بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الخامس / القسم الثانی: فناء الموجودات فعلا عدا وجه الله تعالی، حل الاشکال فی روایات نفخ الصور ا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كلّ شي‌ء هالك‌ وفانٍ فعلاً عدا وجه‌ الله‌ تعالي‌

 يضاف‌ إلي‌ ذلك‌ أنّ الفقرة‌ الثالثة‌ وهي‌ شاهد كلامنا، يمكن‌ أن‌ تكون‌ تعلیلاً للفقرة‌ الثانية‌، أي‌: لا إله‌ ولا معبود إلاّ الله‌ لانّ كلّ شي‌ء فانٍ وهالك‌ إلاّ وجهه‌.

 وعلی‌ ذلك‌ لمّا كان‌ كلّ شي‌ء فانياً وهالكاً إلاّ وجه‌ الله‌، فإنّ علی‌ الإنسان‌ ألاّ يدعو غير الله‌ سبحانه‌، لانّ وجه‌ الله‌ هو الله‌ نفسه‌، ودعوة‌ الله‌ بوجهه‌ هي‌ دعـوة‌ له‌ تعالي‌. وعلی‌ الإنسان‌ أن‌ يدعو الموجـود الباقي‌ لاالموجود الهالك‌ الفاني‌، وهو الله‌ الذي‌ لا إله‌ إلاّ هو، له‌ الامر والحكم‌، وإليه‌ ترجعون‌.

 هل‌ يرجع‌ ضمير المضاف‌ إليه‌ في‌ (وجه‌) إلي‌ الله‌ أو إلي‌ الشي‌ء؟

 إذا كان‌ مرجع‌ الضمير هو الله‌: أنّ كلّ شي‌ء فان‌ وهالك‌ إلاّ وجه‌ الله‌. وإذا كان‌ مرجعه‌ هو الشي‌ء فسيكون‌ المعني‌: كلّ شي‌ء فانٍ وهالك‌ إلاّ وجه‌ ذلك‌ الشي‌ء.

 والمعني‌ صحيح‌ في‌الحالتين‌ كليهما، لانّ وجه‌ الشي‌ء مقابل‌ نفس‌ الشي‌ء الفاني‌، فما يبقي‌ هو الوجهة‌ الباطنيّة‌ للاشياء وجهة‌ ارتباطها بالله‌ تعالي‌، الذي‌ هو في‌ الحقيقة‌ وجه‌ الله‌ نفسه‌.

 بَيدَ أنـّه‌ بالنظر إلي‌ الجِناس‌ في‌ العبارة‌، فإنّ قوله‌: «لا إله‌ إلاّ هو» قد ورد في‌ الجملة‌ السابقة‌ وفيه‌ أنّ الضمير «هو» عائد إلي‌ الله‌ تعالي‌، لذا من‌ المناسب‌ أن‌ يعود الضمير في‌ «وجهه‌» إلي‌ الله‌ تعالي‌ أيضاً.

 فهذه‌ الآية‌ ـ إذَن‌ ـ لا تريد القول‌ إنّ جميع‌ الاشياء تهلك‌ وتفني‌ ويصيبها البوار والعدم‌ مستقبلاً إلاّ وجه‌ الله‌ تعالي‌، بل‌ تدلّ علی‌ أنّ جميع‌ الاشياء فانية‌ وهالكة‌، وهي‌ فانية‌ وهالكة‌ فعلاً.

 ذلك‌ أنّ كلمة‌ «هالك‌» من‌ المشتقّات‌، والمشتقّات‌ هي‌ حقيقة‌ في‌ خصوص‌ من‌ تلبّس‌ بالمبدأ، أمّا في‌ سوي‌ ذلك‌ ـوخاصّة‌ في‌ المضارع‌ والمستقبل‌ـ فاستعمالها مجاز، ولا يمكن‌ حمل‌ العبارة‌ علی‌ ذلك‌ دون‌ الإتيان‌ بقرينة‌.

 إذَن‌ طُبع‌ خَتم‌ البوار والهلاك‌ والبُطلان‌ علی‌ الموجودات‌ جميعها، وفق‌ مفاد هذه‌ الآية‌ الكريمة‌، فالموجودات‌ هي‌ في‌ عين‌ وجودها فانية‌ وباطلة‌ ومعدومة‌. وفي‌ ضوء هذا المفاد وردت‌ الآية‌ الكريمة‌:

 كُلُّ مَنْ علیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ.

 فإنّ «فانٍ» يعني‌ أنـّها فانية‌ فعلاً، لا أنـّها سترتدي‌ خلعة‌ الفناء مستقبلاً فيبقي‌ آنذاك‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌.

 ونقرأ من‌ جهة‌ أُخري‌ قوله‌: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ.

 فوجه‌ الله‌ ـ إذَن‌ ـ في‌ كلّ مكان‌، وقد أحاط‌ وجهه‌ الموجودات‌ كلّها. وما أفادته‌ تلك‌ الآية‌ في‌ أنّ وجه‌ الله‌ باقٍ علی‌ الدوام‌، يستنتج‌ منه‌ أنّ الموجودات‌ باقية‌ علی‌ الدوام‌.

 بينما يقول‌ سبحانه‌ في‌ صدر الآية‌: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ. فكيف‌ يمكن‌ القول‌ إنّ الموجودات‌ بأسرها هالكة‌ وفانية‌ غير وجه‌ الله‌، في‌ حين‌ أنـّها ثابتة‌ باقية‌؟

 إنّ الإجابة‌ عن‌ هذا السؤال‌ تتمّ بنفس‌ النظرة‌ التي‌ ذكرناها، وهي‌ أنّ الموجودات‌ والاشياء التي‌ يمكن‌ أن‌ تتّخذ طابع‌ الشيئيّة‌ لها وجهان‌: وجه‌ خلقي‌ّ، و وجه‌ أمري‌ّ، أي‌: لها صورة‌ ووجه‌ استقلالي‌ّ خلقي‌ّ، وصورة‌ ووجه‌ إلهي‌ّ. فمن‌ حيث‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ نري‌ أنّ الموجودات‌ برمّتها فانية‌ وهالكة‌ وباطلة‌، أمّا من‌ حيث‌ وجه‌ الله‌ فإنّ الموجودات‌ كلّها باقية‌ لايطرأ علیها الزوال‌ والفناء والبوار ولا يصيبها أبداً.

 وهذا هو المطلب‌ الذي‌ أثُبت‌ في‌ الفلسفة‌ الإلهيّة‌ وهو أنّ الوجود ناقض‌ وطارد للعدم‌، وأنّ الشي‌ء الموجود المرتدي‌ لباس‌ الوجود بالرغم‌ من‌ إمكان‌ تغيّر شكله‌ وصورته‌ فيما بعد أو انعدامه‌ في‌ زمان‌ لاحق‌، إلاّ أنـّه‌ مع‌ تلك‌ الخصائص‌ جميعها، بما فيها ملاحظة‌ الزمن‌ وسائر الخصائص‌ والمواصفات‌، لا يمكن‌ أن‌ يعدم‌ بعد وجوده‌ مع‌ تلك‌ الشرائط‌ والخواصّ، ولايُمكن‌ أن‌ يقال‌ للوجود عدماً، لانّ المفهوم‌ القائل‌ (الوجود والعدم‌ مفهومان‌ متناقضان‌) من‌ المفاهيم‌ البديهيّة‌ الاوّليّة‌.

 وهذا المطلب‌ الذي‌ أوضحه‌ القرآن‌ الكريم‌ مطلب‌ دقيق‌ جدّاً وجدير بالتفكّر والتأمّل‌ وهو أنّ الموجودات‌ والاشياء بالرغم‌ من‌ حفظها لوحدتها، فإنّ أصالتها مرتبطة‌ بجهة‌ وجه‌ الله‌ تلك‌. وبناءً علی‌ تلك‌ الجهة‌ فإنّ الموجودات‌ قاطبة‌ موجودة‌ لا يطرأ علیها البوار والزوال‌. أمّا بناءً علی‌ الجهة‌ الخلقيّة‌ فإنّ الموجودات‌ جميعها زائلة‌ بلا شكّ. هذا إذا كان‌ كلّ موجود شيئاً واحداً لا ينقسم‌ ولا يتجزّأ إلي‌ جزئين‌ أو قسمين‌ لنقول‌ إنّ جزءاً منه‌ زائل‌ والآخر باقٍ ثابت‌.

 الرجوع الي الفهرس

الوجه‌ الخلقي‌ّ للاشياء فانٍ علی‌ الدوام‌، ووجهها الإلهي‌ّ باقٍ علی‌ الدوام‌

 وعلیه‌ فإنّ هذا الفناء الذي‌ نحسّه‌ في‌ الموجودات‌، وما تذكره‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ المباركة‌ في‌ ظهور القيامة‌ أنّ الشمس‌ تنكسف‌، والنجوم‌ تنكدر وتتهاوي‌ وتتناثر، والارض‌ تسـطّح‌ وتمدّ، والسـماء تنشـقّ وتنصدع‌، والبحار تسجّر وتفور، والاشياء بأسرها تفني‌ وتبطل‌ وتعطّل‌، وهذا النظام‌ كلّه‌ زائل‌ وفان‌، هذه‌ الاشياء بأجمعها من‌ حيث‌ وجه‌ الخلق‌.

 أي‌: أنّ شيئيّتها من‌ جهة‌ وجه‌ الخلق‌ التي‌ ينظر إليها الإنسان‌ فانية‌ وهالكة‌ بأجمعها، أمّا من‌ جهة‌ وجه‌ الله‌، فإنّ الموجودات‌ كافّة‌، بما فيها هذه‌ السماء والارض‌، وهذه‌ الجبال‌ والبحار، ثابتة‌ وطيدة‌، لانّ وجه‌ الله‌ باقٍ لا يزول‌. وهذه‌ النتيجة‌ تستند إلي‌ الآيات‌ التي‌ ذكرناها إذ ليس‌ هناك‌ موجود إلاّ وفيه‌ وجه‌ الله‌، لانّ وجه‌ الله‌ موجود في‌ كلّ موجود. وأنّ كلّ موجود لا يوجد حتّي‌ يكون‌ فيه‌ عنوان‌ وجه‌ الله‌، أي‌: حتّي‌ يكون‌ فيه‌ ارتباطه‌ الملكوتي‌ّ بالله‌ تعالي‌، فوجود الموجود مرتبط‌ بالجانب‌ الملكوتي‌ّ والوجه‌ الإلهي‌ّ. وعلیه‌ فإنّ وجه‌ الله‌ موجود في‌ الموجودات‌ برمّتها.

 فَسُبْحَـ'نَ الَّذِي‌ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.[1]

 ومن‌ ذلك‌ المنظار فإنّها لا فناء لها ولا بطلان‌.

 الرجوع الي الفهرس

الروايات‌ الواردة‌ في‌ فناء الوجه‌ الخلقي‌ّ وبقاء الوجه‌ الربّي‌ّ

 وقد وردت‌ روايات‌ تثبت‌ الوجود للموجودات‌، للسماء والارض‌، والزمان‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ تدلّ فيه‌ علی‌ زوال‌ هذه‌ الموجودات‌ عند حلول‌ القيامة‌ وتجلّيها. فهي‌ تقول‌ إنّها موجودة‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ تقول‌ إنّها معدومة‌. فهو وجود ـ إذَن‌ ـ في‌ عين‌ الفناء والعدم‌، وعدم‌ وفناء في‌ عين‌ الوجود والاصالة‌. وهذه‌ مسألة‌ جديرة‌ بالتأمّل‌ والدقّة‌، وينبغي‌ الالتفات‌ جيّداً إلي‌ أمر معيّن‌، وهو: ما مفاد ومفهوم‌ هذه‌ الروايات‌؟

 يقول‌ أمير المؤمنين‌ ضمن‌ خطبة‌ في‌ نهج‌ البلاغة‌:

 وَإِنَّ اللَهَ سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَناءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لاَ شَي‌ءَ مَعَهُ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلاَ وَقتٍ وَلاَ مَكَانٍ وَلاَ حِينٍ وَلاَزَمَانٍ. عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الآجَالُ وَالاْوقاتُ، وَزَالَتِ السُّنُونُ وَالسَّاعَاتُ. فَلاَشَيْءَ إِلاَّ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الَّذِي‌ إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الاْمُورِ. [2]

 فأمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌ هنا: إنّ الله‌ سيكون‌ وحده‌ لاشي‌ء معه‌، كما كان‌ من‌ قبل‌ وحده‌ لا شي‌ء معه‌، وإنّ الساعات‌ والحين‌ والاجل‌ والزمان‌ ستزال‌ وتطوي‌، وإنّ مصير الكلّ إلي‌ الله‌ تعالي‌.

 ويستفاد من‌ هذا أنّ هناك‌ أُموراً لا تزول‌ ولا تصبح‌ عدماً صرفاً، وأنّ لها عودة‌ ورجوعاً، وأنّ عودتها ومآلها إلي‌ الله‌ سبحانه‌.

