

 فقال‌: تَرَوْنَهُمْ يُقْتَلُونَ لاَ تَسْتَطِيعُونَ نُصْرَتَهُمْ.

 وروي‌ نصر بسنده‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ كثير، عن‌ أبيه‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ أتي‌ كربلاء فوقف‌ بها، فقيل‌ له‌: يا أمير المؤمنين‌ هذه‌ كربلاء.

 فقال‌: ذَاتُ كَرْبٍ وَبَلاَءٍ. ثمّ أومأ بيده‌ إلی مكان‌، فقال‌:

 هَا هُنَا مَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَمُنَاخُ رِكَابِهِمْ، ثمّ أومأ بيده‌ إلی مكان‌ آخر فقال‌: هَا هُنَا مُرَاقُ دِمَائِهِمْ، ثمّ مضي‌ إلی سَابَاط‌. [41]

 أورد المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ «بحار الانوار» عن‌ «الخرائج‌ والجرائح‌» عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر، عن‌ أبيه‌ علیهما السلام‌، قال‌:

 مَرَّ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ بِكَرْبَلاَ فَقَالَ لَمَّا مَرَّ بِهِ أَصْحَابُهُ وَقَدْ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ يَبْكِي‌ وَيَقُولُ: هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَهَذَا مُلْقَي‌ رِحَالِهِمْ هَا هُنَا مُرَاقُ دِمَائِهِمْ، طُوبَي‌ لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ علیهَا دِمَاءُ الاْحِبَّةِ. [42]

 وقال‌ الإمام‌ الباقر علیه‌ السلام‌:

 خَرَجَ علی‌ٌّ يَسِيرُ بِالنَّاسِ، حَتَّي‌ إِذَا كَانَ بِكَرْبَلاَ علی‌ مِيْلَيْنِ أَوْ مِيلٍ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّي‌ طَافَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْمِقْذَفَانِ.

 فَقَالَ: قُتِلَ فِيهَا مَائِتَا نَبِيٍّ وَمَائِتَا سِبْطٍ كُلُّهُمْ شُهَدَاءُ، وَمَنَاخُ رِكَابٍ وَمَصَارِعُ عُشَّاقٍ شُهَدَاءٍ، لاَ يَسْبِقُهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ؛ وَلاَ يَلْحَقُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ.[43]

 ولقد كان‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ طافحاً بالمحبّة‌ للإمام‌ الحسن‌ والإمام‌ الحسين‌ علیهما السلام‌، فكان‌ يمنعهما من‌ التقدّم‌ في‌ الحروب‌ ويقول‌ إنّ اهتمام‌ معاوية‌ منصبّ في‌ قتل‌ نور بصر رسول‌ الله‌ هذين‌ وفي‌ إخلاء الارض‌ من‌ نسل‌ رسول‌ الله‌ وذرّيّته‌. لكنّه‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ يعطي‌ السيف‌ لمحمّد بن‌ الحنفيّة‌ ولده‌ الشجاع‌ الرشيد الآخر من‌ غيرالزهراء علیها السلام‌، فيأمره‌ بالفتح‌ ويقول‌ له‌ في‌ حرب‌ الجمل‌:

 تَزُولُ الْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ، عَضَّ علی‌ نَاجِذِكَ، أَعِرِ اللَهَ جُمْجُمَتَكَ، تِدْ فِي‌ الاْرْضِ قَدَمَكَ. ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَي‌ الْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَهِ سُبْحَانَهُ. [44]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ تسيخ‌ بالسين‌ المهملة‌ والياء والخاء بمعني‌ تستقرّ وتثبت‌. وقال‌ في‌ «مرآة‌ العقول‌» وجاء في‌ بعض‌ النُسخ‌ يُسبّح‌ من‌ التسبيح‌ علی‌ المبني‌ للمجهول‌؛ أي‌ أنّ الارض‌ تُنزّه‌ وتُقدّس‌ ببركة‌ محلّ أبدانكم‌، لظهور الخير والرحمة‌ فيها بواسطة‌ مواضع‌ آثاركم‌.

[2] ـ وردت‌ في‌ نسخة‌ «التهذيب‌»بلفظ‌ «نقّل‌» بدلاً من‌ «فضّل‌».