 يروي‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ في‌ تفسيره‌، في‌ ذيل‌ آية‌ « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ»، بسنده‌ عن‌ عبيد بن‌ زرارة‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌، أنـّه‌ علیه‌ السلام‌ قال‌:

 ثُمَّ يَقُولُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَنِ الْمُلْكُ اليَوْمَ؟ فَيَرُدُّ علی‌ نَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، أَيْنَ الَّذِينَ ادَّعَوا مَعِي‌َ إِلَهاً آخَرَ؟ أَيْنَ الْمُتکَبِّرُونَ؟[3]

 ويلاحظ‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ أنـّه‌ أثبت‌ لذاته‌ المقدّسة‌ اسم‌ الواحد واسم‌ القهّار، وأنّ هذين‌ الاسمين‌ عالمان‌ موجودان‌.

 كما يروي‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ في‌ تفسيره‌ في‌ ذيل‌ آية‌ (نفخ‌ الصعق‌) رواية‌ عن‌ ثوير بن‌ أبي‌ فاختة‌، عن‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌، وقد أوردنا هذه‌ الرواية‌ ضمن‌ البحث‌ في‌ نفخ‌ الصور؛ ومن‌ جملة‌ فقراتها:

 فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادِي‌ الْجَبَّارُ بِصَوْتٍ مِنْ قَبْلِهِ جَهْوَرِي‌ٍّ يَسْمَعُ أقْطَارُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرَضِينَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فَلاَ يُجِيبُهُ مُجِيبٌ.

 فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْجَبَّارُ مُجِيباً لِنَنفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.[4]

 ويستفاد من‌ هذه‌ الرواية‌ أيضاً أنّ هناك‌ صوتاً يومئذٍ، وهو صوت‌ جهوري‌ّ، وأنّ السماوات‌ والارض‌ موجودة‌ أيضاً، وأنّ أقطارها ونواحيها قاطبة‌ تسمع‌ صوت‌ الله‌ تعالي‌، فليس‌ من‌ مُجيب‌ له‌. إذَن‌ فالسماء والارض‌ موجودتان‌ آنذاك‌.

 وينقل‌ الصدوق‌ في‌ «التوحيد»، بسنده‌ عن‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ رواية‌ يستشهد في‌ سياقها بكلام‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، حيث‌ يفسّر الإمام‌ معاني‌ حروف‌ الهجاء، فيقول‌ عن‌ حرف‌ الميم‌:

 فَالْمِيمُ مُلْكُ اللَهِ يَوْمِ الدِّينِ يَوْمَ لاَ مَالِكَ غَيْرُهُ؛ وَيَقُولُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثُمَّ تَنْطِقُ أَرْوَاحُ أَنْبِيائِهِ وَرُسُلِهِ وَحُجَجِهِ فَيَقُولُونَ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.[5]

 ويستفاد من‌ هذه‌ الرواية‌ أنّ أرواح‌ الانبياء والمرسلين‌ والحجج‌ الإلهيّة‌ موجودة‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌.

 كما يروي‌ الصدوق‌ في‌ «الامالي‌»، عن‌ جميل‌ بن‌ درّاج‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌:

 اِذَا أَرَادَ اللَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ أَمْطَرَ السَّمَاءَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَاجْتَمَعَتِ الاْوْصَالُ، وَنَبَتَتِ اللُّحُومُ. [6]

 وورد في‌ هذه‌ الرواية‌ عنوان‌ أربعين‌ صباحاً وذُكر فيها المطر، فهذه‌ الاشياء موجودة‌ إذَن‌.

 وينقل‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ «الاحتجاج‌» ضمن‌ حديث‌ مفصّل‌ جدّاً عن‌ عبد الله‌ بن‌ سنان‌، في‌ احتجاج‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ الزنديق‌، وفيه‌ أنّ الزنديق‌ سأل‌ قائلاً: أَفَتَتَلاَشَي‌ الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عِنْ قَالَبِهِ، أَمْ هُوَ بَاقٍ؟ قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَي‌ وَقْتِ يُنْفَخُ فِي‌ الصُّورِ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الاْشْيَاءُ وَتَفْنَي‌ فَلاَ حِسَّ وَلاَ مَحْسُوسَ، ثُمَّ أُعِيدَتِ الاْشْيَاءُ كَمَا بَدَأَهَا مُدَبِّرُهَا؛ وَذَلِكَ أَرْبَعْمَائَة‌ سَنَةٍ؛ يَسْبُتُ فِيهَا الْخَلْقُ، وَذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. [7]

 ومع‌ أنّ هذا الكلام‌ صريح‌ في‌ أنّ الاشياء جميعها ستزول‌، فلاحسّ ولامحسوس‌، إلاّ أنّ المستفاد منه‌ هو أنّ الفترة‌ بين‌ النفختين‌ أربعمائة‌ سنة‌، فيتّضح‌ من‌ ذلك‌ أنّ هناك‌ زماناً، يضاف‌ إلي‌ أنـّه‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌ يَسْبُتُ فِيهَا الْخَلْقُ لا أنـّهم‌ يفنون‌ ويصبحون‌ عدماً صرفاً.

 وبعد حوار آخر، يستوضح‌ فيه‌ الزنديق‌ الإمام‌، فيقول‌ علیه‌ السلام‌ ضمن‌ إجابته‌ له‌:

 فَإِذَا كَانَ حِينَ الْبَعْثِ مُطِرَت‌ الاْرْضُ مَطَرَ النُّشُورِ، فَتَرْبُو الاْرْضُ ثُمَّ تُمْخَضُّ مَخْضَ السِّقَاءِ، فَيَصِيرُ تُرَابُ الْبَشَرِ كَمَصِيرِ الذَّهَبِ مِنَ التُّرَابِ إِذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ، وَالزَّبَدِ مِنَ اللَّبَنِ إِذَا مُخِضَ، فَيَجْتَمِعُ تُرَابُ كُلِّ قَالِبٍ إِلَي‌ قَالِبِهِ، فَيَنْتَقِلُ بِإِذْنِ اللَهِ الْقَادِرِ إِلَي‌ حَيْثُ الرُّوحِ، فَتَعُودُ الصُّوَرُ بِإِذْنِ الْمُصَوِّرِ كَهَيئَتِهَا وَتَلِجُ الرُّوحُ فِيهَا، فَإِذَا قَدِ اسْتَوي‌ لاَ يُنْكرُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً. [8]

 وورد في‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ الرواية‌ أيضاً تعبير «مطرت‌ الارض‌» فيستبين‌ أنّ هناك‌ مطراً، وأنّ هناك‌ أرضاً، وأن‌ للارض‌ حركة‌ ومخضاً كمخض‌ السقاء.

 الرجوع الي الفهرس

إحياء جبرئيل‌ شخصين‌ ميّتين‌ لرسول‌ الله‌ في‌ البقيع‌

 وكذلك‌ يروي‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ عُمير، عن‌ جميل‌ بن‌ درّاج‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌:

 إذا أراد الله‌ أن‌ يبعث‌ الخلق‌ أمطر السماء علی‌ الارض‌ أربعين‌ صباحاً فاجتمعت‌ الاوصال‌ ونبتت‌ اللحوم‌. وقال‌ أتي‌ جبرئيل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ فأخذ بيده‌ وأخرجه‌ إلي‌ البقيع‌ فانتهي‌ به‌ إلي‌ قبر فصوت‌ بصاحبه‌ فقال‌: قُم‌ بإذن‌ الله‌! فخرج‌ منه‌ رجل‌ أبيض‌ الرأس‌ واللحية‌ يمسح‌ التراب‌ عن‌ وجهه‌ وهو يقول‌: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَهُ أَكْبَرُ. فقال‌ جبرئيل‌: عُد بإذن‌ الله‌. ثمّ انتهي‌ به‌ إلي‌ قبر آخر فقال‌: قُم‌ بإذن‌ الله‌! فخرج‌ منه‌ رجل‌ مسوّد الوجه‌ وهو يقول‌: يَا حَسْرَتَاهُ يَا ثُبُورَاهُ. ثمّ قال‌ له‌ جبرئيل‌: عُد إلي‌ ما كنتَ فيه‌ بإذن‌ الله‌. فقال‌: يا محمّد! هكذا يُحشرون‌ يوم‌ القيامة‌، فالمؤمنون‌ يقولون‌ هذا القول‌ وهؤلاء يقولون‌ ما تري‌. [9]

 الرجوع الي الفهرس

الإشكالات‌ الواردة‌ علی‌ انعدام‌ الزمان‌ بين‌ نفخي‌ الصور

 ونري‌ أيضاً في‌ هذه‌ الرواية‌ مجي‌ء عنوان‌ المطر وعنوان‌ الاربعين‌ صباحاً. وأمثال‌ هذه‌ الروايات‌ أو أمثال‌ هذه‌ التعابير كثير وجمّ، وذكرنا هذه‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌ كنموذج‌ ومثال‌. وهي‌ جميعها تدلّ علی‌ عدم‌ بقاء أي‌ّ موجود، وعلی‌ أنّ الموجودات‌ ستزول‌ وتبطل‌، وأنّ الله‌ تعالي‌ سيبقي‌ دون‌ سواه‌، فـ «لاَ حِسَّ وَلاَ مَحْسُوسَ».

 وعلی‌ هذا، فما معني‌ التقدير بالزمان‌ في‌ قوله‌ «أَرْبَعْمَائَة‌ سَنَة‌... بَيْنَ النَّفْخَتَينِ»؟

 إذ إنّ الزمان‌ هو نفسه‌ أحد الموجودات‌ وسيزول‌ أيضاً. إذَن‌ فإنّ التقدير بالسنوات‌ الاربعمائة‌ ـ مع‌ أنّ الموجودات‌ كلّها تزول‌ فلا يبقي‌ غير ذات‌ الله‌ الواحد القهّار. فلا حسّ ولا محسوس‌ ـ أمرٌ لا ينسجم‌ مع‌ سياق‌ الرواية‌.

 ونعلم‌ من‌ جهة‌ أُخري‌ أنّ الموجودات‌ بأسرها لو فنيت‌ وزالت‌، فإنّ الزمان‌ سيزول‌ وينعدم‌ أيضاً، فالإعادة‌ ـ إذَن‌ ـ لن‌ تكون‌ ذات‌ معني‌.

 إذ إنّ تعبير «أُعِيدَتِ الاْشْيَاءُ» يعني‌ أنّ هناك‌ شيئاً كان‌ موجوداً ثمّ فني‌ وانعدم‌، فأعاده‌ الله‌ تعالي‌ في‌ زمان‌ آخر.

 وحينما ينعدم‌ الزمان‌ ويفني‌ كلّيّاً، فإنّ ذلك‌ الشي‌ء الذي‌ يريد الله‌ إيجاده‌ الآن‌ لا يحمل‌ عنوان‌ العَوْد، إذ ليس‌ هناك‌ زمان‌.

 ولو كان‌ هناك‌ زمان‌، لقلنا في‌ الزمن‌ الاوّل‌: خَلَق‌، ثمّ أماتَ، ثمّ أعادَ. أمّا إذا لم‌ يكن‌ زمان‌ في‌ البين‌، فلن‌ يكون‌ هناك‌ عنوان‌ الإعادة‌. وعلیه‌ فإنّ تلك‌ الموجودات‌ التي‌ يوجدها الله‌ تعالي‌ ليس‌ لها مَعاد، فقد أوجد سابقاً موجودات‌ معيّنة‌، ويوجِد موجودات‌ أُخري‌ بعدُ، فهذه‌ الموجودات‌ لاتمتلك‌ عنوان‌ التأخّر نسبة‌ إلي‌ السابق‌ فنقول‌: إنّها عادت‌.

 ذلك‌ أنّ الزمان‌ قد أُزيل‌، فلا عنوان‌ للتقدّم‌ والتأخّر، وصارت‌ نسبة‌ الموجودات‌ السابقة‌ واللاحقة‌ سواء، فلا سبق‌ ولا لحوق‌ لاحدها بالنسبة‌ إلي‌ الآخر، ولا (قبلُ) في‌ الامر ولا (بعدُ). لانّ الزمان‌ هو الذي‌ ينسّق‌ الموجودات‌ في‌ نظام‌ واحد ويرتّبها كحبّات‌ المسبحة‌ وكصفحات‌ الكتاب‌، ويمنحها عنوان‌ التقدّم‌ والتأخّر.

 وكما أنـّنا لا يمكن‌ أن‌ ننسب‌ الموجودات‌ السابقة‌ إلي‌ الزمان‌ السابق‌ ـلانّ الزمان‌ لمّا أُزيل‌ فليس‌ من‌ معنيً بعدُ للزمن‌ الحاضرـ فإنّنا لايمكننا كذلك‌ أن‌ نقول‌ للموجودات‌ اللاحقة‌ أنـّها لاحقة‌.

 هلمّوا واعكسوا الامر هنا وقولوا إنّ تلك‌ الموجودات‌ السابقة‌ هي‌ معاد هذه‌ الموجودات‌ اللاحقة‌، إذ عندما ينعدم‌ تدرّج‌ الزمان‌ ويزول‌ تحقّق‌ عنوان‌ التقدّم‌ والتأخّر واللحقوق‌ والسبق‌، فما الفرق‌ بين‌ أن‌ نعتبر الموجودات‌ اللاحقة‌ معاداً للموجودات‌ السابقة‌ أو أن‌ نعكس‌ الامر فنضع‌ السابقة‌ معاداً للاّحقة‌؟ وفي‌ ضوء افتراض‌ انعدام‌ الزمان‌ كلّيّاً، فإنّ عنوان‌ العود والمعاد والعودة‌ والرجوع‌ والمآل‌ وجميع‌ الالفاظ‌ التي‌ تفيد هذا المعني‌ ستفقد معناها، وستكون‌ الموجودات‌ اللاحقة‌ موجودات‌ أوجدها الله‌ ابتداءً، ويكون‌ عنوان‌ اللحوق‌ لها مجرّد تعبير ولقلقة‌ لسان‌.

 وهذه‌ المسألة‌ مسألة‌ مهمّة‌، وهذا الإشكال‌ ينبغي‌ حلّه‌، كما أنّ هذه‌ الروايات‌ لا يمكن‌ تخطّيها ورفضها وطرحها جانباً، إذ إنّها كلمات‌ الائمّة‌ الذين‌ هم‌ معدن‌ العلوم‌ ومستودع‌ أسرار الغيب‌ والمعارف‌ الإلهيّة‌، إنّه‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ والسجّاد والصادقَينِ علیهم‌ السلام‌، ولا يمكن‌ أن‌ نغضّ الطرف‌ عنها.

 وهؤلاء الائمّة‌ هم‌ مفسّـرو القرآن‌، وهـم‌ المسـتقرّون‌ في‌ منهل‌ المعرفة‌، والعالمون‌ بحقائق‌ كتاب‌ الله‌ وبواطنه‌، وباطن‌ معاني‌ آيات‌ القرآن‌ وروحها في‌ متناول‌ أيديهم‌.

 قال‌ جدّنا العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ بعد أن‌ ذكر الخبر المروي‌ّ عن‌ «الاحتجاج‌» للشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ خبر الزنديق‌ الذي‌ كان‌ يطرح‌ أسئلة‌ علی‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ويسأل‌ عن‌ بقاء الروح‌ بعد الموت‌، وأجاب‌ الإمام‌ بالبقاء، وقال‌ إنّ بين‌ النفختين‌ أربعمائة‌ سنة‌: هذا الخبر يدلّ علی‌ فناء الاشياء وانعدامها بعد نفخ‌ الصور، وعلی‌ أنّ الزمان‌ أمر موهوم‌ وإلاّ فلايمكن‌ تقديره‌ بأربعمائة‌ سنة‌ بعد فناء الافلاك‌، ويمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد ما سوي‌ الافلاك‌، أمّا ما سوي‌ فلك‌ واحد يتقدّر به‌ الازمان‌. [10]

 وقال‌ أُستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ مدّ ظلّه‌ العالي‌ [11] في‌ تعلیقته‌ علی‌ كلام‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ: ظاهرُ الخبر بطلانُ الاشياء وفناؤها بذواتها وآثارها، فيشكل‌ حينئذٍ أوّلاً بأنّ بطلان‌ الاشياء وحركاتها يوجب‌ بطلان‌ الزمان‌، فما معني‌ التقدير بأربعمائة‌ سنة‌؟

 وثانياً أنّ فرض‌ بطلان‌ الاشياء مع‌ بطلان‌ الزمان‌ لا يُبقي‌ معني‌ للاءعادة‌، إذ مع‌ بطلان‌ الزمان‌ وانقطاع‌ اتّصال‌ ما فرض‌ أصلاً وما فرض‌ معاداً يبطل‌ نسبة‌ السابقيّة‌ واللاحقيّة‌ بينهما ولا معني‌ للاءعادة‌ حينئذٍ. وأمّا ما ذكره‌ المؤلّف‌ قدّس‌ سرّه‌ الشريف‌ أوّلاً من‌ احتمال‌ كون‌ الزمان‌ أمراً موهوماً، فلايدفع‌ الإشكال‌ لاستلزامه‌ بطلان‌ كلّ تقدّم‌ وتأخّر زماني‌ّ في‌ العالم‌ حتّي‌ قبل‌ نفخ‌ الصور، ولا يمكن‌ الالتزام‌ به‌. وما ذكره‌ ثانياً: أنّ المراد بطلان‌ ما سوي‌ الافلاك‌ فهو ممّا يأبي‌ عنه‌ لسان‌ الخبر والخبر الآتي‌، علی‌ أنّ ما اعتمد علیه‌ في‌ ثبوت‌ وجود الافلاك‌ لو تمّ لدلّ علی‌ وجوب‌ اشتمال‌ الفلك‌ علی‌ عالم‌ العناصر في‌ جوفه‌. وما ذكره‌ من‌ كون‌ المراد بطلان‌ الاشياء ما سوي‌ فلك‌ واحد يتقدّر بها الزمان‌ يشكل‌ علیه‌ ما يشكل‌ علی‌ سابقه‌، ويزيد أنّ هذه‌ الفلك‌ علی‌ فرض‌ وجودها تقدّر الزمان‌ بحركتها الوضعيّة‌، ولامعني‌ للحركة‌ الوضعيّة‌ مع‌ انعدام‌ الاشياء الخارجة‌ من‌ الفلك‌، وهو ظاهر. علی‌ أنّ فرضيّة‌ وجود الافلاك‌ البطليموسيّة‌ ممّا اتّضح‌ فسادها في‌ هذا العصر؛ والرواية‌ مع‌ ذلك‌ كلّه‌ غير مطروحة‌ ولبيان‌ معناها الدقيق‌ محلّ آخر ذو مجال‌ وسعة‌ ـ انتهي‌.[12]

 الرجوع الي الفهرس

الطريق‌ الوحيد لحلّ الإشكال‌ في‌ روايات‌ نفخ‌ الصور المحدّدة‌ بزمن‌ معيّن

 ولقد كان‌ كلام‌ الاُستاد العلاّمة‌ في‌ ردّه‌ علی‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ غاية‌ المتانة‌ والإتقان‌. ويمكن‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ المعني‌ الدقيق‌ الذي‌ أشار إليه‌ هو المعني‌ الذي‌ نعبّر عنه‌ بوجه‌ الخلق‌ ووجه‌ الربّ. كما أنّ العلاّمة‌ يعتقد في‌ رسالته‌ الخطّيّة‌ في‌ المعاد بجهتي‌ الفناء والبقاء، وببطلان‌ سلسلة‌ علل‌ هذا العالم‌ وأسبابه‌، وبإشراق‌ نور التوحيد في‌ ذلك‌ العالم‌. و مُحَصّلُ الجَوابِ هُوَ الَّذِي‌ أَعْطَاهُ القرآنُ الكريم‌.

 وهذه‌ الاخبار في‌ الوقت‌ الذي‌ تنفي‌ فيه‌ السماء والارض‌، فإنّها تثبتهما أيضاً، وبينما تنفي‌ الساعات‌ والسنوات‌ والآجال‌ والازمنة‌، فإنّها تثبت‌ الاجل‌ والسعة‌ والزمن‌ والسنة‌.

 أي‌: أنـّها تريد القول‌ إنّ هذه‌ جميعها فانية‌، لكن‌ بفنائها هي‌، وإنّها جميعاً باقية‌، ولكن‌ ببقاء الحقّ، كما أنّ القول‌ قد سبق‌ بأنّ للموجودات‌ وجهين‌: وجهة‌ خلقيّة‌، ووجهة‌ خالقيّة‌. فالوجهة‌ الخلقيّة‌ كلّها فانية‌، قد حتّم‌ علیها جميعاً البوار والهلاك‌ والبطلان‌، وطُبع‌ علی‌ جبينها بخاتم‌ الزوال‌.

 أمّا الوجهة‌ الخالقيّة‌ فهي‌ وجهة‌ باقية‌، موجودة‌ بوجود الله‌ تعالي‌، وهذا أمر غير قابل‌ للزوال‌: كلّ شي‌ء هالك‌ إلاّ وجهه‌.

 والعجيب‌ هنا أنـّنا نتخيّل‌ أنّ هذه‌ السماوات‌ والارض‌ وكلّ ما هو موجود هالك‌ جميعاً إلاّ وجه‌ الله‌، وأنّ وجه‌ الله‌ أمر موهوم‌ خيالي‌ّ لاأصالة‌ له‌ ولا اعتبار ولا قوام‌.

 مع‌ أنّ الامر علی‌ عكس‌ ذلك‌ تماماً، فهذه‌ الموجودات‌ المحسوسة‌ اللافتة‌ للنظر التي‌ ملات‌ العالم‌ كلّه‌، أصالتها وحقيقتها هي‌ جانب‌ وجه‌ الله‌، وهي‌ موهومة‌ خياليّة‌ بغير وجهتها الإلهيّة‌، أي‌: أنّ وجهتها الخلقيّة‌ ضعيفة‌ وموهومة‌ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ، لا أساس‌ لها ولا اعتبار، فهي‌ سراب‌ فحسب‌.

 ما أكثر ما جري‌ الكلام‌ عن‌ هذه‌ الوجهة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ والاخبار بتعبيرات‌ لطيفة‌ أُخري‌ تماثل‌ هذا التعبير!

 ويجب‌ أن‌ نري‌ الآن‌ كيف‌ تمتلك‌ الموجودات‌ وجهتين‌ مع‌ أنـّها شي‌ء واحد! فكيف‌ ـ تري‌ ـ يصبح‌ الواحد اثنيناً؟ وما هو منشأ هذا التعدّد في‌ الوجـه‌ الذي‌ عبّرنا عنه‌ بوجـه‌ الخلق‌ ووجـه‌ الربّ أو وجـه‌ الخالق‌ أو وجه‌الله‌؟ وما هما الاصلان‌ المختلفان‌ اللذان‌ هما منشأ وأساس‌ هذين‌ العنوانينِ؟

 هل‌ كـان‌ جانبا وجـه‌ الخلق‌ ووجـه‌ الله‌ جـزءين‌ خـارجيّين‌ فـي‌ الموجودات‌، بحيث‌ يوجد كلّ موجود بواسطة‌ مزج‌ وتركيب‌ ذينك‌ الجزئين‌؟ كما هي‌ الحال‌ في‌ المركّبات‌ الخارجيّة‌ مثل‌ العقيق‌ الذي‌ يحصل‌ إثر تفاعل‌ عنصرين‌ أو أكثر، فيرتديان‌ لباس‌ الوحدة‌ ويصبحان‌ شيئاً واحداً؟

 وهل‌ هذان‌ الجانبان‌ والجهتان‌ جزءان‌ تحليليّان‌ عقليّان‌ كالناطقيّة‌ والحيوانيّة‌ التي‌ أنتج‌ مجموعهما مفهوم‌ الإنسانيّة‌، بحيث‌ صارت‌ حقيقتا الحيوان‌ والناطق‌ في‌ الخارج‌ إنساناً؟

 في‌ الحقيقة‌ أنّ في‌ الخارج‌ موجوداً واحداً فقط‌ باسم‌ الإنسان‌، لكنّ العقل‌ حين‌ ينظر إليه‌ بمجهره‌ الدقيق‌، فإنّه‌ يري‌ جهة‌ اشتراك‌ مع‌ سائر الحيوانات‌ المتحرّكة‌ ذات‌ الإرادة‌ تعود منه‌ إلي‌ الحيوان‌؛ كما يري‌ جهة‌ مختصّة‌ بالإنسان‌، وهي‌ قابليّة‌ إدراك‌ المعاني‌ الكلّيّة‌ المعبّر عن‌ صاحبها بالناطق‌. إلاّ أنّ منشأ هذا التحليل‌ العقلي‌ّ في‌ النهاية‌ أمران‌ خارجيّان‌ هما حقيقتا الحيوان‌ والناطق‌ في‌ الخارج‌، وهاتان‌ الحقيقتان‌ هما شي‌ء واحد في‌الخارج‌، إلاّ أنّ منشأ انتزاع‌ هذين‌ العنوانين‌ العقليّين‌ من‌ الخارج‌ متعدّد.

 الرجوع الي الفهرس

الوجه‌ الخلقي‌ّ مجازي‌ّ، والوجه‌ الإلهي‌ّ حقيقي

 أو أنّ هذين‌ العنوانين‌: وجه‌ الخلق‌ ووجه‌ الخالق‌ ليسا منشأ الانتزاع‌ الخارجي‌ّ في‌ عين‌ وحدة‌ الاشياء، بل‌ إنّ وجه‌ الخلق‌ أمر اعتباري‌ّ، ووجه‌ الخالق‌ أمر واقعي‌ّ حقيقي‌ّ؟

 الرجوع الي الفهرس

اثنينيّة‌ جانبي‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ والوجه‌ الإلهي‌ّ بلحاظ‌ النظر الاعتباري‌ّ والحقيقي‌ّ

 وعلیه‌ فإنّ الاختلاف‌ بين‌ هذين‌ الوجهين‌ هو اختلاف‌ المجاز والحقيقة‌، والباطل‌ والصحيح‌، والنظر البدائي‌ّ والنظر النهائي‌ّ، والسراب‌ والماء.