[3] ـ قال‌ في‌ «مرآة‌ العقول‌»: أظلّة‌ العرش‌ جمع‌ ظِلال‌، وهو ما أظلّك‌ من‌ سقف‌. وغيره‌ والمراد به‌ هنا إمّا ما فوق‌ العرش‌ أو طبقات‌ العرش‌ وبطونه‌، لانّ كلّ طبقة‌ وبطن‌ من‌ العرش‌ ظلّ لطائفة‌؛ أو أنّ المراد به‌ أجزاء العرش‌. لانّ كلّ جزء من‌ العرش‌ ظلّ لمن‌ يسكن‌ تحته‌ وقد يُطلق‌ الظلال‌ علی‌ أشخاص‌ الاجسام‌ اللطيفة‌ والارواح‌، ويمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد هنا: الارواح‌ المقدّسة‌ والملائكة‌ الذين‌ يسكنون‌ العرش‌. ( «مرآة‌ العقول‌» ج‌ 3، ص‌ 361 ).

[4] ـ «الكافي‌» كتاب‌ المزار، ج‌ 4، ص‌ 575 إلی 579. و«التهذيب‌» كتاب‌ المزار،، ج‌ 6، ص‌ 54 و 55. كما أورد هذه‌ الزيارة‌ ابن‌ قولويه‌ في‌ «كامل‌ الزيارات‌» الباب‌ 79، ص‌ 197 إلی 200، ويشترك‌ في‌ سندها مع‌ سند الكليني‌ّ من‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌ إلی الآخر، إلاّ أنـّه‌ ينقل‌ سلسلة‌ السند إلی أحمد بن‌ محمّد بهذه‌ الكيفيّة‌: عن‌ أبيه‌ وعلی بن‌ الحسين‌ ومحمّدبن‌ الحسن‌، جميعاً عن‌ سعد بن‌ عبد الله‌ عن‌ (أحمد بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌). ولا يخفي‌ أنّ هؤلاء الافراد بأجمعهم‌ من‌ أجلّة‌ مشايخ‌ الحديث‌.

[5] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، ج‌ 7، ص‌ 338؛ والطبعة‌ الحيدريّة‌ ج‌ 46، ص‌ 264.

[6] ـ أورده‌ في‌ «البحار» الطبعة‌ الكمباني‌ بلفظ‌ الصاغورة‌، وأورده‌ في‌النسخة‌ البديلة‌ بالقاف‌؛ إلاّ أنـّه‌ ورد في‌ «البحار» الطبعة‌ الحروفيّة‌ بالعكس‌ من‌ ذلك‌، فقد ورد في‌ المتن‌ بالقاف‌ وفي‌ النسخة‌ البديلة‌ بالغين‌.

 يقول‌ في‌ «لسان‌ العرب‌»: الصاقورة‌ اسم‌ السماء الثالثة‌، إلاّ أنّ الحقير لم‌ يجد لفظ‌ الصاغورة‌ في‌ كتب‌ اللغة‌، لانـّنا إذا ما أخذناه‌ بمعني‌ الصغر فيكون‌ بمعني‌ جنّة‌ عالم‌ المثال‌ وعالم‌ الذرّ، أي‌ جنّة‌ الاستعداد الاصغر والاكثر محدوديّة‌ من‌ باقي‌ الجنان‌، فينبغي‌ جعله‌ ï ïصفة‌ للجنان‌، وهو غير مناسب‌ لانّ الجنان‌ الواردة‌ في‌ هذا الحديث‌ دون‌ ألف‌ ولام‌ ولايمكن‌ أن‌ تصبح‌ الصاغورة‌ صفة‌ لها. إلاّ أنـّنا أوردنا هذه‌ الالفاظ‌ دون‌ تغيير عند ذكرنا للحديث‌ حفظاً علی‌ الرواية‌ وألفاظها.

[7] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، ج‌ 7، ص‌ 338؛ والطبعة‌ الحيدريّة‌ ج‌ 26، ص‌ 264 و 265. وتتمّة‌ الحديث‌ هي‌: وشِعتُنَا الفئة‌ النّاجيّة‌ وا لفِرقَةُ الزّاكيةُ صَاروا لَنا رِدءاً وصَوْناً وعلی‌ الظَّلمةِ إلْباً وعَوْناً، وسَيسفر لنا (وسَيَنْفجر لنا) ينابيع‌ الحيوان‌ بعد لَظَي‌ النِيّرانِ لتمام‌ آل‌ حم‌ وطه‌ والطَّواسين‌ من‌ السِّنين‌، وهذا الكتاب‌ دُرَّةٌ من‌ دُرر الرَّحمة‌ وقَطرةٌ من‌ بَحْرِ الحكمة‌ وكتب‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّ العسكري‌ّ في‌ سنة‌ أربع‌ وخمسين‌ ومائتين‌.

[8] ـ أورد هذه‌ الرواية‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ «التهذيب‌» ج‌ 6، ص‌ 710 بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ جواد الائمّة‌ علیه‌ السلام‌؛ وأوردها المجلسي‌ّ في‌ «تحفة‌ الزائر» ص‌ 50؛ والمحدّث‌ القمّيّ في‌ «هدية‌ الزائرين‌» ص‌ 255.

[9] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 79: النازعات‌.

[10] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[11] ـ الآيتان‌ 26 و 27، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[12] ـ الآية‌ 50، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[13] ـ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[14] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 11: هود.

[15] ـ الآية‌ 164، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[16] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 81: التكوير.

[17] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 34: سبأ.

[18] ـ الآية‌ 206، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[19] ـ الآيتان‌ 19 و 20، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[20] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[21] ـ اسم‌ مقبرة‌ عامّة‌ خارج‌ مدينة‌ طهران‌. (م‌)

[22] ـ عزب‌ الرجل‌ عن‌ أهله‌: أبعدها عن‌ فراشه‌ وطعامه‌.

[23] ـ «علل‌ الشرايع‌» الباب‌ 262، ص‌ 309.

[24] ـ «علل‌ الشرايع‌» الباب‌ 262، ص‌ 309.

[25] ـ الزعارة‌ بتخفيف‌ العين‌ وتشديدها كلاهما بمعني‌ سوء الخُلق‌؛ وذُكرت‌ أيضاً بتشديد الراء وتخفيفها.

[26] ـ «فروع‌ الكافي‌» الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 236. وأوردها في‌ «بحار الانوار» الطبعة‌ الحروفيّة‌، ج‌ 6، ص‌ 261 بهذه‌ العبارات‌، أمّا في‌ الطبعة‌ الحجريّة‌ من‌ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 64 فقد ترك‌ مكان‌ فقرة‌ «قتلها عثمان‌» خالياً فلم‌ يورد تلك‌ العبارة‌.

[27] ـ «فروع‌ الكافي‌» الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 241؛ والطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 66.

[28] ـ «فروع‌ الكافي‌» الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 241؛ والطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 66.

[29] ـ «فروع‌ الكافي‌» الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 241؛ والطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 66.

[30] ـ «فروع‌ الكافي‌» باب‌ الجنائز، الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 152 و 153؛ والطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 42.

[31] ـ «فروع‌ الكافي‌» باب‌ الجنائز، الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 152 و 153؛ والطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 42.

[32] ـ العبارة‌ الاخيرة‌ مضمون‌ كلام‌ المامقاني‌ّ قدّس‌ سرّه‌ لا نصّ كلامه‌. (م‌)

[33] ـ السيّد إبراهيم‌ اللواساني‌ّ من‌ مشاهير علماء طهران‌، وكان‌ معاصراً للمهادي‌ الخمسة‌ ] يقصد بهم‌: السيّد مهدي‌ بحر العلوم‌، السيّد مهدي‌ الخراساني‌ّ، المولي‌ مهدي‌ النراقي‌ّ، السيّد مهدي‌ الشهرستاني‌ّ، والشيخ‌ مهدي‌ الفنوني‌ العاملي‌ّ النجفي‌ّ [ وقد تزوّج‌ كريمة‌ السيّد مهدي‌ الخراساني‌ّ. والسيّد إبراهيم‌ اللواساني‌ّ هو أب‌ السيّد محمّد اللواساني‌ّ، وهذا بدوره‌ أب‌ السيّد أبي‌ القاسم‌ اللواساني‌ّ، وهذا أخ‌ الحاجّ السيّد حسن‌ اللواساني‌ّ أب‌ صهر أُختنا الحاجّ السيّد كاظم‌ اللواساني‌ّ. وعائلة‌ اللواساني‌ّ في‌ طهران‌ مشهورة‌ ومعروفة‌ بحسن‌ الاخلاق‌ والعلم‌ والادب‌.

[34] ـ الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[35] ـ أورد في‌ هامش‌ «التنقيح‌»: هذه‌ كلمة‌ أعجميّة‌ وقد كان‌ الاولي‌ إبدالها انتهي‌. ودسمال‌ بمعني‌ منديل‌. (م‌)

[36] ـ «تنقيح‌ المقال‌» المجلّد الاوّل‌، ص‌ 260 و 261.