 أمّا في‌ نظر الافراد الذين‌ ينظرون‌ إلي‌ هذا العالم‌ بناءً علی‌ سلسلة‌ العلل‌ والاسباب‌ المستقلّة‌، فإنّ وجهها الخلقي‌ّ موجود؛ وأمّا في‌ نظر الافراد الذين‌ تغيّرت‌ رؤيتهم‌ الاستقلاليّة‌ إلي‌ الاشياء، في‌ الدنيا أو بعد الموت‌ إلي‌ رؤية‌ تبصر حقيقتها وواقعها، ويرون‌ العوالم‌ جميعها مجرّد ظهور وتجلٍّ لذات‌ الحقّ المتعال‌، فإنّ وجهها الخالقي‌ّ موجود.

 فوجهها الخلقي‌ّ هو مشاهدة‌ هذا العالم‌ بناءً علی‌ محور تحقّق‌ العلل‌ والمعلولات‌، حيث‌ تري‌ الاسباب‌ والعلل‌ مستقلّة‌ التأثير في‌ المسبَّبات‌ والمعلولات‌. وهذه‌ الوجهة‌ الخلقيّة‌ هي‌ التي‌ يقال‌ عنها: إنّ النبات‌ لاينبت‌ ولايخضرّ ما لم‌ توجد الشمس‌؛ وإنّه‌ لا ينمو بلا ماء، وإنّه‌ يحتاج‌ إلي‌ الهواء؛ وإنّ شروط‌ البيئة‌ التي‌ ينمو فيها النبات‌ تؤثّر في‌ نموّه‌ تماماً؛ وإنّ الجنين‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌ علی‌ النحو الفلاني‌ّ، وإنّ علیه‌ أن‌ يطوي‌ مراحل‌ معيّنة‌، وإلاّ لما وجد ونما، ولما صار له‌ عقل‌ وذكاء؛ وإنّ موجودات‌ هذا العالم‌ جميعها تتحرّك‌ في‌ سلسلة‌ انتظام‌ صحيح‌ للعلّة‌ والمعلول‌، فإن‌ تخطّت‌ إحدي‌ العلل‌ محلّها فإنّ العالم‌ سيفسد من‌ أساسه‌. فهذا العالم‌ هو عالم‌ الخلق‌، وعالم‌ الخلق‌ موضوع‌ علی‌ سنّة‌ عالم‌ العلل‌ والاسباب‌، فإذا زالت‌ روابط‌ العلّة‌ والمعلول‌ في‌ هذا العالم‌، زال‌ هذا العالم‌ معها، فلا وجود لعالم‌ الخلق‌ بعدُ.

 الرجوع الي الفهرس

لو جري‌ النظر إلي‌ عالم‌ الخلق‌ بالنظرة‌ التوحيديّة‌ لظهر عالم‌ الامر

 أمّا لو نظر امرؤ من‌ جانب‌ الوجهة‌ الخالقيّة‌ ومن‌ جانب‌ الوجه‌ الإلهي‌ّ، فإنّه‌ سيري‌ هذه‌ العلل‌ والمعلولات‌ كلّها في‌ يد الربّ الذي‌ هو علّة‌ العلل‌، وسيراه‌ علّة‌ العلل‌ في‌ الموجودات‌ ويري‌ أنـّه‌ هو المؤثّر؛ كما أنـّه‌ سيري‌ العوالم‌ برمّتها وهذه‌ السلسلة‌ الطوليّة‌ المترتّبة‌ طائعة‌ وخاضعة‌ للّه‌ ومندكّة‌ وفانية‌ فناءً محضاً تحت‌ قدرة‌ الله‌ وعلمه‌ وإرادته‌. وسينظر إلي‌ عوالم‌ الوجود قاطبة‌ علی‌ أنـّها نوره‌ وضياؤه‌ وشعاع‌ ذاته‌، وسيعتبر العوالم‌ بأسرها آثار الحقّ جلّ وعلا وخواصّه‌، التي‌ هي‌ في‌ حكم‌ ملكات‌ الإنسان‌ وصفاته‌ وأفعاله‌ وجوارحه‌ المتعلّقة‌ بروحه‌. فأسماء ذات‌ الحقّ وصفاته‌ وأفعاله‌ هذه‌ ليست‌ موجبة‌ للتعدّد ولا للتحديد في‌ الوجود، كما أنـّها لم‌ تتخطَّ دائرة‌ قدرته‌ وعلمه‌ وحياته‌ وإرادته‌ جلّ وعزّ. ويُدرك‌ قوله‌ تعالي‌: فَسُبْحَـ'نَ الَّذِي‌ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ.[13]

 ويُدرك‌: هُوَ اللَهُ أَحَدٌ. [14]

 ويُدرك‌: هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّـ'هِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شيْءٍ علیمٌ. [15]

 ويُدرك‌: لَهُ و مُلْكُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ وَإِلَي‌ اللَهِ تُرْجَعُ الاْمُورُ. [16]

 ويُدرك‌: وَهُو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ. [17]

 ويُدرك‌ بوضوح‌ حصر آيات‌ القرآن‌ للصفات‌ في‌ ذاته‌ تعالي‌، مثل‌:

 اللَهُ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. [18]

 ومثل‌: إِنَّهُ و هُوَ السَّمِيعُ الْعلیمُ. [19]

 ومثل‌: إِنَّهُ و هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. [20]

 أي‌ أنـّه‌ سيدرك‌ أنّ المقدّس‌ والمنزّه‌ هو الله‌ الذي‌ بيده‌ روح‌ كلّ شي‌ء وملكوته‌.

 ويدرك‌ أنـّه‌ الاوّل‌ والآخر والظاهر والباطن‌ والعالم‌ بكلّ شي‌ء.

 ويدرك‌ أنَّ ملك‌ السماوات‌ والارض‌ وسلطانها مختصّ به‌، وأنَّ مرجع‌ كلّ الاُمور إلي‌ الله‌ سبحانه‌.

 ويدرك‌ أنـّه‌ معكم‌ أينما كنتم‌.

 ويدرك‌ أنّ الله‌ ـلا سواه‌ـ هو المعبود الحي‌ّ القيّوم‌ بالموجودات‌، وأنـّه‌ ـلاسواه‌ـ السميع‌ العلیم‌، وأنـّه‌ ـلا سواه‌ـ السميع‌ البصير.

 وأمثالها ممّا لا يعدّ ولا يُحصي‌ التي‌ قد عمّت‌ أرجاء القرآن‌، وسيدرك‌ ذلك‌ كلّه‌ جيّداً.

 فهذا العالم‌ الطويل‌ والعريض‌ بسلسلة‌ العلل‌ والمعلولات‌ جميعها، ومع‌ كلّ الشرائط‌ والموانع‌ والمُعِدّات‌ باطل‌ وفانٍ بأسره‌، وسرابٌ ليس‌ إلاّ.

 ولكن‌ متي‌ يكون‌ سراباً؟ يكون‌ سراباً في‌ ذلك‌ الظرف‌، في‌ ظرف‌ ذلك‌ العالم‌، أي‌: في‌ عالم‌ وجه‌ الله‌. أمّا في‌ هذا الظرف‌ فالجميع‌ ثابت‌ وله‌ حقيقة‌ وواقعيّة‌، لا يمكن‌ أن‌ تتحرّك‌ شعرة‌ أو قشّة‌ فيه‌ عن‌ مكانها بدون‌ الروابط‌ الموجودة‌، ولا يمكن‌ لشعرة‌ أو قشّة‌ أن‌ توجد أو تُعدم‌ بدون‌ سلسلة‌ العلل‌.

 والحقّ أنّ روابط‌ هذه‌ السلسلة‌ دقيقة‌ وعميقة‌ إلي‌ الحدّ الذي‌ يبهر العقول‌ ويحيّرها، فهذه‌ السلسلة‌ من‌ الاسباب‌ والمسبّبات‌ التكوينيّة‌ والاُمور الشرعيّة‌ من‌ الامر والنهي‌ والقانون‌ وآلاف‌ العلل‌ والاسباب‌ التي‌ طبقت‌ أرجاء العالم‌ من‌ منظارَي‌ التكوين‌ والتشريع‌، هي‌ التي‌ تكوّن‌ هذا النظام‌.

 وسيزول‌ هذا النظام‌ حين‌ يطلع‌ نظام‌ آخر لا محلّ فيه‌ لنظرة‌ هذا النظام‌ ورؤيته‌، وسيبدو جليّاً أنّ الاختلاف‌ والمباينة‌ بين‌ هذين‌ النظامين‌ إنّما يقوم‌ علی‌ ميزان‌ تباين‌ النظر: نظر الحقيقة‌ ونظر الاعتبار.

 إنّ كلّ عالم‌ محكوم‌ بنظام‌ مختصّ به‌، فالافراد الذين‌ يعيشون‌ في‌ نظام‌ الحسّ وعالم‌ المادّة‌ والطبع‌ وروابطه‌ العلیة‌ يتطلّعون‌ إلي‌ العلل‌ المستقلّة‌ لهذا النظام‌، ويقولون‌: الشمس‌ مؤثّرة‌، القمر مؤثّر، الارض‌ والزمان‌ مؤثّران‌، الماء والمطر والهواء مؤثّرة‌، الغذاء مؤثّر، الاب‌، الاُمّ، الرفيق‌، الشـريك‌، و... جميعهم‌ مؤثّرون‌ ولهم‌ اسـتقلال‌ في‌ التأثير علی‌ حياة‌ الإنسان‌.

 أمّا في‌ نظام‌ وجه‌ الله‌ وطلوع‌ الحقيقة‌ فيقولون‌: لا شـي‌ءٌ إلاّالله‌، ولامؤثّر في‌ العالم‌ إلاّ الله‌ تعالي‌:

 فَاعْلَمْ أَنـَّهُ و لاَ إلَـ'هَ إِلاَّ اللَهُ. [21]

 لذلك‌ فإنّ مناط‌ اختلاف‌ النظرتين‌، اختلاف‌ مجال‌ رؤية‌ الإنسان‌ وإدراكه‌.

 ولقد بُني‌ عالم‌ الكثرة‌ والاسباب‌ هذا علی‌ أساس‌ النظر الاستقلالي‌ّ للنفس‌، فإن‌ طهرتْ رؤية‌ النفس‌ وتنزّهت‌، وبلغت‌ مقام‌ النزاهة‌ والرؤية‌ الطاهرة‌، لم‌ يعد عالم‌ الخلق‌ وعالم‌ الربط‌ والباطن‌ يمثّلان‌ عالمينِ حينئذٍ، بل‌ سيظهر الباطن‌ فنري‌ عالم‌ الخلق‌ بجميع‌ تشكيلاته‌ وعجائبه‌ وغرائبه‌ هذه‌ عالم‌ وجه‌ الله‌ وعالم‌ الامر.

 لقد جاءت‌ نفسنا إلي‌ هذه‌ الدنيا ونظرت‌ إلي‌ الموجودات‌، فشاهدتها مستقلّة‌ بواسطة‌ غلبة‌ الكثرة‌ وضياع‌ نور التوحيد من‌ شدّة‌ الظهور في‌ الشبكات‌ المجاليّة‌ والظاهر والعلل‌ والاسباب‌، لذا فإنّها أوجدت‌ عالم‌ الخلق‌ مقابل‌ عالم‌ الامر بهذا الاُفق‌ من‌ الرؤية‌ وشعاع‌ النظر.

 فإن‌ أوكلت‌ هذه‌ النفس‌ ـبواسطة‌ غلبة‌ الوحدة‌ وظهور نور التوحيد في‌ مظاهر العالم‌ـ نظرها الاستقلالي‌ّ إلي‌ الله‌ تعالي‌، وعطفته‌ عن‌ هذا العالم‌، فلن‌ يكون‌ ثمّة‌ عالم‌ للخلق‌، بل‌ إنّ عالم‌ الامر ـلا سواه‌ـ هو الذي‌ سيوجد. وعلیه‌ فإنّ الموجودات‌ برمّتها موجودة‌ في‌ مواقعها، وقيّومها هو الله‌ تعالي‌:

 اللَهُ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. [22]

 وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. [23]

 وبناءً علی‌ ذلك‌ فلا يعني‌ فناء الموجودات‌ وبقاء الله‌ أنّ الموجودات‌ ينبغي‌ أن‌ تنعدم‌ بوجودها الحقيقي‌ّ في‌ الخارج‌، وأن‌ تفقد جهة‌ وجه‌ الله‌ فيها، ليبقي‌ الله‌ تعالي‌ وحده‌. لانّ ذلك‌ الإله‌ الذي‌ تتوقّف‌ وحدته‌ علی‌ زوال‌ الموجودات‌ الخارجيّة‌ ليس‌ إلهاً؛ وليس‌ إلهاً ذلك‌ الذي‌ خلق‌ الموجودات‌ فامتلكت‌ بخلقه‌ لها قدرة‌ وعظمة‌ وعلماً أعادت‌ بها إلي‌ الوراء قدرة‌ الله‌ وعظمته‌ وعلمه‌، فأوجدت‌ فيها فتوراً ونقصاناً، وأجبرته‌ ـمن‌ ثمّـ علی‌ إزالتها وإعدامها ليستعيد وحدته‌ بإحاطته‌ واستيلائه‌ علی‌ الحياة‌ والعلم‌ والقدرة‌.

 بل‌ إنّ عالم‌ الخلقة‌ ونشوء الموجودات‌ لا يضعف‌ وحدة‌ الله‌، بل‌ يجعل‌ إثبات‌ وحدته‌ وقهّاريّته‌ أفضل‌ وأحسن‌، لا أنـّهُ يُضعف‌ وحدته‌.

 وعلی‌ هذا لمّا كان‌ وجود السماء والارض‌ والبحار والنجوم‌ والفضاء والمجرّات‌ والمدارات‌ وعالم‌ الملكوت‌ والعقل‌ والملائكة‌، لا يتنافي‌ مع‌ توحيد الله‌ تعالي‌، بل‌ إنّ هذه‌ الموجودات‌ هي‌ بأجمعها لسان‌ واحد وبيان‌ واحد في‌ إثبات‌ الله‌ تعالي‌، فإنّ الله‌ تعالي‌ واحد حتّي‌ مع‌ وجود الموجودات‌ قاطبة‌. كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شي‌ْءٌ وَالآنَ كَمَا كَانَ.

 ولذلك‌ فإنّ هذه‌ الاشياء التي‌ تُشاهد مقابل‌ الله‌ تعالي‌ لا تقابله‌، بل‌ هي‌ مندكّة‌ فيه‌ سبحانه‌.

 إنّ العين‌ عندما تكون‌ حولاء فإنّها تري‌ هذه‌ الاشياء مقابل‌ الله‌ تعالي‌، وبدلاً من‌ إفناء الموجودات‌ وإزالتها فإنّ هذه‌ العين‌ ينبغي‌ أن‌ تُعالج‌ وتُطبّب‌. وما أعجب‌ رفعَ الائمّة‌ الطاهرين‌ علیهم‌ السلام‌ هذه‌ الاستار عن‌ آيات‌ القرآن‌، وكشفهم‌ هذه‌ الحقائق‌ جليّة‌ للعيان‌!

 هذه‌ الآيات‌ هي‌ إعجاز القرآن‌؛ فقوله‌: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهُهُ معجزة‌؛ وقوله‌: كُلُّ مَنْ علیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ معجزة‌؛ وهذه‌ الروايات‌ التي‌ بُيِّنت‌ عن‌ مصادر الوحي‌، وأوضحت‌ لنا الحقائق‌ بهذه‌ الصورة‌ والكيفيّة‌، وأمعنت‌ النظر في‌ تنقيح‌ المطالب‌ هي‌ الاُخري‌ معجزة‌، إلاّ أنـّنا نمرّ علیها مرور الكرام‌، وننظر إليها نظراً بدائيّاً ساذجاً فنقول‌: يجب‌ أن‌ تزول‌ السماء وتزول‌ الارض‌ ليظهر التوحيد وقدرته‌.

 فما هو ذنب‌ السماء والارض‌؟

 لو كان‌ الإنسان‌ يمتلك‌ خزانة‌ مليئة‌ بالاوراق‌ النقديّة‌، وأراد إبطال‌ تلك‌ الاوراق‌، فلا ضرورة‌ أن‌ يحرقها جميعاً بعود الثقاب‌ ليحيلها رماداً، بل‌ يمكنه‌ أن‌ يدع‌ تلك‌ الاوراق‌ النقديّة‌ في‌ مكانها دون‌ أن‌ يمسّها بشي‌ء، كلّ ما هنالك‌ أنّ علی‌ المصرف‌ الذي‌ منحها الاعتبار أن‌ يُسقط‌ اعتباره‌ عنها، فينشر في‌ الصحف‌ أنّ الاوراق‌ النقديّة‌ الفلانيّة‌ لا اعتبار لها في‌ المصرف‌؛ وهكذا تفقد تلك‌ الاوراق‌ قيمتها بمجرّد هذا العمل‌، وبذلك‌ يُلغي‌ رصيد القيمة‌ التي‌ كانوا يعدّونها لكلّ ورقة‌ منها بعد أن‌ كانوا يعملون‌ في‌ ضوئها ويلتزمون‌ بآثارها. إنّ من‌ يمتلك‌ عيوناً ضعيفة‌ تعشو عن‌ رؤية‌ الشمس‌ في‌ رائعة‌ النهار يجب‌ ألاّ يقول‌: إنّ الشمس‌ يجب‌ أن‌ تُزال‌ لانّ عيني‌ لاتراها. بل‌ علیه‌ معالجة‌ عينه‌.

 الرجوع الي الفهرس

عدم‌ مشاهدة‌ فناء الموجودات‌ في‌ ذات‌ الله‌ ناشي‌ عن‌ الحول‌ في‌ النظر

 إنّ الاعين‌ التي‌ أصابها مرض‌ التراخوما، والعيون‌ الرمداء المريضة‌ المتورّمة‌ التي‌ تقطر دموعاً، حين‌ تنظر إلي‌ القمر ليلة‌ الرابع‌ عشر من‌ الشهر وقد اكتمل‌ بدراً كاملاً يشعّ علی‌ العالم‌ بنوره‌، فإنّها ستري‌ هالة‌ كبيرة‌ تحيط‌ بالقمر، لذا علیها ألاّ تقول‌ بأنّ القمر يجب‌ أن‌ يزول‌. افرضوا أنّ السماء والارض‌ قد أُزيلتا، فهل‌ ستصل‌ النفس‌ إلي‌ درجة‌ التوحيد وتصير موحّدة‌؟

 إنّ النفس‌ يجب‌ أن‌ تعالج‌، فإن‌ عالجها الإنسان‌ في‌ هذه‌ الدنيا فإنّ عالم‌ أمره‌ سيظهر في‌ هذه‌ الدنيا، وقيامته‌ ستقوم‌ هنا؛ أي‌: أنـّه‌ سيري‌ الله‌ تعالي‌ بوحدته‌، وإلاّ فإنّه‌ في‌ النهاية‌ سيتخطّي‌ بواسطة‌ الموت‌ جميع‌ عالم‌ الاسباب‌ هذا، إلي‌ حيث‌ يطلع‌ جانب‌ وجه‌ الله‌.

 وعلی‌ الإنسان‌ أن‌ يعترف‌ ـ شاء أم‌ أبي‌ ـ أن‌ لا موجود مؤثّر في‌ عالم‌ الوجود إلاّ الله‌ فهو عِلَّةُ الْعِلَلَ، وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

 وهكذا فإنّ الإقرار والاعتراف‌ بوحدانيّة‌ الله‌ هناك‌ أمر وجداني‌ّ.

 يُحكي‌ أنـّه‌ قيل‌ للّقلق‌: لماذا تبدّل‌ عشّك‌ باستمرار فَوق‌ قمم‌ الاشجار، فتُهاجر من‌ هذه‌ الشجرة‌ إلي‌ تلك‌؟ ابقَ في‌ عشّك‌ الذي‌ بنيته‌ علی‌ شجرة‌ واحدة‌ شأن‌ الطيور الاُخري‌.

 فأجاب‌: هذه‌ الاشجار ذات‌ رائحة‌ كريهة‌ متعفّنة‌، لذا أُجبر علی‌ السير والحركة‌ والانتقال‌ باستمرار.

 قيل‌ له‌: وأنـّي‌ لهذه‌ الاشجار أن‌ تكون‌ متعفّنة‌؟ (إذ يُقال‌ إنّ اللقلق‌ حين‌ يعشعش‌ علی‌ شجرة‌ ما ويضع‌ فراخه‌، فإنّ من‌ عادته‌ أن‌ يلقي‌ فضلاته‌ وأقذاره‌ هناك‌ فيسبّب‌ تعفّن‌ ذلك‌ المكان‌، لذا فإنّه‌ يغادره‌ إلي‌ شجرة‌ أُخري‌ وهكذا دواليك‌) إنّ الاشجار ليست‌ متعفّنة‌، ولكن‌ مادامت‌ أسافل‌ أعضائك‌ معك‌ فإنّ الاشجار جميعها ستكون‌ متعفّنة‌. أصلح‌ نفسك‌، فالعيب‌ ليس‌ في‌ الشجرة‌.

 وهكذا فإن‌ عالج‌ الإنسان‌ عينه‌ الحولاء فرأي‌ الله‌ واحداً فقد أصلح‌ أمره‌ فذاك‌، وإلاّ فإنّ الله‌ سبحانه‌ سيُري‌ الإنسان‌ في‌ عقبات‌ الموت‌ وبعده‌ أنـّه‌ واحد ليس‌ معه‌ غيره‌.

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ العطّار وزيت‌ الزيتون‌ والمستخدم‌ الاحول‌

 قيل‌: إنّ عطّاراً كان‌ له‌ مستخدم‌، وكان‌ هذا المستخدم‌ في‌ غاية‌ الحُسن‌ إلاّ أنّ فيه‌ عيباً واحداً، وهو أنـّه‌ كان‌ أحول‌ يري‌ الشي‌ء الواحد شيئين‌.

 وفي‌ ذات‌ يوم‌ قَدِم‌ مُشترٍ إلي‌ العطّار فسأله‌ أن‌ يبيعه‌ قنّينة‌ زيت‌، فأجلسه‌ العطّار وقال‌ للمستخدم‌: اذهب‌ إلي‌ منزلي‌ فوراً، تجد في‌ السرداب‌ قنّينة‌ زيت‌ فهاتها!

 أسرع‌ المستخدم‌ إلي‌ البيت‌ ونزل‌ إلي‌ السرداب‌ فرأي‌ قنّينتين‌ فيهما زيت‌ الزيتون‌. فتساءل‌ في‌ نفسه‌: أي‌ّ واحدةٍ منهما ينبغي‌ أن‌ آخذها؟ إن‌ أخذتُ هذه‌ فلربّما كان‌ يريد الاُخري‌، وإن‌ أخذتُ الاُخري‌ فلربّما كان‌ يريد هذه‌، كما أنـّه‌ لم‌ يطلبهما معاً. وهكذا وقف‌ المستخدم‌ يفكّر ثمّ عاد إلي‌ العطّار يمشي‌ الهوينا فقال‌: قلتَ إنّ في‌ السرداب‌ قنّينة‌ واحدة‌، لكنّي‌ رأيت‌ اثنتين‌، فأيّهما أجلب‌ لك‌؟

 قال‌ العطّـار: يا عـزيـزي‌! إنّها قنّينـة‌ واحـدة‌ وضعتها بيـدي‌ في‌ السرداب‌، فاذهب‌ وهاتها!

 عاد المسـتخدم‌ إلي‌ البيت‌ راكضاً، فدخل‌ السـرداب‌ ونظر محدّقاً فرأي‌ قنّينتين‌، وكلّما فرك‌ عينيه‌ رآهما اثنتين‌ لا واحـدة‌، لاريبة‌ في‌ ذلك‌.

 وهكذا عاد إلي‌ العطّار ثانية‌ فقال‌: لقد نظرت‌ إليهما بإمعان‌ فكانتا اثنتين‌! فامتعض‌ العطّار لجلوس‌ المشتري‌ وانتظاره‌ طويلاً، وخشي‌ أن‌ ينصرف‌ فيفقده‌، فأعطي‌ المستخدم‌ عصاه‌ وقاله‌ له‌: غاضباً: اذهب‌ واكسر إحدي‌ القنّينتين‌ وهاتِ الثانية‌.

 فعاد المستخدم‌ والعصا في‌ يده‌ ودخل‌ السرداب‌ فأهوي‌ بالعصا علی‌ إحداهما، فانكسرت‌ القنّينتان‌ كلتاهما وأُريق‌ زيتهما، فلم‌ يجد ثمّة‌ قنّينة‌ أُخـري‌ يأت‌ بها، وعندئذٍ وقـف‌ يفكّر أنـّه‌ ضرب‌ إحـداهما بعصـاه‌ ولم‌يضربهما معاً فكيف‌ انكسرتا. وقال‌ في‌ نفسه‌: لقد كانت‌ هناك‌ قنّينة‌ واحدة‌ في‌ الحقيقة‌، لكنّي‌ كنت‌ أري‌ إلي‌ جانبها قنّينة‌ أُخري‌ تخيّليّة‌ موهومة‌، وها قد جئت‌ أكسر إحداهما، لكنّي‌ لم‌ أهوِ بعصاي‌ علی‌ الموهومة‌ منهما وأُبقي‌ الحقيقيّة‌ علی‌ أقلّ تقدير لآخذها إلي‌ أُستاذي‌، بل‌ أهويت‌ بعصاي‌ علی‌ الحقيقيّة‌، فليس‌ ثمّة‌ من‌ قنّينة‌ هناك‌.[24]

 ولو شاء هذا المستخدم‌ أن‌ يدع‌ الحقّ سالماً ويكسر الباطل‌، لكان‌ علیه‌ أن‌ يُعالج‌ عينه‌ لتري‌ الواحد واحداً، ولتري‌ القنّينة‌ واحدة‌، ولو فعل‌ ذلك‌ لزهق‌ الباطل‌ تلقائيّاً.