[37] ـ «سُحْرة‌» بضمّ السين‌ وسكون‌ الحاء، تُقال‌ لآخر وقت‌ السَّحَر من‌ الليل‌، والسَّحَر أعمّ منها؛ ويُقال‌ لما قبل‌ طلوع‌ الفجر الصادق‌ سَحَراً.

[38] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 69 من‌ طبعة‌ عبده‌ ـ مصر ص‌ 118؛ وفي‌ «شرح‌ ابن‌ أبي‌ الحديد» الدورة‌ ذات‌ العشرين‌ مجلّداً: المجلّد السادس‌، ص‌ 113، حيث‌ ذكر ابن‌ أبي‌ الحديد قصّة‌ شهادته‌ علیه‌ السلام‌ بالتفصيل‌. ويعني‌ بالاود: الاعوجاج‌، وباللدد: الخصام‌. وقال‌ السيّد الرضي‌ّ: وهذا من‌ أفصح‌ الكلام‌.

[39] ـ أورده‌ ابن‌ أبي‌ الحديد ـ كما هو الملاحظ‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ ـ بلفظ‌ ابن‌ أبي‌ السّاج‌، إلاّ أنّ المجلسي‌ّ أورده‌ في‌ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، المجلّد التاسع‌، ص‌ 655 عن‌ «إرشاد المفيد» بلفظ‌ ابن‌ النباح‌.

[40] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ابن‌ أبي‌ الحديد، الدورة‌ ذات‌ العشرين‌ مجلّداً، المجلّد السادس‌، ص‌ 121.

[41] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، الدورة‌ ذات‌ العشرين‌ مجلّداً، المجلّد الثالث‌، ص‌ 169 إلی 171.

[42] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، المجلّد التاسع‌، ص‌ 580.

[43] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الكمباني‌، المجلّد التاسع‌، ص‌ 580. وذكر المحدّث‌ القمّيّ هذه‌ الرواية‌ في‌ «سفينة‌ البحار» ج‌ 2، ص‌ 197 تحت‌ لفظ‌ «عَشَقَ» كما نقل‌ روايتين‌ أُخريين‌ استُعمل‌ فيهما هذا اللفظ‌، الاُولي‌: النبويّ: انّ الجنّة‌ لاعشق‌ لسلمان‌ من‌ سلمان‌ للجنّة‌.

 والثانية‌: رواية‌ عن‌ «الكافي‌» عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أفضل‌ الناس‌ من‌ عشق‌ العبادة‌ فعانقها وأحبّها بقلبه‌ وباشرها بجسده‌ وتفرّغ‌ لها فهو لايُبالي‌ علی‌ ما أصبح‌ من‌ الدنيا علی‌ عُسرٍ أم‌ علی‌ يُسر. وقد وردت‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 83، باب‌ العبادة‌.

 وينقل‌ المجلسي‌ّ هذه‌ الرواية‌ عن‌ «الكافي‌» في‌الجزء الثاني‌ من‌ «بحار الانوار» كتاب‌ الاءيمان‌ والكفر؛ و«مكارم‌ الاخلاق‌» وهو المجلّد الخامس‌ عشر من‌ الطبعة‌ الكمباني‌، ï ïص‌ 88؛ ثمّ يقول‌ في‌ بيانها: عشق‌ من‌ باب‌ تعب‌ والاسم‌ العشق‌، وهو الاءفراط‌ في‌ المحبّة‌؛ أي‌ أحبّها حبّاً مفرطاً من‌ حيث‌ كونه‌ وسيلة‌ إلی القرب‌ الذي‌ هو المطلوب‌ الحقيقي‌ّ، وربّما يتوهّم‌ أنّ العشق‌ مخصوص‌ بمحبّة‌ الاُمور الباطلة‌، فلا يستعمل‌ في‌ حبّه‌ سبحانه‌ وما يتعلّق‌ به‌، وهذا يدلّ علی‌ خلافه‌ وإن‌ كان‌ الاحوط‌ عدم‌ إطلاق‌ الاسماء المشتقّة‌ منه‌ علی‌ الله‌ تعالي‌، بل‌ الفعل‌ المشتقّ منه‌ أيضاً بناء علی‌ التوقيف‌. قيل‌: ذكر الحكماء في‌ كتبهم‌ الطبّيّة‌ أنّ العشق‌ ضربٌ من‌ الماليخوليا والجنون‌ والامراض‌ السوداويّة‌، وقرّروا في‌ كتبهم‌ الاءلهيّة‌ أنـّه‌ من‌ أعظم‌ الكمالات‌ والسعادات‌، وربّما يظنّ أنّ بين‌ الكلامين‌ تخالفاً، وهو من‌ واهي‌الظنون‌، فإنّ المذموم‌ هو العشق‌ الجسماني‌ّ الحيواني‌ّ الشهواني‌ّ، والممدوح‌ هو الروحاني‌ّ الإنساني‌ّ النفساني‌ّ، والاوّل‌ يزول‌ ويفني‌ بمجرّد الوصال‌ والاتّصال‌، والثاني‌ يبقي‌ ويستمرّ أبد الآباد وعلی‌ كلّ حال‌. (انتهي‌ كلام‌ المجلسي‌ّ قدّس‌ سرّه‌؛ وهو في‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌ في‌ المجلّد 70، ص‌ 253 و 254.)