 وهكذا فإنّ كسر الباطل‌ إنّما هو بمعالجة‌ العين‌، لا بالضرب‌ بالعصا، لانّ العصا تكسر الحقّ.

 ولقد فطن‌ هذا المستخدم‌ إلي‌ أنّ عيبه‌ في‌ حوله‌ ورؤيته‌ الشي‌ء شيئين‌ فكان‌ يفكّر في‌ نفسه‌ أنّه‌ سيعود إلي‌ صاحبه‌، وكيف‌ سيحكي‌ له‌ القصّة‌؟ وكيف‌ يبيّن‌ له‌ عيبه‌؟ وهكذا فقد اتّجه‌ نحو الصحراء خجلاً.

 الرجوع الي الفهرس

جميع‌ الناس‌ ـ عدا أهل‌ التوحيد ـ يُشركون‌ بالله‌ في‌ أعمالهم

 إنّ أفراد البشر العالم‌ منهم‌ والتاجر والكاسب‌ يقضون‌ العمر مغرمين‌ بالباطل‌، يبنون‌ لانفسهم‌ أصناماً متفرّقة‌ ويجعلونها شركاء للّه‌ تعالي‌، في‌ جميع‌ أعمالهم‌، من‌ كسب‌ وتجارة‌، ومطالعة‌ وعلم‌، وفي‌ الرئاسة‌ والجاه‌، ومحبّة‌ الاهل‌ والاولاد، وفي‌ كلّ نفس‌ يتنفّسونه‌ يضعون‌ صنماً إلي‌ جانب‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌ وقنّينة‌ زيت‌ باطلة‌ وهميّة‌ وشريكاً.

 لقد قال‌ النبي‌ّ يوسف‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ لرفيقيه‌ في‌ السجن‌: يَـ'صَـ'حِبَيِ الْسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَهُ الْوَ ' حِدُ الْقَهَّارُ. [25]

 حتّي‌ الطعام‌ الذي‌ يتناوله‌ الإنسان‌، والملعقة‌ التي‌ يرفعها يراهما مؤثّرين‌ مقابل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌، يشتري‌ فيراه‌ مؤثّراً، ويبيع‌ فيراه‌ مؤثّراً، وينام‌ فيراه‌ مؤثّراً، حتّي‌ أنـّه‌ يتناول‌ الإبريق‌ في‌ دورة‌ المياه‌ فيري‌ الإبريق‌ مؤثّراً مقابل‌ الله‌ تعالي‌، فضلاً عن‌ سائر الاعمال‌ المهمّة‌ الاُخري‌، وإذا صلّي‌ ورأي‌ نفسه‌ موجوداً مستقلاّ واقفاً للعبادة‌ في‌ ساحة‌ عظمة‌ الله‌، فإنّه‌ يكون‌ قد غرس‌ بذرة‌ أنّيّة‌ النفس‌.

 فممارساته‌ هذه‌ جميعاً شرك‌، لان‌ النظر الاستقلالي‌ّ إلي‌ الموجودات‌ مهما كان‌ وأي‌ّ فعل‌ كان‌، شركٌ بدون‌ استثناء. وتلك‌ الاُمور تمثّل‌ بأجمعها وجه‌ الخلق‌، وينبغي‌ لها أن‌ تزول‌ فيبقي‌ وجه‌ الله‌ لا سواه‌.

 مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَهِ بَاقٍ. [26]

 وإذا ما استطاع‌ الإنسان‌ القضاء علی‌ هذا النظر الاستقلالي‌ّ في‌ هذه‌ الدنيا بقوّة‌ التقوي‌ والتوكّل‌ والاستقامة‌ في‌ طي‌ّ طريق‌ الإخلاص‌، فستكون‌ قيامته‌ قد قامت‌؛ وإلاّ فإنّ تلك‌ الجهة‌ للوجه‌ الإلهي‌ّ ستطلع‌، فتدمغ‌ هذا العالم‌ كلّه‌ بختم‌ البُطلان‌، وسيري‌ الإنسان‌ آنذاك‌ هذا العالم‌ ـفي‌ عين‌ انعدامه‌ بنفسه‌ـ موجوداً بالله‌ تعالي‌، وستكون‌ الشمس‌ والقمر والكواكب‌ من‌ الثوابت‌ والسيّارات‌ معدومة‌ في‌ عين‌ وجودها، وموجودة‌ في‌ عين‌ انعدامها.

 إنّ غير الموحّدين‌ لا يرون‌ وجود تلك‌ الاشياء، بل‌ يرون‌ عدمها في‌ هيئة‌ الوجود. أمّا الموحّدون‌ فلا يرون‌ عدمها، بل‌ يرون‌ وجودها المجرّد قائماً بالحقّ.

 ومهما نادي‌ الانبياء والائمّة‌ بأنّ موجودات‌ العالم‌ ليست‌ فانية‌، فمن‌ ذا الذي‌ يقتنع‌؟ ولكن‌ حين‌ يظهر جانب‌ وجه‌ الله‌ فسيكون‌ مشهوداً للاءنسان‌ أنّ تلك‌ الاشياء كانت‌ معدومة‌ بأنفسها، وموجودة‌ بالحقّ.

 وسيُلاحظ‌ الإنسان‌ آنذاك‌ أنّ سلسلة‌ الاشياء التي‌ رتّبها لنفسه‌ واعتمد علیها من‌ مال‌ وعشـيرة‌ وولد وقدرة‌ و...؛ وتصوّر أنـّها سـتنفعه‌ وتعينه‌ وتأخذ بيده‌، وتشفيه‌ وتقضي‌ حاجاته‌؛ عاجزة‌ عن‌ فعل‌ أي‌ّ شي‌ء.

 وهكذا يُساق‌ الإنسان‌ إلي‌ القيامة‌، فيقول‌ المجرم‌:

 مَآ أَغْنَي‌' عَنِّي‌ مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي‌ سُلْطَـ'نِيَهْ. [27]

 إنّ ذلك‌ المال‌ الذي‌ كان‌ ينفعه‌ في‌ الدنيا، سوف‌ لن‌ ينفعه‌ يومئذٍ إذ إنّ ذلك‌ النظام‌ سيكون‌ قد طُوي‌، وهذا النظام‌ نظام‌ آخر له‌ نشأة‌ منفصلة‌، ومن‌ خصائصه‌ ومعالمه‌ أنّ المال‌ لا يمكنه‌ أن‌ يُغني‌ عن‌ الإنسان‌ شيئاً؛ ولو كانت‌ أموال‌ الدنيا جميعها متعلّقة‌ بالإنسان‌، لما أمكنها أن‌ تفعل‌ له‌ شيئاً: مَا أَغْنَي‌' عَنِّي‌ مَالِيَهْ. وأنّ هذا الوقت‌ هو وقت‌ ظهور وجه‌ الله‌ الذي‌ سيكون‌ مشهوداً فيه‌ كالشمس‌ في‌ رائعة‌ النهار أن‌: هَلَكَ عَنِّي‌ سُلْطَـ'نِيَهْ.

 هلك‌ سلطاني‌ وقدرتي‌ جميعهما، وتلاشت‌ تلك‌ القدرات‌ التي‌ امتلكتُها في‌ الدنيا وكنت‌ أنتفع‌ بها في‌ ذلك‌ النظام‌، وفنت‌ وامّحت‌، أي‌: أنـّها خُتمت‌ هنا بختم‌ البُطلان‌ المحض‌.

 وسيخاطبه‌ الله‌ تعالي‌ أو ملائكته‌ قائلين‌:

 خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي‌ سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ و كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَهِ الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ علی‌' طَعَامِ الْمِسْـكِينِ* فَلَيْـسَ لَهُ الْيَوْمَ هَـ'هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْـلِينٍ* لاَّيَأْكُلُهُ و ´ إِلاَّ الْخَـ'طِـُونَ. [28]

 ذلك‌ أنـّه‌ لم‌ يكن‌ من‌ المؤمنين‌ بالله‌ العظيم‌، وكان‌ يعدّ الموجودات‌ بأسرها مؤثّرة‌ عدا الله‌ تعالي‌، فلم‌ يكن‌ يصلّي‌ أو يرتبط‌ بالله‌ سبحانه‌، إذ إنّ الصلاة‌ تربط‌ الإنسان‌ بالله‌، وتقوّي‌ فيه‌ جانب‌ وجه‌ الله‌، وتضعف‌ جانب‌ مشاهدة‌ استقلال‌ العلل‌ وتأثير الاسباب‌. أي‌: أنّ الصلاة‌ لها أثر هامّ في‌ طبع‌ سلسلة‌ علل‌ عالم‌ الخلق‌ ومعلولاته‌ بختم‌ البطلان‌، وفي‌ ختم‌ جهة‌ وجه‌ الله‌ بختم‌ الحقّ والصحّة‌ والاعتبار.

 ومن‌ فوائد الصلاة‌ أيضاً أنـّها قربان‌ كلّ تقي‌ّ، وأنـّها تقرّب‌ كلّ فرد ملتزم‌ إلي‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌.

 والعلّة‌ الاُخري‌ (لاءلقائه‌ في‌ النار) هي‌ عدم‌ اهتمامه‌ بإطعام‌ المساكين‌؛ فإعطاء الزكاة‌ موجب‌ لطهارة‌ المال‌ والقلب‌. والإنفاق‌ في‌ سبيل‌ الله‌ تعالي‌ يخرج‌ الإنسان‌ من‌ العُجب‌ والغُرور. لانّ الإنسان‌ يحبّ المال‌ ويتعلّق‌ به‌ وحين‌ ينفقه‌ في‌ سبيل‌ الله‌ يكون‌ قد أنفق‌ محبّة‌ في‌ الله‌ تعالي‌، وهكذا فإنّه‌ يقترب‌ منه‌ تعالي‌.

 ولم‌ يكُ ذلك‌ المرء يُطعم‌ المساكين‌ والفقراء، لذا لم‌ يقترب‌ منّا وفي‌ النتيجة‌، فليس‌ له‌ ها هنا صديق‌ ولا حميم‌. حميمه‌ اليوم‌ عمله‌ الصالح‌، بَيدَ أنـّه‌ لم‌ يستصحبه‌ معه‌، فلا عون‌ له‌ ولا حميم‌.

 الرجوع الي الفهرس

ندم‌ المشركين‌ عند طلوع‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌

 وها هو أوان‌ طلوع‌ وجه‌ الله‌، لكن‌ هذا المرء لم‌ يجلب‌ معه‌ تلك‌ الاعمال‌ الصالحة‌ التي‌ ستعينه‌ يومئذٍ؛ لذا فعند ظهور وجه‌ الله‌ حيث‌ تجتمع‌ القدرة‌ في‌ الله‌ وحده‌، وتُشاهد الاشياء بأجمعها مُندكّة‌ فيه‌، تكون‌ قابليّة‌ مثل‌ هذا الشخص‌ ضعيفة‌، إذ لم‌ يحمل‌ معه‌ زاداً إلاّ الحسرة‌ والندم‌. طعامه‌ من‌ غِسلين‌، من‌ القيح‌ والدم‌ الفاسد المتعفّن‌، ومن‌ المعدن‌ المصهور، من‌ ذلك‌ الطعام‌ الذي‌ لا يحتمله‌ ولا يتجرّعه‌ إلاّ الخاطئون‌.

 قُل‌ لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَـ'وةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِّن‌ قَبْلِ أَن‌ يَأْتِي‌ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَـ'لٌ. [29]

 إنّ الصلاة‌ والإنفاق‌ ركنان‌ أساسيّان‌ للوصول‌ إلي‌ سماء المعرفة‌؛ فالصلاة‌ تصل‌ الإنسان‌ بالله‌ سبحانه‌ وتقوّي‌ نور الله‌ ونور التوحيد في‌ قلب‌ المرء؛ أمّا الزكاة‌ فتزيد علاقة‌ الإنسان‌ بربّه‌ وتنقصها بالدنيا.

 الصلاة‌، والزكاة‌ بمعناها المطلق‌ الذي‌ يمثّل‌ الإنفاق‌ في‌ سبيل‌ الله‌، هما جناحان‌ للسير والتحليق‌ في‌ عالم‌ التجرّد.

 حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ. [30]

 فالصلاة‌ والإنفاق‌ يُضعفان‌ هذا الحبّ لدي‌ الإنسان‌.