 أقول‌: يقول‌ السهروردي‌ّ في‌ «عوارف‌ المعارف‌» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 2، ص‌ 14:

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ حاكياً عن‌ ربّه‌:

 إذَا كانَ الغالِبُ علی‌ عَبْدي‌ الاشتغالُ بي‌ جَعَلْتُ هِمّتَهُ وَلذَّتَهُ في‌ ذِكْرِي‌، فإذا جَعَلْتُ هَمّتَهُ ولذّتَهُ في‌ ذِكْرِي‌ عَشقِني‌ وَعشقته‌ ورَفَعْتُ الحجابَ فيما بَيْني‌ وَبينه‌ لايَسْهو إذا سَهَا الناسُ، أُولئكَ كلامُهم‌ كلامُ الانبياء، أُولئِكَ الابطالُ حقّاً، أُولئكَ الَّذِينَ إذا أردتُ بأهلِ الارضِ عُقوبةً أو عَذَاباً ذَكَرْتُهم‌ فيها فَصَرَفْتُهُ عَنْهُمْ.

 فالعشق‌ ـ إذَن‌ ـ بمعني‌ المحبّة‌ الشديدة‌، ولا إشكال‌ في‌ استعماله‌ في‌ محبّة‌ الله‌ تعالي‌، بل‌ هو مُستحسن‌ كما هو المعهود والشائع‌ في‌ أشعار وغزليّات‌ العرفاء بالله‌ بالفارسيّة‌ والعربيّة‌.

 يقول‌ المرحوم‌ السبزواري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ «المنظومة‌» ص‌ 180:

 فَإذا كانَ الابتهاجُ أو العشقُ أو الرضا أو ما شئتَ فسمّه‌ بالمؤثّرِ ابتهاجاً بالاثرِ بما هُوَ أثر تبعاً فكان‌ رضاؤه‌ بالذاتِ المُتعاليةِ بالفعلِ رضاً

 ويقول‌ في‌ الحاشية‌: قولنا: أو ما شئت‌ فسمّه‌ كالمحبّة‌ والمشيّة‌ ونحوهما وإن‌ لم‌نُطلق‌ بعضها علیه‌ تسمية‌ بحسب‌ التوقيف‌ الشرعي‌ّ، لكن‌ يجوز إسناداً كما هو مشروح‌ في‌ علم‌ الكلام‌، وأمّا لفظ‌ العشق‌ فهو كلفظ‌ المحبّة‌ في‌المعني‌:

نيست‌ فرقي‌ در ميان‌ حبّ و عشق‌                             شام‌ در معني‌ نباشد جُز دمشق‌ *

 وفي‌ كتاب‌ الحكماء والعرفاء متداول‌ وفي‌القدسي‌ّ: مَنْ عَشَقَني‌ عَشَقْتُهُ ـ الحديث‌.

 إلاّ أنّ النبيّ بما هو نبيّ آتٍ بالآداب‌ لم‌ يداوله‌ حراسة‌ للنظام‌ (منه‌ قدّس‌ سرّه‌ انتهي‌).

 *: يقول‌: لا فرق‌ في‌ المعني‌ بين‌ الحبّ والعشق‌، فلا معني‌ للشام‌ إلاّ دمشق‌.

[44] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ الحادية‌ عشرة‌، ص‌ 43؛ من‌ كلامٍ له‌ علیه‌ السلام‌ لابنه‌ محمّدبن‌ الحنفيّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com