 إنّ يوم‌ القيامة‌ والجزاء يومٌ لا بيعٌ ينفع‌ فيه‌ ولا خُلّة‌ ولا تجارة‌، كما أنّ علاقات‌ الصداقة‌ الدنيويّة‌ ليست‌ مُثمرةً ولا مفيدة‌ هناك‌.

 ولو أعطي‌ الإنسان‌ يومئذٍ كلَّ ما يملك‌ من‌ أجل‌ نجاته‌ لما نفعه‌ ذلك‌ شيئاً، ولو كانت‌ الدنيا في‌ قبضته‌ وقايضها بالحصول‌ علی‌ صكّ نجاة‌ من‌ النار، أو تخفيف‌ العذاب‌ عنه‌، لما نفعه‌ ذلك‌، إذ ليس‌ هناك‌ بيع‌ ولا شراء ولا خلال‌. والصـداقة‌ لا تنفع‌ أيضاً إلاّ إذا كانت‌ علی‌ أسـاس‌ الروابط‌ الإيمانيّة‌. إذ إنّ صداقات‌ الدنيا برمّتها ستصبح‌ عدوّة‌ للاءنسان‌ في‌ ذلك‌ اليوم‌، فأولياء الله‌ هم‌ أصدقاء أولياء الله‌ وحَسب‌.

 وما لم‌ يمتلك‌ الإنسان‌ رابطة‌ وعلاقة‌ بالله‌ تعالي‌، وما لم‌ يكن‌ له‌ صديق‌ ولا ولي‌ّ في‌ سبيل‌ الله‌ تعالي‌، وما لم‌ تكن‌ له‌ خُلّة‌ في‌ سبيله‌ تعالي‌، فإنّه‌ سيكون‌ صفر اليدين‌.

 ومن‌ ثمّ فإنّ سلسلة‌ الاسباب‌ والمسبّبات‌ كلّها، الاصدقاء والاعوان‌ والاقوام‌ جميعهم‌ وسائر من‌ كان‌ يعتمد علیهم‌ الإنسان‌ في‌ الدنيا، والمال‌ الذي‌ كان‌ يركن‌ إليه‌، وبشكل‌ عامّ فإنّ كلّ أُسس‌ معيشة‌ حياة‌ الإنسان‌ التي‌ كان‌ يعتمد علیها في‌ الدنيا، ستصبح‌ هناك‌ صفراً لا قيمة‌ له‌.

 وسيقول‌ الملائكة‌ للاءنسان‌:

 لَقَد تَّقَطَعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم‌ مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ. [31]

 وحاصل‌ هذا البحث‌ أنّ الارض‌ والزمان‌ والموجودات‌ الخارجيّة‌ لاذنب‌ لها، وإذا ما كنتم‌ تتذمّرون‌ من‌ شي‌ء فلا تلعنوا الدهر والزمان‌، ولاتلعنوا الشمس‌ والارض‌ والسماء.

 الرجوع الي الفهرس

جوانب‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ لا تفيد ظهور الوجه‌ الإلهي‌ّ

 فقد ورد في‌ الرواية‌ أنّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌:

 لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَهُ. [32]

 فما الذي‌ يعني‌ الدهر؟ يعني‌ الشمس‌ والقمر والنجوم‌ والارض‌ وغير ذلك‌، وليست‌ هذه‌ بالسيّئة‌ الطالحة‌، بل‌ هي‌ صالحة‌ بأجمعها، وأساس‌ وجودها وجه‌ الله‌ تعالي‌، فذلك‌ العنوان‌ السيّي‌ الذي‌ تلصقونه‌ بها إنّما هو من‌ أنفسكم‌ وعنوان‌ القبح‌ من‌ وجهة‌ نظركم‌. لذا فإنّ النفس‌ السيّئة‌ والنفس‌ المذنبة‌ العاصية‌ هي‌ التي‌ تري‌ هذه‌ الموجودات‌ سيّئة‌.

 فلماذا ـ إذَن‌ ـ تسبّون‌ الموجودات‌ الخارجيّة‌؟! علیكم‌ إصلاح‌ أنفسكم‌ أوّلاً، وإصلاح‌ النفس‌ يعني‌ إعادة‌ الإنسان‌ بناء نفسه‌ ومعالجتها وتطهيرها وتنزيهها، لا القضاء علی‌ الموجودات‌ الخارجيّة‌.

 ومن‌ هذا المنطلق‌ ورد في‌ الحديث‌: مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، ما جاء في‌ «مثنوي‌» (ج‌ 6، ص‌ 20، طبعة‌ ميرخاني‌):

 بهر اين‌ گفت‌ آن‌ رسولِ خوش‌ پيام‌               رمز مُوتوا قبلَ مَوْتٍ يا كرام‌

 پس‌ قيامت‌ شو قيامت‌ را ببين                    ‌ ديدن‌ هر چير را شرطست‌ اين‌

 تا نگردي‌ اين‌ ندانيش‌ تمام             ‌ خواه‌ كان‌ أنوار باشد يا ظَلام‌ [33]

 وعلی‌ هذا الاساس‌ أُثر في‌ الدعاء:

 اللَهُمَّ أَرِنَا الاْشْيَاءَ كَمَا هِي‌َ.

 وقال‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

 لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً.

 وبناء علی‌ ما ذُكر فقد حُلّت‌ مسألتنا اليوم‌ بحمد الله‌ ومنّه‌، وعلمنا أنّ جميع‌ الروايات‌ التي‌ ذكرت‌ زوال‌ الارض‌، وزوال‌ الزمان‌، وفوران‌ البحار وتسجيرها، وكسوف‌ الشمس‌، وانشقاق‌ الارض‌، هي‌ كلّها حقّ، لكن‌ من‌ جهة‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ.

 أمّا من‌ جهة‌ وجه‌ الحقّ والوجه‌ الربّي‌ّ فإنّ كافة‌ هذه‌ الاشياء قائمة‌ بالله‌ تعالي‌ وثابتة‌ به‌، وأنـّه‌ سُبحانه‌ لا يحتاج‌ في‌ واحدانيّته‌ إلي‌ إزالة‌ الاشياء من‌ أجل‌ استوائه‌ علی‌ عرش‌ وحدته‌ وهيمنته‌ علیه‌.

 الله‌ عزّ وجلّ واحد وموحَّد، وجهة‌ وجه‌ الله‌ موجودة‌ قائمة‌ دائمة‌، ولامنافاة‌ بينها وبين‌ وحدة‌ الخالق‌ تعالي‌، بل‌ هي‌ مؤيّدة‌ لها.

 فما يتنافي‌ مع‌ الكون‌ موحّداً (لا مع‌ التوحيد والوحدة‌): الافكار الشهويّة‌ المتدنّسة‌ بالمعاصي‌ والآمال‌، التي‌ تفرّق‌ بين‌ الناس‌ وبين‌ الله‌ ولاتدع‌ الناس‌ يرون‌ نور الله‌ متجلّياً في‌ الموجودات‌ قاطبة‌، ولاتدعهم‌ يدركون‌ ذلك‌ التجلّي‌.

 فإذا أُصلحت‌ النفس‌ فإنّ جميع‌ هذه‌ المسائل‌ ستحلّ، وسيزول‌ التشاؤم‌ والنظرة‌ السيّئة‌، وسترتبط‌ سلسلة‌ العلل‌ وأسباب‌ عالم‌ الخلق‌ بالله‌ الخالق‌، وسيشرق‌ نور الله‌ تعالي‌ في‌ العوالم‌ كلّها، فيشاهد المؤمن‌ نور الله‌ ويُدركه‌ فيها، وهذا ـ لاغيره‌ ـ هو المقصود بالقيامة‌. لانّ القيامة‌ عالم‌ المعاد، والمعاد يعني‌ عودة‌ الإنسان‌ ورجوعه‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌:

 كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. [34]

 كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّـعِيدُهُ. [35]

 وإذا افتُرض‌ أنّ الإنسان‌ رحل‌ عن‌ الدنيا ولم‌ يصبح‌ جانب‌ وجه‌ الله‌ مشهوداً له‌، فإنّه‌ لم‌ يَعُد إلي‌ الله‌ تعالي‌.

 الرجوع الي الفهرس

القيامة‌ هي‌ محلّ إدراك‌ توحيد الله‌ لا محلّ التوحيد

 وحينئذٍ فإنّ الله‌ سيكون‌ قد خلق‌ الإنسان‌ وجزاه‌ علی‌ أعماله‌، مع‌ أنّ جزاء الاعمال‌ لا يعني‌ معاداً، إذ إنّ معني‌ المعاد هو العود إلي‌ الله‌، ويلزم‌ من‌ العود إلي‌ الله‌ انكشاف‌ جميع‌ الحقائق‌ التي‌ قد قام‌ الإنسان‌ بفعل‌ ظواهرها، لاأن‌ يكون‌ ذلك‌ معني‌ المعاد نفسه‌.

 ومن‌ هنا فإنّ إدراك‌ قدرة‌ الله‌ تعالي‌ وعظمته‌ وقهّاريّته‌ ووحدانيّته‌ سيحصل‌ في‌ المعاد وسيتّضح‌ في‌ القيامة‌ جليّاً، وليس‌ الامر بحيث‌ أنّ هذه‌ القدرة‌ والعظمة‌ والقهّاريّة‌ والوحدانيّة‌ والعدل‌، وسائر الصفات‌ العلیا والاسماء الحسني‌ ستظهر يوم‌ القيامة‌. فذلك‌ الإدراك‌ يحصل‌ لاولياء الله‌ في‌ هذه‌ الدنيا، وسيحصل‌ لعموم‌ الناس‌ في‌ القيامة‌ وفي‌ العوالم‌ التي‌ تعقب‌ الموت‌.

 وقد ورد في‌ ذيل‌ دعاء عرفة‌ لسيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ حسب‌ رواية‌ ابن‌ طاووس‌ قوله‌:

 إِلَهِي‌ عَلِمْتُ بِاخْتِلاَفِ الآثَارِ وتَنَقُّلاَتِ الاْطْوَارِ أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّي‌ أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَي‌َّ فِي‌ كُلِّ شَي‌ءٍ حَتَّي‌ لاَ أَجْهَلَكَ فِي‌ شَيْءٍ.

 إلي‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 إِلَهِي‌ أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَي‌ الآثَارِ فَارْجِعْنِي‌ إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الاْنْوَارِ وَهِدَايَةِ الاسْتِبْصَارِ حَتَّي‌ أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمَادِ علیهَا.

 إلي‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 أَنْتَ الَّذِي‌ أَشْرَقْتَ الاْنْوَارَ فِي‌ قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّي‌ عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ؛ وَأَنْتَ الَّذِي‌ أَزَلْتَ الاْغْيَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّي‌ لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَي‌ غَيْرِكَ؛ أَنْتَ الْمُؤْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوَالِمُ، وَأَنْتَ الَّذِي‌ هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الْمَعَالِمُ، مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟ وَمَا الَّذِي‌ فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟ [36]

 الرجوع الي الفهرس

أشعار حافظ‌ الشيرازي‌ّ في‌ تجلّي‌ توحيد التوحيد الإلهي‌ّ

 عكس‌ روي‌ تو چو در آئينة‌ جام‌ افتاد             صوفي‌ از خندة‌ مِي‌ در طمع‌ خام‌ افتاد [37]

 حسن‌ روي‌ تو به‌ يك‌ جلوه‌ كه‌ در آينه‌كرد                   اينهمه‌ نقش‌ در آئينة‌ اوهام‌ افتاد

 اين‌ همه‌ عكس‌ مِي‌ و نقش‌ونگاري‌ كه‌ نمود              يك‌ فروغ‌ رخ‌ ساقيست‌ كه‌ در جام‌ افتاد

 غيرت‌ عشق‌ زبان‌ همه‌ خاصان‌ ببريد                        كز كجا سِرِّ غمش‌ در دهنِ عام‌ افتاد

 من‌ ز مسجد به‌ خرابات‌ نه‌ خود افتادم‌                      اينم‌ از عهدِ ازل‌ حاصل‌ فرجام‌ افتاد

 چه‌ كند كز پي‌ دوران‌ نرود چون‌ پرگار             هر كه‌ در دايرة‌ گردشِ ايّام‌ افتاد

 هر دمش‌ با منِ دل‌ سوخته‌ لطفي‌ دگر است‌                         اين‌ گدا بين‌ كه‌ چه‌ شايستة‌ انعام‌ افتاد [38]

 زير شمشيرِ غمش‌ رقص‌ كنان‌ بايد رفت‌                    كانكه‌ شد كُشتة‌ او نيك‌ سرانجام‌ افتاد [39]

 أجل‌ إنّ ما ذكرناه‌ في‌ هذا البحث‌ من‌ طلوع‌ وشهود وجه‌ الله‌ في‌ عوالم‌ ما بعد الموت‌، وفناء وانعدام‌ الموجودات‌ جميعها، ببطلان‌ إدراك‌ الاستقلال‌ في‌ سلسلة‌ العلل‌ والمعلولات‌، لا يتنافي‌ مع‌ ما ورد في‌ ظاهر الآيات‌ والروايات‌ حول‌ كسوف‌ الشمس‌، وخسوف‌ القمر، وتسجير مياه‌ البحار يوم‌ القيامة‌، وذلك‌ لعدم‌ استبعاد وقوع‌ هذه‌ الحوادث‌ أيضاً في‌ الارض‌ والسماء يوم‌ القيامة‌ الكبري‌. فقد أخذنا ـإذَن‌ـ بالظاهر مضافاً إلي‌ أخذنا بتفسير القرآن‌ وتأويله‌، فللّه‌ الحمد وحده‌.

 الرجوع الي الفهرس

القرآن‌ يعتبر جميع‌ عوالم‌ الخلقة‌ آيات‌ للّه‌، أي‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌

 إنّ كلّ ما يصفه‌ القرآن‌ الكريم‌ من‌ الموجودات‌ جميعها يعبّر عنها بعنوان‌ الآية‌، والآية‌ تعني‌ العلامة‌ والدلالة‌ لذي‌ الآية‌؛ ومن‌ هنا فإنّ المخلوقات‌ جميعها تمثّل‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌، لانـّها آياته‌.

 وهكذا فإنّ عالم‌ الخلقة‌ الذي‌ هو آيات‌ إلهيّة‌، كلّه‌ وجه‌ الله‌ سبحانه‌:

 وَكَأَيِّن‌ مِّنْ ءَايَةٍ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ يَمُرُّونَ علیهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. [40]

 وَمِنْ ءَايَـ'تِهِ خَلْقُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن‌ دَآبَّةٍ وَهُوَ علی‌' جِمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ. [41]

 وما أجمل‌ وصف‌ الاُزري‌ّ وجه‌ رسول‌ الله‌ في‌ قصيدته‌ إذ نعته‌ بوجه‌ الله‌:

 هُوَ سِرُّ السُّجُودِ فِي‌ الْمَلاَ الاْ عْـ             ـلَي‌ وَلَوْلاَهُ لَمْ تُعَفَّرْ جِبَاهَا

 وَهُوَ الآيَةُ الْمُحِيطَةُ بِالْكَوْنِ فَفـِ                ـي‌ عَيْنِ كُلِّ شَيْءٍ تَرَاهَا

 اَلْفَرِيدُ الَّذِي‌ مَفَاتِيحُ عِلْمِ الـْ                     ـوَاحِدِ الْفَرْدِ غَيْرُهُ مَا حَوَاهَا

 هُوَ طَاوُوسُ رَوْضَةِ الْمُلْكِ بَلْ                  نَامُوسُهَا الاْكْبَرُ الَّذِي‌ يَرْعَاهَا

 وَهُوَ الْجَوْهَرُ الْمُجَرَّدُ مِنْهُ                        كُلَّ نَفْسٍ مَلِيكُهَا زَكَّاهَا[42]


 

 

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 83، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[2] ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1، ص‌ 359 و 360، الخطبة‌ 184، طبعة‌ محمّد عبده‌ ـ مصر.

[3] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 585.

[4] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 581.

[5] ـ «توحيد الصدوق‌» ص‌ 234.

[6] ـ «الامالي‌» للصدوق‌، ص‌ 107.

[7] ـ «الاحتجاج‌» طبعة‌ النجف‌، ج‌ 2، ص‌ 97 و 98.

[8] «الاحتجاج‌» طبعة‌ النجف‌، ج‌ 2، ص‌ 97 و 98.

[9] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 511.

[10] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الحديثة‌، ج‌ 6، ص‌ 330.

[11] ـ الكتاب‌ مؤلّف‌ زمن‌ حياة‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ سرّه‌، وآثرنا الإبقاء علی‌ تعبير المصنّف‌، وهذا هو دأبنا في‌ مطاوي‌ الكتاب‌. (م‌)

[12] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الحديثة‌، ج‌ 6، تعلیقة‌ ص‌ 330.

[13] ـ صدر الآية‌ 83، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[14] ـ القسم‌ الاعظم‌ من‌ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 112: الإخلاص‌.

[15] ـ الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[16] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[17] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[18] ـ صدر الآية‌ 255، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[19] ـ الفقرة‌ الاخيرة‌ من‌ الآية‌ 61، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌؛ و في‌ آيات‌ كثيرة‌ أُخري‌.

[20] ـ الفقرة‌ الاخيرة‌ من‌ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 17: الإسراء؛ وفي‌ آيات‌ أُخري‌.

[21] ـ صدر الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 47: محمّد.

[22] ـ صدر الآية‌ 255، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌؛ والآية‌ 2، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[23] ـ صدر الآية‌ 111، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[24] ـ «لسان‌ الغيب‌» للحاجّ ميرزا كريم‌ الصابوني‌ّ، ص‌ 4.

[25] ـ الآية‌ 39، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[26] ـ صدر الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[27] ـ الآيتان‌ 28 و 29، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[28] ـ الآيات‌ 30 إلي‌ 37، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[29] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[30] ـ «الجامع‌ الصغير» للسيوطي‌ّ، ص‌ 146، عن‌ البيهقي‌ّ في‌ كتاب‌ «شعب‌ الإيمان‌» عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

[31] ـ الآية‌ 94، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[32] ـ «إحياء العلوم‌» ج‌ 4، ص‌ 345.

[33] ـ يقول‌: من‌ أجل‌ هذا قال‌ ذلك‌ الرسول‌ ذو الرسالة‌ الكريمة‌: موتوا قبل‌ موتٍ يا كرام‌.

 فكُن‌ قيامةً ـ إذَن‌ ـ لتري‌ القيامة‌، لان‌ شرط‌ رؤية‌ كلّ مقام‌، أن‌ تكون‌ في‌ ذلك‌ المقام‌.

 وما لم‌ تكن‌ كذلك‌ فإنّك‌ لا تدركه‌ تماماً، سواء كان‌ ذلك‌ نوراً أم‌ ظلاماً.

[34] ـ المقطع‌ الاخير من‌ الآية‌ 29، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[35] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 104، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[36] ـ هذه‌ المطالب‌ ضمن‌ ذيل‌ دعاء عرفه‌ لسيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ في‌ موقف‌ عرفة‌، وقد أوردها السيّد الاجلّ علی‌ّ بن‌ طاووس‌ في‌ كتاب‌ «الإقبال‌» ص‌ 348 و 349. ونقلها المرحوم‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ المجلّد العشرين‌ من‌ «بحار الانوار» ص‌ 286 ï ïعن‌ كتاب‌ «الإقبال‌». وله‌ في‌ ذيل‌ هذا الدعاء كلام‌ ننقله‌ هنا نصّاً: قد أورد الكفعمي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ أيضاً هذا الدعاء في‌ «البلد الامين‌»؛ وابن‌ طاووس‌ في‌ «مصباح‌ الزائر» كما سبق‌ ذكرهما. ولكن‌ ليست‌ في‌ آخره‌ فيهما بقدر ورقة‌ تقريباً، وهو من‌ قوله‌: «إلهي‌ أنا الفقير في‌ غناي‌» إلي‌ آخر هذا الدعاء، وكذا لم‌ توجد هذه‌ الورقة‌ في‌ بعض‌ النسخ‌ العتيقة‌ من‌ «الإقبال‌» أيضاً. وعبارات‌ هذه‌ الورقة‌ لا تلائم‌ سياق‌ أدعيه‌ السادة‌ المعصومين‌ أيضاً، وإنّما هي‌ علی‌ وفق‌ مذاق‌ الصوفيّة‌. ولذلك‌ قد مال‌ بعض‌ الافاضل‌ إلي‌ كون‌ هذه‌ الزيادة‌ من‌ مزيدات‌ بعض‌ مشايخ‌ الصوفيّة‌ ومن‌ إلحاقاته‌ وإدخالاته‌.

 وبالجملة‌ هذه‌ الزيادة‌ أمّا وقعت‌ من‌ بعضهم‌ أوّلاً في‌ بعض‌ الكتب‌، وأخذ ابن‌ طاووس‌ عنه‌ في‌ «الإقبال‌» غفلةً عن‌ حقيقة‌ الحال‌، أو وقعت‌ ثانياً من‌ بعضهم‌ في‌ نفس‌ كتاب‌ «الإقبال‌» ولعلّ الثاني‌ أظهر علی‌ ما أومأنا إليه‌ من‌ عدم‌ وجدانها في‌ بعض‌ النسخ‌ العتيقة‌ وفي‌ «مصباح‌ الزائر» والله‌ أعلم‌ بحقايق‌ الاحوال‌ ـ انتهي‌.

 وأنا أقول‌: إنّ هذه‌ الفقرات‌ من‌ الدعاء ذكرها العارف‌ المشهور أحمد بن‌ محمّدبن‌ عبدالكريم‌ بن‌ عطاء الله‌ الإسكندري‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 709 هجريّة‌ في‌ كتابه‌ المسمّي‌ بـ «الحِكم‌ العطائيّة‌ والمناجاة‌ الإلهيّة‌» حيث‌ عُدّت‌ من‌ جملة‌ أدعية‌ هذا العارف‌ ومناجاته‌. وكانت‌ وفاة‌ ابن‌ طاووس‌ علی‌ ما في‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 42، ص‌ 184، في‌ سنة‌ 664 هجريّة‌، فإذا صحّت‌ نسبة‌ هذا الدعاء إلي‌ ابن‌ عطاء فمن‌ المستبعد أن‌ ينقلها ابن‌ طاووس‌ في‌ كتابه‌ في‌ حين‌ أنّ ابن‌ عطاء توفّي‌ بعد ابن‌ طاووس‌ بـ ( 45 سنة‌). لذا فإنّ الاحتمال‌ الثاني‌ للمجلسي‌ّ أُرجح‌. ولكن‌ يمكننا أن‌ نقول‌: إنّ هذا الدعاء لسيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ نفسه‌ بَيدَ أنّ ابن‌ طاووس‌ لم‌ يعثر علی‌ هذه‌ الفقرة‌ عند تأليف‌ «مصباح‌ الزائر» وأوردها في‌ «الإقبال‌»، ثمّ نقل‌ ابن‌ عطاء ـوكان‌ معاصراً لابن‌ طاووس‌ ومتأخّراً عنه‌ـ هذا الدعاء عن‌ ابن‌ طاووس‌ وذلك‌ في‌ كتابه‌ «الحكم‌» وكان‌ يُناجي‌ به‌، لذا عُدّ من‌ مناجاته‌ بعد وفاة‌ ابن‌ عطاء.

[37] ـ «ديوان‌ حافظ‌» طبعة‌ پژمان‌، ص‌ 79 و 80.

 يقول‌: حين‌ انعكست‌ طلعتك‌ في‌ مرآة‌ الكأس‌، (أي‌ في‌ قلب‌ العارف‌) فقد طمع‌ العارف‌ ـمن‌ نور الكأس‌ـ في‌ الشراب‌.

 

[38] ـ يقول‌: ولمّا تجلّي‌ حُسن‌ وجهك‌ في‌ المرآة‌ مرّةً، فقد تجلّي‌ في‌ مرآة‌ الاوهام‌ كلّ هذه‌ النقوش‌ والرسوم‌.

 لم‌ تكن‌ كلّ هذه‌ الصور والرسوم‌ والنقوش‌ التي‌ كان‌ يُجلّيها، إلاّ شعاع‌ واحد من‌ طلعة‌ الساقي‌ التي‌ انعكست‌ في‌ الكأس‌.

 لقد أخرست‌ غيرةُ العشق‌ لسان‌ الخواصّ جميعاً، أن‌ كيف‌ دارت‌ ألسنة‌ الجميع‌ بسرّ غمّ الحبيب‌ وعشقه‌؟

 لم‌ آتِ من‌ المسجد إلي‌ التكية‌ من‌ تلقاء نفسي‌، بل‌ ساقني‌ إليه‌ الاجل‌ من‌ الازل‌ المكتوب‌.

 وما الذي‌ يفعله‌ لئلاّ يدور ـ كدوران‌ الفرجار ـ بدوران‌ الدهر، مَن‌ تهاوي‌ في‌ دائرة‌ دوران‌ الايّام‌؟

 (أي‌ أنّ من‌ سقط‌ بدائرة‌ دوران‌ الايّام‌ والدنيا، فلن‌ يكون‌ قادراً علی‌ عدم‌ اتّباع‌ دوران‌ الدهر). كلّ نَفَس‌ منه‌ لطفٌ بي‌، أنا صاحب‌ القلب‌ المحترق‌ الواله‌، فانظر إلي‌ هذا الشحّاذ كيف‌ صار لائقاً بأنعامٍ كهذا!

[39] ـ يقول‌: يجب‌ علی‌ّ التسليم‌ لحدّ سيفه‌ راقصاً جذلاً، إذ صار محمودَ العاقبة‌ مَن‌ كانَ قتيله‌!

[40] ـ الآية‌ 105، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[41] ـ الآية‌ 29، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[42] ـ «ديوان‌ الاُزري‌ّ» ص‌ 137.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com